الفصل الثالث
3- دراسات الري والزراعة منذ سبعينيات القرن الماضي
هناك دراسات أكاديمية قيمة، ظهر قسم منها على شكل كتب مطبوعة، أو كأطروحات
للماجستير أو الدكتوراه، من هذه الدراسات ما يتعلق بالزراعة البحتة، أو الري،
ومنها ما يتعلق بالسياسة المائية أو الأمن المائي. وسيشار إلى قسم من هذه
الدراسات والكتب في سياق هذه الدراسة. ولكن ما أردت الحديث عنه في هذا القسم هو
الدراسات الحكومية الرسمية، والتي كان من المفروض فيها أن تضع الأطر والتفاصيل
وثم التنفيذ لسياسة مائية زراعية تخدم العراق لأجيال وأجيال قادمة. ولعل أهم
هذه الدراسات طراً هي الدراسة السوفيتية التي سنتحدث عنها في الفقرة (3- أ)
أدناه، ولو كان تم تنفيذ مقترحاتها، لرأينا أمراً مختلفاً جذرياً في الوقت
الحاضر، ولكن ذهبت هذه الدراسة مع ما ذهب بعد أن جاء صدام منفرداً للحكم في
تموز 1979، وأدخلنا في حربه مع إيران واحتلاله الكويت، وهي سياسة يمكن اعتبارها
عند أحسن الظن في صدام ومن سايره في سياسته، بأنها سياسة فاشلة تحت قيادة
فاشلة، سارت بصورة مباشرة أو غير مباشرة متأثرة بما أرادت الولايات المتحدة
الأميركية تنفيذه في الدول الواعدة في الشرق الأوسط (وهما إيران والعراق)، وأدت
بالنتيجة إلى خراب العراق. لقد تطرقنا إلى هذا الأمر في كتبنا السابقة جميعاً
وبالأخص كتابنا "العراق بين مطرقة صدام وسندان الولايات المتحدة الأميركية"(26).
لقد حاولت الحكومة العراقية، أثناء فترة الحصار في التسعينيات، تشجيع الزراعة
وإعطاء عوائد مالية مجزية لمحاصيل الحبوب، ولكن لم يفكر أحد في تنفيذ مشاريع
الري والمشاريع الزراعية، إذ لم تكن هناك موارد مالية حتى لشراء الغذاء، كما أن
الوضع الخاص في المنطقة الشمالية، وتخريب وتوقف معامل الأسمدة الكيميائية
الضخمة كلياً أو جزئياً، وعدم توفر المبالغ اللازمة لإنتاج واستيراد المبيدات
الزراعية والبذور المحسنة، وغلق المعامل والمختبرات والمعاهد ودور البحث
الزراعية، كلها ساعدت في تراجع الري والزراعة مراحل عديدة. وجاء الاحتلال
وتدهورت الزراعة، مثل تدهور الأمور الأخرى قاطبة، فأصبحنا نعتمد بشكل شبه كامل
على الاستيراد، ولم يتم تخصيص أية مبالغ مهمة لمشاريع الري أو الزراعة, علماً
أنه قد تم توفير بعض المبالغ المحدودة في الميزانية الفيدرالية تقل كثيراً جداً
عن متطلبات مشاريع الري، كما وأن هناك اهتمام لا بأس به لدى حكومة إقليم
كردستان. هذا وأن وزارة الزراعة وبالتنسيق مع صناديق الإقراض قامت بمنح أكثر من
(2200) قرض وصلت أقيامها إلى (18) مليون دولار لدعم الإنتاج الزراعي
والحيواني!!(29)،
وهو رقم بسيط جداً حتى لو افترضنا عدم دخول الفساد المالي فيه. وفي الوقت الذي
ادعى ويدعي، الاحتلال والحكومات التي "أدارت" العراق منذ احتلاله، من أنهم
جاءوا باقتصاد يرفع من مكانة القطاع الخاص ويوليه الأهمية والاهتمام اللازمين،
نرى العكس من ذلك تماماً، (عدا طبعاً بما يتعلق بالفساد الإداري والسرقة)، فإن
الشركات والمشاريع الزراعية والحيوانية، والتي تعود في غالبيتها العظمى إلى
القطاع الخاص، أو القطاع المختلط (حيث تملك الدولة نسبة صغيرة في رأسماله)، قد
انتهت تماماً وأفلست ودُمّرت، شانها شأن مشاريع القطاع الخاص الأخرى، وظهر وبعد
سبع سنين من الاحتلال أن النظام السابق كان يهتم بالقطاع الخاص المنتج أضعاف
أضعاف ما أولاه الاحتلال وحكوماته له. وأن مقولة "القطاع الخاص"، التي يكررها
الحاكمون ومنذ نيسان 2003 هي فقط لتشجيع الفساد (وبالتالي تخريب الاقتصاد)،
وليس لتشجيع الاستثمار وتطوير الاقتصاد
لقد ظهرت بعض الدراسات الحكومية غير المعقمة ليس لغرض حل مسألة الموازنة
المائية، وإنما لعرض المشكلة، (علماً أن هناك بالتأكيد دراسات أخرى غير منشورة
أكثر توسعاً)، ولو أن بعض الدراسات في إقليم كردستان كانت أكثر عمقاً. في أثناء
العقود الأربعة الماضية الصعبة كانت الدول المجاورة (تركيا وإيران) تطور
التغيرات و بصورة مدروسة على مشاريع الري والزراعة وبدرجة عالية وسريعة. فوق كل
هذا ظهرت في السنوات الأخيرة تأثيرات التغيرات المناخية العالمية، والتي سوف
تزداد حدة سنة بعد أخرى، وأصبح نقص المياه على نطاق عالمي، وخصوصاً في الشرق
الأوسط، أمراً واقعاً وحروب المياه أمراً متوقعاً. وسنرى أننا حتى لو اتخذنا
الآن إجراءات تنفيذ سياسة الري الموضوعة في السبعينيات، فسوف لا نحقق إلاّ
جزءاً من المطلوب، وإن ما نحتاج إليه هو تطوير هذه السياسة بصورة جذرية،
باعتماد طرق حديثة في تطوير الزراعة.
أ- الدراسة السوفيتية / العراقية
قد يجد القارئ بعض التطويل في هذه الفقرة، ولكني أحاول هنا أن الخص كم
المعلومات الهائل التي من الواجب فهمها واستيعابها، ليتسنى معرفة ما الواجب
عمله.
لقد أعدت هذه الدراسة بمرحلتين،
المرحلة الأولى
بوشر بها في عام 1973، من قبل خبراء سوفيت، وانتهت في عام 1975. وكانت مهمة هذه
المرحلة جمع وتنظيم وتحليل المعلومات المتوفرة، بهدف تقدير الاتجاهات الرئيسية
الأولية بقصد الانتفاع من الموارد المائية والأرض ولفترة طويلة، مع تحديد
المشاكل الهندسية الخاصة بالمشاريع المائية والزراعية، ووضع البرنامج التفصيلي
لأعمال المرحلة الثانية.
أما
المرحلة
الثانية
فلقد بوشر بها في عام 1976، وذلك من قبل خبراء سوفيت بمشاركة عراقية، وقدمت
التقارير النهائية في عام 1983، وفي أثناء إعداد الدراسة تم التنسيق والمناقشة
مع كافة القطاعات الحكومية ذات العلاقة. كان الهدف الرئيسي للمرحلة الثانية هو
تحديد الموارد المائية والأراضي في العراق وطرق تطوير الأنشطة الاقتصادية التي
تعتمد على الماء، وكذلك تطوير التدابير الهندسية لإكمال تنفيذ المشاريع
المقترحة. وتمت معالجة المسائل التالية، وهي: تطوير مشاريع الري والزراعة،
وتطوير تزويد السكان بمياه الشرب والخدمات المدنية المتعلقة بذلك، وتزويد
الصناعة باحتياجاتها من المياه، وتطوير إنتاج الطاقة الكهربائية من السدود
وتطوير المراعي الطبيعية والثروة السمكية والنقل المائي، ومعالجة مشاكل تنظيم
جريان المياه واستعمالاتها، والسيطرة على الفيضانات، وتطوير شبكة ومصبات
المبازل، والسيطرة على تلوث المياه، إضافة للتحكم المركزي للموارد المائية
ومشاريع الري.
إن الخطة التي جاءت في الدراسة قد أعدت لفترة تنفيذ وتطوير إلى عام (2000) وعلى
مستوى أعوام التطور 1980، 1985، 1990، 2000، وبهدف تأمين الاكتفاء الذاتي من
الغذاء لسكان القطر وذلك بحدود عام 2000. كما تضمنت دراسة "جدوى اقتصادية"
للمبالغ اللازم استثمارها.
على الرغم من أن الدراسة النهائية أكملت في عام 1983، غير أنها أرسلت إلى
الجهات المعنية للتعليق عليها في أواخر عام 1985، وأغلب المعلومات الموجودة
فيها تنتهي إلى عام 1977 وقسم منها إلى 1981. ومن الواضح أن الدراسة النهائية
كانت قد أكملت في بداية الثمانينات، وان استمرا ر الحرب مع إيران ونضوب
الميزانية العراقية قد أثر في محتوياتها ونتائجها، ففي أجزاء منها ترى أن من
المفروض إكمال كافة المشاريع قبل نهاية عام 1991، ولكن - وكما يظهر- فإن الحرب
مع إيران أجبرت مُعدّيها أن يمددوا برنامج العمل لينتهي في عام 2000.
تتألف الدراسة المعنونة "سري للغاية" !!!، من (24) كتاب (باللغة الإنكليزية)،
بالإضافة إلى كتاب باللغة العربية لعرض موجزها، أي تقع في حوالي (5000) صفحة.
قامت وزارة الري في حينه بإرسال (4) كتب منها، بالإضافة إلى الكتاب العربي، إلى
وزارة الصناعة والمعادن في أواخر 1985، لإبداء الرأي بالأمور المتعلقة بها،
وبما يتعلق بكمية المياه المطلوبة، وكمية ونوعية المياه المصرّفة إلى النهر
وحددت مواصفات هذه المياه ليتسنى لوزارة الصناعة اتخاذ الإجراءات لمعالجة هذه
المياه، كما أكدت على ضرورة اعتماد الدورة المغلقة للمياه لتقليل الاستهلاك،
وكذلك احتوت هذه الكتب على النظر في احتياجات الغابات الصناعية لإنتاج الخشب
لأغراض عجينة الورق، إضافة لأمور مهمة جداً تتعلق بتوفير الأسمدة والمبيدات
الزراعية والإسمنت ومواد البناء وغيرها وغيرها. ولقد ساعدني الحظ في حينه على
الاطلاع على جميع الكتب من خلال وزير التخطيط القدير المرحوم سامال فرج، والذي
أُغلقت وزارته في أواخر الثمانينات لإصراره على تنفيذ متطلبات وزارة التخطيط في
السير بالمشاريع على ضوء دراسات الجدوى الاقتصادية والفنية، مما أدى إلى تصادمه
مع حسين كامل الذي لم يؤمن بتاتاً لا بالتخطيط ولا بالاقتصاد ولا بدراسة الجدوى
الاقتصادية والفنية، أو بضرورة الصرف والتنفيذ وفق الأسس التي أعدتها وزارة
التخطيط في ذلك الوقت !!!.
كان عنوان الدراسة:
"الموازنة المائية / التخطيط الشامل لموارد المياه والأرض في العراق"
(30).
لقد اعتبرت الدراسة أن الزراعة المروية أهم الأنشطة الاقتصادية في استهلاك
المياه، ولذا كان من المهم جداً إكمال تطوير الري في العراق، والسيطرة على
الموارد المائية، وخصوصاً في حوض الفرات، إذ أن استغلال مياه حوض الفرات
كان قد بلغ الحدود العليا في مرحلة إعداد الدراسة ووضحت شحة المياه فيه. كما أن
الزيادة المطردة لاستهلاك المياه، سوف تتطلب، ولغرض التنظيم الموسمي للاستهلاك،
إكمال إنشاء سدود وخزانات جديدة وكافية، (وقد تم تحديد مواقعها وسعاتها)،
لاسيما وأن السيطرة على الموارد المائية في دجلة والفرات ستتوسع في الدول
المجاورة. وبلغت المشاريع الإروائية التي حددتها الدراسة (130) مشروعاً.
إن الخطة الأساسية للزراعة المروية تتلخص بإنشاء مشاريع ري جديدة عديدة. إذ
أوضحت الدراسة، أن بسبب ندرة الموارد المائية المستقبلية فإن تطوير الري يكون
ممكناً ولكن بشرط الاختيار الصحيح للأراضي التي ستروى في مختلف مناطق القطر،
ولذا أخذ بنظر الاعتبار عدد من البدائل يهدف كل منها إلى الإمكانية الأفضل
لتجهيز القطر بالمنتجات الحقلية، لأن الموارد المائية ستكون محدودة في
المستقبل، وأن الموارد الأرضية تتجاوز قابلية الأنهر الإروائية، لذا يكون
من المهم أيضاً تحديد التوزيع العقلاني للإنتاج الزراعي.
وشملت الدراسة في جزء كبير منها على مشاريع البزل، إذ أن التطوير المكثف
للمشاريع الإروائية في وسط وجنوب العراق يحتم إيجاد حل منسق لتصريف مياه البزل
وتأثيره في رداءة نوعية مياه دجلة والفرات، حيث أن مياه البزل تمثل المصدر
الرئيسي والأكبر لتردي المياه، لذا أوصت الدراسة وبشدة تجميع وتحويل مياه البزل
خارج حدود الإرواء ومياه الأنهر، ووضعت الحلول لذلك، حيث حددت إنشاء شبكة من
المصبات العامة، لتصل إلى مصب عام رئيسي لإيصال مياه البزل إلى الخليج العربي،
وكذلك استغلال بعض المنخفضات لجمع مياه البزل، التي تقع خارج النظام المذكور،
بالاعتماد على التبخير بدلاً من تحويلها إلى المصب العام.
لقد وضعت الدراسة توصيات
صارمة لحماية المصادر المائية، سواء بالنسبة لمياه البزل ومياه المجاري
والمصانع أو مياه الأمطار التي ترمى في النهر.
أدناه أهم الفقرات التي جاءت في الدراسة، وهي ليست حسب التسلسل الذي ورد فيها،
وإنما تم ترتيبها بشكل يعطي معلومات متفرقة ليتمكن القارئ من فهم أهم ما جاء
فيها بعد تبسيط معلوماتها. كما حاولت أن أقلص تعليقاتي عليها إلى الحد الأدنى،
وما موجود به من تعليقات هو فقط لشرح بعض الفقرات وإضافة فقرات أخرى للتوضيح،
وذلك على ضوء المستجدات للثلاثين سنة الماضية.
أولاً: الزراعة
(1) مساحات الأراضي الصالحة للزراعة
تبلغ مساحة الأراضي الصالحة للزراعة عند إعداد التقرير (30.8) مليون دونم (أي
7.7 مليون هكتار، حيث الدونم 50م
× 50م = 2500 متر مربع، والهكتار 100م × 100م = 10000 متر مربع)، منها (15.1)
مليون دونم هي الأراضي الإروائية المتوفرة فيها قنوات وجداول وترع، كما هو
الحال في أواسط السبعينيات. ولكن ما زرع فعلاً في عامي 1975 و 1976، كان (16.1)
مليون دونم، منها (8.3) مليون دونم من الأراضي الإروائية والبقية أراض ديمية.
ما نلاحظه هو زراعة ما يقارب نصف الأراضي الصالحة للزراعة، إذ من الناحية
العملية كان يستخدم نظام "النيروالنير"، (أي الزرع بين عام وعام)، لتجديد خصوبة
الأرض حيث لم تتوفر وقتذاك كميات الأسمدة المطلوبة، وكانت معامل الأسمدة
الفوسفاتية والنتروجينية الكبيرة تحت الإنشاء، رغم أن الماء كان متوفراً حتى
لإنتاج غلتين في العام الواحد.
الجدول (3-1) يمثل المساحة الآروائية المتوفر فيها قنوات الري.
