مقالات مختارة - صوت اليسار العراقي

 الصفحة الرئيسية | مقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | أرشيف الأخبار | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

  

مقالات في كتاب

الموازنة المائية في العراق

 وأزمة المياه في العالم

 

فؤاد قاسم الأمير

الفصل السابع

7- خلافات العراق مع جيرانه

إن العنوان أعلاه، يتضمن المباحثات التي تمت والتي ستتم مع دول الجوار لمحاولة التوصل إلى حل للخلافات في وجهات النظر حول مسألة المياه، وكذلك يتضمن المشادات الكلامية والإعلامية أو الرسمية من خلال تبادل الرسائل، ويتضمن أيضاً النزاعات والصراعات واحتمال تطورها إلى حد الذهاب إلى المحافل الدولية مثل مجلس الأمن أو المحاكم الدولية، وقد يتطور الأمر إلى صراعات عسكرية في حالة عدم تدارك الأمور وحلها بالطرق السلمية، وخصوصاً خلال العقود القليلة القادمة عندما تقل المياه وتزداد أعداد النفوس في دول المنطقة. وحول هذا الموضوع نود أن نوضح ما يلي:

أ- مقدمة في طريقة معالجة الخلافات:

مما تقدم في هذه الدراسة يتبين بشكل بيّن أن هناك خلافات مع دول الجوار حول طريقة معالجة مشكلة المياه، وتتوضح هذه الخلافات سنة بعد سنة وقد بلغت أوجها في سنة 2009 وذلك للنتائج المأساوية التي حدثت في الفرات الجنوبي ومنطقة البصرة. وما سأتحدث به في السطور التالية، والتي أراها أساسية قبل الدخول في تفاصيل الموضوع، هو رأيي الخاص في طريقة المعالجة، ومن المؤكد أن هناك من يخالفني الرأي لسبب أو لآخر.

أولاً: هل الحل هو القيام باستيراد الغذاء تجنباً في الدخول في مشاكل مع دول الجوار؟!

لقد سمعت وقرأت من أطراف مختلفة، من يقول ـ بطريقة أو بأخرى ـ بأن العراق بلد نفطي وغني، وأن انتكاسة الفقر الحالية هي انتكاسة مؤقتة، كما ولأن مشاكل الري والزراعة في العراق جمة، وهذا ما وضح في الصفحات السابقة من هذه الدراسة، لهذا سوف يحتاج العراق إلى مبالغ طائلة جداً لتعديل هذا الوضع. إضافة لذلك فإن صرف عشرات أو مئات المليارات من الدولارات على مدى العشر سنوات القادمة، لتحسين الوضع الزراعي وتشييد مشاريع الري، سوف لا يوصلنا إلى ما كنا نصبو إليه في الدراسة السوفيتية، ولا حتى إلى جزء منه، لاسيما ونحن ضعفاء أمام الجار الأقوى تركيا، بالإضافة إلى توقعات الجفاف بسبب التبدل المناخي في كل الأحوال. لهذا بدلاً من التحدث عن المجد الزراعي في العصور البابلية والعباسية، والعيش بالأحلام، فإن الطريقة الأسهل هي التصرف كما تصرفنا في السنوات السبع الماضية، وبدون أية مشاكل!!، أي فتح باب الاستيراد على مصراعيه وبدون كمارك أو مكوس، (على الأقل فيما يتعلق بالمنتجات الزراعية والحيوانية)، وبدون الدخول بمشاكل تطوير الري والزراعة في العراق، أو الحصول على حصة مائية أكبر من دول الجوار. إن هذا الرأي تم طرحه أيضاً ـ حسب علمي ـ من بعض الخبراء الأميركان الذين تم استقدامهم إلى العراق لأخذ المشورة منهم في كيفية حل مشكلة المياه في العراق!!.

إن هذه الأفكار قد تكون عن قناعة، ولكن في غالبيتها يتم طرحها عن يأس!. فمن يطرحها يرى أن أموراً أقل أهمية وتعقيداً لم يستطع العراق حلها خلال السبع سنوات الماضية، مثل مسألة الكهرباء ومياه الشرب وتوفير المنتجات النفطية، وإعادة المعامل للتأهيل والتشغيل وغيرها وغيرها، فكيف يمكن حل هذه المسألة المعقدة والشائكة والتي في أحسن أحوالها تحتاج إلى عقد كامل لإكمال جميع مشاريعها. إن اليأس الذي خلقه الاحتلال، ومن جاء بمعيته، والطريقة الخاطئة والقاتلة في معالجة الأمور، وفي اعتقادي أن الخطأ القاتل لم يكن نتيجة أخطاء أو معالجات فردية عشوائية أو تجريبية وإنما سياسة ثابتة، ومنذ بداية الثمانينات لإرجاع العراق إلى "العصر الحجري"!!. إنها ليست "نظرية المؤامرة"، وإنما "قانون" تحطيم وإفلاس الدولة التي يمكن أن تنهض في هذه المنطقة!!.

كما وأن هناك أفكاراً أخرى طرحت بشكل "مخفف"، وهي "مقايضة" النفط بالماء سواء كان ذلك بطريقة مباشرة، أي "شراء الماء"، أو من خلال الاتفاقيات الثنائية الاقتصادية مع دول الجوار، أي عن طريق زيادة التبادل التجاري معها أو مع بقية دول العالم لاستيراد الغذاء، والمنتجات الأخرى، (والتي تحتاج هي بدورها إلى مياه كما سنوضح في الفصل القادم). وباعتقادي أن هذه الطروحات الأخيرة يتم عرضها عن حسن نية، مع احتمال عدم وضوح في أحقية العراق في مياهه التي تأتي من الخارج، وتجنباً للمشاكل التي لا يوجد أمل في حلها.

نود أن نوضح أن هذه الآراء والأفكار ليست فقط خاطئة، بل خطرة وقاتلة لمستقبل العراق وأجياله القادمة. إن النفط مادة ناضبة، وقد يكون العراق آخر من ينفد النفط منه. كما وأن المعالجة العالمية لمسألة الاحتباس الحراري والتغيير المناخي ستكون بالتأكيد على حساب زيادة استهلاك النفط والمواد الكربونية والهيدروكربونية، ولكن هذا لا يعني انتهاء دور النفط في العالم خلال العقود الثمانية القادمة، وإنما تقليل استعماله وسيبقى دوره كبيراً لفترة أطول بكثير كمادة لإنتاج الطاقة أو للمنتجات البتروكيمياوية، ولكنه في كل الأحوال مادة ناضبة. إذا سار العراق بالطريقة التي تطرحها هذه الأفكار، فماذا يكون موقف الأجيال العراقية القادمة التي تأتي مستقبلاً بعد عام (2100) مثلاً؟!، وهي تجد أن أجدادهم قد تركوا لهم العراق بدون زراعة أو صناعة أو بنى تحتية!!.

إن الحل الصائب هو في الوصول إلى نتيجة في الحصول على حق العراق في المياه، وبنفس الوقت تطوير الري والزراعة في العراق، وكما سبق ذكره، وذلك باستخدام الأموال التي نحصل عليها من النفط. كذلك تطوير الصناعة، وبالأخص الصناعة البتروكيمياوية والبلاستيكية وصناعات الأسمدة والصناعات التي تخدم الزراعة والري والصناعات الأخرى، وقد يتسنى لنا الوقت لعرض مسألة الصناعة في العراق في دراسة مقبلة. كذلك علينا إنشاء البنى التحتية ، إذ أن ما موجود حالياً منها دون المستوى وبمراحل طويلة سواء من حيث خدمات السكن أو النقل أو السياحة والترفيه، إضافة إلى الكهرباء والماء، والخدمات الصحية والتعليمية والتقدم التكنولوجي والعلمي. إن ما نقوله ليس كلاماً فارغاً وخطاباً أجوفاً، بل كان واقعاً في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، قبل أن يدخلنا نظام صدام، (وبدفع من الولايات المتحدة)، في متاهات الحروب والقمع بحجة حماية البوابة الشرقية، أو بحجج أخرى!!.

ثانياً: إدارة المياه الداخلية، والخلاف مع دول الجوار

يجب أن نوضح أمراً مهماً جداً، فلقد تبين ذلك بشكل واضح خلال السنين القليلة الماضية، من أن حل مشكلة المياه لا يأتي من الخارج، بل يأتي من سياسة مائية كفوءة لإدارة المياه في داخل العراق. إذ حتى لو افترضنا جدلاً، أن تركيا وإيران تركوا المياه سائبة للدخول إلى العراق، فهل يعني هذا حلاً للمياه العراقية؟. وهل يعقل أن نترك المياه العذبة تذهب إلى البحر، ونحن نأخذ حاجتنا والباقي يضيع هدراً، ونعتقد أن هذا هو حل للمسألة؟. فعندما بدأ النزاع مع تركيا يطفو إلى السطح في الثمانينات والتسعينات، أدركت تركيا أن مشاريعها قد تجابه بمعارضة، وقد يعرض العراق موقفه على المحافل الدولية، ولذا قامت بأخذ أكثر من (150) ألف صورة وفلم عن الهدر المائي في العراق، وكما علمت ذلك من مصادر مطلعة، لكي تبرهن أن ادعاءات العراق بعدم توفر المياه هي ادعاءات لا يجانبها الصواب، وأن تركيا تعمل لخير كل من العراق وتركيا بخزنها للمياه، لكي تطلقها في الوقت المناسب، وكذلك للاستفادة منها في الزراعة التي سيستفيد منها كلٌ من العراق وتركيا!!، وهي بالواقع صحيحة في أقوالها هذه، إذ عملياً جلس العراق متفرجاً، ولم يعمل على تقليل الهدر الهائل أو خزن الفائض للأيام السود. إن تركيا بمشاريعها الجديدة اهتمت بتقليل الهدر إلى الحد الأدنى، و استخدمت طرق الري الحديثة، وطرق الزراعة التي تعطي إنتاجية عالية مع استخدام مياه محدودة.

هل يعتقد أحد أن أية جهة عالمية "محايدة" ستقف إلى جانب العراق بالكامل، وهي ترى الضياع الهائل بالمياه في العراق وذلك باستخدام الجداول غير المبطنة وعدم استخدام القنوات والأنابيب الكونكريتية، والسماح للمياه الجوفية المالحة بالصعود إلى السطح لإتلاف نوعية المياه السطحية والجوفية وزيادة الملوحة فيها. إضافة لذلك عدم استخدام طرق الري الحديثة التي تستهلك كميات قليلة من المياه مثل الرش والتنقيط، والسماح لرمي المياه غير المعاملة الناتجة من مياه المصانع أو الخدمات المدنية إلى الأنهر، وعدم وجود السدود والسعات الخزنية الكاملة، وما هو موجود منها محدود جداً، بل واستخدمت مياه السنوات الماضية في غير موسمها وذلك لإنتاج الكهرباء!!. علاوة على استخدام نفس الطرق القديمة جداً في الزراعة واعتماد نفس أنواع البذور، رغم التطور الكبير الذي حدث خلال الثلاثين سنة الماضية من خلال "الثورة الزراعية" في العالم.

