(2) ملوحة مياه الأنهار العراقية
في البداية أود أن أوضح أن العمليات التي تجري في محطات "إسالة المياه" لجعل
المياه صالحة للشرب، لا تقلل من الأملاح، وإنما فقط للتخلص من المواد
العالقة، وكذلك لتعقيم المياه والتخلص من البكتيريا والجراثيم وذلك من خلال
الترشيح باستخدام الرمل والحصى للتخلص من المواد العالقة، واستخدام الكلور أو
الفلور أو الأوزون أو الأشعة فوق البنفسجية لقتل الجراثيم والبكتيريا. أما
التخلص من الأملاح أو تخفيض نسبتها فيتم عبر عمليات مكلفة ومعقدة، منها التبخير
أو التنافذ العكسي
Reverse Osmosis،
وغيرها.
إن مواصفات منظمة الصحة العالمية
WHO (World Health Organization)
تقول أن مجمل الأملاح المذابة في الماء الصالح للشرب
TDS (Total Dissolved Salts)
يجب أن لا يتجاوز بأي حال من الأحوال، (1500) قسم/المليون
(part per million ppm)،
والمفضل أن يكون (500) قسم/المليون. بينما المواصفات السوفيتية (الروسية
حالياً) تضع الحد الأعلى لماء الشرب (1000) قسم/المليون، والنوعية التي ينصح
بشربها من المياه هي التي تحوي أملاح بحدود (200 - 250) قسم/المليون لأن الجسم
يحتاج إلى الأملاح المذابة بالماء وبحدود هذه النسب، علماً أن نسب كل من
الأملاح المذابة ونوعيتها محددة أيضاً في المواصفات. ونظراً لعدم وجود مواصفات
في العراق، وبسبب ارتفاع أملاح الأنهر، فقد اعتمدت الدراسة مواصفات منظمة الصحة
العالمية
(WHO)،
علماً أن المواصفات الأخيرة ليست بالمثالية ووضعت كحد أقصى آخذة بنظر الاعتبار
الدول الفقيرة أو التي ليس فيها مياه كافية، أو نقص حاد في المياه، مثل الكثير
من الدول الإفريقية.
نود أن نوضح هنا أن المواصفات الأميركية ومواصفات
WHO
تفضلان أن لا يحتوي الماء على أكثر من (500)قسم/المليون من الأملاح المذابة (TDS)،
منها (250)قسم/المليون كحد أعلى للكلوريدات و(250)قسم/المليون كحد أعلى
للكبريتات. وقد يصل الحد الأعلى للأملاح (1500)قسم/المليون وذلك في ظروف عدم
توفر المياه العذبة، ولكن بنفس الوقت تؤكد وفي كل الظروف على ضرورة وجود
الأملاح في مياه الشرب، وخصوصاً في المناطق الحارة والتعرق العالي. وتحدد
المواصفات الأميركية أهمية وجود (21) عنصر يحتاجها الإنسان، مثل السيلينيوم،
والصوديوم، والكلور، والفلور، والكالسيوم، والمغنيسيوم، والنحاس، والزنك،
والحديد، وكما جاء في تقرير
WHO،
تحت عنوان: "العناصر في مياه الشرب". وذكر التقرير أيضاً أن تناول الماء أمر
واجب، ففي الظروف الاعتيادية تتراوح الكمية اللازمة لشرب الماء بين (2.2 ـ
2.9)لتر/اليوم، وللأطفال (لتر واحد/اليوم)، أما في ظروف درجات الحرارة العالية
(كمنطقتنا)، فإن الحاجة الضرورية تصل إلى (4.5)لتر/اليوم. إن ثلث الماء المطلوب
تناوله تقريباً، يأتي من السوائل المشروبة مباشرة، والباقي يأتي بطريقة غير
مباشرة مثل السوائل الموجودة في الغذاء الذي يتناوله الإنسان. علماً أن الجيش
الأميركي يقدر كميات السوائل اللازم تناولها في المناطق الحارة عالية التعرق
إلى (11)لتر/اليوم، وإضافة إلى ذلك يطلب من الجندي الأميركي تناول ملح الطعام
لوحده ولكميات تصل إلى (6ـ12)غم/اليوم أثناء العمليات في المناطق الحارة.
