الحزب الشيوعي.. أزمة أسئلة ومعضلة قيادة


 ماهر ابي نادر 

  

سلام لك يا شيخنا الجليل في عيدك الخامس والثمانين، سلام لواضعي اللبنات الأولى في بنيانك، سلام لكل الذين سقوا جذور سنديانتك الحمراء بالعرق والدماء، سلام لكل الذين رفعوا الراية ولم يستكينوا تحت قمع سلطة او بندقية محتل، سلام لكل الذين رحلوا وبقيت أصداء حناجرهم في التظاهرات المطلبية تتردد في شوارع بيروت وكافة المناطق اللبنانية دفاعاً عن لقمة عيش الفقراء ودوائهم وعلمهم وحريتهم.
وبعد السلام يأتي الكلام: لقد كانت اولى تداعيات هذا الزلزال على الحزب الشيوعي خروج امينه العام السابق الشهيد جورج حاوي من منصبه بالاستقالة، من دون مؤتمر تنظيمي ولا انقلاب ولا اغتيال على جري العادة في الاحزاب الشيوعية، ومع خروج حاوي فرط عقد المجموعة التي كانت تسمى بالقيادة التاريخية التي قادت الحزب منذ مؤتمره الثاني عام 1968 ونذكر منها كريم مروة وجورج بطل ونديم عبد الصمد وغسان الرفاعي، وهؤلاء جرّوا خلفهم مجموعة من الرفاق، منهم الى منازلهم ومنهم الى مواقع مخزية، الى جانب القوى البرجوازية الطائفية والمذهبية المرتبطة بالامبريالية العالمية (الولايات المتحدة) وحلفائها في الرجعية العربية، المسماة في زمن الردة هذا، قوى الاعتدال العربي، ومنهم من آثر البحث عن بديل في تأسيس حركة علمانية او يسارية مستقلة فانتهى به المطاف إما بالذوبان في المشاريع الطائفية او في التحلل والموت.
بقي الجسم الرئيسي للحزب يصارع اولاً حلفاء الامس، الذين اعتبروا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ان الحزب الشيوعي بات يتيماً وأنهم اصحاب الحق بالأبوة له، فعملوا في جسمه تقطيعاً بعد ان تعذر عليهم فرض أبوتهم على كامل الجسم بالقوة حيناً، وبالرشوة الفردية في كثير من الاحيان. وبقي هذا الحزب ايضاً يصارع نفسه بين تيارات منها من يريد ان يجذبه ذات اليمين البرجوازي المتمثل بالحريرية الاولى، ومنهم من يريد ان يجذبه نحو منطق يساري متطرف، ستاليني الشكل والمضمون.
وفي خضم هذه المعمعة الداخلية التي كانت تعصف بالحزب من كل حدب وصوب كان لبنان ايضاً يعيش تطورات سياسية تاريخية، بعضها كان له بعده المضيء كالانسحاب الاسرائيلي من جنوب لبنان تحت ضربات المقاومة بعد 22 عاماً من الاحتلال، والبعض الآخر كان اقرب الى الزلزال كاغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري وما تلاه من تداعيات، لا زلنا نشهد تواصل فصولها حتى اليوم بانقسام مذهبي وطائفي حاد في المجتمع يعبر عنه بقوى 8 و 14 آذار.
وجاء المؤتمر التاسع قبل خمسة أعوام ونيف ليثبت رؤية جديدة للحزب تحاول ان تجعل تموضعه في منطقة ضيقة ما بين طرفي الصراع، وقد اطلق المؤتمر على هذه المنطقة اسم «الخيار الثالث». وكي لا نمارس عملية جلد للذات فقد جهدت القيادة التي انتخبها المؤتمر التاسع للحزب ان تظهر هذا الموقع/الخيار على الارض عبر سياسة جعلتها تسير في حقل ألغام، فأغضبت قوى 14 آذار ولم ترض قوى 8 آذار ولم تستطع ان تبني تحالفاً يسارياً او علمانياً مستقلاً تتشارك معه في المبادئ والأهداف وخطط العمل.
