Untitled Document

 

من يتحمل مسؤولية عودة حكم المحاصصة الطائفية،المالكي، علاوي، أم إيران؟

علاء اللامي

على افتراض نجاح مفاوضات طهران بين قائمتي الحكيم والمالكي في طهران والتحاق الكردستاني والتوافق بهما لتشكيل أو إعادة إنتاج حكم المحاصصة الفاقع السابق فمن يتحمل مسؤولية هذه النتيجة ؟

سيبادر المتسرعون إلى الإجابة على هذا السؤال الملغوم إجابة تعكس مشاربهم المجتمعية والسياسية: فالطائفيون الشيعة سيلقون بالمسؤولية عن عودة هذا النوع من الحكم الذي جاء به المحتل على "تزوير الانتخابات" و"التآمر البعثي ودول الجوار المعادية للعراق الجديد" وغير ذلك من كلام تبريري سطحي ولا يقنع صبيا ساذجا بل يحاول القفز على جوهر المشاكل الحقيقية. أما الطائفيون السنة والقوميون المتطرفون فسيلقون اللوم على "إيران وعدائها المجوسي العريق للعراق" ، وكأنهم بذلك اكتشفوا "اللبلبي" لأول مرة في التاريخ ! فمَن غير المحازبين لإيران ونظامها لا يعرف أطماع إيران التاريخية في أرض ومياه وثروات العراق؟ ومَن لا يفهم تحبيذ إيران لوجود نظام طائفي مشابه لنظامها إلى جوارها يكفيها شر نظام ديموقراطي علماني في العراق؟ لنترك سدود تركيا وأطماعها في الموصل جانبا الآن، فهذه الأمور لا يراها البعض، ولكن الغريب فعلا هو أن الطائفيين السنة يتناسون دائما، وخصوصا هذه الأيام، وجود الاحتلال الأمريكي، ويوجهون رماحهم لإيران وإيران فقط، وبعضهم لا يكاد يذكر هذا الاحتلال إلا ليلحق به إيران كاحتلال ثان ومن باب رفع العتب .

قلنا أن هذا السؤال ملغوم، ونقصد انه غير منتج بلغة القضاء، أو أنه مركب بشكل مغرض ومنحاز، لأن كل ما يحدث في الساحة السياسية في العراق من انتخابات وصراعات حولها وفيها، أمور تحدث داخل الخطة الإستراتيجية الأمريكية الهادفة لإيجاد حكم محلي عميل يتولى قيادة مرحلة الاحتلال غير المباشر القادمة بعد أقل من عام، والراجح أن الاحتلال بات يفضل قيادة علمانية مطعمة بقيادات لا تخفي تأيدها للنظام البعثي الصدامي رغم ثقلها التنظيمي المتواضع، ومع وجود قيادات قومية وطنية أخرى مناهضة للاحتلال يبدو إنها راهنت على أشياء أخرى رغم تحفظاتها القديمة والمعروفة على شخص إياد علاوي. وعلى هذا، فإن هذا السؤال يريد عن قصد أو دون قصد تبرئة اللعبة السياسية الدائرة في العراق الآن من أية رائحة للاحتلال وعملائه.

مع ذلك،ولأغراض تحليلية،  فليس من السيئ والعبثي دخول المستنقع أحيانا والبحث عما يؤيد وجهة النظر هذه، ومن هنا تأتي شرعية طرح  هذا السؤال وهي شرعية تفسيرية لا معيارية قيمية. وعلى هذا، يمكن أن يقال بأن علاوي هو الطرف الذي يتحمل مسؤولية تسهيل عودة حكم المحاصصة الطائفية، رغم كل صياحه المعادي للطائفية، وذلك حين دخل في عداء شديد ذي طابع شخصاني واضح ضد المالكي ، ووافق على أن يكون كما كان دائما، رجل أمريكا في حربها الجديدة من أجل تمديد بقاء قواتها وإقامة نظام حكم تابع يدور في فلكها. وقد صدرت عنه، عن علاوي،  عدة تصريحات متضاربة شكلا خلال يومين أو ثلاث. فمرة يقول سنفاوض جميع القوى الفائزة ولا علاقة لنا بقائمة المالكي، ومرة يقول ليست لدينا خطوط حمراء على أي طرف من الأطراف، وأخرى يهدد موقع على النت موالي له بتقديم المالكي إلى المحكمة خاصة بعد تشكيل قائمة العراقية للحكومة لمحاكمته بتهمة ارتكاب مجازر في البصرة وبغداد ضد المليشيات، لاحظ "ذكاء وبرغماتية" رجالات قائمة علاوي الفائقة والذين تحركهم روح الثأر والانتقام شأنهم شأن قادة الكتل الأخرى ،  ومرة يشترط على المالكي أن يكف عن أن يكون طائفيا، متناسيا أن هذا الحاكم هو الوحيد بين حكام عهد الاحتلال الذي قاتل المليشيات الطائفية والتوجهات الطائفية وذهب بعيدا في هذا السبيل قبل أن يدخل مرحلة التردد والتلكؤ الأخيرة والتي يوشك على دفع ثمنها سياسيا.

والواقع فإن علاوي لا يصدر تصريحات متناقضة كما يبدو من  خلال النظرة السريعة لظاهرها، بل هو يطبق حرفيا تعليمات قيادة الاحتلال الهادفة لخلط الأوراق وعزل القوى المطالبة بانسحاب قواتها في مواعيدها المحددة، وتخريب أي محاولة لتجميع القوى المناهضة للطائفية والاحتلال.

من جهة أخرى، لا يمكن تبرئة لمالكي من المسؤولية، وهي مسؤولية أضخم وأعمق، عن عودة حكم المحاصصة الطائفية. فهو هرع بنفسه إلى قوائم الحكيم والكردستاني والتوافق، ووافق على التفاوض معها، وفي إيران تحديدا التي حاولت وما تزال إقصائه وضرب توجهاته المناوئة للطائفية.

اللافت والمثير هو أن المالكي تنازل عن الكثير من الأمور التي كانت في حقيبته مجانا، وحتى قبل أن تبدأ معركة عض الأصابع السياسية الفعلية لا لشيء إلا لكي يحافظ على موقعه في السلطة، أو في أسوأ الاحتمالات استبداله ببيدق من حزبه يسيطر عليه هو شخصيا، أما الكلام عن معاداة المحاصصة الطائفية والعراق الديموقراطي الجديد الذي بشر به المالكي طويلا فقد وضع على الرف حاليا كما يبدو واستبدل بخطاب ثأري يروع الجمهور بخطورة عودة البعثيين الصداميين الذين تحولوا إلى "خروعة خضرة" وهو ما يمنحهم وزنا لا يستحقونه.

 الأكثر غرابة هو ان المالكي تنازل في مفاوضات طهران حتى عن حقه كقائد حزب صوَّت له أكثر نصف مليون بغدادي وبغدادية وقائمة صوتها لها الملايين ، تنازل عن حقه وواجبه  في التحرك السياسي المستقل كطرف وند قوي، لأنه لم يلوح حتى مجرد تلويح باحتمال التحالف مع قائمة علاوي، أو مع الوطنيين والعلمانيين غير الصداميين فيها، على الأقل  لكي يخفف من ضغط واشتراطات التحالف الكردستاني عليه والذي اشترط ضمن ما اشترط على المالكي - وقد أدهشته مرونة وسخاء هذا الأخير - أن يتنازل أي المالكي تحريرا عن كركوك ( تحت صيغة : التفعيل الفوري للمادة 140 كركوك والمناطق المتنازع عليها) ويكون التنازل موقعا من الاحتلال مقابل التحالف معه الأمر الذي استفز اثنين من قادة قائمة المالكي وهما حيدر الجوراني وعبد الهادي الحساني فرفضاه ونددا به علنا . وكان ممكنا لو أن المالكي لوَّح أو حتى عمل في اتجاه التحالف مع قائمة علاوي بحجة ان هذا الأمر ليس إثما أو حراما، وأن الجميع بمن فيهم كتلة مقتدى الصدر فاوضته،نقول: كان بإمكانه التخفف من شروط وضغوطات إيران ومقتدى الصدر وقائمة الحكيم ككل ولكنه لم يفعل شيئا من هذا القبيل، بل الأكثر إدهاشا هو انه سلم مهمة التفاوض لممثلي التيار ذي النزوع الطائفي في قيادة حزبه وهو تيار وهارع للاندماج مع قائمة الحكيم بأي ثمن كالسادة عبد الحليم الزهيري وطارق نجم العبد الله وخضير الخزاعي فيما تراجع القادة المناهضون للطائفية داخل الحزب كشيروان الوائلي وصادق الركابي إلى الخلف وغيرهما.

أن ما قلنا في الأسطر السابقة ليس معناه إننا نؤيد التحالف بين قائمتي المالكي وعلاوي فاللعبة الأمريكية لا بد وأنها وضعت هذا الاحتمال في الحسبان، ولكننا نفضل على هذا الخيار تحالفا بين المناهضين للطائفية والاحتلال معا من الكتلتين كلتيهما، وهكذا سيخرج علاوي وحزبه الصغير من العراقية لأنه سيصطدم ببرنامج وطني يرفض الإستراتيجية الأمريكية التي يتبناها حزب علاوي " الوفاق"، وسيخرج الطائفيون الشيعة الصرحاء من قائمة دولة القانون وسيعاد رسم الخارطة بشكل جديد قد لا يضمن الإمساك بالسلطة والحكم ولكنه بكل يقين سيوجد معارضة وطنية فعالة وحقيقية سيكون وجودها باعثا على الأمل لدى شعب العراق ككل.. ولكن هل يمكن لـ "الأمل " أن يقف في مواجهة "العمل" على تنفيذ المخطط الأمريكي الشيطاني قيد التنفيذ ؟

   

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 الصفحة الرئيسية | مقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | أرشيف الأخبار | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

  

مقالات مختارة

تصدرها مجموعة من الصحفيين والكتاب العراقيين

webmaster@saotaliassar.org    للمراسلة