ج ـ تقنيات جديدة متعلقة بالمياه
سنذكر أدناه بعض التقنيات الحديثة المتعلقة بالمياه، والمقصود بالحديثة هي تلك
التي تطورت بشكل ملحوظ خلال العقود الخمسة الماضية، والغاية منها توفير المياه
العذبة، والاقتصاد في استخدامها خصوصاً في الزراعة والري ، و زيادة انتاجية
المحصول، حيث تطورت وبشكل واضح بعد بروز شحة المياه في العالم.
أولاً: تحلية المياه
Water Desalination(73)
لقد تحدثنا في الفصول السابقة عن مواصفات ماء الشرب، والمياه العذبة، وبيّنا
وجود كميات لا نهاية لها من مياه المحيطات والبحار، ولكن هذه المياه غير صالحة
للشرب أو الزراعة أو للخدمات الأخرى إذ أنها تحتوي على ما يقارب (35000)
جزء/المليون من الأملاح، بينما المفروض في المياه العذبة أن لا تتجاوز الأملاح
المذابة بها عن (1000) جزء/المليون، ويفضل لمياه الشرب أن تصل إلى حوالي (600)
جزء/المليون. في الوقت الحاضر ونتيجة للاحتباس الحراري والتغير المناخي، فإن
أكبر خزين للمياه العذبة، وهي ثلوج القطبين والثلوج على قمم الجبال العالية
كالهملايا، في طريقها إلى الذوبان والانتهاء في البحار والمحيطات وبذا تصبح
جزء من المياه المالحة. من أجل ذلك تطورت صناعة تحلية مياه البحار، أو المياه
الجوفية والتي تحتوي على كميات من الأملاح قد تكون أقل من مياه البحار، مثلاً
(10000) جزء/المليون، ولكن لا تزال تحتاج إلى تحلية.
(1)
طرق تحلية المياه
لقد بدأت تحلية مياه البحار منذ فترة طويلة، حيث نصبت مثل هذه الوحدات على
البواخر الضخمة أو الغواصات، وكذلك في الأقطار الغنية التي لا تتوفر فيها
المياه العذبة مثل بعض دول الخليج العربي، وازداد عددها مع ازدياد الشحة في
المياه الحلوة في مختلف بقاع العالم.
إن الطريقة الرئيسية التقليدية لتحلية المياه، هي تقطير مياه البحر
distillation،
واعتيادياً تستخدم "التقطير متعدد المراحل
Multi-stage flash distillation"،
وكذلك يستخدم في أغلب الأحيان التقطير الفراغي (أو بضغوط منخفضة)،
vacuum distillation،
وذلك للمساعدة في الغليان في درجات حرارة واطئة. إذ اعتيادياً يتم غليان الماء
وبالتالي تبخره في درجات حرارة (100) درجة مئوية، في الضغط الجوي الاعتيادي.
وفي حالة وجود أملاح مذابة في الماء، فإن الماء يغلي في درجات حرارة أعلى من
(100) درجة مئوية في الضغط الجوي الاعتيادي وإذا تم تخفيض الضغط الجوي في وحدات
التقطير عن طريق مضخات التفريغ (أو مضخات الفراغ)
vacuum pump،
فإن الماء يغلي في درجة أقل من (100) درجة مئوية اعتماداً على مدى تخفيض الضغط
الجوي، وفي ظروف انخفاض شديد في الضغط، فإن الماء قد يغلي ويتبخر حتى في درجة
حرارة الجو الاعتيادية. إن العمل في ضغوط منخفضة يعني صرف طاقة (حرارة) أقل، إذ
أن رفع درجة حرارة ماء البحر ستكون الى درجة حرارة أقل و بذا تصرف طاقة أقل،
وبنفس الوقت هناك طاقة إضافية لازمة لتشغيل مضخات التفريغ لتخفيض الضغط، ولكن
في كل الأحوال فإن التقطير في ضغط أقل من الضغط الجوي يحتاج إلى طاقة أقل. إن
بغليان وتبخر ماء البحر، يتبخر الماء وحده الذي يكثف ويجمع في خزانات خاصة،
ويظل الباقي ماءاً مالحاً مركزاً جداً يجب إعادة طرحه إلى البحر ثانية للتخلص
منه. إن الماء المكثف/ الماء العذب المجمع في خزانات، ويكون اعتيادياً خال من
الأملاح تماماً، إذ تبقى الأملاح مع المياه التي يجب التخلص منها.
في الوقت الحاضر، وكما جاء في مقالة صحيفة "وول ستريت جورنال
Wall Street Journal"
الأميركية المعروفة، في 17/1/2008، " يوجد في العالم ما يعادل (13080) وحدة
تحلية تنتج أكثر من(12) مليار غالون أميركي/اليوم (أي حوالي 45.4 مليون
م3/اليوم)، وذلك نقلاً عن (اتحاد التحلية العالمي
International Desalination Association
)، منها وإلى سنة 2004، 85% من هذه الكميات تعمل على نظام التقطير متعدد
المراحل، وفي أغلبها يتضمن التقطير الفراغي ".
حدث في العقد الأخير تطور كبير في طرق جديدة لتحلية المياه لا تعتمد التقطير،
وهي طرق الأغشية
membrane processes،
ومعظم الوحدات التي تعتمد هذه الطريقة تعتمد أيضاً تكنولوجيا التنافذ العكسي
reverse osmois،
حيث يعمل على تخليص مياه البحر من الأملاح باستخدام خاصية التنافذ خلال أغشية
ولكن بصورة عكسية باستخدام مضخات قوية لدفع الماء خلال الأغشية، ولذا نحصل على
ماء عذب يحتوي نسباً ضئيلة من الأملاح، (وفي حدود التركيز التي نريدها)، في جهة
من الغشاء، ويزداد تركيز الأملاح على الجهة الثانية من الغشاء، وبذا يخزن الماء
العذب لاستعماله مباشرة، أو لمزجه مع مياه عذبة منتجة من عمليات التقطير للوصول
إلى تراكيز للأملاح في المياه الصالحة للشرب والتي لا تتجاوز اعتيادياً (500)
جزء/المليون أو لاي تركيز مطلوب. أما الماء المالح جداً في الجهة الثانية من
الغشاء فيطرح ثانية إلى البحر.
