ثانياًـ التغيرات المناخية والتغيرات المائية الأخرى وقمة كوبنهاكن
ذكرنا في الفقرة السابقة حديث الدكتور باتشاوري، حامل جائزة نوبل عن قضايا
المناخ، وذلك عن تأثيرات التغيرات المناخية الحالية في أنماط هطول الأمطار،
وسنذكر هنا فقرات أخرى من محاضرته المشار إليها، حيث يقول: "إن بعض مناطق
العالم أكثر عرضة من غيرها لهذه التغيرات ـ أي التغيرات المناخية ـ، فمعدلات
ارتفاع الحرارة في منطقة القطب الشمالي، بشكل خاص، كانت ضعف مثيلاتها في بقية
مناطق الكرة الأرضية. ومناطق الدلتا الكبرى (التي تقوم عليها مدن مثل شنغهاي
وكلكتا ودكا)، والدول الصغيرة القائمة على جزر، أصبحت أيضاً معرضة للخطر الشديد
من جراء ارتفاع مستوى سطح البحر".
ويستمر ليقول: "وبشكل عام فإنه من المتوقع ارتفاع معدل درجات الحرارة بحلول عام
2010، ضمن نطاق يتراوح بين (1.1 ـ 6.4) درجة مئوية. ومن أجل التركيز على هذه
المجموعة من النتائج، فقد وضعت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ ـ
التي يرأسها باتشاوري ـ تقدير الحد الأدنى من هذا النطاق عند درجة (1.8) درجة
مئوية، وأفضل تقدير للحد الأقصى عن (4) درجات مئوية. وحتى عند أدنى تقدير فإن
العواقب المترتبة على التغير المناخي قد تكون بالغة الشدة في أجزاء عديدة من
العالم، بما في ذلك الضغوط في الحصول على المياه، والتأثيرات الخطيرة في
الأنظمة البيئية وأمن الغذاء، فضلاً عن تهديد أرواح البشر وممتلكاتهم نتيجة
للفيضانات الساحلية".
لقد تحدثنا في كتابنا السابق "الطاقة: التحدي الأكبر لهذا القرن" والصادر في
أيلول 2005، عن علاقة غاز ثاني أوكسيد الكربون
CO2
المنبعث إلى الجو نتيجة عمليات احتراق الوقود الأحفوري (الفحم والنفط والغاز
الطبيعي)، بالاحتباس الحراري باعتباره المسبب الرئيسي له، وكذلك علاقة الاحتباس
الحراري بالتغيرات المناخية. وأوضحنا في الصفحات السابقة من هذه الدراسة، إن
هناك تسارعاً في التغيرات المناخية أكثر مما كان محسوباً من قبل العلماء في
أواخر القرن الماضي وبدايات القرن الحالي، كما وأن دولاً أخرى، (وخصوصاً
الصين)، دخلت كمؤثر أساسي في الاحتباس الحراري، ولم تكن هذه الدول مشمولة
باتفاقية كيوتو أصلاً. ونود أن نبين فيما يلي بعض الملاحظات التي يمكن اعتبارها
تحديثا أو امتدادا أو متغيرات لما جاء في كتابنا السابق بهذا الخصوص.
(1) اتفاقية كيوتو(70)
تم التوصل إلى اتفاقية أو بروتوكول كيوتو في اليابان في 11/12/1997، للحد من
انبعاث الغازات المؤدية إلى ظاهرة الاحتباس الحراري، (وبالذات غاز ثاني أوكسيد
الكربون المسبب الأساسي لهذه الظاهرة). ولكن لم تصبح هذه الاتفاقية قانوناً
دولياً إلاّ في 16/2/2005، وذلك بعد مصادقة روسيا عليها في 18/11/2004، حيث أن
الشرط المذكور في أحد بنود الاتفاقية يقول أنها تصبح قانوناً دولياً بعد (90)
يوماً من تاريخ الحصول على مصادقة عدد من الدول يتجاوز مجموع غاز ثاني أوكسيد
الكربون المنبعث منها 55% من مجمل الغاز المنبعث على مستوى العالم، وبمصادقة
روسيا تم ذلك. ولكن الولايات المتحدة التي تعتبر أكبر ملوث للجو بهذا الغاز،
ووصلت انبعاثاتها لهذا الغاز ما يقارب ربع الغاز المنبعث عالمياً، لم تصادق على
هذه الاتفاقية لحد هذا اليوم!!!. إن الولايات متحدة كانت دائماً تصر على شمول
الصين والهند بهذه الاتفاقية كذلك، وأن جواب الدول النامية والأمم المتحدة التي
وضعت مسودة الاتفاقية، بأن الاحتباس الحراري، في سنة 1997، كان بسبب الغازات
التي أطلقتها الدول المتقدمة إلى الجو نتيجة "الثورة الصناعية"، ولا يمكن أن
تتحمل الدول النامية والصاعدة عبء الدول المتقدمة، لهذا تم إعفاء هذه الدول من
تبعات هذه الاتفاقية لتستطيع الاستمرار بالنمو،. يجب أن نوضح هنا، أن الاتفاقية
اعتمدت أصلاً على اتفاق دولي أولي توصل إليه المختصون في الأمم المتحدة في
9/5/1992، وتمت مناقشته ليوقع نهائياً عليها وبشكل اتفاقية دولية وذلك في
كيوتو/اليابان في 11/12/1997، وعلى أن يتم التوقيع عليها رسمياً في مقر الأمم
المتحدة بين 16/3/1998 و15/3/1999. في أوائل التسعينيات لم يكن في تصور أية جهة
في العالم أن الصين ستستمر بنمو اقتصادي بمعدل يتجاوز 11% سنوياً، ولمدة تتجاوز
الربع قرن، وكذلك الحال بالنسبة للهند ولو بصورة أقل. إن الاتفاقية ينتهي
مفعولها في سنة 2012، ولهذا كانت الجهات والحكومات المسؤولة عن الاتفاقية تعمل
وتأمل أن تطبق الدول الصناعية التزاماتها الموجودة في الاتفاقية، وبعد 2012 يتم
الاتفاق إلى تمديد الاتفاقية وبشروط أخرى لتشمل بعض الدول الصاعدة مثل الصين
والهند، أو الوصول إلى اتفاقية جديدة لتحل محل الأولى عند انتهاء مدتها تعتمد
شروطها على ضوء التطورات الاقتصادية العالمية.
تحتوي اتفاقية كيوتو ملحقاً يتضمن أسماء (37) دولة متقدمة صناعياً مشمولة بهذه
الاتفاقية وتلتزم بتقليل انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري، وبمعدل
(5.2%) عن مستوى هذه الغازات المنبعثة في سنة 1990، (كسنة أساس)، على النطاق
العالمي. وإن هذا المعدل العالمي يختلف من دولة إلى أخرى ضمن الدول المشمولة
بالاتفاقية والتي عليها أن تقلل انبعاثاتها بنسب محددة عما كانت تطلقه في سنة
1990. وهي الاتحاد الأوربي 8%، الولايات المتحدة 7%، اليابان 6%، روسيا صفر%،
كما سمحت الاتفاقية لإستراليا بزيادة الانبعاثات الغازية عنها بما يعادل 8% من
الغازات التي كانت تطلقها سنة 1990، وسمح لإيسلنده بزيادة تعادل 10%.
ولكن ما حدث لم يكن في حسبان المجتمع الأوربي، ولم يكونوا يتمنوه، فقد رفضت
الولايات المتحدة التصديق على الاتفاقية، رغم أنها وقعت عليها أصلاً، وبالتالي
لم تلتزم بها، وأخذت إدارة بوش موقفاً معادياً جداً منها محاولة التأثير في عدد
من الدول بعدم التصديق عليها، ومنها التأثير في روسيا التي لم يكن عليها التزام
من الناحية العملية بما يتعلق بمتطلبات الاتفاقية، ولكن تصديقها عليها يفي في
تحولها إلى قانون (بروتوكول) دولي وهذا ما لم ترده أميركا، ولهذا تأخر تصديق
روسيا حتى أواخر 2004.
الأمر الآخر الذي غير في المعادلة البيئية، هو التطور الاقتصادي الهائل للصين
(والذي يعني الحاجة الضخمة للطاقة، وبالتالي انبعاث غازات بكميات كبيرة جداً).
وأصبحت الصين في 27/8/2008 كأكبر دولة مطلقة لغاز ثاني أوكسيد الكربون للجو
متجاوزة بهذا الولايات المتحدة. لقد زاد انبعاث هذه الغازات في الصين منذ سنة
2000 وحتى نهاية 2008 ما يقارب 120%، وزادت الغازات التي تطلقها الولايات
المتحدة 16% فقط في نفس الفترة.
تقول الصين ـ وهي محقة في الكثير مما تقوله ـ أن ليس من العدل أن تلام بما
تطلقه من كمية عالية من الغازات المنبعثة عالمياً، إذ يبلغ تعداد نفوسها حوالي
خمس تعداد نفوس العالم. ولو أخذنا انبعاث الغازات للشخص الواحد، فإنها ستصل إلى
المعدل العالمي للفرد الواحد، مقارنة بالفرد الأميركي الذي يطلق (4.4) مرة ما
يطلقه الفرد الصيني، وكما سنرى في الجدول التالي:
إضافة لذلك فإن ربع إنتاج الصين من غاز ثاني أوكسيد الكربون هو نتيجة تصدير سلع
إلى الدول الصناعية المتقدمة، وتستهلك في تلك البلدان، والمفروض أن يحتسب الغاز
ضمن حصة تلك الدول، وهي الطريقة التي تحتسب بها حالياً "بصمة الكربون" للدول،
وبشكل مشابه لما تحدثنا عنه في "بصمة الماء".
لقد اعتمدنا في الجدول أدناه على إحصائيات لجهة أميركية حكومية وهي "إدارة
معلومات الطاقة
EIA Energy Information Administration"،
علماً أن هناك اختلاف في الإحصائيات تبعاً للجهات التي تصدرها، ونتيجة اختلافات
في طريقة الاحتساب. أو نتيجة "عدم الشفافية" في إعطاء المعلومات، وهذه إحدى
المسائل المهمة التي تتهم الصين بها، وأثيرت في قمة المناخ في كوبنهاكن، وفي كل
الأحوال فإن الاختلافات ليست عالية.
تقدر الإحصائيات أن كميات غاز ثاني أوكسيد الكربون المنبعثة إلى الجو في سنة
2006 بحوالي (28.4)مليارطن، كما تقدر إحصائيات أخرى أن الكميات المنبعثة الآن،
أي في سنة 2009 بحوالي (38)مليارطن، وهناك إحصائيات تقدرها بأقل من ذلك بحدود
لا تتجاوز 10%.
إن العمود الأول في الجدول (8-1)، يمثل التبدل (بالناقص أو الزائد) بنسبة غاز
ثاني أوكسيد الكربون التي أطلقتها إلى الجو دولة معينة للفترة المحددة من عام
1992 إلى عام 2007. أما العمود الثاني فيمثل حصة الفرد من الغازات المنبعثة.
والعمود الثالث يمثل نسبة الغازات المنبعثة في تلك الدولة مقارنة بمجمل الغازات
المنبعثة في العالم.
الجدول (8-1) يتضمن بعض دول العالم، وتشمل أعلى ثمان دول تطلق الغازات المسبب
للاحتباس الحراري، مع إيران التي تمثل الدولة رقم (10)، وجنوب إفريقيا (الدولة
رقم 14)، والسعودية (الدولة رقم 15)، في تسلسل الدول التي تسبب في انبعاثات
الغاز.
الجدول (8-1)
التغيرات في الانبعاثات الغازية المسببة للاحتباس الحراري
-1-
-2- -3-
وتلاحظ من الجدول أعلاه أن الصين تجاوزت الولايات المتحدة في انبعاث الغازات في
سنة (2007) بينما المعلومات الأخرى الموجودة في الوكيبيديا تقول أنها تجاوزتها
في آب 2008. كذلك نرى أن الصين لا تزال من أقل الدول إطلاقاً لغاز ثاني أوكسيد
الكربون بالنسبة للفرد الواحد وتتجاوزها أعداد كبيرة من الدول، تشمل جميع الدول
الصناعية والدول العربية المنتجة للنفط، إضافة إلى عدد كبير من الدول النامية
كإيران، وماليزيا وجنوب إفريقيا، وإستراليا، وتايوان. أما أكثر دولتين إطلاقاً
لغاز ثاني أوكسيد الكربون إلى الجو بالنسبة للفرد الواحد فهما الإمارات العربية
المتحدة التي تطلق (38.5) طن/الفرد/السنة، وسنغافورة التي تطلق (33.9)
طن/الفرد/السنة، تليهما إستراليا التي تطلق (22.0) طن/الفرد/السنة مقارنة
بالمعدل العالمي البالغ (4.5) طن/الفرد/السنة، ولحسن الحظ فإن جميع هذه الدول
محدودة النفوس.
(2) ارتفاع درجات الحرارة، والانبعاثات الغازية(71)
لقد دار الكثير من النقاش و اشتد التوتر بين الدول الصناعية الكبرى من جهة،
وبين الدول النامية والصين من جهة أخرى، وذلك في مؤتمر قمة المناخ في كوبنهاكن
الأخير (7 ـ 19 كانون الأول 2009)، وكذلك حدث خلاف داخل مجموعة (77 + الصين) في
الفترة الأخيرة من اجتماع القمة، وذلك بين الدول الفقيرة من جهة وبين الدول
الصاعدة (الصين والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا) من جهة أخرى، وذلك بسبب قضايا
عديدة كان من أهمها، الزيادة المقبولة في درجة الحرارة عن المعدل الذي كانت
عليه قبيل الثورة الصناعية، إذ أن الدول النامية كانت تطلب أن لا تتجاوز
الزيادة (1.5) درجة مئوية، والدول الصناعية (والدول الصاعدة) تريد أن تصل (2)
درجة مئوية، حتى أن قسماً من الدول الصناعية كانت مستعدة بأن تقبل زيادة تصل
إلى (3) درجات مئوية، ومنها الولايات المتحدة. ولكن تم التوصل في النتيجة إلى
زيادة لا تتعدى (2) درجة مئوية عن معدل العالم قبل بدء "الثورة الصناعية".
وسنوضح أدناه أهمية هذا الموضوع:
* تقول "منظمة الرصد الجوي العالمية
WMO World Meteorological Organization"،
وكذلك يقول "مكتب الرصد البريطاني
UK MET Office"،
بأن العقد الأول من هذا القرن هو العقد المسجل الأدفأ في التاريخ. وأن معدلات
درجات الحرارة في العالم في تصاعد واضح مستمر ومنذ (40) عاماً، ويتوقع أن تكون
سنة (2010) هي الأكثر دفئاً في التاريخ، أي منذ (160) سنة، والذي يعني منذ بدء
الثورة الصناعية.
* إن الحد من انبعاث هذه الغازات يجب أن يتم من الآن، وأن الانخفاض المطلوب في
الانبعاثات الغازية يجب أن يتم في خلال السنوات العشر القادمة، وهذا أبعد تقدير
لكي لا يرتفع معدل درجة الحرارة عن (2) درجة مئوية، وهذا ما يؤكد عليه علماء
الأرصاد الجوي البريطانيون، وكذلك غالبية العلماء المختصين بهذا الأمر.
ويعتقد العلماء البريطانيون، أن الوقت قد تجاوز إمكان تحديد الحد الأعلى لزيادة
درجة الحرارة بمعدل (1.5) درجة مئوية فقط، وأن هذا الأمر أصبح شبه مستحيل لأن
الغازات التي ترفع درجات الحرارة بمقدار (1.5) درجة مئوية سبق وأن تم انبعاثها
في السنوات السابقة. ولو افترضنا جدلاً أن الانبعاثات الغازية قد خفضت الآن إلى
الصفر، فإن درجة الحرارة سترتفع في كل الأحوال بمعدل (1.3) درجة مئوية عن
معدلات ما قبل الثورة الصناعية، لأن الغازات المطلوبة لهذه الدرجة موجدة حالياً
في جو الأرض.
حتى الآن هناك زيادات مستمرة في كميات غاز ثاني أوكسيد الكربون المنبعثة إلى جو
الأرض، ولم نصل بعد إلى ما يسمى "قمة
peak
الانبعاثات"، والتي يجب على العالم بعدها أن يبدأ بتخفيضها, تقول البحوث
العلمية الحالية أنه لو كانت سنة (2018) هي سنة "قمة الانبعاثات"، وبُدء
بالتخفيض بعدها بمعدل 4% سنوياً، فإن هناك احتمالاً يعادل (50%) بأن ارتفاع
درجة الحرارة سوف لا تزيد عن (2) درجة مئوية. ولو مددنا فترة "قمة الانبعاثات"
إلى سنة (2020)، فإن الاحتمال أن نصل إلى زيادة في درجات الحرارة تقل عن (2)
درجة مئوية سيتضاءل إلى 5% فقط. أما إذا تأخر العالم إلى عام (2025) للوصول إلى
"قمة الانبعاثات"، فعند ذلك سيكون من المستحيل البقاء بحدود زيادة (2) درجة
مئوية، كما تقول "فيكي بوب
Vicky Pope"
رئيسة الباحثين في مكتب الأرصاد الجوية البريطاني، وعند ذاك ستحدث الكوارث
الطبيعية وعلى نطاق واسع جداً. كما وأن هناك دراسات تقول بأنه حتى في حالة
استطاعة العالم في سنة (2050) تخفيض الانبعاثات الغازية 50% عما هي عليه الآن،
فإن درجة حرارة جو الأرض قد ترتفع إلى أكثر من (2) درجة مئوية.
وإذا وصلنا في المستقبل إلى وضع صعب جداً، بسبب زيادة نسبة ثاني أوكسيد الكربون
في الجو، أو إذا أردنا أن نصل الآن إلى زيادة في درجة الحرارة أقل من (1.5)
درجة مئوية، فعلينا عند ذاك سحب غاز
CO2
من الجو، وهو أمر استمع إليه "المندوبون الذين حضروا مؤتمر قمة المناخ في
كوبنهاكن، خصوصاً الدول النامية والدول البحرية الصغيرة الساعين إلى ارتفاع في
درجات الحرارة لا يتجاوز (1.5) درجة مئوية. لهذا نرى في الوقت الحاضر أن هناك
بحوثاً واسعة جداً في معظم دول العالم، وخصوصاً في المعاهد الهندسية المتطورة
كجامعة ستانفورد، وMIT
معهد ماساشوتيس التكنولوجي
Massachusettes Institute of Technology،
وجامعة كولومبيا في الولايات المتحدة. أو الجمعية الملكية، ومعهد المهندسين
الميكانيكيين، وجامعة
آيست أنكليا
East Anglia
في بريطانيا، وغيرها من جامعات ومعاهد العالم المهمة. وجميع هذه البحوث
والنتاجات الهندسية التي تحت التطوير أو الدراسات في الوقت الحاضر، التي تدور
حول كيفية تقبل أو التخلص من غاز
CO2،
وأدت إلى تطور عمل هندسي جديد يدعى "الجيوهندسي
geoengineering".
من هذه البحوث ما يسمى بالأشجار والغابات الصناعية "artificial
trees or forest"،
وهذه لا علاقة لها بالأشجار الطبيعية لا شكلاً ولا طبيعة، سوى اشتراكها في
امتصاص غاز
CO2.
كذلك هناك أعمال بما يتعلق بتنمية الطحالب
algae
في بقعر البحار أو حتى على سطوح الأبنية لامتصاص غاز ثاني أوكسيد الكربون،
إضافة لدراسات أخرى تتعلق بنشر المرايا على أسطح الأبنية أو في أعالي الجو لعكس
حرارة الشمس. جميع هذه الأمور تحتاج إلى دراسات موسعة كثيرة، تتعلق بكيفية
تقليل حرارة الشمس والتخلص من
CO2
حيث لا يمكن خزنه في ماء المحيطات لتأثيره في الحياة البحرية، إلاّ إذا تم
تنمية الطحالب البحرية التي تمتص الغاز، وهذا الأمر بدوره لا تعرف نتائجه
وتأثيراته في التوازن الطبيعي في المحيطات. إن عملية نشر المرايا مسألة
تكنولوجية صعبة ومكلفة، (وقد يُضطر إليها في المستقبل)، والحل الوحيد والأسهل
المنظور أمامنا هو تقليل إنتاج غاز
CO2
وبالتالي تقليل إطلاق هذه الغازات إلى الجو.
* إن الارتفاع في درجات الحرارة يعتمد على زيادة كميات غاز ثاني أوكسيد
الكربون المنبعثة إلى الجو، فلقد قدرت هذه الكميات المنبعثة إلى الجو في سنة
2003 بحوالي (25.7) مليار طن، وارتفعت في سنة 2006 إلى (28.4) مليار طن، وتقدر
في سنة 2009 بحوالي (38) مليار طن، ولو أن من المعتقد ان هذا الرقم عالٍ،
والرقم الواقعي هو بحدود (33 ـ 36) مليار طن. إن حوالي 2/7 من هذه الكميات يتم
امتصاصها من المحيطات والبحار، و1/7 منها يتم امتصاصها من نباتات الأرض والبقية
تطلق إلى الجو. تقدر نسبة ثاني أوكسيد الكربون في جو الأرض في فترة ما قبل
الثورة الصناعية بحوالي (280) جزء/المليون من جو الأرض وكانت في سنة 2003 بمعدل
(350) جزء/المليون، والآن بمعدل (387) جزء/المليون، وهنا نتحدث عن المعدل في
العالم، إذ أن هذه النسبة تختلف من مكان إلى آخر على سطح الأرض. إن كميات
CO2
المنبعثة إلى الجو هائلة جداً كما نلاحظ من الأرقام أعلاه، ولكنها ضئيلة جداً
بما موجود فعلاً في جو الأرض والذي يصل إلى ما يقارب (2750) مليار طن، وما مذاب
في مياه المحيطات والبحار ويقدر بحوالي (128) ألف مليار طن. ولكن الكميات
الحالية التي يطلقها الإنسان هي التي تخلخل توازن الطبيعة في جو الأرض، إذ زادت
في نسبة
CO2
بحوالي (107)جزء/المليون منذ بدء الثورة الصناعية. حالياً تؤكد دول الجزر
الصغيرة النامية، مثل جزر كوك وبارابادوس وفيجي وجزر سليمان، وجزر المالديف،
وجزيرة توفالو، وهو ما حدث في قمة المناخ في كوبنهاكن في كانون الأول 2009، على
الحفاظ على زيادة (1.5) درجة مئوية فقط، وهو ما يمكن تحقيقه بوجود نسبة
CO2
بحدود (350) جزء/المليون في جو الأرض، والتي تم تجاوزها الآن. أما الدول
الصناعية المتقدمة، والدول الصاعدة، فتريد السماح بصعود نسبة
CO2
في الجو إلى (450) جزء/المليون، وهي بهذا تعتقد أنها بهذه النسبة تستطيع
الإبقاء على زيادة في درجات الحرارة أقل من (2) درجة مئوية.
إن المشكلة في ارتفاع نسبة
CO2
في الجو، هو أن جزءاً كبيراً منه يتصاعد إلى أعالي طبقات الجو، ويشكل غيوماً
خفيفة تعمل عمل الزجاج في البيوت الزجاجية إذ تقلل أو تمنع من انعكاس الحرارة
من سطح الأرض إلى الفضاء الخارجي، وبالتالي ترتفع درجة حرارة جو الأرض. فلقد
نشرت(71د) الصحف الأميركية والعالمية والعلمية، ومنها "نيويورك
تايمز" و"يو إس أي توداي" و"ساينتفك أميركان" في اواخر الأسبوع الثالث من كانون
الأول 2009 نتائج رصد "المسبار الفضائي
AIRS"
الذي طوره عالم الفضاء والبيئة اللبناني الأصل مصطفى شاهين، ويعمل حالياً في
وكالة "ناسا" الفضائية الأميركية. وكانت نتائج المسبار الفضائي هو أفلام
وتقارير ترينا تراكم غازات ثاني أوكسيد الكربون، وهي على شكل غيوم تدور حول
الأرض. لقد رصد المسبار ولأول مرة دوران غيوم غاز ثاني أوكسيد الكربون وبخار
الماء في الطبقة السفلى من جو الأرض، على ارتفاع يتراوح بين (5 ـ 12) كيلومتر
عن سطح الأرض، وظهر أن هذه الغيوم خلافاً لما كان يتوقع ليست منتظمة بل متكتلة
ومجتمعة في مناطق مختلفة، وتشتد كثافتها في النصف الشمالي من الكرة الأرضية،
وهو موقع جميع الدول الصناعية والدول الصاعدة، وتشمل غالبية اليابسة من الكرة
الأرضية أيضاً.
* عندما ظهرت بوادر فشل "قمة المناخ" في كوبنهاكن، نقلت وكالة أسيوشيتدبرس
للأنباء(71و)، عن مسودة سرية للأمم المتحدة، قالت أنها حصلت على
نسخة منها، قولها أن "الالتزامات المعروضة لخفض انبعاث الغازات في محادثات
كوبنهاكن قد تضطر العالم إلى رفع متوسط ارتفاع درجة حرارة الأرض بنسبة تزيد على
50% من المعدل الذي تريده الدول الصناعية"، وتقول هذه الوثيقة أيضاً "أن
التنبؤات تشير إلى أن حرارة الأرض سترتفع خلال العقود المقبلة بمعدل ثلاث
درجات، مقارنة بمتوسط الارتفاع قبل فترة الثورة الصناعية".
ويقول العلماء أيضاً أن ارتفاعات كهذه قد تؤدي إلى ارتفاع منسوب البحار على نحو
كارثي، وهو ما يهدد الجزر والمدن الساحلية، ويؤدي إلى خسارة في الثروة النباتية
والحيوانية، ويدمر مجتمعات زراعية في العديد من دول العالم.
إن تسريب هذه الوثيقة من الأمم المتحدة كان له الأثر الكبير في "اتفاق" الساعات
الأخيرة في كوبنهاكن واعتماد ارتفاع (2) درجة مئوية كحد أعلى كالتزام على الدول
الصناعية والدول الصاعدة، ولو أن هذه الوثيقة تقول" "إن أفضل صفقة يمكن التوصل
إليها لن تنجح في تقليص الزيادة في درجات الحرارة إلى ما دون الدرجتين
المئويتين".
إن الزيادة في درجات الحرارة لدرجتين مئويتين، ستؤدي إلى "اختفاء" عدد من دول
العالم وهذا أمر معروف منذ سنوات طويلة، ففي تقرير أعد في نيسان 2004، أظهر أن
أول دول ستختفي بسبب الاحتباس الحراري ستكون جزر المالديف، التي كانت أول دولة
توقع على اتفاقية كيوتو. إذ كان ولا يزال سطح البحر يرتفع في ذلك الوقت بمعدل
(1) سم/السنة،والذي يعني ارتفاع متر واحد في نهاية هذا القرن، وعلى افتراض أن
ارتفاعاً في درجات الحرارة سيصل إلى (2) درجة مئوية. ولكن الآن نرى أن الجليد
يذوب بسرعة أكبر، وكما أن ارتفاع مستوى البحر يتوقع أن يكون أكثر من متر خلال
(100) عام القادمة، إذ أن الاحتباس الحراري يتطور بطريقة أسرع.
إن 80% من جزر المالديف البالغ عددها (1200) جزيرة ستختفي عن سطح الأرض، لأن
ارتفاعها لا يتجاوز المتر الواحد، ولذا فإن جزر المالديف ستكون غير مأهولة في
سنة 2100. وهذا الأمر ينطبق على عدد من الدول التي ذكرناها سابقاً مثل جزر
سليمان، وتوفالو، وكوك. ولهذا السبب اجتمع مجلس الوزراء في جزر المالديف،
وبحضور الرئيس المالديفي، تحت البحر قبل أشهر لجلب أنظار العالم لدولتهم التي
ستختفي تحت سطح البحر. إذ أن حكومة المالديف كانت قد كتبت إلى الرئيس بوش في
أوائل سنة (2004) "ترجوه" المصادقة على اتفاقية كيوتو، ولكن حكومة الولايات
المتحدة لم تهتم حتى بالإجابة على هذه الرسالة!!.
إن ارتفاع سطح البحر متر واحد سيؤدي إلى اختفاء كلي أو جزئي لمدن ساحلية مهمة
جداً، مثل بومباي، وشنغهاي ولندن. كما أن دلتا الميكونك ودلتا النيل ودلتا
بنغلاديش، وهذا الأمر سينطبق أيضاً على جميع السواحل والأنهار، ومن ضمنها منطقة
البصرة ومياه شط العرب.
ما تحدثنا عنه هو في حالة ارتفاع في درجات الحرارة بمقدار درجتين مئويتين أما
عند ارتفاع درجات الحرارة (3) درجات مئوية، كما تقول الوثيقة المسربة من الأمم
المتحدة فسيؤدي الأمر، وكما تقول "أيلون يانك
Aliun Yang"
مسؤولة المنظمة الصينية "السلام الأخضر الصينية
Greenpeace China"،
بأن بوجود حدث كهذا سنرى "زيادة كبيرة من حوادث المناخ العنيفة مثل الجفاف،
والفيضانات، والأعاصير، وكذلك اختفاء ما يعادل دزينة ـ أي 12 ـ دولة من على
خارطة العالم". ليتذكر القارئ أن هذه الدول البحرية الصغيرة التي سوف تختفي هي
من أجمل بقاع الأرض في الوقت الحاضر!!!.
(3) مؤتمر قمة المناخ في كوبنهاكن(72)
لقد أثار مؤتمر قمة المناخ في كوبنهاكن والذي انعقد بين 7 ـ 18/12/2009 وبقيادة
الولايات المتحدة الأميركية، ضجة عالمية ضخمة وضغوطات، من مختلف الأجهزة
والمؤسسات والمعاهد والمنظمات الحكومية وغير الحكومية والمعنية بالبيئة والفقر
والمجاعة وشحة المياه، على حكوماتهم ورؤسائهم لغرض الوصول إلى نتيجة تنقذ
العالم من المآسي المتوقعة في حالة فشل هذا المؤتمر. علماً أن الكثير من
التحضيرات العلمية والتكنولوجية والسياسية كان قد أعد له قبل فترة طويلة، كما
صاحب المؤتمر مظاهرات كبيرة واعتقالات واسعة للمتظاهرين في الدنمارك ذلك البلد
الديمقراطي!!. إن هذه المظاهرات وكذلك ما كتب عن المؤتمر في جميع صحف العالم من
مقالات وافتتاحيات كانت في غالبيتها العظمى تدعو للعمل على إيقاف التغيرات
المناخية الحالية، وإلى الوصول إلى نتائج ملموسة، واتفاقيات ملزمة. ونود هنا أن
نبين بعض الملاحظات الموجزة حول هذا المؤتمر الذي انتهى عملياً إلى "الفشل"، أو
"شبه الفشل"، مع التركيز على بعض الأمور التي أعتقد أنه من المهم أن يطلع عليها
القارئ.
* في البداية أود أن أشير إلى من ارتفعت
أصواتهم قبيل "قمة المناخ"، وهم قلة جداً، لتشكك بظاهرة التغير المناخي ذاتها،
أو في أحسن الأحوال، بالدور البشري في تفاقم التغيرات التي يشهدها كوكب الأرض
حالياً. ولقد ازداد جدل هؤلاء بعدما استطاع بعض قراصنة الإنترنت الدخول إلى
مواقع بعض علماء البيئة في بريطانيا والحصول على معلومات قد تفسر بأن الأرقام
المتعلقة بالتغيرات المناخية قد تعرضت لتعديل يتوخى جعل الظاهرة تبدو وكأنها
أكبر حجماً وأشد وقعاً مما هي عليه في حقيقة الأمر. ولقد استقبل "المشككون" في
ظاهرة الاحتباس الحراري وأسبابها حادثة الرسائل الألكترونية المقرصنة، والصادرة
من بعض العلماء في جامعة "إيست أنجليا" البريطانية وكأنها صيد ثمين لتصب في
صالح مواقفهم في هذا الجدال. ويقول هؤلاء أن الرسائل المتبادلة تكشف عن محاولات
بذلتها أوساط معنية بالمناخ لإخفاء معلومات تقلل من دور النشاط البشري عن رفع
درجة جو الأرض. ولقد استخدمت هذه الرسائل المقرصنة من قبل كثيرين،- كما تقول
إذاعة بي بي سي-، بينهم شركات واحتكارات ومفاوضون سعوديون ضمن الوفد إلى مؤتمر
قمة المناخ، وكذلك من ساسة أميركيين (من الحزب الجمهوري غالباً) لتبرير الموقف
السلبي لهؤلاء من الظاهرة والدور البشري فيها. والغاية من كل هذا هو التقليل من
شأن الدعوات لاتخاذ إجراءات حاسمة وسريعة للحد من انبعاث غاز
CO2،
المنتج من حرق الفحم والنفط والغاز. ونحن نعرف دور لوبيي ( جهات الضغط ) الفحم
والنفط في أميركا المرتبطين والممولين للساسة الأميركان في الكونغرس ومجلس
الشيوخ، ودورهم السابق في إيقاف المصادقة على اتفاقية كيوتو، وكذلك موقفهم
الحالي في عرقلة أي توجه الغرض منه الحد من هذه الظاهرة.
ولقد أوضحت في حينه في كتابي " الطاقة: التحدي الأكبر لهذا القرن " موقف
القوى الاقتصادية المتنفذة في الولايات المتحدة و منظمة اوبك من الاحتباس
الحراري وذلك في فصل أسميته: "الاقتصاد السياسي البيئي"، حيث أوضحت فيه أن
الإجراءات المطلوبة للحد من هذه الظاهرة لا تعني التوقف عن استخدام النفط
والغاز، واللذين هما مادتان ناضبتان خلال هذا القرن في كل الأحوال. ولكن سيتم
استعمالهما بمعقولية أكثر لحين إيجاد بديل اقتصادي غير مضر بالبيئة، وهو أمر
صعب المنال بل مستحيل خلال العقود الستة القادمة ، او حتى نهاية هذا القرن . لا
توجد هناك نية للتوقف الكامل عن استعمالهما إذ لا يمكن ذلك بالمرة، ولكن
بالتأكيد سيتم التقليل من استعمالها، وسيتم أيضاً التوقف التدريجي عن استخدام
الفحم الحجري.
لقد بادرت جميع المؤسسات العلمية العالمية والأمم المتحدة للتصدي لفكرة أن دور
العامل البشري مبالغ فيه، واستبعدت أي شك في ذلك، وأوضحت إن ما تم من قبل
"المشككين" في ظاهرة الاحتباس الحراري هو استغلال بعض المناقشات العلمية بهذا
الخصوص، واستقطاع جمل من سياقها، وتزوير في بعض الجوانب، وخلط واضح بين السياسة
والعلم لخدمة مصالح معينة لشركات كبرى تحاول بشتى الطرق الاستفادة المادية في
الوقت الحاضر وفي المستقبل على حساب مصالح الشعوب والدول، وبالأخص الدول
الفقيرة، وقيل أيضاً أن "القراصنة" استلموا الثمن!!، أو كانوا هم أصلاً من
"المشككين"!! .
علماً لقد ظهر حديثاً كتاب بعنوان "السماء والأرض" لأستاذ الجيولوجيا الأسترالي
أيان بليمر، والذي يشكك بحدوث أضرار إضافية يسببها ثاني أوكسيد الكربون في
المناخ، ويعتبر ارتفاع درجات حرارة الأرض "ميزة" لصالح سكان الأرض، وقد لقي
الكتاب رواجاً جيداً وطبع طبعات عدة في بريطانيا. ولو كان هذا العالم من بلد
مثل روسيا لكان الأمر مفهوماً، ولكنه من إستراليا حيث تتأثر بالجفاف بشكل حاد،
ويعتقد علماؤها وبشكل إجماعي تقريباً بآراء مخالفة تماماً لما يقوله إيان
بليمر. كما تشير دراسة حديثة أجراها فريق من جامعة بريستول البريطانية إلى أنه
بالرغم من ارتفاع كمية ثاني أوكسيد الكربون المنبعث خلال العقود الأخيرة، فإن
الأرض قادرة على امتصاص كميات كبيرة منه. وترى الدراسات أن للمحيطات الغابات
الاستوائية دوراً مهماً في خزن كميات الكربون، إذ أنها قادرة على امتصاص نصف
كمية الكربون الناتجة من النشاط البشري، وهذه النسبة "لم تتغير عبر فترة القرن
ونصف القرن الماضية". قد يكون هذا الأمر صحيحاً، إذ أوضحنا في صفحات سابقة أن
3/7 ثاني أوكسيد الكربون يتم امتصاصه من المحيطات والزراعة، كما أن هناك كميات
أخرى لا يعرف مصيرها وتتابع بعناية لمعرفة استخدامها بالطبيعة. ولكن المشكلة
بالكمية المتبقية!!، التي أضافت حتى الآن ما يزيد (100) جزء/الملون في جو
الأرض، وكونت "الغيوم" في أعالي الجو وسببت الاحتباس الحراري، كما وأن نسبة
ثاني أوكسيد الكربون في تصاعد مستمر، ويعمل العلماء والقادة على عدم تجاوز
النسبة (450) جزء/المليون.
* إن الصين تدرك أنها الآن الملوث الأول، وأنها تجاوزت الولايات المتحدة في
ذلك، كما وأنها تدرك أيضاً أن عدم شمولها باتفاقية كيوتو لا يخلي مسؤوليتها
بهذا الشأن، إضافة إلى ذلك فإنها تدرك بوضوح أن أي اتفاق مقبل، (أي لما بعد
2012)، سيشملها بالتأكيد. وهي بحكم علاقتها الجيدة بدول الجنوب، يجب عليها أن
تراعي مشاعر ومصالح الدول الفقيرة التي ستتأثر بصورة حادة بالتغيرات المناخية،
كما أنها هي نفسها سوف تتأثر سلباً وبدرجة كبيرة بهذه التغيرات، ولهذا فإنها
اتخذت عدة أمور لتحضير نفسها لما قد يحدث في مؤتمر قمة المناخ في كوبنهاكن.
فلقد ذكر الرئيس الصيني هوجينتاو أمام الأمم المتحدة في22/9/2009 بأن "بلاده
ستحد من انبعاثاتها الغازية بهامش كبير بحلول سنة 2020، ليكون في مستوى سنة
2005"، الأمر الذي دعا نائب الرئيس الأميركي الأسبق أل كور، الناشط في مجال
حماية البيئة، والحائز على جائزة نوبل في هذا المجال، بأن يمتدح الصين قائلاً:
"إنها تشكل قيادة مثيرة للإعجاب". إضافة لذلك أبرمت الصين اتفاقاً مع الهند
في22/10/2009، للتعاون المشترك في تطوير التكنولوجيا المتخصصة في مجال التغير
المناخي، كما عملت على توحيد موقفي الدولتين "الصاعدتين" في مؤتمر كوبنهاكن.
إلاّ أن الموقف العملي الأهم ما ذكرته صحيفة النيويورك تايمز في 16/10/2009، أي
قبيل انعقاد المؤتمر، من أن الصين تتخذ الإجراءات الآن لمضاعفة عدد محطاتها
النووية الكهربائية الحالية ثلاث مرات ، وذلك خلال عقد من الزمن، أي سوف يتم
إكمالها قبل سنة 2020. إذ يوجد في الصين حالياً (11) محطة كهربائية نووية،
وستبدأ ببناء عشر محطات جديدة في كل سنة مقبلة لحين توقيع عقود جميع هذه
المحطات.
إن لدى الصين حاجة ماسة للكهرباء الآن وفي المستقبل، فحالياً لدى الصين محطات
كهرونووية تولد (9) كيكاوات، (يعادل الكيكاوات 1000 ميكاوات)، وتمثل (2.7%) من
الطاقة الكهربائية الصينية الحالية. قررت الحكومة الصينية قبل ثلاث سنوات زيادة
سعات محطاتها الكهرونووية بأربع مرات بحدود سنة (2020). إن هدف الصين وصول مجمل
محطاتها النووية الكهربائية (الكهرونووية) إلى (70) كيكاوات في سنة 2020، وإلى
(400) كيكاوات في سنة 2050. إن هذه الزيادات لا تعني بأي حال من الأحوال تقليل
استيرادها من الغاز أو النفط، ولو أنها ستحاول إغلاق محطاتها الكهربائية
القديمة التي تستخدم الفحم الحجري. إن الطلب على الكهرباء يزداد بسرعة كبيرة في
الصين، وحتى لو تحققت الأرقام أعلاه بما يتعلق بالمحطات الكهرونووية في سنة
2020، فإن الطاقة الكهربائية من المحطات النووية ستمثل (9.7%) فقط من حاجة
الصين للكهرباء.
إن هذا العدد الكبير من المحطات النووية سيقلل 5% من غازات الاحتباس الحراري في
سنة 2020، وهو جزء يسير مما وعدت به الصين المجتمع الدولي.
عادت الصين لتكشف في 26/10/2009 عن خطتها لتقليص الانبعاثات الغازية بنسبة تزيد
عن 45% بحلول 2020، وهو "الهامش الكبير" الذي وعد به الرئيس الصيني في
22/9/2009. وهي الآن تعمل على إدخال كافة أنواع الطاقة المتجددة، وإجراء البحوث
والدراسات لتحسين أدائها كما أنها تشيد المعامل الضخمة لإنتاج معداتها، وتعتبر
الصين حالياً كأهم سوق لمعدات الطاقة المتجددة بمختلف أنواعها، مثل طاقة الرياح
أو الطاقة الشمسية وغيرهما.
* لقد بدا واضحاً في مؤتمر كوبنهاكن، الذي شاركت فيه (193) دولة، وكان من
المفروض حضور (120) رئيس دولة إليه، بأن هناك انقساماً واضحاً بين الدول
الصناعية المتقدمة، والدول النامية التي كانت تقودها مجموعة دول الجنوب
والمسماة "مجموعة الـ 77"، و التي انضمت إليها الصين في هذا المؤتمر لتسمى
"مجموعة الـ 77 زائداً الصين"، لتفاوض عن (130) دولة نامية بما فيها دول غنية
كالسعودية وكوريا الجنوبية بالإضافة إلى أكثر الدول فقراً في العالم. ويمكن
إيجاز القضايا المختلف عليها بما يلي:
(أ) حجم الانخفاضات في كميات الانبعاثات الغازية في الدول الصناعية،
مع التأكيد على إتمام تنفيذ التزامات الدول المتقدمة المحددة في اتفاقيات
كيوتو. إذ سبق أن أوضحنا أن مأساة الدول النامية نتيجة التغييرات المناخية
تزداد بازدياد انبعاث الغازات الضارة، ولهذا تعتبر هذه المسألة مهمة جداً
بالنسبة لهذه الدول. إن مسودة البيان الختامي الأولى والرسمية، والتي طرحتها
رئاسة المؤتمر الدنماركية، لم يتم عرضها على الدول النامية، إذ تم إعدادها من
قبل الدول الصناعية فقط، وطرحت على طاولة الدول النامية لإقرارها كأمر روتيني.
تجاهلت هذه المسودة التزامات بروتوكول كيوتو نهائياً، إذ أرادت اتفاقية جديدة
تبدأ من سنة (2012)، وكأن الأمر يناقش لأول مرة وليس هناك قانوناً دولياً
ملزماً بهذا الخصوص وهو بروتوكول كيوتو، حيث لم تقم الولايات المتحدة بتنفيذ أي
جزء منه لأنها لم تصادق عليه رغم أنها شاركت في إعداده ووقعت عليه عند صدوره.
كما أن العديد من الدول الصناعية لم تنفذ متطلباته في تخفيض نسب انبعاثات
الغازات الضارة وبالحدود الموجودة في البروتوكول وإنما بنسب أقل بكثير . هذا
الأمر حدا بالدول النامية إلى ترك المؤتمر في 14/12/2009، وأن يصرح لومومبا دي
آبينج، رئيس "مجموعة الـ 77 زائداً الصين" إلى الصحفيين بقوله: "لقد بدا واضحاً
أن الرئاسة الدنماركية تقدم مصالح الدول المتقدمة على مصالح الدول النامية وذلك
بعيداً عن الديمقراطية". ورغم رجوع المنسحبين إلى المؤتمر بعد أن تم "تلبية"
مطلبهم بطريقة ملتوية تريد فقط استمرار وإنجاح المؤتمر وذلك بتقديم وعد "بإجراء
مباحثات منفصلة بشأن مصير بروتوكول كيوتو للمناخ في المستقبل القريب"، بدلاً من
إدخال هذه المباحثات في صلب المؤتمر الحالي، وعلى أساس أن الوقت لا يسمح
بذلك!!. وفعلاً لم يكن الوقت يسمح بذلك إذ أن رؤساء الدول كانوا في طريقهم إلى
الدنمارك للتوقيع على "معاهدة" للمناخ!!، ولكن لم يكن هناك معاهدة لتوقيعها.
لقد كانت وفود الدول النامية في غضب وفي يأس، فهي ستكون الضحية الكبرى للاحتباس
الحراري والتغيرات المناخية، إذ أن العطش والجوع والمرض والتشرد والغرق النهائي
تحت سطح البحر سيكون من نصيبها، ولم يكن لها يد بالمرة فيما يحدث من تغيرات
مناخية، إذ أن ما يحدث هو نتيجة فعاليات الدول الصناعية الغنية خلال (150) سنة
الماضية.
من الواضح أن هناك تبايناً في الموقف بين الولايات المتحدة وأوربا، إذ أن أوربا
نفذت جزءاً من التزاماتها. ولكن التباين الأكبر هو بين الموقف الصيني
والأميركي، وحدثت مناوشات كلامية بينهما في أروقة المؤتمر، فعندما حث كبير
المفاوضين الأميركان الصين على "الوفاء" بما تعهدت به بتخفيض معدلات انبعاث
الغازات المتسببة في ارتفاع درجات حرارة الأرض، وأن "تؤكد هذا التعهد بإدماجه
ضمن معاهدة دولية للحد من التغيرات المناخية"!!، وكذلك قوله "إن إعلان الصين
أنعش الآمال إلاّ أنه لم يذهب بعيداً... وأن على الصين أن تكون أكثر شفافية في
ذلك"!!. فهو بهذه التصريحات يتحدث ناسياً الالتزامات الأميركية من خلال اتفاقية
كيوتو التي لم تكن تشمل الصين. ولهذا ردت الصين على هذه التصريحات مجددة
انتقاداتها "لفشل الولايات المتحدة بالوفاء بتعهدها قبل 17 سنة عندما وقعت على
معاهدة المناخ، و(يقصد معاهدة كيوتو)، ثم تنكرت لها بعد خمس سنوات عندما صارت
المعاهدة بروتوكولاً"، وأضاف رئيس الوفد الصيني "ما ينبغي لهم هو أن يقوموا
بعمل سبر لضميرهم"!!. طبعاً بالنسبة إلينا في منطقتنا، وفي العراق على وجه
الخصوص فإن مثل هذا الطلب، أي الطلب من الأميركان "محاسبة ضميرهم"!! أمر مثير
للضحك!!.
(ب)
إن من الأمور الخلافية المهمة الأخرى هي كيفية توفير التمويل لتجنب
الأضرار والخفيف من النتائج، والحد من التوسع لظاهرة الاحتباس الحراري والتغير
المناخي.
لقد ذكر باتشاوري، رئيس الهيئة الحكومية الدولية المعنية بدراسة المناخ، في
محاضرته التي أشرنا إليها سابقاً، أن الهيئة الدولية وجدت "أن تكاليف مثل هذه
الجهود الصارمة للحد من التأثيرات المترتبة على تغير المناخ لن تتجاوز 3% من
الناتج المحلي الإجمالي للعالم في عام 2030. فضلاً عن ذلك فإن جهود التخفيف من
شأنها أن تعود بفوائد مشتركة ضخمة، إذ أن انخفاض معدلات انبعاثات الغازات
المسببة للاحتباس الحراري سوف يأتي مصحوباً بانخفاض معدلات تلوث الهواء ودعم
أمن الطاقة، وزيادة الناتج الزراعي، وتشغيل العمالة. ولو وضعنا الفوائد
المشتركة بالكامل، فهذا يعني أن صافي التكاليف بعد إنفاق 3% من الناتج المحلي
الإجمالي سنة 2030 سوف يكون ضئيلاً للغاية، بل وربما سلبياً، مقارنة بالفوائد
المشتركة. وقد يصبح بوسع العالم في الواقع أن يعزز من ناتجه الاقتصادي ورخائه
من خلال ملاحقة مسارالتخفيف".
وهنا أود أن أشير إلى مقالة مهمة نشرت في صحيفة "الخليج" الإماراتية في
13/12/2009 كتبها الملياردير المعروف جورج سوروس، الذي "استيقظ ضميره" خلال
العقد الماضي وأصبح من دعاة محاربة العولمة (أي الاقتصاد المنفلت)، ودعاة
مساعدة الدول الفقيرة. إن مقالته تحت عنوان "تمويل الكفاح ضد تغير المناخ"،
تتحدث عن كيفية تمويل مكافحة التغيرات المناخية، والمفروض أن لديه خبرة كافية
في هذا الأمر!!.
يقول سورس في مقالته: أن من المتفق عليه عموماً الآن أن البلدان المتقدمة سوف
يكون لزاماً عليها أن تقدم مساهمات مالية ضخمة لتمكين بلدان العالم النامي من
التعامل مع تغير المناخ. إن الأموال مطلوبة للاستثمار في مصادر الطاقة الجديدة،
وإعادة زرع الغابات وحماية الغابات المطرية، وتغير أنماط استخدام الأراضي،
وتطبيق خطط التكيف والتخفيف لمجابهة التغير المناخي. ولكن ولحد الآن لا يوجد
اتفاق مماثل على المصدر الذي سوف تأتي منه هذه الأموال"، ويضيف "إن البلدان
المتقدمة غير راغبة في التعهد بالتزامات مالية جديدة، وذلك بعد القفزات الكبيرة
التي شهدتها ديونها الوطنية، فهي لا تزال في حاجة إلى تحفيز اقتصادها المحلي...
ويبدو أنها سوف تكون قادرة على تشكيل صندوق (بداية سريعة) بقيمة (10) مليار
دولار سنوياً على مدى الأعوام القليلة القادمة، ولكن أية زيادة على هذا المبلغ
لن تتفق مع ميزانيتها الوطنية. ومن غير المرجح أن يكفي هذا المبلغ لإرضاء
البلدان النامية".
ويستمر سورس فيقول: "وفي اعتقادي أن المبلغ من الممكن أن يزيد إلى الضعف على
الأقل وأن يكون مؤكداً لفترة زمنية أطول. إن حكومات البلدان المتقدمة تعمل في
ظل سوء فهم مفاده أن التمويل لابد أن يأتي من ميزانياتها الوطنية. ولكن هذه
ليست الحال، فالمال لديها بالفعل، وهو مال معطل في حساباتها الاحتياطية لدى
صندوق النقد الدولي، والإنفاق من هذه الأموال الاحتياطية لن يضيف إلى العجز
المالي الذي تعاني منه الحكومات. وكل ما عليها و أن تستفيد من هذه الأموال".
ويستمر في كلامه: "في شهر أيلول 2009 وزع صندوق النقد الدولي على أعضائه (283)
مليار دولار في هيئة حقوق سحب خاصة، وهي أداة مالية غير واضحة، ولكنها تشكل في
الأساس نقداً أجنبياً إضافياً. ولا يمكن استخدامها إلاّ بتحويلها إلى واحدة من
أربع عملات، وعند تلك النقطة تبدأ حقوق السحب الخاصة في حمل الفائدة تبعاً
لأسعار سندات خزانة هذه العملات مجتمعة. وفي الوقت الحاضر يبلغ سعر الفائدة أقل
من 0.5%."، وهنا يتحدث عن أمور مصرفية بحتة!!.
ويقترح سورس "أن تقوم البلدان المتقدمة إلى جانب إنشاء صندوق (بداية سريعة)
بقيمة (10) مليارات دولار سنوياً بالعمل معاً على توفير قرض جماعي قيمته (100)
مليار دولار من حقوق السحب لمدة (25) عاماً لإنشاء (صندوق أخضر) خاص يخدم بلدان
العالم النامي. وهذا الصندوق سوف يعمل على التعجيل بزراعة الغابات، وترشيد
استخدام الأراضي، وتنفيذ المشاريع الزراعية... وهذا من شأنه أن يغذي أسواق
الكربون بعائدات كبيرة. إذ أن العائدات التي تولدها هذه المشاريع تتجاوز معالجة
الانبعاثات الكربونية. فالعائدات الناتجة عن مشاريع ترشيد استخدام الأراضي، على
سبيل المثال، من الممكن أن تشتمل على إمكانية توفير المزيد من سبل الرزق
المستدامة في المناطق الريفية، وتوفير إنتاجية زراعية أعلى وأكثر مرونة، وتوليد
العمل في المناطق الريفية".
فهو هنا يوفر "الشبكة" ـ كما يقول المثل الشعبي ـ للدول النامية لصيد السمك وهي
عملية دائمة، بدلاً من توفير السمك إلى الدول النامية، وهي عملية مؤقتة جداً
وتشبه "الشحاذة". في هذا المقترح هناك منتجات زراعية للبيع، وهنا غاز
CO2
تسحبه الغابات والأراضي المزروعة تستطيع الدول النامية أن "تصدره" إلى الدول
المتقدمة، بما يسمى تجارة الكربون. إذ إذا كان لدى دولة غابات وتستهلك غاز
CO2
أكثر مما تنتج أو محدد لها من هذا الغاز، فلها الحق ببيع فائضها إلى الدول التي
تنتج هذه الغازات أكثر مما هو محدد لها، وهذا الأمر هو أحد مبادئ بروتوكول
كيوتو، وأي اتفاق مقبل ملزم آخر.
يستمر سورس بتفاصيل مالية في كيفية تنفيذ مقترحة ويقول: "أقترح أيضاً أن توافق
البلدان الأعضاء على استخدام احتياطيات صندوق النقد الدولي من الذهب لضمان
أقساط الفائدة وسداد أصل القروض. إن صندوق النقد الدولي يملك الكثير من الذهب
أكثر من مائة مليون أوقية وهو محفوظ في دفاتر الصندوق بتكاليف تاريخية، لذا فإن
هذه الاحتياطيات من الذهب تساوي بالسعر الحالي للسوق أكثر من مائة مليار دولار
فوق قيمتها الدفترية. وهي مخصصة بالفعل لمصلحة أقل بلدان العالم نمواً.
و(الصندوق الأخضر) المقترح سوف يلبي هذا الشرط". ويستمر لتبرير وشرح مقترحه بأن
"هناك ثلاث حجج قوية لصالح هذا الاقتراح. الحجة الأولى أن الصندوق الأخضر يمكن
أن يعمل بتمويل ذاتي. بل وقد يكون مربحاً، ولن يستخدم إلاّ أقل القليل من ذهب
صندوق النقد الدولي، هذا إن استخدم بالفعل. والحجة الثانية أن المشاريع لن تحقق
عائداً إلاّ إذا تعاونت البلدان المتقدمة في إنشاء النوع السليم من أسواق
الكربون. وتأسيس الصندوق الأخضر سوف يشكل تعهداً ضمنياً بالقيام بهذا من خلال
تعريض احتياطي صندوق النقد الدولي من الذهب للمجازفة. والحجة الثالثة سوف تكون
هذه الأموال متاحة على الفور للتعجيل بتنفيذ مشروعات الطاقة الموفرة للكربون.
ولكل هذه الأسباب فإن البلدان النامية لابد وأن تتبنى اقتراحي". علماً في
المقال تفاصيل عن العملية المالية لتنفيذ هذا الاقتراح.
(ج)
المسألة الثالثة المختلف عليها، وتعتبر الأهم بالنسبة للدول الفقيرة، وبالذات
أقطار الجزر البحرية، وهي ما هي درجة الحرارة التي سوف تكون الحد الأعلى
المسموح بها بالارتفاع. إذ أن الدول الفقيرة، تريد أن لا يزيد الارتفاع عن
(1.5) درجة مئوية، والدول الصناعية المتقدمة، وبعد ضغوط عليها تريد أن يكون
الحد الأعلى (2) درجة مئوية، علماً أن ما تريده فعلاً أن يسمح بارتفاع درجات
الحرارة أعلى من ذلك، على الأقل هذا ما تريده الولايات المتحدة. وبهذا الأمر
تتفق جميع الدول الناهضة (الصين، والهند، والبرازيل، وجنوب إفريقيا) مع الدول
الصناعية في وضع الحد الأعلى (2) درجة مئوية، إذ تعتقد هذه الدول أن تخفيضها
أكثر سيؤثر جداً في نموها الاقتصادي.
(4) البيان الختامي لمؤتمر كوبنهاكن
* كان مؤتمر كوبنهاكن على وشك الانهيار، وصل الرئيس باراك أوباما إلى الدنمارك
في 18/12/2009، بعد أن سبقته وزيرة خارجيته هيلاري كلنتون وعقدت مؤتمرها،
"هددت" فيه عملياً جميع الدول بضرورة القبول بالمقترحات الأميركية. وتنقل
الكاتبة الأميركية المعروفة (ناومي كلاين
Naomi Klein)
من كوبنهاكن في مقال لها نشر في المجلة الأميركية اليسارية "ذا نيشن
The Nation"
في 17/12/2009 وتحت عنوان "سننقذ حياتكم ولكن على شروطنا". إن بعض ما أشارت
إليه وزيرة الخارجية الأميركية بأن "الولايات المتحدة ستساهم في حصتها لتمويل
(100) مليار دولار للدول النامية بحلول عام 2020، وفقط على شرط أن توافق جميع
الدول على صفقة المناخ التي طرحتها الولايات المتحدة، والتي تشمل مقتل اتفاقية
كيوتو، وتبديل إجراءات ملزمة قانونياً ـ تقصد بروتوكول كيوتو ـ بخطوات عامة
"حسب فهم ناومي لما تريده الولايات المتحدة. وتقول كلنتن: "إذا لم توافق كل
دولة على الشروط الأميركية، فسوف لن يكون هناك التزام مالي، على الأقل من
الولايات المتحدة"، "وهو ابتزاز مفضوح
naked blackmail"
حسب كلمات ناومي. كما نقلت "الأخبار" الصحيفة اليسارية اللبنانية في 27/12 عن
ناومي كلاين عن المجلة "ذا نيشن"، قولها: "لو جاء باراك أوباما إلى كوبنهاكن
بالتزام تغييري وملهم... لكان كل الملوثين الآخرين سيحذون حذوه. فلقد أكد
الاتحاد الأوربي واليابان والصين والهند أنهم مستعدون لزيادة مستوى التزامهم إن
قامت الولايات لمتحدة بذلك. لكن عوضاً عن قيادة الآخرين، وصل أوباما ومعه خطة
ذات أهداف متواضعة بطريقة مخجلة، وقام سائر الملوثين بالمثل".
* اجتمع أوباما ورؤساء الصين والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا بعد أن كان قد
اجتمع مع رؤساء الدول الصناعية، وأعلن بعدها أن "العالم توصل إلى اتفاق"!!، وهو
ما يسمى "اتفاق كوبنهاكن
Copenhagen Accord"
والذي يتضمن مسائل عامة، مع بعض القضايا "المحددة"!. ولكن مكتوبة بصيغة مطاطية
يمكن تفسيرها بعدة وجوه، وحسب قول ناومي كلاين فإنهم اتفقوا على قاعدة "أنا
سأدعي أنك تقوم بشئ ما تجاه المناخ إذا ادعيت الأمر نفسه معي. اتفقنا؟...
اتفقنا".
أهم بنود "اتفاق كوبنهاكن" المكتوب بشكل غير ملزم:
ـ القبول بزيادة درجات الحرارة لرقم لا يتجاوز (2) درجة مئوية.
ـ الاستثمار حتى (30) مليار دولار خلال الثلاث سنوات بين (2010 ـ 2012)، وستعطى
الأولوية في الاستثمار في الدول النامية وإفريقيا، لأغراض التكيف مع البيئة
adaptation،
والتخفيف
mitigation
من حدة الآثار البيئية، مع التأكيد على
تطوير الغابات.
- تهدف الدول المتقدمة الى جمع( 100) ملياردولارسنويا ، بحدود سنة (2020) لغرض
تلبية حاجات الدول النامية، وسوف تأتي المبالغ من مصادر مختلفة منها حكومية
ومنها قطاع خاص،وجزء كبير من هذا التمويل يجب أن يمر من خلال صندوق "كوبنهاكن
الأخضر للمناخ
Copenhagen Green Climate Fund".
علماً أن جميع هذه الأمور ليست ملزمة!!.
لقد أعلن أوباما في 19/12/2009 أن الدول الرئيسية في قمة كوبنهاكن توصلت إلى
"اتفاق معقول"، وحينما رأى رد فعل الدول النامية والأمم المتحدة السلبي على
الاتفاق، عاد وقال في 22/12: "أن لدى الناس ما يبرر شعورهم بخيبة الأمل من
نتائج مؤتمر كوبنهاكن"، إلاّ أنه أضاف "أنه على الأقل لم يكن هناك الكثير من
التراجع عن المواقف السابقة... إن هذا أفضل من انهيار كامل للمحادثات"!!. وهنا
تخيب الولايات المتحدة مرة أخرى توقعات الدول النامية!!.
إن الاتفاق غير ملزم، وقال أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون: "إن الاتفاق يجب
أن يكون ملزماً (قانوناً) في العام القادم". وحسب النيويورك تايمز في عددها في
20/12/2009، أن العديد من وفود العالم غادرت كوبنهاكن في حالة غضب وخيبة أمل.
اضطرت الصين، وكما جاء في إذاعة البي بي سي العربي في 22/12 إلى الدفاع عن
نفسها عندما اتهمها وزير التغيير المناخي البريطاني إد ميليباند "برفض اتفاق
حول الحد من الانبعاثات"، فأجابت الصين: " ان تصريحاته تأتي في إطار خطة سياسية
لإثارة الانقسام بين الدول النامية".
عودة
الى الفهرست >>