قِـحابٌ
وقَــوّادون وجــوائزُ
سـعدي يوسـف
الانحطاطُ
السياســيّ الذي يَسِـمُ المشهدَ العامّ في منطقتنا
العربية ( الشرق الأوسط بخاصّـةٍ ) ، أنتجَ تجـــلّياته "
الثقافية " التي لابدّ منها .
لكنّ عليّ القول
إن هذا الانحطاط لم يكنْ عمليةً طبيعيةً ناتجة عن ظروفٍ
ذاتيةٍ في هذا المجتمع العربي أو ذاك.
هذا الانحطاطُ ،
فُرِضَ فرضاً ، وبالقوة ، بل بالتدخل العسكريّ.
ليس ثمّتَ من
أُمّـةٍ تختارُ انحطاطَها.
لكن الأمم قد
تطرأ عليها ظروفٌ عســيرةٌ ، تَصْعُبُ مغالبتُها ، وربما
استدامت تلك الظروف حتى لقد تبدو دائمةً أو كالدائمة .
آنذاك ينشأ الخلْطُ بين الأصيل المتأصِّلِ والدخيلِ
المتدخِّلِ. وهذا الخلطُ الذي قد يبلغ حدَّ التماهي بين
الأصيل والدخيل هو نتيجُ زمنٍ متّصلٍ من محاولةِ إلغاء
الهوية الوطنية ، زمنٍ قد يبلغ قرناً أو نحوَه ، كما جرى
في الجزائرِ ( بعد الاحتلال الفرنسيّ )، وكما جرى في
منطقتنا (منذ الحرب العالمية الأولى 1914- 1918) .
الآنَ ، وقد
استتبَّ التحكُّمُ حتى صار حُكْـماً ، لم يَعُد
المستعمِرون يستعمـلون الأساليبَ العتيقةَ ذاتـها التي
طالَ ما استعملوها في السابق.
لم يعُد
المستعمِر يحتاج إلى ضبّاط اتّصاله ، وعلمائه ( ماسينيون
في الجزائر ) .
هؤلاء سيظلون في
عاصمة المتروبول ، يراقبون المشهدَ ، ويوجِّهون .
المستعمِر ، الآن
، يعتمدُ عناصرَ محلّـيةً . هؤلاء هم قوّادوه وعواهرُه.
ولم يَعُد
المستعمِر ينفق من ميزانيّته على برامج الاستحواذ
الثقافيّ .
المستعمِر ،
الآن، يستعملُ المواردَ المحليةَ للإنفاقِ على برامجه تلك.
والذين عُيِّنوا حرّاساً على مناطق البترول ، بصفة حُكّامٍ
وأمراءَ وشـيوخٍ ومَشايخ ، هم الذين يدفعون للقوّادين
والقحاب.
يستولي هؤلاء
القوادون والقحاب ، على تسعين بالمائة من الأموال المدفوعة
( كُلْفةَ إدارةٍ ، وفنادقَ ، ومطاعمَ ، وجــــيوبٍ
مثقوبةٍ ، ومكافأةَ احتيالٍ متَّفَقٍ عليه ) ،ويدفعون
العشرةَ بالمائة الباقية للفقراء والمساكين من مبدعي هذه
الأمّة المخذولة ، المؤلَّـفةِ قلوبُهم ، في هيأةِ " جوائز
" . ولسوفَ تدورُ معارِكُ ، متّفَقٌ عليها ، تضليلاً
وعَمىً . السوقُ ؟ نعم . سوق النِّخاســةِ ؟ نعم !
ولأننا أُفقِرْنا
، لأنّ المستعمِرَ أنهكَنا ، ولأننا ضعافٌ ... نرانا نقول
: نعم ! نعم للقحابِ والقوّادين ... مرحباً بهم في
بيوتِنا الفقيرة !
لندن 22.12.2009
|