<%@ Language=JavaScript %>
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                           

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 إبحث في صوت اليسار العراقي

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

  

الصفحة الرئيسية

مقالات

دراسات

عمال ونقابات

كتابات حرّة

طلبة وشباب

فنون وآداب

المرأة

صفحة الأطفال

كاريكاتير

حضارة بلاد الرافدين

مكتبة صوت اليسار

صور من العراق

 بعد الطرق يتطلب الأنتظار 4 - 5 دقائق

 لتحميل برنامج التشغيل

 

إتصل بنا

ملفات

الاخبار المحلية من \ واع

 

 
مجموع زائري الموقع

إرسلوا آراءكم حول الموقع

 

مواضيع متنوعة

 

صفحة الشاعر العراقي الكبير

سعدي يوسف

 

 موقع الزميل حمزة الحسن الألكتروني

http://www.alaazal.no

 

موقع إلكتروني يبث شريطا مصورا يظهر هجوما أمريكيا على مدنيين عراقيين

 

المكتبة الماركسية واليسارية

من مواقع أخرى

 

الفن في المواجهة أيضا

د. كاظم الموسوي   

 

من أجل وحدة الوطن

من أعمال الفنان مكي حسين

 

 

الوطن عبر نافذة الجسد

جولة في أعمال الفنان مكي حسين

 نزار رهك

 

 

 

ملف الفنان التشكيلي يوسف الناصر

 

في التجربة الروائية:

 إختراع الأمل

حمزة الحسن

 

 موقع الزميل حمزة الحسن الألكتروني

http://www.alaazal.com

 

 

 

 

 

الامبريالية الصهيونية

نورالدين عواد

 

 

“الامبريالية الصهيونية”:

اسطورة ام حقيقة في العلاقات الدولية؟

الولايات المتحدة الامريكية ـ “اسرائيل” كحالة

 

 

 

مقدمة

 

تشكل المعرفة البشرية عملية لانهائية حيث تتضافر جهود الاشخاص الفردية والجماعية في تعميم المعارف الصالحة والسائدة في كل سياق تاريخي ـ اجتماعي. كل اعمال البشر قابلة للتحسين، والحقيقة المنشودة والمرغوبة، جيلا بعد جيل، نسبية. السعي الى تحقيق الكمال امر غير عقلاني وغير جدلي على حد سواء.

 

التعميمات ذات المستوى النظري الرفيع تندرج في اطار الوسائط التي يتشكل منها علم “مابعد العلوم السياسية” وقد تكون موضوعا خاصا للبحث، اذ ان زيادة جسم مقولات العلوم السياسية، تتطلب عملا تتضافر فيه عناصر من مختلف التخصصات، وتقشير المفردات ، وفي بعض الاحيان، اعادة تعريف مفاهيمها من اجل تحديد هويتها لكي تصبح لاحقا مفاهيم او مصطلحات في العلوم السياسية، لانها في الاصل قد تكون ناجمة عن ذات الهوية او استلافا من علوم اخرى.

 

ان هذا المشوار المعرفي الذي اراه ضروريا، يقع على عاتق التآزر بين فلاسفة العلوم والمنطق وفلاسفة السياسة وعلمائها. حاليا، يقوم بعض الزملاء الكوبيين بالعمل في هذا المجال ردا على صياغات بعدحداثية في دراستهم للعلاقات الدولية.

 

الابحاث في حقل العلوم السياسية لا تفلت من هذه الحقيقة. العلاقة بين التجربة والنظرية، التي تثمر في علم معرفة العلوم السياسية، تنبثق من صيرورة جدلية ذات تغذية تراجعية قادرة على تمثّل السلوكيات السياسية الملموسة في افكار ومقولات علمية، تؤثر بدورها في قدرة الاشخاص على تفسير وتغيير العلاقات السلطوية داخل المجتمع الواحد وفي العلاقات الدولية سواء بسواء.

 

موجز حول الصهيونية

 

اعتقد انه لا بد من التمييز بين اليهودية، بصفتها ديانة توحيدية ذات طابع عالمي يمارسها افراد ومجموعات بشرية من مختلف العروق والاجناس والامم، والصهيونية بصفتها حركة سياسية عقلانية عنصرية ورجعية فازت بالادانة من فلاديمير ايليتش لينين الى الامم المتحدة[1].

 

هناك تعريفات كثيرة لمصطلح الصهيونية، تماشيا مع التطور التاريخي لتلك الظاهرة الاجتماعية السياسية الملازمة للقارة الاوروبية وتناقضاتها واسقاطاتها الداخلية والخارجية. “الصهيونية الدينية” و”الصهيونية السياسية” هما ابرز شكلين للصهيونية حتى يومنا هذا. بينما يتم التاسيس للاولى على مرتكزات اسطورية ولاهوتية، مع التركيز على البعد الروحي لدى مختلف الفئات اليهودية والمسيحية، فان الثانية تقوم على اسس اقتصادية ـ سياسية محضة، واشتقاقاتها الاستعمارية والامبريالية البحتة ومضاعفاتها العنصرية والفاشية في مختلف مسارح الصراعات الدولية.

 

الايديولوجيا الصهيونية وانعكاسها المتجسد في الحركة الصهيونية العالمية وكيانها الاستعماري العنصري “اسرائيل”، يمكن ان يتشاطرها كل الذين يعترفون بذلك الكيان، بغض النظر عن قوميتهم او دينهم اوعرقهم، ولذلك، كما يوجد صهاينة يهود هناك صهاينة عرب ومسلمون ومسيحيون…الخ. اي انه، فيما يخص الصراع العربي ـ الصهيوني، كل من ينكر حق الشعب العربي الفلسطيني ولاجئيه في الوجود على ارض وطنه حرا سياديا ومستقلا يكن صهيونيا.

 

في اوروبا، مقابل تيار منظري ومثقفي الصهيونية اليهودية، نشا بالتوازي معه وفي نفس السياق، كوكبة من المثقفين والمنظرين (سواء كانوا يهودا ام لا) المناوئين للصهيونية ودحضوا فكرة القومية اليهودية (فهي غيبية وخارقة للطبيعة ولاتاريخية) من أمثال: اسبينوزا، داروين، ماركس، مدرسة فرانكفورت، كوستلر ( هذا الاخير كان شيوعيا وارتد الا انه اشار الى دولة الخزر اليهودية 740 ـ 969 م)[2] ودفعوا بافكارهم حول حل القضية اليهودية، بصفتها مشكلة تاريخية واقتصادية اجتماعية ـ سياسية في القارة العجوز (اوروبا).

 

بغض النظر عن الجدل الخلافي المعهود بصدد كتاب “بروتوكولات حكماء صهيون” (نشر رسميا اول مرة عام 1905) الا انه يشكل منهلا لأسس ايديولوجية واجندات سياسية تتكشف عن تفكير الصهيونية المسيحية والصهيونية اليهودية، اللتين اصبحتا ثقافة سياسية تشترط وتحدد السلوك السياسي للولايات المتحدة الامريكية و “اسرائيل”[3].

 

انني لا اعتقد بتصنيف الافراد والمجموعات البشرية استنادا الى ايمانها الديني. فالواقع التاريخي والراهن يبرهن على ان العامل الاقتصادي، في نهاية المطاف، يشكل شرطا حاسما في ذلك التصنيف،  فهو الذي يحدد الموقع والموقف الطبقي لمكوناته، اي، مصالحهم الطبقية، ويوجه سلوكهم السياسي، داخل المجموعة البشرية و خارجها، سواء كانت تلك المجموعة قبيلة ام امة. فقط فكر المحافظين الجدد، المشبع بالصهيونية المسيحية ـ اليهودية، كما هو الحال لدى صاموئيل هنتيغتون، يستسيغ التصنيف الديني لكي يدعو الى “صدام الحضارات”، من منطلق فاشي، واختلاق صراع متخيّل وافتراضي، للتمويه على الصراع الطبقي الموجود فعلا في كافة المجتمعات البشرية المعروفة حاليا.

 

على كل حال، هناك عامل مشترك بين الصهيونية المسيحية والصهيونية اليهودية اذ انهما في آن واحد معاديتين لليهود . الاولى مسؤولة عن المذابح  بحق اليهود في اوروبا حتى الحرب العالمية الثانية، وتصرّ على تجميع اليهود في فلسطين، كشرط لا غنى عنه لـ ,عودة المسيح المخلّص وابادة اكثريتهم بسيفه في يوم قيامة الهرمجدون,. اما الثانية فانها تشارك في تشجيع الكراهية لليهود ـ الذين تزعم انها تدافع عنهم ـ وشاركت في المذابح النازية حيث أبيد كثير من الفقراء والليبراليين والديموقراطيين الاجتماعيين والشيوعيين اليهود، من اجل اجبار البقية، مع الافضلية للاثرياء، على الهجرة نحو فلسطين، في ظل اقفال ابواب الولايات المتحدة الامريكية، كملاذ آمن، امامهم. كتاب ثيودور هيرتزل “الدولة اليهودية”[4] معاد لليهود في جوهره على الرغم من انه يتظاهر بالرغبة في انقاذهم.

 

في الحقيقة، ظهرت الصهيونية اليهودية كحل استعماري عنصري وإبادي للمسالة اليهودية في اوروبا، واستطاعت تجسيد غايتها في دولة اصطناعية على ارض فلسطين عام 1948، وفي الوقت نفسه، لا زالت تحرص على الحفاظ على هذه الصفة، بدعم من الصهيونية المسيحية التي استحوذت على السلطة في دول المركز الامبريالي، وخاصة الولايات المتحدة الامريكية.

 

بصدد ثنائي الدين ـ السياسة وثنائي الصهيونية ـ الامبريالية

 

ان اشارة ماركس الى الدين قد تعرضت الى تاويلات عديدة خارج السياق الذي ورت فيه، اذ لا يمكننا ان ننسى انه بالنسبة اليه “الدين هو تنهيدة المخلوق المضطهد، والقلب في عالم لا قلب له، والروح في ظرف لا روح له”، وينتهي الى القول المعروف. “الدين افيون الشعوب”[5]، لانه يشوش الرؤية ازاء المشاكل الحقيقية وقدرة المرء على التصدي لها، بيد ان حذف العبارات الاولى، ينم عن نية مغرضة تغيّر الفقرة ، نتيجة للحذف، وتقدم لنا ماركس على انه عدو لدود للمعتقدات الدينية.

 

انجلز، نظرا لتجربته مع الكنيسة البروتستانتية في بريطانيا، وصل به الامر الى الاعلان عن ان الكنيسة عدوة للانسان، وذلك بسبب علاقتها الملتزمة بالراسمالية. “فقد أدرك الرجلان، أن رأس المال قد امتطى رجال الدين، في المسيحية واليهودية، وأصبحوا مثقفيه العضويين، وهذا مكسب له لا مكسب بعده (…) الراسمالية قد امتطت الدين المسيحي وحولته إلى إنجيل راس المال. وباسم الدين راكمت الراسمالية ثرواتها من استغلال الطبقات الشعبية في اوروبا ولاحقا العالم باسره”[6].

 

في حالة لينين، فانه لم يكن يعير اهتماما للمعتقدات الدينية للشعب، الا ان موقفه كان مغايرا داخل الحزب، نظرا للاهمية الفائقة التي كان يوليها للوحدة الفكرية في خدمة وحدة الفعل. وعندما طرح البوند (اليهودي) لدي تشكيل الحزب العمالي الاجتماعي الديموقراطي الروسي، انه يتمتع باستقلالية معينة داخله، حاربه لينين لان ذلك يضعف الحركة الثورية.

 

خلف الصراعات الدينية نجد دائما مصالح اقتصادية وسياسية  تتدثر بالعباءة الدينية، على الرغم من انه يمكن ان تضطلع بها مجموعات دينية محددة على مستوى أول من الاهمية، لكن على مستوى مجتمعي، اعتقد انه في نهاية المطاف، تكون العوامل المادية ومن ضمنها اسلوب الانتاج، هي المحددة. بالاضافة الى ذلك يجب معالجة المسائل الدينية ومثلها المسائل الاخرى، انسجاما مع لينين، بطريقة تاريخية ـ  ملموسة.

