ج ـ الاقتصاد العالمي والنموذج الصيني
أود أن أؤكد هنا أن هذا الكتاب ليس كتاباً عن الاقتصاد العالمي، وإنما
"المقدمة" فرضت علي أن أكتب بعض الملاحظات عن الأزمة المالية الحالية، إذ أن
الكتابة عن الاقتصاد العالمي والأزمة المالية العالمية يحتاج على الأقل إلى ضعف
حجم هذا الكتاب.
(1) إن الاقتصاد الصيني، والذي هو جزء مهم جداً من الاقتصاد العالمي، يعتبر
نموذجاً لتطبيق الاشتراكية على طريقة المدرسة الصينية التي يقودها الحزب
الشيوعي الصيني. قد نجد معالماً لاقتصاد السوق في الاقتصاد الصيني، ولكن هو
بالتأكيد نموذج "لاقتصاد السوق الاشتراكي"، إن صح التعبير. لقد انفتحت الصين
على الاقتصاد الرأسمالي العالمي في عام 1978، وسمحت بنمو القطاع الخاص، وتدفق
الاستثمار الأجنبي والأموال الصينية الخاصة في الخارج الى داخل الصين ، ولكن
هذه الأمور تتم في ظل التخطيط والسيطرة في التنفيذ والتطور تحت قيادة الحزب
الشيوعي. وأثبتت هذا التجربة الفريدة نجاحاً هائلاً لم يحققه أي نظام اقتصادي
عالمي حتى الآن ، فما تم في الصين خلال الثلاثين سنة الماضية من تطور يعادل ما
قام به الاقتصاد الرأسمالي خلال مائة عام. ويجب أن نعرف أن الصين رغم أنها حتى
نهاية عام 2009 تمثل ثالث أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة
واليابان، ويتوقع أن تكون ثانية في نهاية سنة 2010، ولكن يمكن القول أيضاً أنها
لا تزال في أول الطريق!!. قد يتجاوز اقتصادها اقتصاد الولايات المتحدة في
العقدين القادمين، ولكن لا يزال أمامها شوط طويل لتحقق لشعبها الرفاهية،
ولتساعد الشعوب الفقيرة في التقدم، كما يتتطلب من نظام اشتراكي القيام به.
رغم ان الاقتصاد الصيني حقق نمواً اقتصادياً لم يحققه أي نظام آخر في التاريخ،
وبمعدلات سنوية تزيد عن 10% خلال الثلاثين عاماً الماضية، كما وأن قيمة الناتج
المحلي الإجمالي للصين تبلغ (7.9) تريليون دولار، إلاّ أنه وبسبب ضخامة عدد
نفوس الصين البالغ (1.334) مليار نسمة، فإن نصيب الفرد من الناتج الإجمالي
المحلي يبلغ (6100) دولار (حسب القوة الشرائية)، وبهذا يكون تسلسله (105)
بالنسبة لدول العالم(15)، أي منخفض جداً. علماً أن هذه القياسات
تختلف في الأنظمة الاشتراكية عنها في النظم الرأسمالية، إذ أن الرقم (105) لا
يعني بأي حال من الأحوال أن نصيب الفرد من الناتج الإجمالي لـ (104) دول أعلى
من نصيب الفرد في الصين، ولكن في كل الأحوال فإن الرقم واطئ والمفروض مضاعفته.
إن إسهام القطاعات في الناتج المحلي الإجمالي الصيني، هو 11.3% في الزراعة،
و48.6% في الصناعة، و40.1% في الخدمات. كما وأن صادرات الصين تبلغ (1.4)
تريليون دولار، منها 19.1% إلى أميركا، و15.1% إلى هونك كونك (رغم أنها سياسياً
جزء من الصين)، و8.4% إلى اليابان، و4.6% إلى كوريا الجنوبية، و4% إلى ألمانيا،
والباقي إلى بقية أنحاء العالم.
إن احتياطيات النقد الأجنبي في الصين تجاوزت (1.95) تريليون دولار في أوائل سنة
2009 ، ووصلت الى ( 2. 4) تريليون دولار في بداية سنة 2010 ، كما ذكرت صحيفة
الواشنطن بوست الاميركية في 25/ 1/ 2010 .
كما و ان نسبة البطالة وصلت الان ما بين 8 ـ 10% في المناطق الحضرية، والنسبة
أكثر بكثير في المناطق الريفية ، حسب تقديرات المصادر الغربية .
انخفضت نسبة الفقر حسب الأرقام الرسمية الصينية من 53% في عام 1980، إلى 2.5%
في عام 2005. أما تقديرات الأمم المتحدة لعام2007، فإن 35% من سكان الصين
يعيشون على أقل من دولارين يومياً (وهو الحد الدولي للفقر)، فيما يعيش حوالي
(130) مليون نسمة منهم في فقر مدقع (أقل من دولار في اليوم).
وهنا نعيد الالتباس الذي يحدث في هذا المفهوم بين الدولة الاشتراكية والدول
الرأسمالية. إذ أن الذين هم "تحت خط الفقر"، أو في "فقر مدقع" في الصين، تتوفر
لهم كافة الخدمات الصحية، وكافة الخدمات التعليمية وفي كل المراحل مجاناً، كما
يتوفر لهم النقل ومياه الشرب والكهرباء والمواد الغذائية وبأسعار مدعومة بخسة،
وهذه الأمور لا تتوفر في الدول الرأسمالية حتى في أكثرها رفاهية. كما وأن
الصين، وقبل النظام الاشتراكي، كانت بلد المجاعات الأول في العالم ولعل قراءة
الرواية الشهيرة "الأرض الطيبة" لبيرل بيك ترينا حالة الفقر الهائلة التي كان
يعنيها الصينيون.
رغم ذلك فإن الأرقام أعلاه ترينا أن هناك عملاً كبيراً جداً لتحقيق الرفاهية
للشعب الصيني، وأن التجربة الاشتراكية الصينية، والتي حددت مهماتها في عام 1992
في المؤتمر الرابع عشر للحزب الشيوعي الصيني، بإطلاق ما سمي "اقتصاد سوق
اشتراكي"، لا تزال في مراحلها الأولى. علماً أن بإمكان الاقتصاد الصيني أن
يتطور دائماً بما يتجاوز المعدل السنوي 10 ـ 11%، ولكن في عديد من السنوات
اضطرت الصينية إلى التدخل لتخفيضه وذلك برفع أسعار الفائدة كما حدث في أواسط
التسعينيات، إذ بلغ التضخم 17% في سنة 1995، واتخذت إجراءات صارمة أدت إلى
انخفاضه إلى 8% في السنة التالية 1996. وحدث نفس الشيء في سنوات النمو 2001 ـ
2007، والتي تجاوزت أحياناً أكثر من 12% في السنة.
(2) لقد تأثرت الصين جداً بالأزمة الاقتصادية العالمية، إذ كان يعتمد اقتصادها
بالأساس على التصدير، ولكنها كانت أول دولة تخرج من هذه الأزمة ويتوقع أن يصل
نموها الاقتصادي خلال عام 2009 إلى أكثر من 8 %. لقد بدأ اهتمام الصين بالنظر
بصورة جدية إلى تطوير سوقها الداخلي قبل سنوات، وذلك بعد أن تجمع لديها احتياطي
نقدي عال، وقامت ببناء البنية التحتية لمدنها الواقعة على الساحل الشرقي، والتي
هي مركز تطورها. إن الأزمة المالية الحالية سوف تفيد الصين جداً، وسوف تخرج
منها أقوى مما كانت عليه اقتصادياً قبل الأزمة.
