%@ Language=JavaScript %>
|
لا للأحتلال لا للخصخصة لا للفيدرالية لا للعولمة والتبعية |
|||
---|---|---|---|---|
صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين |
||||
للمراسلة webmaster@saotaliassar.org |
مشروع تحليل خمسين رواية عربية نسوية :
رواية (حلم وردي فاتح اللون)
للروائية (ميسلون هادي)
(7/ الأخيرة)
د. حسين سرمك حسن
بغداد المحروسة
ملاحظة : انتهيت من كتابة هذه الدراسة يوم 2/آب/2010
# القصّة القصيرة فن .. والرواية علم :
وكنت أقول دائما أن القصة القصيرة فن ، أما الرواية فهي علم . في الرواية حسابات وتخطيط وبناء هندسي ومعمار يُشاد .. وهذا ما تدركه الكاتبة بحذاقة . فالفقرة الإفتتاحية التي تستهل بها الصفحة الأولى من روايتها وهي تحاور قلبها ( في رأسي أتكوّن من جديد كلّ مساء نفسا أخرى جديدة ... إلخ ) ، تعود إلى ذكرها من جديد بتمامها على الصفحة (114) . لكنها تكررها الآن وقد تكشفت لدينا معطيات جديدة عن شخصية فادية في أزمة مجيء آني وابنها ياسر ، والعلاقة العاطفية التي بدأت تتأسس بينها وبين ياسر ، ولهذا نجدها تضيف إلى الفقرة السابقة أربعة أسطر جديدة تقول فيها :
( كنت أعرف أن بقائي معهما خطأ وليس سؤالا بلا جواب ، ولكن الأيام يجر بعضها بعضا ، ولا مجال للتفكير بخروجهما مع هذا الحشد الأمريكي المفاجيء الذي تصادف وجوده في المنطقة مع دخولهما البيت- ص 114 ) .
لكن بقاءها مع الأم وابنها رغم أن ختام عرضت عليها أن تخبيء الشاب عندها ، يؤيد ما قرّره القلب ، فهو سؤال بلا جواب ، سؤال جوابه في أعماق اللاشعور ، جواب مختزن ولائب يتحكم بأفعالنا من دون أن ندري يجعلنا لا نعرف هل فعلنا الشيء الصحيح من الخطأ . يقف عقلنا الواعي عاجزا عن الحكم على طبيعة تصرّفنا الذي يأتي كسؤال معلّق بلا إجابة مقنعة . لكن القلب يعرف ما لا يعرفه العقل . إن مصائرنا هي أقدار يكتبها اللاشعور على جبين حيواتنا كما قلنا ، ولذلك فلا عشوائية في السلوك البشري مطلقا .. هناك سلوك غير مفهوم لأن وعينا لا يمسك بأسبابه ، ولكن لاشعورنا يتلمظ فهو يعرف تماما لماذا قمنا بهذا الفعل دون ذاك . ولهذا نبدأ بالتساؤلات المتكررة والمتشابكة المدوّخة التي كلما اشتدت كلما دلّ ذلك على ضغط حفزة مكبوتة عنيفة . مثل هذه التساؤلات هي التي استولت على فادية وهي تحاول فك أسرار القدر الذي رُسم لها في هذا البيت :
( لم يدر بخلدي أن آخر سبعة أيام قضيتها فيه سترسم لي موعدا قدريا كان يتقدم لكي يختارني مادمت أنا التي اخترت هذا البيت منذ البداية .. فهل عندما نختار سنُختار ، وستمضي حياتنا بطريقة أخرى منذ اللحظة التي يتم فيها هذا الاختيار ؟ ولكن هذا لم يحدث معي من قبل ، وكنت دائما أدقق في الاختيار ، فكيف عندما جاء الوقت لأكون في نهار عمري وسيدة مصيري يخطفني القدر بهذا الشكل ، ويملي علي ذلك الاختيار الذي وصل إلى شطره الأخير ، عندما قرر ياسر الفرار عبر النهر وقررت أنا الخروج أيضا إلى غرفة في بيت ختام – ص 122 ) .
وهي هنا تعيدنا إلى تساؤلات القسم الأول الإفتتاحي بنوع من التواتر حيث تساءلت :
( كيف خطر ببالي أن أسكن ذلك البيت ذا الباب العالي ؟ وهل كان هو الذي اختارني عن عمد أم أنا التي اخترته دون قصد ؟ وكم كانت غريبة تلك الأيام التي قضيتها فيه ، عندما حدث أن نظرتُ إليه ونظر إلأي وابتسمنا وحُسم الأمر ؟ – ص 8 ) .
