علاء اللامي
تعكس التصريحات
التي أطلقها السيد طارق الهاشمي حول ضرورة ان يكون رئيس الدولة العراقية عربيا
بحجة أن العراق دولة عربية، تعكس وجها فاقعا لتهالكه على هذا المنصب. لا نقول
هذا رجما بالغيب، أو انتقاصا من عروبته، فنحن عرب ونعتز بعروبتنا أيضا، غير أن
تصرفات وتصريحات الهاشمي الذي قفز في ربع الساعة الأخير من سفينة "جبهة
التوافق" الموشكة على الغرق لينقلب من ثم لبراليا، ويتحالف بعد ذلك مع رمز
الانتهازية السياسية في العراق والشرق الأوسط إياد علاوي، والذي لم تكن علاقته
به تقطر دفئا وحميمية، تعطينا صورة عن طموحات هذا السياسي وطريقة تفكيره. نحن
لا نرفض تصريحات الهاشمي لأنها تعكس تهالكا شخصيا على منصب بروتوكولي معين في
السلطة تحديدا، فالسياسيون أحرار في أن تكون لهم طموحاتهم ومطامعهم تحت سقف
القانون والدستور المتفق عليه في بلد مستقل كامل السيادة، بل نعترض على أن
توجها كهذا، يربط المناصب السيادية الكبرى في الدولة بهوية المواطن القومية أو
الدينية هو أمر مخالف أولا للدستور الذي نتحفظ عليه و وافق عليه الهاشمي، وهو
ثانيا يعبر عن رفض عملي لمبادئ المواطنة الحديثة التي تشترط المساواة بين
المواطنين من حيث الجنس واللون والقومية والدين. أي أنه رفض عملي ولأسباب
شوفينية محضة لأي اندماج مجتمعي حقيقي في مجتمع منقسم عموديا وأفقيا كالعراقي،
وهو أخيرا تشريع لأبواب الأزمات والكوارث والحروب الأهلية.
إن الإيمان
بالديموقراطية ومبادئ المواطنة الحديثة هي التي سمحت لشخص مسلم يدعى زين
العابدين عبد الكلام في أن يكون رئيسا لدولة الهند المليارية وذات الأغلبية
الهندوسية الساحقة، بل وسمحت لشخص من الأقلية التاميلية هو مانموهان سينغ لأن
يكون رئيسا للوزراء في هذه الدولة، وسمحت لشخص من أصول أفريقية مسلمة يدعى
باراك حسين أوباما أن يكون رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية، ولشخص ذي أصول
يهودية هو ساركوزي رئيسا لفرنسا، والأمثلة كثيرة، فلماذا يريد الهاشمي وزميله
عبد الكريم السامرائي الذي هب لنصرته بتر أحد ساقي الديموقراطية العراقية لتكون
عرجاء تتعكز على عصي العرق والقومية والمذهب والطائفة ؟ إن الرفض الحقيقي
للمحاصصة الطائفية والقومية والمذهبية وتبني الديموقراطية الحقيقية القائمة على
مبادئ المواطنة الحديثة يوجب على المؤمن بها الموافقة على أن يكون الرئيس ورئيس
الوزراء وجميع الوزراء من العرب أو من الكرد أو من التركمان أو الكلدانيين أو
الصابئة أو من أي مكون مجتمعي، أو مختلطين من عدد من المكونات دون استثناء،
وذلك عندما يقول صندوق الانتخابات كلمته الأخيرة بالأرقام، وأي اشتراط مسبق
لجنس أو قومية أو طائفية أي مسؤول في الدولة هو أمر لا ديموقراطي ومرفوض رفضا
تاما ..
هذا الكلام يمكن
تكراره كلمةً كلمة، بصدد رد الفعل الأبله والغرائزي الذي أبدته الأحزاب
والسياسيون الكرد، فهم رقصوا على ذات السجادة التي نسجها الهاشمي على منوال
قومي عتيق خبره شعبا جيدا، واحتجوا بأن الرئاسة من حقهم هم، لأنهم كما قالوا
مكون مهم والقومية الثانية في المجتمع العراقي وهذا كلام لا يقل شوفينية وقومية
متطرفة ولا ديموقراطية عن كلام الهاشمي ومناصريه القوميين والطائفيين. إن
السياسيين الكرد دأبوا على رفض الاندماج المجتمعي لقوميتهم في المجتمع العراقي
منذ زمن طويل بل واعتبروا أي كردي يندمج ويصبح عراقيا، خائنا، وتنبغي معاقبته
بحجة المحافظة على خصوصيتهم القومية، وهذا محض هراء! فالاندماج المجتمعي هو شرط
لازم للحفاظ على الخصوصية القومية أو غيرها، وبدونها ليس ثمة أمام التحالف
الكردستاني أو سواه غير الانعزالية المقززة والاستقواء بالأجنبي على الشريك في
الوطن والحاضر والمستقبل.ثم إن الاندماج لا يشترط التخلي عن اللغة الكردية مثلا
بل الانخراط في المجتمع المفتوح والمندمج كمواطن عراقي ثم إن الطالباني نفسه
والبرزاني و برهم صالح وغيرهم كثيرون يتكلمون العربية الفصحى بلباقة وطلاقة قد
لا يجيدها العرب الأقحاح فهل تخلى هؤلاء عن خصوصيتهم الكردية ؟
زبدة الكلام هي
أن تصريحات الهاشمي ورد الفعل الكردي عليها وجهان لعملة شوفينية واحدة لا علاقة
لها بالديموقراطية الحقة وبمبادئ المواطنة الحديثة.فالمطالبة بأن يكون الرئيس
عربيا هي الوجه الآخر للمطالبة بأن يكون هذا المنصب من حصة الأكراد وهذا موقف
لا علاقة له بالمواطنة الحديثة وقد تجاوزه التاريخ لأنه يعود لمرحلة نهب
واقتسام الغنائم وبيع وشراء العبيد.