كتابات حرّة

 الصفحة الرئيسية | مقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | أرشيف الأخبار | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

  

مقالات مختارة

 مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org 

 

المشكلات العولمية باعتبارها نقطة انطلاق المستقبل الجديد

 

تستحق العولمة المعاصرة التعريف المتناقض بأنها منظومة مدعوة إلى حرف الانتباه عن حل المشكلات العولمية. تتطلب المشكلات العولمية قفزة قوية جديدة – تتطلب تحولاً نوعياً في ممارساتنا على أساس اقتحام جديد من قبل المنظومة المسماة "عبقري" (بالمعنى الكانطي للكلمة) للمنظومة المسماة "منتِج". يدمِّر العولميون الحاليون, من جهةٍ, منظومة "العبقري" مفرغين مخازن الثقافات الوطنية, ويمارسون من جهة أخرى إعادة توزيع موارد العالم من أجل رمي هذه الموارد الإضافية في أتون حضارتهم التقنية مخلِّصين إياها بذلك من إعادة الهيكلة التي حان وقت الشروع بها منذ زمن.

المشكلات العولمية هي خطر تدمير الوسط الطبيعي والاجتماعي الروحي المتعرض لضغط لم يسبق له مثيل من جانب الحضارة التقنية.

تبرز هذه المشكلات كنتيجة لعدم التوافقات التالية:

 - بين إعادة الإنتاج غير المحدودة للعوامل المنتمية إلى منظومة "التقنية", وإمكانات إعادة الإنتاج المحدودة للمنظومة المسماة "طبيعة"؛

 - بين إصدار التقنية الصناعي الغزير والتأمين البدائي أو نصف البدائي للمنظومة المسماة "إنسان". إن ملايين البشر يعيشون في ظروف الحياة المنزلية البدائية مستفيدين من خدمات الطب القديم البدائية والتعليم البدائي وما شابه ذلك؛

 - بين المنتجات الفريدة للثقافة السامية والإصدارات غير المحمودة لمنتجات الثقافة العادية.

بالنتيجة يزيح مجال ما هو صادر تقنياً وما هو موضوع على السيور الناقلة, تلك المجالات المتعلقة إما بعطاءات الطبيعة الفريدة أو بعطاءات الثقافة الفريدة ويشوِّهها ويهدِّد, أخيراً, بتدميرها تدميراً تاماً. تجسد هذه العطاءات الأخيرة رأسمال الحضارة نفسه الذي حصل عليه المجتمع الصناعي مجاناً والذي لم تتعلم الرأسمالية عبر تاريخها, الذي صار الآن ممتداً قروناً عديدة, كيف تتصرف به على نحو ملائم. إن هذا الراسمال اليوم آخذ في النفاد أمام أعيننا. تتدمر الطبيعة التي لن تكون في وضع يسمح لها كالسابق بإعادة إنتاج تعايشها الحيوي, الممزق بسبب من اقتحام التقنيات السمية. يتدمر رأس المال الطبيعي في مجال الصحة البشرية وحب الحياة – أي تلك الحيوية الخصوصية أو الولع الذي ميز الأجيال السابقة عن الجيل الحالي المصاب بالوهن العصبي وفقر الدم.

يتدمر الرأسمال الأخلاقي المتمثل بالخضوع الإنساني للقانون والشعور بالمسؤولية والثقة المتبادلة, فأصحاب الحياة الحاليون لا يخرقون على نحو منظم هذه الثقة وحسب بل يعلمون أيضاً معاصريهم كيف أن الغدر والفساد سينتصران حتماً على التأدب. إن هذا يضع موضع الشك فوائد التعاون الاجتماعي كلها ويهدد بتدمير معنى التعاون بحد ذاته. كتب عن هذا فرنسيس فوكوياما([1]): "... يتفاعل الناس الذين لا يشعرون بالثقة بعضهم ببعض في إطار منظومة القواعد والأحكام الشكلية فقط, التي ينبغي إنتاجها باستمرار, وملاءمتها والدفاع عنها في المحكمة ومن ثم تأمين الالتزام بها بما في ذلك بمساعدة الإجراءات القسرية. تؤدي هذه الأساليب البديلة للثقة كلها إلى ازدياد ما يسميه الاقتصاديون "النفقات الإجرائية". بمعنى آخر, إن تفشي انعدام الثقة في المجتمع معادل لفرض ضريبة إضافية على أشكال النشاط الاقتصادي كلها, يكون المجتمع المتمتع بمستوىً عالٍ من الثقة في غنىً عنها"([2]).

هل حسب إصلاحيونا هذا الحساب حين أعلنوا عن استعدادهم للاستعاضة عن سلفية الوعي الأخلاقي و"أحاسيسه المفرطة" كلها بالوعي القانوني المعاصر الذي يستبدل بالثقة دعاوى المواطنين؟

على حضارات الشرق والغرب أن تعبئ كمونها الإبداعي الثقافي كله في وجه المشكلات العولمية, التي تمس أسس الوجود البشري ذاتها على الأرض – لن يكون في وسع أحد بعد الآن الصمت والنوم طويلاً.

السؤال الأول الذي يتبادر في هذا الخصوص: هل نفد الكمون الثقافي لدى الحداثة الغربية, وإلى أي مدى, من حيث المبدأ, سيكون ذا فائدة في تحضير رد مناسب على التحدي العولمي؟ السؤال الثاني: ما هي آفاق مشاركة كمون الحضارات الشرقية الثقافي في هذا الرد؟

فلنحاول الإجابة عن هذين السؤالين بالترتيب.

في ما يخص الغرب فسيكون لمفهوم "الثقافة الفاوستية" قيمة توجيهية في تحليلنا.

إن الهدف النهائي لهذه الثقافة هو التشييئ الشامل, وإفقاد العالم المحيط طبيعيته بأكملها, بتحويله من "شيء في ذاته" إلى شيء من أجلنا, ومن عالم غير مصنوع إلى عالم مصنوع. ينتج من هذا برنامج محدد تماماً لحل المشكلات العولمية وإن كان جريئاً للغاية. يفترض هذا البرنامح في ما يخص الموارد الطبيعية الآخذة في التبخر الاستعاضة الكاملة عن الطبيعي بالصناعي, وعن المادة الأولية الطبيعية ببدائلها. يعني هذا في النهاية الانتقال من الإنتاج الجزئي لعناصر معينة من الوسط الحياتي إلى الإنتاج الشامل لكامل الوسط المحيط بمواصفات معطاة مسبقاً. يجري التعبير عن هذه العملقة التقنية على النحو التالي: "... بما أن الوسط الذي تؤمنه الطبيعة سرعان ما سيكف عن أن يناسب الناس لعدم مقدرته على التعامل مع الضغط البشري المتزايد لذك ينبغي إيجاد الوسائل والأساليب المناسبة لتحويل... أجزاء معينة في البداية, من ثم محيطنا الأرضي بأكمله"([3]).