إن طريقة الأغشية طريقة قديمة، فلقد كانت مستخدمة في العراق في معامل أسمدة
البصرة، ومعمل البتروكيمياويات في البصرة لأغراض تحضير بعض المياه الصناعية
التي يحتاج فيها إلى الماء العذب جداً أو الماء المقطر، ولقد تم الاستفادة من
جزء من هذه المياه في تزويد بعض أهالي مدينة البصرة في أوائل تسعينيات القرن
الماضي بالمياه العذبة، وذلك عندما ارتفعت نسبة الأملاح في مياه شط العرب.
إن أنظمة الأغشية تستهلك طاقة أقل من أنظمة التقطير، ولذا تكون الكلفة أقل عند
أخذ سعر الطاقة بالأسعار العالمية. ولكن تكنولوجيا الأغشية محصورة بشركات
محددة، وإن كلفها عالية. إذ أن الأغشية تصنع من مواد خاصة وتقاوم ضغوطا عالية،
وهي من نوع "الأغشية شبه النافذة
semi-permeable membranes".
في كثير من وحدات التحلية وخصوصاً في وحدات التقطير، فإنها تعمل ضمن محطات
توليد الكهرباء، أي أن هناك غرضاً مزدوجاً
dual-purpose،
وذلك لإنتاج الكهرباء، وإنتاج المياه العذبة.
إن معظم وحدات الاستفادة المزدوجة تستخدم الوقود الأحفوري (الفحم أو النفط أو
الغاز الطبيعي)، أو تستخدم الوقود النووي ضمن المحطات الكهرونووية لتوليد
الكهرباء ويمكن استخدام أي
نوع
من الطاقة لتشغيلهذه الوحدات، ومن المنطقي أن وحدات التحلية الكبرى الموجودة في
العالم، وهي الموجودة في الشرق الأوسط أو شمال إفريقيا، أن تستخدم النفط (أو
الغاز) كوقود، لأن أسعار الوقود رخيصة ومدعومة من الدولة، حيث أن الوقود يمثل
العنصر الأساسي في كلفة الماء العذب المنتج . كذلك فإن كلف الماء العذب المنتج
من خلال وحدات مزدوجة الغرض، وهي أكثر كفاءة في استخدام الطاقة، تكون أقل من
كلف المياه المنتج من خلال وحدات خاصة لإنتاج المياه العذبة.
(2) وحدات التحلية الموجودة في العالم
توجد في الشرق الأوسط، وبالأخص في دول الخليج، أكبر وحدات تحلية للمياه في
العالم، إذ أن الوقود رخيص وسعره مدعوم كما أن هناك شحة عالية في المياه
العذبة.
وتعتبر أكبر وحدة في العالم لإنتاج المياه العذبة هي تلك الموجودة في جبل علي
في الإمارات العربية المتحدة، والتي تسمى وحدة المرحلة الثانية، وهي مزدوجة
الاستفادة (مع محطة كهرباء)، وتستخدم التقطير متعدد المراحل. الطاقة الإنتاجية
لهذه الوحدة تبلغ (300) مليون متر مكعب من الماء العذب سنوياً.
في حين ان أكبر وحدة منتجة في الولايات المتحدة، ـ كما في كانون الأول 2007 ـ،
موجودة في خليج تامبا
Tampa Bay
في فلوريدا، وتبلغ طاقتها (25 ) مليون غالون/اليوم، (أي حوالي 95 ألف م3/اليوم،
أو ما يعادل 34 مليون م3/السنة)، من الماء العذب.علماً أن إحدى الشركات
الأميركية ربحت عقداً في كانون الثاني 2008، بقيمة (300) مليون دولار لإنشاء
وحدة تحلية مياه المحيط شمال مدينة سان دياكو في كاليفورنيا، وستكون الأكبر في
العالم الغربي، بطاقة (50) مليون غالون يومياً (أي 190 ألف م3/اليوم، أو حوالي
70 مليون متر مكعب/السنة).
ان الوحدات المستخدمة في جدة والمدينة، هي ضمن مجمعات مزدوجة لإنتاج الكهرباء
والماء العذب.
لقد استخدمت المفاعلات النووية في المحطات الكهرونووية، لإنتاج الماء العذب
أيضاً وفي أماكن متعددة حول العالم، كالهند واليابان وروسيا. إذ أن هناك في
اليابان وحدها (8) محطات كهرونووية تنتج الماء العذب أيضاً. بالواقع إن إنتاج
الماء العذب في جميع أنواع المحطات الكهربائية، وخصوصاً الكهرونووية، يساعد في
اقتصاديات هذه المحطات، إذ يستفاد من الحرارة العالية الفائضة في هذه المحطات
في تقطير مياه البحر أو المياه الجوفية، واعتيادياً يضطر إلى تبريد الحرارة
الفائضة باستخدام وحدات التبريد، وبدلاً من التبريد ستفاد منها في تسخين مياه
البحر لأغراض التحلية، وبذا يكون هناك وفرة في الطاقة .
وفي حاملات الطائرات الأميركية العملاقة والتي تعمل على الوقود النووي، فإنه
وكجزء من التصاميم، أن تحمل هذه الحاملات وحدات لتحلية المياه تعادل (400) ألف
غالون/اليوم أو ما يعادل(1514) م3/اليوم.
(3) الكلف المتعلقة بوحدات التحلية
هناك عوامل عديدة تحدد كلفة المياه العذبة المنتجة من وحدات التحلية. فهذه
العوامل تشمل طاقة الوحدة، وموقعها، ونوع المياه المالحة المجهز لها، وأجور
العمالة، وكلف الطاقة والوقود، وإمكانيات التمويل وتصريف المنتوج، وتوفر الظروف
البيئية والمكان لرمي النفايات وهي بالأساس المياه المالحة ذات التركيز العالي
جداً.
إن استخدام الطاقة النووية يكون مجديا جداً اقتصادياً في حالات الوحدات الكبيرة
جداً، ويتوقع أن يتوسع هذا الاستخدام.
تقول إحدى الدراسات: "أن تحلية المياه قد تكون حلاً لبعض المناطق في العالم
شحيحة المياه، ولكن ليس في المناطق الفقيرة، والبعيدة جداً عن سواحل البحار أو
المحيطات، أو في المرتفعات العالية. ومما يثير الأسف أن هذه المناطق ـ البعيدة
عن السواحل أو عالية الارتفاع ـ تشمل أكثر المناطق شحة للمياه في العالم...
فهناك مناطق شحيحة المياه تقع على هضاب بارتفاع يتجاوز (2000) متر، أو بعيدة عن
السواحل بمسافة تصل إلى حوالي (1600) كيلومتراً، حيث تكون كلف نقل المياه
مساوية لكلف تحليتها، ولهذا قد تكون كلفة نقل مياه عذبة، من مكان يحتوي مياه
عذبة كافية الى مكان شحيح المياه، أقل كلفة من نقل مياه محلاة. وكمثال على
المناطق البعيدة عن البحر هي مدينة نيودلهي، والمناطق العالية الارتفاع مدينة
المكسيك، إذ لا تتوفر في كلا المدينين مياه كافية. ومدينة الرياض مثال على
ارتفاع الكلفة للمياه المحلاة، إذ أنها بعيدة عن البحر وبنفس الوقت عالية نوعاً
ما ، حيث يتم تحلية مياه البحر في مدينة جبيل السعودية، ثم ينقل الماء العذب
المحلى مسافة تقارب (320) كم لتوصيله إلى العاصمة السعودية الرياض. ولكن على
العكس من ذلك، فإن مدن مثل بكين وبانكوك والمدن الساحلية الأميركية وطرابلس
المغرب، تكون فيها تحلية مياه البحر حلاً لمسألة شحة المياه للاستخدامات
البشرية".
إن تدوير مياه المجاري بعد معالجتها وإعادة استعمالها قد تكون عملية أرخص من
تحلية مياه البحر، إذ تحتاج إلى طاقة تصل إلى النصف، مما يؤدي إلى تقليل الكلفة
بحوالي 30% من كلفة تحلية مياه البحر، ولكن تستخدم هذه المياه لأغراض الزراعة
كما في المياه المستخدمة في زراعة مدينة دبي وغيرها من مدن الخليج ، أو لاغراض
اخرى مناسبة. أما لو أريد استخدامها لمياه الشرب فقد تتجاوز كلفة المعالجة كلف
تحلية مياه البحر.
تبلغ كلف تحلية المياه، في إسرائيل مثلاً، حوالي (0.53) دولار/م3 من الماء
العذب، وفي سنغافورة حوالي (0.49) دولار/م3. أما في دول الخليج العربي فإن
الكلف لا تعني شيئاً، إذ أن الكلفة الرئيسية في الإنتاج وهي الوقود، مدعومة
بشكل كبير. وفي كثير من المدن الساحلية قد تكون كلف تحلية المياه أرخص من طرق
أخرى مستعملة حالياً، تعتمد إنشاء معدات وخزانات لجمع مياه الأمطار أو مياه
العواصف المطرية التي تحدث بين مرة وأخرى، مثل بعض المدن الساحلية الأسترالية
كمدينتي سدني وبيرث.
إن وحدة تحلية المياه في مدينة بيرث الأسترالية تعتمد جزئياً على الطاقة
المتجددة الناتجة من حقول طاقة الرياح، كما وأن الوحدة الجديدة لمدينة سدني
تعتمد بالكامل على الطاقة المتجددة. في حالات الاعتماد على الطاقة المتجددة في
تحلية المياه، فإن الاستثمارات الأولية تكون أعلى من الاستثمارات اللازمة في
وحدات التحلية المعتمدة على الوقود الأحفوري، ولكن ستكون هناك وفورات في الكلف
التشغيلية بالإضافة إلى قلة إنتاج الغازات المنبعثة والمسببة للاحتباس الحراري.
إن فرق الكلفة سيتحمله المواطن الأسترالي، وهو أمر لقي قبولاً من الشعب
الأسترالي في استطلاعات الرأي.
إن تحسين التقنيات قد خفض من كلف التحلية إلى حوالي النصف خلال العقد الماضي،
وأصبحت أسعار المياه الصالحة للشرب الناتجة عن عمليات التحلية في وضع منافس، في
المناطق شحيحة المياه. وفيما يتعلق بوحدة تحلية مياه سان دياكو، والمفروض أنها
سوف تكون أكبر وحدة في العالم الغربي، وسبق أن تم ذكرها، فإن الماء العذب سيباع
من المحطة بسعر يقارب من (0.79) دولار/م3، مقارنة بالكلف الحالية البالغة
(0.58) دولار/م3 من الماء المنتج من المياه الجوفية أو المنقول من أماكن أخرى.
أما بالنسبة للمستهلك في تلك المنطقة، فإن ما يدفعه يبلغ حالياً (0.82)
دولار/م3.
(4) المشاكل البيئية لوحدات تحلية مياه البحر
إن إحدى المشاكل المهمة في الولايات المتحدة، فيما يتعلق بأماكن سحب
intake
مياه المحيط لهذه الوحدات ، هي تأثيرها في الحياة البحرية في المنطقة، خصوصاً
إذا كانت وحدة تحلية المياه تشمل محطات كهربائية. وعندما نفذ "قانون المياه
النظيفة
Clean Water Act"
المطبق في الولايات المتحدة، صدر حكم من إحدى المحاكم الأميركية وتطبيقاً لهذا
القانون، وجوب تخفيف احتمال إتلاف الحياة البحرية بـ (90%)، بضمنها الحفاظ على
بيوض الأسماك، والأسماك الصغار حديثة التفقيس، وأن الإجراءات اللازمة لتنفيذ
مثل هذه الأحكام، أو اتخاذ الاحتياطات لتجنبها يزيد كثيراً من الكلف
الاستثمارية والتشغيلية، خصوصاً لو كانت المياه المرجعة إلى المحيط ذات درجات
حرارة عالية يجب العمل على تخفيضها حفاظاً على الحياة البحرية.
كما وأن المشكلة البيئية الأخرى هي الماء عال التركيز بالأملاح والمرجع إلى
البحر أو المحيط، إذ يجب أن لا تتجاوز نسبة الأملاح المذابة فيه عن نسبتها في
مياه البحر إلاّ بنسب محددة في التعليمات النافذة ، ولكن ناتج وحدة التنافذ
العكسي هو محلول محلي يحوي ضعف نسبة الأملاح الموجودة في مياه البحر. وهذا
الأمر لا تتحمله الحياة البحرية في حالة إرجاعه مباشرة إلى المحيط/البحر، ولهذا
يخفف مع ماء المحيط إلى الحد المسموح به، أو يطرح ممزوجاً بمياه التبريد
المرجعة إلى البحر من محطات التبريد، أو يوزع الماء المالح على مساحات شاسعة
ليخفف من تأثيره في الحياة المائية البحرية. إن هذا الأمر يأخذ أهمية خاصة،
عندما تكون وحدات تحلية المياه في داخل اليابسة بعيدة عن البحار، وذلك عند
تحلية المياه الجوفية المالحة، حيث أن هناك مشاكل كبيرة في التخلص من المياه
المرجعة، إذ من المفروض أن لا تصل هذه المياه المالحة إلى المياه السطحية أو
الجوفية أو أية مياه تزداد ملوحتها بسبب المياه المالحة المرجعة.
إن الماء المالح المركز المرجع له تأثيرات سلبية أكثر في مناطق المياه البحرية
الصافية، أو التي فيها تبخر عال ومحصورة بحيث تكون نسبة الملوحة فيها أكثر من
المعدلات الموجودة في مياه المحيطات، وكمثال على ذلك مياه البحر الأحمر أو
الخليج العربي، وخصوصاً في مياه السواحل أو الجزر المرجانية أو الاستوائية. إن
كثافة الماء الملحي المركز المرجع أعلى من مياه البحر، لذا فإنه ينزل إلى قاع
البحار ويؤثر مباشرة في الحياة البحرية، الأمر الذي يجب تجنبه أو تقليل
تأثيراته.
(5) تطورات جديدة في طور الدراسة أو التجارب الرائدة
تحدثت الصحف الأميركية في حزيران 2008 عن طريقة جديدة لتحلية مياه البحر تم
اختراعها من قبل طالب أردني يحضّر لنيل شهادة الدكتوراه في الهندسة الكيمياوية
في جامعة أوتاوا الكندية، وهذه الطريقة تزيد من كفاءة وحدة التحلية الحالية
بنسبة تتراوح (600 ـ 700%). لم يعلن عن نوع التقنية المقترح، ولكن كما يظهر فإن
الأمر جدي إلى درجة أن شركة جنرال أليكتريك
General Electric،
ومؤسسة العلوم الوطنية الأميركية
US National Science Foundation
أعطت منح مالية إلى جامعة ميتشغان الأميركية لدراسة هذا الأمر بصورة أكثر، مما
قد يعني أن هناك طفرة مقبلة في هذه التقنيات.
كما وأن هناك بحوثاً في تطوير طريقة التنافذ التقدمي
Forward Osmosis،
إلى جانب التنافذ العكسي
(R.O) Reverse Osmosis.
. كذلك هناك بحوث في التحلية الشمسيةSolar
Desalination
للاستغناء عن مصادر الطاقة الأحفورية أو النووية نهائياً. إضافة لذلك هناك
أبحاث ودراسات لتحسين كفاءة الأغشية وتقليل كلفها وتقليل الطاقة المستخدمة في
الوحدات المعتمدة عليها، وذلك باستخدام أغشية الأنابيب فائقة الصغر
nanotube membrane.
ولقد أعلنت في 23/8/2008 شركة سيمنس قسم تقنيات الماء
Siemens Water Technologies،
من أنها توصلت إلى تقنيات تساعد في تقليل الطاقة، حيث سوف يحتاج إلى (1.5)
kwh
كيلووات ساعة فقط لإنتاج متر مكعب واحد من الماء العذب من مياه البحر، والذي
يعني أن الطاقة المستهلكة ستنخفض إلى النصف وذلك في حالة كون حديث شركة سيمنس
حديثاً صحيحاً.
هناك تطورات كبيرة في وحدات التقطير أيضاً باستخدام مضخات تفريغ الهواء
Vacuum pump
واستخدام مياه البحر الباردة، والغاية منها العمل في درجات حرارة منخفضة حفاظاً
للطاقة، وذلك باستخدام طريقة متطورة وجديدة تسمى "LTTD
عملية تحلية المياه الحرارية تحت درجات حرارة منخفضة
Low Temperature Thermal Desalination Process".
تعتمد طريقة
LTTD،
في الحصول على فراغ عال باستخدام مضخات تفريغ الهواء، وبالتالي الحصول على ضغط
جوي منخفض يفيد في إمكان غليان وتبخير مياه البحر في درجات حرارة منخفضة. ولغرض
تبريد بخار الماء الناتج وتكثيفه لتجميع المياه العذبة المقطرة، يستخدم ماء
البحر البارد المأخوذ من عمق (600) متر تحت سطح البحر. لقد تم تشغيل وحدة
تجريبية في الهند تعتمد هذه الطريقة بسعة (1000) م3/اليوم ومنصوبة على مركب
بحري قبالة مدينة
Chennai
الهندية. ويمكن استخدام هذه الطريقة ضمن محطات الكهرباء التي تعتمد المياه
البحرية في التبريد وترمي كميات كبيرة من المياه الدافئة وبصورة مستمرة إلى
البحر، ولقد جُربت هذه الطريقة أيضاً ضمن محطة الكهرباء الحرارية في مدينة
Chennai
الهندية.
(6) احتمالات استخدام طرق تحلية المياه في العراق
لم يتم استعمال طرق تحلية المياه في العراق بنطاق واسع لأغراض مياه الشرب أو
الاستخدامات المنزلية، عدا وحدات صغيرة كانت قد نصبت في معامل الأسمدة و
البتروكيمياويات في البصرة، والتي تم تزويد أهالي البصرة بكمية قليلة من
مياهها، وكانت هذه الوحدات تعمل بطريقة التنافذ العكسي وكما ذكرنا سابقاً.
ولكن مياه الشرب في المنطقة الجنوبية مثل الناصرية والسماوة والبصرة لا تزال لا
تنسجم مع المواصفات العالمية فيما يتعلق بنسبة الأملاح والتي من المفترض أن
تكون بحدود (600 ـ 750) جزء بالمليون ولا تتجاوز في كل الأحوال عن (1000) جزء،
وهنا لا أتحدث عن مسألة تعقيم المياه وإنما أتحدث فقط عن نسبة الأملاح. إن هذا
الوضع غير مقبول، ولكن السبب هو أن مياه نهر الفرات أو شط العرب تحوي أملاحاً
تتجاوز النسبة المحددة أعلاه، والحل لا يمكن أن يتم إلاّ عن طريق تحلية المياه،
وهذا الأمر لا يتضمن فقط المياه التي تستخدم لأغراض الشرب، وإنما جميع الأغراض
البيتية، أي التي تشمل المياه المجهزة من "إسالات المياه". لهذا نتوقع أن يتم
تشييد مثل هذه الوحدات لهذا الغرض ولأغراض صناعية تتطلب تحلية للمياه، اعتماداً
على مياه البحر، أو مياه شط العرب أو حتى مياه المصب العام، إذ أن أعلى ما وصلت
إليه الأملاح في مياه شط العرب كان (10000) جزء/المليون، كما أن مياه المصب
العام تحوي أملاحاً (على الأقل في الوقت الحاضر)، أقل من ذلك بحيث أن وزارة
الموارد المائية تفكر في تحويل قسم منها إلى الأهوار لتحلية مياهها، وكذلك
استعملت مياه المصب العام في 2009 لأغراض الزراعة في أعالي المصب نظراً لعدم
توفر المياه. من الواضح أن تحلية المياه المتوفرة من شط العرب أو المصب العام
ستكون أسهل و ارخص، إذ كلما قلت نسب الأملاح في المياه المالحة كلما قلت صعوبة
تحليتها. ويمكن أيضاً تحلية قسم من المياه، ومزجها مع مياه "إسالة الماء"
الاعتيادية للوصول إلى نسب الملوحة المطلوبة.
وهنا أود أن أوضح أن التوسع الكبير جداً والمتوقع في الصناعة النفطية في
المنطقة الجنوبية سيتطلب كميات كبيرة من المياه العذبة، والكمية الأكبر منها هي
لأغراض عمليات حقن الماء لتحسين كفاءة إنتاج النفط، وقد يحتاج إلى وحدات تحلية
كبيرة اعتماداً على نوع الصخور التي تحوي النفط في المكامن، إذ من المفروض أن
حقن الماء لا يؤثر في مسامية الصخور، ويمكن حقن ماء البحر أو ماء عذب بصفات
عالية اعتماداً على نوعية الصخور. وحسب المعلومات التي لدي فإن وزارة النفط
أعلمت الشركات النفطية المعنية بعدم الاعتماد على مياه الفرات أو المياه
العراقية في حقن الماء لشحته في العراق.
ثانياً: طرق الري الحديثة
إن
استخدام الري في الزراعة مسألة قديمة جداً، وتعود إلى الألف السادس قبل الميلاد
كما ترينا التحريات الآثارية في العراق ومصر حيث لم تكن الأمطار كافية لنمو
الحبوب، كما وأن مياه الأنهار قريبة من المدن والقرى والأراضي الزراعية. لقد
حدثت تطورات عديدة في طرق الري، سواء استخدمت المياه السطحية أو الجوفية، وذلك
على مر العصور و في مناطق مختلفة في العالم، شملت حضارات أميركا الجنوبية
وباكستان وشمال الهند في الألف الرابع قبل الميلاد، أو في الصين وإيران وكوريا
وسيريلانكا و الرومان في الألف الأول قبل الميلاد.
سنتحدث هنا عن التطورات الحديثة جداً في مسائل الري والتي حدثت في العقود
الأربعة الماضية، وتطورت أكثر خلال العقد الأخير. وهذه التطورات فرضت نفسها في
كثير من بقاع العالم لتقليل الهدر في المياه ، بسبب شحتها نتيجة التوسع الكبير
في إنتاج الغذاء لإطعام الأعداد المتزايدة بسرعة لنفوس العالم ولتحسين حياتهم
المعاشية، ولتزايد مواسم الجفاف. ولهذا تطلب الأمر إلى زيادة كفاءة الإرواء،
ومحاولة تقليل ملوحة التربة نتيجة تدني نوعية مياه الإرواء، أو نتيجة صعود
الأملاح من المياه الجوفية المالحة إلى سطح التربة بسبب الإرواء بكميات كبيرة
من المياه. علماً أن مشكلة ملوحة التربة أمر مفروغ منه حتى عند استخدام المياه
"الجيدة"، أي بحدود (750) جزء/المليون، إذ تتركز الأملاح في التربة نتيجة تبخر
الماء الفائض تاركاً الملح في التربة . ولهذا فإن دراسات وتنفيذ مشاريع الري لا
يمكن أن تتم إلاّ مع دراسات وتنفيذ عمليات البزل أو غسل الأراضي، فزيادة
الأملاح، (وبالأخص أملاح الصوديوم)، تؤدي إلى إضعاف نمو النبات واحتمال موته،
كما أن التسميد في الأراضي الملحية يكون أقل كفاءة تبعاً لنسب تملح التربة، وقد
يعمل التسميد بصورة معاكسة بهذه الحالة، أي بدلاً من أن يفيد النبات سيكون
مضراً له.
إن ما حدث من تطور في طرق الري ومنذ أواسط القرن العشرين وذلك في تطور صناعة
المضخات الكهربائية والديزل القوية القادرة على سحب المياه من الأعماق، من
الخزانات/المستودعات الجوفية للمياه، بسرعة أكثر من استطاعة هذه الخزانات إعادة
ملء نفسها من المياه أدى إلى نتائج كارثية لكثير من هذه المستودعات، إذ أدى
عملياً إلى ضياعها نهائياً تقريباً، وإلى تردي مياهها، وإلى انخفاضات أرضية
ومشاكل أخرى. لهذا فإن إنتاج الغذاء في مناطق مثل سهول شمال الصين، والبنجاب،
والسهول العظيمة للولايات المتحدة، مهدد بالتقلص بسبب عدم توفر المياه الكافية.
لقد حدث توسع كبير في الأراضي الزراعية المروية في العالم خلال العقود الاربعة
الماضية. فحالياً تقدر مساحة الأرض المجهزة للإرواء في العالم بحوالي (280)
مليون هكتار، منها 68% في آسيا، و17% في أميركا، و9% في أوربا، و5% في إفريقيا،
و1% في أستراليا.
يوجد حالياً في الهند (56) مليون هكتار من الأراضي المجهزة للسقي/الإرواء، وفي
الصين يوجد حوالي (55) مليون هكتار، وفي الولايات المتحدة (22) مليون هكتار،
وباكستان (18) مليون هكتار. و لقد تطورت بشكل مذهل خلال الـ 30 سنة الماضية في
هذا المجال، إذ زادت من أراضيها المروية بحوالي 50%، بالإضافة إلى تنفيذها ما
يقارب الـ (700) مشروع ري كبير على أنهارها، وكذلك حفرت مئات الألوف من الآبار
لرفع المياه الجوفية من خلال المضخات. هذا وأن الأراضي المروية في الولايات
المتحدة لا تتجاوز الـ 13% من الأراضي المزروعة، وأن 90% من أراضيها المروية
تتركز في (17) ولاية غرب الولايات المتحدة.
