1- نهب نفط العراق
ترجمة: د. عبدالوهاب حميد رشيد
إن منح حق (امتياز) تطوير حقل القرنة النفطي الضخم- جنوب العراق- الخميس الماضي إلى شركة اكسون موبيل Exxon-Mobil (و) شل الهولندية الملكية Royal Dutch Shell، يؤكد underscore مرة أخرى استمرار الطابع الإجرامي criminal character للاحتلال المستمر بقيادة الولايات المتحدة.. وكنتيجة مباشرة لحرب العراق، تستمر شركات الطاقة العملاقة العابرة للحدود الوطنية transnational في توسيع سيطرتها حالياً على أضخم حقوق النفط في العالم..
يمتلك حقل القرنة الغربي 8.7 بليون برميل من الاحتياطي النفطي العراقي المؤكد البالغ حالياً 115 بليون برميل، رغم أن عشرات الحقول الجاهزة لم يتم تطويرها على نحو كاف بعد. وقبل الغزو/ الاحتلال الأمريكي العام 2003، مُنِحَ حق تطوير حقل القرنة الغربي إلى شركة النفط الروسية Lukoil. بادر النظام الدُميّة في بغداد الخانع للولايات المتحدة بتمزيق كافة العقود السابقة لما قبل الاحتلال. شركة اكسون موبيل الأمريكية- مقرها الولايات المتحدة- تعتبر أول شركة نفط عملاقة تنتفع من الوضع الجديد.. ووفقاً لشروط الإتفاقية الممتدة 20 عاماً، تُخطط اكسون موبيل (و) شل زيادة الإنتاج اليومي لحقل القرنة الغربي من أقل من 300 ألف برميل يومياً إلى 2.3 مليون ب/ي على مدى السنوات الستة المقبلة. وبالمقابل ستعوض حكومة بغداد الشركتين عن تكاليف تطوير الحقل مبلغاً قد يصل إلى 50 بليون دولار بدفع 1.95 دولار لهما عن كل برميل مستخرج أو 1.5 بليون دولار سنوياً.. حصة أكسون في هذه الإتفاقية 80% مقابل 20% لشركة شل.
هذا هو العقد الثاني فقط الذي يوقعه نظام بغداد مع شركات الطاقة الأجنبية. تعاقدت حكومة بغداد يوم الثلاثاء الماضي مع شركة البترول البريطانية British Petroleum (BP) وشركة البترول الوطنية الصينية China National Petroleum Corp (CNPC) بمنح الشركتين حقوق تنمية حقل الرملية الضخم باحتياطيه البالغ 17 بليون برميل. حصة بي بي 38% مقابل 37% حصة الشركة الصينية. وتهدف الخطة إلى زيادة إنتاج الحقل من حوالي مليون برميل يومياً إلى 2.85 مليون ب/ي، وسيولد العقد أرباحاً تُقدّر بـ 2 بليون دولار سنوياً.
خيبة الأمل disappointment الوحيدة للشركات العابرة للحدود الوطنية هي أن هذه العقود لا تستند إلى نموذج إتفاقية المشاركة في الإنتاج Production Sharing Agreement (PSA) model التي تمنح إمكانية الحصول على ما يصل إلى 40% من إيرادات حقل النفط. حتى العناصر الفاسدة venal elements التي تتكون منها حكومة الاحتلال في بغداد ترفض تسليم البلاد لأكبر حقولها النفطية في مثل هذه الشروط.. وبدلاً من تسمية حقوق الامتياز، صيغت هذه الإتفاقات تحت تسمية إتفاقات "خدمة "service. هذه التسمية مكّن رئيس وزراء حكومة الاحتلال ووزير نفطه من تجاهل "البرلمان"، وذلك في غياب قانون النفط والغاز لتنظيم قطاع الطاقة في البلاد.. (القانون الشرعي الوحيد القائم هو قانون تأميم النفط الصادر في النصف الأول من سبعينات القرن الماضي- عاطل في ظل الاحتلال)..
هناك المزيد من الصفقات في طور وضع اللمسات الأخيرة. تم تشكيل كونسورتيوم consortium (تكتل مجموعة شركات) تضم شركة إيني Eni الإيطالية، أوكسيدنتال Occidental الأمريكية، وشركة كورية جنوبية Kogas، وقّعتْ على إتفاق مبدئي لحقل الزبير ويضم 4 بليون برميل احتياطي نفطي مؤكد، بينما قدّمتْ شركة إيني الإيطالية و Nippon اليابانية العملاقة و Repsolالآسبانية العطاءات bidding لحقل الناصرية ذات الاحتياطي المتماثل (4 بليون برميل).
في شمال العراق، تقوم شركة شل الهولندية بالتفاوض للحصول على عقد تطوير المناطق غير المستغلّة في حقول نفط كركوك الكبرى، ومن المتوقع أن يصل احتياطيها إلى 10 بليون برميل، رغم إنتاجيها منذ العام 1934.
بعد المطالبة الأولية بشروط تعاقد أفضل، وافقت شركات الطاقة على صفقات تطوير الحقول النفطية القائمة على أمل تحسين مواقعها الربحية من العقود السخيّة، وفق نموذج عقد PSA model (المشاركة في الإنتاج)، وبالعلاقة مع ما يزيد عن 67 حقلاً جاهزاً غير مستغلّة في طريقها للإعلان عن مناقصاتها هذا العام أو العام القادم. وفي حين تأخرت وقتاً أكثر مما كان متوقعاً، فإن شركات الطاقة العملاقة المتكتلة major energy conglomerates صارت مقتنعة حالياً البدء بضخ الأموال لحقيق توسيع سريع في إنتاج البلاد النفطية (أرباحها الاستغلالية). اتخذت الخطوة الأولى مع انفتاح صناعة النفط العراقية على الاستمثارات الأجنبية والتي جرى تأميمها في سبعينات القرن الماضي.
ولتسليط الضوء على طبيعة الاستعمار الجديد neo-colonial nature لهذه العملية، يُساهم اثنان من كبار المسئولين الأمريكان في إدارة بوش: جاي غارنر Jay Garner- أول رئيس للإدارة الأمريكية في العراق بعد الغزو/ الاحتلال مباشرة (قبل بريمر)، يعمل مستشاراً لشركة طاقة كندية تمارس أعمال تنقيبات/ استكشافات واسعة Vast Exploration ، وتمتلك 37% في أحد حقول النفط في الشمال الكردي.. زلماي خليل زادة Zalmay Khalilzad- السفير الأمريكي السابق في أفغانستان، العراق، والأمم المتحدة. قام بإنشاء شركته الخاصة للاستشارات في الشمال الكردي/ أربيل..
جسّد الغزو/ الاحتلال الأمريكي للعراق في أساسه وعلى نحو ثابت.. حرباً من أجل موارد الطاقة.. تم ذبح أكثر من مليون عراقي، علاوة على ملايين أخرى من المهجرين، المشردين، والمعوقين/ المشوهين ممن يُعانون من آثار الحرب بما في ذلك الصدمات traumatize.. تدمير المدن والبنية التحتية infrastructure.. وعشرات الآلاف من الجنود الأمريكان القتلى والمصابين، بغية تحقيق الهيمنة الأمريكية على احتياطيات العراق النفطية الهائلة، بوصفها جزءً من أطماعها الأوسع نطاقاً في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى..
فشلت الولايات المتحدة بلوغ أهدافها على نطاق أوسع في المنطقة بعد حرب الخليج 1990-1991 في سياق قدرة النظام العراقي الثبات في موقعه بعد هذه الحرب، ورغم استمرار المقاطعة الأممية بقيادة الولايات المتحدة.. وهكذا بدأ بتوقيع عقود مع شركات مثل شركة Total الفرنسية العملاقة وشركة Lukoil الروسية. وفي أواخر التسعينات كانت روسيا والقوى الغربية تضغط من أجل رفع العقوبات للسماح لهذه الشركات تحقيق المنافع.. أصبحت الحرب الوسيلة الوحيدة لتجنب إبعاد مصالح الشركات الأمريكية.
لم تقف كارتلات الطاقة الأمريكية متفرجة سلبية passive bystanders لمصالحها تجاه إجراءات الحكومة العراقية.. ممثلون بمستويات عالية لشركات مثل Exxon-Mobil, Chevron, Conoco-Phillips, BP America and Shell، شاركت في محادثات "فريق العمل من أجل الطاقة passive bystanders" أوائل العام 2001 برئاسة ديك شيني (نائب الرئيس الأمريكي).. وثيقة واحدة أُعدت للمناقشات، شملت خريطة مفصلة لحقول النفط العراقية، المحطات وخطوط الأنلبيب، وقائمة بالشركات الأجنبية غير الأمريكية التي كانت تستعد للدخول في محيط النفط العراقي. وفي مايو/ أيار 2001، أصدر فريق العمل من أجل الطاقة تقريراً ذكر صراحةً هدف الولايات المتحدة: "إن منطقة الخليج ستكون محل التركيز الأساس لسياسة الولايات المتحدة الدولية في مجال الطاقة."
أستُغِلّتْ seized الهجمات الإرهابية لـ 11 سبتمبر العام 2001 لتوفير ذريعة pretext للحرب. الأكاذيب بشأن أسلحة الدمار الشامل العراقية، شُبِكَتْ entwined مع أكاذيب أبعد بوجود ترابط عراقي مع القاعدة. وفي فترة التهيؤ للغزو/ الاحتلال، اجتمع مسئولون تنفيذيون لصناعة النفط مراراً مع رسميين في إدارة بوش. وكما علّقتْ Wall Street Journal يوم 16 يناير العام 2003: "أخذت شركات النفط الأمريكية تتهيأ للتحضير لليوم الذي قد تحصل فيه على فرصة عمل واحدة من أكثر دول العالم الغنية بالنفط."
ومع إغراق الشعب العراقي في دمائه، ترى المؤسسات المالية الكبرى والشركات الأُليغاركية بأن اليوم الموعود قد جاء أخيراً. وفي حين أن الشركات الكبرى الأمريكية ليست المستفيدة الوحيدة من هذه العقود، فليس هناك تردد/شك بأن لها القول الفصل على نفط العراق. فمع تواجد القواعد العسكرية الضخمة في البلاد، وربط نظام بغداد بواشنطن، صارت الولايات المتحدة في وضع يمكنها من فرض شروطها على منافسيها من الأوربيين والآسيويين.. ووسط تصاعد التوترات بين القوى الكبرى، تعاظمت قدرتها التهديدية بقطع إمدادات النفط- العقيدة القديمة longstanding tenet لستراتيجية السياسيات الأمريكية..
ممممممممممممممممممممممممممـ
The plunder of Iraq’s oil,James Cogan,urukinfo.net,WSWS, November 11, 2009.