إن الحل يبدأ في الداخل وبصورة سريعة. وعندما نبدأ بذلك نستطيع أن نضمن نجاح تدويل المسألة المائية، ويكون لنا موقف قوي في المحافل الدولية عند عرض قضيتنا، إذ سيرى المحكمون بأننا نعمل لتحسين الري والزراعة، وبنفس الوقت نريد حقوقنا المائية لتوفير حاجاتنا من المنتجات الزراعية والحيوانية. إن المياه الداخلة للعراق كافية، في الوقت الحاضر على الأقل، لو كانت لدينا إدارة جيدة للمياه، وكما بينا سابقاً في سياق هذه الدراسة، وذلك مقارنة بمدخولات المياه لدول عديدة جداً في العالم، والتي تنتج أضعاف إنتاجنا الزراعي والحيواني بمدخولات للمياه معادلة لما يدخل للعراق. في واقع الحال وبسبب سياسة "السوق المفتوح" فإن إنتاجنا الزراعي يقارب اللاشيء في الوقت الحاضر رغم ما يصلنا من المياه!!.

ثالثاً: من هي دول الجوار التي لدينا خلاف معها؟

سيلاحظ القارئ أننا سنركز في هذا الفصل على تركيا أولاً، وبما يتعلق بمسألة المياه، فهي مصدر أكثرية مياه دجلة، وتقريباً كل مياه الفرات، لهذا فإن حل مشكلة المياه يكمن بالتوصل مع تركيا أولاً إلى حل مباشر أو من خلال جهات دولية أخرى. وستكون إيران الدولة الثانية التي سنركز على ضرورة التوصل إلى حل للمياه معها، علماً أن المشكلة الرئيسية الحالية مع إيران هي نهر كارون، واحتمال أن يكون الزاب الصغير أحد مصادر الخلاف معها في المستقبل. أما ما يتعلق بسوريا، فإني لا أعتقد شخصياً بأنها تمثل خطراً على العراق وإمدادات الفرات إليه، فهي والعراق بقارب واحد، وكلما زاد تعاوننا مع سوريا بهذا المجال كلما استطعنا تدويل مشكلة نهر الفرات ومحاولة الحصول على حصص عادلة للجميع.

إن من المحتمل جداً أن يحدث خلاف مع سوريا، وذلك عندما تعطي تركيا كميات أقل من المتفق عليها مع سوريا والعراق، وعند ذلك قد تأخذ سوريا حصتها تاركة للعراق حصة أقل مما يستحقه بسبب عدم مرور الموارد المائية المتفق عليها من تركيا إلى سوريا. إن كل الخلافات التي حدثت مع سوريا حول المياه، أثناء ملء سد طبقة أو سد الأسد، كان من الممكن حلها بالتفاهم، وكذلك يمكن حل جميع الخلافات المقبلة معها. إن نشر وإذاعة أخبار عن العلاقات المائية مع سوريا، مثل الخبر الذي نشر في الصحيفة الإلكترونية الأخبار الاقتصادية في 1/11/2009 والذي تقول فيه "أن لجنة الزراعة والأهوار في مجلس النواب كشفت عن قيام الجانب السوري بتخزين وتحويل كميات من المياه أطلقها الجانب التركي إلى العراق عبر الفرات قد يؤدي لحدوث خلل في تأمين مستلزمات الحصة السنوية"، ويضيف الخبر "أن المعلومات جاءت من مستشار اللجنة أعلاه ... والذي ذكر أيضاً أن وزير الموارد المائية قام باتصال مباشر بوزير الري السوري، ولكن الجانب السوري لم يلتزم واحتفظ بالمياه"!!. إن هذا الخبر باعتقادي من باب الهجوم على سوريا في الوقت الحاضر، إذ لو كان صحيحاً لرأينا قيام تركيا بالتطبيل والتزمير له، فهو عملياً يبرئ مسؤولية تركيا من شحة المياه في العراق!!، وقد تقال مثل هذه الأخبار في ساعات غضب ودون التدقيق فيها ومعرفة نتائجها.

لينظر القارئ إلى علاقتنا مع سوريا في التاريخ الحديث، ألا يرى أمراً مستمر الحدوث والتكرار، وهو أن في كل مرة يحدث فيها تقارب أو احتمال تقارب مع سوريا، يحدث شيء ما لكسر هذا التقارب أو احتماله. لقد حدث الأمر في زمن العهد الملكي، إذ بدأت محاولات جادة للتقارب، بإحياء ما يسمى "الهلال الخصيب"، وانتهى بسلسلة انقلابات بتأثير وتدبير المخابرات المركزية الأميركية. ثم بدأت محاولات أخرى للتقارب بعد ثورة تموز 1958 وأيضاً أفشلت من قبل جهات عربية، و بمباركة أميركية، كذلك فشلت محاولات التقارب مرة أخرى في سنوات 1963 و1964. وقد بقيت العلاقات مع سوريا متوترة منذ 1968، ولكن تمت محاولات جادة في أواخر السبعينيات للتقارب والعمل المشترك الجاد أجهضها صدام في آب 1979 بمجزرته لكثير من قيادات حزب البعث. وفي الوقت الحاضر، وعلى ضوء هذا التاريخ الطويل لإعاقة التعاون مع سوريا، أطلق الملك عبد الله ملك الأردن تحذيره قبل سنتين، وبمباركة أميركية أيضاً، مما أسماه "الهلال الشيعي" بدلاً من "الهلال الخصيب"!!، بإضافة إيران إلى سوريا والعراق!!. هل يستغرب المتتبع لهذه الأحداث بأن تُتهم "سوريا"، في آب الماضي، وبعد يومين من رجوع رئيس الوزراء العراقي منها، بأنها وراء الأعمال الدموية التي حدثت في "الأربعاء الدامي" في 29/8/2009، وكذلك "الأحد الدامي" في 25/10/2009؟!!. أليس من الغريب أن تقوم سوريا بذلك، وهي على وشك إنهاء اتفاقية سياسية اقتصادية كبيرة، تتضمن تفعيل خط نفط كركوك ـ بانياس وبناء خط آخر لتصدير النفط العراقي!؟، ويطلب العراق تدخل مجلس الأمن على غرار ما تم في لبنان!!. بعد ذلك، وعندما أرادت الحكومة العراقية التراجع عن تصريحاتها، قالت أنها لا تتهم سوريا، بل تتهم "بعثيي يونس الأحمد" اللاجئين حالياً لديها، والكل يعرف في العراق أن هذا الجناح ضعيف جداً في العراق وعملياته محدودة، وما تم من عمل كبير ودقيق  لا يمكن أن تقوم به إلاّ تنظيمات، أو جهات، مرتبطة بأجهزة مخابرات قوية. إضافة لذلك فإن الجهات المرتبطة بتنظيم القاعدة، اعترفت في بيان لها بأنها هي التي قامت بهذه الأعمال. أما بيانات "البعض" بأن إيران هي من قامت بهذه الأعمال الدرامية، فإنها  "نكتة سوداء" بنظري، إذ ما الذي تستفيده إيران في زعزعة نظام يراعي استمرار علاقات طيبة معها. إن المستفيد الأول والوحيد من خلق واستمرار الفوضى الحالية في العراق هو المحتل (وإسرائيل) لإيجاد تبرير لاستمرار بقائه، وهو أمر يكرره المحتل من بايدن إلى السفير أو القائد العسكري الأميركيين، وكما أوضحته في كتابي حول "الاتفاقية الأمنية"!!!.

إنني من مؤيدي التعاون الوثيق مع سوريا واعتبارها الامتداد الطبيعي للعراق وقوة له، ولا أريد أن أصب الزيت فوق النار، فيما يتعلق بعلاقتنا المائية مع سوريا، ولهذا سأترك ـ بصورة عامة ـ سوريا جانباً، سيما وأنها دولة مرور بالدرجة الأولى وليست مصدر لمياه الفرات إلاّ بكميات قليلة جداً، ورغم ذلك سأتتطرق إلى السياسة السورية المائية في الصفحات القادمة.

رابعاً: هل استفاد العراق من "الضجة" العالمية لمناهضة سد اليسو؟

من الجدير بالملاحظة أن الحكومة التركية الحالية ذات التوجهات الإسلامية، تتحدث عن مياه دجلة والفرات، والعلاقة مع دول الجوار، (أي العراق وسوريا)، بلغة تختلف عن لغة التهديد التي كانت تتحدث بها الحكومات التركية في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي. وسنرى لاحقاً من هذا الفصل، بأن تلك الحكومات كانت تعتبر بأن جميع مياه دجلة والفرات هي مياه تركية بحتة تتصرف بها بالطريقة التي تريدها. لعل السبب الرئيسي في توجه الحكومة الحالية نحو جيرانها الجنوبيين، ونحو العالم العربي والإسلامي، هو تعبها من محاولاتها ومحاولات الحكومات التركية السابقة من دخول الاتحاد الأوربي، ورأت أن مستقبلها يتمثل برجوعها إلى محيطها. وقد يكون السبب أيضاً هون صدور "القانون" الدولي المتعلق بمياه الأنهار "المشتركة" في سنة 1997، والذي لم توافق عليه تركيا أصلاً، ولم يصادق عليه لحد الآن العدد الكافي من الدول. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه، هو هل هناك تبدل "جذري" في الموقف التركي؟، وهل نتوقع الوصول إلى نتائج مرضية من خلال المباحثات معها؟. باعتقادي أننا سوف لا نتوصل إلى اتفاق ثنائي "ملزم" حتى مع الحكومة التركية الحالية، وأننا يجب أن نتجه إلى تدويل مسألة حقنا في المياه، وضرورة وضع ذلك من خلال اتفاقية ثنائية أو دولية أو أمر من مجلس الأمن الدولي أو أمر قضائي، وكان من الممكن استغلال مسألة سد اليسو للدخول في هذا الطريق.

لعل الكاتب الصحفي الوطني اليساري علاء اللامي هو من أوائل الذين أكدوا على أهمية تدويل هذه المسألة لنيل حقوقنا، وذلك من خلال عدد من المقالات نشرت في الأخبار اللبنانية و في مواقع عديدة منها موقع البديل العراقي و ذلك في تشرين الأول 2009(58).

