يلاحظ القارئ بأنني توسعت في عرض هذه الدراسة المهمة جداً، ومحاولة التعليق
عليها وتوضيح بعض فقراتها.
علماً أنني ورغم هذا التوسع في العرض والتعليق، فلقد
أوجزت ما يقارب (5000) صفحة من الوثائق. إن السبب في الكتابة بهذا الشكل هو
لأهمية الموضوع القصوى للعراق وأجياله القادمة، ولأهمية الدراسة التي تتضمن خطة
مفصلة للنهوض الزراعي لم يتم تنفيذها
بسبب نقص الموارد المالية نتيجة السياسة
المدمرة التي اتخذت في عهد حكم صدام حسين والحصار الظالم، بقيادة الولايات
المتحدة الأميركية والاحتلال اللاحق. كما أنني أردت إطلاع القارئ على حجم العمل
اللازم لإحياء فكرة كون العراق بلداً زراعياً أخضر قادر على الاكتفاء الذاتي
للغذاء بدلاً من الاستيراد، وذلك بالاستغلال الأمثل للثروة المائية الموجودة
فيه. ولكن من الواجب إعادة الدراسة والخطة على ضوء المستجدات، وعلى ضوء
المتغيرات المناخية المتوقعة، وتنفيذ هذه الخطة بالكامل، فهي ما يمكن أن يورثه
هذا الجيل إلى الأجيال القادمة، سيما وأن النفط مادة ناضبة. إن المبالغ المطلوب
صرفها في خلال (10-15) عام القادمة سوف تكون أكثر بكثير من (50) مليار دولار،
التي وضعتها الدراسة، ولكن سوف تكون مبالغ تصرف في محلها لإحياء العراق، وهنا
يمكن أن يساهم القطاع الخاص، وكذلك القروض الأجنبية في الكثير من الاستثمارات
المطلوبة، ولكن الاعتماد الأكبر سيكون على الاستثمار العام، والذي يجب أن يأخذ
دور الريادي في الاستثمار. إن دور وزارات الري والزراعة والصناعة والتخطيط،
(وبالأخص وزارة التخطيط)، سيكون دوراً كبيراً في تحقيق تنفيذ هذا المشروع
الإستراتيجي الأكبر والأهم للعراق.
ب-
"تقرير عام عن الموارد المائية / الواقع والآفاق"
قدم السيد وزير الموارد المائية، إلى رئاسة الوزراء في 1/2/2007، دراسته:
"تقرير عام عن الموارد المائية / الواقع والآفاق"(33)، والذي يقع في
(20) صفحة. وبالنظر لأن الدراسة مقدمة إلى رئاسة الوزراء فلقد جاءت مختصرة بشكل
جيد وتعطي صورة واضحة عن وضع الموازنة المائية في العراق، ومن المؤكد أن هذه
الدراسة اعتمدت تقارير وتفاصيل عديدة متوفرة لدى وزارة الموارد المائية. ونظراً
لأهمية هذه الدراسة المختصرة وحداثتها، رأيت أن من الواجب أن يطلع القارئ على
المسائل الحيوية الواردة فيها. لم يكتب على الدراسة عبارة "سري"، كما هي العادة
في اعتبار جميع المعلومات "سرية"، رغم ضرورة نشرها وإعلام المواطن العراقي
عنها، لإفهامه الوضع الصعب والمعقد، وكذلك لمحاولة الوصول إلى حلول مقبولة،
خصوصاً في مسألة حيوية ومهمة تخص جميع شرائح الشعب العراقي، وكما هو الحال في
مسألة الموازنة المائية في العراق. لقد لاحظنا في المناقشات التي تمت خلال
الأشهر الماضية حول هذه المسألة ضعف المعلومات المتوفرة لدى السياسيين
والإعلاميين عن حجم هذه القضية، حيث اعتبرت غالبية المقالات والملاحظات
والمناقشات المسألة أمراً بسيطاً يعتمد على حل "بسيط" موجود لدى الجوار تركيا
وإيران، ولكن عند عرضنا للدراسة السوفيتية توضح حجم العمل الذي كان على
الحكومات العراقية عمله منذ ثلاثة عقود، وهو ما يجب أن تقوم به الحكومات
العراقية الحالية والمقبلة.