إن معظم الأراضي المروية في العالم لا تزال تستخدم الطرق التقليدية وبصورة
محسنة، إذ أن الري الصحيح هو إعطاء حقل ما المياه بصورة منتظمة ومتساوية لكل
الحقل، على أن تستلم كل نبتة كمية المياه التي تحتاجها لا أكثر ولا أقل. ولكن
المشكلة بطرق الري التقليدية هي سقي كل الحقل سيحاً، والذي يؤدي إلى ضياعات
نتيجة التبخر أو نزول المياه تحت مستوى الجذور و بالتالي ضياعها .
إما طرق الري الحديثة والتي سنذكرها أدناه فهي محاولة لسقي النبات موضعياً
لتقليل الهدر في المياه، وتقليل تأثير الأملاح، وبالتالي رفع إنتاجية الحبوب
والمنتجات الزراعية الأخرى. إن استعمالها لا يزال محدوداً، ولكنه يتوسع بصورة
سريعة في كثير من مناطق العالم وخصوصاً في المناطق التي بها شحة في المياه،
وتتوسع فيها الزراعة.
(1) السقي بالتنقيط
Drip Irrigation
يتم توصيل الماء بهذه الطريقة إلى منطقة الجذور أو قريباً منها، ويتم السقي
نقطة بعد نقطة. وهذه الطريقة تعتبر أكفأ طرق السقي إذا تمت إدارتها بصورة
صحيحة، إذ أن التبخر وضياع الماء على الجوانب أو تحت الجذور يكون بالحد الأدنى.
ولكي يكون النظام أكثر كفاءة، فإن الأرض خارج مناطق التنقيط تغطى بغطاء
بلاستيكي أسود لتقليل التبخر، ولمنع نمو الأعشاب، ويستفاد من الغطاء ايضا لمنع
وصول الثمر إلى الأرض الطينية أو الرملية محافظة على نظافة المحصول حين زراعة
أشجار الفاكهة أو الخضروات.
إن النظام يتألف من خزانات للمياه، أو تؤخذ المياه من أنظمة ضخ المياه مباشرة،
وتوصيلها بأنابيب بلاستيكية على مسارات الحقل، ووضع فتحات صغيرة للتنقيط في
أمكنة الإنبات وفي مستوى الجذور. وتكون الأنابيب من مادة بلاستيكية سوداء
للمحافظة عليها من الأشعة فوق البنفسجية كما تحوي مواد تمنع القوارض من قضمها،
ومن المفضل دفنها، ولو أن الدفن قد يكون عائقاً في إدامة هذه المعدات.
إن ميزة هذا النظام، بالإضافة إلى ما ذكر، هو إمكانية التحكم فيه، فيما يتعلق
بكمية التنقيط وأوقاته تبعاً للنبات المزروع من خلال نظام كومبيوتر، ولهذا فإن
الحاجة إلى الأيدي العاملة تكون محدوده. كما ويمكن استخدام هذا النظام في أي
نوع من الأراضي ولا داعي للاراضي المستوية او الحاجة لتسوية الارض قبل زراعتها
. كما انه يستعمل في كثير من المحاصيل مثل بساتين الفاكهة وحقول الخضروات وحتى
حقول الحبوب. ويمكن إضافة الأسمدة الكيمياوية إما مذابة مع المياه المجهزة، أو
توضع في موقع النبات، وتذاب في رطوبة الأرض حول موقع الجذور.
لقد استعمل هذا النظام في العراق في السبعينييات من القرن الماضي، كنظام تجريبي
في بعض دوائر الزراعة وخصوصاً في المحطات الزراعية النائية، مثل الصحراء
الغربية حيث يتم حفر بئر أو بئرين لتغذية هذه المحطة باستخدام التنقيط.
لعل أكبر تجربة لنجاح التنقيط في العراق هي ما قامت به المنشأة العامة للفوسفات
في القائم وعكاشات في الصحراء الغربية في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينات،
حيث زرعت ما يزيد عن (200) ألف شجرة مثمرة و غير مثمرة مثل الزيتون والمشمش
والعنب و الكالبتوس والأثل وزهرة الدفلى وغيرها، كما مدت على جانبي طريق طوله
(15) كم، يوصل الطريق العام بين الرطبة والقائم إلى منطقة عكاشات حيث يوجد
المنجم وأبنية الإدارة والمدينة السكنية ، ستة صفوف في كل جانب من الشارع أشجار
الكالبتوس والأثل وزهرة الدفلى، و ذلك في عمق الصحراء الغربية. إن السبب في
استخدام الفوسفات هذه الطريقة، هي شحة المياه ولهذا استخدمت المياه المرجعة من
الدور إلى حد كبير وذلك بعد معاملتها، وكذلك لأن الأرض لم تكن مستوية وإنما
هناك الكثير من التلال والأراضي مختلفة الارتفاع. إضافة إلى وجود الكثير من
الصخور، ولهذا كانت منشأة الفوسفات تقوم بالحفر بجهاز خاص حفرة بقطر حوالي 20
سم وعمق 80 سم، وتضع فيها تربة نهرية ومن ثم توضع الشجرة في هذه الحفرة وتوصل
المياه إليها بالأنابيب مع وضع فتحة التنقيط
nozzle
في منطقة الجذر. أما بالنسبة لطريق عكاشات فلقد وضعت خزانات على أعلى التلال
الموجودة على الطريق لتغذية الأنابيب وثم الأشجار من خلال التنقيط. إن ما ساعد
في نمو هذه الأشجار بطريقة مذهلة هو وجود السماد الكافي اللازم، ومعرفة
العاملين بطريقة السيطرة على السقي وطريقة التسميد الصحيحة. ولقد زاد من اهتمام
المنتسبين بها بعدما أثمرت الأشجار، وبعد أن وضع أحد الفلاحين القلائل الذين
كانوا يعتنون بها، حبة بطيخ وحبة رقي وحبة خيار في منطقة السقي، ونمت وأثمرت
بصورة مدهشة شجعت على التوسع في هذا الأمر في حينه.
(2) السقي بالمرشات
Sprinkler irrgation
إن السقي بالمرشات هو عملية سقي النباتات من أعلى بما يشبه المطر، وذلك
باستخدام نظام في نهايته مرشة
sprinkle،
أو ما يسمى بالبندقية
gun،
ويرش الماء تحت ضغوط عالية لتعطي كميات من المياه تصل من (3) إلى (76)
لتر/الثانية، وذلك من خلال فتحات تتراوح أقطارها بين (10 ـ 50) ملم. وتستخدم
هذه الطريقة للرش لغرض السقي أو لتنظيف النبات من الأتربة.
من الممكن أن يكون النظام ثابتاً، أو ثابتاً ويدور حول نفسه بصورة كاملة أو
جزئية. كما يمكن أن يكون النظام متحركاً ويرتبط بمصدر الماء بواسطة خرطوم من
المواد البلاستيكية ملفوف على أسطوانة ثابتة، ويتم سحب النظام بواسطة ضغط مياه
السقي العالي أو من خلال ماكنة صغيرة.
(3) السقي المحوري المركزي
Center pivot irrigation
إن هذا النوع من السقي، هو شكل من أشكال السقي بالمرشات، ويتضمن عددا من قطع
الأنابيب، (اعتيادياً من الحديد المغلون أو الألمنيوم)، ويمكن ربط الواحدة
بالأخرى، و تركيبها على هيكل ذو دواليب، وتوضع المرشات على الجوانب. إن النظام
يسير بصورة دائرية، ويكون مصدر الماء من العمود المركزي للنظام. وقد يكون مصدر
المياه بئرا، أو مصدرا آخرا . إن هذا النظام شائع في الولايات المتحدة في
الأراضي المستوية، وقد استعمل نفس النظام في السعودية لزراعة الحبوب والخضروات.
هنالك عدة تصاميم لهذا النظام جميعها تعمل على تقليل التبخر وذلك بإيصال المياه
مباشرة إلى الأرض بين الزرع. اعتيادياً تتم صفوف الزراعة أيضاً بشكل دائري
لتنسجم مع هذا النظام.
وهناك تطوير لهذا النظام ليكون متحركا على دواليب لتحريكه بين الحقول، وذلك في
الحقول الصغيرة أو ذات الشكل غير المنتظم.
د ـ زيادة الغلة الزراعية للحبوب(74)
يقصد بالغلة الزراعية، في حديثنا هذا، هو إنتاجية الهكتار (والذي يعادل 4
دونمات عراقية)، أي كمية الغلة المنتجة من زرع هكتار واحد (طن/الهكتار).
بالرغم من حدوث زيادات هائلة في إنتاجية الهكتار لجميع المنتجات الزراعية وعلى
مستوى العالم، وبضمنها الدول النامية، ولكن حديثنا هنا سينصب على المنتجات
الزراعية الأساسية لحياة البشر، وهي الحبوب
grains،
(وهنا نتحدث عن الحنطة والرز والذرة). وسنتحدث أيضاً عن الزيادات الكبيرة في
المنتجات الحيوانية.
أولاً: تطورات زيادة الغلة وأسبابها
إن ما حدث من تطورات في عمر الزراعة في تاريخ البشرية والمقدر بحوالي (11) ألف
سنة شيء، وما حدث ومنذ (1950) هو شيء آخر مختلف جداً. إذ لم يحدث أن ازداد
إنتاج الحبوب إلى أكثر من الضعف في جيل واحد فقط، حيث ازداد إنتاج الحبوب من
(360) مليون طن في سنة (1950) إلى (1360) مليون طن في سنة (1976)، وما حدث في
الربع الأخير من القرن العشرين كان أكثر إذهالاً. وكما سنرى فإن الغالبية
العظمى من هذه التطورات في الإنتاج الكلي وفي زيادة الغلة حدثت في الدول
النامية (بضمنها الصين والهند).
إن التطورات في زيادة الغلة هذه تعود إلى ثلاثة أسباب: السبب الأول
هو التطور الكبير في التقنيات الكبيرة، وبالأخص استخدام الأسمدة الكيمياوية
والمبيدات الزراعية. والسبب الثاني هي تطور علم الجينات الزراعية والذي
أدى إلى الحصول على حبوب ذات إنتاجية عالية وتتحتمل مختلف الأمراض. والسبب
الثالث هو التبادل والتناوب بين السببين الأولين أعلاه، إذ كلما يتم التوصل
إلى نوع متطور من الحبوب بالتدخل الجيني، يتم إدخال تحسينات على إنتاجيته
باستخدام التطبيقات العملية العلمية وذلك من خلال استخدم الأسمدة الزراعية أو
المبيدات أو الإدارة الزراعية الجيدة لهذه الحبوب ودراسة معرفة النتائج، وعلى
ضوء ما يتوصل إليه من خلال التطبيقات الزراعية، يتم العمل على إنتاج حبوب أخرى
أكثر جودة... وهكذا.
إن التطوير في إنتاجية الغلة كان نتيجة عمل منظم بتطبيق العلم في الزراعة، وتم
من خلال العمل الذي قامت به جهات حكومية بحتة في اليابان والولايات المتحدة
وأوربا، وهو تحسين نوعية الحبوب جينياً لتعطي إنتاجية أكثر. ولم تدخل الشركات
الخاصة هذا المضمار إلاّ في وقت متأخر و ذلك عندما ظهرت نتائج الأعمال الحكومية
الباهرة، وأظهرت للشركات الخاصة إمكان تحقيق أرباح عالية لاسيما في حال احتكار
بيع البذور.
إن أولى هذه التطورات في هذا المضمار كانت في اليابان، ومنذ ثمانينات القرن
التاسع عشر، عندما تطورت الاجهزة الحكومية العلمية اليابانية ما يسمى بالنبتة
القزم""dwarfلانتاج
الرز,وهو الغذاءالأساسي للشعب الياباني، وكذلك ما طورته اليابان لاحقا للحنطة
القزم. أما تطويرات أميركا وأوربا في هذا المضمار فلم تبدأ إلاّ بعد الحرب
العالمية الثانية ، أي في خمسينيات القرن الماضي. وبنفس الوقت استمرت اليابان
في تطويراتها الجينية وإنتاج الرزوالحنطة القزم بنوعيات أفضل، أما الولايات
المتحدة فلقد طورت حبوب الذرة جينيا، علماً بأن الشركات الأميركية الخاصة
ساهمت بتطوير الذرة جينياً، ومن أهم هذه الشركات شركة "بايونير هايبرد
Pioneer Hybrid".
قامت مؤسستا روكفلر وفورد بإنشاء مركزين رئيسيين عالميين لتطوير زراعة الحبوب،
الأول في المكسيك في ستينيات القرن الماضي ويدار من قبل الحكومية المكسيكية،
والمسمى "المركز الدولي لتطوير الذرة والحنطة في المكسيك
International Maize and Wheat Centre in Mexico."،
والثاني في الفلبين باسم "المعهد العالمي لبحوث الرز
International Rice Research Centre"
والذي تأسس في عام 1966 ويدار من قبل الحكومة الفلبينية. اعتمد المركزان على
التطويرات اليابانية في إنتاج الرز والحنطة القزم، وقاما بتطويرها أكثر بشكل
منتظم وإنتاج بذور محسنة واستمرا بتحسين البذور المحسنة لإنتاج أكثر منها
تحسيناً اعتماداً على النتائج في الاستخدام العملي لهذه البذور، وذلك بإنتاج
بذور النبات المقزم المحسن، وكذلك بإنتاج بذور الحبوب شبه المقزم.
إن مبدأ الاستفادة من "تقزيم" نبات الحنطة والرز و الذرة، يعتمد على خاصية
عملية التمثيل / التركيب الضوئي في النبات
photosynthesis.
فالنبات لديه خاصية الاستفادة من غاز ثاني أوكسيد الكربون من الجو والماء من
الأرض، والنتروجين الموجود في أملاح التربة أو في الاسمدة النيتروجينية، وغيرها
من الأملاح المفيدة الموجودة في التربة لتحويلها إلى مكونات النبات من سيقان
وأوراق وأزهار وأثمار وبذور، بواسطة أشعة الشمس. إن تصغير السيقان وتركيز أشعة
الشمس على الأوراق والأزهار يعطي بذوراً أكثر وأكبر. وفي الواقع فإن ما لاحظه
العلماء في إنتاجية الحنطة القزم أو شبه القزم عالية الإنتاج، أن الزيادة في
الإنتاجية، (أي في وزن الحنطة المنتجة)، تعادل بصورة عامة النقصان في وزن القش
الناتج من النبتة. وهذا الأمر ينطبق أيضاً على الذرة المزروعة في المناطق
الاستوائية، والتي قلصت أطوال النبتة من (3) م إلى أقل من (2) م.
أما ما يتعلق بالأسمدة الكيمياوية، فإن هذا الاكتشاف يعتبر أيضاً مسألة قديمة و
تعود الى سبعينيات القرن التاسع عشر و لو ان الاستفادة الفعلية منها لم تتم الا
في النصف الثاني من القرن العشرين . فلقد لاحظ العالم الكيمياوي الألماني جستوس
فون ليبك
Justus von Liebig،
في عام 1874، أن جميع المواد الغذائية التي تسحب من التربة أثناء عملية الإنبات
يمكن تعويضها بمواد كيمياوية. وهذا الأكتشاف يعتبر أمر بالغ الأهمية، إذ أن
جميع التوسع الزراعي في أوربا في القرن التاسع عشر، وفي الدول النامية لحد
النصف الأول من القرن العشرين، كان عن طريق التوسع في الرقعة الزراعية، وذلك
بترك الأرض لمدة سنة لاعادة حيويتها وزرع رقعة زراعية أخرى مجاورة بدلها،
والرجوع إليها بعد سنة، أي استخدام نظام (النير والنير) ، و استخدام المخلفات
الحيوانية و النباتية كمواد لاعادة حيوية التربة. و لم يتم استخدام الأسمدة
الكيمياوية بصورة ملحوظة إلاّ بعد الحرب العالمية الثانية ، في بدايات خمسينيات
القرن الماضي ، وتم التوسع باستخدامها في فترة الثورة الزراعية بسرعة عالية،
بحيث أصبح بالإمكان زرع نفس الرقعة الزراعية بموسمين، أو حتى بثلاثة مواسم.
إن المعهدين المتخصصين في المكسيك والفلبين كانا قد تم إنشاؤهما في ستينيات
القرن الماضي، علماً
بأن
كانت
هناك معاهد وطنية حكومية متخصصة بتطوير زراعة الحنطة في النصف الأول من القرن
العشرين في الهند وتركيا والأرجنتين والبرازيل وعدد آخر من الدول النامية، ولكن
الأبرز كانت المعاهد التي قامت بإنشائها الحكومة الصينية في خمسينات القرن
الماضي. إن جميع هذه المعاهد الوطنية في الدول النامية (عدا الصين ولحد
السبعينات لاسباب سياسية ) كان لها علاقة وثيقة بالمعهدين الرئيسيين المشار
إليهما سابقا، و ذلك بما يتعلق بتطوير زراعة الحنطة أو الذرة من خلال المركز
المكسيك، أو تطوير زراعة الرز من خلال معهد الفلبين، وهذا الأمر أفاد جداً
الدول النامية وبنفس الوقت أفاد هذان المركزان المهمان في معرفة خبرة الدول
النامية و في الحصول على جينات لأنواع عديدة جداً من الحبوب والتي أدت إلى
زيادة في تحسين الحبوب المنتجة منها. من الناحية العملية أن الغالبية العظمى من
أنشطة هذين المعهدين المهمين الكفوئين كانت لأغراض تطوير زراعة الحبوب الدول
النامية، ولو أن الدول المتقدمة استفادت منهما أيضاً. هذا و لقد تم تليص
التخصيصات المالية لهذين المعهدين و غيرهما من معاهد البحث الزراعي في تسعينيات
القرن الماضي مما سبب الى عدم اتمام الابحاث ، و كما موضح في مقدمة الكتاب الذي
سيصدر قريبا الى الاسواق ، تحت نفس عنوان هذه الدراسة .
من هنا برزت ما تسمى الثورة الزراعية ومنذ ستينيات القرن الماضي، التي
اعتمدت البذور المحسنة جينياً واستخدام الأسمدة الكيمياوية والمبيدات الزراعية،
ولقد حدثت طفرة في هذه الثورة في الربع الاخير من القرن العشرين و ذلك في
الزيادة المطردة في إنتاجية الغلة، الأمر الذي ساعد في توفير الغذاء للتوسع
السكاني الهائل الذي لم يشهده التاريخ البشري والذي حدث في النصف الثاني من
القرن العشرين، حيث زاد عدد نفوس العالم من (2.521) مليار نسمة في سنة 1950 إلى
(6.055) مليار نسمة في سنة 2000، بالإضافة إلى تغير نمط الغذاء كاستهلاك
اللحوم بصورة أكثر والتي بدورها تحتاج إلى كميات إضافية من الحبوب والعلف. وأن
العلماء يدرسون الآن كيفية تحسين الإنتاجية لتوفير الغذاء إلى ما يقارب من (9)
مليار نسمة المتوقعة سنة 2050، لاسيما وأن ما يسمى "الثورة الزراعية" قد بدأت
بالتباطؤ والتوقف في حدودها العالية في محطات مختلفة نتيجة استنفاد زخم التغير
الجيني أو استعمال الأسمدة، وكما سنوضح في الصفحات التالية.
عودة
الى الفهرست >>