ما معنى هذا؟ إنه يعني بالدرجة الأولى إعادة بناء حاسمة لمجمل المجمع العلمي التقني. ما عاد هنا في الإمكان احتمال ذلك الانقطاع السابق بين العلوم الطبيعية والتقنية مثلها كمثل الحفاظ على الوضع الميتافيزيقي التأملي للعلوم عن الحياة. بما أن الوسط الطبيعي هو عبارة عن مجمع "إنتاجي" طبيعي, تتشابك فيه العمليات الجارية في المادتين الحية وغير الحية, فإن هذا التكامل مطلوب أيضاً بين العلوم الطبيعية كلها. ينبغي أن تسبق الأفكار المتعلقة بالصلات بين العضوي وغير العضوي, مثلها كمثل الأفكار المتعلقة بصلات العضوي الداخلية, إنتاجَ المعرفة الصناعية المتخصصة. يدور الحديث عن عودة تناقضية إلى التماسك القديم الذي برز فيه الإنسان والحياة والفضاء ككل مدمج. إن هذا النوع الخاص من الصعود من المطلق إلى المحدد: من "حجارة البناء العالمي" الميتة التي اكتشفتها الميكانيكا والفيزياء في وقت ما, إلى لوحة الطبيعة المظهَرَة تجريبياً, والتي تحيط بنا فيها كليات تحت اسم التعايش الجيوحيوي وتؤثر فينا.

في الجانب السوسيوثقافي يعني هذا صدمة هائلة للوسط الإنتاجي المتكون, الذي سيكون عليه أن يكابد من تدفق الأفكار غير الاعتيادية (والأناس غير الاعتياديين) من الخارج. تخاطر منظومة الإنتاج بأن تلك الأفكار والممارسات ذاتها التي كانت هامشية وموضوعة, عادةً, خارج نطاق عمليات اتخاذ القرار, قد تصير مركزية وتفرض سلوكاً جديداً في الإنتاج. أما الوسط الاستثماري فيغامر بدوره بأن تتحول تلك الموارد الطبيعية ذاتها التي تحتاج إليها عملية الإنتاج باعتبارها مجانية إلى عوامل إنتاج مدفوعة الثمن فتؤثر على التكلفة. طبعاً, يمكن أن يلتقي هنا قلق رب العمل مع قلق المستهلكين غير المستعدين لتمويل النفقات البيئية المضافة.

لكن الوسط العلمي الأكاديمي يغامر أيضاً بطريقته الخاصة: تغامر حرياته الأكاديمية التقليدية كلها, مثلها كمثل حرية الخيال الإبداعي, بأن تغدو بين فكي كماشة الانضباط الإنتاجي التكنولوجي الجديد, المنبثق عن التحام العلم بالإنتاج. إن مثل هذه التطورات متوقعة أيضاً في المستوى التالي الخاص بالعلوم عن الإنسان وآفاق تحول الأشكال السلوكية التي ما زالت اختيارية إلى أشكال مفروضة وممولة وخاضعة للمراقبة إنتاجياً.

إن ارتجالاتنا اليومية التي تمس وجودنا وتعاملنا اليومي واختيار الزوج وقضاء أوقات الفراغ وما شابه ذلك تغامر بأن يحل محلها سلوك معلل عقلانياً تفرضه متطلبات الفاعلية. فمثلاً, تنحصر عملياً اهتماماتنا بصحتنا اليوم من جهة في زيارات إلى الطبيب غير خاضعة لمراقبة أحد, ومن جهة أخرى في حِرفية ذاتية في مجال العلوم الصحية والتمارين الرياضية والجري في الصباحات وما شابه ذلك. لكن إذا تبين في نهاية المطاف أن هذه الإجراءات البدائية غير المضبوطة كلها لا تسمح بتأمين المستوى المطلوب لإعادة إنتاج مقدرتنا على العمل وتنفيذ الواجبات الاجتماعية الأخرى فإن العلم الكبير سينشغل بإعادة إنتاجنا الديموغرافي والفيزيولوجي النفسي, وسيكون مدعواً لوضع عوامل إعادة الإنتاج الحساسة هذه على السيور الناقلة.

لا ينبغي الظن أن استبداد العقلانية العلمية هذا سيتخذ حتماً أشكال الرقابة والضبط الحكومي الإجباري. إذ من الممكن أن تنتقل حذلقة هذا الضبط عديمة التفكير إلى المجتمع المدني الرافض قبول أي أفراد غير مكتملين جسدياً أو تأمينهم, أو قد تنتقل إلى الأفراد ذاتهم إذا قدِّر لهم النفاذ إلى عمق هذه الحذلقة وتحويل معاييرها القاسية إلى ضوابط ذاتية يومية.

على هذا النحو يهدد برنامج الانتقال "الفاوستي" من الإنتاج الجزئي إلى الإنتاج العام الشامل لجميع شروط وجودنا على الأرض بتقديم الإنسان بكامله ديَّةً للعقلانية العلمية التي ستتدعم ادعاءاتها بالمصادقات الاقتصادية والإدارية والسوسيوثقافية الفاعلة.

هنا يعاد إنتاج مفارقة دوستويفسكي بطريقة خاصة: الحرية الفاوستية غير المحدودة, التي لا تعرف أي حواجز أو قيود طبيعية, قادرةٌ على أن تنتهي إلى تسلط غير محدود للعقلانية العلمية التي لا تطيق أي انحرافات أو ارتجالات خاصة. إذا كان المجتمع المتكون في عصر الحداثة الكلاسيكية منظومةً ذات برمجة جزئية تبقي تحت تصرفنا الخاص مسائل لا تنتمي إلى المجال الإنتاجي الضيق, فإن مجتمع الحداثة الناضجة المتصدي لتحدي المشكلات العولمية قد يصير منظومة ذات برمجة كاملة وشاملة كل شيء, بما في ذلك تجليات الحياة غير الإنتاجية كلها.

وهكذا, فإننا أمام خيارين. إما الإبقاء على كامل الرأسمال الروحي والاجتماعي اللامحدود من حيث المبدأ, والذي نمته الحضارة عبر مسيرة تطور التاريخ والثقافة الطويل, في وضع اللعبة السوسيوثقافية الحرة والاختيارية, التي تغيرنا, طبعاً, وتغنينا - لكن من غير "برنامج كبير" مرسوم مسبقاً - وحينئذ سنستمر في الوجود باعتبارنا قاطنين لهذه المعمورة, خالين من الهموم, ومستخدمين لهِبات الطبيعة والثقافة, وإما أن نحول النخبة الإبداعية المتنوعة من "البوهيميا" الحرة إلى "منتجين عولميين" مثقلين بهَمِّ فرض دورة إعادة إنتاج شاملةٍ كلَّ شيء, بما في ذلك وسط الحياة, وكذلك المجالات الديموغرافية والمعيشية – الأسرية وأوقات الفراغ.

يبتعد الغرب المعاصر عن هذا الأفق الشمولي بطريقة غير قانونية: عن طريق الاستخدام المجاني لموارد الكوكب التي حصل عليها في أثناء إعادة تقسيم العالم من جديد. وتستند ليبراليته, المخصصة منذ الآن من أجل الاستخدام الداخلي الخالص, إلى الاستعمار العولمي الجديد. لا زالت حاضرة في ذاكرة الجميع تلك الصدمة التي تعرض لها الغرب بنتيجة الحظر النفطي الذي فرضته الدول العربية عام 1973. لقد أدى هذا الحظر, الذي حد على نحو ملحوظ من وصول الحضارة التقنية إلى الموارد الطبيعية الرخيصة, إلى حدوث تطور شديد جديد في الاقتصاد الغربي, وإلى تطوير تقنيات توفير الطاقة. لكن هذا الحظر قد جر وراءه سلسلة كاملة من محاولات برمجة السلوك اليومي لا لطبقة المستثمرين فقط, بل المواطنين العاديين أيضاً, الذين داهمتهم موجة "العقلانية القدروية".