هذا ونود أن نضيف هنا الخبر الذي فجرته صحيفة النيويورك تايمز الأميركية في
عددها الصادر في 8/2/2009، وذلك في تقرير أعدته الصحيفة تحت عنوان "السجلات
تظهر أن الملايين في الولايات المتحدة يشربون الماء القذر
Millions U. S. Drink Dirty Water, Record Show"،
حيث جمعت الصحيفة وحللت ملايين المعلومات من سجلات (54700) وحدة إسالة مياه
الشرب موجودة في الولايات المتحدة ومن سجلات الدوائر الرقابية ومنذ سنة 2004
إلى حد الآن . توصل التقرير إلى النتائج "الغريبة" التي سنذكر موجزها أدناه،
والتي ترينا مدى الاستهتار في حياة البشر عند غياب أو "إهمال" الرقابة الصارمة،
وعدم تنفيذ القوانين النافذة. إذ يوجد في الولايات المتحدة قانون صارم يسمى
"قانون مياه الشرب الآمنة ـ النظيفة ـ
Safe Drinking Water"،
يفرض إيصال المياه النظيفة
safe
إلى المواطنين وضمن مواصفات محددة لمياه الشرب. وتوصل التقرير إلى أن "الماء
المجهز إلى (49) مليون نسمة يتضمن تراكيز من المواد الكيمياوية ـ بضمنها
الزرنيخ والمواد المشعة ـ أعلى من المسموح بها، بالإضافة إلى وجود الجراثيم
والبكتيريا والفطريات الخطرة"، كما وأن "في نيويورك وحدها يوجد (205) إسالة ماء
لم تطبق القانون، ولم يتم معاقبتها لعدم تطبيق القانون... ويعتقد العلماء أن من
المحتمل أن (19) مليون شخص أميركي يتعرضون سنوياً للأمراض نتيجة وجود البكتيريا
والفيروسات والفطريات في مياه الشرب"، ناهيك عن المواد الكيمياوية التي تسبب
العديد من الأمراض من ضمنها "سرطان الثدي والبروستات".
إن هذا الأمر قد أثير وبدأ النقاش به منذ مجيء الإدارة الأميركية الجديدة. حيث
تقول المتحدثة الرسمية "لوكالة المحافظة على البيئة
Environmental Protection Agency"،
وهي جهة حكومية بأن "الإدارة الأميركية الحالية بينت بوضوح أن الماء النظيف هو
من أولوياتها الأولى"، وأضافت ـ نقلاً عن الصحيفة ـ من أن "الثمان سنوات
الماضية قدمت نموذجاً واضحاً لما قد يحدث عندما تفشل الإدارة السياسية في
البلاد في حماية الصحة والبيئة". هذا وأن لجنة البيئة والأعمال العامة في مجلس
الشيوخ "
"Senate Environment and Public Works
ستبدأ في التحقيق بالأمر اعتباراً من 8/12/2009.
إن القارئ بالتأكيد سيتسائل، إذا كان الأمر كما في أعلاه في الولايات المتحدة،
فكيف هو حال مياه الشرب في العراق في الوقت الحاضر؟، ويتسائل أيضاً أما آن
الأوان لنرى مثل هذا التقرير عن مياه الشرب العراقية؟.
ولكي نعطي صورة أوضح لأنواع المياه المعتمدة في العالم، نذكر المثالين التاليين
(والمذكورين في الدراسة)، علماً أن الوضع الحالي قد تطور فيما يتعلق بالزراعة
في مياه "مالحة"، وسنتطرق إلى ذلك في سياق هذه الدراسة.
الولايات المتحدة الأميركية
قسم/المليون
200 جيدة لغالبية المياه الصالحة للشرب والأراضي.
200 – 500 مقبولة ولكن تحتاج الأراضي إلى غسل وبزل لبعض المحاصيل.
500 – 1500 تحتاج الأراضي إلى غسل وبزل.
1500 – 3000 الأملاح عالية جداً،
ويمكن استعمالها في أراض ومنتجات حقلية خاصة.
أكثر من 3000 غير صالحة للزراعة.
روسيا
قسم/المليون
200 – 250 أفضل أنواع المياه.
500 – 1000 مياه مقبولة، لأغراض الشرب والزراعة.
1000 – 2000 مياه يمكن أن تسبب ملوحة، ولكن يمكن استعمالها في زراعة
العديد من المحاصيل.
2000 – 7000 مياه يمكن استعمالها للزراعة فقط في حالة وجود غسل وبزل
جيدين.
علماً أن الدراسة تؤكد على وجود تجارب عديدة تجرى على الزراعة في مياه تحوي
ملوحة قدرها (3000) قسم/المليون، وحتى إلى (10000) قسم/المليون. وهناك تطورات
جديدة كثيرة في العالم في مجال البحوث بهذا الخصوص، إذ أن شحة المياه ورداءتها
دفعت العلماء في العقدين الماضيين، لتطوير بذور تقبل ببعض الملوحة في المياه،
وأن من أكثر الدول تطوراً بهذا الخصوص إسرائيل وأستراليا ودول أخرى في
العالم،وتقدم المنظمات الدولية، وبعض الشركات الخاصة، مثل منظمة الغذاء
العالمية والبنك الدولي، وشركات مختصة خدمات ومساعدات بهذا الخصوص.
في فترة أوائل السبعينيات كانت الملوحة في دجلة في بغداد حوالي (240 – 330)
قسم/المليون وفي العمارة (320 – 400) وفي القرنة (680 – 900) قسم/المليون، ولكن
بسبب المبازل التي تصرف في الأنهار، ارتفعت الملوحة في دجلة وتجاوزت (1200)
قسم/المليون في العمارة مما أدى إلى تلف مزارع قصب السكر، علماً أن ملوحة
الروافد العراقية جيدة، عدا نهر العظيم فهي عالية، وبلغت في حينه حوالي (1030 –
2430) قسم/المليون.
أما في نهر الفرات فالأمور كانت سيئة جداً، فلقد كانت في أوائل السبعينيات
حوالي (1200 – 2050) قسم/المليون في الناصرية، وتجاوزت (4000) قسم/المليون في
الثمانينات، وذلك بسبب المبازل كسبب أساسي، وشحة المياه الواردة إلى العراق
كسبب ثانوي، علماً أن مياه الفرات على الحدود السورية العراقية كانت بملوحة
قدرها (300 – 570) قسم/المليون وملوحة بحيرة الحبانية (700) قسم/المليون. أما
المياه في شط العرب فلقد كانت بين (1200 – 1500) قسم/المليون، وبهذا نرى أن
أسباب الملوحة تعود لأمور تقع داخل العراق وليس من خارجه.
إن أهم مشاريع تقليل الملوحة في الأنهار العراقية هي شبكة المبازل والمصب
العام، (النهر الثالث)، علماً أن بسبب عدم إكمال السيفون اللازم للمصب العام
تحت الفرات، لكي تستمر مياه المصب العام إلى الخليج مباشرة، فإن مياه أسفل
الفرات، وقبل دخولها شط العرب، ارتفعت أملاحها بشكل مخيف، إذ عملياً كان المصب
العام مفتوحاً على الفرات، ولم ينقذ شط العرب في حينه إلاّ المياه الحلوة
الآتية من الكارون.
لقد قدرت الدراسة بأن المياه المصرفة في داخل العراق عام 2000 تصل إلى
(24.05)كم3/السنة، منها (9.92)كم3/السنة من المبازل تصرف في المصب العام وبذا
لا تصرف في الأنهار، وتبلغ الكمية الناتجة عن الاستعمالات المنزلية والصناعية
(13.04)كم3/السنة في حالة عدم معالجتها، والمياه القذرة الناتجة من مزارع تربية
الأسماك (1.09)كم3/السنة. الأمر الذي يجعل مسألة معالجة المياه المطروحة من
الصناعة والاستعمالات المنزلية أمراً أساسياً ويجب مراقبتها بدقة، ولهذا رأت
الدراسة أن من الضروري إصدار قانون صارم للمياه المطروحة، ووجود أجهزة إدارية
لها سلطة قضائية لتطبيق القوانين والتعليمات. ولقد تم التأكيد على أهمية تدوير
مياه المصانع، بعد إجراء المعالجات اللازمة في المعامل، وإعادة استعمالها، ونفس
الأمر يطبق على مياه الخدمات المنزلية، بحيث لا يطرح في النهر إلاّ الماء
المقارب مواصفاته لمياه النهر، وبالنظر للحاجة الكبيرة للمياه، لهذا من الضروري
إرجاعها للأنهر وبمواصفات جيدة، وهي تختلف عن مياه المبازل والغسل التي تحوي
أملاح عالية ولا يمكن معالجتها ضمن الكلف المعقولة.
(3) حل مشكلة الملوحة / المبازل وتحلية الثرثار
لقد تبين ومنذ السبعينيات من القرن الماضي أهمية تحويل حوضي الفرات ودجلة
(وروافده) إلى حوض واحد موحد، فقد اتضح، أن الفرات سوف يعاني شحة في المياه،
حيث أن المياه الإروائية المسحوبة منه للأغراض الزراعية في عام 1980 والبالغة
(13.12كم3)، كانت تقارب المياه الإروائية المسحوبة من دجلة وروافده والبالغة
(14.01كم3)، حيث أن هناك زراعة مكثفة على الفرات الأوسط والجنوبي، رغم أن
المياه شحيحة. لقد بلغت نسبة المياه الإروائية في عام 1980، إلى مجمل المياه
المسحوبة من الفرات حوالي 84%، بينما بلغت هذه النسبة في دجلة وروافده 60%.