وفي الوقت الذي قامت فيه الدول الرأسمالية بخطط حوافز
Stimulaلإنقاذ
بنوكها الكبرى من الإفلاس، وسمت خططها هذه بإنقاذ لاقتصادها، فهي عملياً قامت
بالشيء الذي لا تؤمن به بتاتاً. إذ أن من المفروض في النظم الرأسمالية أن السوق
يعدل نفسه بالنتيجة، وعلى الحكومات أن لا تتدخل به، (وخصوصاً المفهوم الأميركي
لسياسة السوق)، ولكن ما حدث أن قامت به هذه الحكومات بوضع مبالغ جماهيرها (أو
ما يسمونهم دافعي الضرائب) في خدمة البنوك والشركات الكبرى والمؤسسات المالية،
أي في خدمة كبار الرأسماليين، بحيث بلغ مجموع خطط الحوافز هذه حوالي (3)
تريليونات دولار.
أما الصين فلقد أعلنت خطتها التحفيزية للإنقاذ(16)، بمبلغ (568)
مليار دولار على مدى سنتين. إن الخطة الصينية تختلف جذرياً عن خطط الإنقاذ
الغربية، فهي لم تعط البنوك، لأن البنوك الصينية الحكومية لم تفلس أو حتى
تقترب من هذا الأمر!!، بل هي التي ستساهم في تمويل الخطة. إذ ركزت الخطة على
الإنفاق العام في عشر فقرات، بضمنها بناء الدور لذوي الدخل المحدود، ومشاريع
الماء والكهرباء، وبناء البنى التحتية في المناطق الزراعية والمتخلفة، ومشاريع
لحماية البيئة، والتحسينات التكنولوجية. إن مبالغ الخطة أعلاه، هي إضافة لما
مخطط له اعتيادياً لهذه المشاريع. كما أنها أوعزت إلى مصارفها لتسهيل إعطاء
القروض الميسرة للمواطنين لأغراض البناء أو تطوير أعمالهم، وتحسين تقنيات هذه
الأعمال.
إن خطط الصين في بناء البنى التحتية هائلة ولم تتوقف، وسوف نرى في صفحات الكتاب
التطورات الكبيرة جداً في المحطات الكهرونووية، إضافة إلى الاستثمارات الكبيرة
في الجسور والسكك والطرق والموانئ وخصوصاً في المناطق التي لم يتم فيها
الاستثمار بصورة كافية.
تعمل الصين في هذه الفترة على زيادة الاستهلاك داخل الصين، وهي سوق لا تنتهي.
كما أن خططها التي تحت التنفيذ تشمل تدريب الملايين على تكنولوجيات متطورة،
لتحسين صناعتها وزراعتها تكنولوجياً، وبالأخص تطوير صناعتها الثقيلة التي
استثمرت فيها مبالغ هائلة في السنوات القليلة الماضية و هي مستمرة في ذلك،
ولهذا زادت في نسبة انبعاث غاز ثاني أوكسيد الكربون
CO2
المسبب للاحتباس الحراري وتجاوزت الولايات المتحدة بذلك، وهي مشكلة تحاول
حلها.
رغم أن الولايات المتحدة في أزمة مالية كبيرة ولكنها لا تزال أكثر تطوراً من
الصين الناحية التكنولوجية وبمراحل، وكمثال فإن الولايات المتحدة كان لها في
سنة 2007 ما يقارب (53) ألف براءة اختراع، واليابان كان لها بنفس السنة (28)
ألف براءة اختراع بينما الصين كان لها (5) ألف براءة اختراع فقط. علماً أن كلاً
من الصين والهند يخرجان سنوياً أعداداً كبيرة جداً من المهندسين، مقارنة
بالولايات المتحدة، وهذه الأعداد في تصاعد نظراً للحاجة الماسة إليهم في إكمال
مسيرة التطور في كلا البلدين(17). كل هذه الأمور ترينا الإمكانيات
الهائلة للاقتصاد الصيني للتطور.
(3) ظهر دور الصين بوضوح خلال الأزمة المالية الحالية كقائد مقبل للاقتصاد
العالمي، وكمنقذ حالي من الأزمة المالية التي تعصف بالعالم. وحالياً فإن الجميع
يطلب ودها، أو بالأحرى يطلب مالها، وإمكانياتها الاقتصادية حالياً وفي
المستقبل، وهذا ما ظهر بشكل سافر ، وقد يكون مهين بالنسبة للولايات المتحدة ،
في الاجتماع الذي تم في واشنطن تحت عنوان: "الحوار الإستراتيجي والاقتصادي بين
الصين والولايات المتحدة" في النصف الثاني من تموز 2009، حيث رأس الحوار عن
الجانب الأميركي كل من وزيرة الخارجية هيلاري كلنتون، ووزيرة الخزانة (المالية)
كيثنر
Geithner،
كما افتتحه الرئيس أوباما قائلاً: "إن العلاقات بين الصين والولايات المتحدة
ستحدد ملامح القرن الحادي والعشرين"، أما كلنتون فلقد قالت في هذا الحوار:
"لنتحرك من عالم متعدد الأقطاب إلى عالم متعدد الشركاء"!!.
لقد كتب روبرت شير
Robert Scheer،
وهو كاتب معروف له كتب سياسية واقتصادية عدة ، ومعارض شديد لسياسة بوش، مقالة
في مجلة "ذا نيشن
The Nation"
الأميركية اليسارية في أواخر تموز 2009 حول هذا الحوار وتحت عنوان ساخر: "إن
المدراء الماركسيين للبنوك الصينية قلقون على استثماراتهم في جمهوريتنا للموز".
والمقصود بجمهوريتنا هي الولايات المتحدة، أما تعبير "جمهورية الموز" المستخدم
في الأدب السياسي، فهو يمثل أصلاً الجمهوريات الصغيرة جداً والموجودة في أميركا
الوسطى التي تنتج وتصدر الموز فقط، وحالياً يستخدم التعبير لأي جمهورية صغيرة
فقيرة جداً.
يقول شير في مقالته أن استثمارات الصين في الولايات المتحدة تتمثل بالأساس
سندات وزارة المالية الأميركية
Treasury Bonds،
ولهذا فإن وزير المالية الصيني قال في هذا الحوار "نحن مهتمون بضمان
استثماراتنا المالية"، وأضاف "ونحن نتمنى وبإخلاص أن يقل عجز الموازنة الأميركي
سنة بعد سنة"، ويجيب شير في مقاله متهكما: "إنني وبإخلاص أقول إنني أشك بذلك،
فإن عجز الموازنة الأميركية لهذه السنة سيصل إلى (1.85) تريليون دولار". ويستمر
الكاتب ليقول: "إن المسؤولين الأميركان يوعدون الصين الآن - يقصد في الحوار
أعلاه -، بأنهم سيقومون بإصلاحات جذرية لنظامهم الاقتصادي المهان، فلقد تبدل
الزمن الذي كانوا فيه يأمرون الأجانب غير الأكفاء" !!. وكما نرى فإن المعلم صار
تلميذاً، والتلميذ أصبح " المعلم ً". وفي هذا الحوار تحاول أميركا أيضاً أن
تقنع الصينيين وبمذلة، بأن مبلغ (1.5) تريليون دولار حصة الصين في السندات
الحكومية الأميركية هي في صون أمين، كما يرجونهم (أو يستجدونهم) بشراء (200)
مليار دولار أخرى من هذه السندات من مزاد وزارة المالية!!. ويحذر الكاتب
قائلاً: "رغم أن الصين غلبت الولايات المتحدة اقتصادياً، ولكنها بنفس الوقت
تصرف مئات المليارات من الدولارات سنوياً على اقتناء المعدات العسكرية عالية
التكنولوجيا". أي أنه يقول أن الصين لا تعمل فقط لتطوير اقتصادها، بل لتطوير
إمكانياتها العسكرية أيضاً، لذا حذار يا أميركا من المستقبل!!.