لقد وحد الخوف من هذه العقلانية, التي تفوح منها رائحة شكل خصوصي من الشمولية, الإنسان الغربي والنخبة الفكرية وطبقة المستثمرين بطريقة خاصة. لقد خاف الإنسان العادي على مستقبل المجتمع الاستهلاكي الذي لم يهده مجموعة من الخيرات المادية وحسب بل رفاهيةً لذوية خصوصية شجعت على "الطلب الاقتصادي". وخافت طبقة المستثمرين من نفقات الإنتاج الجديدة, المرتبطة بالاقتصاد في الموارد الأولية والطاقة والمرتبطة بالاعتمادات ودعم التوازن الطبيعي. لو تم حساب نفقات الإنتاج البيئية بأكملها لتجاوزت جميع النفقات التقليدية المرتبطة بشراء المعدات والقوة العاملة والخدمات الإدارية. أما ما يخص النخبة الفكرية المبدعة فإن ما أخافها هو أفق التحول إلى وسط الخبراء – التقنيين الانضباطي, المعبَّأ على غرار القوة العاملة العادية وإن كانت متمتعة باحترام كبير.

لهذا السبب بدت هذه المجموعات الثلاث مستعدة لقبول النظام العالمي أحادي القطب, الذي يَعِدُ بنقل الكوكب إلى يد الغرب, ولقبول لوحة العالم العرقية الجديدة التي تبرر حقوق المستعمرين الجدد استناداً إلى عدم أهلية الشعوب غير الغربية لأن تكون سيدة على أراضيها ومواردها.

على هذا النحو, تغدو الليبرالية المعاصرة, بخلاف الليبرالية الكلاسيكية, مرتبطة في الغالب بالبرنامج الاقتصادي الانتشاري. يمثل هذا البرنامج تراجعاً عن مشروع المجتمع ما بعد الصناعي المؤسس على تعبئة موارد الحضارة الروحية الفكرية الجديدة (العلم, التعليم, الثقافة), وعودةً إلى المجتمع الصناعي الجماهيري, حيث يشعر البرجوازي أنه في منزله. لقد بدأ ينشط من جديد ذلك التحامل البرجوازي القديم على الممارسات الروحية غير النفعية, التي تعتبر ثمارها إشكالية وغير قابلة للحساب حساباً جيداً, متخذاً شكلاً نقودياً وتجارياً جديداً. باختصار, لقد انسحب فاوست الغرب أمام القرصان البرجوازي الذي يفضل السيولة الرنانة على أي اتكال على الروح والوجدانية.

لم يعد المجتمع الاستهلاكي الغربي يأمل منذ الآن بأن يقتات من مائدة العلم الكبير بقدر ما يأمل بالحصول على الحصص الاستعمارية المعتادة. إننا لم ندرك بعد عواقب هذا الانقلاب بكامل حجمه. فالحديث يدور عن العودة الجديدة من المجتمع ما بعد الصناعي, الذي تتغذى قدراته الكامنة على الثورات العلمية, إلى المجتمع الاستعماري المرتبط باستغلال الموارد المنتزعة من الشعوب غير الغربية الفاقدة سيادتها الوطنية الاقتصادية. ومع الحديث عن النظام الديمقراطي العالمي صمت أولئك الذين رفعوا صوتهم من أجل حماية الطبيعة.

لم يعد الغرب يستمع إلى الدعوات إلى إعادة البناء النوعية والإنتاج البيئي, وإلى رفض التقنيات القاسية لصالح التقنيات الوديعة, وفرض الحصص البيئية وما شابه ذلك. والأدق, هو أن هذه البرامج كلها ما عادت الآن تكتسب طابع التطور النوعي, بل طابع إضفاء التصحيحات الجزئية على المخطط الصناعي الكلاسيكي, والمستخدمة في "الفضاء الخاص" فقط. ما الحاجة إلى تمويل إعادة بناء الحضارة التقنية الباهظة, حين يضع النصر في "الحرب الباردة" تحت تصرف هذه الحضارة موارد ضخمة جديدة. ما الحاجة إلى التفكير بتقنيات معالجة النفايات السامة إذا كان ممكناً إخراج هذه النفايات إلى فضاء الأطراف العالمية غير المحمية!

باختصار, عوضاً عن انطلاق البشرية كلها العولمي إلى زمن مختلف نوعياً جرى من جديد فصل البشرية في الفضاء.

بقي فضاء الأقلية ليبرالياً ليس لأن عبقري الغرب الفاوستي قد فتح إمكانات جديدة جوهرياً, بل لأن الطاقة "اللاليبرالية" غير المستفاد منها - المرتبطة بالقيود والفقر والممارسات التسلطية والإجرامية والإبادة الجماعية والإبادة العرقية ترمى إلى الخارج, إلى فضاء الأطراف.

يلح على الذهن الاستنتاج التالي: وحده النضال الجديد ضد الاستعمار وتضامن كل من يعاني من استبداد "القطبية الأحادية" قادران على وضع الغرب أمام خيارين لا ثالث لهما: إما إيجاد منابع جديدة للانطلاقة الفاوستية نحو المستقبل, أو أن يرفض التساهلات مع المجتمع الاستهلاكي وينتقل إلى منظومة التقشف القسري إلى حد ما. أو, بكلمات أخرى: إما أن يحول الغرب من جديد برنامج خلاصه المنفرد إلى برنامج عمومي يمس شعوب الأرض كلها, أو أن ينتقل من الشكل الفاوستي لأسلوب الإنتاج التجديدي غير المستقر إلى استقرار جديد على النمط الشرقي القديم.

من الواضح تماماً أن لا هذا ولا ذاك ممكن الحدوث بالشكل الكامل. فعبر تاريخ الحداثة الأوربية الذي يعد الآن قرابة 600 سنة لم يستطع البرنامج الفاوستي الغربي أن يبرهن عموميته على أرض الواقع. كل مرة يبدأ فيها الجيل الجديد التالي يؤمن بانتصار التقدم النهائي وبمعركته الأخيرة مع قوى الظلام والتخلف والفقر يتلبد أفق هذا التقدم بالغيوم, ويغدو من جديد كل ما خيل أنه صار أخيراً مخصصاً للجميع متاحاً لنطاق ضيق من الأتباع. تستبدل دورياً بأطوار الاندفاع المؤقت نحو المستقبل أطوار إعادة التقسيم الجيوسياسي للفضاء, ويغدو تاريخ الحداثة كله دورياً ومتقطعاً على نحو دراماتيكي.

عدا ذلك, وكما رأينا سابقاً, فإن الاندفاع الفاوستي الجديد محفوف بعواقب ستطال أيضاً مجتمع الغرب اللذوي نفسه غير المستعد لها استعداداً حقيقياً. إن البنية الفرعية التي رمزنا لها بـ "العبقرية" – أي مملكة النخبة المبدعة بكل ما تحمله من مخيلة إنتاجية غير خاضعة للوصاية - ستهدد الغربَ إذا ما تم تسخيرها تسخيراً شاملاً في بناء تقنيات جديدة نوعياً وفي دورة الإكثار الجديدة, التي تشمل هذه المرة الحياة الاجتماعية كلها, بشبح "المجتمع المبرمج", الذي حذر منه "اليساريون الجدد". يهدد مستوى الحرية التكنولوجية الجديد نوعياً بأن ينقلب إلى تجنيد علمي تقني جديد للمجتمع كله يذكرنا إلى أبعد حد بالممارسات الشمولية المعروفة. باختصار, إضافة إلى ما يتطلبه الاندفاع الفاوستي الجديد من جهود إبداعية ليست مستعدة لها اليوم ثقافة الغرب المتراخية لذوياً فإنه محفوف كذلك بالإحباط الشمولي.

