أي مصير في هذه الحال ينتظر
الأولغرشية الروسية الحاكمة,
التي تخيلت نفسها منذ وقت ليس
بالبعيد في دور الشريك
الإستراتيجي لأمريكا؟ أدليت
بهذا الصدد بتصوري قبل خمس
سنوات مستخدماً أسلوب القياس
التاريخي().
في زمنهم باشر البلاشفة
مغامرة الانقلاب الاشتراكي في
أوج الحرب العالمية, مراهنين
بقوة على قيام الثورة
البروليتارية العالمية. لم
يجدوا في وضع هجوم العدو
الخارجي على روسيا شيئاً أفضل
من الإعلان أن العدو الرئيسي
موجودٌ في بلدهم, وحولوا
"الحرب الإمبريالية" إلى حرب
أهلية. لقد برروا كل هذا بأن
" ليس للبروليتاريا وطن", وأن
الوطنية والدفاع عن الوطن هما
شعاران زائفان من شعارات
الحرس الأبيض.
لكن حين وقعت "الخيانة"
المعروفة من قبل الاشتراكية
الديمقراطية الغربية, ولم تقم
الثورة البروليتارية العالمية
في الغرب, وقف البلاشفة أمام
خيارين لا ثالث لهما: إما
الرحيل مسربلين بالعار,
ومعترفين بمسؤوليتهم عن صلح
بريست الجائر والمذل, وعن
إشعال الحرب الأهلية, وعن
التجارة بالمصالح الحكومية
الروسية, وإما القيام بمنعطف
حاد في السياسة والتحول إلى
وطنيين سوفييت حانقين,
ومناضلين يقظين ضد
الإمبريالية الغربية.
اختارت القيادة العليا
البلشفية الحاكمة الطريق
الثانية كما هو معروف. واضطرت
من أجل ذلك إلى إجراء تنظيف
داخلي دموي, متخلصة من
الأمميين البروليتاريين,
الذين ظلوا يشعرون كالسابق
بالنفور من وطنهم الروسي,
وظلوا ينتظرون بعناد الثورة
البروليتارية في الغرب. لقد
نفي تروتسكي باعتباره نصير
الثورة العالمية الدوغمائي
إلى الغرب, حيث نظم هناك
"الأممية الرابعة" الضعيفة
والشكلية, وأبيد مؤيدوه في
الرأي في روسيا على يد
ستالين.
واليوم يتكرر التاريخ. إذ
أبدى سريو الليبرالية الذين
استولوا على السلطة استعدادهم
لتحويل "الحرب الباردة"
الخارجية إلى حرب باردة
داخلية, وإلى حرب ساخنة إذا
تطلب الأمر, معلنين هذه المرة
أيضاً أن العدو الرئيسي موجود
في بلدهم. وللانتهاء سريعاً
من هذا العدو وقع ليبراليونا
"صلح بريست" الخاص بهم
مستغلين دعم الغرب, لكنه كان
هذه المرة أشد إجحافاً
وتدميراً من الناحية
الإستراتيجية. وجرى كل ذلك
على أمل قيام النظام العالمي
الجديد واندلاع الثورة
الليبرالية في الغرب, المدعوة
للانتهاء إلى الأبد من مفاهيم
الحرب والوطن والمنافسة
القومية والنزاعات.
وها هي لحظة الحقيقة تدرك
ليبراليينا اليوم. تبين أن
الثورة الليبرالية العالمية
في الغرب لم تقم, وعوضاً عن
نزع السلاح الشامل باسم
السلام الشامل, والنظام
العالمي الديمقراطي استمر
الغرب في التسلح مستعرضاً على
نحو مكشوف أكثر فأكثر
استعداده لإخضاع الكوكب
لسيطرته. أما ما يخص مدبري
الانقلاب الليبرالي في روسيا,
فإن بانتظارهم مصير المنبوذين
والمدانين عوضاً عن الشكر
المستحق من الغرب. إننا هنا
لا نتكلم على الجواسيس
والنصابين "البسطاء", فهؤلاء
اليوم وحينذاك, عام 1917,
نالوا أجرهم "القانوني" من
أصحابهم الأجانب.
إننا نتحدث عن أولئك الذين
استسلموا للطوباوية الأحدث من
غير أن يلووا على شيء, وساروا
باسمها نحو تدمير بلدهم.
طبعاً, جرى تدعيم الطوباوية
في هذه الحال بخيرات حقيقية,
مرتبطة بتقاسم ملكية الدولة
والحمايات والتشجيع من جانب
المراكز وصناديق المال
الغربية. لكن الحديث اليوم
يدور عن آخر الضمانات العليا
لفئة الحكام والمالكين
الجديدة - ويبدو أن الغرب
اليوم قد رفضها نهائياً. إن
موجة العسكرة الجديدة
واللاتنوير التي اجتاحت الغرب
بعد الانتصار في "الحرب
الباردة" تعني انهيار الحزب
الليبرالي في روسيا, الذي
راهن بكل شيء على أمريكا
وانخدع بها.
أمام هذه الحقيقة لا مفر من
التحولات في الحزب الليبرالي,
على غرار التحولات البلشفية.
من غير الجائز أن يرحل
ليبراليونا – الملكية
المكتسبة "معلقة" برقابهم,
وهم غير مستعدين لفقدانها,
كما لا يوجد أيضاً مكان
يذهبون إليه كما بدأ يصير
واضحاً بعد خيانة الأمريكيين,
الذين شرعوا يفضحون
الأولغرشية الروسية ويبدون
استعدادهم لإغلاق الأبواب في
وجهها. يشير هذا كله إلى أفق
وحيد: أفق تحول حزب
الكومبرادوريين الليبراليين
إلى حزب الوطنيين, العازمين
على عدم الصبر بعد الآن على
"تدخل الغرب في شؤننا
الداخلية". بتنا نلحظ إشهارَ
هذه العملية اليوم. كان في
مقدور حزب الرئيس المضي قدماً
على الطريق الدستورية, التي
كانت ستؤدي به إلى الهزيمة في
الانتخابات وترك السلطة.
احتكاماً إلى كل شيء, ما كان
هذا مخرجاً سيئاً: فمنظومة
المعارضة الحالية مستعدة
لتأمين تعاقب كاف للعملية
الإصلاحية بتشذيب أطرافها
الفظة والخطرة. بيد أن حزب
السلطة الحالي غير مؤهل
للحلول الوسط على ما يبدو
ويقر بمبدأ "المنتصر يحصل على
كل شيء". لكن من ليس مستعداً
لإفساح الطريق أمام المعارضة
معرض لمواجهة المعارضة في
معسكره ذاته. والأدق, لا
لمواجهة معارضة عادية بل نهج
جديد ينتج وفاقاً لقوانين
التحول. إذا كان زمن
الليبرالية الكومبرادورية قد
ولى, فإننا أمام أحد الخيارين
التاليين: إما أن يستبدل
بالكومبرادوريين المعارضة
الحالية, أو أنهم سينجبون في
صفوفهم حفار قبورهم في
المستقبل.
كان ستالين هو حفار قبور
التروتسكيين – الكومبرادوريين
الثوريين. لقد حُكم على
البلاشفة, الذين حطموا
التعددية الحزبية الديمقراطية
في روسيا, بقيام تيرميدورهم
الخاص في صفوفهم. واليوم تبدو
"الأسرة" الغيورة غيرةً
مَرَضية وغير المؤهلة لاحتمال
المعارضة الأصيلة والتعددية
الأصيلة, محكومةً بظهور حفار
قبرها من حاشيتها ذاتها.
ويبدو أن ذلك الذي أعلن
رسمياً "خليفة الرئيس" مؤهل
للعب هذا الدور. فعدا عن أنه
حر تماماً من "العواطف", التي
أعاقت سلفه من أن يأخذ على
عاتقه مهمة تنفيذ مخططات
"الأسرة" المتطرفة, التي
أملاها الخوف المميت, كما أنه
يتميز أيضاً بالعناد
المتحذلق, الذي يدين لـه
التاريخ السياسي بالكثير من
المفاجآت الكبرى. إنني على
استعداد لأن أصدق بأن
"الخليفة" سيصير حفار قبور,
وعلى نحو لا يمكن توقعه, حتى
بذلك الشكل الذي ما كان
الرئيس السابق لينتظره من
المعارضة البغيضة, وحتى
الشيوعية منها.
لقد بدأ "الخليفة" المسيرة من
أجل الوطنية التي أضاعها
الليبراليون على شكل حملة في
الشيشان. ومقدر لـه إما أن
يرحل من هناك إلى اللاوجود
السياسي, وإما أن يعود
ديكتاتوراً.
لكن ديكتاتوراً على النمط
الأمريكي اللاتيني مستحيل في
روسيا. إنه يحتاج لدينا إلى
نظرية عالمية عولمية – أي إلى
فكرة عظيمة. وليس اليوم ما
يثير الشك لدى أي كان في أن
هذه الفكرة لن تكون إلا
معادية لليبرالية ومعادية
للغرب. يبدو اليوم أن
الليبرالية قد فقدت في كل
مكان - في الغرب وفي روسيا -
خيط التنوير الموجه, وهي ليست
قادرة إلا على توليد مؤثرات
مضادة للحداثة ومضادة
للتنوير. يتحدد مصير
الإيديولوجية بالناس الذين
تكون قادرة على جذبهم. علينا
أن نقول إن الليبرالية الأحدث
ذات التركيب المنحط غير قادرة
على جذب غير الشخصيات المثيرة
للشك. لم تقدم ولا شخصية
سياسية ساطعة واحدة, ولا
موقفاً واضحاً وشريفاً حتى
اليوم. بالتالي فإن نبض
التنوير التحرري العظيم, إذا
ما قدر له أن لا يتلاشى في
عصرنا المظلم, سيجد لنفسه
تجسيداً فكرياً مغايراً وراية
مغايرة.
الخصوصية الأكثر تمييزاً
للعولمة في مرحلتها الراهنة
هي اللاتناظر الاجتماعي
الفاقع. إن الإمكانات المتغنى
بها كلها موجهة للنخب, التي
تسنى لها الاستفادة منها. أما
ماذا في مقدور العولمة أن
تقدم للشعوب فهذا ما لا يزال
إلى الآن لغز المستقبل. تولد
العولمة اليوم الكثير من
المغريات للنخب معيدة فعلاً
تشكيل وعيها وسلوكها.
تخضع للتبدل غير المتنبأ
بمجراه المفاهيم السياسية
الأساسية للكلاسيكية الأوربية
الحديثة. إن هذا يمس, كما
أشرنا, حتى قضية تغيير البناء
الاجتماعي. يبرز في المعتقدات
الأولية هذا التغيير باعتباره
نتيجة لضغط الجماهير الشعبية,
الموجهة والمنظمة من قبل
النخب المضادة. يبدو أن
البناء الاجتماعي هنا لا يبرز
كنتاج للاختيار الذاتي بل
كنتاج للتاريخ ذاته, الخاضع
لا للمؤامرة بل للتقدم
الموضوعي القانوني.
يتم تغيير البناء في العالم
العولمي المعاصر على أساس
آخر. ليس التاريخ هنا ما يلعب
دور القدر المسلط على النخب
المرتبكة والملتحمة بالنظام
القديم, بل جور هذه النخب
المرتكب بحق التاريخ ذاته. قد
يصير البناء سلعة للتبادل
العالمي: فالنخبة قادرة على
تغييره تحت تأثير المثال أو
بتحريض من قِبل النخب
الأجنبية, التي تقدم لها
الضمانات. ولا يلعب الاستياء
الشعبي من البناء السابق هنا
دور المقدمة الأولية
للانقلاب, بل شرطاً مواتياً
لا أكثر.
تُكسب العولمة على هذا النحو
المفاهيمَ السابقة لمذهب
"الطبيعة" التاريخي, الذي
يماثل بين العمليات
الاجتماعية وقوانين الطبيعة
المبرمة, حالَ القيم
الانتقائية والقابلة للتلاعب
والقابلة للتبادل.
يدور الحديث حول مستوى الحرية
غير المسبوق, الممنوح للنخب
الحاكمة, والبعيد عن أشكال
الرقابة الشعبية المعتادة.
بهذا المعنى ينبغي أن يقوَّم
النظام ما بعد السوفييتي في
روسيا كجديدٍ للعولمة قد يأتي
على مثاله كثير غيره. لقد ساد
شعور منذ البداية بوجود من
يحمي الإصلاحيين الروس من
الخارج, ولم تكن هذه الحماية
لوجه الله كما تبين في ما
بعد. كما حملت تلك التحركات
بخصوص السلطة التنفيذية
والتشريعية الكثير من
المعاني, التي ميزت انقلاب
أكتوبر (عام 1993) في روسيا.
التقوية غير المحدودة لسلطة
الرئيس المتعارضة مع صلاحيات
البرلمان (مجلس الدوما
الحكومي) ينبغي تقويمها
وفاقاً للمقاييس السابقة على
أنها تجل للديكتاتورية,
وللنزعات القيصرية. إن هذه
النزعات اليوم ينبغي أن لا
تقوَّم ببساطة على أنها نزعات
ديكتاتورية, بل باعتبارها
تعبيراً عن ديكتاتورية
العولمة.
سيبرزفي واقع الأمر المجلس
التشريعي ضمن هذا السياق
بصفته سلطة محلية بدائية,
متكونة من ممثلي "هذا" الشعب.
يُنظر وفاقاً لمعايير العولمة
إلى مطالب الناخبين وضغطهم
الاجتماعي على أنها سلفية
سياسية تقيد حرية حركة أيدي
العولميين, الملزمين لا
بالتعاطي مع المصالح البدائية
لـ "هذه" البلاد و"هذا"
الشعب, بل مع القرارات فائقة
التقدم المتخذة من قبل الأسرة
العولمية, التي ستفتح عهداً
تاريخياً جديداً.
من هنا جاء خداع مجلس الدوما
الحكومي باعتباره ملجأ
للنماذج الرجعية – أي لممثلي
"الأغلبية الحمراء – البنية".
هل تعتبر هذه النزعة خصوصيةً
"غير مألوفة" في روسيا؟
البتة. والأحداث الأخيرة
المرتبطة بعدوان حلف الناتو
على يوغسلافيا تؤكد ذلك. كان
واضحاً للجميع منذ البداية أن
تحرك الناتو كان قاتلاً
لأوربا ولا يلبي سوى مآرب
الولايات المتحدة الأمريكية
التزعمية. في الحقيقة وجِّه
هذا التحرك قبل كل شيء (لديه
أهداف أبعد من ذلك) ضد أوربا
الغربية تحديداً, باعتبارها
منافسة للولايات المتحدة
الأمريكية, وضد عملة اليورو,
وضد هيبة القارة العجوز
باعتبارها مركزاً عالمياً
مستقلاً. بالتالي, لو كانت
النخب الحاكمة في أوربا تعبر
حقاً عن مصالح بلدانها
وقارتها وتدافع عنها لكانت
سعت إلى إبقاء أمريكا وحيدة
وإلى مقاطعة المغامرة
البلقانية. لكنها سلكت سلوك
العولميين أصحاب المصالح
الخاصة المختلفة عن المصالح
الوطنية للشعوب التي
يمثلونها. والحديث يدور هنا
عن العولمة المركزية
الأمريكية تحديداً, وإن شئتم,
عن سفسطة العولمة حين تتطابق
الأهداف العولمية مع الأهداف
الأمريكية.
تكمن خصوصية روسيا فقط في أن
هذا "الانسلاخ " العولمي
للنخبة الحاكمة عن المصالح
الوطنية يتجلى على نحو أوضح
وأكثر صراحة. فمن جهة هذا
متعلق بتاريخ النخبة الروسية
الحاكمة, التي تتألف غالبيتها
لا من السياسيين العموميين
الملزمين بالاتفاق مع
الناخبين, بل من مندوبي
الأجهزة الأمنية؛ ومتعلق من
جهة أخرى بتبعية النخبة ما
بعد السوفييتية للدعم من
الخارج تبعيةً غير عادية.
كلما كانت هذه النخبة مرفوضة
من شعبها ومكروهة من قبله
اشتدت تبعيتها لحماتها
الخارجيين وصارت على استعداد
للإقدام على تنازلات أكبر
لهم.
هكذا يدور لولب العولمة. إن
قانون "الانسلاخ" العولمي عن
المصالح المحلية يغير جذرياً
أيضاً الآفاق المعتادة في
السياسة الداخلية. تصور لنا
اللوحة الكلاسيكية فعل النخب
المرتبطة إلى هذا الحد أو ذاك
بشعوبها, والمتعلقة بها والتي
تحسب حساباً لمطالبها. تبدو
السياسة الاجتماعية للنخبة
الحالية من وجهة النظر هذه
أشبه بمسرح اللامعقول. يتم كل
عام إخراج عشرات المليارات من
الدولارات من بلدنا المفلسة,
في الوقت الذي لا تسدد فيه
للمعلمين رواتبهم أعواماً,
وفي الوقت الذي يتعرض الأطفال
فيه إلى الإغماء في الصفوف,
ونصف السكان يملكون مداخيل لا
ترقى إلى مرتبة الحد الأدنى
اللازم للعيش (المخفض عمداً
ثلاث مرات على أقل تقدير).