أرى، ولغرض توضيح الأمر للقارئ، كتابة الملاحظات التالية:

 ( 1 )ـ لقد ذكر موقع صوت العراق في 3/9/2009، ونقلاً عن وكالة الأنباء الفرنسية ومراسل تلفزيون الجزيرة في أنقرة(59)، أن وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي تانر يلديز قال للصحفيين، قبيل اجتماع في أنقرة عقده مسؤولو الدول الثلاث وناقشوا فيه قضية تقاسم الموارد المائية للنهرين، "أننا نعترف بحاجات سوريا والعراق إلى المياه ... لكننا لا نملك الكثير منها ولا يمكننا زيادة المعدل كثيراً. كما أننا نعتبر هذا المعدل مناسباً جداً لهما"، موضحاً أن "تركيا زادت تدفق المياه من (500) إلى (517)م3/الثانية" وذلك بموجب اتفاق وقع في 1987. غير أن وزير الري السوري رد بأن "منسوب مياه الفرات القادمة من تركيا تراجع إلى معدل (400)م3/الثانية وليس (500)م3/الثانية". ولقد شدد وزير الطاقة التركي في مقابلته للصحفيين على "أن أية زيادة أخرى في حصة المياه لسوريا والعراق ستؤدي إلى وقوع مشاكل في إدارة المياه والطاقة (في تركيا)، وهو أمر لن تسمح تركيا بحدوثه"!!.

هل هذا الموقف التركي يمثل تبدلاً في السياسة، أم فقط تغييراً في اللهجة؟، وهل أن تركيا لا تملك فعلاً كميات أخرى لإطلاقها عندما حدثت المأساة في جنوب العراق؟. أما قولها لولا السدود التركية لما كان باستطاعتها تزويد سوريا والعراق بالمياه، فهو قول صحيح، إذ أنها حجزت الماء وحافظت عليه عندما كان متوفراً، وأطلقت قسماً منه، عند شحة الماء، وفي اعتقادي كان بإمكانها إطلاق كميات أكبر بسبب الخزانات العديدة المتوفرة في مشروع الكاب وكما أوضحنا سابقاً.

 ( 2 )ـ  ذكرت صحيفة الغارديان البريطانية(60) في 24/12/2008، في مقالة حول ابتهاج معارضي إنشاء سد أليسو بسبب "انسحاب" الشركات الضامنة الألمانية/النمساوية/السويسرية، وبهذا لا تستطيع تركيا الحصول على قروض لتشييده. وعند قراءة الخبر تجد أن الأمر لم يكن انسحاباً بل تجميداً مؤقتاً، لأن السد "لا يلبي طلبات حكومات الشركات الضامنة فيما يتعلق بالبيئة"!!، كما نرى أن معارضي إنشاء السد هم مجموعات حماية البيئة، ومنظمات حماية التراث والآثار العالمية heritage organizations، ومنظمات حقوق الإنسان، وذلك لأن السد سوف يغير الظروف البيئية في المنطقة ويغرق آثاراً تعود لحضارة ما بين النهرين وأهمها مدينة حسانكيف Hasankeyf حيث أن لهذه المدينة تاريخ يمتد إلى ما يقارب (100) ألف سنة، ولهذا تعتبر من أقدم المدن المسكونة لحد الآن، كذلك سيؤدي بناء السد إلى تهجير (50 ـ 80) ألف مواطن. بنفس الوقت فإن الحكومة التركية الحالية تؤكد على ضرورة بناء السد، الذي تبلغ كلفته 1.1 مليار باوند إسترليني (أي ما يزيد عن 1.8 مليار دولار)، لتوفير الاستقرار في المنطقة من خلال التنمية الاقتصادية، والقضاء على حركات حزب العمال الكردستاني، حسب ما تقوله الحكومة التركية. إن "التجميد" جاء بناءاً على اتفاق الحكومات الألمانية والنمساوية والسويسرية، بأن تمويل السد يجب أن يلبي متطلبات البنك الدولي لإقامة مثل هذه المشاريع، وعليه أن يفي بحوالي (150) شرط تتعلق بالبيئة ومواقع الآثار وديمومة الحياة الإنسانية في المنطقة، والعلاقة مع الدول المجاورة، ومنها أن الحكومة التركية لم تتشاور مع الحكومتين العراقية والسورية. علماً أن البنك الدولي سبق وأن رفض طلباً تركياً لتمويل سد على الفرات في منتصف ثمانينات القرن الماضي، ما لم تتعهد تركيا بتزويد سوريا والعراق بكمية تعادل (500) متر3/الثانية من مياه الفرات، واضطرت تركيا إلى الموافقة على ذلك، وتم تثبيته في الاتفاقية التركية ـ السورية التي وقعت في 1987!‍‍!.

مما يثير الاستغراب أن مسألة تأثير تشييد السد على العراق جاء كمسألة عرضية جداً، وأن من أوقف أو جمّد العمل به هي المنظمات الإنسانية الأوربية التي ذكرها تقرير الصحيفة. وكما يظهر أن إحدى هذه المنظمات هي "منظمة حقوق الإنسان الكردية" (Kurdish Human Rights Project KHRP)، والتي مقرها لندن. فلقد أرسلت وزارة البيئة العراقية في 22/8/2007، إلى السيد رئيس الوزراء العراقي نص البيان الذي أصدرته المنظمة أعلاه في 30/5/2007 باللغة الإنكليزية حول سد أليسو وضرورة إيقاف إنشائه، ولنفس الأسباب البيئية والإنسانية وحفظ التراث في المنطقة. ولكنه يقول أيضاً أن الممولين الأجانب السابقين كانوا قد سحبوا تمويلهم للمشروع في سنة 2002 بسبب فشله في تلبية المتطلبات الدولية وللعواقب الوخيمة الناتجة منه (المقصود البيئية والإنسانية وحماية التراث)، ولكن رغم ذلك تقدمت الشركات الألمانية/النمساوية/السويسرية لتمويل المشروع، (وذلك في سنة 2007)، رغم معرفتها بالمخاطر الناجمة عنه، وكذلك معرفتها وبأن "لدى الحكومة العراقية اعتراضات على المشروع".