أما موقع جامعة ييل
Yale
الأميركية الشهيرة، فإنه نشر (19) في 2/8/2009 للبروفيسور "جيركن
أورستريم
Joergen Oerstream"،
وهو بروفيسور في جامعة سنغافورة للإدارة وباحث أقدم في معهد دراسات جنوب شرق
آسيا في كوبنهاكن ومحاضر في الجامعات الأميركية، مقالا تحت عنوان "الصين تخرج
بقوة من الأزمة المالية لإنقاذ الاقتصاد العالمي".
بعد أن يقوم الباحث بتحليل الوضع الاقتصادي لجميع دول العالم الصناعية المتقدمة
والدول الصاعدة يصل إلى نتيجة واحدة، وهي أن الصين هي الدولة الوحيدة القادرة
على قيادة العالم الاقتصادي، وينهي مقاله بالجملة التالية: " أن الصين سوف تبدأ
بقيادة الاقتصاد العالمي بدلاً من الولايات المتحدة. وهذا الأمر يعتبر حبة دواء
مرّة حقاً
bitter pill indeed!!".
قد يكون الأمر "حبة دواء مرّة" بالنسبة لجيركن، إذ بالنتيجة هي دواء. ولكن هذا
الأمر هو غصة وألم بالنسبة للعديد الذين لم يروا أمامهم إلاّ الولايات المتحدة
بجبروتها وتفردها بالعالم بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، وانبهروا باقتصادها الذي
"لا يجارى" كما لاحظوه من الخارج دون التوغل فيه، أو قيامهم بالاطلاع على رأي
من توغل في دراسة هذا الاقتصاد. وبهذا اعتبروا أن هذا الأمر هو "سمة العصر"،
وأن القرن الحالي سوف يكون بلا منازع هو القرن الأميركي وعصر الإمبراطورية
الأميركية، وهذا أمر بديهي بالنسبة إليهم وهو لا يقبل المناقشة أو الشك!!. هذا
الرأي هو الذي كان سائداً بين من جاء مع المحتل من داخل وخارج العراق، وأيد
الاحتلال، وشارك في مجلس الحكم. وهو رأي الذين صادقوا ووقعوا على "اتفاقية
الإطار الإستراتيجي"، ثقة منهم، (في حال حسن الظن بهم)، أن أميركا ستقود العراق
إلى جنان "اقتصاد السوق"!!، إذ سوف تعلمهم، لكي يطبقوا معها في العراق،
الاقتصاد الرأسمالي على الطريقة الأميركية. قد يمكن تفسير هذا الأمر بحسن نية
في بداية الاحتلال على افتراض عدم الاطلاع على دقائق الاقتصاد الأميركي، وفهمهم
للمستقل وللتاريخ بحدود الظواهر، والظواهر ترينا عظمة أميركاّ. ولكن كيف يمكن
تفسير ذلك في سنة 2007 و ما بعدها ، خصوصاً في أواخر 2008 وكل شخص يرى تصدع
وانهيار هذا الصرح الاميركي؟!.
إن من أراد أن يتعلم تحسين الاقتصاد، وخصوصاً الاقتصاد العراقي المتهاوي، كان
عليه أن يتعلمه ممن صنعوا معجزة اقتصادية لم تمر من قبل في تاريخ البشرية، وكان
عليه أن يذهب إلى الأساتذة الجدد لطلب الحكمة، وستكون "حكمة صينية". وكان عليه
أيضاً أن لا يأخذ هذه الحكمة ويطبقها كما طبقت في الصين، بل ان يدرسها ويفهمها
مع فهم الواقع العراقي ليطبقها في العراق، آخذاً بنظر الاعتبار المصالح الوطنية
العراقية أولاً. بالتأكيد ستكون المفاهيم الاقتصادية الواجب تطبيقها في العراق
هي بعيدة كل البعد عن الرأسمالية الأميركية، وقريبة كل القرب من الاشتراكية
الصينية!!.
لنستمر في النقاش خطوة أخرى، وعلى ضوء ما تم في كل من الولايات المتحدة والصين
والعراق في السنوات القليلة الماضية، ألم يكن من الأفضل أن تتجه بغداد نحو بكين
بدلاً من واشنطن، فبكين مستقبل العالم؟!. قد لم ير ذلك إلاّ القلائل في بداية
الاحتلال ، ولكن الآن يتحد ث به الأميركان أنفسهم. وليعذرني الدكتور إبراهيم
علاوي باستعارة اسم كتابه السياسي الرائع: "المقايضة/ بغداد – برلين"، ولكن
بمفهوم آخر !. إذ أن التحليل السياسي العميق الذي توصل إليه إبراهيم علاوي في
كتابه القيم هذا، هو أن التحريفية السوفيتية قامت بمقايضة بغداد، حيث كان من
الممكن أن يستلم الحزب الشيوعي العراقي والقوى الديمقراطية الحكم في العراق بعد
ثورة 14 تموز 1958 ، على الرغم من المقاومة العنيفة للغرب لهذا التوجه، ولكن
التحريفية السوفيتية منعت الشيوعيين من ذلك وانتهت النتيجة إلى مذابح 8 شباط
1963. مقابل ذلك كان على الغرب والولايات المتحدة الاعتراف ببرلين (ألمانيا
الديمقراطية) كجزء من النفوذ السوفيتي، وقد تم ذلك!!. ومن يقرأ عن تلك المرحلة
يعرف موقف التحريفية السوفيتية المعادي من الصين ، ويعرف أيضا نتائج تقاربها مع
الولايات المتحدة والتي أدت إلى سقوطها وسقوط الاتحاد السوفيتي نفسه!!.
ما أقترحه ليس "المقايضة" وإنما التعاون الإستراتيجي، و لنبدأ اولا بالتعاون
الاقتصادي بين بغداد وبكين، وهو أمر منطقي في ضوء الهيمنة الأميركية ( و
اسرائيل ) و محاولتها الستمرة للهيمنة الكاملة ، أو زعزعة الاستقرار في
المنطقة في حالة رفض الشعوب هذه الهيمنة. وهو كذلك أمر منطقي للعراق بالذات في
ضوء طموحاته المشروعة لتطوير اقتصاده إلى المستوى الذي يليق به، والتجربة
الصينية أحسن مثال يحتذى به. وقد يتطور الوضع السياسي العالمي في المستقبل بحيث
تتقرب أوربا إلى الصين أكثر من تقربها إلى الولايات المتحدة، (وهو ما تحاوله
أميركا الآن مع الصين)، وهو أمر ممكن ومنطقي، إذ أن المصالح الأوربية ستكون
أكثر تقرباً من القوى الصاعدة حالياً والقائدة مستقلاً، وعند ذلك سيكون التحالف
برلين - بغداد – بكين، إكمالاً لتعاون بغداد - بكين!!.