 

ان الصهيونية المسيحية كما الصهيونية اليهودية، تتغذى من مفاهيم ومعتقدات اسطورية ودينية نابعة من العهدين القديم والجديد بالاضافة الى التلمود. ان مقولات الشعب المختار والتفوق العرقي والاستثنائية والارادة الالهية وعودة المسيح والهرمجدون، تشكل الخلفية الثقافية لكلتا الظاهرتين. سياسيا، تمثلان مصالح راس المال والطبقات المسيطرة وحتى مصالح نخب الطغم المالية (الاوليغارشية) على نطاق عالمي، والتي تجد في المشروع الامبريالي الصهيوني في فلسطين، قاعدة مادية لا بد منها، من اجل تنفيذ مشروع سيطرتها على العالم. وإلا، على سبيل المثال،كيف يمكن تفسير علاقات الدعم المادي والمعنوي الذي تقدمه القوى الغربية لـ “دولة اسرائيل”؟  و حجيج قادة تلك الدول الى “اسرائيل” في اعقاب انهيارها العسكري في لبنان عام 2006؛ والغواصات النووية الالمانية (دولفين) التي وهبتها المانيا الى “اسرائيل”؟.

 

في العالم الاسلامي ايضا ، حصل تزاوج بين النخب الحاكمة و رجال الدين (الاكليروس)  على الرغم من تحذيرات النبي محمد بن عبد الله من ان الامة تفسد اذا ما فسدت طائفتان: الحكام والفقهاء، ومن ان عالم الاجتماع السياسي ابن خلدون كان يحذر ايضا من مغبة تزاوج المال والسلطة تفاديا لظهور حكومة الاثرياء.

 

في التحليل الاخير، الصهيونية ليست الا ايديولوجية راس المال ولم تعد حكرا على ديانة او امة  بعينها. الوقائع التاريخية والراهنة توضح هذا الراي، وهذه عينة من الحيثيات:

 

1.    مخططات لترحيل يهود العالم (يهود اوروبا بشكل رئيسي) واقامة دولة يهودية لهم في فلسطين، على يد كل من: انجلترا في القرنين السابع عشر والعشرين؛ الولايات المتحدة الامريكية و فرنسا في القرن  الثامن عشر؛ الحركة الصهيونية العالمية في القرن التاسع عشر؛ ومقترح الامبراطورية اليابانية الذي قدمته الى الحركة الصهيونية العالمية قبل الحرب العالمية الثانية والمعروف باسم مخطط فوغو Fugu Plan ( اقامة دولة يهودية في محافظة منشوريا الصينية الواسعة والغنية، الا ان اندلاع الحرب العالمية انهى المخطط)[7].

 

2.    اندماج وتزاوج راسمال روبرت مردوخ (يهودي مسيحي امريكي) مع راسمال وليد بن طلال (مسلم عربي سعودي) في كونسورسيوم وسائل الاتصالات روتانا الشرق الاوسط.

 

3.    الشراكة النفطية بين آل بوش (امريكا) وآل بن لادن (العربية السعودية).

 

4.    الشراكة الاقتصادية المتوسطية؛ العلاقات الاقتصادية المالية بين “اسرائيل” وسلطة اوسلو الفلسطينية؛ والـ “كويز” (المناطق الصناعية المؤهلة) مع مصر والاردن، وحتى عقد قران للزواج بين عائلة بوش الامريكي وعائلة اردنية.

 

العلاقة الخاصة بين الولايات المتحدة الامريكية و”اسرائيل”

 

في الصراع الذي لا زالت تشنه الصهيونية  على الامة العربية ووطنها الكبير، تلعب “اسرائيل” دورا مزدوجا: ازاء العلاقة الخاصة والوحيدة من نوعها في العلاقات الدولية المعاصرة، الولايات المتحدة الامريكية و”اسرائيل” تشكلان كيانا واحدا؛ وازاء الجغرافيا السياسية والمخططات السياسية الامريكية في المنطقة، يقدمان نفسيهما ككيانين مستقلين عن بعضهما البعض. وفي هذا الخصوص، هناك ادراك وتاويلات تنطلق عموما من منظورين، في رايي، يكمل احدهما الاخر:

 

1.      المنظور الكلاسيكي الخاص بالعلاقات الدولية، التي كانت تعتبر تخصصا مستقلا قائما بذاته، وهذا ما تم تجاوزه انطلاقا من نظريات الواقعية الجديدة والتفكير بعدالحداثي. لدى تبني النظريات الواقعية في المجال الدولي (مركزية الدولة)، يتم الانطلاق من ان الولايات المتحدة و “اسرائيل” دولتان مستقلتان وتمتثل علاقاتهما للقانون الدولي العام والاعتبارات الجيوسياسية والجيواستراتيجية. وهنا نلاحظ ان “اسرائيل” في علاقتها بالولايات المتحدة الامريكية قد اتسمت تدريجيا بصفات : دولة مطية، دولة صديقة، دولة حليفة، دولة شريكة، دولة حليفة استراتيجيا وغيرها من التسميات؛ بيد ان العلاقات بينهما لم تفقد الالتزام الاستراتيجي قط.

 

2.      المنظور المتكامل للعلوم السياسية، اذ انها بالاضافة الى ما سبق ذكره، تاخذ بالاعتبار وتبني موقفها استنادا الى ما تعنيه “اسرائيل” في الثقافة السياسية السائدة في النظام السياسي الامريكي؛ و”الاسس التكوينية ـ الايديولوجية للعلاقة الثنائية”؛ والسلوك السياسي لكلتا الدولتين على مسرح الصراع الاقليمي والدولي، والثقافة السياسية في “اسرائيل” المستندة الى التوراة التي تقدم على الاقل خيارين: كل ارض فلسطين لليهود او كل الكرة الارضية للشعب المختار.

 

منذ عام 1956، الولايات المتحدة الامريكية تقرر وتشارك في الحروب العسكرية “الاسرائيلية” ضد البلدان العربية؛ وتتولى مسؤولية السياسة الخارجية والدفاع الاستراتيجي عن “اسرائيل”؛ وتدعم اقتصادها؛ وتقرر في انتخاباتها وفي الاستيطان وتمويل المستوطنين والمستوطنات؛ وهي مستعدة ايضا للدخول في حرب نووية في سبيلها، وتعتبرها فعلا مصلحة قومية لها. بالاضافة الى ذلك نلاحظ وجود عملية متصاعدة للتماثل والتناظر في هيكليات دولتية في “كلا البلدين”، وخاصة في ميادين السياسة الخارجية والخدمات الامنية وعسكريا وفي قضايا متنوعة اخرى.

