حذار من الصوملة.. أوباما سيحرق العراق بأيدي ساسة الأحزاب المليشياوية
ثم ينسحب!
علاء اللامي
لم يتوقف الكثيرون عند التهديد المبطن الذي تضمنته كلمة الرئيس
الأمريكي أوباما والتي خاطب بها العراقيين بعد سويعات على انتهاء عملية
التصويت في الانتخابات التشريعية . وقلنا التهديد المبطن على جهة
المجاز فكلام الرجل كان صريحا واضحا ومحددا فقد قال على العراقيين أن
ينتظروا أياما صعبة قادمة! لا يتعلق الأمر بكون السيد أوباما موهوبا في
قراءة الكف أو الفنجان ولكنه حذر الجميع وكانت رسالته موجهة علنا إلى
العراقيين كشعب وكساسة مشاركين في العملية السياسية الاحتلالية المصنعة
وفق القالب الأمريكي الطائفي العرقي وكانت موجهة أيضا إلى الدول
الإقليمية والمجاورة للعراق .. خلاصة الرسالة تقول إن مستقبل العراق لن
يكون سهلا ميسورا حيث الديموقراطية المتطورة تتجذر والرخاء الاقتصادي
ينتشر والجيوش الأجنبية تغادر البلد بسلاسة وهدوء وكأنها فيالق من
الكشافة المسالمين . لا شيء من هذا أبدا ويمكن لأي كان ان يقرأ عبارة "
الأيام الصعبة " بالطريقة التي يراها مناسبة ولائقة بقدراته العقلية.
غير أن أبسط قراءة لها بمعونة تجارب الشعوب الأخرى التي تعرضت للعدوان
والغزو الأجنبي يمكن ان تعني أن العراقيين سيكونون أمام الخيار التالي
: فإما أن يقبلوا بدولة ذات سيادة شكلية وناقصة تدور في الفلك الأمريكي
مقابل هدوء ظاهري وسلام اجتماعي وسياسي بين الفئات التي تتقاسم إدارة
السلطة ونهب الثروات الوطنية باسم الطوائف والقوميات وإما أن يغرَقوا
ويغرِقوا معهم البلاد والشعب في حروب اقتتال لها أول وليس لها آخر
ستنتهي بتحويل العراق إلى صومال آخر وربما أتعس .
الواقع هو أن المشروع الأمريكي انتكس في العراق انتكاسة كبيرة بفعل
المقاومة العراقية قبل أن يتم تدميرها من قبل تنظيم القاعدة و
الاحتلال، ولكنه لم يهزم تماما كمشروع سياسي احتلالي، وبين الهزيمة
والانتكاسة بون شاسع، وعلى هذا، كان من الضروري أمريكيا التفكير بآليات
جديدة لتعويم مشروع الاحتلال وإنقاذ ما يمكن إنقاذه فوضعت موضع
التطبيق فكرةُ النظام العراقي الموالي والسائر في الفلك الأمريكي بعد
ربطه بسلسلة من معاهدات واتفاقيات سياسية واقتصادية وأمنية لا يمكن
الفكاك منها إلا بعملية كسر عظم مع الاحتلال غير المباشر ذاته. ولكن،
ماذا لو فشلت هذه الخطة الجديدة لتعويم الاحتلال وإنقاذ المشروع
الأمريكي، أو على الأقل استرداد ثمن آلاف الجثث الأمريكية التي سقطت
على أرض العراق ؟ هنا سيكون خيار الصوملة جاهزا! حينها سيتم إحراق
العراق أو ما تبقى منه تماما فلا تقوم له قائمة بعد ذلك كما حدث
للصومال بالضبط.
السياسيون العراقيون المشاركون في العملية السياسية الاحتلالية و
المتصارعون على المقاعد البرلمانية والحقائب الوزارية سيقومون بدور
لاقطي الجمر تمهيدا للحريق، فهم دخلوا العملية السياسية الاحتلالية
مروبصين ومغمضي العيون، بعد أن صدقوا بأنهم ساسة، وان العملية السياسية
التي يساهمون فيها هي الحل الوحيد الممكن، وهكذا وصلوا، أو لنقل أوصلوا
أنفسهم وبلادهم وشعبهم إلى " أيام أوباما الصعبة " حيث الشعار يقول:
إما أن يكون العراق مستعمرة أو تابعا يدور في الفلك الأمريكي وإلا
فسنترك ساسته وقادة مليشياته الطائفية والعرقية يحرقونه ويدمرونه
بأيديهم!
وعرضا نقول أن جميع الأحزاب العراقية القائمة اليوم والمشاركة في
العملية السياسية وحتى أغلب تلك التي لا تشارك فيها هي مليشيات حقيقية
مطلية بطلاء حزبي أو ديني طائفي فاقع و لا فرق هنا بين جيش المهدي
وجبهة الحوار أو بين منظمة بدر وهيئة علماء المسلمين.
واليوم وقد بلغ التوتر أشده بعد الاتهامات والتهديدات المتبادلة بين
أطراف العملية السياسية الاحتلالية، أ ليس من حق الناس ان تتساءل :
-
لماذا هذا الإصرار على عملية سياسية خاطئة أوجدها الاحتلال وأغرقت
البلد في الحرب الأهلية وبالكاد خرج منها ليجد نفسه ثانية على عتبتها؟
-
وإذا كان حصول قائمة المالكي أو علاوي على المرتبة الأولى في نتائج
التصويت لا يعني تمكن الحاصل عليها من تشكيل الحكومة منفردا، وهذا هو
الواقع الذي يفرضه التصميم الأمريكي الخبيث لحكم المحاصصة الطائفية
العرقية من جهة، وموازين القوى الفعلية التي أنجبها ذلك القالب أو
التصميم من جهة أخرى، أفلا يمكن اللجوء إلى آليات العملية نفسها وتشكيل
تحالفات حاكمة لضمان إخراج البلد من المأزق الحالي بدلا من التهديد
بإشعال حريق لا يبقي ولا يذر؟
-
ثم أين كان قادة هذه القائمة الانتخابية أو تلك طوال أسبوعين من حكاية
الاتهامات بالتزوير ليهبوا فجأة مع اقتراب إعلان النتائج النهائية
ويهددوا بالويل والثبور؟ وإذا كان الخبراء المستقلون في تقنيات
الحواسيب الحديثة قد أكدوا أن إمكانية اختراق أنظمة وحاسبات المفوضية
العليا للانتخابات واردة عمليا ويسيرة جدا، فلماذا لم يتم الاتفاق منذ
البدء على اعتماد أساليب العد والفرز الأولي الذي عادت لتأخذ به عدد من
الدول الأوروبية التي رفضت الأخذ بطرق العد بواسطة الحاسبات
الإلكترونية وآخر تلك الدول هولندا؟
-
ولماذا هذا الإصرار من الطرف الأخر" قائمة علاوي " على رفض تطبيق طريقة
الفرز والعد اليدوي واعتبار الحكم الحالي منتهيا كما قال الناطق الرسمي
باسم هذه القائمة السيد حيدر الملا والذي دأب خلال إطلالاته التفلزية
من العاصمة الأردنية عمان على وصف رئيس الوزراء الحالي السيد نوري
المالكي برئيس الوزراء السابق وكأنه في عجلة من أمره ليتولاها صاحبه
السيد علاوي، لماذا هذا الإصرار على رفض العد والفرز اليدوي إذاً كحلٍ
أخير يمكن ان يتفادى بواسطته العراق كارثة اقتتال جسيمة من جديد؟
-
وإذا حدث وتم تفادي كارثة الاقتتال الوشيكة، فمن سيضمن تفادى غيرها
مستقبلا، طالما بقي الاحتلال المباشر متشبثا بتلابيب العراق، أو تحول
إلى احتلال غير مباشر تديره حكومة صديقة وموالية لدولة الاحتلال، قائمة
على ذات الأسس والمرتكزات الطائفية والعرقية، حتى وإن كان يقودها سياسي
يوصف بالعلماني كالسيد علاوي وتربطه علاقات وثيقة وعريقة بالمخابرات
المركزية الأمريكية كما كرر مؤخرا الباحث الأمريكي المتخصص مايكل روبن
من معهد "أمريكان إنتربرايس إنستيتيوت"؟
إن الدعوات إلى ضبط النفس والتصرف بحكمة والبحث عن حلول وسط رغم
النوايا الطيبة التي تستند إليها، والمعاني الإنسانية التي تستبطنها،
لا تغني عن البحث عن الحل الجوهري والواقعي لإخراج العراق والعراقيين
مما هم فيه اليوم، ولن يكون ذلك الحل ممكنا وشافيا، إلا بالقطع مع
الاحتلال وسياساته وتصميماته للحكم والمطالبة برحيله الفوري وإطلاق
عملية مصالحة اجتماعية وسياسية بين القوى الاستقلالية المناهضة
للاحتلال وللتجربة الدكتاتورية السابقة في الحكم معا.
أما الانشداد إلى العقلية الشمولية التي لا ترى غير اللونين الأسود
والأبيض ولا تعرف غير العناد والمشاعر الغرائزية الشخصية البدائية فهو
مما يسهل على من يريدون بالعراق شرا وفي مقدمة هؤلاء زعيم دولة
الاحتلال أوباما الذي يريد أن يحرق العراق بأيدي أصدقائه العراقيين من
زعماء الأحزاب المليشياوية في العملية السياسية الاحتلالية ولا فرق هنا
بين علماني مزيف وانتهازي كعلاوي أو طائفي متمرد على الطائفية لفظيا
وبتردد كالمالكي.