د. محمد علي مقلد لمجلة ( الشراع) في ذكرى تأسيس الشيوعي

التجربة ماتت ونبحث عن ماركس جديد

*نناضل من أجل اشتراكية من نوع آخر وعلينا قراءة ماركس بعيون غير سوفياتية
*
سقط الاتحاد السوفياتي، فسقطت القضية ووقع الحزب بالتفكك
*
الوحدة الوطنية هي قوة لبنان بوجه إسرائيل والحفاظ عليها لا يكون إلا ببناء الدولة
*
قيادة الحزب عاجزة وقاصرة ومارست قمعاً لا يمارسه إلا الفاشيون.

 

الدكتور محمد علي مقلد من قياديي الحزب الشيوعي اللبناني سابقاً، ومن أبرز المفكرين الشيوعيين حالياً، على اعتبار انه خرج من صفوف الحزب الرسمي، معترضاً ومعارضاً قيادته القاصرة كما يقول عن إيجاد الحلول لأزمات الحزب، والعاجزة حتى عن الحفاظ على وحدته.
((
الشراع)) التقت د. مقلد وأجرت معه الحوار التالي في الذكرى 85 لتأسيس الحزب.
#
أين موقع الحزب الشيوعي اليوم على الخارطة السياسية؟
-
الحزب الشيوعي اليوم على هامش الحياة السياسية في لبنان، مع الإشارة إلى ان البلد بحاجة إلى يسار، ودائماً يحلو لي أن أردد كلمة قالها المرحوم الصديق جوزف سماحة، وفيها: ((هذا البلد بحاجة إلى يسار ولا يمكن لليسار أن يُبنى بدون الحزب الشيوعي، في لبنان، لكن للأسف لا يمكن لليسار أن يُبنى بهذا الحزب الشيوعي)) فالحزب في أزمة وطبعاً ليس وحده، إنما هناك أزمة لدى جميع الأحزاب والقوى السياسية اليسارية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وانهيار حركات التحرر الوطني في العالم العربي، فكل الأحزاب في أزمة، بعضها اعترف بها وظهرت أعراضها عليه، وبعضها لم يعترف، والحزب الشيوعي من الاحزاب التي اعترفت بوجود أزمة وحاول أن يقرأ بعين نقدية تجربته السابقة لكن هذه التجربة لم تكتمل وبدأ يتراجع سياسياً ما أوصله إلى نوع من التفكك بسبب انفكاك الشيوعيين عن القضية، إذ ان القضية التي كان يناضل من أجلها الشيوعيون لم تعد موجودة.
#
ما هي هذه القضية؟
-
النضال من أجل الاشتراكية، هذه القضية الأم أو العمود الفقري لكل نضالات الشيوعيين، إذ كنا نعتقد ان العصر هو عصر الانتقال إلى الاشتراكية، وعليه كانت كل خططنا واستراتيجياتنا تُبنى على ذلك الأساس، أو العمود الفقري الذي انبنت عليه أيضاً مجموعة من النضالات القومية والمطلبية والنضالات من أجل تحقيق الديموقراطية والعدالة والاصلاح السياسي وقيام حكم وطني ديموقراطي يُفسح في المجال أمام الانتقال إلى الاشتراكية الخ.. إذن تلك هي القضية الأساسية التي من أجلها بنيت من ناحية أخرى سياسات واستراتيجيات تكتيكية وعلى رأسها بناء التحالفات في سبيل تحقيق الاشتراكية على أساس أن نتحالف مع من لهم مصلحة في بناء الاشتراكية، وان نتقاتل مع من لا مصلحة لهم ببنائها وذلك من منطلق الانقسام بين معسكرين، الرأسمالية والاشتراكية في العالم، وهذا التصنيف للانقسام لسنا نحن في الحقيقة من حدده، ولكن الاتحاد السوفياتي في نظرته إلى الصراع الدولي، وبناء على ذلك كان ينبغي أن يكون العدو الأساسي الولايات المتحدة الأميركية باعتبارها رأس الامبريالية، ولكن حين انهار الاتحاد السوفياتي فإن كل تلك المقولات النظرية والفكرية والسياسية سقطت، وحل بالحزب الشيوعي ما حل كمن يتكىء بظهره إلى حائط فحين يسقط الحائط يسقط معه، فأصيب الحزب بارتباك نتيجة غياب القضية، وقد عبّر عن هذا الارتباك في تلك المرحلة بانطلاق الجدل حول العلاقة بسوريا والعلاقة بالحلفاء وبالنظام اللبناني وبالمقاومة، هل نستمر بها أم لا نستمر الخ.. وكل ذلك كان تجليات للخلل أو للمشكلة الأساسية وهي ضياع القضية.
