<%@ Language=JavaScript %> حامد الحمداني - القسم الثاني في الذكرى الثالثة والخمسين لثورة 14 تموز المجيدة من المسؤول عن انتكاسة الثورة واغتيالها؟
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

في الذكرى الثالثة والخمسين لثورة 14 تموز المجيدة

 

 

من المسؤول عن انتكاسة الثورة واغتيالها؟

 

القسم الثاني

حامد الحمداني

13 تموز 2011

 

الحزب الشيوعي، والحزب الوطني الديمقراطي، وعبد الكريم قاسم

 

عندما قامت ثورة 14 تموز1958 التي شاركت فيها كافة الأحزاب المنضوية في جبهة الاتحاد الوطني، وجرى تأليف حكومة الثورة، لم يطلب الحزب الشيوعي آنذاك إشراكه في السلطة بسبب الظروف الدولية الخطيرة التي كانت تحيط بالثورة، فالقوات البريطانية نزلت في الأردن، والقوات الأمريكية نزلت في لبنان فور وقوع الثورة،  والقوات التركية والإيرانية تمّ حشدها على الحدود الشمالية والشرقية، وكان واضحاً أن الإمبرياليين وعملائهم في تركيا وإيران قد صُدموا بقيام الثورة التي هدمت أحد أهم أركان حلف بغداد، وأضاعت أحلامهم في ضم بقية الدول العربية إلى ذلك الحلف، وخاصة سوريا.

 

ولم يكن الحزب الشيوعي، ولا السلطة الثورية الجديدة يريدان مزيداً من الاستفزاز للإمبرياليين آنذاك، لكي لا يصور الإمبرياليون ثورة 14 تموز على أنها ثورة شيوعية قامت في بلد كالعراق له أهمية قصوى في حساباتهم الإستراتيجية في هذه المنطقة الحساسة من العالم.

 

وفي الوقت نفسه بعث الحزب الشيوعي ببرقية إلى عبد الكريم قاسم صبيحة الرابع عشر من تموز 1958، وأعلن فيها وضع كافة قوى الحزب دون قيد أو شرط تحت تصرف الثورة، ثم أتبعها بمذكرة إيضاحية حول السياسة التي يرى أهمية الأخذ بها لقيادة مسيرة الثورة، وهي مذكرة تعبر عن سياسة الحزب تجاه الأحداث الجارية، والمستقبلية للثورة، وقد ركزت المذكرة على ضرورة انتهاج سياسة وطنية واضحة، وذلك عن طريق الإعلان الرسمي لانسحاب العراق الفوري من حلف بغداد، وإلغاء كافة الاتفاقات المعقودة مع بريطانيا، والولايات المتحدة التي تخل بسيادة العراق واستقلاله، وتتعارض مع سياسة الحياد الإيجابي، والتعاون مع جميع الدول على قدم المساواة، من أجل مصلحة الشعب والوطن.

 

كما دعت المذكرة إلى فرض رقابة حازمة على مؤسسات شركات النفط، والبنوك، وكافة المؤسسات الاقتصادية الكبرى ذات العلاقة الكبيرة بحياة الشعب، وحماية اقتصاد البلاد من مؤامرات الإمبريالية وعملائها في الداخل، والهادفة إلى تخريب الاقتصاد الوطني، ومنعه بشتى الوسائل والسبل من التطور والنمو لخدمة طموحات الشعب والثورة.

 

كما دعت المذكرة إلى انتهاج سياسة وطنية أساسها الثقة بالشعب، وإطلاق الحريات الديمقراطية، والسماح للشعب بممارسة حقوقه السياسية، بتأليف الأحزاب، والجمعيات، والمنظمات الجماهيرية، وحرية الصحافة، والعمل على إطلاق سراح كافة السجناء السياسيين، بأسرع وقت ممكن، وتكوين فصائل المقاومة الشعبية وتسليحها لتكون درعاً واقياً للثورة، جنباً إلى جنب مع جيشنا المقدام، وتطهير جهاز الدولة، والأمن، والشرطة، من العناصر الفاسدة، والمعادية للثورة.

 

كما دعا الحزب الشيوعي إلى الاهتمام بالأعلام، ووضعه في أيدي أمينة على مصالح الشعب والوطن، نظراً للدور الهام الذي يلعبه الإعلام في الدفاع عن مصالح الشعب وحماية الثورة، وفضح ألاعيب المستعمرين، وأذنابهم في الداخل.

 

لقد كانت العلاقات بين الحزب الشيوعي وعبد الكريم قاسم على ما يرام، فقد التفّ الحزب حول قيادته، وسانده منذُ اللحظات الأولى للثورة، ووقف ضد كل المحاولات التآمرية التي جرت ضد قيادته، وضد مسيرة الثورة، وخاصة عندما قاد عبد السلام عارف في أوائل أيام الثورة ذلك الانشقاق بين الفصائل الوطنية، محاولاً فرض الوحدة الفورية مع الجمهورية العربية المتحدة، ودعم الأحزاب القومية له في تلك المحاولات التي انتهت بالتآمر المسلح.

 

لقد وقف الحزب الشيوعي موقفاً حازماً من أولئك الذين حاولوا قلب السلطة  وسيّر المظاهرات المؤيدة لقيادة الزعيم عبد الكريم قاسم، والتي ضمت الآلاف المؤلفة من جماهير الشعب التي كانت تهتف بالشعار الذي رفعه الحزب، والذي يدعو إلى إقامة الاتحاد الفدرالي مع العربية المتحدة، ونبذ شعار أسلوب الإلحاق القسري الذي رفعته القوى القومية وحزب البعث العربي الاشتراكي، وكان عبد الكريم قاسم بحاجة ماسة لدعم الحزب ومساندته آنذاك في صراعه مع القوى القومية والبعثية.

 

 ففي حين كانت الأحزاب القومية لا تنسجم مع اتجاه ومسيرة الثورة، ومحاولاتهم المتكررة لإلحاق العراق بالجمهورية العربية المتحدة، وكان الحزب الشيوعي يقف جنبا إلى جنب مع السلطة الوطنية، مسخراً كل قواه

من أجل دعم مسيرة الثورة، وتحقيق أهدافها.

 

 وفي حين كانت رائحة التآمر تبدو واضحة على الثورة وقيادتها، ذاد الحزب الشيوعي عن السلطة، وحمى الجمهورية من كيد المتآمرين عليها، وقدم التضحيات الكبيرة في هذا السبيل، وعلى ذلك فقد كان من حق الحزب الشيوعي أن يعامل على قدم المساواة مع بقية الأحزاب السياسية على الأقل، وخاصة بعد أن استطاعت الثورة تثبيت كيانها، وتراجع القوى الإمبريالية عن محاولتها إجهاض الثورة عن طريق العمل العسكري.

 

 لجأ الحزب إلى تقديم مذكرة للزعيم عبد الكريم قاسم مطالبة إياه بإشراكه في السلطة، وكان لتلك المذكرة دوي كبير، وأثارت القلق الشديد لدى الزعيم عبد الكريم قاسم، والقيادة اليمينية للحزب الوطني الديمقراطي المتمثلة بكتلة محمد حديد نائب رئيس الحزب عن نوايا الحزب الشيوعي، ولاسيما وان الحزب كان سيد الشارع العراقي دون منازع، وقد ضم تحت جناحيه المقاومة الشعبية بكل تشكيلاتها، ومنظمة الشبيبة الديمقراطية، ومنظمة أنصار السلام وسائر النقابات المهنية، والاتحاد العام العمال والاتحاد العام للجمعيات الفلاحية، والاتحاد العام للطلاب، مما أثار الشكوك بنوايا قيادة الحزب، فقد جاء في تلك المذكرة ما يلي:

 

سيادة الزعيم عبد الكريم قاسم المحترم:

نعتقد أيها الأخ أن تجربة الحكم خلال الأشهر القلائل التي انقضت منذُ بدء الثورة قد أوصلتكم إلى حقائق واضحة نرجو أن تسمحوا لنا في التحدث معكم بشأنها:

إن اصطفاؤكم للحكم بعض العناصر الحزبية، ولاسيما بعض قادة الحزب الوطني الديمقراطي، هو بلا شك عمل سديد، وقد برهنت التجربة على سداده، حيث قام وزيرا الحزب الوطني الديمقراطي بواجباتهما بكفاءة، وإخلاص كما نظن. وكان اختياركم لبعض العناصر المستقلة، في بدء الثورة أمراً ربما وجدتم أن الظروف كانت تستلزمه وقتئذٍ.

 لكن سير الثورة الحثيث، بقيادتكم الواعية والنشطة، قد خلق للحكم مهمات جديدة وخطيرة، عاصرتها بعض الصعوبات الجدية، المنبعثة أساساً من نشوء تناقض بين تركيب السلطة، وبين القوى الشعبية الحقيقية التي تمثلها هذه السلطة.

 

ومن المعلوم أيها الأخ، أن الغالبية الساحقة من أبناء الشعب، هي من الفلاحين والعمال، والجماهير الكادحة، وثمة تاريخ طويل من الجهاد يشهد بأن ليس في العراق حزب من الأحزاب يستطيع أن يمثل أماني وأهداف هذه الجماهير كما يمثلها حزبنا أولاً، وسائر الأحزاب، والقوى الديمقراطية ثانياً.

 

إن تاريخنا حافل بالحقائق، يشهد بأن هذه الجماهير قد أولت حزبنا، وسائر القوى الديمقراطية ثقتها التامة، ومنحتها حق التعبير عن مصالحها، هذا بالإضافة إلى فئات واسعة من المثقفين ترى في كفاح حزبنا تحقيقاً لأمانيها في التحرر والازدهار.

 

ومما لا ريب فيه أن متابعة السير في إبعاد الممثلين الحقيقيين لهذه الجماهير عن السلطة السياسية سيوجد حالة من التناقض يستعصي حلها، وسينشأ من ذلك صعوبات حقيقية في إدارة شؤون السلطة، كما أتضح من تجربة الأشهر الأخيرة.

 

لقد كان اعتمادكم في تكوين السلطة على بعض العناصر البعيدة في أفكارها عن مشاعر الشعب، والتي لا تملك تجربة جهادية، تمكّنها من التعرف على حقائق الوضع الشعبي، قد أوجد للحكم بعض الصعوبات التي لا تخفى عليكم، وأقام في طريق الثورة بعض العراقيل.

 

كما أن إدخالكم في السلطة بعض العناصر المشبوهة، أو الضعيفة القدرة على تفهم حقيقة الثورة، ومجاراة سيرها الحثيث، قد خلق للحكم، ولكم شخصياً، صعوبات وأعباء، نعتقد أنكم قد عانيتم منها الكثير.

 ونتيجة لذلك كله، اضطررتم إلى توزيع الجهد، بدلاً من تركيزه، واضطررتم لأن تعملوا بيد واحدة، وتحجزوا الخطر باليد الأخرى، اضطررتم لأن تناموا بعين واحدة، وتتركوا الأخرى ساهرة مترقّبة.

 

نحن نعرف ـ كما يعرف أبناء الشعب ـ أنكم أصبحتم مضطرين، بسبب هذا الوضع غير الطبيعي في تركيب السلطة، أن تكرسوا قسطاً كبيراً من جهودكم، ومن وقتكم، لرقابة المساعي المريبة، ولشل الأيدي العابثة.

كما حمّلتم أنفسكم مهمة أخذ الأعباء عن بعض المسؤولين، الذين تعوزهم الجدارة، والنية الخالصة، وكذلك عن بعض الأجهزة التي لم تبرهن على نزاهة قصدها في تثبيت كيان الجمهورية، ومسايرة سياستها الديمقراطية.

 

لقد أصبح واضحاً أنكم أخذتم بأيديكم جملة من المسؤوليات والمهام التفصيلية، حرصاً منكم على تحقيق أهداف الثورة، وضمان سيرها المظفر ومما لاشك فيه أن هذه المسؤوليات والمهام، لو كانت بأيدي أمينة وقديرة، لما اضطررتم إلى ذلك، ولتيسّر لكم وقتٌ فسيح تستطيعون فيه التفكير  والمساهمة بقسط أوفر في رسم السياسة العليا للبلاد، والتركيز على المسائل الكبرى فقط.

 

إننا نعلم أن رئيس الوزراء يأخذ على عاتقه الآن قسطاً كبيراً من المهام، الكثيرة والثقيلة، وإنه لهذا السبب، يحمّل نفسه فوق طاقتها، ونحن على يقين  بأن ذلك ليس في مصلحة الجمهورية أبداً، لأن شؤون الحكم ينبغي أن توزع على أيدٍي مخلصة وأمينة، لكي يستطيع قائد الدولة أن ينصرف إلى مسائل السياسة العليا.

 

إن تفسيرنا لهذا الوضع المرهق هو، كما بينا، وضع غير طبيعي في تركيب السلطة. إن في العراق وضع خاص وفريد، ونحن لا نضيف إلى الحقيقة جديداً، عندما نذكر أن القوى الديمقراطية في البلاد، هي القوى الساحقة الكفوءة، والدرع الحقيقي لوقاية مكاسب الثورة والحكم الوطني. تلك هي الحقيقة التي برهنتها حقائق السنوات العصيبة، قبل الثورة، وكشفت عنها وقائع ما بعد الثورة.

 

وليس اعتباطاً أن تمنح الجماهير الشعبية ثقتها المطلقة للحركة الوطنية الديمقراطية، وتتبنى شعاراتها وأهدافها، وتذود عن سياستها.فالجماهير الساحقة من الشعب تجنح  بقوة لا مثيل لها صوب الحركة الديمقراطية، وهي تفعل ذلك عن وعي أصيل، وإدراك واقعي سليم.

 

لقد تعرّفت الجماهير، من تجاربها المريرة أن القوى الديمقراطية إنما تمثل عن إخلاص وجدارة، أعز أمانيها ومطامحها، وإنها تضم في صفوفها صفوة من أبناء البلاد النجباء البواسل، الذين لم يتلوثوا بأدران الخيانة، ولم يهادنوا المستعمر، أو استسلموا لطغيانه، ولم يطمحوا إلى أكثر من تحقيق الخير للبلاد.

تعلمون أيها الأخ  أن القوى الديمقراطية كانت ولا تزال وستظل إلى النهاية الأساس للحكم الوطني الشعبي الأصيل، والصخرة العنيدة التي تتحطم عليها مؤامرات المستعمرين، ومكائد أعداء الثورة. ولقد رأى الجميع بأم أعينهم، أن الذين تنكّبوا عن الحقيقة وراحوا يناطحون الصخرة لم يجنوا من وراء طيشهم  غير تهشيم رؤوسهم، وارتدادهم إلى أعقابهم خاسرين، ذلك هو واقع العراق أيها الأخ.

 

ولذلك يصبح واضحاً أن قضية الحكم لا يمكن أن تحل إلا بالاستناد إلى هذا الواقع، وإن أي حل آخر لا يمكن أن ينتهي إلا إلى نتيجة واحدة، إلى أن تأخذوا على عاتقكم أعباء تفيض عن قابلية الإنسان، وفي هذه الحالة ستجدون أنفسكم في حالة من الإرهاق المستمر، تعملون بيدٍ، وتضربون باليد الأخرى، وتنامون بعينٍ، وتحرسون بالعين الأخرى.

 

إن الحل الوحيد، الحل الطبيعي المنسجم مع واقع الحال في العراق، هو الحل الذي يتوجه إلى إعادة النظر في تشكيلات السلطة، على أساس الاستناد إلى مبدأ التعاون بين قيادة الحكم العليا من جهة، وبين الجبهة الشعبية، المكونة من الحزب الشيوعي، والحزب الوطني الديمقراطي، والقوى الديمقراطية الجديدة في الجيش، والأوساط الديمقراطية الأخرى، والعناصر القومية النظيفة.

 

تلك هي الحقيقة الكفوءة المخلصة، التي تمثل عن جدارة وحق، أهداف ومصالح الغالبية الساحقة من الشعب، وإن الحكم الذي يستند إلى هذه القاعدة الشعبية الواسعة والمتينة، هو الحكم الديمقراطي الصحيح، والسلطة التي تتكون على هذا الأساس، هي السلطة القوية التي تتمتع بالنفوذ والبأس، والقادرة فعلاً على قيادة الثورة نحو أهدافها، والصمود بوجه أحداث الزمن. ثمة من له مصلحة في تجنيب سياسة البلاد عن السير في هذا الطريق القويم  إنهم يهدفون إلى تعميق التناقض في طبيعة الحكم، وإرباك مسيرة الثورة، وبالتالي إضعاف السلطة، وحفر هوة بينها وبين الجماهير الواسعة من الشعب. إن هؤلاء الذين يضربون على وتر[الخطر الشيوعي]، إنما هم أناس يرددون شعارات الاستعمار، وينفذون خططه، ومؤامراته على كيان جمهوريتنا البطلة. إنهم يسيرون على سِنة الاستعمار في التخريب والدس، على ذات الطريق التي سار عليها نوري السعيد، وإضرابه من الطغاة، في كل زمان ومكان.

إنهم، مثلاً، يهوشون، ويفترون، ويدسون على حزبنا المنشورات والشعارات  والسياسات، ويزعمون أننا إذ نضع إمكانياتنا وطاقاتنا في خدمة أهداف الثورة، وحراسة الحكم الوطني من الأخطار، إنما نسعى إلى هدف خفي، ألا وهو اغتصاب السلطة، وفرض النظام الشيوعي في البلاد!!. إن المرء لا يحتاج إلا إلى قليل من حسن النية، لكي يتبين أهدافنا الحقيقية في دعم الحكم الوطني، تلك هي الأهداف التي ليس من أخلاقنا أن نكتمها على أحد .

 

إن الشيوعيين أُناس لا يتقنون صناعات السياسة، وهم إذ ينبرون للدفاع عن حياض الثورة، ويدعمون قيادة عبد الكريم قاسم، وسياسته، إنما هم يفعلون ذلك عن إيمان، بأن في عملهم هذا خدمة كبرى لمصالح شعبنا، ولذلك فهم رغم كل هذه الضوضاء التي تثار حولهم، واثقون بأنفسهم  ثقة لا تتزعزع ، وسيتابعون موقفهم هذا إلى نهاية الطريق، وبمزيد من الإصرار، ونكران الذات.

 

وثمة آخرون يدعون إلى [الاعتدال]، لكنهم رغم نياتهم الحسنة، يلتقون مع الفريق الأول في نتيجة واحدة، هي وضع السلطة في موضع صعب لا يأتلف مع واقع العراق، وهو بالتالي يساهم في عزل السلطة عن الجماهير الشعبية الواسعة، ويضعف كفاءتها القيادية. إن هؤلاء مثلاً، يصرون على إبعاد الشيوعيين والتقدميين والعناصر الديمقراطية الكفوءة عن الحكم، وذريعتهم في ذلك هو تحاشي استفزاز المستعمرين. إن الإنسان السوي لا يحتاج إلى أعمال الفكر لكي يدرك بوضوح أن المستعمرين قد استفزوا، وروعوا وانتهى الأمر منذُ صبيحة 14 تموز.

 

 لقد استفزوا منذُ أن دُكت هياكل نظامهم الاستعماري، وأبيد عملائهم صبيحة 14 تموز. وإن عدوهم اللدود الذي أستفزهم هو عبد الكريم قاسم وصحبه، وليس الشيوعيين وحدهم، ولذلك عملوا، وسوف يعملون كل ما في وسعهم لتحطيم النظام الذي قام على أنقاض نظامهم البائد، ومصالحهم الزائلة، وإن كانوا لم يستطيعوا حتى الآن أن يبلغوا هدفهم، فليس ذلك إلا لأن يدٍ قديرة ماحقة ستلطمهم، ولأن الشعب العراقي وجيشه يقفان حارسان قويان على مصائر الوطن. إن تجربة سوريا، ومصر، وإندونيسيا، وإيران، والأردن، وكل بلد أنتزع حريته من بين مخالب الوحش الاستعماري، تدل دلالة قاطعة على أن المستعمرين لا يرتضون بأقل من عودة نظام عبوديتهم القديم، بقيادة صنائعهم وأذنابهم، كما تدل هذه التجارب على أن المراضاة، والمصانعة لا تجدي مع  المستعمرين.

إن ثورة العراق الظافرة قد جاءت ضربة موجعة وهائلة للمستعمرين وأعوانهم، ولذلك فسيظل العراق هدفاً لمؤامراتهم، وعدوانهم، سواء أتجه الحكم نحو إشراك التقدميين في الحكم، أو سار في طريق المراضاة، والمصانعة. تلك هي مسألة فوق الجدل، وفوق كل ريب. إن تهويشات عملاء الاستعمار في الداخل ضد الخطر الشيوعي المزعوم، وسعيهم المحموم لإبعاد التقدميين، والشيوعيين، والديمقراطيين، والعناصر النظيفة والكفوءة عن المساهمة في أجهزة السلطة، ليس إلا تنفيذاً أميناً لخطط الاستعمار الرامية إلى إضعاف السلطة تمهيداً لضربها، وإسقاطها.

 

إن دعاة " الاعتدال " و" تحاشي استفزاز العدو"، رغم نياتهم الحسنة، هم على خطأ بّين، وسيظلون ينقبون عبثاً، ودونما طائل، عن عناصر معتدلة، لا حزبية، غير مشهورة بأفكارها التقدمية، كفوءة، ومخلصة، ونزيهة!!.

إن مثل هذه العناصر الفريدة موجودة فعلاً، لكنها غير موجودة إلا في أوساط الحركة الديمقراطية، وأوساط الشيوعيين، والحزب الوطني الديمقراطي، والجيش، والديمقراطيين المستقلين، والقوميين الحقيقيين النظيفين.

 

هذا هو الطريق الوحيد، والصحيح، والمؤتلف مع حقيقة الواقع، إن هذا هو الحل الجدي والصائب لمسألة الحكم، وإن الأخذ بهذا الواقع هو الذي سيرسي قواعد الحكم على أسس ديمقراطية وطيدة، ويهيئ لقيادة البلاد جهازاً كفواً، فعالاً ومخلصاً، يأخذ على عاتقة نصيبه من مهام قيادة الحكم، ويوفر لزعيم البلاد معالجة مسائل السياسة العليا للبلاد.

 

إننا أيها الأخ الكريم، إذ نضع أمامكم هذه الحقائق، نرجو أن تكونوا على يقين أننا لا نفكر قط بأنفسنا، ولا نجني أي مكاسب حزبية، وإنما نفكر أولاً وقبل كل شيء بمصلحة البلاد، بنجاح الثورة، بترصين الحكم الوطني، والسير معكم نحو الظفر النهائي، هذا وتفضلوا بقبول خالص اعتزازنا، واحترامنا.

                                المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي

                                            15 تشرين الثاني 1958

لقد كان لهذه المذكرة دوي كبير في الأوساط السياسية و للسلطة العليا على حد سواء، فالقوى القومية فسرته بأنه خطة الحزب الشيوعي في التمهيد للوثوب إلى السلطة، أما الحزب الوطني الديمقراطي، ممثل البرجوازية الوطنية في السلطة، فقد أبدى تخوفاً من تنامي قوة الحزب الشيوعي، وتأثير ذلك على مستقبل الحكم في البلاد، أما الزعيم عبد الكريم قاسم، فقد كانت الريبة والشكوك تخالجه من تنامي قوة الحزب الشيوعي من جهة، وحبه الشديد للاستئثار بالسلطة لوحدة من جهة أخرى، ولذلك فقد تجاهل مذكرة الحزب، ولم يرد عليها، وكان على الحزب الشيوعي أن يعي ذلك منذُ ذلك الوقت!.

وجاءت مسيرة الأول من أيارـ  عيد العمال العالمي ـ في بغداد، والتي نظمها الحزب الشيوعي، طارحاً من خلالها شعار[ إشراك الحزب الشيوعي في السلطة] بيد الجماهير، وضخامة تلك المسيرة، التي ضمت أكثر من مليون من أعضاء، ومؤيدي، وجماهير الحزب، من عمال وفلاحين، ومدرسين وطلاب وأطباء ومحامين ومثقفين، كصاعقة نزلت على الرؤوس جميعاً، وأدخلت الرعب فعلاً في قلب عبد الكريم قاسم  والقيادة اليمينية في الحزب الوطني الديمقراطي، فقد شعروا أن الأرض قد زلزلت تحت أقدامهم وهم يسمعون هتاف الجماهير الصاخبة مطالبين إشراك الحزب الشيوعي في الحكم، وبدا أن الشعب كله يقف وراء الحزب، ونزل الجنود، والضباط المؤيدين والمناصرين للحزب إلى الميدان أيضاً، وشعر المراقبون في ذلك اليوم أن الحزب الشيوعي قد بات قاب قوسين أو أدنى من الوثوب إلى الحكم.