James Cogan,The author also recommends:Oil and the coming war against Iraq[19 February 2003]
2- الثروة النفطية العراقية*
يمتلك العراق أكبر احتياطي من النفط الخام بعد السعودية وبواقع 11% من الاحتياطي النفطي المؤكد وجوده في العالم. أن التطورات التي حصلت في مجال الاستكشافات النفطية داخل البلاد قد تجعل من العراق مالكاً لأِكبر احتياطي نفطي في العالم. ففي خلال الفترة 1990- 1993 أعلنت الجهات الرسمية العراقية أكثر من مرة زيادة الاحتياطي المستكشف من 100 ليصل إلى 112 بليون برميل نتيجة اكتشاف حقول نفطية جديدة وبما يعادل ثلاثة أضعاف ما أكتشفته شركات النفط الأجنبية في العراق على مدى خمسين عاماً. أي أن فترة نفاد النفط العراقي وفق معدلات إنتاجه قبل المقاطعة الدولية ( 2.5 م ب/ي) سوف تمتد إلى حدود 124 سنة. بينما يقدر بعض خبراء النفط أن العراق يمتلك مكامن نفطية بحدود 300- 450 بليون برميل. بمعنى أن فترة نفاد النفط العراقي على افتراض إنتاج ستة ملايين برميل يومياً- وعلى أساس هذه التخمينات- تتراوح بين 139- 208 سنوات.(24)
وهذه البيانات تؤيد مقولة "أن إنتاج آخر برميل نفط في العالم من المتوقع أن يكون مصدره العراق". كما أنها تعني أن أي تحسن في عمليات تكنولوجية الإنتاج سيقود إلى زيادة معدلات الاسترداد الحالي. أن عامل الجذب الآخر لصالح النفط العراقي هو مواصفاته المتعددة من الثقيل إلى الخفيف وبدرجات متنوعة. وفوق ذلك مزية انخفاض تكلفة الإنتاج. أما المعنى الآخر لهذه التوقعات فهو أن الأولوية المحورية لنهضة العراق اقتصادياً واجتماعياً في المستقبل لا تقف عند مشكلات تمويلية، بل وبالدرجة الأولى والأساسية سترتبط بمسألة الاستقرار الاجتماعي وطبيعة النظام السياسي.(25) عليه، وبغض النظر عما قد يحدث من تطورات سياسية في العراق خلال الفترة المقبلة، سيبقى النفط المصدر الأعظم لتوفير العملات الأجنبية ومحور تشغيل ماكنته الاقتصادية. وهذا يفرض بالحاح صيانة وتوسيع الصناعة النفطية العراقية.
استخدمت الحضارات القديمة لأِرض ما بين النهرين الإسفلت والقار كمواد تكسية ومواد عازلة في البناء منذ الفترة السومرية الحديثة (نهاية الألف الثالث ق.م)، واستمرت هذه الاستخدامات في الحضارات العراقية القديمة. ويعتبر ذلك أول عمليات استخراج واستخدام الهايدروكربونات في تاريخ العالم. عليه يمكن وصف بلاد "مهد الحضارات" أيضاً "بلاد مهد الحضارات والصناعة النفطية".
بدأت الاستكشافات النفطية في العراق منذ أواخر العهد العثماني في القرن التاسع عشر بإنشاء شركة النفط التركية (بريطانيا، ألمانيا، هولندا) التي توقف نشاطها خلال الحرب العالمية الأولى، وأصبح العراق تحت الانتداب البريطاني، ثم تم منح امتياز (1925) يغطي 192 ألف ميل متر مربع إلى شركة النفط التركية التي أصبحت تعرف بـ "شركة نفط العراق" بمساهمات بريطانية وفرنسية وهولندية وأمريكية وكولبنكيان (5%). وبعد اكتشاف حقل كركوك العملاق (1927) توسعت مساحة امتياز شركة نفط العراق تدريجياً لتغطي كامل مساحة البلاد عدا 800 ميل2 مجاورة للحدود مع إيران والتي كانت منطقة امتياز لشركة انكلو إيرانيان. وفي عام 1947 تم اكتشاف حقل نفط الزبير ثم حقل الرميلة العملاق جنوب العراق عام 1954. هذه السنة التي تمثل من الناحية الفعلية نهاية العمليات الاستكشافية الجدية لشركة نفط العراق وفروعها.
مع صدور القانون رقم 80/1961، بدأ الطريق إلى تأميم النفط العراقي بعد ثورة 1958، بتحديد مساحة امتياز شركة نفط العراق بالمناطق المنتجة فقط، وبما يعادل نصف بالمائة (0.5%) من مساحة العراق. وفي شباط/ فبراير 1964 تأسست شركة النفط الوطنية العراقية Iraqi National Oil Company-INOC لتنفيذ الأهداف العامة للسياسة النفطية الوطنية. أخفقت الشركة في سنوات عمرها الأولى نتيجة افتقارها للصلاحيات القانونية المناسبة، ومحدودية مواردها المالية. شرَّعت الحكومة عام 1967 قانونين منحت بموجبهما للشركة حقوقاً شاملة لاستغلال وتطوير الاحتياطات النفطية، بما في ذلك إنتاج وتسويق النفط المستخرج من الحقول المشمولة بالقانون رقم 80 لسنة 1960.
بالإضافة لإنتاج النفط وتسويقه وطنياً، حققت الشركة كذلك إنجازات واسعة لتطوير البنية الضرورية لصناعة نفطية وطنية متطورة شملت تدريب الكوادر المتخصصة، إقامة أنابيب نقل النفط، توسيع شبكة المصافي، بناء منشآت التصدير ومحطات التحميل، امتلاك ناقلات النفط، إضافة إلى شبكة تسويق المنتجات داخلياً وخارجياً. وأصبحت شركة النفط الوطنية الجهاز المسؤول عن تنفيذ ذلك الجزء من السياسة النفطية الذي استهدف خلق وتطوير صناعة نفطية وطنية متكاملة راسخة، وبذلك شكّلت الدعامة الأساسية للتنمية الاقتصادية في العراق.
نجحت الشركة الوطنية توقيع أول عقد خدمة مع شركة ايراب الفرنسية. عبّر هذا الإنجاز عن نقطة انطلاقها باتجاه اختراق جبهة الشركات العالمية. وبعدها جاء استِغلال آبار في جنوب الرميلة بمساعدة سوفيتية وتنفيذ شركة هنغارية لحفر أول بئر للنفط الوطنية. وهكذا بدأت عمليات تصدير النفط على أساس الاستثمار الوطني المباشر وتوجت هذه الجهود بتحميل أول ناقلة في 7/4/1972.
وأخيرا عبّر القانون 69- تموز/ يوليو 1972 عن نهاية خط طويل لمسيرة إخضاع الثروة الوطنية للسيادة الوطنية بتأميم شركة نفط العراق ثم شركة نفط البصرة (1973). وهكذا تمكن العراق لغاية 1975 من إنهاء الرقابة الأجنبية المباشرة على موارده البترولية التي دامت ما يقارب (50) عاماً.
إن أحد أسباب نجاح تأميم النفط كان الكادر العراقي الذي زج في شركة نفط العراق منذ عام 1958 بفعل القانون. كما أن نجاح العراقيين في مجال التسويق أدى إلى إنهاء "أسطورة صعوبة التسويق الوطني للنفط". كذلك ساهم في نجاح هذه العملية، تأسيس التسويق العراقي على أساس موضوعي ومهني بعيداً عن البيروقراطية الزائدة أو الإقحام المفرط للسياسة في العمل. كما أن توقيع عقود الخدمة، خاصة مع "ايراب" و "بتروباس"، شكل فعلاً اختراقاً لجبهة الشركات، إلا أن إنهاء هذه العقود رغم أنه تم بالمفاوضة والتعويض المجزي، لم يكن موفقاً، وربما كانت إحدى نتائج هذه الخطوة، بقاء حقل "مجنون" العملاق المكتشف من قبل (بتروباس) غير مطور لغاية الوقت الحاضر.(26)
جسَّدت الفترة 1980- 2003 مرحلة مظلمة في تاريخ الصناعة النفطية العراقية، وما كان استمرارها إلا نتيجة الزخم الهائل الذي ساد عملياتها في سبعينات القرن الماضي. استهدفت هذه الفترة الإنتاج بأقصى الطاقات الممكن تصديرها، وبأي ثمن. ومع ذلك تقتضي الضرورة الانتباه إلى المفارقة التي ولدها الاحتلال، ففي عام 2002 كان العراق يصدر ما لا يقل عن 2.5 م ب/ي ويعالج حوالي خمسة ملايين طن مكافئ/ السنة من الغاز الجاف، ومكتفياً ذاتياً بجميع المشتقات النفطية مع وجود فائض كبير للتصدير أو التهريب. أما بعد الاحتلال ورغم الملايين التي قيلت أنها تصرف لاستعادة عافية صناعة النفط العراقية، بقيت الصادرات النفطية دون مستواها لما قبل الاحتلال، وتحول العراق إلى حالة عجز يستورد نصف احتياجاته من المنتجات النفطية جميعاً ما عدا زيت الوقود، مع تدني فاضح لمستوى الخدمات لمواطنيه وارتفاع كبير في أسعار السوق السوداء. هذا رغم أن طاقة إنتاج المحروقات النفطية للاستهلاك المحلي تزيد على 700 ألف برميل يومياً وتمثل ضعف معدلات الاستهلاك المحلي.(27)
إن تسييس "برنامج النفط مقابل الغذاء" بتأثير الولايات المتحدة وبريطانيا، أوقفت إرسال المعدات والأدوات الاحتياطية، وأضعفت البرامج النفطية على نحو فعال وجعلت قطاع النفط غير قادر على زيادة طاقته الإنتاجية. حيث لم تتجاوز العقود العراقية التي سمح لها بالتنفيذ عن 30% من مجمل العقود التي أبرمتها الحكومة العراقية في ظل البرنامج المذكور.(28)
علاوة على المقاطعة الدولية وحرمان القطاع النفطي العراقي من مواكبة التطورات التكنولوجية العالمية، ساهمت الحرب وأعمال التخريب التي أعقبتها في إحداث خسائر إضافية. فعلاوة على أضرار القصف المباشر أثناء الحرب للأنبوب الستراتيجي لمحطة ضخ K3، عانت المختبرات المركزية ببغداد من النهب وفقدان الكثير من البيانات والمعلومات الاستكشافية التي كانت تضم السجلات الجيولوجية وشكلت حصيلة ثمانين سنة من الجهد المتراكم وكلفت بلايين الدولارات. كما أن الإدارة الرئيسة لشركة الحفر قد سرقت. وهوجمت كافة الأجهزة والمعدات في الجنوب، ونُهبت الإدارة الرئيسة لشركة نفط البصرة مع سجلاتها.(29) شملت هذه الممارسات أيضاً استمرار سرقة النفط من أنابيب الجنوب.
من جهة أخرى، واستمراراً في تصفياتها، ركزت سياسة المحتل على تطهير الإدارة وتغييرات في الكوادر العاملة، حيث تم فصل 1500- 2000 من العاملين في مختلف التخصصات ضمن النهج الذي سار عليه مجلس الحكم الانتقالي "اجتثاث البعث". ومن الصعب فهم كيف أن مثل هذه السياسة يمكن أن تساهم في أية نتائج إيجابية، خاصة في هذه الصناعة حيث الخبرة والكفاءة مطلوبة بدرجة عالية.(30)
كما أن طريقة إدارة سلطة الاحتلال لنفط العراق تقتصر على هدف واضح هو تصدير أكبر كمية ممكنة من النفط، رغم احتمالات خطورتها على المكامن النفطية قبل تحديثها، وجمع إيراداتها تحت سيطرتها، واستيراد كميات كبيرة جداً من المنتجات النفطية إلى العراق لزيادة استنزاف موارده. وفي الوقت الذي توجد فيه مؤسسة عراقية متخصصة ومؤهلة للقيام باستيراد المنتجات النفطية، يلاحظ أن جزءاً كبيراً من هذه العمليات تقوم بها شركات أمريكية أصبحت فضائحها تزكم الأنوف.(31)
ما هو الطريق لتأهيل وتحديث الصناعة النفطية، وتمويل إعادة بناء العراق؟
إن الخطوة الأولى هي في عودة هذه الصناعة إلى مستواها السابق (3.5- 3.7 م ب/ي قبل آب/ أغسطس 1990)، وتأهيل وتحديث القطاع. لكن بلوغ هذا الهدف خلال السنتين أو الثلاث سنوات التالية على الاحتلال، يواجه جملة مشكلات، منها:(32)
.. إن البيانات التاريخية لمختلف البلدان المنتجة للنفط تشير إلى تراجع إنتاج النفط عقب كل هزة اجتماعية وتغيير القيادة السياسية، وأن عودة الإنتاج إلى مستواه السابق تطلبت بحدود ثلاث سنوات. وتزداد المشكلة تعقيدا في حالة العراق نتيجة آثار المقاطعة والحرب الأخيرة وغياب الأمن.
.. كان إنتاج النفط العراقي يتقرر من قبل رأس النظام دون اعتبار للكفاءة والاعتبارات الفنية. كما أدى الحصار إلى تفاقم تلك المشكلات بإجبار العراقيين على تفكيك cannibalization معدات لصيانة إنتاج حقول أخرى.
.. ضعف البنية التحتية infrastructure القائمة والتي لا تدعم استمرار العملية الإنتاجية. فحتى قبل الغزو الأمريكي، عانت صناعة النفط العراقية لسنوات من فقر الأجهزة والمعدات. كما أن أحداث التدمير والنهب امتدت للمنشآت النفطية.
.. إن أي زيادة في إنتاج النفط العراقي تتطلب تطوير حقوله النفطية، وهذه المهمة تدعو بدورها إلى: حكومة دستورية، استقرار سياسي، استثمارات ضخمة، بما في ذلك فترة المفاوضات وتوقيع العقود وبدء عمليات التنفيذ ومراحل الإنجاز، وهي متطلبات تأخذ فترة زمنية لبلوغها.
وبالمقابل، فإن تحديث هذه الصناعة وفق مستوياتها التكنولوجية العالمية سوف يؤدي إلى زيادة مضاعفة في احتياطاته وتطوير إنتاجه. يكفي ملاحظة أن في العراق أكثر من 80 حقلاً، في حين أن الإنتاج قاصر على 15 حقل فقط.(33) من هنا تتفق التوقعات على إمكانية زيادة صادرات النفط العراقية إلى 6 م ب/ ي. بل وزيادة الطاقة الإنتاجية إلى 7- 10 م ب/ي. لكن السؤال كيف وبأية سرعة؟ لقد كان هدف زيادة الإنتاج إلى 6 م ب/ يوم ضمن خطط وزارة النفط العراقية: 1976- 1980، 1989- 1990، 2003- 2012 لكنها لم تنفذ بسبب الحروب والحصار والاحتلال. ورغم أن تحقيق هذا الهدف ما زال ممكناً بالعلاقة مع احتياطيه الضخم، وحاجة العراق لاِستعادة مكانته في سوق النفط الدولي، إلا أنه يتطلب تأمين الاستثمارات.(34) كما أن عملية التنفيذ، تواجه جملة مشكلات، خاصة ما تعلق بصعوبة قبول الشركات الدولية توقيع عقود طويلة الأمد قبل قيام حكومة شرعية، والإقرار بخلو العراق من أسلحة الدمار الشامل، وضمان الأمن.(35)
يضاف إلى ذلك ضرورة تقرير مصير العقود التي أبرمتها الحكومة العراقية في ظل الحصار مع شركات أجنبية عديدة. بالإضافة إلى الحاجة للوقت بغية الوصول إلى اتفاقية مع الكويت بالعلاقة مع مشكلات الحدود- النفط التي ساهمت في الغزو (1990). مثلاً أن الحقل النفطي "رتقة" Ratqa في الكويت هو قطعة من حقل الرميلة في العراق.(36)
حسب ورقة عراقية قُدمت إلى مؤتمر الطاقة العربي في القاهرة عام 2002، قُدرت حاجة صناعة النفط والغاز وقطاع الطاقة في العراق بـ 40 بليون دولار، على الأقل، لغاية 2010. لكن تلك التقديرات تمت في ظروف تقشف وعلى أساس الخبرة العراقية. من هنا فإن ظاهرة تضخيم التكاليف في ظل الاحتلال، والرغبة في تعجيل توسيع هذه الصناعة ستفرض تكاليف إضافية.(37)
أن دراسة بسيطة لمواصفات قطاع النفط العراقي، ربما توضح بشكل مقنع إمكانية إعادة بناء هذا القطاع وفق أحدث أشكال التكنولوجيا وبفترة زمنية قياسية وبمستوى من الإنتاج 6- 10 مليون برميل يومياً دون أن يتطلب من العراق توفير موارد مالية ذاتية لإعمار قطاع النفط أو توفير جزء يسير فقط من التكاليف المطلوبة ذاتياً. وتفسير ذلك يكمن في المبررات التالية:
+ أن الكميات الضخمة من الاحتياطي النفطي المتاحة في العراق تعني أن أي تحسن في عمليات تكنولوجية الإنتاج سيقود إلى زيادة معدلات الاسترداد الحالي.
+ قرب النفط من سطح الأرض مقارنة بالدول النفطية عموماً.
+ ويرتبط بذلك أن تلكلفة إنتاج البرميل من النفط العراقي هي واحدة من أكثر التكاليف انخفاضاً في العالم.
+ تتواجد في العراق أكثر من 80 حقلاً مكتشفاً، في حين أن الإنتاج قاصر على 15 حقل فقط، كما سبقت الإشارة. والمعنى الاقتصادي لهذا الوضع من وجهة نظر التكاليف، غياب مخاطرة مرحلة الاستكشافات وانخفاض تكاليف تطوير الحقل النفطي، مقابل تصاعد عوائده في مرحلة الإنتاج.(38)
+ يضاف إلى ذلك أن ارتفاع سعر برميل النفط (اكتوبر/ت1/2004- حزيران/ يونيو 2005) بين 50- 60 دولاراً (MEES,Oct., 2004.., June, 2005) في أسواق النفط الدولية، يعني أن الشركات التي تحصل على عقود تطوير الحقول النفطية العراقية ستتمتع بتوقعات العوائد العالية التي ستنجم من انخفاض تكلفة الإنتاج من جهة وتصاعد أسعار النفط من جهة أخرى.
وهذه المواصفات توفر فرص تأمين الاستثمارات المطلوبة بِإتباع أساليب معمول بها في دول نفطية أخرى في المنطقة وفي العالم، مثال ذلك، عقود الخدمات وعقود المشاركة مع شركات وبيوت تمويل أجنبية، على أن تطرح هذه العقود من قبل المفاوض العراقي للمنافسة بين الشركات النفطية الدولية، وتوزيعها بشكل مناسب بين أكبر عدد منها تحاشياً للاحتكار من جهة وتوفير سبل سرعة الإنجاز من جهة أخرى، علاوة على أن هذه الطريقة يمكن أن تضع مسؤولية توفير الموارد المالية الاستثمارية المطلوبة على عاتق الشركات المتعاقدة. ومن المتوقع في ظل هذه العقود المضمونة الربحية أن يكون التنافس حاداً لصالح العراق، سواء من حيث الشروط أو سرعة الإنجاز، طالما هي مربحة وبدرجة عالية للشركات المعنية أيضاً.
وفوق ذلك فإن تصاعد أسعار النفط يعني تصاعد الدخل السنوي للنفط العراقي. فعلى فرض إنتاج العراق 2 مليون برميل (وهو دون مستوى إنتاج فترة ما قبل الاحتلال) وبيع هذا النفط بسعر 40 دولار للبرميل عندئذ سيتجاوز دخل العراق السنوي من النفط 29 بليون دولار. وهذا الدخل المرتفع يمكن أن يوفر جانباً هاماً من التمويل الذاتي، ويعزز موقف البلاد في توفير الاستثمارات لمختلف القطاعات، على فرض قدرة الاقتصاد العراقي استيعاب هذا القدر من الاستثمارات سنوياً. وكذلك على فرض قدرة العراق السيطرة على عوائده النفطية ومنع كافة أشكال التلاعب والتجاوزات، سواء بالعلاقة مع الاحتلال أو الفساد الإداري- العمولات والسرقات. من هنا يحق السؤال: هل بعد كل هذا يحتاج العراق إلى الخصخصة أو استجداء المعونات من الدول الأجنبية!؟.. ولكن هل أن العراق يسيطر على قطاعه النفطي وعوائده النفطية؟
يرى بعض الخبراء أن مشكلة الإصلاحات وإعادة تأهيل البنية التحتية القديمة للصناعة النفطية ستكون أكثر تكلفة مالياً وزمنياً مما تظهر للعيان. لذلك يدعو إلى وقف الإنفاق على الحقول النفطية القديمة وبناء نظام إنتاجي جديد مواز في سياق تطوير حقول جديدة. لكن هذا الرأي يقابله اعتراض قوي، ويطرح حقل كركوك مثالاً للرد عليه. هذا الحقل الذي يعود عمره إلى أكثر من سبعين سنة وهو ما يزال يمتلك احتياطاً ضخماً، ويرى أن إدارته بشكل مناسب ستساعد على استمرار إنتاج الحقل بين 500- 700 ألف ب/ي لسنوات عديدة قادمة. وهذا يدعو إلى الواقعية عند محاولة معالجة هذه المشكلة، لصعوبة استبدال ما تم بناؤه عبر ثمانين سنة. من هنا يفضل بناء خطة مفصلة وطويلة الأمد لإصلاح وصيانة مصادر الطاقة واستهلاكها بهدف التحديث والترشيد وزيادة استهلاك الغاز على حساب النفط الخام ومشتقاته.(39)
وبالعلاقة مع عضوية العراق في أوبك، حيث كانت بغداد محط اجتماع المؤسسين وتوقيع اتفاقية تأسيسها وإعلان إنشائها عام 1960، فإن أي قرار عراقي متسرع للخروج من المنظمة، سيضر بمصلحة البلاد. يضاف إلى ذلك فمنذ إنشاء نظام الحصص quota system في أوبك عام 1983 بقيت طاقة صادرات نفط العراق دون حصته، عدا فترة قصيرة جداً أوائل عام 1990 قبل الغزو. أما آخر مرة حصل العراق على تحديد لحصته (3.7 م ب/ي) فكان في تموز/ يوليو 1990 ولا زالت قائمة وهي مماثلة لحصة إيران في أوبك. وإلى أن يبدأ العراق تجاوز حصته، هناك وقت كاف لإعادة النظر في هذا الأمر من قبل الطرفين. فمن مصلحة أوبك مساعدة العراق للحصول على أسعار وعوائد مجزية بالعلاقة مع سنوات الحرمان التي مرَّ بها، كما أنه لن يكون من مصلحة العراق تحدي أوبك وإغراق السوق.(40)
أثناء وبعد احتلال العراق تصاعدت أصوات داخل وخارج إدارة بوش تدافع عن خصخصة قطاع النفط العراقي. لكن دعوات الخصخصة هذه لم تكن قائمة على أسس الحقائق التاريخية أو تحليل منهجي مقنع. بل أنها عبّرت عن ايديولوجية القوى المحافظة الجديدة لسلطة المحتل.
أن معارضة خصخصة قطاع النفط العراقي هي أقوى من مثيلتها في المشروعات الحكومية المارة الذكر من النواحي التاريخية والاقتصادية والسياسية، وأيضاً بالعلاقة الشديدة مع الظروف العراقية الخاصة جداًً على مدى ألـ 23 سنة السابقة. تقوم دعوات الخصخصة على أنها ستشجع الاستثمار الأجنبي التدفق في الاقتصاد العراقي. لكنها دعوات زائفة false طالما أن هذا التدفق ليس مقيداً constrained بشكل الملكية، كما سبقت المناقشة في المبحث السابق. وهناك حقيقة سبق توضيحها، وهي انخفاض التكلفة الاقتصادية والمخاطر الاستثمارية في قطاع النفط العراقي. من هنا وقعت شركات نفط عالمية عديدة اتفاقات لتطوير الموارد النفطية العراقية في فترة المقاطعة دون طرح مسألة ملكية الموارد النفطية.
هناك أيضاً البعد القانوني الدولي في مواجهة الخصخصة. فكما سبق ذكره، لا يسمح القانون الدولي بفرض تغييرات هيكلية أساسية. بل أن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1483 كان واضحاً جداً في تأكيد "حق الشعب العراقي السيطرة control على ملكية موارده الطبيعية.
وفيما عدا المجادلات القانونية والاقتصادية، هناك اعتبارات أخرى ضد الخصخصة. أحد هذه الاعتبارات يقوم على أساس العلاقة المشتركة الوطيدة بين قطاع النفط وبين التطور السياسي في البلاد منذ بدء النظام السياسي العراقي عام 1921. فالتطورات في قطاع النفط على المستويات المحلية والدولية كان لها آثار عميقة على شعب العراق ومؤسساته. إن التمزيق المفاجئ sudden rupture لهذه العلاقة التاريخية سيقود إلى خلق كافة أشكال عدم استقرار الأوضاع في العراق.
كما أن واحدة من النتائج الأكثر خطورة لفرض إجراءات الخصخصة بدوافع أجنبية ستبرز في تقييد حرية الحكومة على تصحيح ومعالجة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية الهيكلية الناجمة عن ظروف الحرب، والتي تعمقت أيضاً بفعل الانهيار الاقتصادي والاحتلال. ذلك أن خصخصة القطاع النفطي سيحرمها (الحكومة) الدخول أو التعامل access مع القسم الأكثر ثقلاً وأهمية من الناتج الوطني الذي يشكل ضرورة حيوية لمعالجة تلك المشاكل.(41)
والملفت للانتباه، أن البعض تجاوز مخاطر الدعوة إلى الخصخصة بالدعوة إلى رهن الإنتاج المستقبلي، أي خصخصة "الاحتياطي النفطي" بدعوى أن هذا الأسلوب أكثر قدرة على جذب التمويل الخارجي وأسهل عند البيع. ويظهر أن أصحاب هذه الدعوة ممن قدموا أفكارهم بطريقة دعائية، لم يبذلوا بعض الجهد لقراءة تاريخ العراق الحديث، ولم يحاولوا فهم واستيعاب نمط تفكير العراقيين وموقفهم فيما يخص الثروات والموجودات الوطنية. وحتى إذا أخضعنا هذه الفكرة للمناقشة فهي تواجه معضلة اقتصادية أكبر لتحديد القيمة السوقية لهذا الاحتياطي النفطي وهو تحت الأرض مقارنة بالصعوبات الجمّة التي تواجه مشروعات القطاع العام. كما أن الاحتياطي النفطي ثروة وطنية لا تعود إلى الجيل الحالي، حسب، بل هي ملك للأجيال اللاحقة أيضاً. من هنا لا توجد جهة في الدولة تمتلك حق بيع جزء أو كل الثروة الوطنية.(42)
رغم الحاجة إلى تعاون شركات النفط الدولية لتأهيل وتحديث صناعة النفط العراقية، يجب أن لا تكون هذه الطريقة مظلّة للتلاعب بالملكية الوطنية للثروات العراقية. ذلك أن من الخطورة جداً افتراض أن العراقيين سيقفون متفرجين على تسليم صناعتهم وثروتهم إلى الآخرين. إن الشعب العراقي يعتبر النفط- الذي كان سبباً للكثير من أتراحه وأفراحه في سياق استعادته من الامتيازات الأجنبية- رمزاً وطنياً مقدساً يجسد نضاله الطويل. وبغض الاعتبار عن الإطار السياسي الشرعي الذي سيظهر في نهاية المشوار، فأن صناعة النفط لا بد وأن تبقى مركزية ويتم تشغيلها بطريقة موحدة ككل، لأِنها الصيغة المتوافقة مع قناعة العراقيين، باعتبارها قيمة عليا في ذاتها ورمزاً للوحدة الوطنية.(43)
مقابل رفض الخصخصة السريعة، بعامة، ورفض خصخصة الثروة النفطية، بخاصة، لاعتبارات سياسية واقتصادية واجتماعية، هناك اتفاق على بقاء ملكية الصناعة النفطية للدولة، مقابل توفير مجال للقطاع الخاص المحلي والمشترك المساهمة بشكل مستقل أو من خلال المشروعات المشتركة مع الشركات الأجنبية في عمليات نفطية جديدة مثل: التوزيع والتصفية وخطوط الأنابيب وناقلات البترول وحتى الاستكشافات. ولكن دون أن تتورط هذه المشروعات المشتركة في ملكية الاحتياطي والإنتاج والصادرات التي تخص السيادة.
وفي السطور التالية جملة مقترحات لمستقبل السياسة النفطية في العراق:(44)
.. مطالبة المحتل تحمل كافة نفقات الاعمار وعدم المساس بواردات النفط الحالية لأية أهداف لا تتفق مع القانون الدولي والاتفاقات الدولية ذات الصلة.
.. تفعيل الاقتصاد العراقي وتنويعه وتقليل الاعتماد على النفط وأن يتم الشروع باستغلال واردات النفط تدريجياً بمعزل عن الميزانية العامة.
.. ترشيد الإنتاج العراقي الحالي بحدود تسمح بإجراء دراسات عاجلة للتثبت من وضع المكامن وسلامة إنتاجها بطاقات مثلى وعدم الاندفاع لزيادة الإنتاج قبل ذلك.
.. إعادة النظر بكافة الخطط المطروحة سابقاً بشأن إمدادات الطاقة في العراق وعلى أن تضمن الخطط الجديدة الاستغلال الأمثل للغاز الطبيعي وتقليل كمية النفط الخام للاستهلاك الداخلي.
.. دراسة تحديث المصافي وزيادة نسبة التحويل فيها لإنتاج المنتجات الخفيفة وتقليل فائض زيت الوقود وعلى أن يتم ذلك قبل الشروع بإنشاء مصاف جديدة.
.. رفض تام لخصخصة المصادر الطبيعية وخاصة النفط والغاز وعلى أن ينص الدستور الدائم المنتظر على هذا المبدأ.
.. الشروع العاجل بتطوير حقول جديدة أو تطوير مكامن إضافية في الحقول الحالية للتعويض عن الحقول القديمة التي تدعو الدراسات لإراحتها.
.. أن يكون تطوير الحقول القائمة بالجهد الوطني مع الاستفادة من الشركات الأجنبية لتقديم خدماتها أينما تطلب الأمر ذلك.
.. أن يتم تطوير الحقول الجديدة بالتعاون مع الشركات العالمية وفق صيغ مقبولة ومتعارف عليها تتناسب وخصائص الحقول العراقية بشكل عام وخصائص كل حقل على حدة، وعلى أن يكون ذلك وفق أسس تنافسية تضمن أفضل الشروط للعراق.
.. المحافظة على عضوية العراق في أوبك وتعاونه مع أعضائها لزيادة الاستقرار في السوق النفطية.
مممممممممممممممممممممممممممممممممممـ
المصدر: د. عبدالوهاب حميد رشيد، التحول الديمقراطي في العراق "المواريث التاريخية والأسس الثقافية والمحددات الخارجية"، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 2006.
الهوامش
* أنظر للباحث، "الاقتصادالعراقي إلى أين؟ نفط العراق"، موقع علوم إنسانية، العدد الرابع،ك1/ ديسمبر2003.
24.Isaam,A.R.Al-Chalabi,”Prospects for Iraq s’ Oil Industry”, The Future of Iraq,p.51.
.. فترة نفاد النفط: الاحتياطي الثابت والمؤكد وجوده ÷ كمية الإنتاج الفعلي.
25. Bruce O.,Riedel O.,TheFuture of Iraq,p.127.
(26) يعتمد هذاالمبحث بصفة رئيسة على: رمزي سلمان، "السياسةالنفطية"، ندوة احتلال العراق، ص907-936..، التعقيبات والمناقشات بصددها، نفس المصدر، ص937- 958..، عصام الجلبي، السياسة النفطية، ندوة مستقبل العراق، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 25- 28/7/2005.
(27) عصام الجلبي، تعقيب على ورقة "السياسة النفطية"، ص929..، سعدالله فتحي، ص932- 933.
28.Saadalla al-Fathi,”Vision of the Future: What s` next for Iraq”,MEES,7,July,2003.
29.Saadalla Alfathi,Op.cit.., Issam al-Chalabi,MEES,The Future of Iraq..
(30) عصام الجلبي، ص929..،Saadalla al-Fathi,MEES,7,2003.
(31) سعدالله فتحي، ص933- 934.
32.A F Alhajji,”Expansion of Iraq s` Oil Production Capacity:TheChallengesAhead”,MEES,No.27,7,August,20-03.
(33) عصام الجلبي، ندوة احتلال العراق، ص927.
34.A F Alhajji,MEES,27,2003.
35.Ibid.
36.Issam al-Chalabi, “Oil in Post Saddam Iraq”,MEES,25-23.6.2003.., MEES,No.42-18,Oct.,2004.
37.Saadalla al-alfathi, MEES,7,2003.
(38) عصام الجلبي، ندوة احتلال العراق، تعقسيب، ص927..، نفسه، "السياسة النفطية"، ندوة مستقبل العراق 2005.
(39) رمزي سلمان، ص918..، سعدالله الفتحي، ص934(ندوة احتلال العراق).
40.Issam al-Chalabi,MEES,25,2003.., Ramzi Salman,”Oil for Reconstruction after Oil for Food”,MEES,No.43,25,August,2003.
41. Abas Alnasrawi,MEES,45,2003.
42.Saadalla al-Fathi,MEES,7,2003..,Sabri Zire al-Saadi,MEES,29,2003..,Issam al-Chalabi,MEES,25,2003.
(43) الأهرام، ملفات الأهرام 19 أيلول2003..،: سعدالله فتحي، ندوة احتلال العراق، ص933.
(44) سعدالله فتحي، ندوة احتلال العراق، ص935- 936.. عصام الجلبي، "قراءة في: صناعة النفط في العراق والسياسة النفطية"، ندوة "مستقبل العراق"، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 25- 28/7/2005، ص42..، تقرير لجنة السياسة النفطية.
* انظر للباحث، "نقد العولمة"، الحوار المتمدن، العدد618- 11ت1/اكتوبر2003.
الصفحة الرئيسية | مقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | طلبة وشباب | المرأة | الأطفال | إتصل بنا |
---|
مقالات مختارة |
صوت اليسار العراقي صحيفة تصدرها نخبة من المثقفين والكتاب اليساريين العراقيين |
|
---|