#
ضياع القضية يعني موت الاشتراكية؟
-
مات القسم المحقق منها، أي ان التجربة المحققة قد ماتت، والمقصود بالتجربة المحققة ما جرى تجسيده عملياً من نظرية ماركسية، لكن الفكرة لم تمت، فالذين ناضلوا من أجل الاشتراكية هم من سلالة كل الذين ناضلوا ويناضلون وسيستمرون في النضال من أجل قيمة انسانية، هي العدالة الاجتماعية، ومحاربة الظلم، فماركس وضع ترجمة علمية لذلك النضال، وهو الاشتراكية العلمية، غير ان التجسيد لهذه الاشتراكية قد سقط، لكن فكرة النضال من أجل العدالة لم تسقط ولن تسقط وعلى البشرية اليوم أن تعيد قراءة ماركس لربما تحصّل لدى من يقرأه مرة أخرى بغير العين السوفياتية صورة جديدة للاشتراكية، وساعتئذٍ نقول اننا نناضل من أجل اشتراكية من نوع آخر.
#
الخطأ أو الفشل في التجربة ألا يعكس خطأ في النظرية أو الفكر؟
-
هناك شيء اسمه نضال فكري نظري، وشيء آخر يتعلق بنقل الفكر إلى الحياة، واسمه الممارسة، وبين الاثنين يوجد ما سماه المفكر حسن حمدان الممارسة النظرية، فالاشتراكية فكرة مجردة، ولا بد من نقلها إلى حيز التطبيق النظري أولاً ومن ثم إلى حيز التطبيق العملي فمثلاً قال ماركس ان المشكلة هي في الملكية الخاصة لوسائل الانتاج، فما هو الحل؟ الحل هو بإلغاء الملكية الخاصة، فذلك هو القسم النظري للفكرة، ولكن كيف تُرجم نظرياً؟ تُرجم بإلغاء الملكية الخاصة لوسائل الانتاج، وحين تم الانتقال إلى الممارسة العملية لم تنجح التجربة الاشتراكية في هذا الإطار، ولعل البشرية مطالبة مستقبلاً بالبحث عن الترجمة الناجحة للنظرية، أو عن قراءة جديدة لماركس، فمعظم الذين قرأوا ماركس للأسف لم يقرأوه من أمهات الكتب ولكن من خلال عيون سوفياتية أو صينية، فعلينا أن نقرأ تلك التجربة بعيوننا نحن، وانطلاقاً من حياتنا وواقعنا وماركس قدّم منهجاً أكثر مما قدم أفكاراً ثابتة، قدم طريقة للتفكير تسمح للبشر بتطوير حياتهم وأفكارهم بما في ذلك النظرية الماركسية التي يستندون إليها.
#
إذن برأيك المنهج لم يسقط سقطت التجربة؟
-
لم يسقط المنهج، وبالعكس فكلما مضى النظام الرأسمالي بالانهيارات تأكدت أكثر نظرية ماركس، وقد قرأنا جميعاً الأخبار التي تحدثت، بعد الأزمة المالية العالمية الحالية، عن فقدان ونفاد كتب ماركس من الاسواق الأوروبية كلها، وبشكل خاص كتاب رأس المال، فالناس عادوا ليبحثوا عما قاله وتنبأ به ماركس منذ حوالى المئة سنة.
#
لكن ماركس تنبأ بانتصار الاشتراكية وسقوط الرأسمالية؟
-
هذه الاشتراكية ليست هي التي حلم بها ماركس، وعلينا نحن أن نتابع حلمه ونفكر في الوصول للاشتراكية، وهذه مهمة كل الفكر البشري، أن يحاول بلورة نظرية انطلاقاً من فكر ماركس، وبأن يُنتج ((ماركس)) جديداً إذا صح التعبير، وبأن يشحذ الهمم بحثاً عن الاخطاء التي ارتكبت، ونحن اليوم أحوج إلى ماركس من ذي قبل لأن الأيام تؤكد ان التجربة الرأسمالية التي استطاعت أن تقدم انجازات هائلة للبشرية، عجزت من جهة أخرى عن تقديم حلول لأزمات كثيرة، فهي بحاجة إلى نظرية تستكمل انجازاتها بحل أزماتها.
#
هل ترى ما يراه بعضهم بأن الأزمة المالية العالمية الحالية دلالة على بدء انهيار الرأسمالية؟
-
لا طبعاً، فالرأسمالية لديها القدرة على تجديد نفسها، وقادرة على تجاوز أزماتها عبر افتعال مشاكل وحروب بين البشر، فيتم إلغاء شعوب أو دول، أو افتعال مشاكل دولية كما هو حاصل اليوم فيما يسمى الملف النووي الإيراني، في حين ان المشكلة ليست هنا، المشكلة ان في العالم اليوم مليار جائع، فليست المشكلة في ان إيران تريد امتلاك سلاح نووي، فالاتحاد السوفياتي كان يملك ما يكفي من القنابل النووية لكنه سقط!! القنبلة النووية لا تحل مشكلة بلد يعاني من أزمات داخلية اقتصادية أو إنمائية أو غير ذلك، ولا التعامل الغربي بهذا الأسلوب المتبع مع الآخرين يحل الأزمات، فالنظام العالمي الرأسمالي يفتعل المشاكل لصرف النظر عن الأزمات الأساسية وليكون بمقدوره التجديد لنفسه، ولذلك أقول ان التمنيات أو الاحلام التي راودتني وراودت أجيالاً كثيرة، هي نفسها التي تحفّز اليوم أجيالاً جديدة لأن يكونوا في موقع اليسار المعادي للامبريالية والمؤيد للاشتراكية، بدون أي تحفيز ايديولوجي أو تثقيف حزبي.
#
بالعودة إلى واقع الحزب الشيوعي اللبناني اليوم، أنت تحدثت عن وجود أزمة جعلته على هامش الحياة السياسية، فما هي سبل الخروج منها برأيك؟
-
في بداية أزمة الحزب في مطلع التسعينيات، قمت بدعوة من رئيس المجلس الوطني نديم عبد الصمد، بإلقاء محاضرة تضمنت مقترحات لحل أزمة الحزب، وقد تركزت على فكرة أساسية تقول إذا كانت مشكلة الحزب كسائر الاحزاب الشيوعية في العالم، هي الاعتقاد الخاطىء بأننا في عصر الانتقال إلى الاشتراكية، وجاء انهيار الاتحاد السوفياتي ليقول لنا اننا لسنا في عصر الانتقال إلى الاشتراكية، أو على الأقل ان هذا العصر بات مؤجلاً، وعليه يجب أن نعيد قراءة تجربتنا، وأول درس نستخلصه اننا دخلنا في عصر آخر، فما هو هذا العصر، هو عصر التغيير من داخل الرأسمالية وليس تغيير الرأسمالية وعلينا أن نناضل من أجل هذا التغيير، طبعاً هناك من استمر متوهماً اننا ما زلنا في عصر الانتقال إلى الاشتراكية، واستمر يحلم بعودة الاتحاد السوفياتي واستمر متمسكاً بالستالينية، وهؤلاء سميناهم أصحاب الجمود العقائدي.
الدرس الثاني تعلمناه من لبنان والعالم العربي، حيث انهارت حركات التحرر الوطني، فهل يعني ذلك ان الشعارات التي ناضلنا في سبيلها كانت خاطئة؟ لا، فينبغي ان نناضل ضد هذا الظلم العالمي الذي تتزعمه الولايات المتحدة، ويجب أن نناضل اقليمياً وقومياً ضد الظلم المحلي الذي تمارسه اسرائيل، على الشعب الفلسطيني وسائر الشعوب العربية، لكن علينا ان نقول ان نضالنا السابق منذ الاربعينيات حتى العام 1990 قد فشل، لا بل كنا ننتقل فيه من هزيمة الى اخرى، فلم ننتصر مرة واحدة، وأقول حتى العام 1990، اذ لم نكن بعد قد انتصرنا في لبنان على اسرائيل، ولذلك علينا ان نعيد النظر في طريقة صراعنا مع العدو، فإذا كنا حاربناه مرات، وكل مرة كنا نصل الى انتصاره وهزيمتنا فعلينا اذن ان نغير في التكتيك وفي طريقة المواجهة.
اما الدرس الثالث فهو من لبنان، فإذا افترضنا ان الدول العربية التي قامت ما بعد الحرب العربية الثانية، هي حقاً دول قابلة للحياة، ومنها لبنان، واذا كنا نؤمن بذلك، ونؤمن بأن لبنان دولة قابلة للحياة فعلينا ان نبني هذه الدولة وهذا الوطن، وعلينا ان نعرف ان مصدر قوة لبنان، ضد اسرائيل هي في وحدته الوطنية اولاً، وقد تأكد ذلك لنا سنة 2000 بعد انسحاب اسرائيل من الجنوب وانتصار لبنان، فيوم تحرر لبنان من الاحتلال الاسرائيلي تحرر بفضل المقاومة ودعم الجيش والحكومة والاحزاب والمنظمات والهيئات الاهلية، كل الشعب اللبناني كان يقف وراء هذه المقاومة، فوحدة الشعب الوطنية هي الاساس، ويجب ترسيخها بين اللبنانيين وذلك لا يمكن ان يتحقق الا من خلال بناء الدولة التي تجسد سيادة الشعب على ارضه وعلى حدوده، ولذلك اذا كان لنا ان ننتصر على اسرائيل وعلى اميركا وعلى سائر من يتدخل في شؤوننا فان ذلك يفترض وجود وحدة وطنية لبنانية اي يفترض وجود دولة ينتمي اليها الجميع..
#..
كيف يخرج الحزب الشيوعي من ازمته برأيك؟
-
شرط الخروج من الازمة هو ان يقرأ بعين نقدية تجربته السابقة بما فيها تجربته في حل أزمته، منذ التسعينيات الى اليوم، فهذه الفترة من ذلك التاريخ يجب ان تقرأ بعيون نقدية، لأن كل محاولات الخروج من الازمة خلالها قد فشلت، ومن جملة ما ينبغي ان تعاد قراءته هو ان قيادة الحزب الراهنة هي قيادة قاصرة عن معالجة الازمة، وهي لم تستطع الحفاظ حتى على وحدة الحزب، صحيح لم تحصل انشقاقات كبرى داخل الحزب وأنا ممن قاتل ضد حصول مثل هذه الانشقاقات، ولكن القيادة الراهنة مارست بحق الشيوعيين وبحق المبدعين منهم والمفكرين حالة من القمع لا يمارسها الا حزب فاشي، وهذا من غير طبيعة الفكرة الديموقراطية التي يحملها الحزب الشيوعي، وهذه القيادة التي لا تضع امامها الطموح لتوحيد اليساريين والشيوعيين، او انها وضعته موضع التنفيذ بطريقة خاطئة لا يمكن لها بالطريقة ذاتها ان توحد لبنان، ولتحقيق ذلك عليها ان تخرج من الاصطفافات القائمة، فهذه الاصطفافات فرضت علينا، وقد اخترنا نحن جزءاً منها كالذي سميناه الصراع الطبقي، فإذا كنا حريصين على بناء البلد، فعلى هذه الطبقات المتنافرة والتي هي الطبقة العاملة من جهة والطبقة البورجوازية من جهة اخرى ان تتفقا، من اجل المصلحة الوطنية، على بناء الوطن وان تختلفا على التفاصيل ولبناء الوطن لا بد من انجاز مهمة اساسية مركزية وهي بناء دولة القانون، ولكن ما نراه اليوم مما هي عليه اهتمامات الحزب، خاصة ونحن في الذكرى 85 لتأسيسه، ليس فيه ما يبشر او يدعو للتفاؤل، وما أتمناه على قيادة الحزب هو ان تسعى سريعاً لطرح شعار اعادة اللحمة بين الشيوعيين ولم شملهم وهذا غير ممكن اذا بقي الحزب ضيق الأفق والنظرة، وعاجزاً عن فتح آفاقه لاستيعاب كل اليساريين الآخرين خارج الحزب وكل الماركسيين الآخرين والديموقراطيين والعلمانيين، لأن لا احد في لبنان قادر على جمع ذلك الخليط البشري الواسع من كل الطوائف والمذاهب الا الحزب الشيوعي ولكن ليس هذا الحزب الشيوعي كما قال جوزف سماحة.
حوار احمد الموسوي

 

 

 

 
 
 
______________________________________________________________________________________________________________
 
 الصفحة الرئيسية | مقالات | دراسات | عمال ونقابات | كتابات حرّة | فنون وآداب | طلبة وشباب | المرأة | الأطفال | إتصل بنا
جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي


 الصفحة الرئيسية | مقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | طلبة وشباب | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

 

 

مقالات مختارة

صوت اليسار العراقي

صحيفة تصدرها نخبة من المثقفين والكتاب اليساريين العراقيين