سأعرض فقرات هذا التقرير المهم، وحسب التسلسل الذي ورد فيه، مع بعض الملاحظات
كلما كان ذلك ضرورياً.
أولاً: الموارد المائية السطحية
(1) حوض نهر دجلة وروافده
تأتي معظم موارد دجلة من تركيا من روافده الرئيسة، وهي نهر باطمان صو، ونهر
كارزان، بوطان صو ونهر الخابور، حيث يصب الأخير داخل الأراضي العراقية. علماً
أن طول دجلة حوالي (1900)كم، منه ما يقارب 75% (1415)كم داخل الحدود العراقية،
كما وأن المساحة الكلية لحوض دجلة وروافده تبلغ 235 ألف كم2، منها 54% في
الأراضي العراقية. هناك أيضاً بعض الأنهر الحدودية مع إيران والتي تصب إما في
الأهوار أو في نهر دجلة. أما داخل الحدود العراقية فهناك عدة روافد تصب في
الضفة الشرقية من دجلة. تشكل الجزء الرئيسي من إيراداته المائية.
ويذكر التقرير أن المعدل السنوي لواردات دجلة جنوب ملتقاه مع نهر ديالى، يبلغ
49.4 مليارمترمكعب (أو كم3) للفترة من (1933-2006)، وكما في الجدول (3-9):
الجدول (3-9)
المعد السنوي لواردات نهر دجلة وروافده
كما نلاحظ فإن التقرير لم يتحدث عن نهر الكارون أو الأنهر التي تصب في أهوار
العراق المحاذية لإيران. وهنا تجدر الإشارة بأنه بعد اتفاقية 1975 مع إيران،
حين "أهدى" صدام حسين نصف شط العرب الشرقي إلى إيران، أصبح حتى "مصب" الكارون
في مياه إيرانية بعد أن كان المصب في مياه عراقية، وهذا الأمر سيناقش لاحقاً.
كما نلاحظ أن أرقام الإيرادات أعلاه تنسجم مع الأرقام التي جاءت في الدراسة
السوفيتية والتي سبق أن أشرنا إليها، مع بعض التغيرات التي يشير إليها التقرير،
حيث يذكر الملاحظات المبينة في الجدول (3-10) بشأن التغيرات للموارد المائية
مقارنة بمعدلات الفترة بين (1933-1975):
الجدول (3-10)
تغيرات الموارد المائية في دجلة وروافده
معدلات 1933-1975
المتغيرات
- نهر دجلة (20.5) كم3 - لم يلاحظ تغير في
الإيراد.
- الزاب الكبير (15.7) كم3 - لم يلاحظ تغير في
الإيراد.
- الزاب الصغير (7.0) كم3 - لم يلاحظ تغير في
الإيراد.
- العظيم (0.70) كم3 - لم يلاحظ تغير في
الإيراد.
- ديالى (5.5) كم3 - هناك تغير
مقارنة بالأرقام السابقة والبالغة (5.86) كم3 مما يرجح إقامة الجانب الإيراني
مشاريع تخزين مياه ديالى أو استخدامها لأغراض إروائية، ولا توجد معلومات
تفصيلية لدى الجانب العراقي، حسب ما ذكر التقرير.
(2) حوض نهر الفرات
تبلغ المساحة الكلية لحوض نهر الفرات (444) ألف كم2، منها 40% في العراق، و17%
في سوريا، و28% في تركيا. ولكن لا يذكر التقرير أين تقع البقية، إذ أن مجموع
حصص الدول الثلاث من الحوض المبينة أعلاه والمذكورة في التقرير تبلغ 85% من
الفرات، ويحتمل أن هناك سهواً في الأرقام.
أما نسبة الإيرادات المائية للفرات، وكما جاء في التقرير، فإن 88% منها تأتي من
تركيا، و9% من سوريا، و3% من العراق.
بلغت معدلات إيرادات مياه الفرات إلى العراق بين الفترة (1930-1973) في محطة
مدينة هيت (30.3) كم3 سنوياً. ولكن أصبح معدل الإيراد للفترة (1994-2006)، وبعد
إكمال السدود في كل من تركيا وسوريا وتطوير أجزاء من المساحات المستهدفة
لديهما، (19.6) كم3 لمياه الفرات فقط، أي بنقصان قدره (10.6) كم3 عن المعدل
السابق، ويضيف التقرير "وبالطبع فإن هذا النقصان سيزداد في السنوات القادمة
تبعاً لزيادة المساحات الإروائية التي سوف تستغل لأغراض زراعية"، كما يذكر
التقرير.
(3) شط العرب
"يتكون شط العرب من ملتقى دجلة والفرات في القرنة، وله رافدان هما نهر كارون
ونهر الكرخة (من خلال هور الحويزة)، وكلاهما ينبعان من إيران وإن مياه شط العرب
تتأثر بظاهرة المد والجزر حيث يتم إرواء وبزل معظم الأراضي الزراعية وبساتين
النخيل على جانبي شط العرب من خلال تلك الظاهرة."، كما يستمر التقرير ليقول:
"إن ورود مياه مالحة خلال ظاهرة المد التي تتكرر يومياً تحتاج إلى توجيه مياه
عذبة نوعاً ما من إيرادات دجلة والفرات وبهدف تقليل نوعيتها أثناء المزج لإمكان
الاستخدامات بشكل أفضل في عملية الإرواء". علماً كناقد لقد شرحنا هذا الأمر في
عرضنا للدراسة السوفيتية، ولكن ما جلب نظرنا في هذا التقرير أنه يورد: "إن
المياه الممررة إليه هي بحدود (80) م3/الثانية - أي (2.5) كم3/السنة - وتتغير
تبعاً لتوفر المياه في ذنائب نهري دجلة والفرات في الوقت الحاضر وعند التطوير
الكامل وتنظيم عمليات الإرواء وتغطية مشروع ري شط العرب بشبكات ري نظامية فإن
الاحتياجات المائية ستبلغ بحدود (1.4) مليار كم3/السنة".
ما أفهمه من الجملة أعلاه، أن المياه الممررة قد تقل في الوقت الحاضر عن (80)
م3/الثانية (2.5كم3/السنة)، اعتماداً على توفر المياه، وهذا الرقم يقل جداً عما
هو مخطط له في الدراسة السوفيتية والتي تحدد الكمية الواجب تمريرها (6.6)
كم3/السنة، أي (210) م3/الثانية، (عدا الكارون). بالواقع يوجد هنا رقم محدد يجب
تمريره باستمرار من المياه العذبة، إذ لا يمكن انتظار فترة توفر المياه لتمرير
كميات إضافية، كما يجب عدم تقليل هذا الرقم عن حد معين ولفترة طويلة، إذ أن
المياه المالحة ستتلف المزارع والبساتين. كما يظهر أن هناك مشروعاً لري شط
العرب، وبهذا نحتاج - كما تقول الدراسة - إلى (1.4) كم3/السنة (أي 44
م3/الثانية) والذي يعني تبديل نظام سقي البساتين ومزارع شط العرب من الطريقة
المتبعة حالياً والتي شرحناها سابقاً، وذلك بالسقي من خلال القنوات المفتوحة
عند المد، وتبديلها باعتماد السقي بالطريقة التي تعمل بها إيران الآن، وذلك
بعزلها شط العرب عن المزارع والبساتين لملوحة الماء الموجودة فيه واعتمادها على
مياه نهر كارون في السقي (وسنوضح ذلك عند الحديث عن كارون وإيران). هذا
المشروع، ـ إن وجد ـ، يجب أن يتم الآن، وإذا انتظرنا سنوات لتنفيذه فإن بساتين
البصرة سوف تموت، وحيوانات البصرة التي تستقي من شط العرب سوف تنفق، والبوادر
قد وضحت في هذا العام!!.
ثانياً: المياه الجوفية
إن مقدار الخزين المتجدد والخزين القابل للاستثمار من المياه الجوفية وفق
الدراسات والتحريات الهيدرولوجية يبلغ بحدود (6) كم3/السنة، وقد تم إعداد خارطة
بالمناطق المشجعة للاستثمار حيث تم تحديد ما يقارب من (42) منطقة ملائمة لحفر
الآبار المائية المختلفة من حيث كمية ونوعية المياه المتوفرة.
نود أن نؤكد هنا ما سبق أن ذكرناه عند عرض الدراسة السوفيتية، إذ من المحتمل أن
القارئ قد يصل إلى استنتاج متفائل خاطئ من الرقم أعلاه. إن الدراسة السوفيتية
تبين أن المياه الجوفية تبلغ (5.9) كم3/السنة (وهو رقم يطابق أعلاه)، ولكن من
هذا الرقم فقط (1كم3) يعتبر من المياه العذبة (أي كمية الأملاح فيه 1000
قسم/المليون فما دون)، و(4.3) كم3 من المياه "معتدلة الملوحة"، أي الملوحة بين
(1000-3000) قسم/المليون وهي غير صالحة للشرب حسب المواصفات العالمية، وحتى غير
صالحة لزراعة محاصيل عديدة إن تجاوزت (2000) قسم/المليون. أما المياه الجوفية
في أسفل ما بين النهرين فلم تؤخذ بنظر الاعتبار لعدم صلاحها للاستخدامات
الاقتصادية.
ثالثاً: نوعية مياه نهري دجلة والفرات
تشكل المياه الراجعة من الاستخدامات الزراعية والصناعية والمدنية مصدراً
رئيسياً لتلوث مياه الأنهر من خلال زيادة نسبة الأملاح والعناصر الثقيلة إضافة
إلى التلوث البكتيري. ونلاحظ أن هذا التقرير المعد في 2007، يكرر نفس ما جاء في
الدراسة السوفيتية في أواخر سبعينيات القرن الماضي، برغم وجود الأنظمة
والتعليمات لنظافة مياه الأنهر، ورغم "تكملة" النهر الثالث كما أعلن عن ذلك !،
ولكن كلنا يعرف أن الخطة الزراعية لم تنفذ، وأن الفوضى التي جاءت مع الاحتلال
زادت الأمور سوءاً. ويضيف التقرير: "إن التطور السريع والواسع الجاري في أعالي
نهري دجلة والفرات، وخاصة في حوض نهر الفرات في كل من تركيا وسوريا أدى إلى
تردي نوعية المياه".
ولو نظرنا إلى الأرقام التي ذكرها نفس هذا التقرير، لوجدنا أن دور تركيا وسوريا
في تردي نوعية المياه، هو دور محدد جداً بالنسبة للفرات، وليس له وجود بالنسبة
لدجلة، وكما يظهر من الأرقام أدناه التي ذكرها التقرير:
- معدل الملوحة في الحدود السورية - العراقية في الفرات:
(457) قسم/المليون، قبل التطور الحالي.
(600) قسم/المليون، في عام 2006.
- معدل الملوحة في الحدود التركية - العراقية في دجلة:
(213) قسم/المليون، قبل التطور الحالي.
(213) قسم/المليون، في عام 2006.
ويضيف: "إن الجانب التركي وبسبب وضعه المادي لم ينجز تطوير المساحات المستهدفة
على النهر (يقصد دجلة) عدا مساحات صغيرة ولا يلاحظ تغير يذكر في النوعية".
من أعلاه نرى أن المياه الداخلة إلى العراق سواء في دجلة أو الفرات هي مياه
عذبة، وأن مياه دجلة عذبة جداً. لذا فإن رداءة المياه هي بسبب سوء إدارة المياه
في العراق، وليس لسبب آخر، على الأقل لحد الآن. علماً أن التقرير وفي مكان آخر
يتوقع أن تصل نسبة الملوحة في المياه الداخلة إلى العراق لنهر الفرات إلى
(1250) قسم/المليون وهذا أمر خطير جداً، ولكن ستصل نوعية المياه الداخلة للعراق
لنهر دجلة (375) قسم/المليون وهي مياه عذبة. الأمر الذي يتوجب علينا أخذ
الاحتياطات بالنسبة لنهر الفرات، ودراسة كيفية تحليته بواسطة مياه دجلة في
المستقبل، وهنا نرجع مجدداً إلى ربط دجلة بالفرات وتحلية مياه الثرثار، كما
أوضحنا سابقاً.
رابعاً: موقف منشآت السيطرة في العراق للوضع الحالي والمستقبلي
المقصود بمنشآت السيطرة هي السدود والخزانات والنواظم.
(1) حوض دجلة
كما في الجدول (3-11)
الجدول (3-11)
منشآت السيطرة على مياه دجلة
وبالواقع لا يمكن ـ بنظرنا ـ اعتبار بحيرة الثرثار خزاناً مائياً ما لم يتم
تحليتها، ولكن يمكن اعتبارها كخزان للفيضان.
(2) حوض الفرات
الجدول (3-12)
منشآت السيطرة على الفرات
الخزن الحي كم3 كما في الدراسة
السوفيتية
- سد حديثة 7.51 5.70
- بحيرة الحبانية 2.58 2.64
مجموع الفرات 10.09
وبهذا نصل إلى مجموع الخزن الحي، وكما جاء في تقرير وزارة الموارد المائية:
10.09+67.35 = 77.44كم3 ويسمي التقرير هذا الرقم بأنه الطاقة الخزنية لدجلة
والفرات "كاستيعاب فيضاني"، وهو أمر صحيح، إذ لا يمكن اعتباره طاقة خزنية
مائية، بسبب تضمنه منخفض الثرثار والحبانية، وهما ذوا ملوحة عالية.
ويضيف التقرير، عند التحدث عن "الوضع المستقبلي لمنظومة السدود والخزانات"،
بأن هناك عدد من السدود الكبيرة في دور "الدراسات والتصاميم"، ويورد فيما يلي
أهمها، حيث سينظر بها "عند توفر التخصيصات وسيصار إلى تنفيذها وبذلك ستزداد
الطاقة الخزنية الكلية".
-
سد بخمة على نهر الزاب الكبير: (14.4)كم3. علماً أن سد بخمة ليس في دور
الدراسات والتصاميم وإنما منفذ في جزء كبير منه كما سبق وتم ذكره.
-
سدود بادوش (15) كم شمال الموصل: (0.25)كم3.
-
سد منداوه على الزاب الكبير: (2.315)كم3.
-
سد الخازر - كومل على نهر الخازر: (0.495)كم3، (أحد فروع الزاب الكبير).
-
سد طق طق على الزاب الصغير: (2.75)كم3، مؤخر سد دوكان.
-
سد البغدادي على نهر الفرات عند مؤخرة سد حديثة (0.475)كم3.
ويضيف أن الطاقة الخزنية الكلية ستكون (170)كم3 تقريباً كما يذكر أن الطاقة
الاستيعابية للأهوار، بظروف تحقق مناسيب معينة فيها، يمكن استغلالها لأغراض
استيعاب مياه الفيضان أو الإدامة بحدود (20)كم3.
أود أن أضيف هنا بأنني سبق أن ذكرت أن من المهم جداً بناء السدود لتجميع المياه
أثناء السنة أو السنوات التي يمكن أن تتوفر فيها مياه إضافية، وبالأخص السدود
على دجلة وروافده، حيث لاحظت أن التقرير لم يذكر السدود المهمة التي وضعها
التقرير السوفيتي مثل سد الفتحة (الخزن الحي 10.2 كم3)، وعليه محطة كهرومائية
بسعة (600) ميكاواط، وسد البصرة (الخزن الحي 3.75 كم3). كذلك لاحظت أن بعض
السدود في أعلاه تحتاج إلى توضيح لسبب إنشاءها، مثلاً سد البغدادي ـ رغم أهميته
ـ، إذ لا أعرف سبب النية الحالية في بنائه ونحن نعلم أن مياه الفرات، في انحسار
ولا يوجد هناك أي توقع في زيادتها أو وجود فائض فيها، كما وأن خزان سد حديثة
فارغ تقريباً.
كما لم أفهم وضع سد بادوش هل هو لحماية سد الموصل، الذي أنجز في تموز 1986،
وتعرض سابقاً كما يتعرض حالياً، لمخاطر جسيمة نتيجة أخطاء تصميمية في تقدير
نوعية الصخور الجبسية التي شيد عليها مما أدى إلى تآكل أسفل السد، ولقد أثيرت
التحذيرات، ومنها تحذيرات أميركية، في شهر تشرين الأول 2007، من خطورة انهياره.
ولكن مشاكله قديمة ومنذ سنة 1988 حيث بقيت أسسه تحقن بالإسمنت لملئ الفجوات
الهائلة نتيجة تآكل الصخور الجبسية وتكوين كهوف كبيرة يتطلب ملؤها بالإسمنت
وبكميات هائلة، وكان قد خصص لهذه العمليات في التسعينيات ما يقارب (20) مليون
دينار سنوياً (أي ما يزيد عن 50 مليون دولار). وكما يظهر أن عملية الضخ هذه،
(وهي بحد ذاتها حل مؤقت وليس دائمي)، قد أهملت مما عرض السد إلى مخاطر جمة قد
تسبب بانهياره وأعيد ضخ الإسمنت مجدداً.
كما لا أعرف هل أن مياه سد الخازر - كومل وسد طق طق وسد منداوه لا تغطيها
السدود الحالية (بضمنها سد بخمة الذي يجب إكماله)، إذ حسب علمي بأنها مغطاة
بالسدود الحالية.
أما بالنسبة للطاقة الخزنية المذكورة، فالواقع والمنطق يقولان بأنه يجب إكمال
التصاميم اللازمة لتحويل الطاقة الخزنية لأغراض الفيضان، إلى طاقة خزنية لأغراض
مياه الشرب، إذ يجب عدم تبذير المياه العذبة بتحويلها إلى مياه مالحة بخزنها في
منخفضات وبحيرات مالحةـ مثل الثرثارـ، ووضع خطة لتحلية هذه البحيرات.
وبما يتعلق بالطاقة الكهرومائية، فإن التقرير يتحدث عن الطاقة التصميمية
للمحطات المشيدة على الخزانات القائمة بمجموع (2205) ميكاواط، وهي مشابهة لما
سبق ذكره، أي سد الموصل (750)، ودوكان (400)، ودربندخان (240)، وحمرين (50)،
وحديثة (660)، وسامراء (84)، والهندية (15)، والكوفة (6). وتصل الطاقة الكلية
المستقبلية وبعد إكمال السدود التي ذكرها إلى (5146) ميكاواط.
ويضيف التقرير إلى أن المحطات الحالية "ساهمت في رفد منظومة الكهرباء وبمعدل
(747) ميكاواط، وذلك للسنة المائية التي تبدأ من شهر تشرين الأول 2005 إلى
أيلول 2006". كما يضيف أسباباً عديدة لتدني الطاقة الفعلية المتولدة والتي تبلغ
34% من الطاقة التصميمية، منها طبيعة إيرادات السنة المائية وتذبذب المناسيب،
والعطلات والتوقفات المتكررة في وحدات التوليد وخطوط نقل الطاقة الكهربائية،
وكذلك "توصية مجلس الخبراء العالمي بالمحافظة على منسوب خزن (319) متر في سد
الموصل بدلاً من (330) متر، الذي يمثل التشغيل الاعتيادي للأسباب المعروفة
والمتعلقة بسلامة السد". وهنا يؤكد على الوضع الخطير لسد الموصل، الأمر الذي
يتوجب إيجاد الحلول له لخطورة الموقف من "احتمال" انهيار السد، وقد يتوجب تخفيض
المستوى إلى رقم أدنى، كما وأن الحلول الحالية والتي بدأ بها ومنذ أكثر من (20)
سنة، وهي ضخ الإسمنت بصورة مستمرة في مناطق أسس السد هي ليست بحلول جذرية، وإن
ضرورة بناء سدود بادوش والفتحة والبصرة تبدو واضحة ليس فقط لبناء خزانات مائية
ولكن لتخفيض الضغط عن سد الموصل.
خامساً: المشاريع التخزينية والإروائية في تركيا وسوريا وإيران
على الرغم من أننا سوف نبحث هذا الأمر بشكل أكثر تفصيلاً في فصل منفصل من هذه
الدراسة، إلاّ أننا سنذكر أدناه موجزاً لما ذكره تقرير السيد وزير الموارد
المائية، حول الوضع الحالي والمستقبلي لهذه المشاريع:
(1) تركيا:
وهنا يتحدث عن "مشروع شرق الأناضول"، وهو من المشاريع العملاقة لتركيا ويعتبر
أكبر وأهم مشروع قامت به تركيا لحد الآن:
السدود على دجلة:
الجدول (3-13)
السدود التركية على دجلة
نود أن نوضح هنا بأنه لم يباشر فعلياً بسد أليسو، ونعتقد أن المقصود هنا هو
إكمال التصاميم والحصول على التمويل، ولكن كما وضح في أوائل 2009 بأن الشركات
الممولة قد تراجعت عن ذلك كما سنوضحه لاحقاً. أما ما يتعلق بالسدود المخطط لها
هكارى (على الزاب الكبير)، وجوكاركو ودوغانلي، فإنه لم يذكر أرقاماً تتعلق
بالسعات الخزنية، ونعتقد بسبب عدم توفر المعلومات حولها، ولكن ذكر التقرير
طاقات التوليد المخطط لها، وهي طاقات عالية، (وخصوصاً سد دوغانلي حيث ذكر أن
طاقة التوليد المخطط لها تبلغ 462 ميكاوات)، مما يرجح أنها سدود كبيرة. وهنا
تظهر ضرورة قيام الحكومة العراقية بحملة كبيرة، سواء مع تركيا مباشرة أو مع
المنظمات الدولية والدول الممولة، والمفروض توصيل الأمر إلى مجلس الأمن في حالة
عدم التوصل إلى نتيجة مع الجانب التركي من خلال المحادثات الثنائية أو من خلال
وضع الاتفاقيات الاقتصادية الثنائية، وذلك لمنع بناء هذه السدود، إذ في حالة
إتمامها ستكون هناك كارثة كبيرة بالنسبة للعراقيين والعراق.
السدود على الفرات:
الجدول (3-14)
السدود التركية على الفرات
(2) سوريا
السدود على الفرات كما يلي:
الجدول (3-15)
السدود السورية على الفرات
(3) إيران
يذكر التقرير أن الأنهر المشتركة الحدودية مع إيران تبلغ (24) نهراً أهمها
الزاب الصغير ونهر سيروان ونهر الوند (أحد روافد نهر ديالى)، وأنهر الطيب
والدويريج ونهر الكرخة ونهر كارون. قامت إيران وتقوم حالياً بأعمال مختلفة منها
إنشاء سدود ومشاريع إروائية وكذلك تحويل مجرى بعض منها وكما يلي:
-
نهر الوند: حيث قامت بإنشاء عدد من السدود.
-
نهر سيروان: تجري حالياً أعمال تحويل النهر باتجاه الأراضي الإيرانية وبذلك
ستقل الإيرادات المائية على سد دربندخان.
-
نهر الكرخة: احد المصادر الرئيسية لتجهيز هور الحويزة حيث قامت بإنشاء العديد
من السدود في أعالي النهر وتطوير مساحات إروائية.
-
نهر كارون: المصدر الرئيسي لتحلية مياه شط العرب حيث قامت بإنشاء العديد من
السدود في اعالي النهر.
ويضيف التقرير ملاحظة بأن المعلومات المتوفرة لدى الجانب العراقي قليلة بالنسبة
للمشاريع الإروائية الإيرانية.
هذا وإننا سنبحث قسماً من هذه المشاريع بتفصيل أكثر، وبالأخص ما يتعلق بنهر
كارون.
سادساً: الاحتياجات المائية الحالية والمستقبلية في العراق
(1) الاحتياجات المائية
يذكر التقرير أن مجمل
الاحتياجات المائية الحالية تبلغ (50)كم3/السنة (وتشمل
الزراعية والمدنية والصناعية والتبخر . . . )، حيث أن مساحة الأراضي المستغلة
بحدود (10) مليون دونم.
أما المساحة المستهدف إرواؤها مستقبلاً فتقدر بـ (13) مليون دونم - صافي-
وبكثافة زراعية تقارب 120% بهدف تأمين الاحتياجات الزراعية بما يحقق جزءاً من
الأمن الغذائي. وأن الاحتياجات المائية لتغطية هذه المساحة الإروائية على
افتراض استكمال استصلاحها ورفع كفاءة الإرواء وتبطين قنوات الري واستخدام طرق
الري الحديثة ستبلغ (42) كم3 سنوياً.
أما الاحتياجات الأخرى ولسنة 2015، فهي كما يلي:
-
الاحتياجات المدنية: 3.78 كم3/السنة.
-
الاحتياجات الصناعية: 2.77 كم3/السنة.
-
احتياجات الكهرباء: 0.40 كم3/السنة.
-
التبخر من السدود: 8.40 كم3/السنة.
-
المياه المطلوبة لإدامة المساحات المائية للأهوار: 19.6 كم3/السنة.
بهذا تبلغ الحاجة الكلية المائية في سنة (76.95) كم3/السنة.
ما نلاحظه في هذا التقرير، هو تقديره للاستهلاك بحدود (77) كم3/السنة، وبهذا
يزيد عن تقديرات الدراسة السوفيتية التي قدرت الاستهلاك (65.6) كم3/السنة، مع
أخذها بنظر الاعتبار وجود تصريف لازم للماء المطلق في شط العرب قدره (6.6)
كم3/السنة، كما أنها قدرت فعلاً بأن التبخير يصل إلى (8.4) كم3/السنة، ولكن
بافتراض إكمال جميع السدود المقترحة، ولا أعتقد أن هذا الأمر سوف يتم في سنة
2015. كما أنها افترضت زراعة إروائية لمساحة (14.4) مليون دونم، وسيكون هناك
اكتفاء غذائي، وكما أوضحنا تفصيلاً في شرحنا للدراسة. أما الرقم الكبير المذكور
في تقرير وزارة الموارد المائية للمياه المطلوبة لإدامة المساحات المائية
للأهوار، والبالغ (19.6) كم3/السنة، فهو رقم لم أجده في أي مكان آخر من
الدراسات السابقة، ولا أعتقد أن من الممكن تنفيذه في ضوء شحة المياه الحالية.
علماً أن الكميات الفعلية التي تغذي الأهوار والبحيرات في عام 1980 وما قبلها
كانت حوالي (11.5) كم3/السنة، واقترحت الدراسة السوفيتية استمرار هذه الكمية
إلى التسعينيات من القرن الماضي وتقليلها تدريجياً لتصل إلى (4.8) كم3/السنة.
__________________________________
(33)
"تقرير
عام عن موارد المائية/الواقع والآفاق". إعداد: د. عبد اللطيف جمال رشيد وزير
الموارد المائية. في 1/2/2007.