 

“الامبريالية الصهيونية”

 

في سياق تأملاتي بصدد مقولتي “الامبراطورية” و”الامبريالية”، اود مشاطرة الزملاء الافكار التالية:

 

ان التغيرات التي طرات على الراسمالية المعاصرة وخاصة على ضوء العولمة الليبريالية الجديدة والظواهر السياسية المشتقة منها على الاصعدة المحلية والاقليمية والعالمية، تتطلب “تغيير المنطق من اجل اعادة انتاج المرجعية الحقيقية” لها، بحيث نستطيع فهم الوقائع الجديدة، واعداد افكار واستراتيجيات، ترمي الى تغييرها ايجابيا. دينامكية العلاقات الدولية اعتبارا مما يسمى “نهاية الحرب الباردة”، ظهور او احتمال ظهور لاعبين جدد على المسرح الدولي والتشكيل اللاحق لنظام دولي متععد الاقطاب، ترافق مع المجادلات الاكاديمية والسياسية حول مخاض او امكانية تشكيل ما يسميه كثير من المؤلفين ب “امبراطورية” مجردة او امبراطورية امريكية عالمية.

 

لقد لاحظت وجود عنصر مستجد في هذه العملية الا وهو تماثل واندماج الدولتين في الولايات المتحدة الامريكية و”اسرائيل” (دون اغفال ارتداداتها بين بقية البلدان الامبريالية و”اسرائيل”)، مما افضى الى نشوء “كيان فوق قومي” اطلقت عليه مسمى “الامبريالية الصهيونية”[8]، التي تتوشح بخطط للهيمنة والسيطرة الاقليمية والعالمية.

 

من وجهة النظر القانونية لنظام الاممم المتحدة لا توجد دولة امبريالية صهيونية، كما لا تجد مصطلحات محددة واسعة الاستعمال مثل الامبريالية، مرجعية لها في اطار تلك الهيئة الدولية. ان اشارتي الى ذاك “الكيان فوق القومي الامبريالي الصهيوني”، تستند الى وقائع حقيقية والى السلوك السياسي للولايات المتحدة الامريكية و”اسرائيل”، داخليا وخارجيا، علما بان هذا المفهوم لا زال في طور الانتشار، تماما كما هو الامر في حالة مفهوم “امبراطورية” الذي تعاد صياغته، امام الاوضاع الجديدة الناشئة.

 

راس المال المالي الامبريالي الصهيوني حوّل كل العالم بما في ذلك الانسان والامم الى اشياء وبضاعة. وعندما يصل الامر الى هذا الحد من الفساد المادي ـ الاقتصادوي، تحت سيطرة تزاوج الايديولوجية الصهيونية مع التكنوقراط الامريكي، فان راس المال الكبير يكتسب طابعا فاشيا، وياخذ بتشغيل آليات عنفه اللاعقلاني وينعكس ذلك في حروب وجرائم بحق البشرية. في هذا السياق، يرى زبيغنيو بريجينسكي “ان الحيثيات المتعلقة بالارض لا زالت تشكل المحفزات الرئيسية الناظمة للسلوك العدواني للدول القومية والامبراطوريات”[9].

 

انطلاقا من المنظور المنهجي، من المباح لهذا الباحث (الكاتب) ان يقترح هذا المفهوم واخضاعه الى اعتبار الاسرة العلمية التي يمكنها اعتماده ام لا، على ان تنطلق من ابحاث تجريبية حول الظاهرة، دون اية احكام مسبقة، مهما كان نوعها.

 

الشيء الجديد في هذا المفهوم يكمن في انه يفيد في وسم ظاهرة سياسية حقيقية، تتمثل في المنحى الاضطرادي للتماثل والاندماج بين الولايات المتحدة الامريكية و”اسرائيل”، انطلاقا من ثقافتها السياسية ، المنبثقة عن موروثها التاريخي اليهودي ـ المسيحي، منذ نشوئها كأمة. الادراك الامريكي لـ “اسرائيل” على انها مشروع الهي غير قابل للنقاش وكمصلحة قومية وجيوسياسية امريكية، يشكل المحور المركزي لتلك الظاهرة.

 

طور الامبريالية، وخاصة خلال عهدي جورج بوش الابن، اللذين اتسما بسطوة فكر المحافظين الجدد، جاء ليبلور ويبين تماثل واندماج الصهيونية المسيحية والصهيونية اليهودية، كثقافة سياسية لما قد يكون “كيانا فوق قومي”، يمر بسيرورة تطورية شاملة. اعتقد ان الامر يتعلق بصيرورة مخاض متصاعد ومرئي بشكل متزايد في محتلف ميادين سلوكه السياسي المتكامل. الاحداث الراهنة المتعلقة بايران، على سبيل المثال، تشكل دليلا اضافيا على تقديري هذا.

 

عملية التماثل والاندماج المذكورة كان لها وقعا مباشرا على السياسة الخارجية الامريكية من خلال ما اطلق عليه العربي فؤاد المغربي مسمى “اسرلة السياسة الخارجية الامريكية” متوافقا في ذلك مع اليهودي الامريكي جوناثان غولدينبيرغ الذي يقول في كتابه “قوة اليهود في الولايات المتحدة الامريكية”، “لم يعد ممكنا فصل قوة اسرائيل عن قوة امريكا (…) ولا قوة اليهود عن قوة امريكا”[10]. بناء على ذلك، جاءت الصهيونية المسيحية ، على المستوى الايديولوجي ـ الديني، لتبلور وحدة المصالح والاهداف مع الصهيونية اليهودية، لكي تشكلا معا ايديولوجية المشروع الامبريالي الصهيوني على نطاق الكرة الارضية.

 

اعتقد ان “الصراع بين ابناء البشر تمحور دائما حول السلطة والنفوذ والمصالح الاقتصادية والسياسية وغيرها من المصالح المادية الدنيوية المتعارضة”[11] الخاصة بالمجموعات البشرية المحتلفة سواء كانت طبقات او شعوب او امم او دول. ” الحروب الدينية” او تلك التي تخاض تحت عباءة دينية، وفي نهاية المطاف، لا زالت كذلك بدافع تحرر وانعتاق الشعوب والامم او بدافع الفتوحات ونهب الثروات والتدمير الثقافي للاخرين. هكذا كان الحال منذ روما القديمة حتى حروب ادارة بوش الابن بمباركة من بابا الفاتيكان.

 

ديناميكية التطور الاجتماعي السياسي الداخلي في الولايات المتحدة الامريكية انجبت حركة المحافظين الجدد[12] الذين تشكل ايديولوجيتهم تعبيرا عن تركيز ومركزة كل الموروث الايديولوجي التاريخي للاصولية اليهودية المسيحية الصهيونية منذ بابا الذهب (ايربان الثاني) الى بابا النفط (جورج بوش الابن).

 

ان اهم نفوذ للصهيونية المسيحية في السياسة الخارجية الامريكية يكمن في الاعتراف بـ “اسرائيل” على انها “دولة يهودية”، وذلك نظرا للعواقب الكارثية على القضية الفلسطينية. في هذا الاعتراف وتداعياته تكمن احدى وجوه التماثل والاندماج بين الصهيونية المسيحية الامريكية والصهيونية اليهودية “الاسرائيلية”. كلاهما متطابقتان ثقافيا ـ دينيا، وتزمعان شرعنة استخدام القوة العسكرية والتوسع الجغرافي واحتلال الاراضي ونهب ثروات الاخرين والتدمير الثقافي والابادة الجماعية لامم اخرى، في خدمة دولة يهودية توراتية من الفرات الى النيل، في اطار المشروع الامبريالي الصهيوني “الشرق الاوسط الكبيرالجديد”، بصفته جزءاً من مخطط سيطرته العالمية.

 

ان احدى خصائص المحافظين الجدد الامريكيين تتمثل في ولائهم الايديولوجي والسياسي والعملياتي لـ “دولة اسرائيل”. ان صيرورة التماثل والاندماج بين “الدولتين”، لا تمنع ظهور تعارضات بينهما، بل انها تحلّ دائما بحيث تتم حماية وصيانة وحدة “الكيان الامبريالي الصهيوني” الناجم عنهما.

 

بهذا الخصوص، اشار جيمس بيتراس الى هذا الواقع عندما عالج فضيحة التجسس التي قام بها موظفون في ادارة بوش الابن وغيرهم لصالح “اسرائيل”. ان تبعات هذه الاعمال الجنائية، وفقا للتشريع الامريكي، تتمثل في عقوبات قاسية للجناة؛ ومع ذلك، لاحظنا العكس تماما، مما يشد من عضد تقديري القائل بان الامر يتعلق بنفس الدولة “الامبريالية الصهيونية”، “برأس في واشنطن وذيل في تل ابيب”، مع اعتذاري عن هذا التعبير قليل التداول في الاكاديميا.

 

في الخطاب الذي القاه يوم 20 يناير [13]2005  ركز جورج بوش اهتمامه على استراتيجية النضال في سبيل الحرية والديموقراطية والزعامة الاستفرادية الامريكية للعالم ومهمته المسيحانية والتديّن في سياسته الداخلية والخارجية، وتناقضات مستعصية الحل، من وجهة نظري، في السياسة الخارجية، وبالاخص تناقضين محددين:

 

التناقض الاول يتمثل في اشتراط وربط بقاء الحرية في الولايات المتحدة الامريكية على قيد الحياة، بالحرية في بلدان اخرى. لكن، في فلسطين التاريخية لا توجد حرية بفعل الامبريالية الصهيونية والاحتلال العسكري “الاسرائيلي” للقدس والضفة الغربية وغزة وابادة شعبها، فهل ستناضل الولايات المتحدة الامريكية في سبيل الحرية في فلسطين لكي تضمن حريتها؟ الاحداث التاريخية وسلوك الادارات الامريكية المتتالية، تشكك في هذه المهمة، ناهيك عن ان بوش بنفسه تكفل بتوضيح هذه التناقض الظاهري.

 

التناقض الثاني، انعكس في تكريس “وحدة المصالح الحيوية الامريكية واعمق قناعاتها”. معروف ان احدى اعمق قناعات النظام السياسي الامريكي تتمحور حول فكرة “اسرائيل الاسطورية”، كمخطط الهي يتربع فوق التاريخ والبشرية. ووفقا لما رايناه في هذا البحث[14]  فان “اسرائيل” تشكل احدى المصالح الحيوية الامريكية في الشرق الاوسط.  جورج بوش اعترف بـ واعلن عن ان “اسرائيل” تشكل هذه “الوحدة بين القناعات والمصالح” الامريكية، وبالتالي فان الادارة الامريكية لن تتصارع مع نفسها.

 

ديك شيني نائب الرئيس الامريكي، صرح امام جمعية آيباك في واشنطن يوم 7 مارس 2006،:”نحن ـ الولايات المتحدة الامريكية واسرائيل ـ في تحالف طبيعي (…) ونقود حربا واحدة لكي نحول دون قيام امبراطورية شمولية تمتد من اسبانيا وتشمل شمال افريقيا وصولا الى الشرق الاوسط وجنوب آسيا”[15]. شيني يعترف صراحة وعلى الملأ بان امريكا واسرائيل تشكلان كيانا طبيعيا في تحالفهما واهدافهما ومصيرهما، بينما يحاول تبرير اقامة كيان امبريالي صهيوني على نطاق عالمي، بشن حرب وقائية ضد امبراطورية متخيّلة، واغفال الحقائق الجيوسياسية والجيوستراتيجية القائمة في ذاك الفضاء الجغرافي الطبيعي، حيث الاكثرية المطلقة من دوله على علاقة تحالف مع امريكا وان لم يكونوا حلفاء، فهم يتواطؤون او يسهلون المخططات الامريكية في المنطقة المذكورة.

 

نائب الرئيس الامريكي الحالي ، جوزيف بايدن، افصح بشكل موجز ومركز عن قناعته السياسية واعاد التاكيد على فرضية ان امريكا قد تحولت الى دولة امبريالية صهيونية عندما صرح قائلا: “لو كنت يهوديا لربما اصبحت صهيونيا. انا صهيوني. لا يحتاج المرء لأن يكون يهوديا لكي يغدو صهيونيا”[16]. بكلمة اخرى، ليس شرطا لا غنى عنه ان يكون المرء يهوديا ليكون صهيونيا، لان الصهيونية في نهاية المطاف تشكل فرعا من فروع فلسفة وايديولوجة راس المال الذي بدوره لا يعرف وطنا ولا عرقا ولا قومية بعينها.

 

من ناحية اخرى، جلعاد اردان، وهو وزير البيئة “الاسرائيلي” والمقرب من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، قال: ” اسرائيل لا تتلقى الاوامر من رئيس الولايات المتحدة الامريكية، اذ ان الاسرائيليين، بتصويتهم لصالح نتنياهو، قرروا ان دولتهم لم تعد الولاية 51 في امريكا”[17].  لقد اكد هذا الوزير الصهيوني الحقيقة التي اراد ان ينفيها. “اسرائيل” تحظى بنفوذ واسع في امريكا، والحزبين الجمهوري والديموقراطي، وكافة القطاعات السياسية والاقتصادية وخاصة هيئات القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني الامريكي.

 

في نهايات عام 2006، وافقت ادارة بوش ودعمت مطالب ايهود اولمرت اثناء زيارته الاخيرة الى واشنطن وهي للعلم: منع ايران من الحصول على السلاح النووي؛ الدفاع عن “اسرائيل” في حال التعرض لعدوان ما؛ ودعم خطة اولمرت لتخطيط وتحديد حدود “اسرائيل”. بيد ان بوش رفض قبول الطلب الرابع الذي عرضه اولمرت، الا وهو اعادة تجميع حوالي 80 الف مستوطن يقطنون في مستوطنات متفرقة في الضفة الغربية. بوش فعل ذلك لسببين: ان تمويل تلك العملية يصل الى 20 مليار دولار، وان بوش لا يضمن عواقب الانسحاب حيث ان اليمين المسيحي الصهيوني المتطرف يعتبر الضفة الغربية جزء لا يتجزأ من “ارض الميعاد”. وللتذكير، فان هنري كيسنجر قال للاسرائيليين عام 1974 ” نحن نعلم افضل منكم ما يناسبكم” تماشيا مع ادراكه بان “دولة اسرائيل” لا يوجد لديها سياسة خارجية، ومن الواضح جليا ان امريكا هي من تتولى تلك السياسة الحارجية تاريخيا.

 

في 15 مايو 2008، وفي “الكينيست الاسرائيلي”، شدد بوش على ان “اسرائيل” ستحتفل بذكر تاسيسها الـ 120 في ظل ظروف افضل وقوة اكبر. فهتف وزير الخارجية السابق، سوليفان شلومو بان بوش  اكثر صهيونية من بعض وزراء “الحكومة الاسرائيلية”. لقد تكفل بوش نفسه بايجاز حقيقة العلاقة بين امريكا و “اسرائيل” عندما قال بالحرف الواحد: ” نعلم ان عدد سكان اسرائيل 7 ملايين، لكن في مواجهتهم للارهاب فان هذا العدد يصل الى 307 ملايين؛ لنعلن ان الصهيونية هي كلمة الله؛ هناك وعد قديم (…) بان تكون اسرائيل الشعب المختار”[18].

 

انني اتفق تماما مع تاكيدات بوش القائلة بان “اسرائيل” تشكل مكونا من دولة امريكا وبان الصهيونية، كايديولوجية عنصرية وفاشية، هي كلمة اله الدولة الامبريالية الصهيونية، اي، راس المال الكبير وهو الهها الواحد الوحيد.

 

قبل شهور قليلة نشرت صحيفة “لا خورنادا” المكسيكية مقالا بعنوان “طلسم اسرائيل”[19]، يوضح، من وجهة نظري، بواقعية موضوعية العلاقة القائمة بين الصهيونية اليهودية والصهيونية المسيحية وانعكاسها على العلاقة الخاصة بين “دولة اسرائيل” والقوى الغربية ولا سيما امريكا. (انظر ملحق رقم 1)

 

بناءاً على كل ما تقدم، نلاحظ ان تضافر تجليات منظور العلاقات الدولية ومنظور العلوم السياسية، يجعلنا ندرك ونفكر بوجود صيرورة سياسية متحركة وتطورية؛ اي، انطلاقا من وقائع ملموسة واخرى في طور المخاض، يمكن استشفاف منحى حركة كلا الكيانين باتجاه تشكيل كيان واحد ناتج عن تلك الصيرورة : “الامبريالية الصهيونية”.

 

انطلاقا من مزيد من الابحاث والملاحظة على ارض الواقع، تتوفر الان للعلوم السياسية واسرتها فرصة  لتبنى هذا المفهوم (او رفضه) كجزء من جسم مقولاتها الاكاديمية. ان كونه لا يشكل جزء من المفاهيم القانونية للامم المتحدة، لا يسمن ولا يغني من جوع. الامم المتحدة تستجيب بشكل اساسي للاستفراد العسكري والسياسي وللفكر الوحيد فيما يخص الانظمة السياسية ، وهذه المفاهيم لا تجد لها مكانا في نصوص وقرارات الامم المتحدة.

 

ان عناصر المحاكمة العقلانية المتوفرة حول ظاهرة الصهيونية المسيحية والصهيونية اليهودية، ولتي تتيح لي اسناد مفهوم الامبريالية الصهيونية، يمكن لها ان تساهم في فهم تلك الظاهرة وارساء مفهومها النظري، انطلاقا من العلوم السياسة المنطلقة من الجنوب (السياسي). ان التماثل والاندماج لا يشكلان لحظة زمنية واحدة او امر واقع تام ونهائي؛ بل، وانطلاقا من الحكم على سلوك “كلا الدولتين”، يشكلان صيرورة في طور المخاض وتسير على مستوى بنيوي اقتصاديا وسياسيا وعسكريا. ان معالجتي لهذه العلاقة لم تستنفذ كافة جوانبها وكل جانب منها. ولهذا اوصي بمتابعة البحث العلمي في هذا الموضوع.

 

وفي نفس الوقت الذي لا اشاطر فيه النفاق الثقافي والسياسي الذي وقع فيه مارتن لوثر، وجسّده في كتابه “المسيح ولد يهوديا” فانني اؤكد على قناعتي بان “المسيح لم يولد يهوديا وان الامبريالية نعم ولدت صهيونية”.

 

ملحق رقم  1

مقتطفات من مقال “طلسم اسرائيل”

بقلم إيكتور ديّاس بولانكو Héctor Díaz Polanco، 25  يونيو 2010

 

“طلسم اسرائيل لا زال يجد له عدة تفسيرات. لا احد يتجاهل ان الدولة الصهيونية تتمتع بعصمة مطلقة من العقاب لانها تحظى بالدعم اللامحدود من قبل القوى الغربية. لكن، ماذا يفسر في الوقت نفسه ذاك الدعم اللامحدود؟ الجواب الاول يقول بان الصهيونية قد تحوصلت بقوة في هيكليات السلطة والراي العام الغربي لا سيما في الولايات المتحدة الامريكية، واستطاعت ان تقلب العلاقة التي يوحي بها الحس السوي:   بدلا من ان تكون سياسة القوى الغربية هي التي تحدد تلك العلاقة، فان الصهيونية هي التي تفرض شروطها على تلك القوى. هناك كتب ومقالات جدّية تتبنى هذه الاطروحة.

الجواب الثاني يقدمه بشكل خاص مفكرون يهود واعتقد انه مناسب. بايجاز، يقولون ان ما يفسر سلوك “الدولة الاسرائيلية” موجود في نفس تشكلها التاريخي. اليهودي الارجنتيني ليون روزيتشنر (León Rozitchner ) في مقالة حادة نشرها عام 2009، يطرح ان “دولة اسرائيل” تم تشكيلها على يد قطاع معين من الجالية اليهودية: اي “اليهود الاوروبيون المندمجون” الذين اصبحوا، بواسطة الايديولوجيا الصهيونية، “يهود ـ مسيحيين”. الغرب هو من حفّز مشروع توطينهم خارج اوروبا، في فلسطين، وتاسيس دولة فيها “في خدمة السلطان المسيحي ـ الامبراطوري” البريطاني بداية والامريكي لاحقا. لقد ذكّرنا جاك هيرش (Jacques Hersh ) بان وينستون شيرشل (Winston Churchill )  قد افصح عام 1920 بتهوره البلاغي المعروف، عن ان اقامة  دولة يهودية تتناغم مع “اكثر مصالح الامبراطورية البريطانية اصالة”.

التغير السياسي ـ الثقافي  اي “الردّة اليهودية” الجديدة، تطلّب القيام بخطوة اخرى: “تبديل العدو”. واستطرد روزيتشنر قائلا ان “الدولة الاسرائيلية” قد تحولت الى “راس رمح الراسمالية المسيحية” التي دججتها بالسلاح من الراس حتى اخمص القدمين، لكي تواجه عدوها الجديد: العالم الاسلامي. “لكن، لا المسلمون ولا الفلسطينيون ـ كما يقول ـ كانوا مسؤولين عن الشواه (المحرقة) : الجناة الاباديون اصبحوا الان اصدقاء تلك الدولة، الذين يرسلون اليهود الى خط المواجهة”.

لم يعد الامر يتعلق بدولة ذات مشروع خاص بها، مستقلة بشراسة وقادرة على فرض نفسها على آخرين (امريكا واوروبا)، وذلك لكي تضمن الحماية والرّضا عنها في ظل اية ظروف. ان افعال “الدولة الاسرائيلية” في الشرق الاوسط ليست الا دسائس امريكا وشركائها من اجل فرض مشروعها في تلك المنطقة المضطربة…   ان الانقلاب من “الخوف من اليهود او التحامل عليهم” الى “الخوف من المسلمين او التحامل عليهم) يشكل، على الصعيد الايديولوجي والسياسي، توسيع الحدود الامبراطورية، في منطقة استراتيجية بالنسبة  للمبتغيات الحالية للمشروع الليبرالي الجديد”[20].       

 


[1]  اشارة الى قرار رقم 3379 الذي تبنته الجمعية العامة عام 1975، و الغي عام 1991 بموجب قرار ركيك لا يفسر شيئا.

 

تجدر الاشارة الى ان لينين قد عارض بشدة الايديولوجية الصهيونية وفضح طابعها الرجعي ومخطط اقامة امة يهودية في فلسطين. للمزيد يمكن الاطلاع على مقالة لاحمد الخميسي المثقفون البريطانيون: ” ينبغي لإسرائيل أن تخسر “ المنشورة في مجلة كنعان الالكترونية يوم 26 يناير 2009 في العدد رقم 1784،على الرابط 

 http://kanaanonline.org/ebulletin-ar.

وهناك مزيد من التفاصيل حول موقف لينين من الصهيونية والبوند وتقرير مصير اليهود ودولة اليهود، ويمكن الاطلاع عليها في موقع لجان فلسطين الديموقراطية (تشيلي) على الرابط

http://www.palestinalibre.org/boletin.php?a=6883, publicado el 31 de marzo de 2008.)  

 

[2]   بخصوص دولة الخزر اليهودية يمكن الاطلاع على مقالة ابراهيم علوش بغنوان “شخصية تاريخية يجب ان يعرفها العرب ” المنشور في موقع القومية العربية بتاريخ 2 ديسمبر 2009. على الرابط التالي: www.alkawmiyeenalarab.net

 

[3] يمكن الاطلاع على كتاب بروتوكولات حكماء صهيون وخاصة الصفحات التالية: 52 ـ 56، 58، 60، 63، 75،  77، 81، 82، 85، 99،  109،  111، 120، 127، 145، 147، 166، 167، 168. وللتذكير اسوق هنا قول الفيلسوف اللاعقلاني الصهيوني (الاسرائيلي) أمنون راز كراكوتزكين: “الرب غير موجود لكنه وعدنا الارض” وتصريح الناطق باسم البيت الابيض الامريكي عندما احتلت امريكا العراق : “جئنا لكي نصحح خطأ الرب الذي جعل النفط في بلاد العرب”.

 

[4]  يمكن للقاريء ان يطلع على ملخص الكتاب في موقع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين المنشور يوم 17 ديسمبر 2008، على الرابط التالي: http://www.pflp.ps/index.php?action=Books&id=81

 

[5]   عبارة تعود الى كارل ماركس في مقدمة كتاب “مساهمة في نقد فلسفة الحقوق عند هيغل” لعام 1843. المصدر:

http://lapulpera.blogspot.com/2009/06/la-religion-es-el-opio-de-los-pueblos.html)  

[6]   انظر مقالة عادل سمارة “الحبر الأعظم: رأسمالي وليس مسيحياً ، كي لا يكسب رأس المال التضليل إلى جانب الاستغلال”  المنشورة في مجلة كنعان رقم 942 الصادرة يوم18 سبتمبر 2006، على الرابط التالي:  http://www.kanaanonline.org/articles/00942.pdf  

[7]   للمزيد يمكن الاطلاع على كتاب (ابو مازن) محمود عباس “الوجه الآخر: حقيقة العلاقات السرية بين النازية والصهيونية” ص ص 252 و 253، المنشور باللغة الاسبانية في كوبا عام 1987. وكذلك كتاب الحاخام اليهودي مارفين توكيار وزوجته ماري شوارتز “مخطط فوغو The Fugu Plan، ص ص 94 و95، حيث يقولان: “لو ان هذا المخطط نجح ووصل مئات آلاف اليهود الى آسيا الشرقية، لما وجدت الان القضية الفلسطينية”.

 

[8]   مصطلح مقترح لنعني به تماثل واندماج الصهيونية المسيحية والصهيونية اليهودية كثقافة سياسية للامبريالية عموما والامريكية منها على وجه الخصوص، مما افضي الى نشوء كيان جديد يمر في صيرورة مخاض وتطور كلاعب او فاعل رئيسي في العلاقات الدولية.

 

[9]   انظر مقالة محمد الفطيسي: الجغرافية السياسية والجغرافيا الاستراتيجية… المنشورة يوم 23 فبراير 2009 في موقع الركن الاخضر على الرابط التالي: http://www.grenc.com/show_article_main.cfm?id=14920 

 

 

[10]   انظر مقالة عبدالله الحسن: الصهيونية المسيحية: ايديولوجية المشروع الامبراطوري الامريكي والهيمنة اليهودية، المنشورة على الرابط التالي  http://www.bahethcenter.org/arabic/derasat/derasat11/alsohionia.htm 

 

[11]   انظر مقالة عبدالرحمن جاموس: البابا والميغا امبريالية المنشورة يوم 19 سبتمبر 2006 في موقع الركن الاخضر على الرابط التالي: http://www.grenc.com/show_article_main.cfm?id=3271

 

[12]   توجد تعريفات عديدة لمذهب المحافظين الجديدة وحركتهم، تبعا للثقاة السياسية للمفسرين والمترجمين. بايجاز واستنادا الى تنظيراتهم وسلوكهم السياسي، اقترح التعريف الآتي ” تيار فكر فلسفي ـ سياسي امريكي يروج لشمولية وطغيان الولايات المتحدة الامريكية على نطاق عالمي، على اساس ايديولوجية هجينة مشتقة من معتقدات دينية باطلة، واساطير تاريخية وعناصر من نظرية الجغرافيا السياسة الامبريالية ، المعززة بصياغات نظرية جديدة بصدد نهاية التاريخ وصراع الحضارات. مذهب  المحافظين الجدد ليس الا ايديولوجية الامبريالية وسلوكها السياسي في ظل ظروف القطبية الوحيدة”.

من ناحية اخرى على سبيل المثال يرى ايرفنغ كريستول الاب الروحي للمحافظين الجدد ان مذهبهم احساس فقط وليس حركة ولا موقف سياسي ولا ايديولوجي، انه موشور يدركون من خلاله المجتمع البشري. بالنسبة لآخرين المحافظ الجديد هو “لينيني او ثوري يميني”. ويتم التاكيد ايضا كما يفعل نورمان بودهوريتز على ان حركة المحافظين الجدد غير موجودة، فقط يوجد محافظون جدد. (انها صفاقة ما بعدها صفاقة، لا يضاهيها الا صفاقة بعض المؤرحين الجدد الذين يقولون بان الحركة الصهيونية ما كانت لتقوى ويشتد ساعدها وتقيم دولة اسرائيل لو ان النازية لم ترتكب المحرقة).

 

[13] “Discurso de Toma de Posesión del Presidente George W. Bush” publicado en  http://www.whitehouse.gov/news/releases/2005/01/20050120. 

 

[14]  هذه الورقة البحثية  تشكل جزء من دفاعي  في جامعة هافانا يوم 21 يوليو 2010، عن رسالة دكتوراة بعنوان “السياسة الخارجية الامريكية نجاه القضية الفلسطينية 2000 ـ 2009″.

[15]  http://www.arabs48.com/display.x?cid=6&sid=54&id=35349 publicado el 8 de marzo de 2006.   

[16] عادل سمارة الى ثائر دوري: بلاط الأنجزة وبلاط الأنظمة…لا فرق. المنشور يوم 5 سبتمير 2008 في كنعان الالكترونية عدد 1648 على الرابط  

http://www.kanaanonline.org/articles/01648.pdf

 

[17]  عصام نعمان، لماذا يرفض نتنياهو مبادرة اوباما؟ المنشور يوم 11 ابريل 2009 في صحيفة الخليج الامارات العربية المتحدة .

 

[18] Citado por http://www.moheet.com/show_news.aspx?nid=124709&pg=1, publicado el 18 de mayo de 2008. 

 

[19] Polanco Héctor Díaz, “El enigma de Israel” publicado el 25 de junio de 2010 en http://www.jornada.unam.mx/2010/06/25/index.php?section=opinion&article=012a1pol.

 

[20]  Polanco Héctor Díaz, “El enigma de Israel” publicado el 25 de junio de 2010 en http://www.jornada.unam.mx/2010/06/25/index.php?section=opinion&article=012a1pol

 

عن موقع كنعان

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany