(الشرق الاوسط الجديد)
الفوضى الخلاقة وضحايا التغيير(3)
د.علي عبد داود الزكي
الاخطاء العربية في دعم الارهاب يبدوا انها ستكون اساس تغيير انظمة
الحكم في كل الدول العربية وفقا لمفهوم الفوضى الخلاقة وأعادت هيكلة الشرق الاوسط
وفقا لمنظور الفكر الامريكي في عالم القطب الواحد.
كانت امريكا قادرة عام 1991 من القضاء على نظام صدام وعلى كل
امكانته العسكرية والصناعية. لكن امريكا قررت فرض حصار على العراق وفرض لجان تفتيش
ليس لغرض التفتيش عن السلاح بقدر ما هو اطالة مدة عدم الاستقرار تحت شروط قاسية
فرضت على نظام الحكم الصدامي لاهداف كان الجميع يجهلها في تلك الحقبة الزمنية
المظلمة التي مر بها العراق. تم دعم بقاء صدام في السلطة من قبل امريكا لغرض
استغلال ذلك وجعل العراق ضعيفا فقيرا جائعا. مما يمكن من تنشئة تيارات فكرية جديدة
فيه بوجود الحصار والجوع والتجهيل الاجباري للمجتمع امام انهيار قيم واخلاق مؤسسات
الدولة بشكل مروع.
تلك الظروف تم التهيئة لها وصنعها واستغلالها من قبل امريكا
لنشر التناقض والتطرف. كلنا نعرف بان صدام لم يكن يسمح لاي حزب بان يعمل في العراق.
لذا كانت الطريقة الوحيدة لعراقيوا الداخل من الولوج الى عالم السياسة هو اللجوء
الى الاسلام السياسي (استخدام التنشئة في المساجد والجوامع).
هنا دخلت وشجعت بعض الدول العربية ومخابراتها للعمل على تنشئة
ارضيات دينية متطرفة في العراق ضد التوسع الايراني المحتمل وفعلا نشات حركات دينية
مدعومة من قبل الجور العربي لخلق معارضة جديدة(ذات نهج متطرف معادي فكريا للمعارضة
العراقية خارج العراق)وهذه المعارضة مدعومة من قبل مصر والسعودية وامريكا لغرض
تحجيم دور المعارضة العراقية المدعومة من قبل ايران وسوريا. لم ينتبه نظام بغداد
لهذا المخطط في باديء الامر وشجع على نشر افكار التناقض والصراع في الشارع العراقي.
فبظل الحصار في عقد التسعينيات من القرن الماضي كانت هناك
مئات الجوامع الفخمة تبنى وبدعم عربي كبير وتصرف عليها ملايين الدولارات العربية
وذلك لغرض نشر افكار متطرفة جديدة في العراق كل ذلك حصل في الفترة التي كان المثقف
العراقي يبيع كتبه ليعيش ويوفر لقمة لاطفاله وعائلته.
كانت هناك مؤسسات مجهولة تعمل على شراء الكتب الدينية
المعتدلة التي تمثل ثقافة التعايش السلمي في العراق لسنين طويلة كانت تشترى هذه
الكتب باثمان كبيرة وتختفي من الاسواق لا نعرف الى اين تذهب لربما تحرق وكانت تظهر
بدلا عنها هنا وهناك كتيبات مستنسخة رخيصة الثمن تثير الفتن وتشجع على العنصرية
والتطرف. مما ساعد على زرع بذور العنصرية والطائفية والشقاق في المجتمع الذي كان
يعاني الامرين من الحصار والتجهيل المتعمد.
لذا نشات حركات متطرفة بعيدا عن المثقفين في تلك الحقبة المظلمة من
تاريخ العراق وتفاجاء الكثير من المثقفيين بعد سقوط الصنم بظهور الكثير من حركات
التطرف بسرعة على الساحة العراقية.
فطن صدام حسين متاخرا الى ذلك وشعر بان نمو هكذا حركات يحجم التيارت
الشيعية الموالية للمعارضة العراقية في الخارج لكن هذه الحركات بنفس الوقت تهدد
كيان دولته وديمومتها واستقرارها لذا عمل نظام صدام على متابعة هذه الحركات
والتنكيل باعضاءها وزج الكثير منهم بالسجون لكنه لم يعمل على ابادتهم بل تركهم
ضعفاء غير قادرين على فعل شيء ضده.
رغم ذلك فان الدعم العربي استمر لهذه الحركات خلال 13 عام
واصبحت للمخابرات العربية اذرع سيطرة كبيرة على هذه الحركات التي تعمل في العراق
ودعمها وتوفير المؤى لها خارج العراق ايضا. مما سهل عملية تحريك هذه العصابات
واستغلالها بعد سقوط صدام وتمويلها وتنظيم عملها. ان عملية الفوضى التي خلقت بعد
السقوط ما كانت لتحدث لو تم اسقاط صدام في عام 1991.
لذا فان امريكا بحجة التفتيش فرضت الحصار وزرعت افكار التشرذم
والسوء في العراق لعقد من الزمن بمساعدة مخابرات الدول العربية ولعبت دورا سيئا في
تغيير ثقافة المجتمع العراقي.
مما مهد الارضية المناسبة للسيطرة على العراق ونشر الفوضى بعد سقوط
صدام. ان هذه الحركات الدينية المتشددة والدموية بعملها في العراق تخدم المصالح
الامريكة من حيث تعلم او لا تعلم. اغلب الحركات الجاهلة الفوضوية يسهل السيطرة
عليها بالاموال ويسهل تصفية وتغيير قياداتها وفق البرنامج الامريكي الاستراتيجي.
ان نشوء افكار التطرف وافكار التشرذم والصراع وعدم احترام
القدسيات الوطنية والدينية سهل عملية اسقاط النظام ليكون العراق بلد غير مستقر بلد
فوضى الرابح الوحيد فيها من يعرف اصول اللعبة وهو من اسس لها.
امريكا لا تلعب بيديها بشكل مباشر فلديها عملائها فكلما عمت
الفوضى ظهرت السيطرة عن طريق الفساد باستخدام المافيا وهذه المافيا هي من يكسر
القانون والنظام ولا يحترمه وهي من تجعل الرابح الاخيرة في اللعبة هو امريكا
واستراتيجيتها اللعينة.
مصر والسعودية قامت باستثمار الحركات التي تم دعمها خلال عقد
التسعينات وترويج افكار التكفير والارهاب والفتن حيث تم دعم الارهاب عربيا ضد
العراق الديمقراطي الجديد لاسباب اقتصادية وسياسية وطائفية كثيرة. حيث ان اي
ديمقراطية حقيقية في المنطقة ستكشف الانظمة العربية الدكتاترية وتحرك شعوبها
وتدفعها باتجاه استجداء التغيير من امريكا. كما ان اغلب الدولة العربية في المنطقة
تخشى من نهوض المارد الشيعي الذي يمثل المكون الشعبي المستضعف والمنتشر في اغلب دول
المنطقة وبنسب سكانية كبيرة قد تكون مشكلة كبيرة لتلك الدول فيما لو تم استنهاضه.
طبعا هذه المخاوف كانت الدافع الاكبر وراء دعم الارهاب في العراق وانشاء معسكرات
تدريب الارهابيين في الكثير من الدول العربية وتمويل عملياتهم في العراق بصرف
مليارات الدولارت. انزلقت الانظمة العربية في ذلك وكان خطاءها جسيما ليس لانها تدمر
العراق فقط بل لانها تدمر نفسها ايضا من حيث لا تعلم وذلك لانها تعمل على خلق عدم
الاستقرار في المنطقة لفترة عقد من الزمن وهذا سيؤدي الى تخريج دورات ارهاب هائلة
لا يمكن ان تستوعبها المنطقة ككل الا بدمار كبير وفوضى كبيرة.
ان الحركات التي سمح صدام بانشاءها في العراق بعد ان اصبحت
فكر وعقيدة خلال عقد من الزمن اصبحت هي سبب اسقاط صدام ونظامه. لانها اصبحت الارضية
المناسبة وفق الرؤية الامريكية لتكون بديلا عن نظام صدام الدكتاتوري في نشر الفوضى
في العراق ومنع استقراره. حيث ان الفوضى في العراق وعدم الاستقرار هو الهدف الآني
الاستراتيجي الذي تطمح له امريكا لتمرير مخططا في المنطقة. ان هذه الحركات هي من
ستقف بوجه كل القوى الوطنية التي ستعمل من اجل النهوض بالبلد بعد اسقاط صدام وذلك
بسبب فوضوية وجهل هذه الحركات ودمويتها وتبعيتها للخارج.
سقط النظام العراقي واغلب المفكرين والمحللين وحتى قوى المعارضة
التي كانت خارج العراق كانوا يتوقعوا بان العراق سيستقر امر الحكم فيه خلال اشهر
وليس سنوات وهذا خطا جسيم لم يكن بحسبانهم. لكن المحتل كان يعرف ماذا زرع في
العراق ويعرف بان الامر لا يستقر بسهولة وان الفوضى ستجعل من المحتل المسيطر الاول
على كل مجريات الامور بالريموت كونتروال لانشاء مافيات السلطة ومافيات تدمير القيم
والاخلاق العراقية الشرقية. سقط العراق في مستنقع الارهاب اول الامر وبدعم عربي
كبير جدا مما افشل النظام الديمقراطي العراقي وجعلة نظام كسيح معوق ثم تربعت مافيات
السلطة على ثروات البلد وتبديدها لمصالحها وملذاتها ونشر الفاسد ونسيان الانسان
العراقي المحروم المظلوم منذ سنين طويلة فكل سلطوي يتصرف وكانه متفضل على الانسان
العراقي البسيط وكأنه هو من اسقط صدام.
نقول هنا ان اخطاء صدام التي كان يظنها حسنات لصالح الابقاء عليه في
السلطة هي التي كانت الاساس لازالة نظام حكمه. صدام كان يخشى ايران والمعارضة
العراقية فيها، لكنه لم يكن يتوقع بان امريكا ستحفر له بئر لاساقطه وبنفس الوقت
ستعمل على منع المعارضة العراقية التي لها تاريخ معاداة المصالح الامركية في الشرق
الاوسط من تسلم السلطة في العراق.
انتهت الحرب الطائفية في العراق وانحسرت
لكن اواصر التلاحم والتماسك الوطني اصبحت هشة ,الاقتصاد العراقي هش ويعتمد على
النفط فقط الحرف والصناعات الوطنية توقفت الزراعة اندثرت، وهذا يجعل العراق ضعيفا
هزيلا تابعا لكل دول الجوار وسياسيتهم الرعناء.
وهذا
هو الخطا الجسيم الذي يعيشه العراق اليوم ولا يمكن لاي حكومة عراقية بظل الفساد
الهائل المستشري في مؤسسات البلد من اصلاح الشان العراقي والنهوض به كأمة عظيمة
والنهوض باقتصاده الا بمعجزات.
ان دعم الدول العربية للارهاب في العراق استمر للسنوات السابعة
الماضية مما ولد ثقافة ارهاب عربية ثقافة قتل وتدمير وعسكرة غير موجهة بشكل صحيح
وغير محسوبة العواقب.
امريكا دعمت وشجعت بشكل او باخر على ارسال المقاتلين العرب للعراق
ليكونوا رعاة للمشروع الامريكي في التغيير في المنطقة ككل وفعلا دمروا البنى
التحتية العراقية وبنفس الوقت تسلل المنافقون الفاسدون للسطلة وشكلوا مافيات راعية
للمصالح الامريكية وبقى المتسلطون في العراق في اضعف حالاتهم كخدم للسياسة
الامريكية. انتخابات اولى وثانية وثالثة مرت والعراق لازال ضعيف في حالة فوضى
وانهيار متزايد في مختلف النواحي الاقتصادية والسياسية والامنية.
بعد ان تحقق شيء من الامن النسبي في العراق وانتهاء الحرب
الطائفية. انقلب السحر على الساحر الاصغر (الدول العربية المعادية للديمقراطية
والتغير في العراق) اما الساحر الاكبر(امريكا) فهي من يتحكم بكل خيوط اللعبة وهي من
تستخدم الاقزام لتحقيق وتدعيم مصالحها في المنطقة.
انحسر الارهاب في العراق ولكن مقاتليه لم ينتهوا بل اصبحوا
يشكلوا اعظم قوة للفوضى (خلايا منظمة) تعمل اليوم على تدمير كل دول الشرق الاوسط
ونشر الفوضى فيها. اليمن دعمت الارهاب في العراق للسنوات الماضية ومئات ان لم نقل
الاف من المقاتليين اليمينيون قضوا في العراق.
اليوم نرى اليمن يعاني من سوء عمله من جراء دعمه للارهاب الذي انقلب
عليه.
نرى اليوم مؤسسات تصدير الارهاب اصبحت عاجزة عن دفع المقاتلين
خارج بلدانهم والكثير من المقاتلين الاشداء رجعوا الى بلدانهم ليشكلوا خلايا مقاومة
للحكم نراهم اليوم يعملون على تدمير بلدانهم وهذا نراه واضح في كل الدول العربية
والاسلامية من موريتانيا ممتدا الى الهند والباكستان. نسمع عن حركات في المغرب
والجزائر موريتانيا والصومال واليمن والسعودية والباكستان والهند.
يبدو ان الدول العربية بدات تنتبه لخطئها الجسيم في دعم
الارهاب لتدمير العراق حيث ان ما قاموا بانشائه انقلب عليهم وعلى دولهم.
لم يستقر العراق حتى الان رغم تخطيه مراحل صعبة جدا واليوم الفوضى
اخذت تنتشر تدريجيا لكل دول المنطقة ولربما سيكون ذلك بشكل اكثر دموية مما مر به
العراق .
هذا ما سيمهد لفوضى امريكية خلاقة ستتمكن فيها خلال عقد من
الزمن او اكثر من اعادة تقسيم الشرق الاوسط الى دويلات جديدة تخدم المشروع الامريكي
في السيطرة والهيمنة على العالم.
هذا راي واستنتاج يستند الى استقراء الاحداث التي مر بها
الشرق الاوسط خلال العشرين سنة الماضية.
لكنه رايي لا نجزم به قد يكون فيه شيء من الصحة وقد يكون
عبارة عن استقراءات خاطئة لاحداث صعب تفسيرها وان كان كذلك فلبرما سيكون محفز الى
استقراءات اكثر لفهم ما يجري وكيفية تقليل الخسائر. ان تقليل الخسائر قد يكون هو
افضل نصر نسعى اليه اليوم.
>>الجزء
الأول
>>
الجزء الثاني