الجدول (3-1)
- حوض الفرات 6.335 مليون دونم
- حوض دجلة وروافده 8.524 مليون دونم
- حوض شط العرب 0.277 مليون دونم
المجموع 15.136 مليون دونم
بضمنها العيون والآبار 0.845 مليون دونم.
(2) المقنن المائي للمحاصيل
وضع المقنن المائي لمختلف المحاصيل الزراعية، ولأربعة مناطق جغرافية من الشمال
إلى الجنوب، مع احتساب كميات الضياعات المختلفة من الماء عند الإرواء وغسل
التربة والبزل وتسرب المياه من قنوات الري والتبخر، وأدناه بعض الأمثلة، كما
مبينة في الجدول (3-2) أدناه:
الجدول (3-2)
المقنن المائي لبعض المنتجات
المحصول م3/الدونم
م3/الدونم
المنطقة الشمالية المنطقة
الجنوبية
- الحنطة والشعير 365 2718
- الرز 7017 8530
- الخضروات الصيفية 4347 5625
- أشجار الفاكهة 4317 7765
- النخيل 7842 8880
وتوصل إلى أن الاحتياجات الأروائية السنوية للزراعة لعام 1980 تصل إلى (32.6)
مليار متر مكعب (أو 32.6 كيلومترمكعب - كم3-)، وذلك باعتبار أن الأراضي المروية
في ذلك العام كانت (6.7) مليون دونم، وبمعدل 4890م3/الدونم. من هذه الكمية
هنالك (1.423كم3) من مياه العيون والآبار.
ما نلاحظه في الدراسة هو ارتفاع رقم المقنن المائي، وذلك بسبب التبخر والهدر
العالي، إذ أن دراسات ما بعد عام (2000)، (مثل دراسات منظمة الغذاء العالمي)،
تضع معدل المقنن المائي للحنطة والشعير (1000) م3 ماء / طن حنطة، كما في الصين
أو كندا أو أوربا، بينما هنا يبلغ المقنن المائي أكثر من تسعة أمثال هذا الرقم،
وذلك (إذا اعتبرنا أن إنتاجية الدونم في العراق 300 كغم).
(3) الحاجة إلى المحاصيل
للوصول إلى كميات المياه المطلوبة، أحتسبت السعرات الحرارية التي تكفي الفرد
العراقي وحسب تحديدات وزارة الصحة العراقية لتصل إلى (3000) سعرة للفرد في
اليوم في سنة 2000، وأخذت عدة بدائل بذلك لتوفير الغذاء، وتم اختيار أحدها،
والمذكور أدناه.
علماً أن الدراسة اعتبرت الزيادة في السكان 3%، وبهذا يكون عدد السكان في 1990،
حوالي (17) مليون نسمة وفي سنة 2000 حوالي (22.3) مليون نسمة.
أود أن أوضح أن افتراض معدل استهلاك الفرد العراقي (3000) سعرة / اليوم، يعتبر
معدلاً جيداً، ولو أن المعدلات في الدول المتقدمة تتجاوز هذا الرقم، وتصل إلى
أكثر من (3500) سعرة كمعدل. وكمثال فلقد اطلعت على إحصائيات عن إسرائيل، حيث
بلغ معدل السعرات الحرارية للفرد في العام الماضي (3522) سعرة(27).
أما المنظمات العالمية التي تزود اللاجئين بالطعام، فإنها تعطي طاقة بحوالي
(2100) سعرة(28)، وأن منظمة الصحة العالمية تضع أرقاماً لغذاء
الطاقة بين (2000-3000) سعرة، ولا تنصح بالارتفاع إلى معدلات عالية لأنها سوف
تسبب السمنة، مع الاهتمام دائماً بالحصول على البروتين الكافي من خلال اللحوم
أو البقوليات أو منتجات الألبان.
توصلت الدراسة لحاجة القطر الفعلية من الغذاء وكما في الجدول (3-3)، علماً أنني
لم أذكر جميع المحاصيل، وإنما ذكرت بعضاً منها فقط.
الجدول (3-3)
حاجة القطر إلى المحاصيل
هذا ويتضمن الجدول أيضاً الحليب ومنتجاته، حيث احتسبت حاجة الفرد سنة (2000)
إلى (140)كغم/السنة ليصل المجموع الكلي إلى (3.1) مليون طن/السنة. كذلك اشتمل
الجدول على البطاطا (20 كغم/الفرد في سنة 2000)، والرقي والبطيخ (60 كغم/الفرد
في سنة 2000)، والتمور (10 كغم/الفرد في سنة 2000).
يلاحظ القارئ أن هذه الأرقام بعيدة جداً عن معدلات الاستهلاك الفعلي الحالي
للفرد العراقي، ولكن كانت تصورات معدّي الدراسة في1980 أن العراق "يتطور"،
والفرد العراقي "بخير" !!، ولم يكن يتصور أحد في العالم بتاتاً، أننا سوف نصل
إلى هذا الوضع. وسيرى القارئ أمراً مشابهاً في الجدول التالي الذي افترض في
حساباته وخططه أن العراق سيحقق الأمن الغذائي في عام (2000)، ولقد وضعت الدراسة
عدة بدائل لإنتاج المحاصيل وفي جميعها اعتمد الاكتفاء الذاتي للحبوب، (بالأخص
الحنطة والشعير)، مع احتمالات للتصدير، وتوصل إلى أن البديل المبين في الجدول
(3-4) هو الأفضل. علماً أن ما مذكور أدناه هو ليس كل الفقرات المذكورة في
الدراسة وإنما بعضاً منها:
الجدول (3-4)
حاجة العراق للاكتفاء الذاتي
ألف طن (الإنتاج السنوي)
أما اللحوم الحمراء، فذكر كمياتها وخطط لها أن تسد 99.6% من الاكتفاء الذاتي
لسنة 2000، والدجاج 144%، والبيض 99%، والحليب 106%. كما خطط لاكتفاء ذاتي في
القطن والصوف، مع تصدير التمور.
ولتنفيذ هذه الخطة ستكون هناك حاجة لأراض لازمة للزراعة وكما يلي:
- 1985 16.7 مليون دونم (منها 7.8 إروائية و7.9 ديمية).
- 1990 18.7 مليون دونم (منها 10.8 إروائية و8.0 ديمية).
- 2000 22.4 مليون دونم (منها 14.4 إروائية و8.1 ديمية).
علماً أن تحقيق هذه النتائج يتم بتنفيذ مشاريع الري المخطط لها بالكامل وكذلك
المشاريع الزراعية والحيوانية الأخرى، مع توفير المستلزمات الأخرى المذكورة في
الدراسة، وكمثال على ذلك قدرت حاجة العراق للأسمدة الكيميائية في سنة 2000 إلى
(1.768) مليون طن، وهي أرقام انسجمت مع دراسات وزارة الصناعة والمعادن، والتي
قدرتها بين (1.530 – 2.067) مليون طن، وتوسعت هذه الصناعة وفقاً لهذه المتطلبات
ومتطلبات التصدير.
لقد أكدت هذه الدراسة، وكما سنرى، على ضرورة تقليل المحاصيل التي تحتاج إلى
وفرة في المياه، مثل قصب السكر والرز، في حالة وجود شحة في المياه، أو تبدل في
نوعية المياه، نتيجة عدم تنفيذ المشاريع المطلوبة، أو عدم وصول المياه الكافية
نتيجة توسع تركيا وسوريا في مشاريعهما. ومن الملاحظ أن الزيادة في الملوحة
وتجاوزها (1500) قسم / المليون في أواخر الثمانينات في العمارة، أنهى زراعة قصب
السكر بالكامل!!. أما ما يتعلق ببقية الفقرات المذكورة في الجدول فهي أيضاً
أصبحت جزءاً من التاريخ!!، إذ لم تنفذ أية فقرة من الخطة الاستثمارية لهذه
الدراسة، عدا المصب العام والذي أكمل مؤخراً، بل على العكس رجعنا إلى الوراء في
كل نواحي الاقتصاد اللازم لتمويل إكمال وإتمام هذه الخطة. وأنهت بعد ذلك سياسة
"الباب المفتوح"، وعدم تمويل المشاريع الحكومية (أو حتى القطاع الخاص)، إضافة
إلى ضعف أداء الحكومة، والفوضى "الخلاقة"، والتي جاءت جميعاً مع الاحتلال، مع
شحة المياه والأمطار(نتيجة الاحتباس الحراري والتغير المناخي ومشاريع الدول
المجاورة)، إلى إنهاء القطاع الزراعي العراقي بالكامل تقريباً.
ثانياً: الموازنة المائية
نود أن نوضح في البداية عوامل التحويل الذاتية:
-
متر مكعب/الثانية (م3/ثانية) يعادل (31.56) مليون متر مكعب/السنة، ويعادل
0.03156 مليار متر مكعب/السنة (أي 0.03156 كيلومتر مكعب/السنة – كم3/السنة).
-
مليار متر مكعب/السنة (كم3/السنة)، يعادل 31.69 متر مكعب (م3)/الثانية.
لغرض تحديد إمكانيات المياه السطحية والجوفية المتوفرة للعراق، فلقد نظرت
الدراسة في المعدلات السابقة، وبعد ذلك اعتمدت التوقعات المستقبلية على ضوء
مشاريع الدول المجاورة، ولم تأخذ في الحسبان التغيرات المناخية إذ لم يفكر أحد
في ذلك الوقت بظاهرة الاحتباس الحراري وتأثيرها في المناخ، وإن هذا الأمر ظهر
في أواخر الثمانينات والتسعينيات، من القرن الماضي، وعلى نطاق ضيق، وظهر على
نطاق أوسع في هذا القرن، ونستطيع أن نرى آثار التغيرات المناخية بوضوح الآن!!.
على ضوء معدلات السنوات السابقة للتقرير، توصل إلى أن معدلات تصريف المياه
السطحية كما في الجدول (3-5)
الجدول (3-5)
معدلات تصريف المياه السطحية
م3/الثانية
تعادل كم3/السنة
- دجلة (الموصل) 680 21.46
- دجلة (الفتحة) 1400 44.18
- الزاب الكبير (أسكي كلك) 420 13.25
- الزاب الصغير (دوكان) 55 1.74
- العظيم (المصب) 25 0.79
- ديالى (دربندخان) 140 4.42
- الفرات (هيت) 1000 31.56
- شط العرب (القرنة) 134 4.23
- شط العرب (الفاو) 458 14.5
بدخول نهر الكارون
علماً، بأن أعلى تصريف لدجلة كان خلال فيضانات عام 1969، إذ بلغ التصريف في
الموصل آنذاك (7680)م3/الثانية (أي 242.4كم3/السنة)، وفي الفتحة
(16380)م3/الثانية (أي 516.9 كم3/السنة)، وفي بغداد (4310)م3/الثانية، إن رقم
تصريف بغداد كان أوطأ من البقية إذ لغرض التخلص من الفيضان تم تفريغ دجلة في
الثرثار ومناطق أخرى. وفي نفس العام بلغت تصاريف الفرات القصوى
(7460)م3/الثانية (أي 235.4كم3/السنة)، وفي مؤخرة الهندية (3690)م3/الثانية إذ
تم التخلص من ماء الفرات الفائض، لتجنب الفيضان، بتحويله إلى الحبانية.
وعلى ضوء توفر المياه وكميات الاستهلاك لمختلف الأنشطة الاقتصادية تم التوصل
إلى الجدول المهم (3-6)، للموازنة الكاملة للمياه في العراق.
والأرقام تمثل كم3/السنة:
الجدول (3-6)
الموازنة الكلية للمياه في العراق
من الجدول (3-6)، يتضح ما يلي:
(1)
أن الدراسة لم تحتسب نهر الكارون كعائد لأي غرض من فروع الاقتصاد، إذ يقع في
إيران ويصب - في حينه - في بدايات شط العرب. ولكن بالتأكيد كان قد أخذ بنظر
الاعتبار وفيما يتعلق بالماء المطلق في شط العرب ومنه إلى الخليج في منطقة
الفاو، ونجد في إحدى صفحات الدراسة، رقماً يختلف عما ذكر هنا، لكمية المياه
التي يصبها الكارون في شط العرب، إذ حسبما جاء في أعلاه نجد أن هذه الكمية
حوالي (10)كم3، بينما ذكر رقمٌ آخر يعادل (4.2)كم3 في عام 2000. من الناحية
العملية فإن مياه الكارون المطلقة في شط العرب، تضاف إلى الفقرة (5) في الجدول
(3-6)، أي الماء المطلق في الخليج من الأنهار العراقية. في ذلك الوقت لم تكن
خطط إيران واضحة لمعدي الدراسة وبما يتعلق بنهر الكارون، وفي كل الأحوال كانوا
قد وضعوا رقم (6.6)كم/السنة (أي بمعدل 209م3/الثانية) من مياه العراق لهذا
الغرض، وهي كمية كافية - بنظر الدراسة- للغرض المطلوب. إن من المعروف أن ظاهرة
المد والجزر في الخليج تؤثر جداً في مياه شط العرب، ولذا من الواجب إطلاق كميات
كافية من الماء الحلو في شط العرب لتمتد/تتغلغل إلى داخل الخليج ذو المياه
المالحة لتكوين منطقة "عازلة" عن المياه المالحة في فترة انحسار مياه
الخليج/الجزر. وهذه المنطقة من المياه تساعد على عدم وصول المياه المالحة إلى
داخل شط العرب، حيث تقوم هذه المياه الحلوة بسقي بساتين البصرة وإلى الفاو عند
دخولها شط العرب في حالة المد، وهي بنفس الوقت تؤدي نفس الغرض في الضفة
الإيرانية. ولكن الفرق أن في الجهة العراقية توجد جداول عديدة على شط العرب،
حيث تدخل مياهه داخل هذه الجداول في عملية السقي، ولكن في الجانب الإيراني لا
يوجد مثل هذا العدد من الجداول. نلاحظ الآن النتائج المميتة لعدم ضخ الكميات
اللازمة من المياه الحلوة إلى شط العرب، فلقد أغلق عملياً مصب الكارون في شط
العرب، وحول مساره ليسير في موازاة شط العرب ليصب في الخليج، (وسنتحدث عن هذا
الموضوع لاحقاً عند توضيح علاقتنا المائية مع دول الجوار)، وبهذا فقدنا الماء
الحلو من الجانب الإيراني. بنفس الوقت لا يوجد لدى العراق فائض من المياه يعادل
(209)م3/الثانية لإبقاء مياه شط العرب حلوة، ولهذا بدأت تدخل المياه المالحة
أثناء المد حتى إلى البصرة وإلى شمالها أيضاً، الأمر الذي أدى إلى النتائج
السلبية الكبيرة التي تحدثنا عنها في مقدمة هذه الدراسة.
(2)
نلاحظ في الفقرة (4) في الجدول (3-6)، فقرة تغذية الأهوار والبحيرات، والمقصود
بها الأهوار والبحيرات في الجنوب، وهي تعادل المياه الضائعة نتيجة التبخر
والتسرب داخل التربة ولإبقاء المياه حلوة، لديمومة الحياة البشرية والحيوانية
والنباتية في منطقة الأهوار.
(3)
من الجدول (3-6) أعلاه نرى أيضاً أن الدراسة توقعت مشاكل وتوفير حرج للمياه في
العام 2000، إذ تصل نسبة الاستخدام إلى 89%، ولو أردنا أن نعمل ضمن نسبة توفير
للمياه تعادل 80%، سنكون في موضع حرج جداً، وهناك أمور يجب اتخاذها خلال مدة
الخطة ليتسنى إبقاء الماء الكافي للحاجات الاقتصادية، وسوف نتحدث عنها لاحقاً.
إن المياه المخزونة في الخزانات والسدود لا يمكن الاستفادة منها في ظروف حرجة
ومستمرة ومع عدم وجود وارد مائي إضافي لتغذيتها. إذ أن الخزانات يتم ملؤها في
موسم توفر المياه، وتفرغ تدريجياً لسد الحاجة للمياه على مدار السنة، فهي تعمل
على توازن بين الشحة والوفرة خلال العام. سنجد لاحقاً أن إضافي الخزن المائي
الممكن الاستفادة منه حوالي (105)كم3/السنة في عام 2000، بينما الاستهلاك الكلي
كما ورد في الجدول أعلاه هو (65,6)كم3/السنة، وذلك في حالة الملئ الكامل
للخزانات المائية. أي يتوفر فقط (40)كم3/السنة لأغراض الطوارئ. علماً أن إفراغ
الخزانات يعني عدم إمكانية توفير الكهرباء من محطاتها الكهرومائية، بالإضافة
إلى حراجة توفير المياه.
(4)
لكي يتسنى الحصول على الماء الكافي لكل حاجات العراق سنوياً، والبالغ
(73.9)كم3/السنة (أي معدل 2342م3/الثانية)، يجب أن تكون جميع السدود (بضمنها
سدود بخمة والفتحة والهندية والبصرة) قد تم إكمالها في عام 1990، وأن وادي
الثرثار قد تمت تحليته بالكامل قبل عام 1995، وبذا يمكن لحوضي دجلة والفرات أن
يعملا كوحدة واحدة، من ذراع دجلة - الثرثار - ذراع الفرات، ليتسنى نقل مياه
دجلة إلى الفرات عند الحاجة. إضافة لذلك، كان من المفروض وبحدود عام 1985 تبطين
22% من مساحة القنوات الرئيسية والفرعية، ونصل في عام 1990 إلى تبطين 46% من
هذه المساحات، بالإضافة إلى مد (7000) كم من الأنابيب الإسمنتية و(400) ألف طن
من الأنابيب الحديدية والبلاستيكية، وذلك لتقليل الضياعات الهائلة من المياه
نتيجة التبخر و"الكسورات" والتسرب إلى داخل التربة ومنع الأملاح من الصعود إلى
السطح، إذ قدرت المياه الضائعة في مختلف المراحل بأكثر من 25%، إضافة إلى تردى
نوعية المياه وزيادة الملوحة نتيجة التبخر وذوبان الأملاح الموجودة في التربة
والمياه الجوفية في مياه الأنهر وصعودها إلى سطح التربة، مما يضطر إلى غسلها
وبالتالي صرف مياه أكبر.
(5)
في فترة إعداد الدراسة كانت تركيا قد أكملت سد "كيبان" وبدأت بملئه والذي سبب
مشاكل جمة لسوريا والعراق، وكذلك بدأت الخطط التركية بالظهور إلى العلن، ولهذا
فإن الدراسة أعلمتنا أيضاً بأن تركيا تبني سدوداً أخرى على الفرات، إضافة إلى
سد كيبان. فلقد ذكرت بأنها ستكمل إنشاء سد قره قايا (سعة 9.6 كم3) في عام 1985،
وسد قره بايا (سعته تتراوح بين 16.1 - 48 كم3) في عام 1990. كما بينت أن في نية
الأتراك إنشاء سد إيليسو (سعة 12.5 كم3) على دجلة وعلى أساس إكماله في عام
1990. علماً أن هذا السد لم يبدأ به لحد الآن، (وسنتحدث عن سدود تركيا وخططها
المائية بالنسبة لدجلة والفرات في فصل لاحق من دراستي هذه، وسنجد أن الأسماء
والسعات للسدود التركية المبينة أعلاه -والمذكورة في الدراسة المعدة في أواخر
سبعينيات القرن الماضي- مختلفة في بعض الأمور عن الواقع الحالي). كما ذكرت
الدراسة السوفيتية أن في خطط الأتراك إنشاء سد تيرزة وخمسة خزانات أخرى على
دجلة وروافده، وأكدت إن "إكمال السدود على دجلة سوف يؤدي إلى تعقيدات مائية
كبيرة للعراق".
وذكرت الدراسة أيضاً بأنه حتى عام 2000 سوف تضيف تركيا أراض زراعية إروائية
جديدة تبلغ (400) ألف هكتار (أي 1.6 مليون دونم) في الجنوب الشرقي منها. كما
وأن في نية سوريا إضافة (250) ألف هكتار (مليون دونم) كأراض زراعية إروائية
جديدة اعتماداً على الفرات وسد طبقة، مما يجعل موضوع المياه في العراق أكثر
حراجة. علماً وحسب المعلومات المتوفرة لدينا فإن سوريا لم تستطع تحقيق طموحها
بسبب شحة مياه الفرات.
ثالثاً: نوعية المياه
إن نوعية المياه في العراق في تدهور مستمر، وظهر هذا التدهور بصورة واضحة في
أواخر السبعينيات بعد ملئ خزان كيبان في تركيا، وظهور شحة في الفرات، وزيادة
دخول مياه المبازل إلى دجلة والفرات، وخصوصاً إلى الفرات، إضافة إلى زيادة
الاستهلاك، علماً أن الماء الداخل أصلاً إلى العراق قد تدهورت نوعيته. إن بناء
السدود والتبخر الذي يحصل فيها أو في الخزانات المائية يزيد من ملوحة الماء،
وبمرور السنين تتدهور نوعية المياه في حالة عدم تجديدها أو البطء في تجديدها.
إن الملوحة، (أو الأملاح المذابة في الماء)، تقاس بملغرام/ لتر (ملغم/لتر)
ويعادل (قسم/المليون). أي لو كانت الملوحة (1) غم/لتر(أي 1000/ملغم/لتر)، فهي
تعادل (1000 قسم/المليون)، وسوف نستخدم هذا التعبير الأخير في دراستنا هذه، كما
هو مستخدم في الدراسة السوفيتية وفي الأدبيات العالمية حول نوعية الماء. وإن
تبخر 10% في السنة في الخزانات المفتوحة يرفع درجة الملوحة من (1000) إلى(1100)
خلال سنة.
وحول موضوع نوعية المياه نوضح ما يلي:
(1) استهلاك الماء للشرب والأغراض المنزلية
حددت الدراسة الاستهلاك اليومي للفرد العراقي لماء الشرب والأغراض المنزلية،
وكذلك الأمور المتعلقة بالخدمات الخارجية لاستخدامات الفرد وكما في الجدول
(3-7):
الجدول (3-7)
الاستهلاك اليومي من المياه للفرد العراقي
في عام 1978 بلغ معدل الاستهلاك للشرب والأغراض المنزلية (فقرة 1 في الجدول
أعلاه) في المدن الكبيرة في العراق (150) لتر/الفرد/اليوم (لأغراض الشرب والطبخ
والغسل والتنظيف والمدارس والمستشفيات)، أما في بقية المدن فلقد كان بمعدل
(100) لتر/الفرد/اليوم. كان 98% من هذه المياه العذبة يؤخذ من أنابيب وإسالات
ماء، و2% من العيون والآبار.
أما في الأرياف، فإن 23% من المياه المنزلية يؤخذ من الأنابيب، و24% من العيون
والآبار، و53% من القنوات والأنهار. علماً أن احتياج البشر في الأرياف كان (42)
لتر/الفرد/اليوم، واحتياج ماشيته وحيواناته محسوبة على الفرد بلغت (56) لتر،
والاحتياجات الأخرى (3) لتر، أي المجموع (101 لتر/الفرد/اليوم).
لغرض معرفة تفاصيل كمية الماء المستهلك للأغراض المنزلية، يفضل أن نعطي بعض
الأمثلة: من الناحية العملية، وفي الدور الحديثة فإن ما يزيد عن ربع الماء
المستهلك يستخدم في الحمام والمرافق الصحية، إذ في كل مرة يتم فيها استخدام
خزان ماء المرافق (السيفون)، فإن (3) غالونات من الماء سوف تستهلك (ما يعادل
11.4 لتر)، أي أكثر من (60) لتر/الفرد/اليوم. إن استخدام ماكينة غسيل الملابس
ولمرة واحدة، يحتاج إلى (40) غالون ماء (أي حوالي 155 لتر). أما أخذ دوش لمدة
(10) دقائق فإن الماء المستهلك يبلغ (50) غالون (أي 190 لتر). وإن تنظيف
الأسنان مع ترك الحنفية مفتوحة سوف يستهلك (15) لتر ماء، وفي حالة غلق الحنفية
نحتاج إلى لتر واحد فقط. ويمكن ان نتحدث عن غسل البيت والسيارة ورش الحديقة –
إن وجدتا - وغيرها من الأمور اليومية.
إن معدل استهلاك الفرد في الولايات المتحدة والبلدان المتقدمة يبلغ حوالي(600)
لتر/الفرد/اليوم، وهناك حملات واسعة للعمل على عدم تبذير المياه، خصوصاً لو
عرفنا أن ملايين البشر في العالم يعيشون حالياً على ما يقارب من (10)
لتر/الفرد/اليوم فقط.
من أعلاه نرى أن معدلات استهلاك الفرد للماء المخطط لها لسنة 2000 كانت بحدود
38% من معدلات الدول الصناعية، علماً أن الماء المتوفر حالياً للفرد العراقي هو
أقل من معدل عام 1978 نفسه وبنوعية أردأ جداً من ذلك الوقت، بحيث أصبحت مسألة
شرب ماء القناني المصنعة في العراق أو المستوردة من الدول المجاورة، (وقسم منها
مستورد من الأقطار التي تحلي ماء البحر !!)، بدلاً من شرب ماء الحنفية، كما كان
الحال في عام 1978، أصبحت مسألة اعتيادية في المدن، بل ضرورية، لأن هناك شكوك
لدى العديد حول مدى صلاح ماء الشرب المتوفر في حنفيات الدور، ويعتقد الكثير أنه
غير صالح للشرب !!، وبالتأكيد فإن هذه الشكوك هي في محلها في مناطق عديدة من
العراق، بضمنها المدن الكبيرة، لضعف الرقابة الصحية. علماً أن الاتجاه في
العالم المتقدم هو التأكد من أن ماء الحنفية صالح للشرب، وحث الجماهير بعدم
الشرب من القناني التي تعتبر عملية مكلفة وغير ضرورية، وملوثة للبيئة. وفعلاً
قام عدد من المدن خلال الأشهر الماضية بمنع بيع قناني الماء، ويتوقع أن تتوسع
هذه الحملة.
________________________________________________
المصادر
(26) "العراق بين مطرقة صدام وسندان
الولايات المتحدة". فؤاد قاسم الأمير. الطبعة الأولى ـ حزيران 2004، الطبعة
الثانية (منقحة) ـ كانون الأول 2005.
(27) الجهاز المركزي للإحصاء عن
صحيفة "يدعوت" في 16/9/2009.
(28)
WFP's Food Basket World
Food Program.
(29) "الزراعة توافق على منح 2207
قرض بأكثر من 21 مليار دينار". موقع العراق في 25/6/2009.
(30) "الموازنة المائية/ التخطيط
الشامل لموارد المياه والأرض في العراق"، دراسة سوفيتية بالمشاركة مع خبراء
عراقيين صدرت في سنة 1983.