الصفحة الرئيسية | مقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | طلبة وشباب | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

 

مقالات مختارة

صوت اليسار العراقي

تصدرها مجموعة من الكتاب العراقيين

webmaster@saotaliassar.org    للمراسلة

 

 

 

 

 

 

 

 

 

نهاية  "الفيتو" الرئاسي الطائفي والحكم التوافقي وآفاق الانتخابات العراقية  القادمة

علاء اللامي*

بموجب المادة 138 من الدستور العراقي، وبمجرد انتخاب البرلمان العراقي القادم، سينتهي وجوب الأخذ بمبدئي "التوافق الطائفي" في تشكيل الحكومة و "الفيتو الرئاسي" الذي يتمتع به أعضاء  هيئة الرئاسة الطائفية المؤلفة من ممثلي " الشيعة والسنة العرب والأكراد". حينها لن تكون الكتلة البرلمانية الفائزة بالأغلبية البسيطة والبالغة 159 من مجموع 311 مجبرة على الأخذ بالتوافق الطائفي المعمد باسم " الديموقراطية التوافقية" والتي يسميها بعض الظرفاء "الديموقراطية الصفقاتية " بل يمكنها تشكيل حكومة أغلبية بسيطة. هذه التغييرات تعني أولا، أن هيئة الرئاسة ومنصب الرئيس تحديدا، والذي يحتله ممثل القومية الكردية جلال الطالباني، أصبح نافلا و أكثر بروتوكولية. بل إن منصب رئاسة البرلمان صار أكثر أهمية وفاعلية منه، وهي تعني ثانيا، أن نظام المحاصصة الطائفة الذي أوجده الاحتلال يوشك على فقدان القاعدة الدستورية نهائيا ولكنه لن يفتقد -كما سيتضح - المدافعين عنه رغم كل ضجيجهم الإعلامي المناوئ له لفظيا.   

رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي بشَّرَ أنصاره و ناخبيه و الجمهور الرافض للطائفية السياسية عموما، بقرب انتهاء عصر المحاصصة الطائفية. بل هو أعلن مبكرا عن نيته تشكيل حكومة الأغلبية البسيطة أي " المطلقة 50+1 %" في حال فوزه، وهو أيضا ما يعرفه خصومه المباشرون والداعون إلى استمرار التوافق الطائفي المصحوب بالفيتو الرئاسي وإن مداورةً. غير أن طموحات المالكي لا تتناسب مع الحجم المتواضع للبداية التي بدأ بها تحالفه الانتخابي الجديد والذي لم يكن في مستوى التوقعات، فهو لم يضم قوى و جهات كانت قريبة منه سياسيا كبعض التيارات والشخصيات القومية العروبية وممثلي الأخوين النجيفي وجبهة المطلك ووزير الداخلية الحالي وحزبه " الاستقلال " وتيار رئيس البرلمان السابق محمود المشهداني و قوات الصحوة بقيادة أبو ريشة، ولو كانت قائمة المالكي ضمت هؤلاء أو أغلبهم لضمنت وضعا أفضل وبالتالي طريقا أسلسا نحو حكومة الأغلبية البسيطة ولكن ثمة احتمال بأن يعاند ممثلو هذه القوى فيهرعون إلى قائمة علاوي الشبحية فيضيِّعون أنفسهم ويضيِّعون معهم إمكانية هزيمة المحاصصة الطائفية و هزيمة المدافعين عنها والمتشبثين بتلابيبها.

التيار الصدري وصف طموحات المالكي بإنهاء الطائفية السياسية وتشكيل حكومة أغلبية بسيطة بأنها مجرد أحلام انتخابية لن تتحقق، وقد ذكَّر رئيس الكتلة الصدرية بهاء الأعرجي الذي يجد نفسه اليوم جالسا إلى جوار زميله الجديد ومستشار "بريمر" الأمني سابقا موفق الربيعي آخر المنضمين إلى قائمة الحكيم، بأن تياره كان قد سبق المالكي إلى المطالبة بإنهاء التوافق الطائفي ولكن المشكلة بحسب الأعرجي تكمن في استحالة تشكيل كتلة أغلبية تحوز 159 مقعدا وبالتالي لا بد من اللجوء إلى التوافقات الطائفية. وهذا كلام غير صحيح فالحصول على أغلبية نيابية بسيطة من قبل أية كتلة مختلطة طائفيا لا يستدعي أية صفقات سياسية طائفية بوجود واقع الاختلاط داخل الكتلة المعنية حتى لو كان اختلاطا شكليا. ويتفق مع الأعرجي زميل آخر له  هو هادي العامري زعيم منظمة "بدر" الذي  يشارك الصدريين القناعة باستحالة تشكيل كتلة أغلبية لا طائفية ويصف طموحات كتلك التي تستثني مكونا ما بأنها " عين الغباء "، وهدد العامري أنه حتى في حال نجاح المالكي بتشكيل حكومة أغلبية بسيطة غير طائفية ولا تستثني مكونا مجتمعيا ما، فإن ائتلافه والقوى الأخرى القريبة منه، سيشكلون حلفا معارضا و سيقوم هذا الحلف باستجواب أحد وزراء المالكي كلَّ يوم في البرلمان. ويبدو أن هذا هو "أعلى ما في خيل" العامري للدفاع عن حكم المحاصصة الطائفية السياسية!

والواقع فلا توجد أية إمكانية فعلية لاستثناء مكون عراقي رئيسي مع اختفاء المحاصصة الطائفية دستوريا، غير أن ذلك يتطلب وقتا وربما لن تستقر الأمور للديموقراطية الاندماجية غير الطائفية قبل عهدتين أو ثلاث عُهدات برلمانية. والسبب الذي سيمنع وقوع استثناء مكون ما هو بكل بساطة عدم وجود كتل سياسية طائفية صافية وممثلة لمكوناتها 100% لا على مستوى البرامج ولا على مستوى المادة البشرية المنتخِبة، فحتى " التحالف الكردستاني" لم يعد يحتكر تمثيل المكون الكردي. غير أن الوضع لن يكون بالبساطة والسهولة المتوقعتين لأن تفككا حقيقيا وعميقا للأحزاب والكتل السياسية الطائفية والعرقية لم يحدث بعد. ربما يكون قد بدأ،ولكنه لم يتعمق أو يكتمل وخصوصا على مستوى الكتل والقوائم الانتخابية التي ولدت طائفية أو عرقية.

لعل ما قاله جابر خليفة النائب عن حزب الفضيلة يتقاطع مع ما عبر عنه الأعرجي والعامري ولكنه يظل أقل تشنجا منهما فهو يتفق معهما في العمق على استحالة نجاح المالكي في تجسيد مشروعه ويورد أسبابا مدعاة للتأمل منها (أن الأغلبية الطائفية في العراق أغلبية قلقة وليست أغلبية ساحقة كما في إيران مثلا، كما ان السنة والكرد أقليات كبيرة، وغياب أحدهما عن السلطة يربك العملية السياسية).وأن انتهاء عهد الفيتو الطائفي بانتهاء نفاذ المادة 138 من الدستور سيكون بديلة ما يسميه ضغط الواقع الذي يشكل الإجبار الوحيد ربما يقصد على استمرار نوع من التوافق الطائفي.

هؤلاء السادة جميعا، رغم وجاهة وصحة بعض المقدمات التي ينطلقون منها، يخطأون خطأ رئيسيا وجذريا واحدا تتفرع منه جمهرة الأخطاء الأخرى. هذا الخطأ يكمن في خلطهم بين الطائفية التكوينية أي بين كون المجتمع العراقي وكأغلب مجتمعات العالم المعاصر منقسم قوميا ودينيا وطائفيا وهذا لا ضرر فيه كواقع مجتمعي طالما وجد في حالة اندماج مجتمعي حقيقي، وبين الطائفية السياسية التي جاء بها الاحتلال وأطلقها وأدارها سياسيا حلفاؤه في برلمان ودستور طائفي حتى الآن، بمعنى ان الطائفية التكوينية لا ضرر منها طالما تدور عملية اندماج مجتمعي حقيقية، أما إذا أصرَّ الشيعي على البقاء داخل صومعته السياسية الشيعية، وقرر السني أن يبقى في حدوده الطائفية، واعتبر السياسي الكردي أي اندماج في المجتمع العراقي تعريبا وقتلا لخصوصيته القومية، فإن من المستحيل الخروج من مجتمع الطوائف والإثنيات المتقوقعة والمنعزلة والمستنفرة دائما. وبما ان الأحزاب العراقية كما قلنا طائفية أو عرقية في أغلبيتها، فإن العمل على الخروج من مستنقع الطائفية لم يعد رهنا "بنضالها"  ولا معلقا عليها، وحلت التحالفات المتنوعة التركيب محلها، فقد تكون مرحلة وسطى نحو النظام الديموقراطي. وحتى هنا، فالأمر لم يحسم بعد. فالاحتلال ما زال قائما وفعالا، وحلفاؤه مازالت لهم اليد الطولى سياسيا وأمنيا، وهم قادرون على قلب الطاولة وإعادة دبابات الأمريكان إلى شوارع المدن والإبقاء على الطائفية السياسية. بكلمات قليلة يمكن تلخيص المشهد السياسي كالتالي:

-   جميع الأحزاب السياسية المشاركة في العملية السياسية هي أحزاب طائفية أو عرقية من الناحية التكوينية مع استثناءات لا يعتد بها كالحزب الشيوعي العراقي / جناح حميد مجيد،والتيار القومي الناصري الذي يفتقد أيضا للتمثيل المجتمعي غير العربي.

-   في جميع التحالفات والقوائم التي أعلنت ثمة قوة رئيسية أو حاسمة من طائفة أو قومية معينة تحيط نفسها بقوى ثانوية من نسيج مجتمعي مختلف، وعلى هذا فإن قائمة الحكيم ستظل قائمة شيعية بأغلبيتها الساحقة، والقائمة الكردستانية ستكون كردية محضة رغم فقدانها احتكار التمثيل الكردي ببروز قائمة " التغيير " المنشقة ، وحتى قائمة المالكي لم تتمكن من خرق السقف السيامجتمعي بوضوح وجرأة حتى الآن، أما القوائم الأخرى قيد التشكل فهي ستكون ذات هيكل عظمي سني تزخرفه شخصيات وقوى وكيانات سياسية من هنا وهناك. ومن المحتمل أن ينكص علاوي عن تحالفه مع قائمة الحكيم، فيشكل مع الأحزاب في مناطق العرب السنة تحالفا جديدا مع ان مراقبين كثيرين يعتقدون بأن كتلة علاوي أصبحت عالة على من يتحالف معها بعد أن تفككت وانسحبت منها أغلب الشخصيات والقوى ذات التأثير و" الجاذبية " الانتخابية، أما قائمة السيد طارق الهاشمي فهي أقرب ما تكون إلى إلبوم صور تذكارية منها إلى تيار سياسي، وخصوصا بعد الهرجة التي افتعلها الهاشمي حول نسبة المقاعد المخصصة لعراقيي المهجر واللاجئين في دول الجوار ومحاولة رفعها من 5% الى 15% وكادت تؤدي الى كارثة في حصة بعض المحافظات وخصوصا نينوى لولا التدخل الحاسم للمحتل الأمريكي الذي أنقذ الهاشمي عبر الضغط على حلفائه في القوائم الأخرى فظلت النسبة كما هي ولكن دون خسارة مقاعد نينوى مع ان محافظات عربية أخرى خسرت مقاعد قليلة .

-   قائمة التحالف الكردستاني والقوائم الكردية الأخرى التي ستنبثق بمحاذاتها ستشكل مشكلة كبيرة أمام الطامحين لقيام كتل " وطنية " عابرة وخارقة للطوائف والقوميات، ولكن هذه المشكلة لن تكون مشكلة للعراق ولدعاة الاندماج المجتمعي فقط بل هي ستكون مشكلة كبيرة أيضا للزعامات الكردية القومية التي ترفض الاندماج وتحاول الحفاظ على "الدويلة" التي تكرم بها الاحتلال الأجنبي عليها، مع محاولة  التصرف كعراقيين أيضا وهذا محال، إذ سيكون لزاما على هذه القيادات أن تواجه الخيار الحاسم فإما أن تتخلى عن قوقعتها وانعزالها القوميين وتشارك في الاندماج المجتمعي العراقي مع الحفاظ على خصوصياتها القومية وإما إن تختار الانفصال عن العراق وهذا مآل آخر لن تجرؤ قيادتا البرزاني و الطالباني حتى على أن ترياه في الحلم!

-   الواقع هو ان تغييرا بطيئا، ولكنه حقيقي، بدأ بالحدوث، وقد ينتهي مساره  نحو شيء ليس هو بالمحاصصة الطائفية ولا هو ديموقراطية المواطنة الكاملة. هذا المسار، سيطول، وستعترضه عوائق وصعوبات وحتى منعطفات حادة في الفترة القادمة، وسيكون للمجتمع العراقي الذي خبر المحاصصة الطائفية والتذابح على الهوية دوره الكبير في رفع قوىً وإنزال الهزيمة بقوىً أخرى فيما لو حوفظ على الحد الأدنى من نزاهة وشفافية وحياد في العملية الانتخابية، وثمة الكثير من المفاجآت التي قد يخرجها "الساحر الشعبي العراقي" من عبه قد تكون أخطرها مقاطعة شاملة للانتخابات ومن يقوم عليها وربما تتخذ تلك المقاطعة أو تتحول إلى انتفاضة شاملة ولا نظن بان شعبا تمرد على جميع الأحزاب الطائفية وعلى الاحتلال وعاقب الجميع في الانتخابات السابقة كهذا الشعب  عاجز عن إطلاق أرنب جميل كهذا من عبه وإدهاش الجميع في سيرك التاريخ  العالمي!

          * كاتب عراقي

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 الصفحة الرئيسية | مقالات | دراسات | عمال ونقابات | كتابات حرّة | فنون وآداب | طلبة وشباب | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي