Untitled Document

 

المتاهة العراقية تتعقد: الوريث الإيراني في مواجهة ولي العهد الأميركي

 

علاء اللامي*

كان لافتاً ومعبراً أن يجنح اليمين المحافظ الأميركي في المعارضة، ممثلاً بالسفير السابق خليل زاده، إلى محاولة تقسيم كعكة الحكم العراقية بين المالكي وعلاوي مناصفة، وعلى أساس عامين لكل منهما في رئاسة الوزراء، وهو ما اعتبره بعض المراقبين تنازلاً أميركياً يقترحه المحافظون على أوباما، في الوقت الذي يجنح فيه نائب الرئيس الأميركي «الديموقراطي» جورج بايدن إلى التشنج البالغ درجة الخروج على المألوف الدبلوماسي دفاعاً عن المرشح الأميركي لحكم العراق إياد علاوي، ورفضاً لأي تنازل أو محاولة لتغيير نتائج الانتخابات المعلنة، شاطباً بهذا هيئة قضائية عراقية يحكى أنها «مستقلة ومحايدة» هي الهيئة القضائية الخاصة بالانتخابات والتابعة لمحكمة التمييز الاتحادية العراقية التي ينتظر الجميع رأيها في الطعون التي قدمت. ففي سابقة نادرة في لغة التصريحات الدبلوماسية الأميركية، اعتبر بايدن أن نتائج الانتخابات العراقية تعتبر «شوكة في عين إيران» كذا! وربما عبرت تصريحات بايدن عما أسمته صحيفة «الواشنطن بوست» خيبة إدارة أوباما وهي تراقب الساسة العراقيين من جميع القوائم والأحزاب والتحالفات، حتى تلك التي كانت تصف زوار طهران سابقاً بالعملاء الطائفيين لإيران، أي قائمة إياد علاوي، وهم يتقاطرون على طهران لتساهم في حل مشاكلهم وتأليف حكومتهم المقبلة، فيما تكتفي هي بالمراقبة الخائبة لهذا المآل.

قد لا يكون التعميم السالف دقيقاً، فأحد أهم الأطراف العراقية لم يكن موجوداً في قافلة المتقاطرين إلى طهران، ألا وهي قائمة «دولة القانون» التي يتزعمها المالكي، مع أن وفداً منها كان قد زار طهران ليلتقي ـــــ كما قيل ـــــ مقتدى الصدر، ولكن «دولة القانون» وعلى ألسنة ثلاثة من قيادييها رفضت أي تدخل إيراني أو غير إيراني في تأليف الحكومة العراقية المقبلة، وطالبت بأن تجري المشاورات في العراق «حصراً» والكلمة الأخيرة وردت حرفياً على لسان المالكي نفسه، مع أنه قد يكون فكر باحتمال أن تكون إيران قد توصلت إلى صفقة سياسية مع غريمه إياد علاوي، وبالتالي مع الأميركيين، واستبعدته على نحو ما من الصفقة، ثم جاءت الدعوة التي وجهتها إلى قائمة «العراقية»، وأدلى سفيرها في بغداد حسن كاظمي قمي بتصريح ترحيبي، اعتبرته «النيويورك تايمز»، المتحمسة كثيراً، رغم يساريتها المزعومة لرجل الاحتلال القديم الجديد علاوي، اعتبرته اعترافاً إيرانياً بانتصار علاوي واستبعاد المالكي، وكل هذه الإشارات تؤكد مغزى الاستنتاج السابق الذي قد يكون المالكي وقيادته قد توصلوا إليه.

أما بصدد مناوءة دول الجوار وفي طليعتها دولة الاحتلال وإيران والسعودية وسوريا لرئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي، فيمكن الإشارة إلى ما صرح به أحد الساسة العراقيين المتحمسين للمالكي، مع أنه ليس عضواً في قائمته بل في قائمة انتخابية أخرى، وهو رئيس البرلمان السابق محمود المشهداني، الذي عرف بتصريحاته وتصرفاته السياسية القوية والخارقة للسائد، أدلى بتصريح مثير وذي دلالات معينة عن حالة العداء أو المناوءة التي تبديها دول الجوار مجتمعة للمالكي شخصياً فقال: إن تلك المناوءة من جميع الدول المحيطة بالعراق «دليل على أن المالكي وطني عراقي صميم».. وأضاف المشهداني كلاماً آخر لا يخرج عن هذا التوجه العام في المديح السياسي، الذي ربما يكون على شيء من الموضوعية، إذا ما تذكرنا كل ما فعلته دول الجوار للعراق والعراقيين قبل الاحتلال وبعده، ولكنه سيكون كلاماً قليل الفائدة للجمهور العراقي في الوقت الحاضر، فهذا الجمهور يريد أن تعالج المآسي والأزمات والمشاكل التي يعانيها اليوم بطريقة «عصا موسى» لا ببرامج المالكي وخططه السلحفاتية!

النظام الإيراني يحاول اللحاق بقطار التطورات بعدما تبددت ملايينه على أحزاب طائفية

حتى الآن، والمتاهة التي خطط لها الاحتلال، ووضع ركائزها، تتسع وتتعقد ولا سبيل لخروج أحد منها قريباً: فالنظام الإيراني يحاول جاهداً اللحاق بقطار التطورات الأخيرة بعدما تبددت ملايينه على أحزاب طائفية حليفة كحزب المجلس الأعلى الذي حصل على أقل من ثلاثة في المئة من المقاعد، وكنا قد ذكرنا في مناسبة سابقة أنه حصل على خمسة في المئة ولكن ظهر أن الحزب حصل على عشرة مقاعد من مجموع 325، فيما حصل ثمانية من المستقلين المحسوبين عليه على الثمانية مقاعد الأخرى، ولم يتقدم الصدريون الذين قلبوا للمالكي ظهر المجن وتحالفوا مع الحكيم، في النتائج النهائية أكثر من واحد في المئة وهم يتنازعون الآن مع الحكيم على زعامة القائمة مدعومين هذه المرة بالأرقام والوقائع الجديدة.وحتى إذا لحقت طهران بقطار التطورات داخل المتاهة، فإنها ستواجه شبكة شديدة التعقيد من الأصدقاء والأعداء و«الأعدقاء» إن جاز القول. فهي تريد استبعاد المالكي المغضوب عليه منها ومن غيرها، ولكنها لا تستطيع أن تحذف قوته البرلمانية التي تقرب من ثلث المقاعد، وهي تريد التحالف أو على الأقل التوافق مع قائمة «العراقية» ولكن خطوط الصدريين الحمراء على البعثيين السابقين فيها رغم قلّتهم العددية تعيق محاولتها. لهذه الأسباب، وهي نماذج لشبكة عريضة من الأسباب لا أكثر، ستبقى طهران تدور داخل المتاهة محاولة قطف ما يمكنها قطفه من ثمار، ولكن مشروعها لوراثة احتلال العراق وحلولها محل المحتل الأميركي، حتى وإن كان حلولاً غير مباشر، سيكون أقرب إلى أحلام العصافير منه إلى البرنامج الواقعي، الذي يثير الذعر كما حدث مع حزب البعث المحظور الذي أصدر بياناً مذعوراً قبل أيام يحذر من وراثة إيران للاحتلال. هذا بخصوص إيران، فهل يختلف الأمر إذا ما صوّبنا منظار التحليل إلى واقع حال ولي العهد الذي يريد جورج بايدن جعله المنتصر الوحيد في الميدان العراقي الشائك ونقصد هنا إياد علاوي؟

ثمة ثلاث مشكلات جدية تواجه علاوي كزعيم لقائمة العراقية وتجعل تصعيده من جانب الاحتلال إلى دست السلطة التنفيذية الأولى دون تنازلات أو مناصفة أو ما شابه ذلك أقرب إلى المعجزة وهي:

ـ ضعفه الداخلي كزعيم لأحد مكونات القائمة حيث لم يحصد حزبه الخاص «الوفاق» نسبة مهمة من الأصوات تمنحه شرعية الزعامة المدعومة بالقوة الانتخابية على الأرض، ففي محافظة نينوى مثلاً حصد تجمع «عراقيون» بزعامة أسامة النجيفي وهو أحد أطراف قائمة «العراقية» عشرين مقعداً من مجموع 34، فيما ذهبت ثمانية مقاعد إلى الكردستاني ومقعد لكل من قائمة الحكيم والتوافق واليزيدية ووحدة العراق والكلدانية والآشورية، أما حزب علاوي فلم يحرز شيئاً كما يبدو، وهذا الضعف سيجعله مقوداً لا قائداً ومرؤوساً لا رئيساً، وخصوصاً في مناطق نفوذه الرسمية.

ـ المشكلة الثانية التي تواجه ولي العهد الأميركي هو برنامجه الداعي لتمديد بقاء قوات الاحتلال كمقدمة لتحويله إلى احتلال غير مباشر وهيمنة شاملة، فهذا البرنامج يتناقض جوهرياً مع الشعارات المناهضة للاحتلال التي ترفعها القوى والأحزاب المتحالفة معه في قائمة «العراقية»، وسيؤدي هذا التناقض إذا صدقت تلك القوى في مناهضتها للاحتلال ولم تغرها مناصب الحكم وامتيازاته، إلى انفجار تلك القائمة الانتخابية وتبعثرها شذر مذر، أو في الأقل سيدفع قوى رئيسية ومهمة منه إلى الخروج والتمرد على علاوي ونهجه، صحيح أن طرفاً مهماً التحق برنامجياً بعلاوي وهو حزب الحكيم الذي صرح مستشاره الأمني ووزير الدولة لشؤون الأمن السابق قاسم داود داعياً بأوضح العبارات إلى تمديد بقاء قوات الاحتلال الأميركية رسمياً وتأخير تاريخ جلائها من العراق.

ـ المشكلة الثالثة التي تواجه علاوي هي هشاشة التقدم الذي أحرزته قائمته بغض النظر عن احتمال تغيير تلك النتائج وانقلابها في حال قبول الطعون التي قدمت إلى الهيئة القضائية التابعة لمحكمة التمييز الاتحادية من عدمه. هذه الهشاشة ستجعل حكومة علاوي المقبلة، إذا نجح في تأليفها، مشلولة تماماً، ولا مخرج لها من المتاهة إلا عبر «تدخل جراحي عميق» قد يأخذ شكل الانقلاب العسكري. وقد بدأ علاوي مبكراً، كما يبدو، بالتفكير في هذا الأفق حيث صرح قبل أيام قليلة بأنه سيعيد هيكلة قوات الجيش والشرطة والاستخبارات وتشكيلها في حال وصوله إلى الحكم، لأن تلك القوات، كما علَّل، كُوّنت على أسس طائفية وعرقية.. والمتاهة ستستمر في الاتساع والتعقد طالما بقي الاحتلال.

·       كاتب عراقي

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 الصفحة الرئيسية | مقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | أرشيف الأخبار | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

  

مقالات مختارة

تصدرها مجموعة من الصحفيين والكتاب العراقيين

webmaster@saotaliassar.org    للمراسلة