مقدمة كتالوك معرض يوسف الناصر (
تمارين في اليأس )
غاليري (ازاد) ، فلورنسا 20 – 28 شباط 2010
يجلس الغريب في الشرفة ،
يحدق في المنظر الذي امامه ، بيوت واشجار
، نوافذ وعربات ، مداخن واشخاص وغير ذلك
، فتاخذ عملية رسم المشهد وجوها عدة ،
احدها الرغبة في الدخول الى المشهد
والاتحاد به . وبمقدار الفشل - اي
بمقدار الاحساس بالغربة - بمقدار ما تتحول
المدينة الى صورتها وتصير الشرفة اطارا ،
هذا منظر لا سبيل الى الدخول فيه ، يبدو
من شدة عصيانه افتراضيا ومختلقا ، هنا لا
تصلح اسطورة الرسام الصيني الذي رسم دربا
وسلكه الى قريته الامنة ، هنا تنقطع
الطرقات ولا يبقى للرسام سوى اجتراح علاقة
متخيلة مع وحدات المنظر المبسوط امام
الشرفة وقد لا يجد حينها سوى تمثلات حالته
الداخلية .
هذه محاولات في الطريق الى
الرسم عن تمارين اليأس
منذ مرحلة مبكرة من حياتي
الفنية كنت اكثر ميلا الى التحديق في
الجانب المظلل للشجرة او الكرسي او الجسد
من الجانب المغمور بالضوء ، وانقاد بيسر
الى التراجيديا التي اجد فيها طمانينة ،
لا لانها تطهير للنفس بل لانها البلوى
التي توقظ الحواس وتفتح للوعي سبله السرية
، كنت اكثر ميلا للتحديق في الانفعالات
الباطنية والقوى المحركة الغامضة والنوازع
غير المدركة .
لكن لاختيار الموضوع جانبا
اضافيا وهو انني صرت ادعو جهارا وباقتناع
للتصالح مع الياس ، ادعو الى التوقف قليلا
والنظر الى الوراء ، الى هذا الذي بقيت
لاربعين عاما في سباق معه، اهرب منه على
امل الافلات ، متراكضا قبله ودافعا اياه
الى الخلف .
الان وقد وصلت الى
الاستدارة الاخيرة ، الى اخر انحناءة قبل
ان تنتهي ازقة القرية ويبدا فراغ البرية
المجهول ، صرت ادعو نفسي الى الالتفات الى
هذا الذي يلهث خلفي وانتظار وصوله ،
اصالحه واجلس اليه واشرب كاسه ، وعن طريق
الرسم صرت اكتشف فيه جوانب حميمة لم اكن
حتى اتخيل وجودها فيه فظلّه صار يغمر
مسرى خطاي وانفاسة تملا علي حواسي ولا اجد
رفيقا غيره لاجتياز المفازة المترقبة .
كان موضوع لوحتي دائما
مزيجا من الافكار والعواطف ، ولان عواطفي
وانفعالاتي اكبر بكثير من قدرتي على
مداراتها وتدبيرها احتجت دائما الى اداة
تنفيذ سريعة جعلت لوحتي تبدو احيانا كثيرة
وكانها لازالت في طور الاكتمال لم تخرج عن
التخطيط الاولي . مادتي هنا هي الفحم الذي
يجري وكانه جزء من الاصابع فانت ترسم
بجسدك مباشرة ثم انه يحمل معنى الزوال او
اللااستمرار والعلامة التي تتركها اليد
ليست نهائية وبالامكان التراجع عنها الامر
الذي يناسب طبيعتي المترددة غير الحاسمة
وربما الجبانة .
قد تنبثق مادة الياس في اي
شكل واثناء العمل على موضوعات مختلفة ،
فالشجرة او الجسر او المراة ليست مقصودة
بذاتها ، انها وسيلة للعمل فقط وكذلك
الاشجار التي التقط صورها او اجمعها من
هنا وهناك فهي لا تحمل مقاربة خاصة بالياس
او الغربة هي الحاوية والهلام الذي اتحرك
فيه اثناء ممارسة الغربة او الياس ، وليس
المطلوب منها ايصال الاحساس بتلك الممارسة
، لكنها قد تبدو في السياق ذاته وهذا امر
متوقع .
لكن كيف يرسم الرسام عن
موضوع معين ؟ -والياس والغربة في حالتي
هنا – والجواب يكاد ان يكون عسيرا ، قد
اكتفي بجزء من لحاء الشجرة او ابدا بتعلم
رسم الزهور على طريقة رسامي الاراضي
المنخفضة او ان اصير سرياليا واترك ما انا
فيه .
وبعد فحتى محاولتي هذه في
التعريف بمسعاي تبدو لي عبثية وميؤوس من
قدرتها .
يوسف
الناصر