كما يشير البيان إلى أن "تركيا تدعي أن اجتماعاً تم في آذار 2007 حول الموضوع، تم التوصل خلاله إلى اتفاق بين تركيا والعراق وسوريا بشأن خطط تركيا في إنشاء السد"!!.

 ( 3 )ـ كانت وزارة الخارجية العراقية قد أرسلت رسالة في 20/1/2007 إلى وزير خارجية ألمانيا تحدثت فيها عن المشكلة المائية في العراق، مع ذكر أن "وكالات الأنباء تناقلت قيام تركيا مؤخراً بوضع حجر الأساس لإنشاء سد أليسو على دجلة دون علم العراق، مخالفة بذلك المعاهدات الدولية ومبادئ وأحكام القانون الدولي اتي تنظم استخدام المجاري الدولية بين الدول المتشاطئة عليها ... الأمر الذي سيؤدي إلى آثار كارثية في العراق لأن نسبة كبيرة من السكان العراقيين تعتمد في تأمين احتياجاتها على مياه نهر دجلة. كما سيؤدي تنفيذ هذا السد، في السنوات الجافة إلى تقليص المياه المتدفقة بشكل حاد، وخاصة بعد إكمال منظومة سد أليسو ـ جزرة،حيث سيتم تحويل المياه إلى أراضي هذا المشروع قبل عبورها الحدود الدولية التركية العراقية".

كما أن الرسالة قد ذكرت أن "من المتوقع أن ينخفض الوارد المائي من دجلة والبالغ (9.7) مليار متر مكعب/السنة"، ولهذا برأيي فإن النتائج الكارثية سوف لا تأتي "في السنوات الجافة" فحسب، وإنما ستكون نتائج كارثية مستمرة خصوصاً في ضوء مشاريع الري المتأخرة في العراق في الوقت الحالي.

واختتمت رسالة وزارة الخارجية العراقية بالطلب من وزارة الخارجية الألمانية بذل مساعيها "لمنع شركتي ستراباج  وأيس زبلن اللتين أعلنتا استعدادهما للمساهمة في إنشاء سد أليسو من الإقدام على هذه الخطوة، ما لم  يتم التوصل إلى اتفاق عادل يضمن حقوق العراق في النهرين الدوليين ... مؤكدين في نفس الوقت حرص العراق على إقامة أفضل علاقات التعاون وحسن الجوار مع الجارة تركيا".

إن الرسالة جيدة لغرض إشراك دولي لحل الموضوع، ولكن كان يجب أن لا توجه إلى ألمانيا فحسب، بل إلى مجلس الأمن الدولي أو على الأقل إلى الاتحاد الأوربي، فلقد ضيعنا فرصة في تبيان الوضع السيء للعراق، في زمن يتعاطف العديد من شعوب العالم مع شعبه.

بعد أسابيع من الرسالة أعلاه، استلمت وزارة الخارجية العراقية/الدائرة القانونية رسالة من وزارة الموارد المائية مؤرخة في 8/4/ 2007، أرفق فيها ملاحظات الوزارة الأخيرة على التقارير المرسلة إليها عن مشروع سد أليسو، والتي تسلمها الجانب العراقي من الجانب التركي في 14/12/2006، وتطلب من وزارة الخارجية تسليم الملاحظات إلى الجانب التركي، كما أرسلت صورة من هذه الرسالة إلى سفارتنا في أنقرة. لقد كانت ملاحظات وزارة الموارد المائية جيدة، وتتضمن العديد من النقاط الإيجابية منها ما يلي:

-    إن الجانب العراقي استلم الدراسة التفصيلية للمشروع في كانون الأول 2006، بينما قام الجانب التركي بوضع الحجر الأساس له في بداية آب 2006، والذي يعني عدم اهتمام الجانب التركي برأي الجانب العراقي، وأن الأمر جزء من الشكليات، لاسيما وأن أقساماً كبيرة من الدراسات المتعلقة بالمشروع لم تسلم إلى الجانب العراقي.

-    إن مقدار النقص المتوقع في دجلة الداخل إل العراق سيكون (6)كم3/السنة، علماً أن التقرير أعطى معلومات ناقصة عن سعة الأراضي الإروائية التي سيقوم المشروع بسقيها.

-    ستكون نوعية المياه لما بعد السد ذات نوعية رديئة لأنها ستتضمن المياه المسترجعة من الأراضي المسقية لعدم وجود مبازل أو مجارٍ لتصريفها بعيداً عن مجرى النهر، والتي ستكون ملوثة، إضافة للمياه الملوثة نتيجة الخدمات المدنية في المناطق الجديدة المستصلحة.

-    أوضح التقرير التركي أن السد يقع ضمن منطقة زلزالية يصل تأثيرها إلى (6) درجات على مقياس رختر، وأن التصميم أخذ بنظر الاعتبار عوامل الأمان، في حين أن تأثير الهزة إذا حصلت مع وجود (10.4)كم3 من الماء تتطلب دراسة معالجة أي انهيار أو تصدع يحصل في السد جراء الهزة، سيما أنه لا يوجد خزان آخر عند مؤخر السد لحجز الموجات الفيضانية الهائلة.

