مقالات مختارة - صوت اليسار العراقي

مواضيع متنوعة

يا صبر أيوب

إحدى روائع
الشاعر العراقي عبد الرزاق عبد الواحد

إلى جوقة المنطقة الخضراء

     تمهلوا

 قصيدة بقلم شاعرها

حوار بين طفل فلسطيني و آخر يهودي

يحصل على جائزة أفضل كاريكاتير في أمريكا

مجرم الحرب دونالد رمسفيلد في

زيارة الى أحد الفنادق في واشنطن

مقطع من فيلم فيديو

____

فتى عراقي يفك رموز معادلة

 برنولي الرياضية

______

حول تقرير برنامج الامم المتحدة للبيئه

 لتقييم المناطق الملوثة في العراق 2005

لمصلحة من يتم تجاهل التلوث

 الاشعاعي في العراق؟؟

الجزء الأول

إعداد عزام محمد مكي

حول تقرير برنامج الامم المتحدة للبيئه

 لتقييم المناطق الملوثة في العراق 2005

لمصلحة من يتم تجاهل التلوث الاشعاعي

 في العراق؟؟

الجزء الثاني

إعداد عزام محمد مكي

________

كاريكاتير

ديمقراطية وحرية وسلام

 

 

 الصفحة الرئيسية | مقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | أرشيف الأخبار | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

  

مقالات في كتاب

الموازنة المائية في العراق

 وأزمة المياه في العالم

 

فؤاد قاسم الأمير

 

الفصل الثامن

8ـ العراق والقضايا العالمية المستجدة في المياه والري والزراعة

كما لاحظنا في الصفحات السابقة فلقد حدث نمو هائل في عدد نفوس العالم ومنذ منتصف القرن الماضي وحتى الآن، بما لا يمكن مقارنته بأية حقبة في تاريخ الجنس البشري. حيث ازداد عدد النفوس من (2.521) مليار نسمة في العام 1950 إلى (6.055) مليار نسمة في عام 2000، أي بزيادة (2.4) مرة، أو (3.514) مليار نسمة خلال (50) سنة. كما استمر النمو ولو بوتيرة أقل نظراً للتطور الثقافي للمجتمعات المختلفة، وبفرض تحديد النسل كما في الصين، فوصل عدد نفوس العالم كما في أواسط كانون الأول 2009 إلى (6.813) مليار نسمة، أي بزيادة قدرها (12.5%)، أو (758) مليون نسمة خلال تسع سنوات، وذلك بسبب التقدم الصحي وارتفاع مستوى المعيشة عموماً، وللتقدم العلمي والثقافي، مع الأخذ بنظر الاعتبار زيادة في الفقر والجوع والمرض والعطش والموت المبكر في مناطق عديدة في العالم، وذلك عند ذوي الدخل المحدود جداً. لقد دخلت غالبية شعوب دول العالم الصناعي المتقدم "عصر الرفاهية" منذ عدة عقود، مما أدى ذلك إلى تحول في أنماط معيشتها، لتتطور إلى شعوب استهلاكية للكثير من المعدات التي كانت تعتبر حتى الخمسينيات من القرن الماضي، من "الكماليات" نادرة التملك كالسيارات ومكيفات الهواء والأدوات المنزلية الكهربائية المختلفة، كما أخذت هذه المجتمعات بأنظمة غذائية جديدة، أدت إلى الإفراط في استهلاك الغذاء، وخصوصاً اللحوم بأنواعها. وعملت هذه الدول الصناعية على نقل مفاهيم المجتمعات الاستهلاكية إلى شعوب الدول النامية، وساعد على ذلك سهولة النقل والتنقل، ووجود الاتصالات السريعة بأنواعها المختلفة. إضافة لذلك رأينا خلال العقدين الماضيين صعود دول نامية فقيرة، مثل الهند والصين اللتان تمثلان حوالي 40% من نفوس العالم، تطورتا لتصبحا من الدول الصناعية النامية وبنشاط اقتصادي عال ومستمر، ودخولهما تدريجياً في "عصر الرفاهية" الاستهلاكي. جميع هذه الأمور أعلاه تعني التوسع في استهلاك الطاقة والغذاء والسلع الاستهلاكية، التي تحتاج إلى كميات هائلة من المياه ـ كما سنرى ـ، بالإضافة إلى استهلاك المياه للأغراض الإنسانية والمدنية.

ولغرض إجراء مقارنة بسيطة، تؤدي إلى استقراء ما يمكن توقعه في التوسع في الاستهلاك لجميع المواد والطاقة خلال العقود القليلة القادمة، سنأخذ كمثال الصين ومقارنتها بالولايات المتحدة، وفي أمر واحد وهو استهلاك الطاقة الذي هو أحد العوامل الرئيسية جداً في تقييم "الرفاهية". إن استهلاك الفرد الصيني السنوي للطاقة كان في سنة 2000، حوالي (31) مليون وحدة حرارية بريطانية (BTU)، بينما الاستهلاك السنوي للفرد الأميركي في تلك السنة بلغ (342) مليون وحدة حرارية بريطانية، أي أكثر من (11) مرة من استهلاك الفرد الصيني. وكانت الولايات المتحدة تستهلك لوحدها 24% من مجمل الطاقة المنتجة في العالم، في حين كان عدد نفوسها ي سنة 2000 فقط (290) مليون نسمة ـ أي أقل من 5% من نفوس العالم حينذاك ـ. بينما كانت الصين تستهلك فقط10% من مجمل الطاقة العالمية المنتجة في سنة 2000، في حين أن عدد نفوسها كان (1.295) مليار نسمة ـ أي حوالي 18% من نفوس العالم ـ. كانت الولايات المتحدة في سنة 2000 تطلق إلى الجو ما يقارب  25% من مجمل الغاز المسبب للاحتباس الحراري، ثاني أوكسيد الكربون CO2 المطلق إلى الجو على نطاق العالم، بنما كانت الصين تطلق إلى الجو ما يعادل 13% من مجمل CO2 المطلق إلى الجو. واليوم وبعد تسع سنوات فقط، فإن الولايات المتحدة والصين تتساويان في كمية CO2 المطلق إلى الجو، (وفي واقع الأمر تساوت الكميات المطلقة إلى الجو منذ 2007)، مما يعني أن التطور الاقتصادي في الصين في تسارع عال جداً ـ وهو أمر معروف ـ، وبنفس الوقت فإن هذا الأمر يعني أن الصينيين بدأوا الدخول في "عصر الرفاهية"، ولكن هل سيسير الفرد الصيني بنفس الطريق المفرط في الاستهلاك وهو ذات الطريق الذي سار عليه الفرد الأميركي؟!. إن الإنسانية تتمنى أن لا يتم ذلك، وأن الحكومة الصينية تعمل على أن لا يتم ذلك، ولكنها تعمل بنفس الوقت على أن يعيش شعبها برفاهية أكثر مما يعيشه اليوم، و بطريقة معقولة وغير منفلتة.