تبين أن وضع العالم المعاصر مزدوج المعنى إلى أقصى حد. فمن جهة يهدده خطر الانحطاط الإمبراطوري الاستعماري الجديد للديمقراطيات الغربية المتحولة أمام أعيننا إلى مجتمع فصل عنصري عالمي يحظر في غيتو الأطراف العالمية الممتلئة أملاً والمخدوعة.

 

ومن جهة أخرى يهدد الغربَ, في حال التجنيد الفاعل الجديد لروح الإبداع الفاوستي, خطرُ الخضوع لطائفة المراقبين العلميين – المعقلِنين الجديدة, الذين يصونون أي مجموعات اجتماعية من الارتجالات غير الاحترافية, ويهدد الأطرافَ غير الغربية خطرُ الخضوع للمسيحيانية الغربية كلها باعتبارها "منظومة خبرة" كاملة تعلم "الهواة" جميعهم السوق والديمقراطية مقابل تخليهم عن السيادة الوطنية. ينبغي القول إنه ليس ثمة فرق كبير للعالم غير الغربي بين هذين الأفقين: فمصيره في الحالين معاً هو مصير "الموضوع" العالمي الذي لا تميل الجهة التي تشغل موقع "الذات" العالمية إلى أن تقيم له وزناً.

صيغة السؤال الآن هي التالية: أي نمط تحديداً أو نطاق من الثقافة يلعب اليوم دور البنية التي تغذي "العبقرية" – أي دور مولدة الأفكار الجديدة نوعياً, غير المتماشية مع قياس الآمال والممارسات المتكونة؟

ألم يحدث أن أعيد بناء الثقافة الغربية كلها على طراز "المعارضة المنظومية" التي لا زالت قادرة على تحريض حركة النواس داخل المنظومة المتكونة, لكنها صارت عاجزة عن فتح آفاق جديدة نوعياً تتخطى حدود ما تم إقراره مسبقاً من قبل هذه المنظومة المتكونة. لقد ظل يخيل حتى وقت قريب للطليعة اليسارية في الفن, مثلها كمثل الطليعة السياسية اليسارية (الحركة الشبابية والنسائية وحركة "الخضر" وما شابهها) أنها قادرة على هز العالم وأن تولد ثورة معادية للبرجوازية أكثر راديكاليةً من الشيوعيين الذين انتقلوا إلى موقع الواقعية السياسية المزدراة.

صارت الطليعة الآن مدجنة كلها إلى حد ما ومستكينة, وهي تلعب جزئياً دور "الفوضى الخاضعة للسيطرة" المقرر مسبقاً أو دور فتحات التهوية لجميع تلك القوى التي تختنق في عالم النظام المنظوماتي العمومي. وما ينتج هو أن مصير تلك المعارضة التي لا تموَّل بطريقة ما من الأعلى هو التهميش والاضمحلال, أما تلك التي تموَّل لسبب ما من هناك فتجبرنا على الشك بعذريتها وبأصالتها. ويبرز السؤال التالي, هل سلمت حتى الآن في العالم طبقات ثقافة لم توضع اليد عليها ولا تزال في نزاع مع منظومة الإنتاج العالمية المسبوكة وفاقاً لمعايير الحضارة التقنية الغربية, أو حضارة السوق إذا شئنا استعمال التسمية الذاتية الأحدث؟

إن طبقات الثقافة وأشكالها كلها التي انصبت في هذه الحضارة وأعيدت معالجتها فيها ما عادت قادرة بالمعنى العام على أن تكون منابع للنمو التكثيفي أو جديداً منظوماتياً نوعياً. إنها تعتبر في حقيقة الأمر كلها, وقد وضعت اليد عليها, عوامل إضافية للنمو التوسعي أو إعادة الإنتاج الموسعة للطراز الحضاري المتكون. وهكذا, ألا يعتبر هذا الصراع كله ضد العقلية الأخرى وضد السلفية الخطرة والإرث الثقافي - التاريخي السيىء صراعاً في الواقع من أجل إدامة نظام الإنتاج الحضاري الغربي الحالي, غير الراغب في أن يتغير بغض النظر عن أعراض شيخوخته الواضحة التي تشهد عليها المشكلات العولمية؟

بكلمات أخرى, وخلافاً للإعلان المتباهي عن الانفتاح الديمقراطي والتعددية وما شابه ذلك, تعتبر المنظومة الغربية المنتجة والسوسيوثقافية مغلقةً منذ وقت بعيد ومتعددة المنطق وغير قادرة على التصحيح الذاتي الملموس. يظل "الآخر" مخيفاً وغير مقبول ما دمنا لا نستطيع أن نجد وإياه لغة مشتركة, ولا نستطيع أن ننخرط معه في حوار بناء بخصوص المشاكل التي تعتبر عامة حقاً (فالمشكلات العولمية تسمى عولمية لأنها تمس الجميع فعلاً). الآخر الذي صار شريكاً هو في الواقع أكثر فائدة بكثير من الموالين منذ البداية, لأنه يجلب إلى حصالتنا الكوكبية العامة تجربته الجديدة في نظرنا ومعلومته وموارده. لكن ليتحقق فعلاً تحول الآخر الغريب إلى شريك علينا, نحن, أن نكون منفتحين بما يكفي, وقادرين على سماع الصوت الآخر وأن نجعله دافعاً للتصحيح الذاتي الجوهري.

وهكذا, ما الذي يستحق اليوم أن نخاف منه حقاً, نحن الواقفين أمام تحدي استمرار حياة الكوكب: هل نخاف من حاملي التجربة الثقافية الأخرى الذين لم توضع اليد عليهم بعد, والذين يهددون اكتفاءنا الذاتي, أم, على العكس من ذلك, نخاف من أنهم قد يندثروا باعتبارهم منابع للبديل الذي ربما يكون منقذاً؟

طبعاً, قد يتم تقبُّل الثقافة الأخرى باعتبارها تجسيداًَ لكل ما هو لاعقلاني وخال من الأفق. لكن تجربة تاريخ البشرية كله تشهد على أن ارتقاء الثقافة كله وتعاقب التشكيلات الثقافية قد تأسسا على تحول ما ظهر سابقاً على أنه لاعقلاني إلى منبع لإعادات البناء الداخلية المثمرة. ضمن هذا الأفق يمتاز اللاعقلاني عن المعقلَن والذي وضعت الأيدي عليه بأنه يحافظ على طاقته الطازجة وديناميته, اللتان توشكان على النفاد في مراكز المعمورة الانحطاطية.

هنا سينفعنا كثيراً الفارق الذي أوجدته الفلسفة الألمانية الكلاسيكية بين العقلانية المسطحة والعقل.

"الفارق الرئيسي بين الإدراك والعقل هو تحريم التناقض في مجال الإدراك والسماح بالتناقضات في مجال العقل"([4]).

إن تاريخ الثقافة الغربية ما بعد التنويري كله (بعد القرن الثامن عشر) هو في الواقع تاريخ بحث عن منابع جديدة للطاقة السوسيوثقافية, من أجل العثور على "لاعقلانيات" لم توضع يد عليها بعد, تواجه العقلانية البرجوازية لكنها قادرة على التصالح مع العقل. يبرز العقل ضمن هذا السياق باعتباره مرجعية تعمل ضد إملاء العقلانية النفعية البراغماتية, التي اكتشفت في الإطار الأسمى وطويل الأمد قصر نظرها وأنها تفضي إلى طريق مسدودة.