[[[
انه امر طبيعي ان تحارب القوى الطائفية الحزب الشيوعي، ولكن ما ليس طبيعياً ان يعجز الحزب الشيوعي عن استقطاب شخصيات وقوى يسارية (كبر حجمها ام صغر) الى برنامج الحد الأدنى الجامع فيما بينها. المحاولة اليتيمة التي قام بها الحزب الشيوعي لاستقطاب قوى وشخصيات اليسار جاءت قبيل عام ونيف، وكانت ناجحة جداً، لكنه سرعان ما اجهضها عندما تفرد في اتخاذ القرار بخوض الانتخابات البرلمانية الأخيرة وفق قانون انتخابي متخلف وبطريقة اثبتت فشلها، ما سبب هذا العجز عن استقطاب قوى اليسار؟ لم يصدر الحزب الشيوعي مقررات مؤتمره العاشر الذي عقد في الربيع المنصرم حتى يعرف جمهور الحزب الجواب على هذا السؤال، ولكن من خلال اطلاعي على النقاشات التي دارت في المؤتمر فإن الحزب لم يقارب هذه الناحية بطريقة موضوعية.
ان هذه القراءة السريعة تهدف الى القول إن الانقسام المذهبي الذي تعيشه البلاد يشير اليوم اكثر من اي وقت مضى الى ضرورة وجود الحزب الشيوعي كقوة علمانية ديموقراطية وطنية عروبية تدافع عن مصالح الفئات الشعبية، في مواجهة جشع الرأسمالية المتوحشة الزاحفة على لقمة العيش والدواء والكتاب المدرسي وضمان الشيخوخة والتقاعد وكل المكتسبات التي حققتها نضالات الأقدمين من ابناء شعبنا وحركته الوطنية والديموقراطية.
وفي هذا الاطار لفتتني مقالة للرفيق فواز طرابلسي قبل اسبوع في صحيفة «السفير» بعنوان «ما خصني» حيث قدم وصفاً مشهدياً درامياً لمقتل المواطن اللبناني جورج ابو ماضي في عين الرمانة، وكيف كان يصرخ ابو ماضي في وجه من كانوا يطعنونه «ما خصني»، وللحقيقة يا رفيق فواز أننا كلنا تقاعسنا عن الدور الذي يجب ان نلعبه لمواجهة هذه الرقصة الهمجية حول نيران الطائفية والمذهبية. ونحن بتقاعسنا عن مواجهة القوى الطائفية نصبح شركاء لها في جرائمها بحق الوطن والمواطنين.
[[[
صحيح ان الحزب الشيوعي هو الجسم اليساري الأكبر في لبنان، ولكنه لا يملك وكالة حصرية غير قابلة للمساءلة، وأنا وبكل فخر واعتزاز ابن هذا الحزب، كنت وسأبقى، وإن لم احمل بطاقة عضوية، فلي فيه اكثر من ثلاثة عقود ونصف العقد من عمري الماضي، ولي فيه كل احلامي ببناء مستقبل زاهر لأبنائي فكيف لا أسائله وأحاسبه؟
الأسئلة التي تواجهنا كثيرة ومعقدة وشائكة ولكن القادة التاريخيين يبرزون في الظروف الاستثنائية برؤاهم الاستثنائية، اول هذه الأسئلة كيف يمكن ان تكون علاقة قوى اليسار مع المقاومة وهي باسمها كما بتركيبها التنظيمي مقاومة طائفية ومذهبية؟ فمن جهة نحن حكماً ضد الولايات المتحدة وربيبتها اسرائيل ومع كل القوى التي تحارب هذا الحلف، ومن جهة اخرى لا يمكن لنا ان نكون جنباً الى جنب مع قوى مذهبية وطائفية؟
ثاني هذه الأسئلة، إن قوى اليسار تتوجه الى جمهور العمال والفلاحين كطبقة اجتماعية مضطهدة ومهدورة الحقوق، هل لا زال في لبنان طبقة عمال وفلاحين في ظل وجود هذا العدد الهائل للعمال الاجانب؟ ومن هي بدقة الفئة او الطبقة الاجتماعية التي تدافع قوى اليسار عن مصالحها؟