 

وفي 13 تموز، وتحت ضغط الحزب الشيوعي، أجرى عبد الكريم قاسم تعديلاً وزارياً، أدخل بموجبه الدكتورة [نزيهة الدليمي]، عضوة اللجنة المركزية للحزب في الوزارة، وعينها وزيرة للبلديات، كما عين كل من المحامي [عوني يوسف] ـ ماركسي ـ وزيراً للأشغال والإسكان،  والدكتور [ فيصل السامر ] ـ يساري ـ وزيراً للإرشاد، والدكتور[ عبد اللطيف الشواف]، وزيراً للتجارة.

د

 لكن إجراء  قاسم لم يكن سوى خطة تكتيكية، ولفترة محدودة من الزمن، ريثما يحين الوقت المناسب لتوجيه ضربته للحزب الشيوعي. أما الإمبريالية، فقد راعها أن ترى تلك المسيرة تملأ شوارع بغداد، وسائر المدن الأخرى، تهتف للحزب الشيوعي، وتطالب بإشراكه في الحكم، و أصابها دوّار شديد، وباشرت أجهزته على الفور تحبك الدسائس، عن طريق عملائها وأزلامها، لتشويه سمعة الحزب الشيوعي، وإدخال الخوف  والرعب في نفوس قيادة الحكم، والبرجوازية الوطنية، ودفعها إلى مرحلة العداء للحزب الشيوعي، والعمل على تصفية نفوذه، تمهيداً لعزل السلطة وإضعافها، وبالتالي إسقاطها فيما بعد.

 

وحقيقة القول، كان للحزب الشيوعي كل الحق في الاشتراك في تسيير دفة الحكم، والمشاركة في السلطة، شأنه شأن بقية أحزاب جبهة الاتحاد الوطني على أقل تقدير، إن لم يكن له دور مميز في جهاز السلطة، نظراً للجهود التي بذلها الحزب من أجل حماية الثورة، والدفاع عنها، وصيانتها من كل محاولات التآمر، ووقوف الحزب إلى جانب قيادة الثورة، وزعيم البلاد عبد الكريم قاسم، مسخراً كل قواه، دون قيد أو شرط.

 

إذاً ليس في ذلك من حيث المبدأ خطأ في مطالبة الحزب الشيوعي إشراكه في السلطة، غير أن الأسلوب الذي تم فيه طلب إشراكه في السلطة، ونزول ذلك الطلب إلى جماهير الشعب، من أجل الضغط على عبد الكريم قاسم، أعطى نتائج عكسية لما كان يهدف إليه الحزب من تلك المسيرة.

 

لقد أخطأ الحزب في أسلوب معالجة مسألة إشراكه في السلطة، ثم عاد وأخطأ مرة أخرى عندما تراجع، واستمر في تراجعه أمام ضغط عبد الكريم قاسم، وضرباته المتلاحقة، مستغلاً أحداث الموصل وكركوك، وكان بإمكانه وهو في أوج قوته أن لا يسمح لقاسم أن يوغل في مواقفه العدائية تجاه الحزب.

 

أن لجوء قاسم إلى سياسة العداء للحزب الشيوعي لم يكن هناك ما يبررها إطلاقاً، فلم يكن في سياسة الحزب وتفكيره إطلاقاً الوثوب إلى السلطة، وهو لو أراد ذلك لكان من السهل جداً له استلام السلطة عام 1959، عند ما كان الحزب في أوج قوته، سواء بين صفوف جماهير الشعب أو في صفوف القوات المسلحة، لكن الحزب لم يقرر هذا الاتجاه مطلقاً بل كان جُلّ همه حماية مسيرة الثورة ودفعها إلى الأمام، من أجل تحقيق المزيد من الإنجازات والمكاسب للشعب، وكان وفياً لعبد الكريم قاسم، وهو الذي منحه صفة [الزعيم الأوحد]، ووقف إلى جانبه حتى النهاية.

 

 وفي المقابل وقع عبد الكريم قاسم في خطأ جسيم عندما سلك سبيل العداء للحزب الشيوعي، وعمل على استمالة القوى القومية، محاولاً إرضائها دون جدوى، فقد كانت تلك القوى قد حزمت أمرها على تصفية الثورة، وتصفيته هو بالذات.

 لقد استفادت تلك القوى فائدة كبرى من مواقف قاسم العدائية تجاه الحزب الشيوعي، التي أدت إلى انعزاله عن الشعب، وعن القوى التي وقفت بكل أمانة، وإخلاص إلى جانبه، وكانت محاولة عبد السلام عارف الانقلابية، ومؤامرة رشيد عالي الكيلاني، ومحاولة حزب البعث اغتيال قاسم نفسه، في رأس القرية، ومحاولة العقيد الشواف الانقلابية الفاشلة، أكبر برهان على صواب مواقف الحزب الشيوعي من تلك العناصر التي سلكت طريق التآمر منذُ الأيام الأولى للثورة.

 

وفي الوقت نفسه أثبتت تلك الوقائع خطأ الطريق الذي سلكه عبد الكريم قاسم، وإجراءاته المعادية للحزب الشيوعي، والتي مهدت السبيل لانقلابيي 8 شباط 1963، لاغتيال الثورة، واغتياله، وإلحاق أفدح الأضرار بالشعب العراقي التي استمرت إلى يومنا هذا.

 

انشقاق الحزب الوطني الديمقراطي ودور الحزب الشيوعي

تفاقمت الخلافات بين أقطاب الجناحين، اليميني واليساري داخل الحزب الوطني الديمقراطي بسبب المواقف التي وقفها جناح محمد حديد من مسألة تجميد نشاط الحزب بناء على طلب عبد الكريم قاسم، أثناء غياب رئيس الحزب الأستاذ كامل الجادرجي عن العراق، مما دفع الجناح اليساري في الحزب إلى إعلان عدم اعترافه بقرار التجميد، معلناً عزمه على مواصلة نشاط الحزب، وتحدي قرار القيادة اليمينية للحزب، وكان على رأس هذا الجناح كل من السادة: عبد الله البستاني، وعبد المجيد الونداوي، و علي عبد القادر نايف الحسن، وحسان عبد الله مظفر، وناجي يوسف، وعلي جليل الوردي، وحسين أحمد العاملي، وسليم حسني، وعادل الياسري، وهم جميعاً عناصر قريبة من الحزب الشيوعي. 

 

تصاعدت الأزمة بين الجناحين عندما عاد الجادرجي إلى بغداد، ووجه انتقاداً شديداً لقرار التجميد، ولمحمد حديد، نائب رئيس الحزب، طالباً منه ومن زميله هديب الحاج حمود الاستقالة من الوزارة بعد إقدام عبد الكريم قاسم على تنفيذ حكم الإعدام بالضباط المشاركين في محاولة العقيد الشواف الانقلابية في الموصل، ولعدم امتثال الوزيرين  لطلبه، سارع الجادرجي  إلى تقديم استقالته من رئاسة الحزب، ومن عضويته كذلك.

 

كان لقرار الجادرجي بالاستقالة أثره الكبير على تفاقم الأزمة بين الجناحين داخل الحزب، وخصوصا بعد فشل المساعي التي بذلها الجناح اليساري لعودة الجادرجي لقيادة الحزب، وتباعدت مواقف الجناحين عن بعضهما، نظراً لما يكنه قادة الجناح اليساري للحزب من احترام وتقدير لشخص الجادرجي، واعتزازاً بقيادته التاريخية للحزب.

 

وبسبب تفاقم الأزمة داخل الحزب، أقدم جناح محمد حديد على تأسيس حزب جديد باسم [الحزب الوطني التقدمي]، وتقدم بطلب إجازة الحزب في 29 حزيران 1960، وضمت هيئته المؤسسة كل من السادة  محمد حديد، وخدوري خدوري، محمد السعدون، و نائل سمحيري، وعراك الزكم، وسلمان العزاوي، وعباس حسن جمعة، ورجب الصفار، جعفر الحسني، ورضا حلاوي، وعبد الأمير الدروي، وعباس جودي، وحميد كاظم الياسري، وعبد الرزاق محمد. 

 

وقد تمت إجازة الحزب دون أي تأخير، واستمرت قيادة الحزب في دعم سياسة عبد الكريم قاسم، وخاصة فيما يتعلق بمواقفه من الحزب الشيوعي.

ومن الملاحظ أن أغلبية قيادة الحزب جاءت من بين العناصر البرجوازية، ومن الملاكين، ورجال الصناعة، الذين كانوا يشعرون بالقلق الشديد من تنامي قوة الحزب الشيوعي.

 

 الحزب الشيوعي يحاول تكوين جبهة وطنية ديمقراطية جديدة 

نتيجة للشرخ الكبير، الذي حدث في صفوف جبهة الاتحاد الوطني، خلال الأشهر الأولى من عمر الثورة، وانسحاب الأحزاب القومية منها ومن الحكومة، لم يبقَ في الجبهة سوى الحزب الوطني الديمقراطي، والحزب الشيوعي، وحتى العلاقة بين هذين الحزبين أخذت بالتردي يوماً بعد يوم بعد اتساع المد الشيوعي وسيطرته على الشارع العراقي، وهيمنة الحزب الشيوعي على كافة المنظمات الجماهيرية، والنقابات المهنية والعمالية، واتحاد الجمعيات الفلاحية، واتحاد الطلبة، وتلك كانت أحد الأخطاء الكبرى التي وقع فيها الحزب الشيوعي،  والتي سببت ابتعاد الحزب الوطني الديمقراطي، وبشكل خاص جناحه اليميني عنه، وسعيه الحثيث لكبح جماح الشيوعية، وتحريض عبد الكريم قاسم على الوقوف بوجه الحركة الشيوعية حرصاً على مصالحه الطبقية.

 

كان على الحزب الشيوعي، الذي حرصت قيادته على اعتبار تلك المرحلة هي مرحلة الوطنية الديمقراطية، عدم استفزاز البرجوازية الوطنية، واستبعادها عن النشاطات الديمقراطية، والاستئثار بكافة المنظمات الجماهيرية، والنقابات المهنية والاتحادات العمالية، والفلاحية.