ابتداءاً من الرومانسيين وحتى وقتنا هذا اعتبر الفن واحداً من المنابع الرئيسية للطاقة السوسيوثقافية. وقد برز هذا الفن باعتباره مقولة جمالية تحتاج إلى فك شفرتها بلغة علم الاجتماع. لقد عنى هذا محاولة إيجاد إجابة دقيقة عن أي مجموعات تحديداً في المجتمع يمكن اعتبارها حاملةَ التجربة الجمالية التمردية الرافضة اللعب وفاقاً لقواعد البرجزة, وقادرة على ابتكار قواعد جديدة نوعياً. لقد تغذت إلى حد كبير بطلب البحث عن الكمون التمردي هذا الاتجاهات الجديدة في علم الاجتماع – علم اجتماع أوقات الفراغ, علم اجتماع الشباب, علم اجتماع النساء والأقليات الجنسية وما شابه ذلك. لقد بحثت أشكال علم الاجتماع المتنوعة هذه كلها عن تجسيد "الإنسان اللاعب", المختلف عن ضيِّق الأفق البرجوازي المنتهي أو "إنسان المنظمة" (الإدارة) المتواجد في خدمته. وحلت ذروة هذه الآمال ولا شك عام 1968 في زمن الثورة الشبابية العالمية التي اجتاحت بعد فرنسا أوربا الجنوبية وأمريكا الشمالية.

فهمت المؤسسة الغربية الحاكمة في الوقت المناسب أنها لن تكسر هذه الموجة بالتنكيل المحض. فكانت ثمة حاجة إلى الدمقرطة الداخلية وإلى إفقاد هذه الثورة السوسيوثقافية وجهتها. وقد نفَّذت فلسفة ما بعد الحداثة هذه المهمة كما أشرنا في القسم الأول من كتابنا هذا. لقد أمسكت بالمشاركين في الاحتجاج "الثقافي المضاد" من تناقضهم: إذا كانت عقيدتكم في الحياة هي اللعب كأفراد مخالفين تماماً للتنفيذية العقلانية والجدية البرجوازية فليس ثمة لزوم لأخذ اللعبة ذاتها مأخذ الجد والولع بها إلى حد كبير. يفترض مبدأ اللعب المنهجي التباعد الداخلي المستمر - بما في ذلك عن اللعبة ذاتها. هكذا أرسي أسلوب تحييد حركات الاحتجاج عن طريق مَهْرَجَنَتِها وبوساطة سلوكيتها الاشكالية اللعوبة المقصودة, و"سخريتها من ذاتها". ومات الاحتجاج مقتولاً بالسخرية ما بعد الحداثوية.

وهنا ربما اكتشف سر الثقافة الرئيسي. تبين أن طبقات الثقافة وأشكالها هي وحدها التي تنفع للعب دور معيدةِ بناءٍ الأنموذجات القياسية لممارساتنا, بما فيها ممارساتنا اليومية التي حافظت على وجود النبض الديني الكبير فيها – أي الإيمان الملتهب والأصيل وإن اكتسب أشكال الحماسة السياسية والعلمية والاحترافية المتحولة, والسعي إلى إبداع كل ما هو جديد حقاً  .

إليكم ما كتبه بهذا الخصوص ج. أورتيغا – إ – غاسيت: "ليس مصادفة أن اللاهوتيين يقيمون فرقاً دقيقاً بين الإيمان الحي والإيمان الميت؛ إنه ينفعنا في فهم الكثير مما يجري الآن. عموماً, إنني أفضل أن أصوغ هذا الفرق على النحو التالي: إيماننا حي حين يكفينا هذا الإيمان كي نحيا, وإيماننا خال من الحياة وميت حين لا يعود قادراً على التأثير على حياتنا على الرغم من أننا نظل متمسكين به ولا نتخلى عنه ومن أننا نستطيع الإعلان بصدق تام عن وفائنا له"([5]).

ضمن هذا الأفق تُقدَّم لنا على نحو جديد تماماً شروط القفز إلى مستقبل مختلف نوعياً, وكذلك تقدم المقدرة على اكتشاف هذا المستقبل ذاتها. عادةً حين يبحثون عن مرسلي التقدم ومستطلعي المستقبل يتجهون نحو من نجح أكثر من غيره وفاقاً لمعايير المجتمع البرجوازي فائق التنظيم مع كل ما يحمله من مقاييس تمس المكانة والمرتبة المهنية والتكيف مع المتغيرات وما شابه ذلك. لكن إذا أدركنا أن الشرط الرئيسي للاندفاع نحو مستقبل مختلف نوعياً هو الإيمان الذي يضمن الخدمة الجادة للمثل ويضمن جدية البحث الروحي المليء بالتوتر فإن علينا أن نبحث عن المبشرين الحقيقيين بالمستقبل في مكان آخر. تزداد فرص البحث عنهم ازدياداً حاداً في الثقافات التي لا زالت محتفظة بالإيمان الديني الملتهب أو على الأقل بطاقته ذاتها المتجلية بأشكال متحولة من الحماسة العملية الفاعلة التي تسيطر على حياتنا اليومية كلها.

وهكذا, فإن ما يلعب دور البنية المسماة "عبقرية" - أي دور منبع الممارسات الجديدة نوعياً غير المقرر مسبقاً وغير المتوقع, هو فقط "منظومات" الثقافة التي تمتاز بخصوصيتين هامتين متماثلتين: التي تعتبر مختلفة اختلافاً كافياً عن أشكال التجربة الحضارية السائدة المعتادة (أي الغربية) وفي الوقت نفسه لا يبرز اختلافها هذا ذاته تحت عنوان الغرابة التي تتاجر بنفسها بل تحت راية الجدية والأصالة الدينية.

تكامل منظومتي الشرق والغرب باعتباره

 

                   شرطاً للثورات العولمية الثقافية الاجتماعية

 

درس توماس كون([6]) الاختصاصي الأمريكي المعروف في مجال علم مناهج الأبحاث العلمية بنية الثورات العلمية, وقد بين أن من الضروري للكشف عن حقائق جديدة تغيير "العدسة" ذاتها, التي تتقبل الأسرة العلمية المتكونة الواقع المدروس من خلالها. سمى توماس كون هذه "العدسة" أو منظومة التوقعات المسبقة المترسخة مفاهيمياً هذه أنموذجاً قياسياً علمياً. على هذا النحو ينتصب بين العالم باعتباره "شيئاً في ذاته" ووعي العالِم المحب للاطلاع وسيطٌ يشكل شيئاً ما شبيهاً بالأسرة العلمية "الجماعية - غير الواعية" - أي مخططاً سائداً من التصورات. وكل ما يقع خارج إطار هذا المخطط يسقط ببساطة من نطاق الاهتمام النشط لدى العالِم ولا يلحظه.

بعد ذلك, تبدأ تتسجل - في مكان ما في الأطراف أو عند التحام العلوم - حيث يضعف عادة تأثير الأنموذج القياسي العلمي الرقابي حقائق لا تجد لنفسها مكاناً في النظرية السائدة. وقد سماها ت. كون شذوذات. "يبدأ الاكتشاف من إدراك الشذوذ, أي من إثبات حقيقة أن الطبيعة قد أخلت على نحو ما بالتوقعات التي جاء بها الأنموذج القياسي والتي توجه تطور العلم الطبيعي"([7]).

إننا نقصد في هذه الحال أمراً أوسع نطاقاً من العلم "الطبيعي" المعاصر. إننا نعني الحضارة الغربية التي تعتبر نفسها المنظومة السوسيوثقافية الطبيعية الوحيدة التي تكوِّن أناساً صحيحين أو ملائمين.

لكن تتكاثر في العالم المعاصر كمية من الشذوذات الواضحة - أي الحقائق التي لا تجد بوضوح مكاناً لها في منظومة المعايير والتوقعات السوسيوثقافية الغربية. تعتبر المشكلات العولمية الأوسع نطاقاً من بين هذه الشذوذات. ويذكرنا الحديث عنها في الغرب المعاصر بأحاديث المثقفين السوفييت "في المطابخ" في ذلك الزمن المعروف. لم يَنْفذ هذا الهمس القلق قط إلى قنوات الاتصال الرسمية ولم يصر إلى دافع من أجل اتخاذ قرارات عملية. وتعتبر اليوم المعرفة عن المشكلات العولمية من مثل هذا النوع نفسه من المعرفة غير الرسمية وغير المصادق عليها. إذ أن منظومة القرارات والممارسات السائدة تخرجها من مجال اهتمامها باعتبارها حقائق "غير موجودة" لا يمكن تقبلها كدوافع من أجل التحويل الجدي. لقد أضيفت اليوم إلى عداد مثل هذه المشكلات العولمية مشكلة جديدة - هي مشكلة "العالم الثاني" السابق. حدث مع نهاية الثمانينات وبداية التسعينات اختلال شامل في توازن هذا العالم محولاً إياه إلى كيان هامشي غامض. افترض علم الديمقراطية الغربية "الطبيعي" (مثله كمثل "الاقتصاد الطبيعي" وما شابه ذلك) في البداية أنه قادر تماماً على التعامل مع هذا الهدف المعني بعد أن يزوده بتقنيات التغييرات الذاتية المبرمجة.

الآن, وبعد مضي عشر سنوات, يمكننا أن نقر بأنه قد بالغ في إمكاناته - فالهدف يسلك بوضوح سلوكاً "خارجاً على القواعد". كان يمكن, إبداعياً, اعتبار الاعتراف بأن العلم "الطبيعي" قد شاخ و يحتاج إلى تغيير أنموذجه القياسي هو ردُّ فعلٍ شجاع. لكننا نرى اليوم شيئاً مغايراً: لقد استاؤوا ببساطة من "الطبيعة" ما بعد السوفييتية لأنها تسلك سلوكاً مخالفاُ للقواعد ولأنها بدت فاسدة ومريضة وما شابه ذلك.

باختصار, واضح أنهم غير مستعدين لتغيير أنموذجهم القياسي - إنهم يفضلون الاستياء من الحقائق. في الواقع بهذا تحديداً ترتبط ظواهر التهميش العولمي الحالية لذلك القسم من المعمورة الذي لا يدخل في عداد "المليار الذهبي". تُخرِج المنظومة الفرعية الإقليمية السائدة, التي تعتبر نفسها المنظومة "الطبيعية" الوحيدة, أغلبية الكوكب خارج إطار ما هو شرعي أي ما هو معترف به وملزِم بعلاقة عادلة وجادة. يجري تقويم الفضاء الذي تسكنه هذه الأغلبية على أنه "فوضى" - أي شيء ما يقبع وراء حدود التقبل الطبيعي, وبالتالي وراء حدود الحلول الطبيعية أيضاً.

 

لقد اقتربنا من النقطة المفصلية الحرجة. لا العقل النظري الغربي الرافض تغيير جهازه المفهوماتي, ولا العقل العملي الرافض تغيير منظومته الأخلاقية الحقوقية التي يعترف بها مستعدان لتغيير الأنموذج القياسي الحازم من الداخل بحيث لا يُخرجان من نطاق اهتمامهما العالمين "الثاني" و"الثالث". سوف تفضل الحضارة الغربية إما الانعزال عن العالم المعترف بأنه "غير طبيعي" وإما, ببساطة, تدمير هذا العالم, على أن لا تتغير هي ذاتها. لقد طرح الغرب في وقت ما برنامجه الوضعي الكبير لتنظيف ثقافته الخاصة من جميع الشوائب الميتافيزيقية التي فيها - أي من مخلفات العلاقة غير الذرائعية وغير التكنولوجية تجاه العالم. ليس الفولكلور الشعبي وحده, بل كان على الأدب الكلاسيكي والفن التشكيلي والفلسفة بوصفها "علماً غير صارم" أن تفسح المجال للمعرفة الوضعية الخالصة المتحولة تحولاً مباشراً إلى تكنولوجيات فاعلة.

عنى الانتصار في الحرب الباردة الذي تم على خلفية تكتل الغرب تكتلاً غير مسبوق في وجه التحديات الكبرى, أن برنامج الوضعية الكبير بخصوص الغرب ذاته قد نفِّذ. أما المناهضون - حملة أشكال الذهنية التنكيلية - فاحتاروا أمام هذا الانتصار الهائل. ويرى المنتصرون الأن مهمتهم في إدامة معيارهم الحضاري باعتباره معياراً "طبيعياً" لا يخضع للمنطق القياسي.

سيتعرض ببساطة للدمار كل ما يقع وراء حدود هذه الطبيعية, وكل ما هو مظلم وغير مفهوم وفوضوي. لا تعني عسكرة الغرب الحالية التي تبدو غامضة إلى حد كبير بسبب من انعدام المنافس العولمي إلا أمراً واحداً: يرفض الغرب إعادة بناء منظومة "علمه الطبيعي" ويفضل ببساطة أن يزيل من الوجود ذلك الجزء من العالم الذي لا يجد هذا العلم نفسه قادراً على تفسيره ولا أن يضع يده عليه.

لتجنب هذا الأفق القاتل - أي حرب الغرب العولمية مع اللاغرب حتى الموت لا توجد طريق أخرى غير إعادة صياغة الأنموذج القياسي الحضاري الغربي.

قامت الثورات العلمية - التقنية داخل الغرب ذاته على أساس تكامل العلم مع الإنتاج. تختفي وراء هذه الإقرار العجول دراما سوسيوثقافية مرتبطة بالتقاء نمطين مختلفين اختلافاً نوعياً من الأوساط - الوسط الإبداعي والوسط الإنتاجي, ثم بتصادمهما, ومن ثم باعتراف أحدهما اللاحق بالآخر. يعيش أحدهما "بالحدس" ويعيش الآخر بانضباط ونظام تقني إنتاجي مضبوط. لا يولِّد الإنتاج تقنيات جديدة باعتباره تحديداً وسطاً منظماً عقلانياً, وإنما يستعيرها من الخارج, من المنظومة التي تعتبر المقولات الثنائية عن الحرية الإبداعية والمغامرة عقيدتها الداخلية.

نستطيع الآن في المستوى العولمي أن ننظر إلى المنظومة الحضارية الغربية الكبرى باعتبارها إنتاجاً منضبطاً كبيراً, متوطداً وفي الوقت نفسه مشلولاً بالتزامه الداخلي. ووحدها ثقافة الشرق (والأدق ثقافة اللاغرب) هي القادرة اليوم على لعب دور الوسط الابتكاري الخارجي لهذه المنظومة.

تذكرنا تلك النعوت المهينة كلها التي يصف بها الغرب المعاصر هذه الثقافة في بعض جوانبها بلعنة العقلانية البرجوازية الموجهة إلى "بوهيمياها" السوسيوثقافية. لكن لولا هذه "البوهيميا" لتجمدت المنظومة الحضارية الغربية منذ زمن متحولة إلى شيء ما شبيه بأسلوب الإنتاج الأسيوي القديم "الثابت" الذي يُقمع فيه كل جديد قمعاً متحذلقاً.

يبرز اليوم أمر مماثل على النطاق العولمي. يعني انتصار الغرب البيرّاوي([8])على المعارضة الخاصة المناهضة للنظام وتعاضده الشامل في المرحلة الأخيرة من الحرب الباردة أمراً واحداً: على الغرب منذ الآن أن يبحث عن منبع التطورات القياسية النوعية خارجه - أي في ثقافة اللاغرب المعارضة له.

يمكننا القول بجراءة إن أي عناصر معارضة لا زالت قادرة على الظهور داخل الغرب ستستمد منذ الآن أفكارها التمردية من الثقافات الشرقية.

إن التشريقة السوسيوثقافية الحتمية تنتظر الحركات النسائية والشبابية الغربية وحركات الخضر. إذا ما تكلل بالنجاح فعلاً المشروع الوضعي الهادف إلى "تطهير" الفضاء الثقافي الغربي من "الميتافيزيقيا" غير المتماشية مع المعايير التكنولوجية فإن أفكار الغرب التجديدية العولمية ستُستَمَدُ من الخارج.

في هذه اللحظة تحديداً تحاول أمريكا بطريقتها الخاصة أن تقرر مصير أوربا الغربية والغرب كله. ينكشف معنى عالم القطب الواحد باعتباره محاولة لترسيخ الغرب في وضعه "الطبيعي", أي في وضعه الأنموذجي الصارم والحؤول دون أي محاولات تقوم بها أوربا الغربية للإقدام على مخاطرة الإبداع الحضاري الكبير على أساس الانعطاف نحو الشرق ومكاملة الأفكار الشرقية. تدلنا بنية الأزمة العولمية الحالية ذاتها على ثلاثة أنواع من الأفكار الشرقية المطلوبة موضوعياً. يتعلق النوع الأول بالطبيعة باعتبارها منظومة تهددها المنظومة الصناعية التكنولوجية المتكونة في الغرب.

لقد ارتكز برنامج التقننة الغربي بكامله على الاستخفاف بالطبيعة باعتبارها خليطاً ميتاً من الأجسام وعلى المصادرة العشوائية لسلاسل طبيعية متفرقة من منظومة التعايش الحيوي والجيولوجي العامة. إن عنصر الطبيعة هذا أو ذاك المصادر من السياق الواحد الكامل على يد العلم الفاوستي الغربي "يُستَعبَدُ" في الحال من قبل منظومة المعرفة الذرائعية الغربية أولاً ومن ثم من قبل المنظومة الصناعية التكنولوجية.

إن إجراء مصادرة الظواهر الطبيعية من "السياق" الطبيعي الكامل, مع النقل اللاحق للأجزاء المقتطعة إلى منظومة التقنية المحنِّطة, يقبع في أساس المعرفة الذرائعية الغربية. إن هذه المعرفة هي نوع من المعرفة المغامِرة التي لا تشغل الانتباه قصداً إلى حد معين عن السياقات العامة وحدها بل وعن العواقب العامة البعيدة إلى حد ما الناجمة عن نشاطها. إن الاهتمام بهذه العواقب مدان ويشهَّر به تحت غطاء الصراع مع "الميتافيزيقيا". حين صاغ مؤسسو النوع الجديد من المعرفة الذرائعية تحذيرهم الشهير ("خافي أيتها الفيزياء من الميتافيزيقيا") لم يقصدوا مسألة التحرر من الكلامية فقط. لقد حذروا من طاقة المسؤولية التحويلية المعطِّلة, التي تؤدي إلى إدراك سياق النظام العالمي.

إن افترضنا أن تلك الكلية التي نهملها عبر بناء السلاسل الحتمية المنتزعة من التناغم الطبيعي العام هي في الواقع فارغة وعديمة المحتوى - أي إذا اعتبرناها منطقة "للتجريد الميتافيزيقي" فهذا شيء, وحين نحمل هذه الكلية على محمل الجد فهذا شيء آخر. لكي تصير "إرادة التحويل" الفاوستية إرادةً فعلاً ينبغي أن تتكون خلفيتها من انعدام إرادة الطبيعة المحرومة من الحقوق التي تميز الكليات المستقلة.

يعتبر الآن, في زمن الأزمة البيئية العولمية, تناغم الطبيعة الداخلي أو كليتها مرجعيةَ ثقافتنا التي نتوجه إليها دائماً من أجل إدراك الموقف الإشكالي. يكمن تناقض الثقافة المعاصرة, من جهة, في أن الطبيعة المقتولة على أيدينا محرومة من المقدرة على إعادة إنتاج الذات تلقائياً وعلى إعادة بناء التوازن البيئي المختل, ومن جهة أخرى في أننا صرنا نعي تماماً عدم مقدرتنا المبدئية على الاستعاضة عن النظام البيئي الطبيعي اللامتناهي بتعقيده بمنظومة تقنية بديلة - أي بوسط اصطناعي ذي مواصفات معطاة مسبقاً.

إن الحضارة الغربية ليست قادرة على حل هذا التناقض من تلقاء ذاتها. لذلك عليها في القريب العاجل أن تعيد بناء ذاتها مستوعبة لوحة العالم الشرقية الغريبة عنها. تتميز الحكمة الشرقية عن المعرفة الفاوستية - السلطة (فرنسيس بيكون([9])) بأنها تحرِّم إجراءات مصادرة الأشياء من سياقها, الذي يمثل التناغم الكوني الأسمى, وتحرِّم معرفة الأجزاء خارج الكل العام. إذا كانت منظومة المعرفة الغربية قد ارتكزت على تقدم تطور الأفكار الذرائعية مقارناً بتطور العموميات المكوِّنة للمنظومة (والتي صارت عموماً ترفض بحجة "الميتافيزيقيا"), فإن المعرفة الشرقية تتطور على نحو معاكس تماماً: يتغلب هنا بوضوح الاهتمام بالعام المكوِّن للنظام على السعي إلى المعرفة - السلطة أو المعرفة - المنفعة.

إننا ما زلنا لا نعرف إن كانت المنظومة المنتجة الغربية قادرة من حيث المبدأ على التكامل بهذه الأشكال أو تلك مع منظومة المعرفة الشرقية المتناغمة فتحاكي بذلك بنيةَ ثورةٍ سوسيوثقافية عولمية تتفوق إلى حد بعيد على الثورات العلمية التي حدثت داخل الغرب ذاته. إن بنية العالم المؤلفة من ثنائية نصفي الكرة الغربي - الشرقية التي قدر لي أن أكتب عنها([10]) تجبرنا على أن نفترض أن مثل هذا التكامل موجود في بنية جسدنا الاجتماعي الكوكبي. يكمن تبادل المعلومة السوسيوثقافية الذي ينشط دورياً بين الشرق والغرب في أساس التطورات القياسية العولمية التي ربما كانت ولادة المسيحية الأكثر أهمية من بينها.

لقد نضج اليوم تطور قياسي جديد مرتبط بترقية وضع المنظومة البيئية الطبيعية ذاته إلى لعب دور المشرع الأعلى للممارسات الإنتاجية. يتحدث الباحثون المعاصرون بهذا الخصوص عن الأنموذج القياسي للارتقاء المشترك, الذي لا تقف فيه المنظومة الإنتاجية العلمية فوق الطبيعة المستخف بها باعتبارها خزاناً ومنبعاً للموارد, بل تندرج فيها وتعتبر معاييرها الداخلية شروطاً مسبقة لتنظيم الممارسات التكنولوجية.

لا يمكن إنقاذ التقدم إلا على هذه الطريق: عبر إعادة بناء الأنموذجات القياسية للعلاقات في إطار الثنائية "حضارة - طبيعة". فقط بعد أن نعيد بناء ذاتنا على أساس برنامج الارتقاء المشترك تستطيع الحداثة تجنب الانتحار - المترافق مع قتل الطبيعة الحية - وتستطيع متابعة ملحمتها بأشكال جديدة نوعياً. أما الاصرار على إدامة شكلها "الطبيعي" الحالي (في نظر التقاليد الغربية) فيعني تحضير التربة للانفجار القادر على الانقلاب ليصير إما مقتلاً للبشرية أو ثأراً تاماً للاحداثة الأصولية.

إننا نتعامل اليوم في حقيقة الأمر مع نمطين من الأصولية: أصولية الغرب العدوانية غير الراغبة في أن تغير تغييراً نوعياً برنامج الثقافة الفاوستية الكوكبي وأصولية الشرق المضادة (الإسلامية خصوصاً) التي لا ترى مخرجاً آخر غير تدمير الحضارة الغربية باعتبارها المنبع الرئيسي للقلاقل الأرضية. ولا يمكن تذليل هذا الصدام بين نمطي الأصولية هذين (الذي تقع فيه الأصولية الغربية اليوم في موقع الهجوم النشط بينما تشغل الأصولية الشرقية موقع الدفاع المصمت), إلا عبر تكامل جديد بين المنظومة الفرعية السوسيوثقافية الشرقية التي تلعب دور الوسط اللامنتج والوسط الغربي "المنتج" الذي لا زال إلى الآن يقاوم تدخل "البوهيميا" السلفية من الخارج.

قد يصير مثل هذا التكامل ناجحاً إذا ما فرز الغرب من بين نخبته الفكرية بنية "العبقرية" الفرعية الخاصة, المولدة للأفكار العولمية المبتكرة. ستصير مهمة هذه البنية الفرعية إعادة تأويل الأفكار الشرقية الكبرى المتحولة إلى برنامج لإعادة بناء الأنموذج القياسي. لقد أعلن اليوم في الغرب عن موت فئة المثقفين (الإنتلجنسيا) باعتبارها تكوينا ضامراً نجا بأعجوبة من العصر "الميتافيزيقي" القديم. راح الإنسان العملي والبراغماتي والخبير والمدير يحل محل المثقف المتمثل بالفنان الحر أو النبي الملهم والأخلاقي. ومع مثل "إعادة بناء" البنية الفكرية هذه قد تختفي الأفكار الكبرى كلياً - فيما تبرز اليوم تحديداً حاجة من نوع خاص إليها.

بالتالي, إذا لم يشأ الغرب أن يتجمد على شكل منظومة إمبراطورية قادرة منذ الآن على النمو التوسعي فقط, وبالتالي على الاستيلاءات والاحتلالات وحدها عوضاً عن الاندفاعات إلى أبعاد تاريخية جديدة, فإن عليه أن يعيد توليد فئة المثقفين. لكن هذه الفئة ستكون فئة مثقفين خاصة. ستكون علامتها المميزة الأساسية الانفتاح نحو الشرق باعتباره منبعاً للممارسات السوسيوثقافية البديلة. إن تقبل الأفكار العامة المنتمية إلى التقاليد الشرقية الكبيرة ونقلها وإعادة بنائها بهدف إعادة تشكيل تقاليد الغرب ذاته هي المهمة المائلة أمام فئة المثقفين الجديدة هذه.

 


 

([1]( - فرنسيس فوكوياما (1952) فيلسوف أمريكي. عمل عام 1989 عضواً في مجلس تخطيط السياسة في الإدراة الأمريكية. وقد شارك في عداد الوفد الأمريكي للمفاوضات المصرية الإسرائيلية حول الدولة الفلسطسينية في العامين 1981 - 1982, وشغل في الفترة بين 1996 و2000 منصب بروفسور في السياسة الحكومية في مدرسة السياسة الحكومية في جامعة جورج ميسون. (المترجم).

([2]( - فرنسيس فوكوياما. الثقة: الفضائل الاجتماعية وبناء الرفاهية// الموجة ما بعد الصناعية الجديدة في الغرب. موسكو, 1999. ص 136.

([3]( - الماركسية اللينينية ومشكلات المعاصرة العوامية. الطبعة الثانية. موسكو, 1984. ص 355.

([4]( - أفتونوموفا ن. س. الإدراك. العقل. العقلانية. موسكو 1988, ص 131.

([5]( - ج. أورتيغا - ي –غاسيت. ما معنى الفلسفة؟ موسكو. 1991. ص 194.

([6]( - توماس كون (ولد عام 1922) فيلسوف ومؤرخ علوم أمريكي. صوّر تاريخ العلم في مؤلفه "بنية الثورات العلمية" (1963), الذي نال شهرة واسعة, على شكل تعاقب في مشاهد الصراع التنافسي بين مختلف المجموعات العلمية. أدخل في مناهج العلم المعاصرة مفهوم الثورة العلمية باعتبارها تغييراً في الأنموذجات القياسية. (المترجم).

([7]( - ت. كون. بنية الثورات العلمية. موسكو, 1977, ص 80.

([8]( - انتصار بيرَّا هو النصر الذي أحرزه الملك الإيبيري بيرّا على الرومان عام 279 ق. م. هذا النصر الذي كلفه خسائر هائلة مما جعله نصراًَ مشكوكاً به ولا يبرر ما قدم في سبيله من تضحيات (المترجم).

([9]( - فرنسيس بيكون (1561 -1626) فيلسوف ورجل دولة إنكليزي. أعلن عام 1605 وجهة نظره حول نشر التعليم وقد دعا فيها إلى وضع التجارب والملحوظات في أساس العملية التعليمية. ودعا إلى التزام التجربة من أجل تسريع وتيرة الاكتشاف العلمي وإكسابه الصرامة (المترجم).

([10]( - انظر فلسفة التاريخ, تحت إشراف ألكسندر بانارين. موسكو, 1999 الجزء الأول.

 

التالي

<<

الفصل الثاني :

الحسية العولمية في عصر الثورة المعلوماتية

النخب والجماهير في الثورة العولمية:

على جانبي المتاريس المختلفين.

 

 

السابق

آفاق ثورة الوعي القادمة

جورج زيمِّل ضد ماكس ويبر>>

نقد البرجزة ما بعد البنيوي - في خدمة البرجوازيين الجدد

الثورة الثقافية العولمية >>

الفصل الثالث  العولمة الأمريكية  >> 

 <<اليهود في عالم القطب الواحد

لحظة حقيقة من أجل ليبراليي الوطن >>

 << تبدُّلات الوعي الثقافي

مفارقات الديمقراطية >> 

 

القسم الأول: عملاء العولمة >>

<< (الحُجاج) و(السيّاح) ومنظمو العولمة (السرّيون )

<<   معايير «المجتمع المتحضر» المزدوجة

  محتالو الأممية الجديدة (العولمة ) ونصّابوها >>

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 الصفحة الرئيسية | مقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | أرشيف الأخبار | المرأة | الأطفال | إتصل بنا