%@ Language=JavaScript %>
|
لا للأحتلال لا للخصخصة لا للفيدرالية لا للعولمة والتبعية |
|||
---|---|---|---|---|
صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين |
||||
للمراسلة webmaster@saotaliassar.org |
مشروع تحليل خمسين رواية عربية نسوية :
رواية (حلم وردي فاتح اللون) للروائية (ميسلون هادي)
(3)
د. حسين سرمك حسن
بغداد المحروسة
ملاحظة : انتهيت من كتابة هذه الدراسة يوم 2/آب/2010
# الأنوثة صنعة الحياة :
-----------------------
ولا ينفصل هذا الإنهمام بالحديقة وبتحولات الطبيعة المحتواة في فعالياتها عن الإحساس بجوهر الدور الأنثوي ، كدور مبارك صانع للحياة . وعندما أكرر كثيرا أن حضارة العراق أنثوية أمومية في نهضاتها الصارمة ، وأنها ذكورية في مقدمات انهيارها فلأن شأن الرجال العراقيين العطشى إلى الدماء كما تقول ختام- وانظر كيف جعلت الكاتبة الشاهدة على تاريخ متصدّع متصدّعة من جنسه - . الأنثى هي الإنسان ضمن الطبيعة - humanbeing among nature بينما الذكر هو الإنسان ضد الطبيعة- umanbeing against nature :
( .. ولهذا أسموها ختام ، وإن الأميرة عابدية بعثت لها هدية في يوم مولدها قبل أن يقتلها المجانين هي وأهلها تلك القتلة الشنيعة في قصر الرحاب .. كانت النساء تبكي الملوك ، والرجال يشاركون الثوّار فرحتهم ، وبعضهم يساهم في السحل والتقطيع . ثم لما حكم عبد الكريم قاسم العراق هذا ، ثار عليه الرجال من جديد .. هذا هو دائما شأن الرجال : عطش إلى السلطة .. جوع إلى القوّة – ص 139 ) .
# رمز البيت الوطني :
---------------------
وترتبط بالحديقة ، آليا ، موضوعة البيت ، وهي هنا موضوعة البيت الوطني التي وفقت ميسلون في التعبير عنها رمزيا . ولأن الفاجعة تنهش أسس بنية الحياة الآن ، وتحاول الإطاحة بركائز البيت الأكبر ، واستباحة أبوابه وتهديم جدرانه ، فقد أتخمت ميسلون روايتها - وباستحقاق - بهذه التعبيرات الرمزية أو السردية الموحية بتهديدات البيت الوطني . فالبيت الذي استأجرته فادية يلمح بالكثير من ذلك بدءا من بابه الرئيسي ، باب الحديد العالي ، ومرورا بثقل أبواب غرفه الداخلية التي تشعر حين تحاول فتحها أن أحدا يقاومها من الداخل . وهناك رمزية الحديقة فوق معانيها المباشرة كمرتكز للحياة والأمل بالنماء والتجدّد . ولعلّ من المواقف البليغة في هذا الإطار هي إنتباهة ختام وهي تشعل المحرقة إلى شيء تلتقطه من الكومة وهو ( شاقول البناء) الذي يستخدمه البنّاءون لمعرفة استقامة الجدران التي يبنونها، وتصعد إلى السطح وترمي الشاقول من الأعلى لتعرف استقامة جدران البيت . تقول فادية :
( لم أكن قد رأيت هذه الآلة من قبل ، ولما سألتها : ماذا تفعلين ؟
قالت :
- إذا بُني البيت على الشاقول ، فهو بناء عدل ولن ينهار .
- وماذا وجدت أنتِ ؟
ظلت صامتة وهي تنظر إلى أسفل بعمق حتى خفت عليها من أن تسقط . كانت تقف في برجها المتألق حائرة ، تنظر إلى أسفل والخيط يراوغ في مكانه ولا يستقر على حال ، ثم قالت وهي تستعيد وقفتها الأولى التي رأيتها عليها أول مرة قبل أيام مع ذات الأنفة والكبرياء :
- ما أدري ... يمكن عَدِل .. ص 39 ) .
والحكم الاحتمالي هذا ، والذي يصدر من امرأة متصدّعة لكن ممسكة بالتراب الطهور ورافضة للهجرة رغم احتمالات الموت ، قد يهز قناعاتنا في استقامة جدار هذا البيت ، بما يوحي به من عدم بناء هذه البلاد على أسس صحيحة فجاءت الحياة والشعور بالوطنية فيها مختلة . وهناك شواهد كثيرة على ذلك ، شواهد تفجرت في ظل الاحتلال من دمّلة في الروح احتبست طويلا . ولكن بالنسبة لميسلون هادي ليس هذا هو المضمون الذي يجب أن تراهن عليه.هو حقيقة كبرى صادمة وجارحة ، لكنها لا تتسيّد على الحقيقة الكبرى التي تشبعت بها روحها ، والتي تشعر أنها هي التي أصبحت في خطر . وأن الخطر الذي قد يمحقها سوف يمحق أسس الجدار ويطيح به حتى لو كان مستويا ، فمهما كان الجدار ( ورغم تعبيراته الرمزية ) فإنه سيبقى بغنى دلالاته من طابوق ، في حين أن ميسلون ترى أن البناء يقوم على طابوقة إلهية هي الإنسان ، وخصوصا الناس البسطاء ، لذلك تجعل فادية ،وهي تقف حائرة تراقب ختام وهي تدلي الشاقول (الحائر) بدوره ، تتداعى ذاكراتها ( ولا تعرف لماذا .. ودائما لا نعرف مغزى الفعل حين يكون لاشعوريا ) لتلمع في ذهنها صورة المرأة العجوز الجوالة :
( وكنا ندعوها بأم المكانيس ،والتي ارتبطت صورتها بطفولتي عندما كان جرس الباب يُقرع أكثر مما يصمت ،ولم نكن نسأله من الطارق ، أو نفتحه على وجل ؟ ...أم المكانيس كانت صديقة جدتي .. وبالرغم من أن حكاية جدتي مع المكانيس لم تكن حكاية شغف أو حاجة إلا أن حكايتها مع أم المكانيس كانت كذلك ، فقد كانت تراها مثالا للكبرياء يُحتذى به ، وتريدنا أن نستخلص الدرس البليغ من تلك الناحلة ذات الوجه المليح والتي كانت ، حسب جدتي ، في تجوالها و(الگونية) الضخمة على ظهرها ، محفوظة الكرامة أكثر من الذي يتحجج بالجوع والفاقة فيبيع نفسه وكرامته بأبخس الأثمان - ص 40 ) .
# فلسفة "أم المكانيس" :
------------------------
هنا يتجلى إبداع ميسلون هادي ، في هزّ أركان وجودنا بقوة فرديا وجمعيا وبأبعاده الوجودية المعقدة عبر التوريات البسيطة . والآن أستطيع تصديق الحكاية الخرافية التي تقول أن فأرة مقدامة قرضت أسس سد رهيب وأهارت حضارة كاملة . وكما قلت مرارا فإن العمل الروائي يقوم على الجزئيات وليس على الكلّيات ، الكلّيات من اختصاص الدين أو الآيديولوجيا اللعينة . سلوك أم المكانيس يردّ على أولئك الذين يهجرون أوطانهم هربا من الإضطهاد ثم يستقرون إلى الأبد في بلدان غربية ويمعنون في هجاء أوطانهم بدعوى أنها لم تقدّم لهم عشر ما قدمته لهم "الأوطان" الجديدة . أم المكانيس لا تعرف هذه الألعاب التي طلع علينا بها (المناضلون) العرب وخصوصا العراقيون . كيف يحصلون على الجنسية الأمريكية مثلا ؟ وهذا سيحيلني إلى مقارنة بين رواية ميسلون ورواية (الحفيدة الأمريكية) رواية الخيانات الوطنية الناعمة التي سأتناولها قريبا وبالتفصيل لخطورتها على التربية الإبداعية (2) ، والتي من معطياتها الرهيبة هو أنها هزّت قناعة - يبدو أنها طفلية - في داخلي كنت أعتقد وفقها أن الدول الغربية تمنح الناس المضطهدين اللجوء رحمة بهم ، وتعبيرا عن موقف إنساني مشفوع بدوافع تنقذ هؤلاء المعذبين في الأرض من الضيم الذي يعانون منه . ولم أكن أعلم أن ثمن ذلك أن تجلس في حفل عام وتُقسم بالله أن الولايات المتحدة هي وطنك ، وأنك تتعهد أن تبذل دمك وروحك في سبيل الدفاع عنها والحفاظ على وحدة أراضيها !! أي أنك تخلع العراق من وجدانك !! . طيّب لماذا لم تقسم القسم نفسه وفي حفل عام من أجل العراق ؟ لقد جاء بعض العراقيين (المناضلين) قاطعين عشرات الآلاف من الكيلومترات ليحرّروا العراق - وطنهم الثاني أم الأول ؟ : العراق - مع جيش وطنهم الأول أم الثاني ؟ : الولايات المتحدة الأمريكية !! وكل جملة تتبعها علامة استفهام !! إذ كيف اقتنعوا بأن الدولة الأكثر شرورا في العالم يمكن أن تقوم بفعل خير لبلدهم ؟ لندع مواطنا أمريكيا ومفكرا يتحدث وهو (نعوم تشومسكي) الذي يقول :
(أنا موجود هنا (في أمريكا) لأن بعض المتعصبين الدينيين الأصوليين من انكلترا ، جاؤوا إلى هنا وبدأوا بإبادة السكان المحليين ، ثم جاء من بعضهم من تولى إبادة من تبقى منهم .. لم يكن الأمر شأنا صغيرا .. لقد أبادوا الملايين ) . أو :
( لابدّ من إحضار قادة الولايات المتحدة إلى محاكمات كمحاكمات نورمبرغ ) وذلك - وحسب أمثلة تاريخية تفصيلية يقدمها في كتابه (القوة والإرهاب ، جذورهما في عمق الثقافة الأمريكية) - لأن الولايات المتحدة هي الدولة الإرهابية الأولى في العالم والوحيدة التي صدر بحقها قرار من الأمم المتحدة يصفها بأنها دولة إرهابية بعد أن دمرت الأهداف المدنية في نيكاراغوا مثلما حصل للعراق .. وبعض العراقيين - وقسم منهم من خيرة المثقفين والكتاب - طلعوا علينا بصرعة (نضالية) جديدة ، وهي : يحصلون على اللجوء في الدول التي تحتل وطنهم وخصوصا أمريكا،يستلمون منها الرواتب ويتحدثون بلغتها ويتطوعون في جيوشها هم وأبناؤهم للدفاع عن وطنهم الجديد ، ثم يأتون إلى إحدى العواصم العربية كل ثلاثة أو ستة أشهر ليعقدوا الندوات والمؤتمرات يشتمون فيها الاحتلال وعواقبه وخصوصا أمريكا أيضا،وبلغ التطرف المنافق بأحدهم أنه عدّ عاصفة ترابية حمراء اجتاحت العراق من نتائج الاحتلال رغم أنها بدأت من السعودية وشملت المنطقة كلّها !! هذا هو "الجدار" الذي ظلّت ختام - وبتصميم من الروائية صانعتها – تقيس استقامته وتتساءل حائرة :هل بنيناه بصورة صحيحة أم لا ؟ وهل سيستوي على سطحه الشاقول مطمئنا إيانا بصواب نهج البلاد عبر تاريخها أم لا ؟ .. لكن استواء سطح الجدار وحتى متانة بنيانه لا تأخذوه من السياسيين العراقيين فهؤلاء سيحتاج الله نفسه إلى ملقط ليمسكهم يوم القيامة - والتعبير مأخوذ من وصف لكازنتزاكي في " المسيح يصلب من جديد " - ، خذوه من أم المكانيس .. صديقة ميسلون هادي .. أو من أمي الشهيدة (فاطمة) التي لحقت بأخي الشهيد عباس قهرا ، وذلك حين خرجت إلى حديقة البيت في عام 1991 وخلعت شيلتها السوداء فبانت - تحت ضوء القمر ولهيب الحرائق والطائرات الأمريكية تدك محطة وقود ومعمل طحين الديوانية لتحرير الكويت - ضفائرها الصغيرة الحمراء ونظرت إلى السماء وخاطبت الله معاتبة : سوف تتخلى عن الحسين من جديد !! وأتحدى أي سياسي أن يحدّد ما الذي تقصده هذه المرأة الأمّية بالحسين ؟! سيدخلون في مهاترات ويصدرون بيانات تدين هذه الأم أو تنتصر لها .. في حين أنها مثل أم المكانيس لا تعرف أي شيء سوى أنها نبتت في هذه الأرض كأي نبتة أو شجيرة تنبت في حديقة فادية ولا تتساءل كيف نبتت ، ولماذا طلعت هنا في هذه الأرض المجنونة المعذبة وليس في تربة الولايات المتحدة الناعمة ؟! .. هل الوعي ضد الوطنية التي هي حب قبل كل شيء ؟ هل الوعي يُفسد الحب ؟ أكيد . وأم المكانيس "الفيلسوفة" تحب بلا وعي لهذا يأتي حبها صادقا ، ثم أن الوعي يخلق بدائل انتهازية تُغلف بالفذلكات النظرية المخادعة التي تحاول شرعنتها . من هو الوطن الأول ومن هو الوطن الثاني ؟ الوطن ليس فيه درجات أولى وثانية ... هناك درجة عادية وليست سياحية لعربة الوطن .. هي العربة التي تركبها أم المكانيس التي أصبحت كرامتها أكثر وضوحا عندما جاءت سنوات الحصار حيث شاعت السرقة في المجتمع . وذات يوم وكانت فادية تجلس مع أم المكانيس في حديقة بيت الأولى بالغزالية دخل عليهما لص أشرع مطواته فكاد يُغمى على فادية ، لكن العجوز أم المكانيس :
( لم تهلع ولم يطرف لها جفن ، بل نهضت بقامتها الممشوقة كعود الخيزران وحملت ثلاث مكانس في يديها دفعة واحدة وانقضّت بها على الرجل الغريب فخاف هذا وولّى منها هاربا ... يومئذ ضحكت على نفسي وعلى قلة حيلتي .. وضحكت أم المكانيس على الحرامي الذي وصفته بالمستجدّ ، وضحكت المكناسة في يدها من شدّة الزهو والانتصار في معركة الكرامة – ص 40و41 ) .
لكن لاحظ أن من أشبع أرواحنا قهرا ، وملأ قلوبنا قيحا ، هم أولئك المثقفون الذين عادوا لاهثين للمشاركة في تنفيذ المشروع الأمريكي ومنهم كما تقول ريم :
(المذيعين عماة القلوب يستفتون الناس حول هدم نصب الشهيد وآخرون ينصحوننا بالتعاون مع قوات التحالف ، وتسليم الأسلحة إلى الأمريكان من أجل حرقها أو ردمها .
قلت : أهي تلك الإذاعة التي كانت تبث من خيمة في حديقة الأمة ؟ سمعت بها . - لا .. تلك إذاعة أخرى ، ولكنها الإذاعات التي بدأت تبث أثناء الحرب أمريكية ومذيعوها يلفظون القاف كافا .. وقالوا إن (التاكة) الكهربائية ستعود بعد عشرة أيام – ص 111 ) .
# المكان وتعبيراته الرمزيّة :
---------------------------
لكن توظيف الدلالات المكانية يصل ذروته في إحكام التعبير الرمزي والتأثيث السردي من خلال ( الغرفة المتروكة ) ، التي لم تفتحها فادية منذ أن استأجرت البيت ، وهي الغرفة التي حاول الأمريكي أن يفتحها فاستعصى عليه بابها الثقيل . إنها غرفة ياسر القديمة . كانت تحتوي على عناصر الحياة الرخيّة : بيانو أبنوسي اللون مغطى بشرشف وردي فاتح اللون ( مواز للون حلم العنوان ) موشّى بحافات مرقشة بتطريز الأتمين الجميل . وفي الزاوية حوض للأسماك مهمل سيعيدون إليه الحياة .الآن ترتسم ملامح جانب من الحلم الوردي الفاتح اللون عندما يقترب ياسر من ( بيانوه ) ويبدأ بالعزف ، فتتململ الأرواح المختنقة وتخفق القلوب الجافلة بفعل التهديد والخراب الذي طال كل شيء . يرتفع صوت الموسيقى فيذيب جليد القلق والشعور بالوحدة ، وتشيع توحدا صوفيا بين العبد الجريح والكون وخالقه ، ويصبح طعم الحياة بطعم حلم وردي فاتح اللون وياسر يمرّر أصابعه النظيفة والمقصوصة الأظافر كما يليق بمن يقرب الصلاة خمس مرات باليوم :
( كان يقتطف من ذلك العزف وجها آخر غير الذي دخل به إلى المنزل ،وغير الذي وقف به على السلم ، وغير أي وجه رأيته عليه في ثلاثة أيام . كان عاشقا بامتياز وتلك معشوقته التي طال غيابها عنه .. والآن يعانقها فتنطق تحت إصبعه بالغزل ، غناؤها ما هو إلا نغمة جرس تنطلق من هذا المكان الخفي من الكون لتتناغم مع غناء العصافير وصياح الديكة وتفتح الورود . إن هذه النغمة لتنسجم الآن مع كل نغمات الكائنات الحيّة للماء والهواء والشجر .. مع أشعة الشمس في الصحارى والغابات والحقول .. ومع هذا الكون الذي إن أحببته الآن فهذا شيء عظيم ، وإن أحببت خالقه فهذا هو الشيء الأعظم – ص 92 ) .
هذه الغرفة هي الغرفة – الكنز التي علينا أن نسارع في اكتشافها فورا .. فهي موجودة في داخل كل منا .. وهي التي يريد القتلة كسر أبوابها الثقيلة وحرق محتوياتها ... إنها الغرفة / الحلم .. حلم الفرد والجماعة .. حلم فادية وياسر وختام .. وميسلون والناقد والقرّاء .. الحلم الوردي الفاتح اللون الذي لا يعوض ولا يقدر بثمن .. والأحلام هي اختصاص ميسلون في السردية العراقية والعربية بلا منازع منذ أول قصة قصيرة لها وحتى هذه الرواية .. وقد عادت إلى التقنية الحلمية بعد انقطاع نصّي قصير أعقب الإحتلال في وقفة منذهلة لا تنفصل عن حالة الذهول العامة التي لفّت شعبها بأكمله ، وهذا ما قرأته فادية " لنا " من صحيفة يومية اختلت بها بعد العشاء :
( بعد التاسع من نيسان ، غطّت بغداد في سكون عجيب ، ولم يصدر عن الناس ، وهم العراقيون ، أي ردّة فعل سريعة عبر هذا السكون .. كانت أياما تشبه في سكونها أيام العطل والإحصاءات السكانية والجمع الشتائية الباردة .. لا أحد يأتي .. ولا شيء يحدث .. ولا حكومة تعمل ، ولا قانون يُخشى منه .. ولا شيء على الإطلاق .. صحيح أن الفرهود كان جاريا على قدم وساق ، والمتحف العراقي كان يُنهب من اللصوص والرعاع ، إلا أن قلوب الملايين من الشرفاء كانت تبكي بصمت وتنزف بصمت . ودعا رجال الدين الناس إلى التروي والإنتظار وعدم اللجوء إلى العنف أو السلاح . وشهدنا ترويا عراقيا غير مسبوق ، بل بالغ العراقيون في التروي والإنتظار – ص 115 ) .
وفي ظل مرحلة الذهول العام الناجمة عن الصدمة الوطنية الرهيبة وإنشلال الروح المفجوعة من الطبيعي أن لا تكون ثمة فسحة للحلم أبدا . آنذاك صار الحلم من الحاجات الكمالية للنفس البشرية ، أما الآن وقد تطاولت المحنة ومزّق العراق شرّ ممزق وحوصر الإنسان هنا حتى الموت ، فقد عاد الحلم ليشكل حاجة إنسانية ملحة .. صار مخرجا من هذا الإختناق المميت .. صرنا بحاجة إلى أن نحلم بما ضاع من مسرات وهناءات .. وبما يمكن أن يحل محل مصيدة الخراب هذه التي نصبها لنا الأمريكان قتلة أحلام الشعوب .. صرنا بحاجة إلى حديقة أحلام كاملة تخضرّ في نفوسنا القاحلة .. وقد أدركت هذه الإختصاصية المحترفة دقة هذه الحاجة .. فعادت لتقدم لنا حديقة أحلام وردية فاتحة اللون ..
د. حسين سرمك حسن
إقرأ للكاتب أيضا :
تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم
الصفحة الرئيسية | [2] [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا
جميع الحقوق محفوظة © 2009 صوت اليسار العراقي
الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا |
|
---|