إن هذا الوضع مستمر حتى الآن، حيث لم ينفذ في تركيا وإلى الآن مشروع كبير على
دجلة، ولهذا هناك وفرة "نسبية" في مياه دجلة يمكن توفيرها للفرات عند الضرورة،
والحل منذ ذلك الوقت - ولحد الآن - هو عبر تحلية الثرثار. ولهذا كان ولا
يزال من المهم جداً تحلية الثرثار.
إن الملوحة في منخفض الثرثار كانت في وقت إكمال الدراسة حوالي (2500)
قسم/المليون، (منها 50% على شكل كبريتات و30% على شكل كلوريدات)، ولهذا لا يمكن
الاستفادة منه كخزان مائي لاستخدامه في الأغراض الاقتصادية، وإنما فقط لأغراض
استيعاب مياه الفيضانات. علماً أن الموازنة المائية قد خططت أن يكون الثرثار
خزان مائي حي بحجم يبلغ (19)كم3 على أقل تقدير من الماء الصالح للشرب، ويمكن أن
يصل إلى حجم (37.5)كم3 وبهذا يكون بمثابة خزان احتياط هائل للمياه الصالحة
للشرب في العراق.
لقد بلغت كمية الأملاح الموجودة في منخفض الثرثار في عام 1978، حوالي (155)
مليون طن، جاءت 65% منها من المنخفض نفسه نتيجة ذوبان الأملاح الموجودة في قاعه
وجوانبه. إن التحلية تتم بواسطة مياه دجلة والفرات، إذ أن سعة قناة
الثرثار/الفرات تبلغ (500)م3/الثانية، وسعة قناة الثرثار/دجلة، (والتي كانت تحت
الإنشاء في حينه)، تبلغ (600)م3/الثانية، وأن الخطة الموضوعة كانت بإكمال
التحلية على مدى (12) عاماً، تنتهي في عام 1991، لتخفيض نسبة الأملاح في مياه
المنخفض من (2500) قسم/المليون إلى (1000) قسم/المليون، منها أقل من (300)
قسم/المليون من الكبريتات لتنسجم مع المواصفات العالمية لمياه الشرب والتي تضع
الحد الأعلى لها (400) قسم/المليون. إن المياه المصرفة من الثرثار إلى الفرات
أثناء عملية التحلية يجب أن لا تزيد عن سدس كمية المياه الجارية في نهر الفرات
(ويمكن زيادتها عند إكمال التحلية)، لكي لا تؤثر على ملوحة الفرات، وبنفس الوقت
تتم تغذية الثرثار من مياه دجلة. وعند إكمال التحلية سيتحول الثرثار من منخفض
مائي لاستيعاب مياه الفيضان إلى خزان ضخم جداً للماء العذب.
ليتذكر القارئ بأننا نتحدث عن خطة تحلية وضعت في أواخر السبعينيات لينتهي
تنفيذها في عام 1991، أي لو كانت الخطة قد نفذت لكان من الممكن إنقاذ الفرات في
السنتين الماضيتين ومن خلال مياه دجلة. في الوقت الحاضر نحتاج إلى خطة تفصيلية
جديدة لتحلية الثرثار وحل مسألة ترابط دجلة والفرات، وقد يُقترح أيضاً حلٌ آخر
أسرع لتوصيل مياه دجلة إلى الفرات الأوسط والجنوبي من خلال أنابيب كونكريتية
كبيرة، في أقرب منطقة بين دجلة والفرات، أو أي حل آخر. والواضح أن هذا الحل
الآخر سيكون حلاً موازياً لتحلية الثرثار، إذ أن من المهم جداً وجود خزان
الثرثار الهائل لتجميع جميع المياه الفائضة.
أما ما يتعلق بالبزل، فنود أن نوضح ما يلي:
إن مياه دجلة والفرات الداخلة إلى العراق هي على العموم مياه جيدة، ولكن
ملوحتها تزداد أثناء جريانها داخل الأراضي العراقية، كما أن مياه روافد دجلة
أيضاً جيدة، (عدا مياه العظيم في بعض فترات السنة). إن أهم مشكلة في تغير
المياه نحو الأسوأ في داخل الأراضي العراقية هي مياه المبازل وغسل الأراضي التي
تصب مجدداً في الأنهر، إذ أن ما يزيد عن 70% من المياه المستعملة هي لأغراض
الزراعة، وقسم كبير منها يستعمل للبزل وغسل الأراضي إضافة إلى وجود هدر في
الإرواء ينتج عنه مياه عالية الملوحة وملوثة وسامة،نتيجة التسميد والمبيدات
وملوحة الأرض، لهذا من الواجب اتخاذ إجراءات لعدم إيصالها مجدداً إلى الأنهر.
هذا الأمر لا يشمل المصب العام و"النهر" الثالث فحسب بل يشمل شبكة كبيرة من
المبازل والقنوات وغيرها.
كما يجب أن نلاحظ الأمور التالية في تخطيط وتنفيذ عمليات البزل:
-
إن
المياه الجوفية، على العموم، مياه عالية الملوحة وتتجاوز ملوحتها 5غم/لتر
(5000قسم/المليون)، وذلك في 80% من مساحات حوض الفرات الأوسط الجنوبي، و46%
من حوض دجلة الأوسط والجنوبي، وحوالي 60% من حوض شط العرب. ونود أن نوضح
هنا، بأن تقديرات المياه الجوفية في العراق، وكما جاءت في الدراسة، تصل إلى
معدل (186)م3/الثانية (أي حوالي 5.9كم3/السنة)، منها فقط (32)م3/الثانية
(أي حوالي كيلومتر واحد مكعب/السنة) هي مياه عذبة تصل ملوحتها إلى أقل من
1000 قسم/المليون. كما تصل المياه معتدلة الملوحة، (1000-3000
قسم/المليون)، حوالي (135.5) م3/الثانية (أي حوالي 4.3 كم3/السنة)، والباقي
تزيد الملوحة فيها عن 3000 قسم/المليون. هذا ولم تؤخذ المياه الجوفية في
أسفل ما بين النهرين بنظر الاعتبار لعدم صلاحيتها للاستعمالات الاقتصادية.
-
لقد وضعت
الخطة بحيث يكون هناك (9.3) مليون دونم مشمولة ضمن الأنظمة الإروائية
العاملة في ذلك الوقت، إضافة لذلك (3.5) مليون دونم خطط لتوسيعها باستصلاح
أراض جديدة.
-
إن
عمليات البزل تشكل مشكلة كبيرة لحاجتها إلى المياه، والمياه شحيحة. لهذا
أجريت تجارب وحسابات عديدة لتقليل استهلاك المياه، وتوصل فيها إلى أن البزل
على عمق 2.3-2.5م هو الحل الأمثل في ظروف العراق، حيث سيوفر أكثر من (3)كم3
في السنة من مياه الري، مما يعني توفير مياه لإرواء مساحة إضافية تزيد عن
مليون دونم. علماً أن البزل قليل العمق (1.5-2)م سيقلل الاستثمارات ولكن
يحتاج إلى مياه أكثر كما تذكر الدراسة.
-
هناك
حاجة لإقامة شبكة بزل مفتوحة يجري إنشاؤها بالتوازي مع شبكة الري، وذلك في
65% من المساحات المروية في المنطقة الشمالية. وتكون شبكة المبازل على عمق
3م، والمسافة الفاصلة بين المبازل بحدود (350-400) متر، وليس هناك حاجة
لغسل الأراضي.
-
أما في
المنطقتين الوسطى والجنوبية، فالأمر يقتضي، وفي جميع الأنظمة الإروائية
القيام بعمليات غسل كلي وبمقنن مائي قدره (1000-6250) متر مكعب للدونم
الواحد وحسب المنطقة. كما ويجري بزل حقلي مغلق ذو فواصل بين المبازل بحدود
(50-300) متر، وذلك في جميع الأراضي المروية، ويكون البزل في 80% منها على
عمق (2.5)م، وفي 20% الباقية يبقى البزل أكثر ضحالة كما في النظم السابقة.
علماً أن هذا الاستهلاك العالي جداً للمياه لأغراض الغسل أو البزل هو الذي
رفع حاجة المياه لإنتاج الغلة في العراق إلى أضعاف مما يستهلك في الدول
العالمية الأخرى، الأمر الذي يقتضي إجراء دراسات وبحوث عديدة حول اختيار
البذور وطرق تقليل المياه لإنتاج نفس كمية الغلة.
إن المياه الضائعة في عمليات البزل والغسل ستصل، حسب الدراسة السوفيتية، في سنة
2000 إلى (9.92)كم3، منها في المصب العام دجلة - الفرات (7.4)كم3، حيث أن المصب
العام لدجلة والفرات يبدأ من مبزل الصقلاوية في بغداد وينتهي بالتوازي مع شط
العرب إلى الخليج العربي، ومن مبزل الفرات الشرقي الذي يبدأ من بلدة الكفل
ويلتقي بالمصب العام شمال مدينة الناصرية. كذلك سيضيع ما يعادل (1)كم3 سنوياً
من مياه البزل في شط العرب، من مبزل العمارة - شط العرب، حيث سيتم نقل مياه
البزل لمشروعي ري العمارة وشط العرب إلى نهر شط العرب مؤخرة البصرة. أما في
مبزل ديالى، فسيتم استغلال منخفض طبيعي شمال العزيزية لغرض جمع مياه البزل
للمشاريع الزراعية على حوض نهر ديالى، وكذلك من بعض مشاريع شرقي دجلة في هذه
المنطقة، حيث سيتم فقدان ما يقارب من (0.75)كم3 سنوياً في أحواض التبخير.
* * *
لقد تحدثنا عن ملوثات مياه الزراعة والغسل والبزل لمياه الأنهار، وعلى أساس
أنها سوف لا ترجع إلى الأنهار ثانية وإنما تذهب بالنتيجة، وفي غالبيتها العظمى،
إلى المصب العام الذي يصب في الخليج، أو أن تحفظ في منخفضات منعزلة عن مياه
النهر أو المياه الجوفية الحلوة لتتبخر مخلفة الأملاح، وذلك في المناطق التي لا
يمكن أن تصل إلى المصب العام.
ولكن هناك مياه ترجع إلى النهر، وهي مياه الخدمات المدنية أو الصناعية، وهي
ملوثة جداً وذلك في حالة عدم معالجتها، ولهذا تؤكد الدراسة على إكمال جميع
وحدات المعالجة في المصانع والمعامل ومحطات الكهرباء ومحطات معالجة المياه
المرسلة للمجاري، واعتماد تدويرها كأساس في المعامل، أو استعمالها في أغراض
مختلفة منها الزراعة وتشجير وتزيين المدن، بحيث تقل نسب الماء المرجع إلى النهر
تدريجياً، وما يرجع للنهر يجب أن يقارب مواصفات ماء النهر، وضمن التعليمات
النافذة أو القوانين الصادرة لاحقاً والتي تحدد مواصفات هذه المياه.
لعل من أهم ما صدر حتى الآن، حول مواصفات المياه المطروحة إلى النهر، هو النظام
الصادر في 16/7/1967(31)، والتعليمات التي صدرت في 17/3/1980، وصححت
في 28/7/1980(32). هذا ولقد صدر قانون حماية البيئة رقم (3)/1997،
وعدّل في سنة 2001، وكان من الممكن أن يكون مدخلاً لإصدار قانون أو تعليمات
صارمة بهذا الخصوص، ولكن مع الأسف لم يتم ذلك حسب المعلومات المتوفرة لدى.
إن هذا الأمر يتطلب إصدار قوانين وتعليمات صارمة يعاقب من يخالفها بعقوبات
قوية، منها إغلاق المعامل، لأن الأمر متعلق بحياة ملايين البشر.
رابعاً: الخزانات والسدود
إن توفير الخزانات والسدود يعتبر مسألة أساسية في تجميع وتوفير المياه
للاستفادة منها على مدار السنة للأغراض المدنية والصناعية، ولتوفير المياه
اللازمة للزراعة في مواسم زراعة المحاصيل المختلفة. إذ أن هناك اختلافاً كبيراً
جداً في كميات المياه الداخلة للحدود العراقية، أو الناتجة من الأمطار والثلوج
داخل العراق، وذلك بين شهر وآخر، حيث أن حوالي 60-80% من مياه دجلة تأتي في
الفترة المحصورة بين شباط وحزيران، وأن 45-80% من مياه الفرات تأتي بين آذار
وتموز، بينما المياه في الأشهر الثلاثة من (تموز إلى نهاية أيلول) لا تتجاوز
على العموم 10% من المياه المتوفرة. ولو نظرنا إلى خارطة تساقط الأمطار والثلوج
داخل العراق، وهي أحد مصادر المياه لروافد دجلة وأحياناً الفرات، لوجدنا أن
معدلات المطر والثلوج للسنوات السابقة للتقرير كانت تصل في المنطقة الجبلية
الشمالية إلى حوالي (860-940) ملمتر/السنة، وفي المنطقة الشمالية الشرقية
(1270) ملمتر/السنة، أما في بغداد والوسط فالمعدل (120-150) ملمتر/السنة،
والمنطقة الغربية والجنوبية (100) ملمتر/السنة، علماً أن غالبية هذه الكميات
تتساقط في ثلاثة شهور من السنة، كما وأن الأمطار نادراً جداً ما تتساقط في
الصيف. ليتذكر القارئ نحن نتحدث عن فترة قد لا تعود، وذلك بحدوث التغيرات
المناخية الحالية، حيث أن في بعض السنوات السابقة وصل هطول الأمطار في المناطق
الغربية والجنوبية إلى أضعاف الرقم أعلاه، مما كان يؤدي إلى سيول هائلة جارفة
في وديان الصحراء الغربية وباتجاه نهر الفرات، والكثير من العراقيين يتذكرون
ذلك حيث كانت تتوفر في الأسواق الكمأة (الجمه) بكميات كبيرة وبأسعار زهيدة
جداً، في الوقت الذي تعتبر فيه الكمأة من أثمن المحاصيل الزراعية في العالم ولا
يستطيع شراءها إلاّ الأثرياء، علماً أن توفرها يعتمد على سقوط أمطار رعدية
كثيرة، على العموم إن هذا الأمر قد أصبح من التاريخ على أكثر احتمال!!!.
ولغرض المقارنة واطلاع القارئ على نتائج سقوط الأمطار، لنأخذ كمثال دولة مثل
ماليزيا، إذ أن مساحتها تقارب من ثلاثة أرباع مساحة العراق، وأن معدل سقوط
الأمطار فيها على عموم مساحتها هو (2500) ملم/السنة (أي 2.5 متر من الماء)،
وبهذا فإن مياه الأمطار الساقطة على ماليزيا تبلغ (875)كم3/السنة، والذي أدى
إلى وجود الغابات المطرية، ومع كون ماليزيا على البحر، الأمر الذي يؤدي إلى
زيادة الرطوبة إلى درجات عالية جداً والتي تساعد لوحدها في نمو النباتات.
على ضوء وضع العراق المبين أعلاه يكون من الضروري وجود سدود وخزانات كافية
لتجميع جميع المياه الممكن تجميعها. أما مسألة إنتاج الكهرباء من المحطات
الكهرومائية المقامة على هذه السدود فهو، وبالرغم من أنها مسألة مهمة جداً،
ولكنها بنظرنا مسألة عرضية لعملية خزن الماء. لقد وضعت الدراسة خطة، وأوجبت
تنفيذها، وذلك لبناء السدود الكافية، وكذلك بناء المحطات الكهرومائية، إضافة
لما موجود في ذلك الوقت، مع وضع تفاصيل عن متطلباتها، منها ما يتعلق بحركة
الأسماك، إذ أن السدود قد تكون سبباً في توقف هجرة وتكاثر الأسماك، ولهذا فإن
هناك معارضة من مؤيدي البيئة "الخضر" في العالم لبناء السدود، ما لم يؤخذ
بالتصميم كل ما يعيق الحياة في الأنهار.
ويتضمن الجدول (3-8) اسم السد (أو الخزان) وحجمه وإمكانيات إنتاج الكهرباء منه:
الجدول (3-8)
السدود والخزانات في العراق
نود أن نوضح بأن الأرقام أعلاه تمثل ما خطط له ليتم تنفيذه قبل سنة 2000،
وكمثال فإن سد بخمة على الزاب الكبير/ الأعلى كان قد بدأ العمل به ولكن تم
التوقف عن إكماله بسبب الحرب الإيرانية وأحداث الشمال وبعد أن تم تشييد
غالبيته، كذلك افترض أن الثرثار قد تمت تحليته، كما افترض إكمال عدد من السدود
مثل سد البصرة وسد الفتحة وغيرها من القنوات والجداول.
إن حجم الخزان المعتمد عليه هو الحجم الحي، أي الحجم عند المستوى الاعتيادي
الأقصى مطروحاً منه الحجم عند المستوى الميت وبهذا يكون حجم الخزن الكلي للمياه
هو: 165.18 – 59.97 = 105.21 كم3، ولو طرحنا منه الحبانية وهي لأغراض استيعاب
مياه الفيضان، نصل إلى طاقة خزنية تبلغ حوالي (102.6) مليارمترمكعب (أي 102.6
كم3)، وهي طاقة خزنية عالية فيما لو تمت تحلية الثرثار وأمكن ملء هذه الخزانات.
أما ما يتعلق بالطاقة الكهربائية، فالأرقام الموجودة تفترض العمل بالطاقة
التصميمية، أي أن الخزانات في المستوى العالي، لتشغيل المحطات الكهربائية بهذه
السعات.
خامساً: حجم العمل والدراسة الاقتصادية
أعدت الدراسة مشروعاً كاملاً متكاملاً للوصول إلى الاكتفاء الذاتي الغذائي،
وعلى أن يتم إكماله خلال مدة (11) عاما (أي إلى سنة 1991)، وثم مدد وقت التنفيذ
ليتم إنهاؤه في سنة 2000.
