يتضمن هذا التقرير لمحة عن أبرز تطورات الأزمة الرأسمالية خلال شهر
ونيف، اضافة الى تطورات الصراع العربي-الصهيوني وانعكاسات كل ذلك
على الوضع اللبناني كما ويتضمن التقرير الخطوط الاساسية لتحرك
الحزب الشيوعي اللبناني في مجال السياسة الداخلية.
بيروت في 18/10/2009
١.الأزمة الرأسمالية العالمية
لا تزال تداعيات الأزمة المالية العالمية، كمظهر رئيسي للأزمة
العامة والبنيوية للنظام الرأسمالي العالمي، تعصف بالأقتصاد الدولي
في مختلف الميادين المالية والنقدية وتصيب الاقتصاد الحقيقي
باثارها التدميرية. فالمؤسسات والمصانع الكبرى والشركات المالية
والمصرفية تنهار وتعلن افلاسها؛ وتشير التقديرات الواقعية الى ان
الركود العام سيسود طوال ما تبقى من العام الحالي وعلى امتداد ال
٢٠١٠؛ كما وأن معدلات النمو تجاور الصفر وما دون.
وتستمر التوجهات الرئيسية للمراكز الرأسمالية في تدفيع القوى
العاملة النتائج السلبية عبر التسريحات العمالية الواسعة النطاق،
حيث يتوقع ان يرتفع عدد العاطلين عن العمل في الدول الرأسمالية
المتقدمة حوالي ٢٥ مليون عامل عما كان عليه في العامين السابقين؛
هذا، اضافة الى تفاقم ظاهرات الفقر والتهميش والجوع في البلدان
الفقيرة وبالتحديد في القارة الأفريقية. وتترافق مع موجات الصرف
عمليات تفكيك علاقات العمل والغاء التشريعات والقوانين التي تحمي
القوى المنتجة، بما يتيح المجال للرأسمال من التحرك في مناخ من
"المرونة" داخل سوق العمل ومن الهشاشة في مجالات التشغيل، التي
يضاف اليها سعي منظم لتصفية المكتسبات التاريخية المحققة من قبل
الطبقة العاملة وحركاتها النقابية في نضالات لعقود طويلة في ميدان
الاجور والتقديمات الاجتماعية.
ولم تتجاوز قرارات وتوجهات ما يسمى "اطار مجموعة العشرين" (G
20) قشور الازمة أو، في اقصى
الحالات، التخفيف من آثارها المدمرة. فاجتماعات القمة لتلك
المجموعة ارتكزت حتى الان على مسائل مثل "الجنات" الضريبية
ومكافآت (Bonus) المدراء
الكبار للمؤسسات والشركات العملاقة التي ُضخت لانقاذها آلاف
المليارات من الدولارات على حساب المكلفين والاجراء والخزينة
العامة في أكثر من بلد رأسمالي. أما المعالجات الجذرية لاسباب
الازمة فيجري التغاضي عنها او عدم الاخذ بها، وذلك بهدف المحافظة
على جوهر نظام الاستغلال الرأسمالي. فلم تؤخذ اي خطوات جدية للتصدي
للآليات التي تكون الفقاعة المالية من جديد ؛ ولا تزال المؤسسات
الدولية، كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، اضافة الى المصارف
المركزية الاميركية والاوروبية ومنظمة التجارة العالمية، تتمسك
بجوهر التوجهات المالية والنقدية والاقتصادية وبالسياسيات
النيوليبالية المتوحشة، بما يتيح المجال للمجموعات المالية
المصرفية الكبرى الاستمرار في التحكم بالاقتصاد العالمي والحفاظ
على دورها كقاطرة للاسواق المالية.
وتتضاعف الازمات الاقتصادية والاجتماعية في جميع دول العالم
الثالث، وتقفز معدلات البطالة فوق الدرجات القياسية ؛ ويلف الفقر
مئات الملايين من الاجراء والعاطلين عن العمل والمهمشين وتضرب
المجاعة مئات ملايين جديدة من البشر، وتتزايد المخاطر على البيئة
والجياة البشرية عموماً.