-    لقد اعترضت وزارة الموارد المائية على تصاريف النهر التي أوردها التقرير، إذ أنها لا تلبي الحد الأدنى للمحافظة على بيئة النهر. كما اعترضت على التصميم فيما يتعلق بالثروة السمكية وهجرة الأسماك وتكاثرها، وغيرها من الأمور.

ويختتم رد وزارة الموارد المائية، وتحت عنوان: "ملاحظة عامة مهمة"، بأنه "يؤكد اعتراضه على انفراد تركيا في إنشاء السدود ... وضرورة التوصل إلى قسمة عادلة للمياه، والأخذ بنظر الاعتبار القوانين الدولية والعرف وحقوق العراق المكتسبة في مياه النهرين، والاستخدام الأمثل للموارد المائية، وعند إنجاز ذلك ليس هناك اعتراض على قيام كل دولة باستثمار حقها المتفق عليه بالاتجاه الذي ترغب فيه سواء كان ذلك في إنشاء السدود أو مساقط لتوليد الطاقة، أو التوسع في المساحات الزراعية".

بالواقع أن ما تقوله وزارة الموارد المائية صحيح، فليس هناك اعتراض على بناء السد بحد ذاته، ولكن ينبغي أن يتم ذلك بعد تثبيت كمية حق العراق في مياه دجلة. إن نقص (6)كم3/السنة من مياه دجلة يعتبر كمية هائلة جداً، ولا يمكن حجزها عن العراق ، فهي تكفي لسد  احتياجات ( 6 ) ملايين نسمة لكافة المتطلبات الزراعية والصناعية والخدمية حسب المقاييس العالمية، (أي 1000م3/السنة/الفرد)، ولثلاثة ملايين نسمة لمقاييس العراق غير الكفوءة!!. علماً أن تركيا ستجيب على مثل هذا الطلب بأنها تخزن المياه في الفترة الرطبة، (أي وفيرة المياه)، ولا يوجد في العراق حالياً مكان لخزن هذه الكمية، إذ أن سد الموصل في خطر ومنخفض الثرثار مالح!!.

هذا ولا نعرف كيف فهم الأتراك رد الجانب العراقي، إذ مما جاء في نهاية الفقرة (2) أعلاه، نرى بان تركيا تدعي أن هناك اتفاقاً تم في آذار 2007 على الخطط التركية!!، وجواب وزارة الموارد المائية أعلاه يخالف ذلك.

 ( 4 )- نعود إلى صحيفة الغارديان البريطانية، في 1/7/2009، وتحت عنوان: "تركيا تخطط لإعادة العمل في مشروع السد المثير للجدل"(61)، لتقول "أن وزير البيئة التركي أكد على أن العمل سيبدأ مجدداً على سد أليسو، حيث انتهت مدة الستة أشهر للتوقف المؤقت بسبب التمويل"، وتضيف أن "هذا التصريح خيّب آمال مجموعات البيئة التي اعتقدت أن العمل بالسد قد توقف بعد أن أعلنت الشركات الألمانية/السويسرية/النمساوية أنها سحبت ضمان التمويل في كانون الأول 2008". وأضاف الوزير التركي، نقلاً عن الصحيفة، بأنه "تم عمل كبير، لكي تكمل التصاميم وفق المعايير الدولية"!!. وقال متحدث باسم وزارة الاقتصاد السويسرية إلى وكالة رويترز للأنباء أن "سويسرا لا تزال تدرس المسألة وسوف تقرر سوية مع ألمانيا والنمسا كيف ستسير الأمور"!!. وتقول الصحيفة أيضاً أن "رئيس الوزراء التركي أردوغان يقول أن سد أليسو يمثل تحولاً اقتصادياً كاملاً في المنطقة ويساعد على إنهاء تمرد حزب العمال الكردستاني".

مما جاء في  أعلاه نرى أن تركيا مستمرة على إكمال هذا المشروع، ومن المحتمل جداً أنها مستمرة على إكمال جميع مشاريع "كاب" على دجلة، مما سيؤدي إلى كارثة كبيرة للزراعة في العراق.

في هذه الأثناء تحرك الآخرون ولم تتحرك الحكومة العراقية!!، ففي الوقت الحاضر، في شهر تشرين الثاني، تدور عريضة في أوربا والعالم، موجهة إلى رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء التركي، وإلى أنجيلا ميركيل المستشارة الألمانية، وإلى هانز رودلف ميرز رئيس الكونفدرالية السويسرية، وإلى وينر فايمان المستشار النمساوي، تطلب "إعلان حسانكيف ووادي دجلة/تركيا، كموقع لليونسكو وجزء من التراث العالمي"(62)!!. حيث تطالب العريضة بإيقاف العمل بسد أليسو، للأسباب الإنسانية لأهالي المنطقة، ولحماية مدينة حسانكيف الأثرية، و حماية البيئة في نظام نهر دجلة في تركيا، وعن حماية " السلحفاة رقيقة القشرة Euphrates Soft-shell Turtle" المعرضة للانقراض!!. ولكن العريضة لم تتحدث عن ملايين العراقيين المعرضين للعطش والجوع والتشرد، وباعتقادي أنها تركت هذا الأمر للسلطات العراقية، التي لم تتحرك لحد الآن، ـ حسب علمي ـ، كان الأمر لا يعنيها!!.

