مقالات مختارة |
صوت اليسار العراقي صحيفة تصدرها نخبة من المثقفين والكتاب اليساريين العراقيين |
---|
مقالات مختارة |
صوت اليسار العراقي صحيفة تصدرها نخبة من المثقفين والكتاب اليساريين العراقيين |
---|
الجفاف، الزراعة، والمشاكل الاجتماعية في العراق
ترجمة: د. عبدالوهاب حميد رشيد
تؤشر العواصف الرملية في العراق للتحديات التي تواجه البلاد والتي تعمقت في ظل الجفاف الحاصل على مدى سنتين.. وبإضافة الخيارات السياسية الرديئة، فهي تؤثر جميعاً تأثيراً سلبياً شديداً على الزراعة.
بعد وصولي وزملائي في الفريق إلى العراق في منطقة زراعية رئيسة، صرفنا الكثير من الوقت قبل وأثناء بدء مهمتنا لإجراء دراسة للمشاكل الزراعية بغية تجسير المبادرات الاقتصادية وإعادة البناء. وبالعلاقة مع المصدر الرئيس والمصدر الثانوي لبحثنا، فقد وقفنا عند مسألة محورية تتمثل في أن إحداث التطور المستمر في العراق يواجهه غياب اقتصاد زراعي فعال. وفي حين أن هذه الحالة تشكل جزءً من مشكلة أكبر بالعلاقة مع معضلة الجفاف في الإقليم، علاوة على الوضع الغذائي المتردي، فإن مشكلة العراق القائمة أبعد من مسألة مجرد توفير الغذاء.
هناك أربعة مجالات متشابكة overlapping areas تتطلب المتابعة والمعالجة بالعلاقة مع تمزق الزراعة في العراق:
المجموعة الأولى، تخص الدينامية الإقليمية، تركيا وإيران تحاولان التعامل مع آثار الجفاف، ويعملان على تخفيض الموارد المائية التي تصب أخيراً في العراق. وهذا يقود إلى زيادة استنزاف المياه المتاحة لاستخدامات العراق.. تخلق هذه المشكلة السياسية الإقليمية المزيد من الشكوى والشعور بالمظالم grievances ، وهي حالة ناضجة جاهزة للانفجار، ويمكن أن تقود إلى مزيد من عدم الاستقرار في المنطقة.. وفي حين أن الولايات المتحدة، العراق، ودول الجوار المعنية أنفقت الكثير من الوقت والجهد لإيجاد حل لهذه المشكلة، فإن الفشل في علاجها سريعاً وبشكل مؤثر ومحدد، يمكن أن ينتهي إلى ارتدادات سلبية negative repercussions.
تتطلب المجموعة الثانية من هذه القضايا المتشابكة التعامل مع الحقل الطبيعي الفعلي actual physical terrain في العراق. فالجزء الأعظم من السلّة الغذائية العراقية، وهي مهمة الزراعة العراقية، ترد عليها ملاحظتان: النسبة العالية من الملوحة في التربة، ويتم مواجهتها (تخفيض ملوحة التربة) من خلال الدورات الزراعية ( زراعة في موسم وترك الأرض بوراً الموسم التالي).. والملاحظة الثانية تطبيق نظام الري بالقنوات والسدود المائية..
المستويات المائية المنخفضة للأنهار بسبب الجفاف (أيضاً السدود التركية، وانخفاض أو انقطاع مياه الروافد القادمة من إيران) تجعل الأمور أكثر صعوبة لتغذية القنوات الإروائية بمياه كافية. وهذا يؤثر بدوره على زرع المحاصيل، ويقود إلى تصاعد معضلة الملوحة. فعند فقد زراعة المحاصيل الحقلية في كل دورة زراعية بسبب نقص المياه المتاحة، عندئذ تزداد نسبة الملوحة. وهذا يعني: حالما تكون المياه متاحة للزراعة فإنها تتطلب عدة سنوات لتنظيف التربة قبل أن يكون بالإمكان إنتاج أي محصول يمكن استعماله.
يضاف إلى ذلك أن مشكلة استمرار التعرية التي تتعرض لها التربة soil erosion يقود إلى المزيد من التصحّر desertification، وبإضافة ارتفاع الحرارة وتصاعد العواصف الترابية، فهي جميعاً لها آثار سلبية قياسية على نوعية حياة العراقيين.
تتركز المسألة الثالثة الرئيسة في الاقتصاد.. طالما أن كميات الموارد المائية المتاحة محدودة، فإنها تفرض قيداً فعلياً على المحصول الزراعي الممكن إنتاجه: الفواكه، الخضروات، والأسماك يجب أن تستورد.
في مقابلاتنا، من خلال منظمتنا Operating Environment (OE)، ، فقد استمعنا إلى آراء أعداد من العراقيين. وفي كل مرة وبصورة متكررة ذكروا أن المشكلة لا تقتصر على التحدي القائم في مواجهة الإنتاج الزراعي المحلي والأسماك، بل أن هذه المواد الغذائية تستورد من إيران.