ثالث هذه الأسئلة، هل لا يزال الاقتصاد الموجه والمدار من مؤسسات الدولة هو الشكل الأمثل للعدالة الاجتماعية في بلدنا؟ ام الاقتصاد المختلط بين الخاص والعام ام ان هناك رؤية جديدة تناسب خصوصية الوضع اللبناني؟
رابع هذه الأسئلة، من هم حلفاء قوى اليسار الاقرب؟ هل من فرصة للتقارب والتعاون مع بعض من هم في السلطة؟ وعلى اية اسس؟
وخامس هذه الأسئلة، نحن مع قضية فلسطين وعودة الحق لأصحابه ولكن الفرز الذي تشهده القوى الفلسطينية يشبه الى حد بعيد ذلك الذي نشهده في لبنان، فالقوى التي تحارب المشروع الصهيوني تتقدمها القوى الطائفية، فيما الديموقراطية منها واليسارية تعاني ضموراً حاداً، فكيف يجب ان تكون علاقتنا كيسار بهذه القوى الطائفية التي تقبع معنا في الخندق الواحد في مواجهة العنصرية الاسرائيلية والعنجهية الامريكية؟
وسادس هذه الأسئلة، ما هو الدور الذي يمكن ان نلعبه لاستنهاض قوى اليسار العربي التي تعاني، كل في ساحتها، من مشاكل مختلفة ومتنوعة؟
قد يبدو لأول وهلة ان بعض هذه الأسئلة بديهي او ساذج ولكننا مطالبون ان نبدأ نقاشنا من مكان ما بعد ان عجز الحزب الشيوعي منفرداً عن الإجابة او عن ترجمة إجاباته في سياسة واضحة.
اليك يا رفيق فواز ويا رفيق سليمان تقي الدين ويا رفيق كميل داغر ويا كل الرفاق اليساريين خارج صفوف الحزب الشيوعي دعوة، لأن تعلقوا جرس المحاسبة والمساءلة وتقرعوه في وجه قيادة الحزب ومعها. لقد آن الأوان لنا نحن قوى اليسار ان نعزز النقاش مع الحزب الشيوعي وقيادته بمعزل عن أخطائها، الجسيمة أحياناً، من اجل وضع برنامج الحد الأدنى الجامع فيما بيننا، آن لنا ان ننهض معاً من اجل رفع سكين الطائفية عن شعبنا، آن لنا ان نوسع نقاشنا ونقرنه بالعمل فلم يعد يكفي شعبنا مقالة هنا او دراسة هناك تنظّر لضرورة قيام اليسار من كبوته، فكلنا معنيون بهذه القيامة وهي مهمة شاقة وقاسية في هذه المرحلة بالذات ولكنها ضرورية جداً وتشكل حاجة ملحة لإنقاذ وطننا اولاً وللحفاظ على من تبقى من شعبنا فيه بسبب تعذر حصوله على تأشيرة هجرة من السفارات.
إن الشيوعيين مطالبون اليوم أن يقدموا نموذجاً جدياً لشعبنا في المحاسبة، فما الفرق بينهم وبين قوى السلطة ان لم يستطيعوا ان يخلقوا آلية محاسبة جدية في الهيكل التنظيمي للحزب؟ أيها الرفاق في المكتب السياسي، ولمناسبة عيد الحزب، شكراً لكل ما حاولتم القيام به من اجل النهوض بالحزب، ولكن بعد فشلكم نقول لكم... «قُبلت استقالتكم» فاستعجلوها

 

/ السفير 30/10/2009                 .

 


 
 
 
 
 
 
 
 
______________________________________________________________________________________________________________
 
 الصفحة الرئيسية | مقالات | دراسات | عمال ونقابات | كتابات حرّة | فنون وآداب | طلبة وشباب | المرأة | الأطفال | إتصل بنا
جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي


 الصفحة الرئيسية | مقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | طلبة وشباب | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

 

 

مقالات مختارة

صوت اليسار العراقي

صحيفة تصدرها نخبة من المثقفين والكتاب اليساريين العراقيين