<%@ Language=JavaScript %> حيدر قاسم الحجامي الناصرية ...ما بعد الحداثة

 |  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

  

حيدر قاسم الحجامي

 مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org 

 

 

الناصرية ...ما بعد الحداثة

 

 

 

حيدر قاسم الحجامي *

سألني صديق مغترب  عبر برنامج المحادثة (الياهو ماسنجر ) عن المدينة الشاعرة كما قال هو ، كيف هي اليوم ؟ ،هل لا زالت تعج بالأدباء بالشعراء المدقعين بالفقر حد الثمالة ؟ ، عن شوارعها المتعبة هل ما زالت تغني  رغم حزنها ؟ ، هل ما زالت تحتضن وقع إقدام اؤلئك " السمراوات " الجميلات اللواتي يذكرن من يراهن بأمهاتنا السومريات الغابرات ، هل ما زالت إحيائها تتشابه من حيث سحنتها الشاحبة الألوان ؟ . هل ما زالت المدينة تعيش مساءتها "المرشوشة " بالماء وعلى رائحة التراب الذي يبعث في الروح رغبة جامحة للتمرغ فيه  ، كل هذه الأسئلة كانت أجوبتي لصديقي الذي يكبرني كثيراً بالعمر والمعرفة ، بــ (لا ) كبيرة مصحوبة بحسرة  .

 

 فالمدينة توسعت وصارت مترامية الإطراف ولكنها  وللأمانة تشبه قرية كبيرة كتلك القرى التي قرأنا عنها في روايات طويلة في القرن السابع عشر وما قبله في أوربا  ، الرثاثة هنا تتزاحم مع الجمال فتقمعه  ،المدينة تعيش كقروي قضى عمره قرب (أغنامه ) في بادية نائية وفجأة ينقله قطار الى عاصمة أوربية  مزدحمة تختلط فيها الأجناس والألوان فيضيع صاحبنا بين إقدام البيضاوات العارية  وعمارتها الشاهقة .

 

 نعم مدينتي  كهذا القروي الذي نُقل تحت جنح الظلام ليكون مع الحداثة وجهاً لوجه ، مدينة بدأت تغير ملامح وجهها القديم وتزيل كل ملامحه وكأنها تقلد المرحوم " مايكل جاكسون " الذي أفنى سنينه الأخيرة في عمليات التجميل والتغيير المستمر لوجهه حتى ضيع على متابعيه فرصة الاحتفاظ والاستقرار على صورة واحدة له .

 

مدينة تنمو بسرعة مذهلة وتتوسع وتتكاثر حولها بيوت الفقراء وتتمركز طبقتها الجديدة التي تلمست طريق الثراء الفاحش عن طريق حواسها المختلفة الاتجاهات في النواة ، الناصرية تتجه الى صنع طبقتها الجديدة بسرعة فائقة ، متنها القديم تلاشى ، ثمة متن أخر بدأ بالظهور والتشكل ، الأثرياء الجدد النازحون من القصبات والأرياف باتوا طبقة جديدة تتحكم في الحياة الاجتماعية وحتى السياسية في ظل سطوة المال الجائرة ، غادر بهدوء وجه المدينة القديم دونما إشارة أو حركة .

 

وجه الناصرية الجديد البيوت الفارهة " الدبل فاليوم " تلك البيوت التي تشبه عمارتها العمارة الغربية وساكنيها الجدد وتلك التي تبنى بعيداً عن نسقية معمارية ، فأنت تلحظ بيتاً شاهقاً متعدد الألوان الى جانبه ثمة "خربة " لا زالت تحتفظ بملامح بؤسها المزمن  ، بيوت أخرى كانت لمسؤولين سابقين تحولت الى لاحقين  ، سيارات حديثة الموديلات تجوب شوارعها الضيقة وأزقتها الملتوية كأفعى ، المفارقة إن هذه السيارات كثيراً ما تجوب بعض الإحياء الشعبية المدقعة بالفقر والعوز نهاراً وتنسل مساءاً الى إحياء راقية  ظهرت بعد الحرب الأخيرة  أطلق عليها الأهالي تسميات متعددة أبرزها "بيوت الحرامية " ، إحياء جديدة صار السكن فيها يتطلب منك إن تكون من إحدى الطبقات التالية ( التجار الجدد على وزن المحافظون الجدد كما يبدو  – المترجمين – المقاولين – المسؤولين الجدد – الجامعيون بالصدفة  – مسؤولوا منظمات دولية ...)  كل هولاء يحق لهم فقط السكن  لأنهم يمتلكون المليارات الكبيرة ، أنه المركز الجديد الذي يفرض حضوره على المدينة بقوة السلطة والمال  .

 

إحياء أخرى نمت وتوسعت أيضاً يطلق عليها الأهالي "الحواسم " أنها مغلقة  أيضا  لكن على اؤلئك النازحين من مدن أخرى يسمون " المهجرين " بسبب الطائفية ، اؤلئك الفقراء الذين نزحوا الى المدينة حديثاً من القرى والأرياف ليشكوا وجهاً جديداً بعاداتهم وتقاليدهم  .

 

هذه الإحياء المتباينة في كل شيء تؤسس لحياة متباينة أيضا ، فإحياء الكبار لها طقوسها الخاصة وحديثها ، وإحياء الصغار لها همومها وأحاديثها أيضا وشجونها ، الكبار مرتاحون لما هم فيه ويعملون على دوامه واستمراره والصغار ناقمون ولكنهم يخضون في نهاية الأمر ، لأنهم صغار ..!.

 

المدينة تشترك في قطف ثمار التكنولوجيا الجديدة  كل حسب مزاجه فأنت ما إن تطل على بيوت اؤلئك الذين يقعون على أطرفها ببيوتهم الواطئة ستشاهد الإطباق اللاقطة بمختلف الإحجام لبث الفضائي بمختلف توجهاته ، وفي مشهد متكرر تعيش تفاصيله يومياً في سيارات الأجرة العمومية ، في هذه السيارات (الكيا ) تلحظ الملامح والملابس التي تشبه ملابس الأوربيين او تلك التي يرتديها ممثلون في المسلسلات التركية ، والغريب إن الكثير لا يجد حرجاً في الحديث أو الممازحة عبر هاتفه لنقال الى إن وصل الأمر بأحدهم إن يخير زوجته بين أصناف الطعام المختلفة فيما إذا كانت ترغب بـ( ألزوري ) أو اللحم أو الدجاج ...! .

 

ثمة ملامح أخرى فمدراس المدينة كثيرة ولكنها بنايات خالية من مظاهر التعليم في الإحياء الفقيرة التي أجوبها يومياً كوني انتمي إليها جسداً وروحاً تمنحك لحظة الوقوف إمام إحدى فرصة النظر الى بؤس تلك المدارس ، فهي وفي معظمها لا توفر ابسط احتياجات تلاميذها فلا كتب ولا قرطاسية ولا رحلات جديدة  ، ألوان ملابس الأطفال المتباينة تجعلك تشعر بتنوع هائل بين هولاء الصغار ، بعضهم تظهر على ملامحه إمارات الفرح والبهجة بملابس جديدة ، والبعض الأخر يأتون بأسمالهم الى المدرسة يلجون من أبوابها وسرعان ما يخرجون منها منهكين يعلوهم لون التراب الذي يغطي أرضية تلك المدارس  .

 

في الضفة الأخرى من المشهد تنمو المدارس الأهلية نمواً مذهلاً فمن 12 مدرسة قبل عام يتضاعف العدد وتختار هذه المدارس خيرة الأساتذة كما تشير لوحاتها  الإعلانية لتدريس التلاميذ وطلبة الاعداديات ، في هذه المدارس يمكنك مشاهدة التلاميذ الذين تبدو ملابسهم موحدة ونظيفة وتعلو وجوهم البيضاء المشوبة بالحمرة دلائل العز والرخاء ، باصات مخصصة لنقل هولاء التلاميذ ، ينزلون منها الى المدارس التي تحرص على إن توفر أقصى وسائل التعليم والراحة ، أنهم أبناء الطبقة الجديدة الناشئة التي ظهرت حديثاً ، يتولى إبائهم دفع مبالغ عالية تصل الى 2000دولار أحياناً  للعام الدراسي .

 

بالرغم من كل هذا فان ثمة تداخل غريب يمكن إن تشاهده أيضا فوسط إحياء مثل هذه الإحياء الراقية لهذه الطبقة التي صنعتها "الحرب " الأخيرة يمكنك إن تشاهد الريف يتجلى  أيضا ،فالرعي داخل هذه الإحياء مثل طقس يمارس بحرية تامة ، أكوام "الازبال "  تتجمع وتنمو بقرب تلك البيوت العالية  ، بل إن بعضهم حول الشارع الى ما يشبه المضيف واستحوذ على الفضاء الذي يقع إمام منزله  .

 

وأخيرا فثمة مصطلحات أخرى ظهرت وصارت متداولة فمن الحديث عن أنواع وأسماء السيارات التي تنوعت التي بلغت ذروتها مع سيارات الدوج المسماة محلياً "اوباما" نسبة الى الرئيس الأمريكي الأسمر ، الى مصطلحات أكثر جرأة وتحدي ، طبقات أخرى مثل الحشاشة والحديث السري عن طبقة تجار المخدرات أو هكذا يروج على الأقل الى انتشار مكثف وواسع للعلاقات العاطفية التي احدث "الموبايل " طفرة نوعية في عالمها المتسع باتساع هذه القرية المسماة اصطلاحاً مدينة الناصرية .

·        كاتب عراقي

·        العراق – ذي قار

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 الصفحة الرئيسية | مقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | أرشيف الأخبار | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

 

 

 

 

لا

 

للأحتلال