تضمنت الاستثمارات المقدرة في حينه إنشاء (135) مشروعاً إروائياً، وإكمال
المبزل العام مع المصبات المرافقة له وبطول (3000)كيلومتر، وإكمال سدود الموصل
وبخمة والفتحة والهندية والبصرة، كذلك إكمال مشاريع إروائية كبيرة مثل ري
الجزيرة ومخمور وكركوك، كما تضمن المشروع إنشاء سايلوات للحبوب تستوعب (3)
ملايين طن، ومخازن مجمدة لاستيعاب مليون طن من اللحوم، ومخازن لحفظ الأغذية
بسعة (1.3) مليون طن، ومجمعات أبقار وأغنام بسعة (100) ألف بقرة و(5.3) مليون
رأس غنم، وكذلك منشآت إنتاج بيض المائدة بكمية (26.7) مليار بيضة في العام،
وإنتاج (210) مليون دجاجة للأكل في العام، و(45) حوض ومزرعة أسماك. كما يتم
إنشاء (676) مركز صحي، وإكمال شبكات مياه ومجاري للأرياف وبعدد (1980) حي
زراعي، مع حفر (3000) بئر ماء جديدة وتوصيل المياه منها إلى القرى والأرياف
والمراعي الاصطناعية. كذلك تطوير النقل النهري.
إن من يقرأ الدراسة يرى فيها مفردات كثيرة جداً لهذه الأعمال، ويطلع على
التفاصيل اللازمة لها، فمثلاً هناك حاجة إلى (18) مليون طن إسمنت (عدا كميات
الإسمنت اللازمة لصناعة الأنابيب الإسمنتية)، كذلك هناك حاجة إلى (61) مليون
متر مكعب من الحصى، و(37) مليون م3 رمل و(132) مليون م3 حجر، و(185) مليون
طابوقة، و(915) ألف طن حديد، و(7000) كيلومتر من الأنابيب الإسمنتية، و(400)
ألف طن من الأنابيب الحديدية والبلاستيكية، و(700) ألف طن من القير. وستكون
هناك حاجة إلى (3900) بلدوزر، و(21500) سكريبر، و(1300) حادلة، و(13100) رافعة،
و(632000) لوري وسيارة، وغيرها وغيرها من المواد والمعدات المختلفة. وكان على
وزارة الصناعة والمعادن اتخاذ اللازم لتحضير وتصنيع المواد المتعلقة بها مثل
الأسمدة الكيمياوية والمبيدات الزراعية والإسمنت والأنابيب ومواد الإنشاء
وغيرها، إضافة إلى ضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة لتدوير المياه وإنشاء وحدات
معالجة كاملة لعدم طرح مواد مضرة إلى الأنهار، كذلك إجراء ما يلزم لتصنيع
الحليب ومشتقاته والاستفادة من الأخشاب لصناعة الورق، وغيرها من الصناعات
الزراعية/الحيوانية، مثل الجلود والعلف.
قدرت المبالغ الواجب استثمارها بين الأعوام 1980-1991، (وبعدها مددت إلى عام
2000 بسبب الحرب مع إيران وإفلاس الميزانية)، إلى ما يعادل (14.590) مليار
دينار، أي حوالي (50) مليار دولار، بأسعار ذلك الوقت. يصرف 74% من هذه المبالغ
لتطوير مصادر المياه، و20% لاستصلاح الأراضي وتطوير مياه الشرب والمجاري في
الأرياف، والباقي لتطوير الثروة السمكية والملاحة النهرية ومعالجة التعرية،
وهذه المبالغ لا تتضمن المصانع والبنى التحتية اللازمة.
توصلت الدراسة أيضاً إلى أن الأرباح الإضافية المتحققة خلال العشرين عاماً،
وذلك نتيجة زيادة المنتجات الزراعية والحيوانية، وبعد سد جميع الكلف
الاستثمارية والتشغيلية اللازمة، ستصل إلى حوالي (8) مليار دينار (حوالي 26.7
مليار دولار)، بأسعار المحاصيل في ذلك الوقت.
من الواضح أن هذه التقديرات والدراسة بحاجة إلى إعادة تقييم.
____________________________________________________________
(31) "نظام صيانة الأنهار والمياه
العمومية من التلوث رقم (25) لسنة 1967". الوقائع العراقية، العدد (1446) في
8/8/1967.
(32) "تعليمات صادرة بموجب نظام
صيانة الأنهار والمياه العمومية من التلوث". الوقائع العراقية، العدد (2763) في
17/3/1980.
"تصحيح التعليمات الصادرة بموجب نظام صيانة الأنهار والمياه العمومية من
التلوث". الوقائع العراقية، العدد (2786) في 28/7/1980