ومع ملاحظة إدراك الكثيرين من العراقيين بأن الحكومة العراقية مسيّرة من قبل الخارج أو من قبل حركات سياسية محلية مدعمة و/ أو ممولة من قبل إيران، فهذا الأمر يعزز كذلك استهجان المواطن العراقي، بعامة، بأن الإيرانيين يحاولون السيطرة على كل شيء. وهذا يعادل شعور الخوف لدى العراقيين من الهليوكبتر الأسود الأمريكي (الممارسات السيئة/ الإرهابية للأمريكان تجاه العراقيين).
تتعلق المسألة الأخيرة بنمو التنبؤ السريع للقلق الاقتصادي الناجم عن تصاعد أسعار الغذاء وانخفاض الدخول.. وهذا يعكس صدمة إنسانية. كما أن تمزق قطاع الزراعة العراقية يشكل بدوره سبباً رئيساً لتمزق المجتمع والحياة الاجتماعية في العراق.
وفوق ذلك، فإن تدهور أو غياب الأشكال التقليدية لفرص العمل (الاستخدام الزراعي) بخاصة في المناطق والمحافظات التي تحيط بالعاصمة- بغداد- ساهمت في هروب الأفراد إلى المدن الكبيرة أو حتى المدن الصغيرة.. وهذا بدوره أدى إلى إرباك الخدمات الاجتماعية غير المتاحة أصلاً.
إن تدفق أعداد كبيرة من العراقيين الذين يحاولون إيجاد فرص عمل أو مجرد الإقامة مع الأهل/ الأقرباء في ظروف العدد الكبير للعائلة العراقية أصلاً، يشكل عاملاً مساهماً ومؤثراً في العنف السياسي في البلاد. وكما هو مألوف، وبدرجة عالية، عند بحث الناس عن العمل دون أن يجدوه أو هروبهم من العنف وإقامتهم في أراضٍ خالية في أكثر المناطق الاقتصادية الريفية.. ففي كلتا الحالتين تكون الحصيلة المساهمة في زيادة أعداد المشردين في الداخل Internally Displaced Persons (IDP)، وتعاظم شعور الناس ضد السلطة، بخاصة عبر الخطوط الطائفية. يضاف إلى ذلك، من المحتمل فيما يخص الكثيرين من المشردين، وتحت ضغط الحاجة، محاولة الحصول على أي قدر من الدخل وبأية طريقة كانت.. وبذلك يصبحون بيولوجياً مصدراً متاحاً لانخراطهم بارتكاب أفعال سيئة.
من الناحية الموضوعية، ساهمت أزمة الزراعة وبمستوى مؤثر في تشكيل أسلوب حياة مصطنعة لصالح العنف السياسي والأعمال الإجرامية. عدد كبير من العاطلين، بخاصة الشباب، ممن يشعرون بالاستياء واليأس، ويحتاجون بشدة الحصول على النقود لإطعام وإسكان أنفسهم وعائلاتهم، قد يجدون أنفسهم مضطرين للمشاركة في تحضير وتنفيذ التفجيرات. وفي سياق نفس الحالة من اليأس والقنوط، فإن الشباب العقائدي- السياسي أو الديني politically or religiously dogmatic – يمكن أن تولد هذه الظروف في داخلهم الاستعداد للقيام بتفجيرات انتحارية.
إحدى المعالجات المحورية لمواجهة معضلة العنف السياسي/ الطائفي في العراق هو تفعيل وإحياء قطاع الزراعة مرة أخرى. بتحقيق هذا الهدف فسيعمل كمصدر لإفراغ التوترات- صمام أمان pressure release valve - يسحب الناس من المدن والتجمعات البشرية المزدحمة والعودة بهم إلى أريافهم، استقرارهم، وحقولهم، وبما يؤدي إلى تقليل احتمالات العنف بشأن الملكية والموارد، ويساهم في زيادة احتمال تخفيف وتلطيف alleviation الأزمة الاقتصادية في العراق.
المشكلة الرئيسة هنا تتجسد عند معالجة قضية الزراعة، يجب معالجة مشكلة المياه- المرتبطة بدورها بمشكلة الطاقة (الكهرباء).. ليس بإمكانك ضخ المياه لأغراض نظام القنوات بدون مولدات/ قوة كهربائية متينة ومتماسكة..
ونتيجة القرارات التي اتخذت من قبل سلطة الأئتلاف المؤقتة Coalition Provisional Authority، واستمرت من خلال المكتب العراقي الانتقالي للمساعدة Iraqi Transition Assistance Office بترك مهمة إعادة الاعمار وبناء وتجديد نظام الطاقة (الكهرباء) إلى العراقيين (حكومة الاحتلال والقطاع الخاص) على مدى السنوات العشر القادمة، عليه هناك القليل، فقط، مما يمكن عمله في هذا الشأن من قبل (المحتل) الأمريكي والوكالات المدنية المتحالفة.. والحصيلة المتوقعة تتجسّد في احتمالات تصاعد الضغوط الاجتماعية.
مممممممممممممممممممممممممممـ
الصفحة الرئيسية
|
مقالات |
دراسات |
عمال ونقابات
|
كتابات حرّة
|
فنون وآداب
|
طلبة وشباب
|
المرأة
|
الأطفال
|
إتصل بنا جميع الحقوق محفوظة © 2009 صوت اليسار العراقي |
---|