في المقابل، تجدر الاشارة الى ان المواجهات العالمية والنقابية
وتحركاتها للدفاع عن مصالح الشغيلة تنمو ببطء شديد، بما يدعو الى
تسليط الضوء على الدور الخجول للأحزاب الشيوعية واليسارية وعلى
توجيه الدعوة لها للانخراط بفعالية اكبر في الصراع الطبقي الدائر
على الصعيد العالمي وفي كل بلد على حدة ؛ اضافة الى أهمية ان تتطور
انشطة التضامن والتنسيق فيما بينها لوضع حد لهجمة الرأسمال
واستغلاله الوسائل للازمة من أجل الاطاحة بكل المكتسبات التي
حققتها الانسانية خلال قرن من الزمن.
٢.تطورات الصراع العربي-الاسرائيالي
أما على صعيد تطورات منطقة الشرق الاوسط، فالمخطط الاميركي يتخبط
في مأزقه في العراق وافغانستان وفلسطين. ورغم المحاولات الشكلية
للادارة الاميركية الجديدة لتعديل التكتيك المتبع سابقاً مع
المحافظة على الاستراتيجية نفسها في التحكم بمصائر المنطقة، فان
الوقائع الواضحة الدلالة تفضح مناورات تجميل الوجه البشع للسياسة
الاميركية. فالمحافظون الجدد استعادوا مواقع هامة في مراكز القرار
داخل الادارة الاميركية؛ وهم ينسقون مع الحكومة الاسرائيلية لفرض
السياسات البوشية نفسها تحت ادارة اوباما، واللوبي الصهيوني الضاغط
في الكونغرس الاميركي يدفع باتجاه مقايضة الموافقة على الخطة
الصحية لاوباما بالتسليم الكامل بتوجهات الحكومة الاسرائيلية حول
القضية الفلسطينية. ونرى في هذا السياق المزيد من الدعم والتأييد
الفعليين من الادارة الاميركية لمواقف حكومة نتانياهو – ليبرمان ؛
وعلى رغم التصريحات الشكلية من حين الى اخر من قبل هذه الادارة حول
وقف الاستيطان ومسألة القدس، الا انها لم تحرك ساكناً حول استمرار
اسرائيل في بناء الاف الوحدات الاستيطانية الجديدة وحول رفض
الصهاينة تطبيق القرار ١٩٤ المتضمن حق العودة للاجئين.
وهكذا تستمر اسرائيل في تصلبها اتجاه القضية الفلسطينية، وتنفذ
بوتيرة متسارعة بناء المستوطنات الجديدة في القدس الشرقية والضفة
الغربية، وتواصل الحفريات تحت المسجد الاقصى في القدس، وتطرد مئات
العائلات الفلسطينية من القدس وتهدد بطرد مئات الالوف من الاراضي
المحتلة عام ١٩٤٨ وتهدم المازل وتدمر البساتين والاراضي الزراعية .
كما لم تتوقف عمليات القصف والقتل والاعتقال بحق المدنيين في غزة
والضفة العربية. وتعلن الحكومة الاسرائيلية بشكل ساخر عشية زيارة
الموفد الاميركي جورج ميتشل للمنطقة ان لا حل مع الفلسطينيين الان.
في المقابل تقدم السلطة الفلسطينية التنازلات، الواحد تلو الاخر،
في ظل استمرار الصراع الداخلي والانقسام الفلسطيني الذي تؤججه
الادارة الاميركية والدول العربية "المعتدلة" السائرة في ركاب
السياسة الاميركية في المنطقة، ومنها مصر على وجه الخصوص.
في موازاة ذلك، تقوم بعض الدول العربية بتموضعات جديدة حماية
لمصالحها ولتجميع الاوراق بغية الاستفادة اللاحقة. فالقمة السعودية
– السورية جاءت كمحاولة لتدوير الزوايا في التناقضات القائمة بين
البلدين؛ وتركيا تحاول تعزيز وجودها السياسي في المنطقة، تقوية
لموقعها التفاوضي مع الغرب حول دورها المستقبلي ضمن الاتحاد
الاوروبي؛ أما ايران، فتستفيد من اوراق دعمها لبعض الاطراف
الاساسية المقاومة من أجل تحسين شروط التفاوض مع الغرب حول نشاطها
في مجال الطاقة النووية. وفي سياق كل هذه التطورات في المنطقة
تتعمق ازمة الحلف الاطلسي في افغانستان وباكستان، وتقع يومياً
الخسائر في صفوف الجنود الاميركيين والاوروبيين، ويخضع اوباما
لضغوط وزارة الدفاع والجيش ويقرر ارسال المزيد من القوات الأميركية
والأطلسية ليصل العدد الى ٦٠ الف جندي.
٣.تقرير القاضي غولدستون
في خضم هذه التطورات، لا بد من الاشارة الى الصفعة التي تلقتها
الحكومة الاسرائيلية المدعومة من الادارة الاميركية عبر اقرار مجلس
حقوق الانسان التابع للامم المتحدة تقرير القاضي غولدستون الخاص
بالعدوان الاسرائيلي الوحشي ضد المدنيين في غزة ؛ وادان المجلس
بوضوح اعمال القتل الاسرائيلي واعتبرها جرائم حرب وجرائم ضد
الانسانية. ورغم الفضيحة التي شكلها الموقف الرسمي الفلسطيني
الداعي الى تأجيل نقاش التقرير المذكور والذي اثار غضب الفلسطنيين
على نطاق واسع، عادت لجنة حقوق الانسان واقرت تقديم التقرير الى
ااجمعية العامة للأمم المتحدة. من هنا، تأتي الدعوة الى الأحزاب
الشيوعية والعمالية العالمية والى القوى التقدمية والديمقراطية في
العالم اجمع للتحرك لدى حكوماتها من أجل التصويت لصالح تقرير
القاضي غولستون؛ هذا، اضافة الى دعوتها لتطوير حملاتها من أجل عزل
اسرائيل ومقاطعتها واقامة الشكاوى القضائية ضد قادتها، كمجرمي حرب.
كما ان الاحزاب الشيوعية واليسارية في العالم مدعوة لمضاعفة
تضامنها مع نضال الشعب الفلسطيني لاستعادة حقوقه الوطنية ومطالبه
المشروعة، وفي مقدمها حق العودة واقامة الدولة الفلسطينية
المستقلة وعاصمتها القدس، ولدعم نضال شعوب لبنان والعراق وسوريا من
أجل تحرير أراضيها المحتلة.
٤.تعمق الأزمة الداخلية اللبنانية
ان الازمة الداخلية في لبنان تتعمق في كل الميادين السياسية
والاقتصادية والاجتماعية . فبعد خمسة اشهر على الانتخابات
النيابية، لم يستطع الرئيس المكلف تشكيل حكومة جديدة، السيد سعد
الحريري، انجاز مهمته، انطلاقاً من تضافر العوامل الخارجية مع
العوامل الداخلية المعيقة. فالطبقة السياسية اللبنانية بكل أطرافها
(وسعد الحريري أحد هذه الأطراف المؤثرة) في الأكثرية النيابية
والمعارضة، تتخبط ضمن أزمة نظامها السياسي الطائفي وترهن قرارها
للقوى الخارجية، من دول عربية وأوروبية، وخاصة الادارة الميركية.
فمساعد وزيرة الخارجية الاميركية، السفير السابق في لبنان جفري
فيلتمان، والسفيرة الحالية ميشال سيسون يضغطان بقوة على الاكثرية
النيابية لتشكيل حكومة اللون الواحد، اي اقصاء المعارضة من الحكومة
الجديدة، . ويهدف ذلك الى خلق تشكيلة في الحكم تنسجم بشكل كامل مع
اعادة احياء خطة قديمة لاقامة قاعدة عسكرية اميركية في شمال لبنان،
ناهيك عن الخطة الاميركية في المنطقة والتي عادت الى الحياة مع
مشروع جورج ميتشل، في وقت تحاول الاقلية النيابية، بالاستفادة من
الدعم السوري-الايراني، وخاصة بعد التوافق السوري-السعودي، الضغط
لتحسين حصتها داخل الحكومة.
وتستغل الحكومة الاسرائيلية هذه الاوضاع لتصعيد حملاتها العدوانية
ضد الجنوب اللبناني وتزداد تهديداتها المتعلقة بشن حرب على لبنان
لتصفية المقاومة فيه. فالجيش الاسرائيلي يخرق كل يوم السيادة
اللبنانية والقرار ١٧٠١ وسجلت قوات اليونيفيل ٣٥ خرقاً اسرائيلياً
خلال الشهر الاخير، لعل أخطرها اكتشاف اجهزة تنصت مزروعة حديثاً في
بعض الوديان داخل منطقة عمل اليونيفيل ومربوطة بمقرات عسكرية عدوة.
هذا، اضافة الى ان الحكومة الاسرائيلية لم تسلم حتى الان سوى جزء
من خرائط الالغام والقنابل العنقودية التي رمتها ابان عدوانها في
العام ٢٠٠٦ والتي لا تزال تفتك بالمدنيين، ولاسيما الاطفال
والمزارعين، وذلك خلافاً لقرارات الامم المتحدة.
٥.بعض المؤشرات الاقتصادية الاجتماعية
اذاً، ما تسعى الطبقة السياسية اليه هو مزيد من تحاصص مغانم السلطة
ومواردها المالية بين الاكثرية والمعارضة، بينما تندفع البلاد،
نتيجة هذة السياسة، الى المزيد من التوترالأمني والتفجيرات الامنية
المتنقلة والتأزم الاقتصادي-الاجتماعي. يضاف الى هذه العوامل عامل
هام اخر، هو عامل الازمة العالمية التي اخذت تترك بصماتها على
لبنان، حيث اعلنت عشرات المؤسسات الصناعية عن افلاسها، وازدادت
معدلات التضخم، واتسعت البطالة بين الشباب مع عودة الاف اللبنانيين
العاملين في دول الخليج وغيرها من الدول بسبب تسريحهم من العمل.
أما بعض المؤشرات من الدراسات التي تم نشرها في الشهر الفائت تظهر
ان الوضع الاقتصادي الاجتماعي لمعظم اللبنانيين ما زال يتفاقم
بينما زعماء الطوائف يتصارعون على غنائم ما يريدون خصخصته من
ادارات وخدمات ويتنافسون على وزارات لكي يستعملوها كمؤسسات خيرية
توزع مساعدات ووظائف على اتباعهم.
وترتفع الاسعار في السوق المحلية مع بروز ظاهرة عدم تأثير العرض
والطلب على الأسعار في السوق المحليّة بسبب وجود مجموعة عوامل
تتحكم في أسعار السلع؛ من أبرزها ١. الاحتكارات، ٢. غياب قانون
للمنافسة، ٣. سيطرة الفساد السياسي، ٤. وجود رسوم خيالية على بعض
السلع والخدمات، وخاصة المحروقات والسيارات والاتصالات، فيما لبنان
يستورد أكثر من ٨٠% من استهلاكه، ٥. تضخّم الودائع المصرفية
والسيولة، ٦. غياب دور الدولة المنظّم للسوق عبر إجراءات الدعم أو
الحماية أو تحديد الأرباح لبعض السلع، ولا سيما أن كلفة الطاقة هي
الأعلى في المنطقة. ومن هذا المنطلق تظهر نتائج مؤشر المستهلك-
للفصل الثالث ٢٠٠٩، أن المعدل التراكمي لارتفاع السلع الأساسية
التي يشملها المؤشر قد بلغ ٣٨.٨% منذ تموز ٢٠٠٦. ويؤكد هذه
الظاهرة المؤشّر الدوري الصادر عن إدارة الإحصاء المركزي لشهر
أيلول حيث نرى أن أسعار السلع الغذائية والمواد الأساسية لا تزال
مرتفعة في لبنان، على الرغم من انخفاض أكلاف الإنتاج في جميع دول
العالم، وتراجع أسعار المواد الأولية. وبحسب هذا المؤشر، فقد واصلت
أسعار بعض السلع والخدمات الأساسية ارتفاعها، وكانت الإيجارات
القديمة والجديدة الأكثر ارتفاعاً، إذ ارتفعت ١١٫٢% كما ارتفعت
أكلاف التعليم ٤٫١% بذريعة ارتفاع الحد الأدنى للأجور.
بالاضافة الى ذلك يفيد دليل التنمية البشريّة الصادر عن برنامج
الأمم المتّحدة الإنمائي لسنة ٢٠٠٩ تراجع لبنان ٣ مراتب، وحلّ في
المرتبة ال ٨٣ بين ١٨٣بلداً. وإذ بقي في مجموعة الدول التي تعدّ
ذات "مؤشّر تنمية بشرية مرتفع"، إلا أنّه البلد الأخير في هذه
المجموعة، وقد ينزلق بسهولة إلى مجموعة البلدان ذات مؤشرات التنمية
البشرية المتوسّطة.
ومع عدم وجود اي سياسة للدولة لمكافحة البطالة والحد من الهجرة
تنمو ظاهرة ملفتة هي ارتفاع عدد النازحين والمهاجرين إلى لبنان
(بداعي العمل والاستقرار) من ١٥١ ألف نسمة في عام ١٩٦٠ إلى ٧٢١ ألف
نسمة في عام ٢٠٠٥، ممثّلاً ١٨% من عدد السكّان الإجمالي بحسب
التقرير المذكور. ويتوقّع التقرير أن يرتفع الرقم بحلول عام ٢٠١٠
إلى ٧٥٨ ألف نسمة، ما يعني أن معدّل النموّ سيبلغ خلال ٥٠ عاماً
٤٠٠%، فيما معدّل النموّ السنوي يبلغ ٣,٥%.. هذا يحصل في ظل نموّ
هجرة اللبنانيّين من لبنان لتصل بين عامي ٢٠٠٠ و ٢٠٠٢ الى ١٣% من
عدد السكّان. اذاً كالعادة نجد هذه الطبقة السياسية المفلسة
تستورد اليد العاملة الرخيصة خدمة للأثرياء ومشاريعهم بينما تمارس
سياسات تؤدي الى هجرة اللبنانيين من فقراء وذوي دخل محدود ودخل
متوسط – كل هذا يحصل باسم الدفاع والذوذ عن المواقع والحصص الضيقة
المذهبية الطائفية – لكنه في التحليل الاخير هؤلاء الزعماء لا
يدافعون سوى عن مصالح أغنياء طوائفهم ومذاهبهم على الطريقة
الليبرالية في الاقتصاد؛ طريقة تاتشر وريغان؛ التي تؤمن ان نمو
ثروة الاغنياء سيؤدي الى نضيض القليل القليل من هذه الثروة نحو
الفقراء!
ويمتد عجز الدولة وعدم مبالاتها ليشمل قطاعات الاقتصاد المنتجة
التي يعتمد عليها السكان الفقراء المهمشين في المناطق الريفية ذي
درجة التنمية المتدنية. فنجد على سبيل المثال في قطاع الزراعة أن
الصيف اختتم بأمطار غزيرة قضت على ٧٠ في المئة من مواسم الفاكهة
والتبغ وغالبية أنواع الخضروات في منطقة البقاع، إذ انهمرت أمطار
غزيرة على امتداد سهل البقاع، مسبّبةً خسائر فادحة ستضاف إلى
فواتير الأيام المقبلة على المزارعين، من متطلّبات فصل الشتاء مثل
المدارس والمازوت. وهنا نسأل متى ستبدأ الدولة الاعتناء بفقراء
هذا الوطن وتمارس سياسات وقائية لحمايتهم من هذه الظواهر التي
تتكرر كل سنة.