 

أخذت العلاقات بين الحزبين بالتردي، كما أسلفنا يوماً بعد يوم حتى وصلت إلى طريق اللا عودة، عندما حدث الانشقاق في صفوف الحزب الوطني الديمقراطي، ومن ثم استقالة رئيسه الأستاذ كامل الجادرجي، ومن ثم استقالة الجناح اليميني بزعامة محمد حديد من الحزب، وتأليفهم [الحزب الوطني التقدمي].

 

لقد لعب الحزب الشيوعي دوراً في ذلك الانشقاق عندما دفع، وشجع العناصر اليسارية في الحزب الوطني الديمقراطي، إثر قرار الجناح اليميني تجميد نشاط الحزب، إلى تشكيل قيادة جديدة للحزب،  ومواصلة النشاط السياسي.

 

لقد كانت تلك الخطوة من جانب الحزب الشيوعي، والجناح اليساري في الحزب الوطني الديمقراطي خطوة انفعالية بلا شك عمقت من الشرخ بين الحزبين من جهة، وبين الحزب الشيوعي وعبد الكريم قاسم من جهة أخرى، فقد كان واضحا أن قاسم قد قرر أن يقف بوجه الحزب الشيوعي مهما فعل، أضافه إلى دفع العلاقة بين الحزبين إلى مرحلة اللا عودة.

 

لكن الحزب الشيوعي ذهب إلى أبعد من ذلك عندما دعا الجناح اليساري في الحزب الوطني الديمقراطي، والجناح اليساري في الحزب الديمقراطي الكردستاني، إلى إقامة [ جبهة وطنية ديمقراطية جديدة ]، وسارع الموقعون على ميثاق الجبهة الجديدة إلى إرسال مذكرة إلى عبد الكريم قاسم تشرح فيها الأوضاع السائدة في البلاد، والمخاطر التي تجابه الثورة ومكاسبها، وأهمية الوحدة الوطنية في الكفاح ضد الاستعمار والرجعية، وتعلن فيها عن إقامة الجبهة، وأهدافها.

 

لكن عبد الكريم قاسم، الذي كان قد عقد العزم على ضرب الحزب الشيوعي  والحد من نشاطه، والسير في طريق الحكم الفردي، والاستئثار بالسلطة، تجاهل تلك المذكرة، وتجاهل الجبهة، بل وأوغل أكثر فأكثر في سياسته الهادفة إلى تجريد الحزب الشيوعي من كل أسباب قوته، وجماهيريته، وتوجيه الضربات المتلاحقة له، ولم تفد الحزب تلك العبارات التي أطرى بها على قاسم، وسياسته الحكيمة!! في زحزحته عن مواقفه تجاه الحزب  بل جعلته يندفع أكثر فأكثر في هذا السبيل، مصمماً على حرمان الحزب من ممارسة نشاطه السياسي، استناداً لقانون الأحزاب والجمعيات الذي أصدره في 1 كانون الثاني 1960.

 

أما محمد حديد ورفاقه في الحزب الوطني التقدمي فقد رفضوا الانضواء تحت راية تلك الجبهة، معللين ذلك بأن الحزب الشيوعي قد عمل من وراء ظهر الأحزاب، وأن تلك الجبهة هي من صنع الشيوعيين، ورفضوا أي نوع من التعاون مع الحزب الشيوعي، ومع الجبهة المعلنة.

 

وهكذا فإن هذه الجبهة لم تستطع أن تؤدي مهامها، وتحقق أهدافها، نظراً لتعقد الظروف السياسية، وتدهور العلاقات بين أطراف القوى الوطنية من جهة، ومواقف عبد الكريم قاسم من جهة أخرى، إضافة للشرخ الذي أصاب الحزب الوطني الديمقراطي، وانعزال القوى القومية، وتنكبها لمسيرة الثورة، ولجوئها إلى التآمر المسلح والمكشوف لإسقاطها، والإطاحة بحكومة عبد الكريم قاسم.

 

وبعد كل الإجراءات التي أقدم عليها عبد الكريم قاسم بضرب الحزب الشيوعي، وانتزاع كافة المنظمات والاتحادات النقابية والطلابية، وتسليمها للقوى الرجعية، وبعد أن أزاح كل القيادة العسكرية والأمنية التي كان يشك بعلاقتها بالحزب، وبعد أن ازاح كل رؤوساء الدوائر ذوي الفكر التقدمي، وأعاد تلك العناصر المعادية التي كانت في مراكزها قبل الثورة، وبعد أن امتلأت السجون بالمناضلين الذين ذادوا عن الثورة وحموها من كيد أعدائها، بات نظام عبد الكريم قاسم معزولاً عن الجماهير، وبات استمرر بقائه في الحكم في مهب الريح الصفراء التي أخذت تقترب شيئاً فشيئا بعد أن هيأ لها قاسم الظروف المواتية للانقضاض على الثورة واغتيالها في انقلاب عسكري دموي خططت له الدوائر الإمبريالية، ونفذته العناصر الموتورة من البعثيين والقوميين والقوى الرجعية الأخرى. 

 

 

 القسم الأول >>

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا