علاء اللامي بايدن والكوميديا العراقية : علمانيون ولكن طائفيون!

 

بايدن والكوميديا العراقية : علمانيون ولكن طائفيون!

 

علاء اللامي

التصريحات التي سبقت ورافقت زيارة نائب الرئيس الأميركي "بايدن" الأخيرة إلى بغداد، والتي وصفت بالمفاجئة، وليتنا نعلم أين وجه المفاجئة فيها، تشير إلى أن الرجل، وبالتالي إدارة أوباما، قد صدَّق أن قائمتي المالكي وعلاوي هما قائمتان علمانيتان قلبا وقالبا، أو في أقل القليل  ليستا على صلة متينة مع يسمى "التشدد الديني والطائفي"، أما ممارسات الزائر على الأرض فهي تشير إلى عكس ذلك تماما، إذْ لا يبدو أنه يثق كثيرا بشعارات الأحزاب العراقية الحليفة، ربما لمعرفة تلك الإدارة بدقائق الأمور وبتفاصيل هذه الملهاة السياسية التي تدور منذ بدء الاحتلال، وبوصف تلك الإدارة هي المُخرِج والمنتِج وكاتب النص، وعلى اعتبار أن الولايات المتحدة ومنذ عهد إدارة بوش الابن هي مَن صنَّع وأسس هذه اللعبة/ المتاهة، وأطلق العفريت الطائفي من القمقم. لنلقِ نظرة سريعة على واقع هاتين القائمتين المرشحتين لتقاسم تراث الاحتلال مع قوى أخرى ثم نعود لاحقا لموضوع زيارة بايدن ..

تُكْثِرُ الأحزاب السياسية العراقية المشاركة في العملية السياسية الأميركية من تداول الشعارات والمسميات التي تتناقض وبشكل صميم مع ماهيتها السياسية وخلفياتها ومرجعياتها الثقافية وحتى مع حركتها السياسية اليومية .

فقائمة المالكي "ائتلاف دولة القانون"، وبالتالي هو شخصيا ودائرته القيادية المقربة، دخلت في صراع مرير مع المليشيات الطائفية والتكفيرية الشيعية والسنية و بلغت مراحل متقدمة في تناغمها مع الميول الشعبية الرافضة للمحاصصة الطائفية والاقتتال المذهبي ثم انكفأت – قيادة المالكي - على نفسها وقامت بخطوات وممارسات أمنية قاسية ذات توجهات وبواعث طائفية ضد امتدادات سكانية محسوبة على العرب السنة قبل الانتخابات وأثنائها لكي لا تخسر جزءا كبير من جمهورها الشيعي فكان أن خسرت جمهورها من العرب السنة الذين ساندوها بحماس منقطع النظير في معاركها السابقة ضد المليشيات وأمست قوة ثانية حافظت بالكاد على منجزاتها الانتخابية ذات الحد الأدنى، وهاهي الآن تعاني من فقدان اللون والطعم والرائحة سياسيا فتارة يصدر عنها كلام وممارسات مدنية ومناهضة للطائفية وتارة أخرى تفعل وتقول العكس.

أما قائمة " العراقية " والتي أريد لها أن تكون الحزب العلماني الأبرز والخارق لجميع الطوائف والكيانات، فقد بدأت مشروعها السياسي بخطوة تفوح منها رائحة الطائفية النفاذة عبرت عن الرضوخ الصريح للأمر الواقع " الأميركي"وذلك حين اختارت سياسيا من الطائفية الشيعية عرف بولائه الشديد وغير المتحفظ لدولة الاحتلال وأجهزة الاستخبارات الأجنبية التي فاخر هو نفسه بأنه تعامل مع أكثر من عشرة أجهزة منها ،هو إياد علاوي، وكأن أقطاب القائمة أنفسهم يقرون عمليا وعبر الموافقة على هذا الواقع والدعوة لتكريسه  بالتوزيع الطائفي للرئاسات حيث رئاسة الوزراء للشيعة والجمهورية للأكراد والبرلمان للعرب السنة و كأنهم يعترفون أيضا -وهذا أخطر ما في الأمر-  أن مستقبل العراق سيكون أميركيا حتى إذا انسحب الاحتلال اسميا ورسميا بل لقد سكتت مكونات " العراقية " جميعها على دعوات علاوي لاستمرار بقاء قوات الاحتلال على أرض العراق بحجة عدم اكتمال بناء الأجهزة الأمنية وقوات الجيش والشرطة.

 وهكذا، فقد بدأت قائمة "العراقية " قصيدتها العلمانية والوطنية ببيت طائفي المذاق. أما كونُ جميع أعضاء النواة القيادية الصلبة واللجان المتخصصة في القائمة هم من السنة العرب إلى جانب الشيعي الصديق لأميركا علاوي، وكون النسبة المتحققة لممثلي الشيعة في الكتلة النيابية لا تتجاوز 12 نائبا من مجموع 91 وجميعهم من حصة حزب علاوي البالغة 18 نائبا، فهي إشارات أخرى مهمة على طريق تأكيد الطابع الهش للمزاعم العلمانية لهذه القائمة. ثم أن هناك ، ومن داخل " العراقية "،  مَن اختصر الطريق على الجمهور و صارحه بأن قائمته إنما تمثل المكون العربي السني. قال بذلك العضو في القائمة، والذي دفع إلى الصفوف الخلفية هذه الأيام، حسن العلوي بعد أيام قليلة على نقد ساخن وجهه علاوي لقائمة المالكي لأنها -كما قال - تحارب قائمته نفسيا وتصفها بأنها تمثل العرب السنة وليست وطنية!

غير أن الاتهام بالطائفية السائدة لا يلغي حقيقة أن المشهد السياسي والاجتماعي قد تغير وبعمق ولكن من جانب الناس، الجمهور، الكتلة الناخبة، الشعب، وهذا الطرف هو الذي أرغم النخب السياسية على التقاط رأس الخيط وقلب المعطف السياسي ورفع الشعارات والبرامج غير الطائفية. هذا التغيير العميق وجد ترجمته في الانفصال الكبير الذي عكسته "انتفاضة الكهرباء والخدمات" التي لم تنته بعد، بين الجمهور والنخب الحاكمة. وقد ذهبت بعض موجات الانتفاضة إلى الخروج الواضح عن الإطار المطلبي الذي أُعِدَّ لها إلى الإطار السياسي والمطالبة الصريحة بتشكيل حكومة غير طائفية  مما أرعب النخب السائدة التي تقود العملية السياسية الاحتلالية. وربما فسَّر لها هذا التطور حدثا آخر تمثل  في إقدام عدد من النواب الفائزين  إلى التجمع في كتلة مستقلة وفعالة هي جماعة الـ57 نائب التي أعلن النائب وائل عبد اللطيف عن قرب انبثاقها داخل التحالف الوطني. ورغم أن البعض فسَّر نشوء هذه الكتلة داخل التحالف الوطني وليس في غيره بمحاولة للضغط على المالكي ودفعه إلى التخلي عن التحالف مع قائمة علاوي أكثر مما هي محاولة للضغط على الحكيم والصدر لرفع الحجر الذي وضعاه على تجديد ولاية المالكي ولكنها تبقى مبادرة مهمة ويحسب لها حسابها مستقبلا خصوصا إذا نجحت في استقطاب نواب آخرين من قوائم أخرى، غير أن تأخر انبثاق هذه الكتل حتى الآن يجعلها أقرب إلى تفاصيل الحرب النفسية وبالونات الاختبار التي تقوم بها الأطراف السياسية بين الفينة والأخرى

وفي هذا الخصوص، وطوال فترة المفاوضات السياسية لتشكيل الحكومة،  أثبت المالكي أنه على مستوىً جيد نسبيا من المهارة التكتيكية، حافظ من خلالها على قائمته وكتلته البرلمانية من التبعثر والتفكك حين تحمل كل الأذى والإذلال اللذين مارسهما وسلطهما عليه تحالف "الصدر والحكيم". فهو بهذا السلوك قد أثبت للرافضين المحتملين للتحالف مع علاوي، داخل قيادته،  والمستعدين للانشقاق عليه والالتحاق بالكتلة الشيعية إن هو فعلَ ذلك، بأنه بذل كل ما في وسعه، ولكن الجانب الآخر" الحكيم والصدر"  يريد أن يفرض عليه شروطه القاسية، ويمارس ضده دكتاتورية الأقلية مع أنه يفوق ما بحوزتهم من نواب فهو لديه 89 نائبا ولهم لديهم 70 ، وهم يريدون تجريده من الترشح لرئاسة الوزراء وهو يريد مواصلة تطبيق مشروعة السياسي الذي أحرز -من وجهة نظره ونظر الكثيرين- الكثير أمنيا وسياسيا كقطع رأس تنظيم القاعدة وتصفية أجزاء مهمة من جسده المسلح ومواجهة التدخلات الخارجية وغير ذلك.  وبالفعل فإن هذه المقايضة بين طرفين بهذه الأرقام للمقاعد والأصوات تعتبر مهزلة ونكتة سمجة أكثر منها مقايضة سياسية برغماتية  في الأعراف السياسية البرلمانية الرصينة ولكن من أين تأتي الرصانة لمن لا يفرقون بين السياسي الحاذق ولاعب الثلاث ورقات؟

 لقد نجح المالكي في ذلك، بل وتمكن أيضا من اختراق تحالف الحكيم الصدر فكسب حزبي الجلبي والفضيلة وحيَّد الجعفري، وهذا الاختراق بحد ذاته دليل آخر على أن الصراعات الشخصية وذات الدوافع النفسية والعاطفية لها الأولوية على أية صراعات متوهمة بين علمانيين وطائفيين، ولهذا سيبقى نجاح المالكي دون أفق حقيقي وغير قابل للاستثمار طالما غاب المشروع الوطني الحقيقي والشامل خصوصا بعد تعمق التحالف – وهو تحالف أمر واقع أكثر منه تحالف موثق ومعلن – بين الحكيم والصدر ضد المالكي وبدعم قلق من علاوي وقائمته.

 قائمة "العراقية" بدورها تجاوزت أكثر من أزمة انشقاقية وعبرتها بسلام، ولكنها مازالت تنوء بالكثير من الخلافات التي من المحتمل أن تتفجر متى ما بدأ توزيع الغنائم " المناصب" الوزارية والدرجات الخاصة فعليا.ربما يكون تمرد النائب سلام الزوبعي وفضحه للكثير من الدسائس والممارسات الداخلية والمتاجرة بالمناصب الحكومية على طاولات الحوار مع دول الجوار وخروج الخلاف معه إلى العلن، وما خلَّفه هذا التمرد من تداعيات بلغت درجة محاولة تصفية الرجل بتفجير انتحاري بعد أن قوبل انشقاقه من قبل قائمة علاوي بحركة شطب واجتثاث ندر مثيلها حين أعلن أنه لم يكن يوما مرشحا أو عضوا في القائمة وأنه لا يمثل إلا نفسه،نقول، ربما يكون هذا الحدث إعلانا عن بداية مرحلة جديدة قد تنتهي بتفكك القائمة وعودتها إلى مكوناتها الأساسية المستقلة المتنوعة والموزعة على العناوين القومية والطائفية والبعثية والمستقلة. وقد سجل المراقبون حتى قبل انشقاق الزوبعي أن بعض المقربين من قيادة القائمة بدأ يدعوا علنا إلى رفع يد علاوي " الشيعي" وترشيح شخص آخر بدلا منه للمنصب الأول. صحيح أن مطلب كسر الاحتكار الطائفي للمناصب السيادية كالرئاسات أمر لا بد منه وصائب تماما، ولكن حين يتم رفعه لدوافع وأهداف طائفية ( لكي لا تقع المناصب السيادية بين أيدي سياسيين من الطائفة المقابلة حصرا)  فهو  لا يقل سوءا عن الاحتكار الطائفي ذاته وسيكون الأمر تطبيقا حرفيا للبيت القائل : وداوِها بالتي كانت هي الداء.

فأحد الكتاب الطائفيين المقربين من صالح المطلك الأمين العام للقائمة "العراقية" وهو هارون محمد كتب قبل فترة صارخا ( فيا طارق الهاشمي وصالح المطلك وأسامة النجيفي ورافع العيساوي تذكروا ان الجمهور الذي انتخبكم ..لن يغفر لكم إذا ضعفتم أو تهاونتم في أداء دوركم الذي التزمتم به أمامه في السر والعلن، عليكم أخذ المبادرة من علاوي قبل ان يلقي بكم إلى الصفوف الخلفية مجرد مرافقين وموافقين، وهنا الطامة الكبرى ../ القدس العربي 2/تموز2010 ) ويبدو الكاتب أكثر وضوحا في موضع آخر حين يوضح مغزى دعوته السابقة بعد أن راودته أحلام حسم الصراع الطائفي لصالح طائفته حيث يقول (ولأن أياد علاوي بات مهووسا بمنصب رئيس الوزراء الذي شلَّ تفكيره بالكامل كما يبدو دون ان يدرك ان (العراقية) باتت اليوم في أحسن حالاتها سياسيا، بعد ان عجز الائتلافان الشيعي

 

ان، دولة القانون والوطني عن إتمام تحالفهما، فان المسؤولية الوطنية تحتم عليه ألا يعطي كلمة دون الرجوع إلى رفاقه في قيادة الكتلة والتشاور معهم في أي شأن يخص "العراقية" ويبدأ حالا في تسريح الذين التفوا حوله والذين لا علاقة لهم بالعراقية/المصدر السابق ) إنها دعوة صريحة لحملة تطهير وتسريح طائفية حتى قبل وصول " العراقية" إلى السلطة.  غير أن المخاوف الحقيقية التي نجدها في خلفية هذا الخطاب الطائفي لا علاقة لها من قريب أو بعيد بالعلمانية المزعومة وصراعها مع الطائفية بل بصراع طائفي بحت مغلف بالشعارات والمسميات العلمانية والوطنية، وهي تنحصر تحديدا من وجهة نظر أمثال الكاتب الذي استشهدنا به قبل قليل في احتمال قبول إياد علاوي برئاسة الجمهورية وضمان رئاسة الوزراء للمالكي فيكون المنصبان الكبيران من نصيب العرب الشيعة، وها قد اختفت العلمانية أو ربما أصبح معناها الآن ومعنى الطائفية واحد .. لنقرأ ما كتبه هذا الكاتب ( فإن الأوساط المحيطة به – بعلاوي - من رجال الأعمال والتجارة خصوصا، بدأت تروِّج لمقولة سخيفة مفادها ان تحجيم المالكي في رئاسة الحكومة إنجاز وطني يجب تأييده ودعمه، ولا يقدر على هذا التحجيم غير إياد (الشيعي) مثل نوري، في محاولة يُقصد بها تمهيد الأجواء لتسلم علاوي رئاسة الجمهورية، ويطرحون أيضا فكرة (المناصفة الدورية) بين إياد ونوري/ المصدر السابق ..حرفيا)

بالعودة إلى زيارة بايدن وما يرجح أن ينتج منها، بوصفها عملية "تشطيب" مرتبكة لمرحلة الاحتلال المباشر، يمكن القول أن بايدن لا يحمل معه الكثير من العصي الغليظة، كما قال أحد قادة العراقية الشيخ جمال البطيخ، ولكن غياب العصي الغليظة مع الحلفاء الصغار المختلفين والمتعادين والمستعدين لتمزيق بعضهم البعض، قد يكون بحد ذاته، ومن وجهة نظر إستراتيجية،  أكبر تهديد للعراق كبلد وشعب، يفتح بايدن عبره الباب على احتمالات الصوملة والاحتراب الطائفي طويل الأمد،إذا تعثرت مشاريع الاحتلال غير المباشر، وطالما غاب البديل العلماني الوطني الحقيقي، وظلت الجماهير تنتفض وتقمع ثم تنتفض لتقمع من جديد وهكذا دواليك، لأنها دون قيادة حقيقية بعد أن أخذ نظام صدام نصفها أو أكثر إلى المقابر الجماعية وأخذ الاحتلال ما تبقى منها إلى المتاهة .. متاهة العملية السياسية العلمانية الطائفية!

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 الصفحة الرئيسية | مقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | أرشيف الأخبار | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

  

مقالات مختارة

تصدرها مجموعة من الصحفيين والكتاب العراقيين

webmaster@saotaliassar.org    للمراسلة

 
 

 

 

لا

للأحتلال