طبعاً ما أقوله الآن قد يعتبر حلماً أو هذياناً، إذ أن القوى السياسية الفعالة
حالياً في العراق بعيدة كل البعد عن بغداد - بكين، ولكني على ثقة أن هذا ما
سيحدث بشكل أو بآخر في المستقبل، فهو منطق التاريخ والجغرافيا والاقتصاد. طبعاً
من الواضح أن المقصود ببغداد، هي الدول النامية في آسيا وإفريقيا. كما أن تعبير
(برلين - بغداد) جاء من اسم خط سكة الحديد التي كانت الدولة العثمانية تنوي
إنشاؤه، مروراً بتركيا، وذلك للحاجة الماسة اليه و كذلك بتأثير القوى الألمانية
الصاعدة في بداية القرن العشرين. وقد لقي خط سكة الحديد برلين- بغداد هذا
معارضة شديدة من القوى الاستعمارية السائدة في ذلك الوقت وهي بريطانيا وحليفتها
اللدود فرنسا.
(4) إن الصين كقوة اقتصادية كبيرة جداً وصاعدة وبنسبة نمو اقتصادي عالية، فإنها
تحتاج إلى الطاقة. يوجد لديها كميات محدودة جداً من النفط ولكن عندها كميات
كبيرة من الفحم، ولها مشكلة كبيرة في الانبعاثات الغازية المسببة الاحتباس
الحراري، ولهذا اتجهت إلى الطاقة النووية لتوليد الكهرباء وستحتاج و لعقود
طويلة قادمة إلى استيراد النفط والغاز الطبيعي، وأنها تبحث عنهما في كل مكان
على سطح الأرض للاستثمار فيهما لغرض الحصول على إمدادات مضمونة لهما.
تعرض الصين ما يمكن اعتباره صكا على بياض لضمان إمدادات النفط من دول إفريقية(21)
فلقد عرض الصينيون على نيجيريا (30) مليار دولار لشراء ما لا يقل عن سدس
احتياطيها من النفط الذي يبلغ (30) مليار برميل وفق تقديرات أوبك في 2001. وفي
نفس الوقت تسعى بكين إلى الحصول على حصص في حقول نفط أنغولا وغانا وفي شركات
نفطية تنشط في مناطق مختلفة بافريقيا التي شهدت منذ سنوات تصاعداً لافتاً للنظر
للوجود الصيني على الأصعدة السياسية والاقتصادية وغيرها.
تلقى الشركات الصينية منافسة قوية من شركات غربية كبيرة تعمل في نيجيريا منذ
عقود مثل شل وإكسون موبيل وشفرون وتوتال. ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية مؤخراً
عن وزير النفط النيجيري "أن بلاده لن تعط الصينيين كل ما يطلبوه من النفط".
ولقد اشترت مؤخراً شركة حكومية صينية "سينوبك"، شركة "أدكسن" التي تنشط في
نيجيريا وغرب إفريقيا بسعر (5) مليارات دولار. وفي غانا تتفاوض شركة صينية
حكومية أخرى مع شركة النفط الوطنية الغانية لشراء حصة كبيرة في حقول للنفط
واقعة في منطقة جوبيلي التي تعد أهم الاكتشافات النفطية في غرب إفريقيا في
السنوات العشر الماضية. كما تم في تموز الماضي شراء حصة قدرها 20% في حقل نفطي
بساحل انغولا من قبل شركتين صينيتن.
تتعرض الصين لانتقادات من الغرب بأن اندفاعها نحو إفريقية تحركه الرغبة في
الحصول على الطاقة اللازمة لاقتصادها المتسارع النمو. ونفى رئيس الوزراء الصيني
ذلك قبل توجهه إلى مؤتمر القمة الصينية الإفريقية الذي انعقد الأسبوع الأول من
شهر تشرين الثاني 2009 في شرم الشيخ/مصر، حيث قال: " ان هدف الصين في مساعدة
إفريقيا هو تعزيز دور بكين في عملية التنمية... كما وأن الصين لم تأت لإفريقيا
من أجل مصادر الطاقة فقط ".
علماً أن الصين كانت قد تعهدت في قمة صينية إفريقية عقدت في بكين عام 2006
بتقديم مساعدات ضخمة لإفريقيا. وارتفع حجم الاستثمارات الصينية المباشرة في
إفريقيا من (491) مليون دولار في سنة 2003 إلى (7.8) مليار دولار في عام 2008.
كما أن الصين عرضت إلغاء بعض الرسوم على واردتها من إفريقيا، وتعتزم إنشاء
المزيد من المستشفيات والمدارس وتحسين طرق الزراعة في القارة.
ذهبت الصين إلى أبعد من ذلك في البحث عن الطاقة، فلقد أعلنت شركة بتروتشاينا
الصينية، في نهاية آب 2009، شراء 60% من أسهم مشروعين في استثمار الرمال
النفطية في كندا وبقيمة (1.7) مليار دولار. علماً إن كلفة إنتاج النفط من
الرمال النفطية باهضة الثمن، ولن يكون ذلك ممكناً إلاّ إذا تخطى سعر برميل
النفط (80) دولار(22).
ثم ذهبت الصين إلى فنزويلا(23)، للاستثمار بما قيمته (16) مليار
دولار في التنقيب عن النفط الخام الثقيل في حزام نهر أورينكو النفطي الفنزويلي،
كما أعلنت فنزويلا في 17/9/2009. وكانت فنزويلا قد أعلنت قبل ذلك بأيام أن شركة
النفط الوطنية الفنزويلية "بتروليوس" وقعت عقداً مع شركات روسية تستثمر (20)
مليار دولار في حقل نفطي في نفس منطقة حزام أورينكو.
يلاحظ القارئ أن جميع الاستثمارات الصينية التي تحدثت عنها أعلاه تقع في مرحلة
ركود الاقتصاد العالمي. ولكن الاستثمار في النفط، السلعة الإستراتيجية، لا يعرف
الركود!!.
د ـ
التعاون الثقافي في اتفاقية الإطار الإستراتيجي
كنت قد نشرت في صحيفة " الغد " في الأول من شباط 2004 و19 شباط 2004 دراسة عن
الفساد المالي والإداري، خصصت القسم الثاني منها لفساد الشركات الأميركية
العاملة في العراق، وهي جميعها من الشركات الكبرى في الولايات المتحدة، ولها
كذلك باع طويل في الفساد. وتوجد هذه الدراسة في كتابي "مقالات سياسية اقتصادية
في عراق ما بعد الاحتلال" الذي نشر في نيسان 2005. لم أتحدث في ذلك الوقت ، أي
قبل ست سنوات، عن مجمل الفساد المالي الموجود في أميركا، رغم وجود معلومات جمة
لدي عنه في حينه، ولكن تحدثت فقط عن الشركات العاملة في العراق، وما أتوقعه
من فساد مالي أو إداري سيحدث سواء من المسؤولين الأميركان أو الشركات الأميركية
أو الشركات الأمنية المتعاقدة أو من الكثير من المسؤولين العراقيين . إن الفساد
هو سمة الاقتصاد الأميركي وأجهزته السياسية، ولقد برهنت السنين الستة الماضية
ما توقعته في ذلك الوقت. لن أتحدث في هذه المقدمة عن الفساد في العراق، وسرقة
أمواله سواء من قبل الأجهزة الأميركية أو الكثير من الأجهزة العراقية منذ
الاحتلال وحتى الآن، فهذا موضوع آخر ولكن سأتحدث عن فقرتين فقط تتعلق بموضوع
التعاون الثقافي وفق اتفاق الإطار الإستراتيجي:
(1) إن العراق بعد ما يقارب سبع سنوات من الاحتلال سجل أرقاماً قياسية في أمور
شتى، كلها تثير الألم والشجن وتضع الإنسان العراقي في موضع الحانق الحزين
المحبط واليائس، ولا يجد مخرجاً لمحنته. وكلما يعتقد أن الأمور وصلت إلى
الأسوأ، يجد بعد حين أنه في مرحلة أسوأ من السيئة التي قبلها!!.
لقد كتبت السيدة هيفاء زنكنة مقالاً بعنوان: (موقع "العراق الجديد" في العالم)،
اعتمدته واعتمدت مصادره في كتابة رؤوس الأقلام أدناه فيما يتعلق بموقع العراق
في العالم كما في سنة 2009. بعد أن "التهم" العراق الثقافة الأميركية، وعايش
"خيرونزاهة وصدق وعفة" الاحتلال ومن والاه. نجد في "العراق الجديد " ما يلي:
* إن العراق حسب تقرير منظمة "شفافية العالمية" لسنة 2009 هو أكثر الدول فساداً
في حالة أخذ (176) دولة بنظر الاعتبار، ولكن عند إكمال القائمة إلى جميع الدول
التي سجلتها هذه المنظمة وهي (180) دولة، نرى هناك "أملاً مشرقاً " للعراق حيث
أننا أفضل حالاً من السودان ومينمار ( بورما ) وأفغانستان والصومال!!.
* ولو أخذنا قائمة مؤشر السلام العالمي الصادرة سنوياً، عن معهد الاقتصاد
والسلام الأميركي والذي يبحث في أجواء السلام التي تنعم بها شعوب العالم
استناداً إلى (23) مقياساً تشمل الحروب الداخلية واحترام حقوق الإنسان وعدد
الجرائم، وعدد السجناء وتجارة الأسلحة والديمقراطية فإن العراق احتل المرتبة
الأخيرة. وقبله مباشرة أفغانستان البلد "الديمقراطي الأمين" الآخر، و بفضل
الولايات المتحدة أيضاً. ولقد أظهر التقرير أن العراق أكثر الدول خطورة للعام
الثالث على التوالي. و من المحتمل جدا ان نرى اليمن ضمن هذه الدول ، سواء في
هذه القائمة أو القوائم الاخرى المذكورة في هذا الحقل ، اذ ان الولايات المتحدة
قد بدأت " بمساعدته و تطويره و القضاء على الارهاب فيه " !!! .
* أما ما يتعلق بقائمة "مجموعة حقوق الأقليات"، فلقد أدرجت الصومال والعراق
والسودان في طليعة الدول التي تعيش فيها الأقليات الإثنية في خطر.
* والقائمة الرابعة، وهي المعنية بمؤشر الدول الأكثر فشلاً في العالم، الصادرة
من مجلة "السياسة الخارجية" الأميركية بالاشتراك مع صندوق السلام في واشنطن،
فإن العراق حافظ وللعام الخامس على التوالي على مكانته في المركز السادس بعد
الصومال والسودان وزمبابوي والكونغو و تشاد.
* أما التقرير الخامس، والصادر عن المركز الدولي لرصد النازحين داخل بلدانهم
قسرياً، فانه يصل إلى أن "العراق الجديد" يستحق المركز الثالث في العالم في عدد
النازحين داخل بلدهم.
* من الملاحظ أن في كل المواقع والنشرات والمؤسسات التي تتحدث عن الأمور
المأساوية التي تحدث في العالم، كسوء الخدمات الصحية، أو عدم توفر خدمات
الكهرباء أو الماء، أو عدد القتلى والجرائم، أوالإدمان على المخدرات، وغسيل
الأموال القذرة، أو تأثير الإشعاعات النووية والألغام، أو سوء حالة الخدمات
التعليمية أو الوضع المأساوي للطفولة والأمومة والعجزة. في جميع هذه الأمور
ستجد العراق موجوداً وفي موضع متقدم جداً من المأساة التي تتحدث عنها هذه
المؤسسات والمواقع. والغريب أن الجميع يقول أن العراق يملك أكبر ثروة في العالم
وهي النفط. وأن أبناءه وقبل أربعة عقود فقط كانوا من أكثر الشعوب فطنة وكفاءة
واندفاعاً !!.
( 2 ) كتب محمد عارف في عموده وجهات نظر في صحيفة الاتحاد الإماراتية(25)
في 6/8/2009، مقالة بعنوان "مليار دولار.. للجامعات العراقية أم الأميركية؟!".
وهي مقالة تثير المواجع عند حديثها عن التعليم العالي في العراق.
الموضوع يتعلق باتفاق الإطار الإستراتيجي مع الولايات المتحدة "والمبادرة
التعليمية" التي أطلقها السيد رئيس الوزراء أثناء زيارته لواشنطن في تموز 2009.
حيث صدر بيان من مجلس الوزراء العراقي في اختتام الزيارة، عن حفل توقيع جرى في
"مؤسسة التطوير التعليمي والأكاديمي"، في واشنطن بحضور أعضاء الوفد العراقي
وحاكم ولاية أوهايو، كما ادعى بيان صادر من جامعة أوهايو حصولها على ثلث مجموع
الطلبة العراقيين المرسلين للدراسة في الخارج في هذه السنة والسنوات اللاحقة".
وتدشن "المبادرة التعليمية" عملها في العام الدراسي الجديد 2009 – 2010 بإرسال
عشرة آلاف عراقي للدراسات العليا في الولايات المتحدة وكندا وأستراليا تدفع
نفقاتهم الحكومة العراقية بالكامل. ويعقب ذلك إرسال عشرة آلاف طاب عراقي سنوياً
خلال السنوات الخمس المقبلة إلى الدول الأربع المذكورة.
وبعد أن يطرح السيد محمد عارف عدداً من الأسئلة تتعلق بحصص الجامعات والأعداد
المرسلة إليها من الطلبة، "وهل تكفي فترة شهرين أو ثلاثة لبدء العام الدراسي
الجديد لاختيار وإعداد طلبة يحظون بمزايا التفوق والموهبة التي تطلبها الجامعات
العالمية؟"، وكذلك يسأل عن كيفية "الحيلولة دون تحويل المبادرة التعليمية إلى
قناة مدعمة لنزوح الأدمغة العراقية الجديدة. ويعرف العلماء المغتربون -أفضل من
غيرهم- عدم جدوى التعهدات المالية التي تلزم طلبة البعثات بالعودة إذا لم تنفق
الملايين لبناء جامعات في العراق يرغبون بالعودة إليها". ويصل إلى أن "المبادرة
التعليمية لم يلدها التعليم العالي في العراق، بل الجامعات الغربية والأميركية
خصوصاً، والتي تعاني من أزمة مالية خانقة".
لقد بلغت الموازنة المقترحة لهذه المبادرة مليار وربع المليار دولار، تنفق خارج
العراق وأغلبها في أميركا، وأنا شخصياً أعرف عن يقين أن مختبرات ومكتبات
الجامعات العراقية تحتاج إلى عون، وأحياناً هذا العون لا يتجاوز عشرات الآلاف
من الدولارات فقط ، ولكن حتى هذه المبالغ البسيطة جداً غير متوفرة. من يريد أن
يرفع من مستوى التعليم العالي في العراق، فعليه أن يبدأ بالعراق نفسه ويصرف على
جامعاته وطلبته لرفع المستوى العلمي، ومن ثم يفكر في البعثات إلى الخارج (وهو
أمر ضروري) في فترة لاحقة.
لعل من المعلومات المفيدة التي جاء بها المقال أعلاه، أن العالم العراقي
الأميركي عادل شمو، الأستاذ في كلية طب جامعة ميريلاند بالولايات المتحدة، دعا
في رسالة له، قبيل انتخاب أوباما، منشورة في صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور"
إلى تحويل السفارة الأميركية الجديدة التي كلف بناءها إلى أكثر من (700) مليون
دولار إلى جامعة عراقية- أميركية الأمر الذي سيحقق خطوة عملاقة في المصالحة مع
العراق ، حسب رأي الدكتور عادل .
لقد كنت قد تحدثت عن السفارة الأميركية الجديدة في بغداد في كتابي عن الاتفاقية
الأمنية، وذكرت أنها قاعدة عسكرية أميركية في منتصف بغداد. وأن وجودها بحد
ذاته أمر مهين للعراقيين، فلقد استولى المحتل على الأرض وشيد عليها قلعة لا
سفارة أثناء احتلاله للعراق وهو أمر غير شرعي إضافة إلى إهانته للشعب العراقي.
وأن أية حكومة تحترم مشاعر شعبها يجب أن تنهي وجود هذه السفارة بالذات ، ولعل
اقتراح الدكتور عادل شمو هو أحد الحلول لحفظ ماء وجه جميع الأطراف !! .
2 ـ
الرأسمالية العالمية وأزمة ارتفاع أسعار الغذاء في سنة 2008
سنتحدث في الفصل الثامن من هذا الكتاب عن "الثورة الزراعية" التي بدأت في
سبعينيات القرن الماضي اعتماداً على استخدام التغيرات الجينية وإنتاج حبوب
محسنة والزيادة في استخدام الأسمدة الكيمياوية والمبيدات الزراعية. لقد توفر
الغذاء في هذه الفترة ليكفي الزيادة السكانية الأعظم في التاريخ والتي حدثت في
النصف الثاني من القرن الماضي، وكذلك تم استيعاب تغير أنماط الغذاء بالتحول نحو
اللحوم، وبالتالي تم تجنب المجاعات التي كانت تحدث دائماً في التاريخ وإلى
النصف الأول من القرن العشرين.
ولكن ما حدث في سنة 2008، و برغم عدم وجود نقص كبير في انتاج الغذاء ، مع وجود
التباطؤ الذي حدث في الثورة الزراعية بنهاية القرن، فلقد ارتفعت أسعار المواد
الغذائية الأساسية مثل الحنطة والرز والذرة إلى مستويات لم تصلها سابقاً قط .
حول هذا الموضوع نود توضيح ما يلي:
1-
لقد حدث ارتفاع في أسعار جميع المنتجات الزراعية الأساسية(26)
اعتباراً من النصف الثاني من سنة 2007، واستمر إلى أواخر 2008، فلقد بلغت زيادة
أسعار الحبوب من آذار 2007 إلى آذار 2008، أرقاماً عالية اذ زاد سعر الذرة
حوالي 31%، والرز 74%، والصويا 87%، والحنطة 130%. أما صندوق النقد الدولي
فيقدر زيادة الأسعار في سنة 2007 بحوالي 40% على نطاق منتجات الحبوب الرئيسية.
هذا مع العلم أن أسعار المواد الغذائية كانت ترتفع قبل هذه الفترة بزيادات قد
تعتبر اعتيادية، فحسب تقرير للفايناشيل تايمز في 29/4/2008(27)،
يقول: "إن معدل أسعار الحبوب الرئيسية (الحنطة/الذرة/الرز/فول الصويا)، قد
ارتفع المؤشر لها من (100) في سنة 1990 إلى (145) في سنة 1996، ثم انخفض إلى
(75) في سنة 2000، ثم عاد وارتفع إلى (210) في سنة 2008.".
ثم يذكر التقرير زيادات الأسعار منذ 1998 فيقول مقارنة بمؤشر السعر (100) في
سنة 1998، فإن المؤشر ارتفع في سنة 2008 إلى (310) للحنطة، و(205) للصويا،
و(170) للرز. ويذكر أن "التلاعب بالأسعار والمضاربات بشأنها لها تأثير كبير في
زيادات الأسعار".
إن ما حدث في سنتي 2007 و2008 أمر آخر لا يتناسب مع السنوات السابقة، فلقد
ارتفع سعر الرز الأميركي ذي الحبة الطويلة - والذي يعتبر مقياساً معتمداً - في
9/5/2007 بحوالي 66% عنه في بداية عام 2008، ليصل إلى سعر 23.45/100 رطل (أي
517 دولار/الطن).(28)
وكان الرز قد ارتفع لأرقام قياسية للتسليمات المقبلة، إذ أن صفقات الرز التي
أبرمت في 23/4/2008، تسليم تموز من نفس العام وصلت إلى (545) دولار/الطن. ولهذا
وضعت فيتنام والهند حظراً على تصدير إنتاجهما(29) ولحقتهما بعد ذلك
دول أخرى مثل الصين ومصر، وعانت الدول المستوردة مثل بنغلاديش والفلبين كثيراً
بسبب ذلك الحظر.
2-
لقد استغربت الجهات المسؤولة في الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات
الإنسانية المسؤولة عن توفير الغذاء للجياع في العالم، سبب هذه الزيادات .
وظهرت الأسباب الحقيقية لهذه الزيادات لاحقاً، إذ أن الإنتاج لم يقل كثيراً عدا
مسألة الجفاف في أستراليا، ولكن عوضت عنه الزيادات الكبيرة في إنتاج الذرة في
الولايات المتحدة و رغم ذلك حدثت زيادة كبيرة في الأسعار شملت حتى أسعار الذرة.
وأن الملاحظات والأخبار التالية ترينا بعض الأسباب(30):
* طالب كبير مستشاري الأمم المتحدة للأغذية بوقف الاستثمار في الوقود الحيوي
biofuel.
(والوقود الحيوي هو كحول الإيثانول الذي ينتج أساساً من الذرة، ويستخدم كبديل
لوقود السيارات). وقال هذا المستشار لصحيفة لوموند الفرنسية : " أن الاندفاع
الأعمى للوقود الحيوي هو أمر غير مسؤول... وأن إنتاج الوقود الحيوي جريمة ضد
الإنسانية" وطالب بفرض حضر فوري عليه. وأضاف "أن الأهداف الطموحة لإنتاج الوقود
الحيوي التي حددتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي هي أهداف غير مسؤولة...
وأن الاندفاع نحوه هو فضيحة لا تستفيد منها سوى جماعة ضغط (لوبي) صغيرة".
* اعتبر جان زيجلر، مبعوث الأمم المتحدة لشؤون الغذاء "أن ارتفاع أسعار المواد
الغذائية في العالم سيؤدي إلى مذبحة جماعية صامتة"، وأضاف "لدينا قطيع من
متعاملي البورصات من المضاربين ومجرمي المال الذين ازدادوا شراسة وأنشأوا
عالماً من اللامساواة والفظاعة. علينا أن نضع حداً لها". وأعرب جان زيجلر عدم
استبعاده قيام "انتفاضة الجياع" على غرار الثورة الفرنسية!!.
* قال رئيس البنك الدولي روبرت زوليك "إن ارتفاع أسعار المواد الغذائية قد يزيد
من مستوى الفقر لـ (100) مليون شخص".
* لقد ازداد إنتاج الإيثانول (من الذرة) في الولايات المتحدة من (2) مليار لتر
في سنة 1995 إلى حوالي (12) مليار لتر في سنة 2008. أي ازداد (24) مرة خلال 13
سنة.
علماً أن الإيثانول ليس بالوقود النظيف فهو ينتج غاز ثاني أوكسيد الكربون
المسبب للاحتباس الحراري أثناء حرقه مثل النفط والغاز الطبيعي. كما أنه لا
يوفر طاقة اضافية، إذ أن الطاقة التي تصرف عند إنتاجه تعادل جزءاً كبيراً من
الطاقة التي ينتجها. ينتج الوقود الحيوي من الذرة اعتيادياً، وأن أسعاره قد
ارتفعت نتيجة ارتفاع أسعار النفط، ولذا أقبل المزارعون على إنتاجه، وأصبح
لمحصول الذرة، والكحول الأثيلي جماعة ضغط (لوبي) متعاظمة في الكونغرس.
* إن أهمية الإنفاق الإجمالي للغذاء للمستهلكين تتناسب عكسياً مع مستويات
الدخل. على سبيل المثال، يمثل الغذاء 60% من سلة الاستهلاك للسكان في إفريقيا
جنوب الصحراء، فيما لا يمثل أكثر من 30% في الصين، و10% في الولايات المتحدة،
وذلك حسب تقديرات صندوق النقد الدولي.
* إن الأسعار العالية لا تعود عوائدها المالية الى الفلاحين والمزارعين، وإنما
تذهب للشركات الكبرى والتجار العالميين في ميدان الحبوب والمحاصيل الزراعية.
فإلى جانب الضغط على الموارد الغذائية، فإن هناك مضاربات وسوء توزيع وممارسات
احتكارية وانتهازية تسهم في دفع الأمور إلى أزمة. ان الإنتاج الزراعي لم يشهد
نقصاً يبرر ارتفاع الأسعار، ولو أن الجفاف في أستراليا أدى إلى تراجع إنتاج
القمح.
يسهم كبار أثرياء العالم في زيادة أسعار الغذاء عبر المضاربة على أسعاره وتحقيق
مئات المليارات من الدولارات من الأرباح السهلة والسريعة على حساب المليارات من
فقراء العالم. ذلك أن صناديق التحوط وصناديق الاستثمار الخاصة دخلت سوق السلع
بكثافة هروباً من عدم اليقين الذي ساد الأسواق المالية وانهيار العملة
الأميركية. حتى صناديق الثروات السيادية، التي غالباً ما تستثمر في السندات
والأصول العقارية بدأت بتنويع محافظها الاستثمارية عبر دخول سوق السلع. كل ذلك
أدى إلى ارتفاع أسعار تلك السلع، ومنها الزراعية والغذائية، عبر المضاربات
الهائلة على عقودها الآجلة.
* مما ضاعف من مشكلة زيادة أسعار الغذاء لجوء بعض الدول المصدرة للمنتجات
الزراعية إلى فرض قيود على الصادرات، بدأت بروسيا في عام 2007. وتبعتها دول
أخرى مثل تايلند (أكبر منتج للرز حيث بلغ إنتاجها في سنة 2007 حوالي 19.7 مليون
طن)، والأرجنتين والهند ومصر وغيرها، إذ زادت هذه الدول من رسوم التصدير للحفاظ
على المحاصيل متوفرة في السوق المحلي وذلك بإبقاء الأسعار منخفضة مع تجنب
التوترات السياسية والاجتماعية المتوقعة عند عدم توفر الغذاء أو عند توفره
بأسعار عالية كما حدث في المكسيك وهاييتي حيث تم عزل رئيس وزراء الاخيرة في
حينه .
3 ـ
يظهر من أعلاه سببان لازما ارتفاع أسعار الغذاء في 2008، أولهما مضاربات السوق
الرأسمالي لاسيما بعد بدء الأزمة المالية العالمية. وثانيما هو التحول لإنتاج
الإيثانول من حبوب الذرة.
لقد تحدثنا عن السبب الأول عند الحديث عن الأزمة المالية العالمية ودو الولايات
المتحدة فيها. والآن نتحدث عن إنتاج "الوقود الحيوي
biofuel".
وهو في معظمه من الكحول الأثيلي.
لقد وافق الكونغرس الأميركي في سنة 2007 على زيادة إنتاج الوقود الحيوي خمس
مرات، باعتبارها حلاً لمشكلة الوقود(31). وظهر لاحقاً أن هذا القرار
أمر خاطئ كما يعتقد الكثير من المختصين فهو سبب رئيسي في زيادة أسعار الغذاء.
إن "معهد بحوث سياسات الغذاء
Food Policy Research Institute"
في واشنطن يعتقد أن تحويل الذرة إلى وقود سبب في زيادة أسعار الحبوب في العالم
بنسبة تتراوح بين 25 - 33%. أما منظمة الغذاء والزراعة التابعة للأمم المتحدة
FAO
فتعتقد أن الزيادة بين 10 - 15%. ومن الطريف أن نذكر أن أحد أعضاء الكونغرس من
ماساتسوستس صرح أنه إن كان خاطئاً عندما أيد التحول نحو الوقود الحيوي ويعتقد
أن لو أجري التصويت الآن بصورة سرية لرأينا الكثير من أعضاء الكونغرس يعيدون
النظر في الموضوع. وهذا يرينا مدى قوة لوبي الذرة والوقود الحيوي في الكونغرس.
هذا وقد كانت النيويورك تايمز قد ذكرت في افتتاحيتها في 3/3/2008(32)،
بأن "أهم سبب في زيادة أسعار الغذاء أن العالم الغني قام بدعم إنتاج الوقود
الحيوي. ففي سنة 2006 تم تحويل 14% من إنتاج الذرة إلى الإيثانول، ويتوقع أن
ترتفع النسبة إلى 30% من إنتاج الذرة في سنة 2010، وذلك على حساب محاصيل أخرى
مثل فول الصويا. إن هذه الإستراتيجية أمر مشكوك فيه، إذ وفق دراسة قامت بها
منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فإن الولايات المتحدة وأوربا وكندا ستحتاج
بين (30 - 70%) من محاصيلها من الحبوب - كما هو منتج حالياً -، إن أرادت أن
تعوض عن (10%) فقط من وقود المركبات، وذلك بتحويل هذه الحبوب إلى وقود حيوي".
لها فإن الصحيفة تطلب من الكونغرس "إنهاء دعم إنتاج الوقود الحيوي، إ من
الصعوبة الدفاع عن مثل هذه السياسة. وعلى الولايات المتحدة أن تضغط على الدول
الغنية الأخرى لرفع دعمها أيضاً، وإلاّ ستكون النتيجة أن يتحول الجوع الحالي
إلى مجاعة جماعية".
4 ـ
إن تقرير النيويورك تايمز من الفلبين(33) في 18/3/2008، يتحدث
عن التخفيض الكبير الذي قامت به الدول الغنية في دعم البحوث الزراعية العالمية
المهمة، وذلك تحت عنوان يوجز فحوى التقرير، وهو "فقراء العالم يدفعون زيادات
الأسعار، بقطع تمويل البحوث الزراعية".
وهو بهذا المقال يتحدث عن معهدين سنأتي على مجال عملهما في الفصل الثامن من هذا
الكتاب، وهما "معهد بحوث الرز في الفلبين" و"المركز العالمي لتحسين الذرة
والحنطة في المكسيك".
يذكر التقرير أنه بعد أخذ نسبة التضخم وفرق نسبة التحول النقدي بنظر الاعتبار،
فإن الدول الغنية قطعت مساعداتها للبحوث الزراعية إلى النصف تقريباً بين سنوات
1980 - 2006، والذي يعني خفض التخصيصات من (6) إلى (2.8) مليار دولار/السنة.
وخفضت الولايات المتحدة حصتها من هذه المساعدات من (2.3) مليار إلى (624) مليون
دولار. كما وأن القروض الزراعية الممنوحة من البنك الدولي (وبعد أخذ نسبة
التضخم بنظر الاعتبار) قد قلصت من (7.7) مليار دولار في سنة 1980 إلى (2) مليار
دولار في سنة 2004، ولكن البنك الدولي وتحت قيادة مديره الجديد روبرت زويليك
بدأ يدرك خطأ هذه السياسة ولهذا تقرر مضاعفة الإقراض لمشاريع ومناهج إفريقيا.
ويذكر التقرير أيضاً أسباب تخفيض مصاريف البحوث الزراعية، إذ أن في ستينيات
القرن الماضي كانت الزيادة السكانية أكثر من زيادة الإنتاجية في الحبوب، الأمر
الذي كان يهدد بمجاعات في الدول الفقيرة. بعد ذلك تم تعاون الدول الغنية مع
الدول الفقيرة لزيادة الإنتاجية، وتم الحصول على أنواع بذور جديدة، وبهذا بدأت
"الثورة الزراعية" وتوسع الإنتاج في الثمانينات و غابت اشباح المجاعات.
في نفس الوقت قامت الولايات المتحدة وكذلك أوربا بدعم مزارعيهم مالياً لزيادة
الإنتاج والإنتاجية وانخفضت الأسعار، وأدى هذا الأمر إلى أن الكثير من الدول
الفقيرة وبدلاً من أن تطور زراعتها، تحولت على السوق العالمي لشراء الرز
والحنطة بأسعار أقل من كلف في بلدانها، وذلك بسبب الدعم المالي للإنتاج الزراعي
في الغرب أصلاً. ومن الأمور التي توضح بأن هذا التوجه كان برضى وتشجيع الدول
الغربية، ان وزير الزراعة الأميركي في سنة 1986، جون بلوك
John Block
صرح بأن قيام الدول النامية بتغذية نفسها. يعتبر "خرافة تاريخية من عصر آخر
anachronism from bygone era"!!.
قاصداً لماذا تقوم الدول النامية بزراعة متطلباتها الغذائية إذا كانت الدول
المتقدمة قادرة على تقديم الغذاء لها بأسعار زهيدة؟!.
ما بين 1970 إلى 1990 (قمة فترة الثورة الزراعية)، كان إنتاج الغذاء يتوسع أكثر
من الزيادة السنوية العالمية للسكان، ولكن بعد سنة 1995 فإن سرعة النمو في
إنتاج الغذاء كانت أقل من مجموع النمو السكاني والتحسن في التغذية. وبدأ العالم
باستهلاك الحبوب أكثر مما ينتج، وبهذا انخفضت احتياطيات الحبوب وبدأت الأسعار
ترتفع، بالإضافة إلى استغلال المضاربين لهذا الوضع ليضاعفوا أرباحهم.
يؤكد التقرير، على إثر محادثات كاتبي التقرير مع مدراء البحوث الزراعية
بإمكانية القيام بثورة زراعية أخرى في حالة توفر مبالغ للبحوث الزراعية، إذ أن
هناك الكثير من الأعمال المشجعة جداً ولكنها متوقفة بسبب التمويل .
عودة الى
الفهرست >>
______________________________________________________
المصادر
(15) تقرير بي بي سي في 5/10/2009
"الاقتصاد الصيني في الستين: نموذج اقتصاد السوق
الاشتراكي".
(16) "China Unveils
Sweeping Plan for Economy"
New York
Times: 10 November 2008.
(17) "الولايات المتحدة والقوى الصاعدة" / مؤسسة ستانلي
تقرير مجلس
الاستخبارات الأميركي 2007.
(18) "The Chinese
Come Calling"
"The Marxists bankers of Beijing are
warried about their assets investest in our banana republic."
The Nation. July 2009. Robert Sheer.
(19) "China to the
Rescue – Growing out of the Financial Crisis"
Joergen Oerstream. Yale University
Site. 2 August 2009.
(20) كتاب "المقايضة: برلين – بغداد". ثورة تموز في
السياسة الدولية.
نجم محمود (الاسم الحركي لإبراهيم علاوي).
صدر عن دار الغد في 1991.
(21) "نهم صيني لنفط إفريقيا"، و"الصين تعزز توجهها نحو
إفريقيا"
تقريران لمحطة "الجزيرة" في 6/11/2009
و7/11/2009.
(22) "الصين تستثمر في الرمال الكندية"
BBC
في 1/9/2009.
(23) "China in huge
Venezuela oil deal"
BBC News. 17 September 2009.
(24) موقع "العراق الجديد" في العالم.
مقال لهيفاء زنكنة. تموز 2009.
- أيضاً: مؤشر الفساد 2009، عن منظمة شفافية
العالمية
Corruption
Perception Index 2009.
(25) "مليار دولار... للجامعات العراقية الأميركية"
محمد عارف. صحيفة الاتحاد في 6/8/2009.
(26) The Cost of
Food: Facts and Figures
BBC Report. 8 April 2008.
(27) "Food crisis is
a chance to reform global agriculture"
Financial Times. 29 April 2008.
(28) بي بي سي عربي في 9/5/2008.
(29) بي بي سي عربي في 23/4/2008.
(30) بي بي سي عربي في 3/5، و20/4، و15/4/2008.
(31) "Fuel Choices,
Food Crisis and Finger Pointing"
The New York Times. 15 April 2008.
(32) "Priced Out of
the Market"
The New York Times. 3 March 2008.
(33) "World's Poor
Pay Prices as Crop Research is cut"
The New York Times. 18 March 2008.