إن التحرك لإثارة الموضوع عالمياً يجب أن يتم الآن، لا أن يترك للجفاف القادم في السنة المقبلة، ونثير  الأمر لأسابيع ثم نتوقف إلى السنة التي تليها وفي هذه الأثناء تمضي تركيا في تنفيذ كامل مشروع "كاب"، وتضع العراق أمام الأمر الواقع. هنا يجب أن أذكر القارئ بأن من المحتمل أن تأتي سنة أو سنتان بأمطار جيدة، كما تتحدث بهذا الصحف العراقية في هذه الأيام عن أمطار جيدة لهذا العام!!، ولكن الاتجاه العام سيكون الجفاف، وجفاف قاس وتصحر وكثبان وعواصف رملية، هذا ما ينتظر العراق، إلاّ إذا تحركنا في داخل العراق أولاً لتحسين الري، وكذلك التحرك الخارجي لتدويل مسألة المياه العراقية.

وقد يأخذ التحرك لإثارة موضوع نقص المياه وعلى نطاق دولي أشكالاً عديدة، فإذا كانت الحملة العالمية ضد تشييد سد أليسو قد بدأت، و لا تزال مستمرة، من قبل بعض المنظمات الدولية المهتمة بالبيئة أو حقوق الإنسان أو حفظ التراث، فإن إثارة احتمال جفاف منطقة الأهوار العراقية قد يأخذ منحى مشابهاً. في الواقع إن منطقة الأهوار لها صدى عالمي واسع ومنذ فترة طويلة جداً، فهي إحدى الحالات الطبيعية النادرة في العالم، وأن قيام الحكم السابق بتجفيف قسم منها، أكسبها مزيداً من الشهرة . لقد كتب عنها مئات المقالات والدراسات والكتب والبحوث، وأخذت الأفلام الوثائقية العديدة، تمت مئات المحاضرات والمناظرات، حول هذه المنطقة لسبب أو لآخر ومنها محاولات إعادة إحيائها بعد الاحتلال. لهذا يجب أن يعرف العالم وبشكل واسع، إن أول المتضررين من الجفاف في العراق سيكون جزء كبير من هذه المناطق، إذ ستجفف حتماً أما بتخطيط مسبق للمناطق اللازم تجفيفها، أو أن تجفف بغير تخطيط مسبق نتيجة الإهمال وعدم وصول المياه إليها.

لقد جاء في الأخبار المحلية، أن وزارة الخارجية العراقية طالبت الأمم المتحدة، في 15/11/2009، بالتدخل لمعالجة جفاف الأهوار جراء النقص الحاد بالمياه عبر دعوة دول الجوار إلى وقف "تهديداتها للموارد المائية في العراق"(63)، ويضيف الخبر، "أن وزير الخارجية بعث إلى الأمم المتحدة رسالة تسلط الضوء على ظاهرة جفاف الأهوار تضمنت طلباً بالتدخل لإبداء المساعدات الممكنة وحض الدول المتشاطئة مع العراق على وقف تهديداتها المائية". كما طالبت الخارجية دول الجوار "بتغيير سياستها على نحو يضمن حقوق العراق المائية التي يكفلها القانون والعرف الدوليان ... وتنفيذ التزاماتها ... والعمل على إطلاق حصة مائية كافية لتغذية الأهوار العراقية".

إن هذا الأمر يعتبر خطوة جيدة، والمفروض توسيعها وجعلها أحد المداخل لتوضيح المأساة للرأي العام العالمي من خلال تبيان النتائج الوخيمة التي لحقت بالبيئة الإنسانية والطبيعية عام 2009 بسبب عدم وصول كمية كافية من المياه إلى الأهوار.

 السابق >>

الفصل السادس

6- النزاعات العالمية حول المياه

 

 

<< التالي

موجز تاريخي بسيط للمشاكل حول المياه مع إيران وتركيا

ما هو الحل لشط العرب ؟

 

 عودة الى الفهرست >>

 ___________________________________________________

 

 

(58)  "رداً على البلطجة التركية والإيرانية: آن الأوان لتدويل قضية دجلة والفرات، وإلاّ فليتحمل أقطاب الحكم المحاصصة مسؤولياتهم ويستقيلوا".

        علاء اللامي

(59)  "تركيا ترفض اتهامات العراق وسوريا بعدم تلبية حاجاتهما من مياه دجلة والفرات"   موقع صوت العراق 3/9/2009.

(60)  Activists Celebrate as Insurers Pull Plug on 1.1 bn Pounds Turkish Dam"         الغارديان في 24/12/2008.

(61)  "Turkey Plans to Restart work on Controversial Dam Project"

          الغارديان في 1/7/2009.

(62) "Petition to declare Hasankeyf and Tigris Valley a UNESCO Heritage Site".

(63)  "العراق يطالب الأمم المتحدة بالتدخل لمنع دول الجوار من تجفيف الأهوار".

          موقع البديل العراقي 16/11/2009.

 

 

 

 

 الصفحة الرئيسية | مقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | أرشيف الأخبار | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

تصدرها مجموعة من الصحفيين والكتاب العراقيين

webmaster@saotaliassar.org    للمراسلة

 
من الصدف الجميلة ان يدق لي عود المشنقة في نفس المكان الذي كنت اثير منه المظاهرات الوطنية

الشهيد حسين محمد الشبيبي

الشيوعية أقوى من الموت وأعلى من أعواد المشانق

الرفيق الخالد فهد