وتحصل عملية الفقر والتهميش هذه في ظل تخطيط الدولة الوقح لسلب
الفقراء تقديمات الضمان الاجتماعي حيث ما يعد اليوم من مشاريع لخفض
التقديمات وزيادة الاشتركات على العمال ما هي الا سلسلة في هذه
الحلقة التي بدأت بوقف مساهمة الدولة وعدم دفعها لديونها المقدرة
بحوالي الف مليار ليرة من ثم خفض الاشتراكات بنسبة ٥٠ في المئة
لفرعي المرض والامومة على اصحاب العمل مما ادى الى عجز يتم سده عبر
اموال نهاية الخدمة خلافا لنص المادة ١٧٩ من النظام المالي. امام
هذا الانهيار الدراماتيكي للضمان الاجتماعي، والذي ما زالت مؤشراته
نزولا حتى وصلت اليوم الى تحميل المضمون اعباء اضافية، عبر اقتراح
يرمي إلى خفض مساهمة الصندوق في فاتورة الأعمال الطبية داخل
المستشفى إلى ٧٥ في المئة، وفرض مبلغ مقطوع بقيمة ٢٠ ألف ليرة
شهريا عن كل من والدي المضمون إذا كانا على عاتقه وذلك بهدف معالجة
الخلل المتعاظم بالتوازن المالي على حساب المضمون.
وتحصل كل هذه الاساءت الى فقراء لبنان، وشعبه بجميع فئاته بشكل
عام، في ظل تفاخر السلطة (الممثلة بالموالاة والمعارضة في الحكومة)
بانجاز واحدٍ وحيد ألا وهو تدفق الاستثمارات الى بنوك الاغنياء!
ولكن حتى هذا التدفق كان من الممكن استعماله بشكل أفضل بكثير
لتمويل عملية التنمية. فبحسب تقرير الاستثمار العالمي لسنة ٢٠٠٩
الذي قدّمه مؤتمر الأمم المتّحدة للتجارة والتنمية (UNCTAD)
أواخر الشهر الفائت عوضاً عن تطوير القطاعات الحقيقيّة تلجأ
الأموال الوافدة إلى لبنان على شكل استثمارات مباشرةً إلى الجوانب
الريعيّة، التي توفّر العائد الأعلى بالمطلق لكن الحيادي بالنسبة
إلى الاقتصاد الوطني. فحتى تقرير الامم المتحدة يتحدّث عن أهميّة
الإنتاج الزراعي والتنمية في تحويل الاستثمارات الأجنبيّة المباشرة
إلى رافعة حقيقيّة تحقّق تنمية في جميع الاتجاهات تقريباً، عوضاً
عن استفادة رأس المال من الارتفاع المستقبلي للأسعار العقاريّة،
إضافةً إلى حفنة من الملّاك الذين يتخلّون عن أرضهم مقابل مبالغ
يرى الشارون أنّها ستتضاعف مستقبلاً. وتجدر الإشارة إلى مسألة
أساسيّة تخصّ لبنان ومجموعة البلدان النامية. فعلى الصعيد الكوني
غيّرت الأزمة الماليّة صورة الاستثمار الأجنبي المباشر، بحسب
التقرير. ففيما سُجّل تراجع عالمي بنسبة ١٥% ارتفعت حصّة البلدان
النامية من ذلك الاستثمار إلى ٤٣% عام ٢٠٠٨. وتلك الاستثمارات
تُستغلّ في الزراعة والصناعة في باقي البلدان النامية لتزدهر فيما
تبقى محكومة بالعقار في لبنان! وهذا ما يوافق عليه أيضا تقرير صادر
عن مجلس الانماء والاعمار وممول من الاتحاد الاوروبي حيث يحدد من
أهم التحديات التي تواجه لبنان هو المحافظة على السيطرة على
الرأسمال القادم من الخارج لكن بدون التسبب في خسارة القدرة على
الانتاج الداخلي. وهذا التوازن من الصعب تحقيقه عندما يكون الدخل
الأتي من الخارج يقوم بعملية تمويل للاستهلاك المحلي مما يؤدي الى
ارتفاع الاسعار، ارتفاع كلفة الانتاج، وبذلك التخفيف من القدرة
الانتاجية للمنتوجات اللبنانية وبالتالي الحد من امكانية التصدير.
والحل اللذي تم تحديده (لكن لا يتم العمل به) هو في قدرة لبنان على
تحويل الفائض من هذه الاستثمارات الخارجية الى قطاعات انتاجية وليس
فقط الى تمويل عملية الاستهلاك. لكن هنا أيضاً نسأل من هي هذه
الحكومة التي تقول انها تمثل الشعب اللبناني – هذه الحكومة التي لا
تقوم بتنفيذ مقترحاتها هي كي لا تغضب اصحاب الاستثمارات الأتية من
الخارج! ما هي وظيفتها الحقيقية ومن هم أصحاب الاستثمارات والمصالح
التي تحاول حمايتهم على حساب افقار، تهميش وتجويع الشعب اللبناني
بكل طوائفه؟! ألم يحن الأوان بعد لفقراء لبنان ان يتّحدوا
ليواجهوها؛ فهذا هو خيارهم الوحيد للقمة عيش كريمة في وطنهم
المقطّع طائفياً ومذهبياً!
٦.تحرك الحزب الشيوعي
أن احتدام الازمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في لبنان دفعت
الحزب الشيوعي الى اطلاق حملة سياسية وحركات مطلبية، عمالية
ونقابية وشعبية، خلال الشهر السابق. ونفذ الحزب اعتصامات شعبية في
كل المناطق اللبنانية والعاصمة بيروت حول مطالب الغاء التقنين
الكهربائي وتخفيض الضرائب غير المباشرة والرسوم على المحروقات،
خاصة على أبواب الشتاء، اضافة الى شعارات مطلبية تتعلق بالاجور
والضمانات الاجتماعية والاقساط المدرسية وخلق فرص عمل للشباب
والتصدي للسياسات النيوليبرالية للطبقة الحاكمة.وقد شارك الالوف في
هذه التحركات التي ستتبعها اعتصامات وقطع طرق، وصولاً الى التظاهر،
مع توسيع البرنامج المطلبي ليطال فئات جديدة من المتضررين.
ويسعى الشيوعيون كذلك الى جعل احتفالات الذكرى ٨٥ لتاسيس حزبهم
محطة نضالية سياسية تحت شعار "الاصلاحات السياسية والديمقراطية"
والغاء الطائفية السياسية واقرار قانون عصري للانتخابات النيابية
والبلدية على اساس النسبية ؛ اضافة الى حملة وطنية لتعزيز المقاومة
الوطنية ضد العدوان الاسرائيلي وانهاء احتلاله لمزارع شبعا واطلاق
ما تبقى من الاسرى اللبنانيين في السجون الاسرائيلية. والى جانب
حملته السياسية يسعى الحزب الى جعل هذه الاحتفالات مناسبة لتطوير
النضالات النقابية والشعبية للدفاع عن مصالح الشغيلة والفئات
الشعبية، الى جانب تنمية وتعزيز الثقافة الوطنية ودعم المثقفين.
لجنة الاعلاقات الخارجية
للحزب الشيوعي اللبنلني
بيروت في ١٨ تشرين الاول ٢٠٠٩ |