المهم أنها قبل سبع سنوات لم تكن تعرفه ولا يعرفها ، فقد كانت في الجبل الأخضر في ليبيا ، وهو في بوسطن في الولايات المتحدة الأمريكية ، وقبل سبعة أشهر كانت هي في بغداد وهو في الموصل ، وقبل سبعة أيام أسبحا يعيشان في بيت واحد كما تقول ، وتعلن دهشتها من حركة مصائر غريبة تبدو عشوائية مثل هذه . وأقول (تبدو) عشوائية رغم أنها ليست كذلك من جوانب كثيرة قد توسّع فهمنا لعمل (الأقدار) ولو بدرجة بسيطة ، فخلاف ما تقوله فادية من أنها لم تكن تعرف ياسر قبل سبع سنوات ، فها هو ياسر يذّكرها بأنه قد إلتقاها قبل سبع سنوات في منطقة (العبدلي) قبل أن تسافر هي وشقيقته (سارة) إلى ليبيا . لا تهدر الذاكرة البشرية أي قشة من قش الحوادث ، وقد تكون هذه القشة هي المنتظرة التي ستقصم ظهر التلاحق الذي يبدو تصادفيا . لا توجد صدفة في الحياة ، الصدفة هي تقاطع ضرورتين . ولهذا فقد سارت فادية في طريق ضرورة (مكتوبة) على جبين مسيرتها الحياتية وهو أن ترحل إلى ليبيا مع سارة للعمل في ليبيا ، وقد عاشتا سوية سبع سنوات ، ولا شيء لديهن هناك سوى العمل واجترار الذكريات، قهل يُعقل أن سارة لم تحدّث فادية عن عائلتها وخصوصا أخاها ياسر .. عن حياته .. واهتمامه بالموسيقى .. وسفره إلى الولايات المتحدة .. وغيرها من التفصيلات ؟ . وهذه التفصيلات تتناسب مع الخصال النفسية لفادية الساموراي الرومانسي الأخير كما وصفناها . ومثل هذا قد ، وأقول : قد ، حصل لياسر الذي اختزن مشاعره في ذلك اللقاء السريع بفادية – وقد تكون أخته قد حدثته عنها لاحقا - ، وكلاهما قد يكون نسي وجه الآخر ولم يحفظه في أرشيف ذاكرته الواعية ، ولكنها - أي الصورة - انزلقت إلى اللاشعور ، وهناك الصورة لا تفنى ولا تُخلق من العدم – وتبقى تلوب وتضغط وتتحكم بسلوكياتنا . وحين عادت فادية عودة نهائية إلى بغداد من ليبيا وجدت بيتين آمنين للسكن وحدها في أحدهما لأن كل أفراد عائلتها قد رحلوا إلى المنافي ؛ الأول بيت فارغ يقع في زقاق قريب من الشوارع الأربعة ، يتوسل أصحابه بمن يسكن فيه بدون مقابل حفظا له من أذى الآخرين ، وكان هو الأقرب إلى الإختيار المؤكد كما تقول وهو مجاني ، لكنها فضلت الاختيار الثاني وهو بيت جدّ ياسر فمن دلّها عليه ؟ ، سارة التي هاجرت من ليبيا إلى الدنمارك بعد زواجها ؟ وكيف علمت ساره أن فاديه تبحث عن بيت للإيجار ؟ إنهما تتواصلان بفعل العلاقة الحميمة التي من المحتم كانت خيوطها توصل إلى الذكريات العائلية وياسر تحديدا. كانت الصورة الدفينة اللائبة تضغط من وراء ستار - وليس معنى أننا لا نرى مخرج المسرحية أنه غير موجود - . ولماذا عاد ياسر من الولايات المتحدة ؟ هل لأنه شاهد أستاذه يقيم الحفلات الموسيقية ويهديها إلى أطفال العراق وهو يعزف في هذه الحفلات ووطنه يحترق ؟ ممكن . لكن أليس من الأشد إمكانا أن نقول أن البحث عن موضوع الحب المناقض لسلوك ( جوزيل ) ، وتفكيره الدائب بالحضن الأمومي ، الحضن الذي "استعاده" وجاء به مفزوعا من الموصل ليستقر في المخبأ السري في بيت جدّه ، كان عاملا ضاغطا أيضا ؟ . وأن بحثه الدائب والمستتر عن موضوع الحب الأثير جعله يسلك ذاك السلوك " المدمّر " للذات ولمشروعه ، ويعود بطريقة " هروبية " إلى الموصل ؟ . ومن المستحيل أن نترك التاريخ الفردي للشخص وندرس حياته من خلال التاريخ الجمعي رغم أهميته . ولماذا اختارت فادية بيت جدّ سارة في حين أنها قالت أن البيت الأول كان هو الأقرب إلى الإختيار المؤكد ؟ وقد عادت بعد أن توثقت علاقتها بياسر إلى البيت / الإختيار القديم فوجدته مشغولا بالناس والبيوت من حوله ، مثل كلّ بيوت العراقيين ، لكل بيت طابقان وحديقة تتقدمها قمرية تعرّش فوقها الجهنميات ، أي أنه لا يختلف عن هذا البيت . ولكن مكالمة سارة ( التصادفية ) قد تصادفت مع استشارة من معلمتها الأبدية / الحديقة الأم الحانية : ( نظرت إليه من الخارج فوجدته أكثر جمالا من البيت الأول ، ويقع في جوار هاديء جدا .. يبدو كالقاعة الامتحانية من شدّة الهدوء (حتى أوصافها من أيام التلمذة والشفافية والرومانسيات - الناقد) فامتلأ رأسي بزقزقات العصافير،ونادت فاختة من الأعالي : (كوكوكتي .. وين أختي) فقلت كأنها تناديني ، واخترته على الفور – ص 122 ) .
كلّها ( مصادفات ) بريئة في الظاهر ، لكن التخطيط يجري بصبر وأناة في غرفة اللاشعور المظلمة . هل لوينا عنق الحقائق ؟ ممكن . وهل نبرّر علاقة حب محتدمة خلال سبعة أيام بين طرفين لا يعرف أحدهما الآخر لو لم تتأسس هذه العلاقة على بناء صبور استمر مدة طويلة قد تستمر سبع سنوات توّج بعدها بإخراج المشهد الأخير الذي لا "يُصدّق" ؟ .
وإذا كانت عودة ميسلون إلى الطرق على المشهد الافتتاحي ( في رأسي أتكون من جديد كلّ مساء ... ) بأكمله في ما يسمّى بالتواتر - frequency في السرد الروائي والذي يجمع المختصون بعلم السرديّات والنقاد على أنها طريقة لربط المقدمات بالنهائيات بصورة تحافظ على وحدة المسار السردي أمام القاريء ، ولكن هذا لا ينطبق على ميسلون هنا ، فما بدأت به روايتها - القسم (1) - هو في الحقيقة جوهر عملية الانتظار في القسم الأخير منها – القسم (24) . وسنرى الإختلاف الجوهري بعد لحظات . في رجعة أخرى تعود الكاتبة إلى جملة جزئية قد تبدو بسيطة ومبتسرة حيث سبق لها أن قالت وعلى الصفحة السادسة :
( كنت أنظر من نافذة غرفتي العلوية ، بعد أن عدت مبكرة من كلّيتي ، لأشهد هذا النهار الشتائي الذي لا يبدو مختلفا عن أي نهار شتائي آخر إلا لمن تغمره السعادة مثلي الآن ) ،
وضمن عملية التواتر نفسها لتفتتح بها المشهد النهائي على الصفحة (142) ولتغلق دائرة الرحلة الروائية مع ترك باب الانتظار - كالعادة - مشرعا على مصراعيه :
( كنت أنظر من نافذتي العلوية إلى بيت ياسر الذي كان يغرق في نور الشمس تارة ويعتم بالظل تارة أخرى ) .
لم تبرّر لنا سرّ بهجتها ذلك اليوم ، وقطعت بنا – وعبر وقائع شائكة ، بعضها حبس أنفاسنا كما يُقال - شوطا سرديا طويلا لتكشف لنا سرّ سعادتها ، ودافع العهد الذي قطعته على نفسها :
( لن أغادر هذا الشباك حتى ينتهي اليوم إلى مستقر أخير .. لن أغادره حتى إن نعست أو عطشت .. وفي هذا المكان سأتناول غدائي وأشرب شايي ,أراقب أخبار التلفزيون .. لا يهمني من غاب أو حضر ومن فاز أو خسر ..لن أكترث الساعة لغيري من الناس ، وسأظل أنظر من نافذة صغيرة كهذه وأراقب هذا النهار المختلف كيف يطلع على الباب العالي ويسفح نوره الساطع على الحيطان – ص 7 ) .
لا نعلم سبب هذه البهجة الغامرة .. ولا حتى أين يقع غرفتها وهي تشير بعد خطوات من هذا القسم الإفتتتاحي إلى أنها قضت أياما غريبة في البيت ذا الباب العالي ، أي أنها خارجه الآن . ومهمتها الأساسية وهي تعتكف عند شباك غرفتها العلوية هو أن تنشغل :
( بالنظر بعيدا إلى نهاية الشارع لعلّ ضجة أخرى تقوم هناك فتضع حدا لهذا الانتظار الطويل الذي يمطر الأفكار عن قصة حدثت منذ وقت طويل ، لكن خيوطها الأخيرة تتجمع الآن قرب الباب العالي وأمامه ، لتكتب لها نهاية جديدة في نهاية الشارع – ص 8 ) .
وإذا كنت قد قلت أن كتابة القصة القصيرة فن ،وأن كتابة الرواية علم ، فإن ما هناك قاعدة تقابلها على مستوى القراءة وهي أن قراءة القصة القصيرة أشبه بتحضير واجب يومي في درس محبب ، أما قراءة الرواية فهي استعداد مضن لامتحان نهائي ، على القاريء فيه أن يركّز ويستظهر ويدقّق وحتى "ينقد" . على قاريء رواية ميسلون هذه أن لا ينسى القسم الافتتاحي الأول ..لا ينسى سبب فرح فادية ..عودتها السريعة من الكلية التي تدرّس فيها .. إصرارها على الانقطاع عن العالم بأكمله عدا النظر من نافذة غرفتها العلوية إلى نهاية الشارع .. وأن يحتفظ في طيات ذاكرة متألقة بسؤال عما تنظر أن يطل عليها من نهاية الشارع .. وما هي طبيعة الانتظار الطويل الذي سيضع حدّا له ؟ .. هذا ما ستخبرنا به ميسلون في ختام الرواية : فبعد أن يُلقى القبض على ياسر وتُجهض قصة حبه لفادية .. تمضي فادية سنتين في غرفة بالطابق العلوي من بيت ختام منتظرة إياه .. لقد أُسر حبيبها في سجون الغزاة .. وظل إخوتها يتلكؤون في العودة .. وكانت فادية تحلم مرّة بعد مرّة ببستان يابس مملوءة أرضه بالورق الأصفر المتساقط فتقول لها ختام ، إبنة الربيع كما تلقبها : (- هذا همّ .. البستان اليابس همّ .. فلا تهتمي . أن يُعتقل ياسر هنا أفضل من أن يسافر ويتغرب ويضيع هناك – 136 ) .
... ولكن لابدّ أن يكون لكل انتظار خاتمة ..تكسر حلقة دوّامته ..ها هي فادية تقول : ( أما ياسر فإنه اليوم يخرج من السجن بعفو عام .. وآني تخرج ، بين الحين والآخر ، لتضع مزيدا من الياس على الأبواب وتصفّ الكراسي في الحديقة .. ثمة فرقة موسيقية مزهوة في الباب لم تتوقف لحظة واحدة عن عزف موسيقى القرب تلك التي كنا نسمعها في الاحتفالات الرياضية والوطنية .. لا أدري من أين جاءت بها أمه ؟ ولكنها قالت أن خروج ابنها من السجن هو يوم وطني وعيد مجيد – ص 142و143 ) ..
ولا تستطيع الكاتبة – وهي تنتظر وصول ياسر إلى البيت - ونحن على بعد صفحة واحدة من نهاية الرواية أن تنسى تقديم الدرس التربوي الأخير من الحديقة الحكيمة .. والعظة من نحلة رقيقة الآن :
( الشمس الساطعة في السماء توحي بجو دافيء رغم البرد الشديد ، وثمة نباتات صغيرة أمالت رؤوسها حيث يتدفق النور وكأنها خير من يدرك السعادة . نحلة صغيرة بنّية اللون كانت تحلّق فوقها بهدوء فتبدو طافية في الهواء من شدّة النحول . إنها إن نظرت إلي الآن لن أعرف ، وإن تنبأت بمكان وردة أخرى لن أعرف ، ولكنها تبدو سعيدة وغير مبالية ، وتقول لي بلا لسان إن خير من يدرك السعادة هو من يفتح قلبه للحياة بغريزة النحل وشهادة العسل –ص 144 ) ...
الله .. أنظر ما الذي يفعله الحب بالإنسان .. يعيده لاشعورا عاريا كالإنسان البدائي .. يعرف لغة النباتات .. ويتفاهم مع النحلة ويدرك مشاعرها .. الحب " يؤنسن " حتى الموجودات الجامدة ويمدّ جسورا خفية بينها وبين الذات العاشقة .. مثل هذه الأرواح الكبيرة المتيمة التي تتحرك بغريزة النحل وشهادة العسل هي الوحيدة القادرة على إشاعة السلام في المجتمع .. حتى الماء بدأ يشرق من الأوعية الكبيرة: ( اليوم البيت بيت مثلما يجب أن يكون البيت الجميل ؛ أطفال وطعام وأزهار وكلام وضحك ولعب وضجيج . اليوم باب مفتوح وجرس لا يكف عن الرنين ، ودراجة فتى الحدائق مركونة بجانبه ، ليس عمّار الذي لم يعد من الديوانية قط ، وقالوا إنه هاجر هو الآخر إلى الدنمارك ، وإنما الحدائقي الجديد الذي يشابهه في العمر واسمه ، ويا للصدفة ، عمّار أيضا – ص 143) .
ولاحظ لعبة الحدائقي واسمه ، يذهب حدائقي فينبع آخر بنفس الدور والإسم .. حياة حديقة الحياة لن تتعطل .. وعجلة نمائها الهادرة تدور .. ضربة الرجل الأمريكي على الباب كانت من الممكن أن تدمّر حياة فادية قبل عامين وهي تبحث عن ياسر .. لكن هذه الضربة جمعتها به :
( تلك الضربة -وهنا فلسفة الموقف المقاوم - أفزعتني وأرعبتني في البداية وجعلتني أندم على ما فعلت ، ولكن هذا لم يمنع من أن تجعلني أشعر بأننا جماعة واحدة أمام هؤلاء الغرباء ، وبأن عليّ أن أحميه من هؤلاء الطارئين . ها هم ، مثل شهر آذار المهذار الذي جاءوا فيه ، يدخلون كالنمور ويخرجون كالحملان –-ص 142).
نعم خبرناه شهر الاحتلالات هذا .. وبعد غيوم محنه السوداء ستشرق أشعة شمس الأمل البيضاء .. هذا ما كانت تفكر فيه فادية وهي تنظر من نافذتها العلوية إلى بيت ياسر :
( وفجأة ، ارتفعت موسيقى القرب تعزف أغنية وطنية قديمة يقول مطلعها ( جنّة جنّة جنّة ) ، وأغمضت عيني من شدة الخوف ، ثم فتحتهما من جديد وأنا أقطع أنفاسي من شدّة السكون .. ورأيته .. رأيت ياسر العائد من سجنه يترجل من سيارة بيضاء تحمل شدّة ورد في مقدمتها .. لست أحلم بالتأكيد ، لأن صوت الزغاريد جلجل بعد قليل ، وهذا هو أمامي ، وأول ما فعله عندما نزل ووقف بالباب هو أن رفع نظره باتجاهي وابتسم لي .. وبعد قليل ستبتسم الدنيا - ص 145) .
وبعد نقلة رائعة وهادئة كالعادة نتأكد أن فادية كانت تحلم .. حلما ورديا فاتح اللون .. فهاهو كل شيء في مكانه .. البيت والصمت والباب والقفل .. وآني الأم تنظر إلى ساعتها اليدوية بين الحين وآخر ، على الأغلب لأنها شاردة الذهن أو لأن الساعة لم تعد تشير إلى شيء .. والغائبون لازالوا في منازل بعيدة منسيين في أيام طويلة تمتد من ماض إلى ماض آخر .. تحت قمر صامت وبعيد .. وآخر رسالة بعثها ياسر من السجن تقول جملة واحدة :
أريد أن أرجع إلى البيت – ص 146 ) .
........ وحلم العودة إلى البيت العظيم : بغداد ، الحلم الوردي الفاتح اللون ، قد استولى على وجدان ميسلون وعقلها فصمّمت حتى في إهدائها لي على نسخة الرواية وفق اشتراطاته :
( إلى الناقد حسين سرمك حسن : حلم يراودنا جميعا ، هو أن تغمرنا بغداد بنورها مرة أخرى ) ...
حلم العودة إلى البيت هذا هو حلم الحياة كلّها ومفتاح نمائها وديمومتها .. حلم كل العراقيين .. فحافظوا عليه .. وهذه وصية ميسلون هادي .. فتحية كبيرة لها .
هوامش :
--------
(1) حلم وردي فاتح اللون – ميسلون هادي – رواية – الطبعة الأولى - المؤسسة العربية للدراسات والنشر - 2009 .
(2) راجع دراستنا "تحليل رواية الحفيدة الأمريكية لإنعام كجه جي" والتي نشرت بعدة حلقات في موقع الناقد العراقي عام 2011 .
د. حسين سرمك حسن
إقرأ للكاتب أيضا :
تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم
الصفحة الرئيسية | [2] [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا
جميع الحقوق محفوظة © 2009 صوت اليسار العراقي
الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا |
|
---|