مقدمات وخصوصيات نشوء الحركة الشيوعية في فلسطين

 

د. مروان مشرقي

 

الحلقة الأولى

 

           يعود نشوء الحركة الشيوعية في فلسطين إلى عام 1919, عندما تشكل في آذار 1919 "حزب العمال الاشتراكي في فلسطين- م.ب.س  " من قبل مجموعة انشقت في تلك السنة عن حزب "بوعلي تسيون"(1), ودعت إلى قطع كل العلاقات مع الحركة الصهيونية والانضمام إلى الكومنترن.

          

           لقد أرتبط هذا ألانشقاق  بالمد الثوري الذي اجتاح الحركة الثورية العالمية بعد الحرب العالمية الأولى  وبتأثير ثورة أكتوبر الاشتراكية, إذ ساعد ذلك على انتشار تعاليم ألاشتراكية في صفوف العمال والمثقفين التقدميين اليهود وقطع العلاقة مع الاشتراكية الصهيونية التي ربطت مصيرها بالاستعمار البريطاني.

          

           ففي هذه الفترة تعمق التمايز الإيديولوجي داخل الحركة العمالية اليهودية في البلاد وأنكشف ألطابع الرجعي والاستعماري للصهيونية وجوهرها المعادي للحركة القومية الفلسطينية, مما عجَل من انسلاخ تلك المجموعة فكريا  وتنظيميا عن حزب "بوعلي تسيون" والتخلي عن أغلبية الأوهام الاشتراكية الصهيونية. لقد عبرت جريدة "باروييس" (التقدم) الناطقة باللغة الايديشية (2) عن هذا التحول الفكري, إذ ذكرت بأنه كان أمام اليسار الثوري في الحركة العمالية اليهودية خيارين يجب الحسم فيما بينهما, إما اختيار " لندن الامبريالية أو موسكو البروليتارية.... أغسطس 1914 أو أكتوبر 1917 .... بلفور أم لينين.... مؤتمر صهيوني أم الأممية الشيوعية ؟.... (3). بهذه المعادلة حسم الشيوعيون الأوائل مواقفهم الفكرية, وشقوا طريقهم نحو الفكر الماركسي اللينيني, بالرغم من بقاء بعضا من عدم الوضوح الفكري بخصوص عدة قضايا, وبالأساس بخصوص الصهيونية والقضية القومية.

 

 

إن خصوصية نشأة الحركة الشيوعية في فلسطين عكست نفسها لاحقا ولفترة طويلة ميزت عملية نشؤ أغلبية الأحزاب الشيوعية في البلدان الكولونيالية, ولم تكن  نتاجا لنمو طبقة عاملة عربية متطورة أو نتيجة لتطور جناح يساري في حركة التحرر القومي الفلسطينية, بل نشأت في داخل وفي رحم المجتمع الاستيطاني اليهودي الذي كان يمثل أقلية كولونيالية غريبة عن المجتمع العربي  الأصلي.

 

 إن هذا الواقع ادخل الشيوعيون الأوائل في تناقض كبير, ما بين دعوتهم لتحرير البلاد وإقامة نظام اشتراكي وما بين جذورهم الصهيونية وكونهم جزءا من التجمع الاستيطاني الغريب.

 

 في 17-19 أكتوبر 1919 عقد المؤتمر الأول "لحزب العمال الاشتراكي في فلسطين – م.ب.س " (4), حيث افتتحه مردخاي خالدي (5) وقدم البيان الرئيسي ياكو مايرزون (6). في هذا الاجتماع صاغ الحزب لأول مرة سياسة وإيديولوجية بلشفية تميزت عن كل البرامج التي تبنتها التيارات الاشتراكية في الصهيونية. وبهذا خطى خطوة متقدمة وحاسمة نحو تكوين وجهة نظر فلسفية ماركسية نحو العالم.

 

لقد دعم المؤتمر الموقف اللينيني من الحرب العالمية ألأولى وأيد ثورة أكتوبر ألاشتراكية وطريق البلشفية وأعلن أيضا عن تخلي الشيوعيون عن كل علاقة مع الأممية الثانية, كما وفصلوا أنفسهم عن الحركة الصهيونية وقرروا التوجه نحو الأممية الشيوعية للانضمام إلى صفوفها.

 

بالرغم من هذه المواقف والقرارات الهامة التي أقرها المؤتمر الأول التأسيسي لحزب م.ب.س, إلا أن الحزب بقي واقعا تحت تأثير بعض الأفكار الصهيونية حيث صاغ مفهوم "الصهيونية البروليتارية" – أذ أعلن مايرزون أنها  هي " التي تربط تحقيق المثال الصهيوني بانتصار الثورة الاشتراكية...",  ".... وان في هذا الانتصار الضمان الوحيد لتحقيق كل المثل التقدمية والصهيونية.."(7).

 

 

 

وتعبيرا عن هذه المواقف أقام الحزب علاقات مع حركة العمل الصهيونية بهدف توسيع صفوفه ودائرة تأثيره, وعليه أقام حزب العمال ألاشتراكي العبري ( م.ب.س.ع ), الذي وجه جل نشاطه داخل المهاجرين اليهود الجدد وعمال المدن. كما ونشط الحزب بالمجال النقابي, حيث أسس بمبادرة أعضائه عدة نقابات مهنية كنقابة النجارين ونقابة الخياطين في مدينة يافا. كما ونجح بالسيطرة على لجنة عمال سكك الحديد التي كانت تمثل أهم اللجان العمالية في فلسطين والتي نظمت في صفوفها أكثر من 400 عاملا يهوديا. بألأضافة إلى ذلك شارك الحزب بالمؤتمر التأسيسي للهستدروت العامة الذي عقد في حيفا في 4 كانون ألأول 1620 وحصل بانتخابات المؤتمر على 7% من ألأصوات وتمثل بستة مندوبين من أصل 87 مندوبي المؤتمر(8).

 

نتيجة لتلك السياسة القومية التي انتهجتها قيادة الحزب حينذاك, وعلى أثر مظاهرة الأول من أيار 1921 التي خرجت من نادي الحزب والأحداث التي رافقتها توقف عمل حزب العمال ألاشتراكي العبري (م.ب.س.ع), حيث جرى في داخل صفوفه عام 1922 انشقاق  تنظيمي تشكل على أثره حزبان شيوعيان: الحزب الشيوعي في فلسطين (ك.ب.ب) بقيادة جوزيف برزيلاي (برغر)(9), والحزب الشيوعي الفلسطيني  (ب.ك.ب) بقيادة حاييم اورباخ (10). واستمرارا لهذا الانشقاق حدث انشقاق مواز بين العناصر الشيوعية الفاعلة في الهستدروت, فظهرت " الفراكتسيا العمالية" المرتبطة بحزب ب.ك.ب. و"الفراكتسيا البروليتارية" المرتبطة بحزب ك.ب.ب. (11).

 

           بالرغم من التخبط الفكري قام الحزب بعدة نشاطات دعمت مواقفه السياسية واستقلاله الأيديولوجي وبلورت طابعه الثوري. إذ قام بتنظيم المظاهرات احتفالا بذكرى ثورة أكتوبر في 7/11/1920. كما وشارك أعضاؤه بالعديد من النشاطات الجماهيرية المعادية للاستعمار البريطاني وبالأساس بعيد العمال العالمي- ألأول من أيار.                          

 لقد تحولت احتفالات  الأول من أيار 1921 التي خرجت من نادي الحزب إلى أحداث دموية إذ جرت صدامات عربية يهودية, قتل على أثرها أكثر من 200 شخص. وقد حملت سلطات ألانتداب الشيوعيين مسؤولية هذه التصادمات, قامت على أثرها باعتقال عددا كبيرا من أعضاء الحزب وطردهم من البلاد, كما وصدر قرارا يمنع علنية العمل الشيوعي في فلسطين. وقد أستمر العمل السري للحزب الشيوعي الفلسطيني حتى عام 1942.

 

           بالرغم من الملاحقات البوليسية والعمل السري الصعب شارك الشيوعيون في الهستدروت حيث نشطوا خلال سنتين من خلال " الفراكتسيا العمالية" و"الفراكتسيا البروليتارية", اللتان وقفتا موقفا صلبا ضد قيادة الهستدروت العمالية الصهيونية التي رأت في تلك النشاطات نشاطات معادية للمشروع الصهيوني في فلسطين. وعليه قرر مجلس الهستدروت في 21 نيسان 1924 إخراج "الكتلة العمالية" الشيوعية من صفوفه, ومنذ ذلك الحين لم يعترف بالحزب الشيوعي كحزب رسمي في مؤسسات اليشوف حتى عام 1944.

 

بقي ألانشقاق في الحركة الشيوعية في فلسطين حتى عام 1923.  ففي شهر تموز 1923 عقد الحزب مؤتمره الخامس, الذي شكل  نقطة تحول حاسمة على طريق تحوله إلى حزب قطري وأممي.  ففي هذا المؤتمر تم توحيد الحزبين ب.ك.ب. و ك.ب.ب. قي حزب واحد سمي بالحزب الشيوعي الفلسطيني ب.ك.ب. (12) وأعلن أيضا عن توحيد العمل النقابي من خلال دمج الكتلتين النقابيتين في كتلة واحدة سميت "بالكتلة العمالية".

 

من الناحية السياسية والفكرية اتخذ المؤتمر قرارات حاسمة وصحيحة بصدد الحركة القومية العربية, إذ اعتبرها "احد العوامل الأساسية التي تقاوم الاستعمار البريطاني", ورأى من واجبه القيام بعمل كل شيء من اجل مساندتها.

 

كما واتخذ المؤتمر موقفا نهائيا من الأيديولوجية الصهيونية, وتخلى عن أوهامه السابقة وبما يسمى "الصهيونية البروليتارية". ففي هذا المؤتمر قيم الحزب الحركة الصهيونية بأنها "حركة تتجسد فيها تطلعات البرجوازية اليهودية... وتقف في جبهة واحدة مع الاستعمار البريطاني, إذ ربطت مصيرها مع مصير المحتلين الامبرياليين..." كما ودعت قرارات المؤتمر إلى  مقاومتها "بواسطة العمل الإيضاحي بين العمال اليهود وخاصة... توجيه النضال ضد الصهيونية البروليتارية.." .

 

بألأضافة الى ذلك قرر المؤتمر إيفاد السكرتير العام للحزب حاييم اورباخ إلى موسكو من اجل إقناع قيادة الأممية الشيوعية بالاعتراف بالحزب كفرع لها. وبعد عدة لقاءات ومفاوضات صعبة وطويلة قررت اللجنة التنفيذية الكومنترن قبول الحزب في صفوف الأممية الشيوعية وقبول " الكتلة العمالية" في صفوف الأممية النقابية الحمراء.

 

لقد اشترطت اللجنة التنفيذية للكومنترن على الحزب من أجل قبوله في صفوف الكومنترن "أن يسعى إلى إقامة أوثق الصلات مع أوسع الجماهير العربية بغية تحويله من منظمة للعمال اليهود إلى حزب قطري حقيقي".. ودعته إلى دعم حركة التحرر الوطني للسكان العرب في نضالهم ضد الاحتلال البريطاني- الصهيوني."(13).

          

لقد شكل المؤتمر الخامس للحزب محطة هامة في التطور الفكري والسياسي للحركة الشيوعية الفلسطينية , كما وساعد دخول الحزب إلى صفوف الكومنترن على صياغة برنامجا سياسيا متقدما, والعمل على تحوله إلى حزب عربي-  يهودي قطري.

 

           في هذه المرحلة طرحت أمام الحزب ثلاث مهام أساسية:

*  المهمة الأولى هي إنجاز تعريب صفوفه والتحول إلى حزب قطري مرتبط بالجماهير العربية    الفلسطينية.

*  المهمة الثانية هي إقامة الجبهة العمالية المتحدة للعمال العرب واليهود.

*  المهمة الثالثة هي إقامة الجبهة المتحدة المعادية للامبريالية.

 

لقد شكلت مسألة التعريب القضية الأساسية للحزب, الذي رأى بها تجسيدا للاتجاه الموضوعي عند الشيوعيين للارتباط بالجماهير العربية.  فمن جهة شكل السكان العرب الغالبية العظمى من سكان البلاد والمعنيون قبل كل شيء بالتحرر من الاستعمار البريطاني وبناء كيانهم السياسي المستقل. من جهة ثانية بدأت الطبقة العاملة العربية بالنمو العددي والكيفي وبتشكيل وعيها الطبقي, كما وأخذت تحتل حيزا ودورا في نمو الحركة التحررية العربية في البلاد, غير منعزلة عن المد الثوري الذي اجتاح في تلك الفترة أوروبا والمستعمرات وخاصة مصر والعراق وسوريا والمغرب العربي.

 

وهكذا نرى أن الظروف الموضوعية لطرح مسألة التعريب قد توفرت, وكان من الضروري على الشيوعيون اليهود أن يسرعوا في تنفيذ  هذه العملية. 

 

لقد قام الحزب الشيوعي بنشاطات نقابية وسياسية عديدة دفعت باتجاه التعريب وألأنعطاف نحو الجماهير العمالية العربية, حيث بدأ بنشر مواقفه ونشاطاته باللغة العربية , كما وفي عام 1924 قام بإصدار مجلة أسبوعية عربية علنية تدعى "حيفا", عالجت بالأساس قضايا العمال العرب في فلسطين. وقد أضحت هذه المجلة منبرا لشرح سياسة الحزب الشيوعي في صفوف العمال العرب في فلسطين (14).

 

 فتح النشاط النقابي في الوسط العربي أمام الحزب الشيوعي أفاقا جدية للتغلغل في وسط العمال العرب وجذب العناصر الواعية إلى صفوفه.  أذ قام الحزب بتشكيل عدة خلايا عربية في حي المنشية بمدينة يافا, مثل خلية عمال الأفران والبنائين والنجارين, إلى جانب ذلك بدأ الحزب بالعمل على إعداد كوادر عربية متقدمة, وذلك من خلال إرسال البعثات للدراسة الحزبية  في موسكو. وكان من هؤلاء المرسلين عامل البناء رضوان الحلو- السكرتير القادم للحزب(15), مما ساهم في تعميق عملية التعريب.

 

بألأضافة إلى ذلك مارست اللجنة التنفيذية للكومنترن ضغوطات كبيرة على قيادة الحزب من اجل تسريع عملية التعريب, إلا أن جزءا من قيادة الحزب اليهودية , وخاصة سكرتيره العام حاييم اورباخ (أبو زيام), عملت على إعاقة ذلك, مما حذا باللجنة التنفيذية على تغيير القيادة الحزبية عدة مرات. وفي عام 1934 عيِِِن رضوان الحلو سكرتيرا عاما للحزب حتى عام 1943, ألأمر الذي ساعد الحزب على الانفتاح أكثر على الوسط العربي وتطوير دوره ومساهمته في النضال التحريري للجماهير الفلسطينية.

 

           المسألة الثانية التي ناضل الحزب من أجل تحقيقها والمرتبطة عضويا بالمهمة الأولى, كانت مسألة إقامة "الجبهة العمالية المتحدة".

           إن حقيقة نشؤ الحزب الشيوعي في رحم اليشوف اليهودي وعدم ارتباطه بالحركة القومية التحررية للشعب الفلسطيني عكس نفسه على نشاط الحزب, حيث عبر عنه بتعمق  الاتجاه النقابي في سياسته والتأكيد على المسألة الطبقية كقضية محورية في نشاطه .

اتخذ الشيوعيون الأوائل منذ البداية خطا كومنتيرنيا في العمل النقابي, وهو العمل داخل التنظيمات العمالية الجماهيرية وبالأساس الهستدروت والسعي لتغيير طابعها "الإصلاحي " وتحويلها إلى نقابات "عمالية ثورية" تضم العمال اليهود والعرب.

وفي إطار السياسة الكومنترنية الداعية لتحقيق وحدة الحركة النقابية وإقامة جبهة عمالية متحدة, سعى الحزب الشيوعي إلى انجاز هذه الجبهة من خلال تشكيل "لجان الوحدة" في أوساط العمال.  وبمبادرة منه جرى في أوائل عام 1926 تشكيل "حركة ايحود", أي حركة الوحدة, حيث تحولت نوادي الحركة خلال فترة قصيرة إلى مقرات عمالية جماهيرية تقيم الندوات وحلقات النقاش وتساهم في تنظيم العمال العاطلين عن العمل (16). لكن في أواخر عام 1927 أغلقت السلطات البريطانية هذه النوادي وشنت حملة اعتقالات كبيرة في صفوف الشيوعيين, كما وقامت بطرد عددا كبيرا من كوادر الحزب وأنصاره خارج فلسطين.