إن النمو السكاني "الانفجاري" الهائل، والزيادة الكبيرة في استهلاك الطاقة والمواد الغذائية والمواد الاستهلاكية الأخرى، والتغيرات في أنماط الحياة بالتحول إلى مجتمعات استهلاكية، تشكل لوحدها ضغوطاً كبيرة تعمل على زيادة استهلاك المياه، وتؤدي بالتالي إلى شحتها، إذ أن كمية المياه العذبة في العالم محدودة. وسنرى في الفقرة اللاحقة علاقة ازدياد استهلاك المياه باستهلاك مختلف السلع، وخصوصاً مع ازدياد "الرفاهية" الاستهلاكية للدول المتقدمة، بشكلها المعروف حالياً، كنمط للحياة التي يتطلع إليه "الجميع" سواء في الدول المتقدمة أم الدول النامية.

إن الضغوط المذكورة أعلاه و التي عملت على زيادة استهلاك المياه، ظهرت وتوسعت على نطاق عالمي خلال العقود الخمسة الماضية. بالإضافة إلى ذلك ظهرت وبوضوح خلال العقدين السابقين ظاهرة الاحتباس الحراري نتيجة الفعاليات الإنسانية للثورة الصناعية خلال المائة والخمسين سنة الماضية، وأدت بما لا يقبل الشك في الوقت الحاضر، حسب رأي مجمل العلماء في العالم إلى تغيرات مناخية تؤدي إلى تغير في سلوك الطبيعة بما يتعلق بدرجات الحرارة والرياح والعواصف و"تساقط الأمطار" والفيضانات، ومنها زيادة في شحة المياه، وكما سنوضحه في فقرة لاحقة.

كل هذه المسائل تتطلب من المجتمع الدولي اتخاذ إجراءات سريعة لإنقاذ البشرية والأرض، ومن هذه الإجراءات محاولات  السيطرة على "الانفجار" السكاني، بحيث لا يتجاوز عدد سكان الأرض عن (9) مليارات نسمة في سنة 2050 من خلال التوعية ونشر ثقافة تحديد النسل أو من خلال إصدار قوانين تسير بهذا الاتجاه. كذلك عملت مختلف الأجهزة العلمية والتكنولوجية العالمية العاملة في مجال الزراعة والري في زيادة إنتاجية المحاصيل الزراعية والحيوانية عن طريق التحسين الجيني لنوعيات الحبوب ، و استخدام الاسمدة الكيمياوية و المبيدات ، والتطور الهندسي لمعدات الري والزراعة وغيرها من الطرق. وكذلك استخدام نفس الطرق العلمية أو المشابهة لها في إدخال تعديلات جينية على البذور لتقليل استهلاك المياه المطلوبة في الإنتاج الزراعي، واعتماد مياه ذات ملوحة أكثر مما هو مستخدم حالياً. إضافة لذلك هناك محاولات طبية لتغيير محاولة تغيير أنماط التغذية الحالية المضرة بالصحة والقضاء على السمنة بالاعتماد على منتجات غذائية نباتية في التغذية أكثر مما يتم في الوقت الحاضر. كما وأن هناك تطوير لتكنولوجيات الحصول على مياه عذبة من مياه البحر المالحة بكلف أقل بكثير مما هي عليه الآن. والأمر هو محاولة السيطرة على ظاهرة الاحتباس الحراري والتغير المناخي، باعتبارهما أمرين سيغيران حالة الأرض نحو الأسوأ في خلال عقود قليلة قادمة، الأمر الذي سوف يؤدي إلى كوارث طبيعية واجتماعية هائلة إن لم نضع حداً لهما، ومؤتمر قمة المناخ الذي انعقد في كوبنهاكن الأسبوع الثالث من كانون الأول 2009 هو آخر المحاولات.

أ ـ بصمة المياه (أو  البصمة المائية) Water Footprints

إن أهمية المياه وضرورة ترشيد استهلاكها أصبحتا من الأمور التي يهتم بها العلماء في العالم، ويحاولون أن ينشروا ثقافة الترشيد لهما، وكما حدث في السابق عندما اهتمت الجهات الطبية العالمية بضرورة الاقلاع عن التدخين، حيث فرض لاحقاً وجوب كتابة نسبة النيكوتين والقطران على علبة السكائر، وكذلك ظهر أمر مشابه بالنسبة للدهون والسكريات وتحديد السعرات الحرارية، وذلك بما يتعلق بالمواد الغذائية. تعمل الجهات المعنية حالياً على وجوب وضع كتابة على مختلف المنتجات والسلع تتعلق بنسبة ثاني أوكسيد الكربون المنبعث إلى الجو خلال عمليات إنتاجها، ليعرف المستهلك مدى تأثير هذه السلعة في مسألة الاحتباس الحراري والتغير المناخي ونسبة ضررها. كذلك تطور الأمر أكثر ليشمل استهلاك الماء، وضرورة كتابة ما يبين كمية المياه المصروفة في إنتاج هذه المادة أو تلك.

لقد استعمل المختصون، بما يتعلق بغاز ثاني أوكسيد الكربون أو الماء، ما سموه "Footprints"، والذي يترجم حرفياً إلى "أثر القدم"، أو "تعقب أثر القدم"، وسأستعمل هنا كلمة "البصمة"، علماً أنه استعملت كلمة "البصمة" أو "الأثر" فيما يتعلق بمسألة غاز ثاني أوكسيد الكربون في الأدبيات العلمية المعنية بذلك، وفضلتُ استعمال "بصمة" لأنها ترجمة تعطي المعنى المطلوب.

بدأ هذا الموضوع يأخذ زخماً كبيراً بعد صدور التقرير الذي بذل جهد كبير لإخراجه وذلك  بتعقب " بصمة الماء" في مختلف المنتجات، والذي صدر في سنة 2009 ويقع في (54) صفحة تحت عنوان:

"مقدمة شاملة لمياه البصمة Comprehensive Introduction to Water Footprints" أعد التقرير بإشراف وبإسم بروفسور إدارة المياه "أرجين هوكستر Arjen Heekstra" في "جامعة تونت University of Tewnete" الهولندية(67). وأيضاً هو في نفس الوقت يشغل منصب المدير العلمي لـ "شبكة  بصمة المياه Water Footprints Network". ولقد أشارت إليه صحيفة الأوبزيرفر The Observer البريطانية في تقريرها عن شحة المياه في العالم، تحت عنوان: "هل الماء هو النفط الحديث"، والذي أشرنا إليه سابقاً(52).

يعتبر ما مذكور في هذا التقرير  بدايات لفهم مسألة الحاجات المائية، وتمهيدا الطريق لدراسات وبحوث أكثر في مراحل لاحقة تساعد في الاعتراف بالمشكلة وتفهمها وأخذ الاحتياطات اللازمة لتقليل انعكاساتها المضرة، وأخذ التحوطات لمشكلة شحة المياه، ومحاولة وضع حد لها ـ إن أمكن ـ إذ أنها وصلت الحدود العليا في الضرر ليس بالحياة البشرية فحسب، بل في مجمل الحياة على الأرض.

اولا : تعاريف المصطلحات على مستوى المنتوج/السلعة

يعرّف مصطلح " بصمات المياه Water Footprints"، بأنه رقم يمثل حجم الماء العذب المستخدم في إنتاج منتوج ما. أما "حجم الماء العذب" هذا فهو مجموع الماء المستخدم في مجمل سلسلة عملية الإنتاج لهذا المنتج، إذ أنه مجموع الماء المستهلك فعلاً (بضمنه الماء المتبخر في عملية الإنتاج)، مضافاً إليه الماء الملوث نتيجة عملية الإنتاج. إنه يعتمد على عوامل عديدة منها الموقع الجغرافي لإنتاج هذا المنتوج، إذ يتغير بتغير منطقة الإنتاج ووقت استخدام المياه اللازمة لإنتاجه.

يقسم مجمل  بصمة المياه لأي منتوج إل ثلاثة أقسام، ويعطى لكل قسم تسمية معينة. فهناك  بصمة الماء الأزرق، و بصمة الماء الأخضر، و بصمة الماء الرمادي.

إن بصمة الماء الأزرق هي حجم الماء العذب المستخدم فعلياً مضافاً له حجم المياه السطحية والجوفية المتبخرة لإنتاج البضاعة والخدمات اللازمة لإنتاج هذه البضاعة. أما بصمة الماء الأخضر، فهي كمية المياه المتبخرة من الماء الأخضر،وهو تعريف لمياه الأمطار المخزونة في التربة وأصبحت جزءاً من رطوبتها. والماء الرمادي، هو الماء الملوث والمنتج أثناء عملية إنتاج البضاعة والخدمات الملازمة لإنتاجها. ويحتسب الماء الرمادي بحجم الماء العذب اللازم لتخفيف التلوث إلى الدرجة التي يصبح فيها الماء الملوث بمواصفات الماء العذب، أي أنه لا يفترض هنا حجم جميع الماء الملوث، وإنما حجم الماء الذي يحسن الماء الملوث ليصل إلى مستوى مواصفات الماء العذب.

مما سبق نجد أن "بصمة الماء" تتضمن الماء المباشر لإنتاج البضاعة نفسها، والماء غير المباشر لإنتاجها، وهو حجم الماء المستخدم في سلسلة المنتجات التي استخدمت للوصول الى المنتوج النهائي من البضاعة ، وباستخدام نفس أسلوب ومعاني المياه الزرقاء والخضراء والرمادية للوصول الى النهائي من كل بضاعة .

 ثانيا :أمثلة على حجم بصمة الماء في عدد من البضائع

أدناه نتائج احتساب بصمة الماء لبعض البضائع، ويمكن احتساب حجم بصمة الماء لكل بضاعة مطروحة في السوق، أو لأية خدمة تقدم.

*علبة الكولا

إن إنتاج علبة Can، لمشروب الكولا التي يصل حجمها (0.350) لتر، تحتاج إلى كمية من المياه، " البصمة المائية"، تصل إلى (200) لتر، على الرغم من أن حجم المشروب في العلبة يقارب 1/3 لتر، وترمى العلبة الفارغة مع النفايات. لقد تم التوصل إلى هذا الرقم بعد احتساب كمية المياه اللازمة لإنتاج السكر ونبات الكولا وحامض الفوسفوريك الغذائي الداخل في خلطة المادة المركزة وغيرها من المواد اللازمة لإنتاج هذه الكمية من مشروع الكولا، بالإضافة إلى الماء المطلوب لإنتاج العلبة.

من المثال أعلاه سوف يرى القارئ أمراً لم يكن يتوقعه، وهو بشربه علبة كولا سعتها حوالي ثلث اللتر يكون قد استهلك (200) لترا من الماء العذب.

 والحالات التي سنذكرها ترينا كمية المياه المبذولة فعلاً لإنتاج السلع أدناه.

* كغم واحد من لحم البقر

إن بصمة المياه اللازمة لإنتاج كيلوغرام واحد من لحم البقر تبلغ (15500) لتر ماء، وأن مادة لحم البقر من أكثر المواد استهلاكاً لبصمة المياه. إذ يجب إطعام البقرة وتزويدها بالمياه والأدوية والأغذية المساعدة وغسلها ولمدة (3) سنوات قبل ذبحها وتقديم لحومها، وأن مجمل المياه المستخدمة في هذه العمليات (أي  البصمة المائية)، يصل إلى الرقم أعلاه.

وأن حجم ماء بصمة المياه اللازمة لإنتاج وجبة همبركر واحدة يصل إلى (2400) لتر من الماء.

* كغم واحد من لحم الغنم

تعتبر لحوم الأغنام أقل استهلاكاً للبصمة المائية من لحوم البقر، لأن فترة تحضيرها للذبح تأخذ فترة أقل إذ تصل حوالي إلى (18) شهراً، وتستهلك كميات أقل من الحبوب والأغذية الأخرى، ولهذا فإن البصمة المائية تصل إلى حوالي (6100) لتر ماء لإنتاج كيلوغرام واحد من لحومها.

* كغم واحد من الجبن

تصل البصمة المائية لإنتاج كيلو غرام واحد من الجبن إلى (5000) لتر ماء. وتختلف بصمة الماء لإنتاج الجبن من مكان إلى آخر في العالم اعتماداً على طرق الإنتاج وحالة المناخ ونوعية العلف المستخدم في تغذية الأبقار المنتجة لحليب الجبن.

* كغم واحد من السكر الأبيض

لإنتاج كيلو غرام واحد من السكر الأبيض  من قصب السكر تحتاج البصمة المائية إلى (1500) لتر ماء، أما السكر المنتج من البنجر السكر فيحتاج إلى كمية مياه أقل.

علماً أن قصب السكر المنتج عالمياً يستهلك (220) مليار متر مكعب من الماء سنوياً، والذي يمثل 3.4% من مجمل المياه العالمية المصروفة على المنتجات الزراعية.

* قالب الصمون Loaf الأبيض/ حوالي 750 غرام

احتسبت  البصمة المائية له بحوالي (800) لتر ماء.

علماً أن استهلاك المياه لإنتاج الحنطة لغرض إنتاج الخبز يقدر بحوالي (790)كم3 في السنة لجميع أنحاء العالم، ويمثل 12% من مجمل استهلاك المياه في العالم لإنتاج المحاصيل الزراعية.

* الشاي والقهوة

لإنتاج كغم واحد من القهوة المحمصة فإن  البصمة المائية يصل إلى (21) ألف لترماء، وأن حجم كوب القهوة الاعتيادي يبلغ (125)سم3، ويحتاج إلى (7)غم من القهوة المحمصة، لهذا فإن كوب القهوة الذي يتناوله الفرد في كل مرة، يحتاج إلى (140) لتر من البصمة المائية. والذي يعني أننا نحتاج إلى (1120) قطرة ماء لإنتاج قطرة واحدة من مشروب القهوة.

أما بالنسبة للشاي، فإن ماء البصمة أقل جداً، إذ أن كوب الشاي يحتاج إلى (30) لتر من ماء البصمة.

* منتجات متنوعة أخرى

فيما يلي بعض الأمثلة لاحتياجات  البصمة المائية :

ـ (6) بيضات تحتاج إلى (1200) لتر ماء.

ـ (1) لتر حليب يحتاج إلى (1000) لتر ماء.

ـ برتقالة واحدة تحتاج إلى (50) لتر ماء.

ـ كغم واحد من الطماطة يحتاج إلى (180) لتر ماء.

ـ جلود الأحذية تحتاج إلى (16600) لتر ماء/كغم جلد.

ـ الورق: الورقة الواحدة بمقاس A4 (80غم/م2)، تحتاج إلى (10) لتر ماء وبافتراض أن الورق منتج من الخشب.

ثالثا :  البصمة المائية بالنسبة للدولة Water footprint of nation

إن بصمة الماء لدولة ما تعتبر مؤشراً للماء المستخدم بصورة مباشرة وغير مباشرة من قبل تلك الدولة. وهو يعرف بأنه مجموع المياه المستخدمة لإنتاج السلع والخدمات التي يستهلكها مواطنو تلك الدولة. ولقد أدخل هذا المفهوم لنشر وتوضيح المفهوم والوعي بأهمية الماء وبضرورة ترشيده والتقليل من استهلاكه، وتقييم حرص الدولة ومواطنيها على الماء.

تقسم مياه البصمة المائية للدولة إلى قسمين:

القسم الأول ـ بصمة الماء الداخلي للدولة: يعرف بأنه الماء المستخدم سنوياً ضمن الدولة لإنتاج السلع والخدمات المستهلكة للمياه من قبل مواطني تلك الدولة.

القسم الثاني ـ بصمة الماء الخارجي للدولة: ويعرف بأنه الماء المستخدم سنوياً لإنتاج بضائع وخدمات مستوردة تستهلك من قبل مواطني تلك الدولة.

تقييم بصمة ماء الدولة:

يمكن تقييم واحتساب بصمة ماء الدولة بطريقتين:

الطريقة الأولى: مجموع المياه الداخلية المستخدمة (مضافاً إليها) مجموع المياه المستوردة (مطروحاً منها) مجموع المياه المصدرة.

الطريقة الثانية: مجمل البضائع والخدمات المستهلكة (مضروبا في ×)  البصمة المائية لهذه البضائع والخدمات المستهلكة.

لقد تم احتساب معدل  البصمة المائية السنوي للفرد الواحد، لعدد من الدول وتوصل التقرير إلى النتائج التالية:

الدولة

 بصمة الماء للفرد/السنة م3 من الماء

الصين

700

الهند

950

اليابان

1150

باكستان

1220

المستوى العالمي

2150

إندنوسيا

1300

البرازيل

1350

المكسيك

1400

روسيا

1800

نيجيريا

2000

تايلند

2200

إيطاليا

2300

الولايات المتحدة

2500

نلاحظ أن معدل  البصمة المائية/الفرد/السنة لنيجيريا وتايلند عاليان جداً وذلك بسبب عدم الكفاءة في إدارة المياه. أما ارتفاع المعدل بالنسبة للولايات المتحدة فيعود إلى معدل الاستهلاك العالي للفرد الأميركي من السلع والخدمات.

رابعا : ما المطلوب القيام به ؟

إن الغرض من الدراسات والنتائج أعلاه، هو لمعرفة مدى الكفاءة في إدارة المياه والمحافظة عليها، ويتوقع أن يتم التوسع بهذه الدراسات، من الجهات العالمية المهتمة بالمياه كالأمم المتحدة أو "المعهد العالمي لإدارة المياه International Water Management Institute". كما أن عدداً من الشركات العالمية لإنتاج الاغذية والمشروبات بدأ بأخذ هذا الأمر بجدية، ويتوقع أن يأتي يوم يتحدث فيه الناس عن ماء جيد (حيث الاستعمال الكفوء)، والماء السيئ (في حالات الهدر). علماً أن هذا النوع من الأبحاث في بداياته، إذ يتطلب معرفة بطرق الإنتاج وكميات المياه الداخلة في كل المراحل للمنتج والمواد الداخلة في الإنتاج، كذلك يحتاج إلى حسابات كثيرة معقدة، لهذا فإن الأرقام المذكورة أعلاه لمياه البصمة المائية قد لا تكون دقيقة جداً، ولكنها ستكون مقاربة جداً في أية دراسة مقبلة.

إن المطلوب في كل الأحوال هو العمل على تقليل  البصمة المائية، إلى الحدود الدنيا، وهناك مقترحات عديدة يتداولها المعنيون فيما بينهم، ويتوقع أن تصل هذه المقترحات إلى أوامر محددة في الفترة القادمة، منها وضع علامات واضحة تحدد رقم البصمة المائية على المنتجات. وكذلك وضع مواصفات محددة، وحدود لا يمكن تجاوزها لماء البصمة المائية للسلع المختلفة. كذلك وضع مواصفات عالمية ومحلية للاسترشاد بها أو لوضع قوانين محددة تعاقب من يخالفها. وكذلك نشر أهمية تعميم هذه الثقافة، وإعداد معاهد وأجهزة مختصة في جميع القارات لوضع المحددات  في كل دولة.

إن أرقام البصمة المائية تختلف من موقع لآخر، وعند إعدادها ونشرها على امتداد العالم، سنرى أنها سوف تؤثر في أنماط الحياة والتغذية، إذ كما رأينا أن ماء البصمة عال عموماً في اللحوم مقارنة بالمنتجات الزراعية، لذا قد يكون التوجه المقبل هو نحو الغذاء النباتي والتقليل من تناول لحوم البقر. كذلك سوف نرى أن التجارة العالمية بالمياه، (من خلال استيراد وتصدير المنتجات الغذائية)، سوف يكون لها دور كبير في المستقبل. لهذا نرى أن في المناطق قليلة المياه تحدث تجاوزات على مياه الأنهار الدولية لغرض بيعها مباشرة إن استطاعت الدول القيام بذلك، أو الأفضل بالنسبة لها زيادة قيمتها عن طريق تحويل هذه المياه إلى منتجات زراعية أو حيوانية أو حتى إلى سلع، ومن ثم تصديرها والذي يعني بالنتيجة تصدير الماء بصورة غير مباشرة.

ب ـ تغير المناخ وتأثيره في المياه

إن الموضوع أعلاه يتضمن أموراً عديدة منها:

أولاًـ التغير المناخي والتغيرات في أنماط هطول الأمطار

ألقى في 26/10/2009 العالم الهندي باتشاوري Pachauri، الحائز على جائزة نوبل، رئيس الهيئة الحكومية الدولية المعنية بدراسة المناخ "IPCC Intergovernment Panel on Climate Change  IPCC "، والتابعة للأمم المتحدة، والمدير العام لمعهد الطاقة والموارد "D. G. of the Energy and Resources Institute"، محاضرة في نيودلهي(68) لدعم جهود الأمم المتحدة في إنجاح مؤتمر قمة المناخ الذي تعقده في كوبنهاكن/الدنمارك، والذي انتهت أعماله في 18/12/2009، وسنتحدث عنه لاحقاً ضمن هذه الفقرة.

قال باتشاوري: "إن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بدراسة تغير المناخ (IPCC)، والتي أتولى رئاستها، قد أثبتت بالفعل أن تغير المناخ حقيقة واقعة لا لبس ولا مجال للتشكيك فيها علمياً"، وأضاف: "على سبيل المثال حدثت تغييرات في أنماط (patterns) هطول الأمطار، مع ميل نحو ارتفاع مستويات الهطول عند خطوط العرض العليا، وانخفاض مستويات الهطول على بعض المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية، فضلاً عن منطقة البحر الأبيض المتوسط. كما تزايد عدة مرات تكرار الأحداث المفرطة المرتبطة بهطول الأمطار ـ سواء بالزيادة أو بالنقصان ـ والتي أصبحت أوسع نطاقاً على نحو متزايد. فضلاً عن ذلك أصبح تكرار وشدة موجات الحر والفيضانات والجفاف في ارتفاع"، ويستمر متحدثا عن الأمطار بالقول بأن "هذا التغيير في كمية ونمط الأمطار تترتب عليه عواقب خطيرة بالنسبة للعديد من الأنشطة الاقتصادية، فضلاً عن مدى استعداد البلدان للتعامل مع الطوارئ مثل الفيضانات الساحلية واسعة النطاق أو تساقط الثلوج بكثافة".

إن ما قاله باتشوري، والذي سنرجع إلى أقواله الأخرى مرة ثانية، ليس بالأمر الجديد، ولكنه تأكيد وتحديث لدراسات جادة تمت قبل ذلك. ولعل من أهم الدراسات التي تمت حول علاقة التغير المناخي بتساقط الأمطار، هي الدراسة التي نشرت في المجلة البريطانية الرصينة المعروفة "الطبيعة ، نيجر Nature" في تموز 2007، وتناقلتها وكالات الأنباء والصحف العالمية. وهنا أنقل عن صحيفة "سدني مورنينك هيرالد Sydney Morning Herald" الإسترالية في عددها الصادر في 24/7/2007 عن وكالة AFP، وتحت عنوان "الاحتباس الحراري يغير أنماط هطول الأمطار في العالم"(69).

ولقد بينت مقالة مجلة "الطبيعة"، بأن الدراسات الحديثة أثمرت لأول مرة عن إثبات أن الاحتباس الحراري قد بدأ بالفعل بالتأثير على الأنماط (Patterns) العالمية المعتادة لسقوط الأمطار، وذلك بزيادة الأمطار والثلوج في شمال أوربا وكندا وشمال روسيا، وبنفس الوقت ستقل بدرجة كبيرة جداً في جنوب الصحراء الإفريقية وجنوب الهند وجنوب شرق آسيا. وتقول المقالة أيضاً أن من المحتمل أن هذه التبدلات المناخية قد أدت إلى تأثيرات واضحة في النظام البيئي والزراعي، والعمليات الإنسانية الأخرى التي تتأثر بتساقط الأمطار.

لقد تحدث المختصون ومنذ سنوات بأن الاحتباس الحراري سوف يؤدي بالضرورة إلى التدخل بأنماط تساقط الثلوج والأمطار، ـ والحديث لا يزال لمجلة الطبيعة ـ، لأن درجة حرارة الجو والبحار والمحيطات، والضغط الجوي في مستوى سطح البحر، وهي العوامل المؤثرة في نمط هطول الأمطار والثلوج، تتغير فعلياً في الوقت الحاضر، لهذا فإن المنطق العلمي يحتم تغير هذه الأنماط  تبعاً لهذه التبدلات.

ولكن وإلى أواسط عام (2007) لم تصدر دراسة تثبت وجود دلائل على أن هذا الأمر يحدث فعلاً، بل كل ما كان يصدر بهذا الخصوص هو محض تحاليل علمية تتكهن بما يمكن أن يحدث في حالة وجود مثل هذه التغيرات المناخية. وكذلك ظهرت دراسات لنماذج كومبيوترية Computer Models عديدة، أي إدخال فرضيات نتائج الاحتباس الحراري في معادلات معقدة، ومن ثم الخروج بنتائج (بمساعدة الكومبيوترات المعقدة)، تؤيد وجود تغير في أنماط تساقط الأمطار والثلوج. إذ لم تتم دراسة فعلية عملية لما حدث في الخمسين سنة الماضية، مثلاً،  ولحد الآن من تغير في الأنماط ـ إن وجد ـ. إن أحد مشاكل الباحثين في هذا المجال هو عدم توفر المعلومات الطويلة الأمد والدقيقة عن تساقط المطر حول العالم واتي تساعدهم في التمييز بين التغييرات المناطقية أو الدورية في تساقط الأمطار. إذ كما نلاحظ في حياتنا وجود تغييرات بين سنة وأخرى، أو عدة سنوات وأخرى في معدلات ومناطق سقوط الأمطار، وهذا الأمر تمت ملاحظته من قبل كافة المؤرخين حتى قبل الثورة الصناعية، (والمفروض أن الثورة الصناعية هي التي كانت السبب في الاحتباس الحراري وبالتالي التغير المناخي). لهذا كان التاريخ يتحدث عن دورات سنوات "عجاف" وسنوات "ممطرة"، وسنوات "مجاعة" وسنوات "خير"، إذ أن الطبيعة تعمل بهذا الشكل وهناك عدة تفاسير لهذا النمط من الدورات، ولكن ما يحدث الآن ليس من عمل الطبيعة ولكن من عمل الإنسان. إن الجفاف العالمي الحالي قد يفسر بأنه ضمن دورات الجفاف التي مرت بها الأرض سابقاً، وكما يحاول أن يفسرها "البعض" من العلماء، وهم قلة جداً. كما أن هذا الجفاف قد يتحسن ويتغير مجدداً، وكمثال فإن نمط هطول الأمطار في العراق يتجه نحو الشحة، ولكن قد يزداد في سنة أو سنتين هطول الأمطار رغم أن الاتجاه العام هو نحو الجفاف. إن عدم وجود معلومات دقيقة حول تساقط الأمطار وتبدل نمط تساقطها، وكذلك هل أن التغيرات هي بسبب الدورات الطبيعية التي كانت تحدث سابقاً، أم أن السبب هو التغير المناخي الحالي طويل الأمد ؟، أم الإثنين معاً؟!، هذه الأمور هي التي أخرت زمن الوصول إلى نتائج يمكن الركون إليها.

وجد عالم البيئة فرانسيس زويرس Francis Zwiers ومجموعته من العلماء في البحث في جامعة تورنتو في كندا وسيلة لحل هذه المشكلة باستخدام سجلين للمعلومات (two data-sets) المتعلقة بأنماط هطول الأمطار على نطاق العالم، تبدأ من سنة 1925 وتنتهي في سنة 1999.

لقد قارن هؤلاء العلماء المعلومات التي حصلوا عليها من جميع أنحاء العالم بين 1925ـ 1999 حول سقوط الأمطار، مع (14) نموذج كومبيوتري computer models متطور جداً، تعمل على محاكاة simulate أنظمة المناخ في العالم، فوجدوا تناسقاً ما بين النتائج بصورة واضحة، وذلك بين المعلومات الفعلية الهائلة التي تم جمعها، وبين نتائج المحاكاة للنماذج الكومبيوترية.

لقد وجدوا أن الاحتباس الحراري أثر بصورة واضحة في زيادة هطول الأمطار في المنطقة الشمالية من نصف الكرة الأرضية الشمالي على مدى السنوات الخمس و السبعين الماضية، وذلك بين خطوط عرض (40ـ 70) درجة شمالاً. أما في المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية tropics and subtropics فقد حدث العكس، إذ ازداد الجفاف فيها، و خصوصاً في المنطقة الممتدة من خط الاستواء إلى خط عرض (30) درجة شمالاً. أما في نصف الكرة الأرضية الجنوبي، فإن المنطقة من خط الاستواء إلى خط العرض (30) جنوباً ازداد فيها هطول الأمطار. ومن المنطقي فإن هذا الأمر يزداد حدة، بتزايد تأثير الاحتباس الحراري في المستقبل، وهو ما حدث خلال العشر سنوات بين 1999 إلى سنة 2009، وستزداد حدته لحين وضع حد لمشكلة الاحتباس الحراري.

إن الدراسة أعلاه نظرت في كميات الأمطار السنوية المتساقطة على اليابسة، وليس على البحار والمحيطات، (حيث لا توجد وحدات مراقبة للطقس والمناخ في البحار والمحيطات). إضافة لذلك فإنها لم تأخذ بنظر الاعتبار حالات المناخ المتطرفة المنفردة، التي تحدث مثلاً في سنة ولا تتكرر، مثل حالات الجفاف، أو الفيضانات "الفردية" غير المتكررة التي تحدث بين الحين والآخر، والتي بدورها ستزداد ـ كما تقول الدراسة ـ بازدياد حدة الاحتباس الحراري والتغير المناخي.

إن الدراسة التي اعتمدت المعلومات المتوفرة عالمياً بين سنتي 1925 و1999، لم ترينا في نتائجها ما سيحدث بين خطي عرض (30 و40) في نصف الكرة الأرضية الشمالي، وهو الأمر الذي يخص العراق ومنطقتنا بالذات، ولكن بنفس الوقت أعطت الانطباع، أن في هذه المنطقة تحدث فيها متغيرات قد تكون كبيرة، وأن خط تزايد الجفاف قد يرتفع إلى أعلى من خط العرض (30) درجة. إن شحة هطول الأمطار الفعلية في العشر سنوات الماضية (بين 1999 ـ 2009)، قد أوضحت بأن منطقة شحة الأمطار قد تصل إلى أعلى من خط عرض (30)، ولهذا جاء في محاضرة باتشوري في 26/6/2009، (المشار إليها أعلاه)،  شمول منطقة "البحر الأبيض المتوسط"، ضمن المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية شحيحة الأمطار. ومنطقة البحر المتوسط تقع تقريباً بين خطي عرض (35 و41)!!. هذا و في احسن الاحوال فان حال هطول الامطار يبقى على حاله كما هو الان ، و هو أمر غير مشجع و بالاحرى سئ ، لان المياه المتوفرة غير كافية !! .

هذا ونود أن نؤكد هنا أن مسألة تحديد توقعات المناخ ولفترة طويلة مقبلة، ومنها كمية هطول الأمطار ومواقعها وديمومتها، أمر في غاية الصعوبة، ويشبه المستحيل في الوقت الحاضر، رغم توفر الكومبيوترات الضخمة التي تساعد في تسهيل حل المعادلات الصعبة. والسبب في هذه الصعوبة هي كثرة العوامل المؤثرة في المناخ والمؤثرة في بعضها البعض. إذ أننا نتحدث عن ارتفاع في درجات الحرارة، ولكن لحد الآن لم يتمكن العلماء من التوصل إلى مقدار هذه الزيادة بالضبط على ضوء معلومات الاحتباس الحراري الحالية، وأن العلماء يتحدثون عن الحدود لارتفاع درجات الحرارة والتي يجب عدم السماح بتجاوزها، وهي زيادة في معدلات الحرارة على نطاق العالم (بين 1.5 ـ 2) درجة مئوية. إن درجات الحرارة تؤثر في كمية وسرعة التبخر وتؤثر في الضغط الجوي، والذي يتأثر بدوره بمدى الارتفاع في مستوى سطح البحر، وهذا بدوره يتأثر بمدى درجات ارتفاع درجات الحرارة، وسرعة ذوبان الجليد في القطبين الشمالي والجنوبي وغيرها من الأمور. ونفس التعقيدات تحدث بالنسبة إلى سرعة الرياح واتجاهها، ومن ضمنها الفرق في درجات الحرارة بين اليابسة والمحيطات. إضافة إلى ذلك، فإن جميع العوامل تتأثر بدوران الأرض وسرعتها، والاختلاف في اتجاه الرياح بين شمال الكرة الأرضية وجنوبها. إن عدد العوامل المؤثرة الهائل يجعل النتائج مؤشراً جيداً وليس توقعات نهائية. والمؤشر في هذه الدراسة وما تبعها من دراسات خلال العشر سنوات الماضية يؤكد توقع وجود شحة في الأمطار بين خط الاستواء وخط العرض (30) درجة شمالاً، وقد يصل خط الشحة إلى منطقة خطي عرض (30 ـ 38) شمالاً.

نحاول أن نعكس نتائج الدراسة أعلاه على خريطة العالم لنرى ما يلي:

* إن المنطقة التي يتوقع أن تزداد فيها الأمطار في نصف الكرة الشمالي بين خطي عرض (40 ـ 70)، تشمل كل أوربا تقريباً، (من ضمنها روسيا الأوربية والآسيوية)، عدا المناطق الجنوبية والوسطى من إسبانيا والبرتغال، وجنوب اليونان وإيطاليا، كما أنها تشمل شمال تركيا، إذ أن خط العرض (40) يمر بالقرب من أنقرة. كما تشمل منطقة شمال الصين واليابان، والمناطق الشمالية من الولايات المتحدة وجميع كندا.

أما المنطقة الأخرى التي يتوقع أن تزداد فيها الأمطار، أي من خط الاستواء جنوباً إلى خط (30) في نصف الكرة الأرضية الجنوبي، فتشمل المناطق الجنوبية من إفريقيا، وغالبية المنطقة الوسطى من أميركا الجنوبية، والنصف الشمالي من إستراليا، وأجزاء من إندنوسيا وماليزيا والفلبين وتايلند.

إن جميع المناطق أعلاه هي عموماً من المناطق عالية أو متوسطة الأمطار في الظروف الاعتيادية، وذلك قبل تأثير ظاهرة الاحتباس الحراري والتغير المناخي. وبهذا ستزداد أمطار هذه المناطق، عن المستويات العالية للمطر أصلاً!!.

* أما المناطق التي ستقل فيها الأمطار، وهي من خط الاستواء إلى خط عرض (30)، والذي يمر بمحاذاة الساحل الشمالي للخليج العربي والحدود العراقية الكويتية، مخترقاً جنوب العراق وشمال السعودية وجنوب الأردن وأواسط سيناء وجنوب الدلتا في شمال مصر. وبهذا فإن هذه المنطقة تشمل جميع الجزيرة العربية، (بضمنها اليمن)، والنصف الجنوبي من باكستان والهند والنصف الجنوبي من إيران وكل الهند الصينية، ومعظم إفريقيا، (بضمنها منابع النيل). كما تشمل الجزء الجنوبي من الولايات المتحدة وجميع المكسيك وجميع دول أميركا الوسطى، وشمال أميركا الجنوبية.

* إن خط العرض (36) يمر في أربيل، ولو ارتفعنا إلى خط العرض (38)، عند ذلك ستكون جميع مناطق جنوب شرق تركيا مشمولة بهذا الخط، وبهذا فإنها ستشمل جميع منابع نهري دجلة والفرات وروافدهما في تركيا وإيران والعراق. وهذه المنطقة، هي نفس المنطقة التي يتحدث عنها باتشاوري، رئيس أعلى هيئة حكومية دولية تعنى بالمناخ وتقدم أعمالها مباشرة إلى الأمم المتحدة والذي سبق ذكره. إذ أنه يتحدث عن منطقة "البحر الأبيض المتوسط"، وعملياً هذه المنطقة تشمل جنوب أوربا وشمال إفريقيا، إضافة إلى الدول العربية المطلة على البحر المتوسط وكذلك إسرائيل. وما يهمنا هنا هي تركيا، علماً أن مناخ العراق يعتبر أيضاً جزءاً من مناخ البحر الأبيض المتوسط. وإذا اعتمدنا خطوط العرض لمناطق البحر الأبيض المتوسط على نطاق العالم، أي الصعود إلى خط أعلى من خط عرض (30)، وقد نصل إلى خط عرض (35 ـ 38) ونطبق ذلك على مستوى العالم، سنجد أن مناطق الجفاف ستشمل جزء كبير من جنوب الولايات المتحدة وجنوب الصين.

قد لا تكون شحة الأمطار المتوقعة نتيجة التغير المناخي للمناطق أعلاه بنفس الحدة التي تكون عليها الشحة في المنطقة الواقعة بين خط الاستواء وخط عرض (30) شمالاً، ولكن بالتأكيد ستكون الأمطار شحيحة وأقل من الأنماط السابقة، وقد تتغير أوقات تساقطها، بحيث لا تسقط في الموسم الزراعي الكامل، أي تسقط في الخريف والشتاء وبداية الربيع ولا تكمل "السقية" أو "السقيتين" الأخيرتين لموسم الحنطة، وعند ذاك يفشل الموسم الزراعي كله. إضافة إلى ذلك فإن شحة الأمطار في تركيا وإيران سوف تؤثر سلباً في المياه المتوفرة لدجلة والفرات وروافدهما، كما ستكون هناك شحة في المياه الديمية في العراق وسوريا وتركيا وإيران، مما سيؤدي إلى اعتماد الدول المجاورة أكثر على الري من دجلة والفرات وروافدهما بدلاً من اعتمادها على الأمطار، وبالتالي ستتوفر مياه أقل من المياه في الأنهر داخل العراق. كذلك ستكون هناك شحة في المياه الجوفية وستنخفض مستوياتها في العراق والدول المجاورة، وبالنتيجة ستقلل أيضاً من الموارد المائية السطحية المتوفرة للعراق.

كل هذه الأمور تؤكد ضرورة تشييد ما يلزم من سدود وخزانات لجمع كل المياه التي تتوفر خلال السنة، واعتماد طرق في الري والزراعة تقلل من الهدر.

 السابق >>

موقف قواعد القانون الدولي من استغلال الأنهار الدولية

<< التالي

التغيرات المناخية والتغيرات المائية الأخرى وقمة كوبنهاكن

 

 

 عودة الى الفهرست >>

___________________________________________________

للأطلاع على جميع المصادر

 

(52)  "Is Water the New Oil"

تقرير موسع لصحيفة الأوبزيرفر The Observer اللندنية في 2/11/2008، وسنشير لهذا التقرير في أماكن أخرى من هذه الدراسة.

 

(67)  "Comprehensive Introduction to Water Footprint"

          Arjen Heekstra/University of Tewente-Holland.

(68)  "الحتميات التي يفرضها تغير المناخ"

          محاضرة ر.ك. باتشاوري في 26/6/2009

          عن www.project-syndicate.org

(69)  "Global Warming Change World's Rainfall Patterns"

          "Sydney Morning Herald" في 24/7/2007 عن وكالة أنباء AFP

 

للأطلاع على جميع المصادر

ملحق

 

 

 

 الصفحة الرئيسية | مقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | أرشيف الأخبار | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

تصدرها مجموعة من الصحفيين والكتاب العراقيين

webmaster@saotaliassar.org    للمراسلة

 
من الصدف الجميلة ان يدق لي عود المشنقة في نفس المكان الذي كنت اثير منه المظاهرات الوطنية

الشهيد حسين محمد الشبيبي

الشيوعية أقوى من الموت وأعلى من أعواد المشانق

الرفيق الخالد فهد