ويتضح على الفور اللامعقول في
هذه "الإصلاحات" ما إن
نتبيَّن أن الذي يحكم هذه
البلاد هو نخبة عولمية أنجزت
فراقها السري عن أمتها ولا
تعتبر "هذا" الشعب شعبها.
وإذا ما اتخذ في أحد
المنتديات العولمية المغلقة
قرار يقضي بتخفيض القدرات
الاقتصادية والعسكرية وحتى
الديمغرافية تخفيضاً حاداً في
بلدنا, فإن عولميينا المطيعين
سينفذونه - هذا ما يمليه
عليهم وعيهم العولمي الذاتي
ومصالحهم.
واضح أن مثل هذه العولمة
السياسية ليست سوى مرض. ينبغي
إدراك العمليات العولمية
المقبلة من وجهة نظر إمكانات
تحويلها نحو المصالح
الجماهيرية والمراقبة
الديمقراطية على نشاط النخب
الجشعة المنسلخة عن الأوساط
الاجتماعية. لقد قرئ كتاب
الديمقراطية الأوربية الجديدة
العظيم إلى الآن على المستوى
القومي. وينبغي الآن أن يقرأ
على المستوى العولمي - من
موقع سيادة الأغلبية
المستعادة, هذه الأغلبية
المدعوة إلى فرض المراقبة
الديمقراطية على نشاط النخب
الممارَس على المستوى
العالمي.
أما ما يخص الأجهزة الأمنية
الروسية (وحتى غيرها) فإن
التجربة العولمية التي أخضعت
لها في أثناء "الحرب الباردة"
تحمل أيضاً الكثير من العبر.
لقد تغلب "اللاعبون"
الأمريكيون على شركائهم
بالعولمة غير المحظوظين لأنهم
حافظوا تحديداً على ولائهم
لبلادهم. تبين أن من يلعب
بثقة أكبر في الألعاب
العولمية هو ذلك الذي يستخدم
بمهارة المعايير المزدوجة:
يقترح على الشركاء اللعب
استثنائياً وفاقاً لقواعد
"العولمة المنهجية", بينما
يبيح لنفسه سلفية خدمة الوطن.
في حقيقة الأمر, إن أولئك
الذين يستندون إلى الرصيد
الحي من كمون الدولة العظمى
والرصيد الحي من المهابة
سيحوزون من غير أدنى شك على
الأفضلية مقارنين بالذين لا
يوجد وراء ظهورهم غير ضبابيات
العولمة. إن أولئك الأخيرين,
"بانسلاخهم" عن وطنهم الأم,
سيتحولون حتماً في نهاية
الأمر إلى "ديسبورة خاصة" ليس
لها وطن, وتعيش على بيع
الأسرار الحكومية المتقادمة.
قدرهم أن يتشردوا في الأرض
بحثاً عن أسياد مختلفين,
حاملين جواز سفر نازحين غير
مؤتمنين على نطاق الكوكب كله.
إن مثل هذه الديسبورة لا تشكل
خطراً على البلاد, التي خانها
أولئك المنافقون, بقدر ما
تشكل خطراً على الحضارة كلها.
فخدماتها الاحترافية وطباعها
تصير غالباً ملكاً لشتى أنواع
العشائر الإرهابية
والمافيوية, التي ينمو بسبب
من ذلك "احترافها" الإجرامي
إلى درجة لا يمكن تصورها.
لقد بلغت موجة معاداة الحداثة
التي يغذيها أولئك النازحون
إلى درجة من القوة ما كان
ممكناً من قبل حتى التفكير
بها.
التالي
<<
اليهود في عالم القطب الواحد
<<
تبدُّلات الوعي الثقافي
مفارقات الديمقراطية >>
<<
معايير
«المجتمع المتحضر» المزدوجة
محتالو
الأممية الجديدة
(العولمة ) ونصّابوها
>>