أضافة إلى ذلك حاول الحزب دمج العمال العرب بالتنظيمات النقابية اليهودية.  وبضغط من الكتلة العمالية الشيوعية وافقت قيادة اتحاد نقابات سكك الحديد والبريد والبرق على قبول انضمام العمال العرب إلى صفوف الاتحاد (17). ولكن نتيجة لمواقف الهستدروت المعادية للعرب خرج العمال العرب من نقابة عمال سكك الحديد,  وشكلوا أساسا لإقامة أول نقابة عربية شاملة وهي " جمعية العمال العرب الفلسطينية" وذلك في 21 آذار 1925 في حيفا.

 

في 11-12  كانون ثاني عام 1930 انعقد المؤتمر العمالي العربي الأول في مدينة حيفا. وقد شارك الشيوعيون الفلسطينيون العرب مشاركة فعالة في قيادة المؤتمر وفي صياغة قراراته السياسية. حيث ألقى الشيوعي محمد علي قليلات الكلمة المركزية في هذا المؤتمر وساهم في تعميق طابعه السياسي وصياغة أشكال جديدة للعمل النقابي مثل الإضراب والعرائض وغيرها. كما وانتخب المؤتمر الشيوعيين محمد قليلات أمينا عاما وكامل عودة أمينا مساعدا (18).

لم يتمكن الحزب الشيوعي الفلسطيني من تحقيق هدفه في إقامة الجبهة العمالية المتحدة, لكن بالرغم من ذلك استمر الشيوعيون في العمل النقابي سرا داخل الهستدروت وسعوا إلى تجذير الحركة النقابية العربية في فلسطين.

 

المهمة الثالثة التي طرحت أمام الحزب في تلك الفترة كانت مهمة تحقيق شعار "الجبهة المتحدة المعادية للامبريالية". ومن اجل تنفيذ هذه المهمة دخلت قيادة الحزب في مفاوضات عديدة مع زعماء في الحركة القومية العربية, ودعت للقيام بنشاطات مشتركة. بعد فشل تلك المفاوضات توصلت قيادة الحزب إلى استنتاج مفاده أنه على الحركة القومية العربية أن تنسلخ عن قيادتها الإقطاعية المساومة للاستعمار, كما وأن عليها أن تقاد من قبل جناح يساري راديكالي تقدمي.

لقد تأثرت مواقف الحزب الشيوعي الفلسطيني في هذه الفترة بقرارات المؤتمر السادس الكومنترن الذي عقد عام 1928, والتي تميزت قراراته باليسارية الانعزالية خاصة بصدد التحالفات مع قيادة الحركة القومية الإصلاحية, الأمر الذي لم يساعد الحزب على اتخاذ موقف صحيح من هذه الحركة. لقد ساعد على نشر هذا الخط  "اليساري" الانعزالي  إصدار جريدة "إلى الإمام" باللغة العربية عام 1929.  نتيجة لهذا الخط ألانعزالي  عجز الشيوعيون أنذاك  عن تفهم خصوصية المسألة القومية في فلسطين, إذ رأوا فيها "تناقضا قوميا عربيا يهوديا" يتغذى من سياسة الامبريالية والصهيونية. إن هذا التقييم لم يساعد الحزب على اتخاذ موقفا صحيحا من حركات المقاومة العربية وخاصة انتفاضة عام 1929  وإشكاليات تلك ألانتفاضة.

 

           لكن بالرغم من هذا الموقف الانعزالي الغير صحيح, إلا أن الحزب بدأ في أوائل سنوات الثلاثين بتلمس خصوصية المسألة القومية الكولونيالية, وأنكب على صياغة برنامجا سياسيا جديدا الذي أقر بمؤتمره السابع الذي عقد في أوائل شهر كانون ثاني عام 1931.

                                                                                                        الناصرة

<< يتبع................. بالحلقة الثانية

 

 

المصادر:

(1)                 "بوعلي تسيون" – حزب عمالي صهيوني اشتراكي. ظهرت أولى مجموعاته في روسيا وشرق أوروبا خلال سنوات 1899 – 1904. وبعد سلسله من الانشقاقات قامت بعض المجموعات بتأسيس "الحزب الديمقراطي الاشتراكي اليهودي في روسيا " والذي تبنى برنامجا يقوم على أسس الاشتراكية والتعاونية , والمشاركة قي جميع المؤسسات الصهيونية.

استمرارا لتلك ألانشقاقات قامت مجموعة مقربة من الفكر البلشفي بتأسيس حزب ي.ق.ب ( الحزب الشيوعي ألأيدشي) الذي توحد فيما بعد واندمج لاحقا بالحزب البلشفي الروسي.

على أثر فشل ثورة 1905 في روسيا قامت مجموعات من هذا الحزب بالهجرة إلى فلسطين لإرساء ما سمي  " القاعدة المادية اللازمة لبناء الدولة اليهودية الاشتراكية" . وفي عام 1907 تشكل " الاتحاد العالمي لحركة بوعلي تسيون" وأصبح الحزب في فلسطين فرعا تابعا له.

(المصدر – أرشيف حركة العمل ألأسرائيلية- معهد لافون تل أبيب)

 (2)        باروييس: تعني التقدم وهي الصحيفة الناطقة بلسان اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الفلسطيني- فرع الكومنترن باللغة الايديشية.

(3)         "50 سنة للحزب الشيوعي في البلاد"- إصدار الحزب الشيوعي الإسرائيلي (راكاح) اللجنة المركزية حيفا  1970 , ص 22.

(4)         المصدر السابق ص 25.

(5)         ولد مردخاي عام 1887 في منطقة القوقاز في روسيا. هاجر إلى فلسطين عام 1908 . نفته السلطات الانتدابية البريطانية إلى روسيا السوفيتية في أعقاب حوادث أيار 1921, حيث انقطعت أخباره.

(6)         ياكو مايرزون: احد مؤسسي حزب العمال الاشتراكي في فلسطين(م.ب.س). ولد عام 1888 بجنوب أوكرانيا. عمل في مجال التعليم ونشر عدة كتب باللغة الايديشية حول تاريخ اليهود. هاجر إلى فلسطين عام 1912. في عام 1919 ساهم في تأسيس حزب م.ب.س وخاض نضالا عنيدا في سبيل انضمام الحزب للأممية الشيوعية وفي سبيل مقاطعة مؤتمرات الحركة الصهيونية العالمية. في عام 1922 هاجر من فلسطين واستقر في مدينة أوديسا, حيث عمل محاضرا جامعيا  للتاريخ والأدب ألأيديشي. توفي عام 1947 في مدينة موسكو   . (الاقتباس من كتاب د. م. شريف- الأممية الشيوعية وفلسطين 1919- 1928  - دار ابن خلدون – بيروت 1980 - ص 105).

(7)        "50 سنة للحزب الشيوعي في البلاد" مصدر سابق ص 28.

(8)         أرشيف حركة العمل ألإسرائيلية- المؤتمر التأسيسي للهستدروت. عقد المؤتمر في 4 كانون ألأول عام 1920 في حيفا. شارك فيه 4,433 مندوبا- 42% من المندوبين منتسبين ل- " أحدوت هعفودا" , 30% ل- " هبوعيل هتسعير" , 19% لقائمة " هحلوتسيم فهعوفديم هحدشيم" , 7% لحزب  " حزب العمال ألاشتراكي العبري ( م.ب.س.ع ), و 2%  لقوائم أخرى .

(9)               جوزيف برزيلاي (برغر): ولد في بولونيا عام 1904 وهاجر إلى فلسطين عام 1920. لعب دورا بارزا في الحزب الشيوعي الفلسطيني. في عام 1929 شغل منصب  الأمين العام للحزب حتى عام 1931. بعد ذلك سافر إلى موسكو ومنها إلى برلين حيث أصبح سكرتيرا لعصبة مناهضة الاستعمار. في سنوات 1932-1934 عين مسؤولا عن قسم الشرق الأدنى في الكونترن باسم جوزيف برغر. اعتقل عام 1935 في حملة التطهير حتى عام 1956, حيث أفرج عنه وأعيد له اعتباره. بعد ذلك هاجر إلى إسرائيل حيث استقر هناك وعمل محاضرا قي جامعة بار إيلان. بعد خروجه من السجن وقف مواقفا معادية للشيوعية وتحول إلى داعية صهيونية معادية للسوفيت. توفي عام 1978. (المصدر د. سليمان بشير, المشرق العربي في النظرية والممارسة الشيوعية.. مصدر سابق ص 125).

(10)    حاييم اورباخ: من مؤسسي الحزب الشيوعي الفلسطيني وأمينه العام في سنوات 1923-1929. له عدة أسماء حركية منها: أبو زيام , حيدر, دانييل وأدم يوريسوفيتش. ولد عام 1880 في روسيا وساهم في أحداث الثورة الروسية الأولى. هاجر إلى فلسطين عام 1922 وساهم في إعادة توحيد الحزب الشيوعي الفلسطيني عام 1923 وانتسابه للكومنترن عام 1924. انتقل إلى موسكو للعمل في القسم الشرقي التابع للكومنترن من سنة 1929 حتى سنة 1936. وفي حملة التطهير عام 1936 اعتقل اورباخ بتهمة انحرافات توتسكية, ومات في السجن عام 1941. أعيد له الاعتبار على اثر المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفيتي. (المصدر السابق ص 118, ود. م. شريف- الأممية الشيوعية فلسطين.. مصدر سابق ص162).

(11)    د. بشير سليمان: المشرق العربي في النظرية والممارسة الشيوعية.. مصدر سابق ص106.

(12)     50 سنة للحزب الشيوعي في البلاد- مصدر سابق ص39.

 (13)  د. شريف ماهر – الأممية الشيوعية وفلسطين.." – مصدر سابق ص 157.

(14)    انظر مجلة "حيفا" لصاحبها إيليا زكا – تشرين الأول 1924, المكتبة القومية – القدس.

(15)     رضوان الحلو- ولد عام 1910 في فلسطين, نسب إلى صفوف الحزب الشيوعي عام 1927. وفي عام 1930 شارك في المؤتمر الأول للعمال العرب في فلسطين, بعدها سافر الى موسكو بصحبة نجاتي صدقي لتمثيل الحزب الشيوعي في مؤتمر" البروفمنترن" الخامس. وانتسب هناك إلى جامعة "الشرق" في موسكو وبقي حتى عام 1933 حيث عاد إلى فلسطين. بعد عودته إلى فلسطين عين مباشرة سكرتيرا لمنظمة الشبيبة الشيوعية التي كانت تضم العرب واليهود. وفي عام 1934 عين سكرتيرا عاما للحزب الشيوعي, وقد كان طيلة فترة قيادته للحزب يعتمد بصلاحياته على الكومنترن. بقي في قيادة الحزب حتى عام 1943, ودخل السجن عدة مرات حتى أطلق سراحه في شباط عام 1942. ساهم رضوان الحلو مساهمة جدية في تعميق عملية تعريب الحزب وفي الارتباط بالحركة الوطنية الفلسطينية. في عام 1943 انفجر نقاش كبير داخل قيادة الحزب, الأمر الذي أدى إلى انهياره وتشكيل عدة فلق مختلفة اصطفت في النهاية بتنظيمين شيوعيين على أساس قومي. فقد أنتظم الشيوعيون اليهود في الحزب الشيوعي الفلسطيني, أما الشيوعيون العرب فقد أ،تظموا مع العديد من الخلايا الماركسية في عصبة التحرر الوطني. ولم يتمكن رضوان الحلو في التأثير على هذه العملية فترك العمل السياسي عام 1944 وانقطع عن العمل الشيوعي حتى وفاته في عام 1975 في مدينة أريحا الفلسطينية,. بقي وفيا لمبادئه حتى النهاية. 

(16)    د. بديري موسى – "تطور الحركة العمالية العربية في فلسطين" – دار ابن خلدون, الطبعة الأولى 1981          ص80.

.

(17)         ياسين عبد القادر: "تاريخ الطبقة العاملة الفلسطينية 1918-1948"- مركز الأبحاث م.ت.ف.- طبعة أولى , بيروت 1980 ض150.

(18)         مؤتمر العمال العرب الأول – حيفا 11-12  كانون ثاني 1930 – كراس باللغة العربية ص48- أرشيف المكتبة       القومية , القدس

 

 

 

 

 

 
 
 
______________________________________________________________
 
الصفحة الرئيسية | مقالات | دراسات | عمال ونقابات | كتابات حرّة | فنون وآداب | طلبة وشباب | المرأة | الأطفال | إتصل بنا
 
 
جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

 

 الصفحة الرئيسية | مقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | طلبة وشباب | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

 

 

مقالات مختارة

صوت اليسار العراقي

صحيفة تصدرها نخبة من المثقفين والكتاب اليساريين العراقيين