الموازنة المائية في العراق
وأزمة المياه في العالم
الفصل الأول
1-
مقدمة الدراسة
لقد ازداد الحديث في الفترة الأخيرة، في شهري آب وأيلول 2009، عن الجفاف وشحة
المياه في العراق، وبالخصوص بما يتعلق بالمنطقة الجنوبية من الفرات، وبعد أن
بان هذا الأمر بشكل واضح لا يقبل التأويل أو التأجيل. علماً أن وزارة الموارد
المائية العراقية كانت قد أثارت هذا الموضوع قبل هذه الفترة، ومنها تصريحات
السيد الوزير إلى جريدة الحياة في 25/2/2009، عندما كان مشاركاً في "المنتدى
الوزاري حول المياه"، في مسقط (1)، موضحاً "أن موضوع المياه ونقصها
وتردي نوعيتها أصبح تحدياً كبيراً يتطلب من دول العالم وضع الاستراتيجيات ضد
الأخطار التي تواجهها"، كذلك قال في كلمة ألقاها في "مؤتمر أسبوع المياه"، الذي
عقد في واشنطن في أواسط شباط 2009، بأن "السنة الماضية –أي 2008- كانت أكثر
السنوات شحة في المياه في العراق منذ (70) عاماً، بسبب ندرة الأمطار والثلوج في
أحواض تغذية الأنهر الرئيسة في الدول المتشاطئة الثلاث – أي تركيا وسورية
والعراق -، مما قاد إلى استعمال جزء كبير من مخزونه الاستراتيجي في السدود
والخزانات"، وأضاف "أن هذا الأمر يتطلب التنسيق المسبق بين الدول الثلاث لتحديد
حصة كل منها".
لقد توضح الآن، ونحن في شهر تشرين الثاني 2009، أن موسم الأمطار والثلوج لعام 2009
كان أكثر شحة من سنة 2008، مما أوصلنا إلى الوضع المأساوي الحالي، وسنرى في سياق
هذه الدراسة، أن ما وصلنا إليه لم يكن أمراً مفاجئا، بل متوقعاً، ومنذ أربعة عقود،
ولو أضفنا موضوع ظاهرة "الاحتباس الحراري" التي تحدث عنها العلماء لأول مرة قبل
أكثر من عقدين، وتحدثت عنها بإسهاب قبل أربعة أعوام في كتابي "الطاقة: التحدي
الأكبر لهذا القرن"(2)، عند ذاك نجد أن مع ظاهرة "الاحتباس الحراري"
التي أخذت بالتسارع الواضح خلال السنوات الأخيرة وما يتبعها من تغير مناخي، فإن
علينا أن نتوقع ليس "سبع سنوات عجاف"، وإنما في أحسن الأحوال "سبعة عقود عجاف"، ما
لم نتخذ الإجراءات التي أوصت بها دراسات السبعينيات من القرن الماضي حول موازنة
المياه في العراق، وذلك لتقليل الخسائر وإيقاف التصحر وبالحدود التي تؤمن العيش
الرغيد للأجيال المقبلة.
إن ضرورة توضيح مسألة ماضي وحاضر ومستقبل "الموازنة المائية في العراق" للرأي العام
العراقي، هي ما دفعتني إلى أن أنشر هذه الدراسة، والتي من المفترض أن تكون أحد فصول
الكتاب الذي أعمل عليه حالياً، والذي قد يكون بعنوان "الأزمة المالية الحالية
ومستقبل الاقتصاد العراقي"، وهو محاولة لتوضيح المشكلة العالمية الحالية الناجمة عن
الرأسمالية الأميركية المنفلتة، ومستقبل العراق الاقتصادي في حال قررت الجهات
الحاكمة الحالية السير وفق نموذج "الاقتصاد الحر" الأميركي، وكما هو مثبت وفق
"الاتفاقية الإستراتيجية" التي أقرها مجلس النواب في نهاية العام الماضي !!.
لقد قام، خلال الأشهر الأخيرة، عدد من الكتاب العراقيين في نشر مقالات، متعلقة
بالجفاف، في الصحف العراقية والعربية، وفي المواقع الإلكترونية العراقية. كما وأن
البرلمان العراقي لم يصادق على الاتفاقية الاقتصادية بقيمة (20) مليار دولار مع
تركيا، وأعادها إلى الحكومة كونها لم تشر إلى ضمان حق العراق في الحصول على
احتياجاته الكاملة من المياه (3). وفي الوقت الذي أعلنت فيه وزارة
الموارد المائية أنها تدعو تركيا وسوريا إلى اجتماع "عاجل" إثر تدني كميات المياه
المتدفقة إلى الفرات في منطقة حصيبة على الحدود السورية إلى (250) متر مكعب في
الثانية (4)، بدأت ضغوط بسيطة لبعض الجماهير العراقية المغلوبة على
أمرها تظهر على السطح، وهي بتقديري ضغوط لم تصل لحد الآن إلى الحد الأدنى المطلوب
لها، وذلك بسبب "اليأس" القاتل الذي أصاب الجماهير العراقية المنكوبة خلال العقود
الثلاث الماضية وبالأخص ما حدث من مآس بعد الاحتلال. على أية حال تمت بعض المحاولات
الفردية، أو من قبل وجوه بعض المناطق المنكوبة للتعبير عن السخط، وجاءت عناوين
الصحف والمواقع مثل "شيوخ عشائر الفرات يزورون السيد السيستاني ليضغط على حكومة
المالكي حتى تضغط بدورها على تركيا وإيران لزيادة الاطلاقات المائية" !!(5)،
أو تصريحات النائب العراقي جمال البطيخ، (رئيس القائمة العراقية عن واسط في
البرلمان العراقي)، من أن "تركيا تريد بيعنا مياهنا"، مشيراً إلى دعوة تركيا لتسعير
المياه، وذلك في المنتدى العالمي للمياه، والذي حضره هو في إسطنبول الذي تم في
نيسان 2009. وكذلك أكد النائب أعلاه على أن "إيران وتركيا تستخدمان المياه كورقة
ضغط على العراق"، وأن "المياه التي تصلنا من تركيا عبر دجلة والفرات لا تتجاوز 10%،
في حين منعت إيران وصول المياه" !!(6). أما الأمين العام لمجلس الوزراء،
فلقد خص صحيفة الصباح (7) تصريحاً، يذكر فيه، "أن مشكلة المياه فيها نوع
من التعقيد لعدة أسباب، جزء منها ما يقضي باستخدام المياه كورقة ضغط لتحقيق مصالح
سواء كانت سياسية أم اقتصادية ... والسبب الآخر يتعلق بالظروف الطبيعية التي شهدتها
المنطقة". علماً أن جريدة "الزمان" (8)، كانت قد ذكرت بان السيد طارق
الهاشمي نائب الرئيس العراقي، نجح في استحصال موافقة أنقرا – أثناء زيارته لها في
حزيران 2009- على زيادة الحصة المائية للعراق من (500) متر مكعب في الثانية إلى
(515) متر مكعب في الثانية!!. كما ظهرت مؤخراً مقالات عديدة، من كتاب عراقيين
جادين، أكدت جميعها لي ضرورة إطلاع القارئ والمتتبع العراقي على تفاصيل وإيضاحات عن
هذه القضية القديمة - الحديثة.
يجب أن أشير هنا إلى "المؤتمر الدولي الأول للتصحر"، الذي عقدته كلية تربية ابن
رشد/جامعة بغداد في أوائل تشرين الثاني، نقلاً عن صحيفة الصباح في 3/11/2009، حيث
حذر نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي "من أن جميع المؤشرات المتوفرة حالياً تنذر
بشحة كبيرة في المياه خلال السنوات المقبلة"، كما أضاف "إن دول الجوار مستمرة
بتنفيذ مشاريعها التخزينية وإضافة أراض زراعية جديدة". ولفت الهاشمي من أن "مشكلة
المياه واضحة وبالإمكان معالجتها من خلال اتفاقيات ملزمة مع دول الجوار"، ثم طالب
الجهات المعنية العراقية "بترشيد صرف المياه المتناقصة، ورفع كفاءة الري ...
والاستعانة بالخبرات العالمية المتخصصة ... واستنباط المحاصيل الزراعية التي تتحمل
الملوحة والجفاف".
أما وزير التعليم العالي الدكتور ذياب العجيلي، فلقد ذكر في كلمته "أن المنطقة
مهددة بندرة المياه .. وبأن السنوات المقبلة ستشهد انخفاضاً كبيراً في الموارد
المائية ... وأن الحصة المائية المحددة لاستعمالات كل فرد في العالم العربي ستنخفض
ابتداءاً من عام (2025)، من (1000)م3/السنة إلى 354م3/السنة وما يتبع ذلك من انخفاض
الأمن الغذائي والمائي". وأضاف أن "ما يخص العراق، فإن انخفاض الأمطار كان بمعدل
30%، إلى جانب انخفاض مناسيب المياه، بنسبة 50% تسبب بتراجع القطاع الزراعي بنسبة
70%"!!.
لم نسمع أو نقرأ لحد الآن ومن أية جهة كانت من أن سياسات الحكومات الماضية
والحاضرة، لها دور كبير في الوصول إلى هذا الوضع السيء في شحة المياه وتردي
الزراعة، ولعله الدور الأكبر في هذه المأساة ويفوق ـ بنظري ـ دور دول الجوار!!.
هنا نود أن نضيف أن ما كتب عن شحة المياه خلال السنتين الماضيتين قد تجاوز المجال
المحلي، أو المحادثات الثنائية والثلاثية مع سوريا أو تركيا أو إيران، وأصبح حديث
الصحف العالمية الرصينة المعروفة، أو المواقع الدولية المهتمة بالعراق أو بمسألة
المياه في العالم، ومنها المواقع المختصة في الأمم المتحدة. مع ملاحظة أن المواقع
المختصة بالمياه والتغير المناخي والأزمات الدولية، تثير موضوع شحة المياه في
العالم ككل وفي منطقتنا على الأخص وذلك منذ أكثر من عشر سنوات، مشيرة طول الوقت إلى
أن الحروب القادمة سوف تكون حروباً حول المياه، وأن أحد أسباب الشحة العالمية
للمياه هو التغير المناخي بسبب الاحتباس الحراري.
لعل من الصحف المهمة التي اهتمت بموضوع شحة المياه في العراق هي الغارديان
اللندنية، والتي طالما تعاطفت مع الشعب العراقي وتحدثت عن مآسيه قبل وبعد الاحتلال.
وسنذكر هنا موجز وعناوين لما كتبته هذه الصحيفة ومنذ تموز الماضي عن أزمة المياه في
العراق. فلقد كتبت في 18 تموز (9) تحت عنوان "أزمة العراق المنسية"،
تشير إلى العاصفة الترابية. التي واجهت نائب الرئيس الأميركي بايدن أثناء زيارته
العراق في بداية تموز2009، وتقول: "إن حكاية تاريخ العراق ما بعد الاحتلال قد تحدثت
أساساً حول أعداد القتلى، ومسائل الانتخابات وفضائح التعذيب وأعداد الجنود، ولكن
القصة المنسية هي كيف تم التدمير وإعادة الإعمار البطيء جداً والذي يتم تحت الظروف
المناخية الطبيعية المتغيرة. إن السنتين الماضيتين من الجفاف قد طعنتا في الصميم
القطاع الزراعي المهمش أصلاً"، ثم تحدثت عن دجلة والفرات وشحة المياه بسبب مشاريع
الري التركية وشحة الأمطار، مضيفةً، "أن حسب تقديرات برنامج الغذاء العالمي
World Food Program،
يوجد في الوقت الحاضر (930) ألف مواطن عراقي يعانون من نقص الغذاء، وأن (6.4) مليون
عراقي آخر سيتعرضون لنفس الوضع في حالة فشل نظام الحصة التموينية الحالي". تعود
الصحيفة في 26 آب (10)، لتتحدث، وتنشر فلم على موقعها، لمراسلها مارتن
جلوف من الناصرية وتقول تحت عنوان "نقص المياه يهدد مليوني شخص جنوب العراق". إن
الفلم والمقال مؤلمان، إذ نرى مأساة نقص المياه في فرات الناصرية والأهوار، حيث "لم
يعد الفرات سوى جدول صغير تنساب في نهايته كميات ضئيلة من المياه أغلبها طمي" !.
إضافة للمآسي الأخرى الكثيرة التي عاناها العراق خلال فترة الاحتلال، فهو يتحدث عن
"أسوأ نقص للمياه على مدى الآف السنين من عمر العراق" ، ويصف التقرير الحالة في
الناصرية ومنطقة الأهوار وحوض شط العرب، حيث بدأ ما يقارب من (300) ألف شخص
بالنزوح، لعدم وجود مياه للشرب مما أدى إلى انتشار الأمراض ونفوق الحيوانات وانخفاض
الزراعة إلى أقل من النصف.
ترجع الصحيفة في 28 آب (11) في مقال بعنوان "توقع زيادة الصراعات حول
الماء" حيث يلوم المقال الحكومة البريطانية في دورها في مأساة نقص المياه في العراق
وتحميلها جزء من المسؤولية للأسباب "الطبيعية"، وأسباب من صنع البشر، إذ أن الجهات
العالمية المعنية حول تغيير المناخ كانت قد توقعت أن يحدث نقص كبير في الأمطار
والثلوج في حوض نهر الفرات، وأن الحكومة البريطانية لم تصادق لحد الآن على اتفاقية
الحد من الاحتباس الحراري مما سوف يؤدي إلى جفاف كبير مقبل ومنازعات دولية شديدة في
الدول المشتركة في أنهار تمر بعدة دول. علماً وحسب المعلومات التي لدي فإن الحكومة
البريطانية سبق وأن صادقت على اتفاقية كيوتو، وأن الولايات المتحدة هي التي لم
تصادق.
ولعل من أهم المقالات التي نشرت في صحيفة الغارديان، هو المقال القصير المنشور في
10/9/2009 (12)، تحت عنوان "إن حل أزمة المياه في العراق يأتي من خلال
جهود عالمية"، يذكر فيه: "طالما أن العراق تاريخياً هو مستخدم لمياه النهرين، لهذا
فإن حاجة العراقيين للمياه يجب أن ُيعترف بها عالمياً"، وبهذا يشير إلى ما يسمى
"الحقوق التاريخية" في مياه دجلة والفرات. ويضيف "هناك مسؤولية وطنية وعالمية
لإنهاء هذه الظروف المأساوية . . . والآن هو الوقت المناسب لابداء المساعدة
العالمية المؤثرة". علماً أننا سوف نتحدث عن هذا الموضوع لاحقاً، إذ لحد الآن لم
تبدِ أية حكومة عراقية، سابقة أو لاحقة، اهتمامها في إثارة الموضوع في المحافل
الدولية المؤثرة مثل مجلس الأمن أو محكمة العدل الدولية، رغم أن الموضوع يمس حياة
الملايين من البشر العراقيين!!.
ترجع الغارديان مجدداً في 11/9/2009 في مقال (13) تحت عنوان "أمواج من
ماء البحر تخرج العراقيين من بيوتهم في الجنوب"، وهو هنا يتحدث عن المأساة الأخرى
المتممة لنقص المياه، (وفي الواقع بسببها)، وهي مسألة ملوحة مياه النهر نتيجة
اندفاع مياه المد المالحة من الخليج إلى أعالي شط العرب ولمسافات لم تصلها سابقاً
أبداً، مما أدى أن تترك آلاف العائلات بيوتها على ضفاف شط العرب، وجداوله.
من
الواجب أن نذكر هنا بأن غالبية الصحف ووسائل الإعلام الرصينة تحدثت عن هذا الموضوع،
ولغرض الاختصار أذكر العناوين وبعض الجمل القصيرة عنها، فلقد جاء عنوان تقرير وكالة
UPI
العالمية في 18/3/2009(14)، "تحليل: حاجة العراق الملحة للمياه". وكتبت
النيويورك تايمز عدة مقالات منها في 14/7/2009 تحت عنوان: "العراقيون يعانون من
اضمحلال نهر الفرات" (15). وتعود النيويورك تايمز في 15/8/2009 لتتحدث
عن مأساة مزارعي التمور (16)، وتحت عنوان "بساتين التمر العراقي الفقيرة
توضح هبوط الاقتصاد". أما مقال صحيفة التايمز اللندنية في 29/7/2009 فلقد جاء تحت
عنوان "أزمة المياه في العراق تؤدي إلى شحة في المحاصيل، وإلى العواصف الرملية،
والأرض المحروقة" (17).
وجاءت مقالة لوس أنجلز تايمز في 30/7/2009، لتتضمن آراء خبراء أميركان وعراقيين
لتقول: "إن الحقيقة قد تكون مروعة . . . فالعراق في خطر وكما يصفه بعض المختصين
بالكارثة البيئية، وإن تزايد العواصف الترابية ما هو إلاّ الجانب المرئي"، وتضيف
"إن العراق، الذي كان مصدّراً للغذاء، سوف يستورد العام الحالي 80% من غذائه . . .
وأن 90% من أراضي العراق هي إما صحراء أو تعاني من تصحر شديد للغاية، وبأن المتبقي
من الأراضي الصالحة للزراعة يتآكل بنسبة 5% سنوياً" (18). أما الصحيفة
الأميركية كريستيان ساينس مونيتور فلقد أثارت المسألة السياسية المهمة مع تركيا،
بالإضافة إلى المسألة الإنسانية وذلك في مقالها في 12/8/2009، تحت عنوان: "تركيا
تقايض العراق بالمياه مقابل مكافحة حزب العمال" (19). وتشير الصحيفة إلى
أن "تركيا تعهد خلال محادثات وزير خارجيتها أوغلو بالسماح بتدفق كميات أكبر من مياه
نهر الفرات إلى العراق الذي يعاني الجفاف للسنة الرابعة على التوالي، وفي المقابل
أعلنت بغداد عن خطط لمكافحة مسلحي حزب العمال على الحدود مع تركيا". وذكر أوغلو -
نقلاً عن الصحيفة - أن " تركيا زادت كميات المياه التي تسمح بمرورها من نهر الفرات
إلى كل من سوريا والعراق خلال الشهور الثلاث الماضية، وتعتزم مجدداً زيادة الكمية
المتدفقة". وتشير الصحيفة إلى تنامي العلاقة التجارية بين البلدين حيث أن أنقرة
تُعتبر الشريك التجاري الأكبر لبغداد، ووصل حجم التبادل التجاري بينهما إلى سبعة
مليارات دولار وسط آمال بزيادته إلى (20) مليار دولار سنوياً مع نهاية العام
المقبل، مؤكدةً "إذا كانت المياه تمثل القضية الأكبر للعراق في العلاقات الثنائية،
فإن المسلحين الكرد في حزب العمال الكدرستاني تمثل القضية الأكبر لتركيا". وسنرى
في الصفحات المقبلة من هذه الدراسة كيف يمكن لعب مثل هذه اللعبة السياسية. ولكن
الموضوع الأهم الآن هو هل أن "الزيادة" في المياه والتي وعد بها السيد أوغلو، (إن
تمت فعلاً !!)، سوف تكفي حاجة العراق الدنيا، سيما وأن بعد أقل من شهر من تصريحاته
هذه، أعلنت المصادر التركية عدم وجود مياه أكثر لإعطائها، وسوف نناقش هذا الأمر
بصورة أكثر تفصيلاً لاحقاً.
قبل أن أنهي هذه المقدمة، أود أن أضيف إلى أن وسائل
الإعلام المرئية والمسموعة العالمية قد ساهمت أيضاً في توضيح المأساة، وعلى سبيل
المثال التقارير العديدة لمحطة الإذاعة البريطانية
BBC،
ومنها تقريرها، في 25/2/2009، والمعنون "الجفاف وسدود تركيا وإيران تهدد المناطق
المائية في الشرق الأوسط، وفي مقدمتها أهوار العراق، بخطر كبير" (20).
وكما نلاحظ فإن هذا التقرير أوضح "الخطر الكبير" منذ شباط، ولم ينتظر إلى أن تحدث
المأساة ليثير القضية. أما تقرير إذاعة هولندا العالمية في 27/7/2009، فلقد كان
بعنوان (21): "بوادر حروب عشائرية في العراق حول المياه . . . دجلة
والفرات يحتضران، والعراقيون يستوردون مياه البحر المحلاة من الكويت والسعودية".
تضمن هذا التقرير شرح الوضع الحالي، والموقف التركي السابق حين صرح رئيسها السابق
سليمان ديميريل في سنة 1992 قائلاً: "أن المياه مسألة سيادة بالنسبة لتركيا، لدينا
الحق في أن نفعل ما نريده، فمصادر المياه تركية، كما هو النفط نفطهم، وما دمنا لم
نقل لهم أنظروا لدينا الحق أن نشارككم نصف ما تنتجون من النفط، فليس من حقهم أن
يطالبوننا بما هو لنا. . . إن هذه الأنهر العابرة للحدود هي أنهر تركية حتى آخر
نقطة من حدودنا الدولية"، ثم يشير التقرير إلى وعود الحكومة التركية الحالية بزيادة
حصة المياه. علماً أن التقرير يتطرق إلى مسألة هامة جداً وهي احتمال ما قد يحدث
مستقبلاً، فيتحدث عن تبادل المسؤولين في محافظتي المثنى والديوانية في العراق
الاتهامات والتهديدات وسط مخاوف من تطور الوضع إلى حرب عشائرية على المياه. ويشير
إلى مقابلة محافظ المثنى مع صحيفة الشرق الأوسط، حيث يقول: "إن ما يصل إلى محافظة
المثنى من مياه أقل بكثير عما هو مخصص لها من وزارة الموارد المائية بسبب التجاوزات
في محافظة الديوانية"، ويضيف أن "قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق"، وإن بإمكانه اتخاذ
الإجراءات لعرقلة وصول الإسمنت والوقود والشاحنات المحملة بالبضائع إلى الديوانية
!!، وذلك إذا لم تطلق الأخيرة المياه المخصصة لمحافظته !!.
* * *
لقد لاحظ القارئ من أنني توسعت كثيراً في عرض آراء وتعليقات الصحافة والإعلام
الأجنبي، بالرغم من أن ما نشر هو أضعاف أضعاف ما ذكرت.
إن السبب في ذلك هو لتوضيح التعاطف العالمي خلال السنوات الماضية مع المأساة
العراقية بكل جوانبها، وآخرها مسألة شحة المياه. إن هذا الوضع العالمي يساعد جداً
في محاولات حصول العراق على معاهدات دولية تثبت حقه وحصته في المياه، فيما لو كانت
هناك نية وإرادة صادقتان وقويتان لدى الحكومة العراقية لإثارة الموضوع في المحافل
الدولية المختصة، مثل مجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية. إن من الصحيح هو محاولة حل
الأمر رضائياً مع الدول المجاورة، ولكننا لم نحصل في محادثاتنا مع تركيا على مدى
العقود الأربع الماضية، إلاّ على "بعض" الكلام المعسول والوعود من هنا وهناك والتي
لم تنفذ، بدلاً من القرارات والضمانات الدولية لتثبيت الحقوق ـ إن كان لنا حقوق-!!.
في اعتقادنا أنه الآن هو الوقت المناسب لاتخاذ ذلك، علماً أننا كنا قد ذهبنا إلى
مجلس الأمن والمحافل الدولية لأمور قد تعتبر مهمة، ولكنها تافهة بالنسبة لأزمة
المياه، مثل طلبنا إنشاء المحكمة الدولية لحوادث "الأربعاء الدامي"، بينما لم نثر
هذا الموضوع في المحافل الدولية لحد الآن.
عودة الى الفهرست >>
___________________________________________
مصادر المقدمة:
(1) "الاقتصادي الروسي الذي
توقع انهيار الاقتصاد الأميركي منذ عام 1998".
صحيفة الأزفيستيا
الروسية في 24/12/2009.
(2) الوكيبيديا.
(3) صحيفة "الحياة" اللندنية
في 16/9/2008.
(4)
BBC
العربي في 21/3/2006.
(5) الصحيفة الأميركية "The
Los Angeles Times لوس
أنجلز تايمز"
في 2/7/2009.
(6) "جرينسبان: الأزمة
الراهنة تشبه تسونامي".
BBC
العربي في 23/10/2008.
(7)
BBC
العربي في 9/9/2009.
(8)
The Independent March
4, 2009 "so Karl Marx was right after all".
(9)
"Budget Gap is
Revised to Surpass 1.8$ trillions".
The New Yourk Times
12/5/2009.
(10) "محللون: مستقبل الدولار
تهدده الديون والصين والقط الميت"
CNN
في 9/7/2009.
(11)
BBC
العربي 9/9/2009. "الصين تبيع سندات باليوان في الخارج".
(12)
"The Printing Press
Cure"
The New York Times.
22 December 2008.
(13)
"AS Dollars
Pile UP, Uneasy Traders Lower the Currency's Value"
The New York Times.
23 May 2009.
(14)
The War Against the
"War on Drugs"
The Nations. 26 June
2009
"A Bankrupt
Superpower. The Collapse of American Power"
Paul Craig
Roberts. 18 March 2008.
(15) تقرير بي بي سي في
5/10/2009
"الاقتصاد الصيني في
الستين: نموذج اقتصاد السوق الاشتراكي".
(16)
"China Unveils
Sweeping Plan for Economy"
New York Times: 10
November 2008.
(17) "الولايات المتحدة والقوى
الصاعدة" / مؤسسة ستانلي
تقرير مجلس الاستخبارات الأميركي
2007.
(18)
"The Chinese Come
Calling"
"The
Marxists bankers of Beijing are warried about their assets investest in our
banana republic."
The Nation.
July 2009. Robert Sheer.
(19)
"China to the Rescue
– Growing out of the Financial Crisis"
Joergen
Oerstream. Yale University Site. 2 August 2009.
(20) كتاب "المقايضة: برلين –
بغداد". ثورة تموز في السياسة الدولية.
نجم محمود (الاسم
الحركي لإبراهيم علاوي).
صدر عن دار الغد في
1991.
(21) "نهم صيني لنفط إفريقيا"،
و"الصين تعزز توجهها نحو إفريقيا"
تقريران لمحطة
"الجزيرة" في 6/11/2009 و7/11/2009.