<%@ Language=JavaScript %> د. علي الأسدي نشأة اليسار ... في الحركة الشيوعية المحلية والعالمية ...(3)

   

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

للفيدرالية

لا

للعولمة والتبعية

 

                                              

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين                                    

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                            

 

نشأة اليسار ...

 

 في الحركة الشيوعية المحلية والعالمية ...

 

(3)

 

 

 د. علي الأسدي

 

ناقشنا بايجاز شديد في الصفحات السابقة عبر الجزئين الأول والثاني من هذا المقال الأسباب التي قادت الى ظهور التيارات اليسارية في الحركة الشيوعية في الفترة التي سبقت ثورة أكتوبر 1917 والانقسامات التي ظهرت نتيجة لانهيار النظام الاشتراكي نهاية الثمانينيات من القرن المنصرم. فتلك الانقسامات ما تزال تنهش جسم الأحزاب والتيارات الشيوعية حتى بعد مرور أكثر من ربع قرن على الغاء نظام الاشتراكية من قبل قادتها بناء على ايحاءات رئيس الدولة السوفييتية حينها ميخائيل كورباجيف. وفي الصفحات التالية سنناقش أبرز التيارات التي استمرت تعمل رغم الصدمة التي أحدثتها فيها انهيار الاشتراكية نهاية ثمانينيات القرن الماضي.

 

ومن الضروري التنويه هنا وقبل الدخول في دراسة الصراع الفكري الذي دار بين اليسار الشيوعي من جهة والاشتراكيين الماركسيين ممثلا بالبلاشفة بقيادة فلاديمير لينين من جهة أخرى أن نذكر بأن الحركة اليسارية قد تأثرت بالفكر الأنارخي والمجالسي منذ عهد ماركس. ففي اسبانيا وايطاليا وفرنسا كان للأنارخية حضور مهيمن على الحركة اليسارية ، ففي تلك الفترة من منتصف القرن التاسع عشر كان الصراع على أشده بين ماركس وباكونين وما يزال لحد اليوم محتدما بين أتباعهما حول ما اذا كان من الأفضل للحركة الثورية أن تقيم سلطة مركزية تدار من فوق أم حركة ثورية تدار من القاعدة. ولا يجب أن يثير استغرابنا استمرار التناقض حول موضوع السلطة ولم يلعب الزمن دورا في تضييق شقة الخلاف ، بل العكس هو الصحيح. 

 

ولأن التيارات اليسارية التي انبثقت عن تلك التناقضات  لم تظهر في آن واحد فقد ارتأينا توزيعها على مراحل زمنية ثلاث ، المرحلة الأولى وبدأت مع انقسام الحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي عام 1902الى جناحي البلاشفة والمنشفيك وقيام ثورة أكتوبر عام 1917. وقد سبق وكتبنا حولها باسهاب في وقت سابق إبان عام 2011 تحت عنوان " اليسار الشيوعي في الحركة الشيوعية العالمية " على مدار تسعة أجزاء ولن نعيد التطرق لها الا فيما له علاقة بموضوع هذا المقال.

 

أما المرحلة الثانية فقد بدأت منذ تسلم جوزيف ستالين قيادة الدولة السوفييتية عام 1924وحتى وفاته عام 1953 التي خلالها ازدهرت حملة معاداة الشيوعية وتشويه السياسات الاشتراكية تحت عنوان مقاومة الستالينية التي عززت الانقسام في الحركة الشيوعية العالمية خارج روسيا بشكل واضح. وفي هذه المرحلة تصاعدت شعبية التيار التروتسكي في أوربا والولايات المتحدة بوجه خاص. أما المرحلة الثالثة وبدأت مع تسلم نيكيتا خروتشوف السلطة في الاتحاد السوفييتي. المرحلة الرابعة وهي الحالية وقد بدأت مع صعود ميخائيل كورباجيف وثم سقوطه دون أن يسجل نقطة ايجابية واحدة في صالح الاشتراكية أو في صالح الحزب الشيوعي أو في صالح روسيا أو في صالح شخصه.

 

ونبدأ بالتيارات اليسارية الماركسية التي عايشت تيار البلاشفة بداية القرن الماضي 1902 – 1905 مرورا بثورة أكتوبر واعلان قيام الاشتراكية لكنها اختلفت مع البلاشفة فيما بعد. ويجب  التذكير بأن تيار الشيوعية المجالسية الذي برز كحركة موحدة ووجد له أرضية خصبة في دول هولندا وألمانيا وانكلترا وايطاليا واسبانيا والولايات المتحدة ، لكن سرعان ما ظهر التباين بين قادته فانقسم بناء على ذلك الى تيارين كلا منهما يدين بالولاء للماركسية أحدهما شاع في المانيا وهولندا واسبانيا والولايات المتحدة والآخر تعزز في ايطاليا وبريطانيا. ويعتبر أنتونيو غرامشي  وأماندو بورديغا من أبرز قادة هذا التيار في ايطاليا ، لكن غرامشي تراجع عن أرائه اليسارية وعاد إلى الحزب الشيوعي الايطالي والى الأممية الشيوعية الثالثة متأثرا بالأوضاع التي نشأت بعد عام 1918 في روسيا  وبآراء المفكر الاشتراكي الأمريكي دانييل لي ليون. اما اماندو فقد كان شيوعيا قبل تبنيه التروتسكية ، وحاول تأسيس الأممية الرابعة لكنه فشل قبل أن يفشل قبله بوخارين وفريقه من شيوعي اليسار الشيوعي قبل ان ينجح ليون تروتسكي في تأسيسها عام 1938.

 

كان غرامشي قبل ان يتراجع ويعود للحزب الشيوعي الايطالي هو وعديد من قادة التيار اليساري في ايطاليا يعتقد أن النشاط البرلماني هو نشاط القادة فقط يمارسونه بينما تبقى الجماهير معزولة ومهمشة في حين يقوم أفراد محددين بالعمل نيابة عنهم. فوجهة نظرهم تقول :  يجب على الحزب الشيوعي أن لا يقوم بأية مساومة ويجب عليه أن يحافظ على مذهبه نقيا وعلى استقلاله غير منقوص ازاء الأفكار الاصلاحية ، وأن يكون نهجه الدائم هو السير قدما إلى الأمام دون وقفة وانعطاف في طريق مستقيم نحو الثورة الشيوعية.  ومثل هذا الموقف اتخذه اليسار الشيوعي الألماني أمثال روزا لوكسمبورغ وكارل ليبكنخت بقولهم : " لقد ولى عهد البرلمانية تاريخيا ويجب بكل حزم رفض أية عودة الى طريق النضال البرلماني. "  اليسار الشيوعي الأيطالي والانكليزي لم يتخذا موقفا مضادا للبولشفية والأممية الشيوعية الثالثة كما فعل اليسار الشيوعي الألماني ، بل بقيا على صلة بالبلاشفة قبل أن يقررا العودة اليهم. وقد انتقد لينين الموقفين بقوله :

 

"  انه زعم خاطئ ومتعجرف ومدعاة للضحك  فالبرلمانية في ألمانيا لم يولي عهدها وأن الاشتراك في الانتخابات البرلمانية وفي النضال من على منبر البرلمان أمر لابد منه لحزب البروليتاريا الثورية. وكذلك لاغراض تربية الفئات المتدنية الوعي والتعليم من البروليتاريا ولأغراض ايقاظ وتنوير جماهير القرويين المبلدة والمظلومة والجاهلة. وما دمتم عاجزين عن حل البرلمان البرجوازي وسائر انواع المؤسسات الرجعية ايا كانت فلابد لكم أن تعملوا في داخلها بالضبط ، لأنه لا يزال هناك عمال ممن خدعهم القسس وتبلدوا في بيئة الأرياف النائية والا فقد تصبحون مجرد مهذارين." (1 )

 

قاد حركة ونشاط تيار الشيوعية المجالسية مجموعة من الماركسيين المرموقين والشيوعيين السابقين ضمت اساتذة جامعيين وفلاسفة وشعراء ، لكنهم لم يقودوا أحزابا شيوعية عدا في ألمانيا الذي قاد اليسار الشيوعي فيها حزبا انشق عن الحزب الشيوعي الالماني ما عدا ذلك اقتصر نشاط اليسار الشيوعي عبر فرق وأجنحة  نشطت داخل الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية. والى هذا يعود اخفاقهم في خلق حركة جماهيرية يكونون هم على رأسها لقيادتها نحو دولة اشتراكية تنمو وتتطور وفق منظورهم الشيوعي ، ولأنهم أخفقوا في هذا فقد اقتصر نشاطهم على البحث النظري البحت فلم يلتزموا بنظام الحزب وانضباطه. ومن هذا الواقع مارسوا نقدهم ومن ثم معارضتهم لمنهج قيادة ثورة أوكتوبر. لقد اختار المجالسيون دور المنظر وهو دور المكتبيين من سكنة الابراج العاجية بعيدا عن الحياة الفعلية اليومية لبناة الاشتراكية في روسيا. فقادة الحكومة والحزب والسوفييتات كانوا يتفاعلون لحظة بلحظة مع الفعل ورد الفعل من خلال عشرات وربما المئات من المصاعب اليومية أثناء البناء الاشتراكي في اقتصاد شبه رأسمالي واقطاعي متخلف وسط صراع طبقي حاد ودائم. ولهذا ومع مرور الوقت وجد الشيوعيون المجالسيون وغيرهم انفسهم في عزلة عن أوسع الجماهير.

 

اتسعت شعبية الشيوعية المجالسية اعتمادا على " السوفييتات " التي شكلها العمال الروس في مدينة بيترسبيرغ خلال الاضراب الذي أعلنوه عشية ثورتهم في عام 1905، والتي تعود في الأصل الى تجربة كومونة باريس عام 1871. وقد وجد شيوعيوا ذلك اليسار في تلك المجالس العمالية ما اعتبروه ممارسة نموذجية للطبقة العاملة كأداة للنضال ضد الرأسمالية واقامة الاشتراكية. حيث اعتبرت شكلا مباشرا للديمقراطية يقوم العمال عن طريقها بالادارة الذاتية للعملية الانتاجية في القطاعات الاقتصادية المختلفة وكافة الواجبات الادارية والسياسية في الدولة بما فيها الحكومة والجيش والأمن. فالسوفييتات كانت المادة الأولية التي بنت عليها مجموعة الشيوعيين المجالسيين نظريتهم عن المجالس العمالية ، التي أصبح لها قادة بارزون كان لهم منظورهم الخاص حول النظام الاشتراكي الذي تكون الطبقة العاملة وسيلته وسلطته بعد أن ينهار النظام الرأسمالي الذي كان وشيكا بحسب توقعاتهم في ذلك الوقت من عشرينيات القرن الماضي.

 

شكلت كومونة باريس عام 1871 المرجعية المقدسة لليسار المجالسي قبل أن يعتمدها العمال الروس في اضراباتهم إبان ثورة 1905 - 1907وبعدها في ثورتي شباط وأكتوبرعام 1917. فمع أن عمر كومونة باريس كان قصيرا جدا وانتهى نهاية محزنة جدا ، لكنه خلف تجربة ثرية وعظيمة لم تتكرر في التاريخ اللاحق بعنفوانها واصرار جنودها البواسل على انجاحها ، فدرسها التاريخي خلد تجربة باقية ما بقي الكدح والاستغلال الرأسمالي في العالم. لقد استغرقت ملحمة الكومونيين الأبرار 71 يوما فقط بدءا من 18 مارس الى 28 أيار من عام 1871 .

 

 لقد اعتمدت ثورة أكتوبر نظام المجالس العمالية ( السوفييتات ) خلال سنينها الأولى ويصعب تقدير فترة ممارستها الحقيقية بسبب توالي الأحداث السياسية والأمنية خلال الحرب الأهلية والتدخل الاجنبي الذي فرض على الدولة الاشتراكية ظرفا استثنائيا خطرا هدد وجودها.

 

 حرب التدخل التي قادتها الدول الامبريالية بقيادة بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا وعدة دول رأسمالية أخرى ضد الدولة الاشتراكية الفتية بين عام 1918- 1922 دفعت الاقتصاد الروسي الى شفا الانهيار قدمت الطبقة العاملة خلالها طليعة أبنائها وقودا لها. لقد تطلب هذا من السلطة البولشفية استخدام أقصى آليات الحزم في ادارة شئون البلاد الاقتصادية والسياسية والأمنية ، وأصبح من الضروري تعزيز سلطة الحزب البولشفي أينما كان ذلك ضروريا. لكن تعزيز دور الحزب البولشفي في السلطة الاشتراكية في روسيا لم يحظى بتأييد اليسار الشيوعي في الاحزاب الاشتراكية الديمقراطية في كل من ألمانيا وهولندا وبلجيكا وايطاليا وبلغاريا وبريطانيا بعد أن أيدوها في بادئ أيامها الأولى.

 

وكنتيجة لذلك خاض اليسار الشيوعي حربا اعلامية فكرية وسياسية واسعة للحط من التطبيقات الاشتراكية التي باشرها البلاشفة بعد ثورة أكتوبرعام 1917 دون أن يأخذوا بنظر الاعتبار الظروف القاهرة والمخاطر التي أحاطت بالثورة الاشتراكية ومن ثم بدولتها. فقط أقلية منهم من تراجع عن موقفه المعادي للبولشفيك والدولة السوفييتية أما الأكثرية فقد استمرت في معارضتها وانتقاداتها ورفضت الاعتراف بالنظام السوفييتي كنظام اشتراكي ، بل اعتبرته نظاما برجوازيا وفيهم من قضى جل حياته في تضاد دائم مع الحكومة والحزب الشيوعي السوفييتي.

 

فقد اجمعوا على رأي موحد واحد تقريبا وهو : " أن ما يجري في روسيا هو ديمقراطية برجوازية وثورة برجوازية صغار المزارعين – Peasant Bourgeois Revolution وأن السياسة الداخلية (الملكية الخاصة للمزارعين) والسياسة الخارجية ( العلاقات التجارية والدبلوماسية مع الرأسمالية العالمية) كلا السياستان تثبت أن هناك عملية نقل السلطة إلى الأقلية التي تقود مباشرة نحو " رأسمالية الدولة".(2)

لكن فلاديمير لينين وبعض معاونيه شنوا حملة فكرية ضد تيارات اليمين واليسار الشيوعي خلال السنتين الأوليتين من عمر الاشتراكية لم تترك جانبا فكريا أو نشاطا تنظيميا إلا وتناوله بالنقد والتحليل لكنه لم يحقق الا القليل من النجاح حيث استمرت حملة التنديد بالسلطة والاجراءات التي تم اتخاذها لبناء الاشتراكية. وقد ضمن لينين انتقاداته لليسار في تلك الفترة في كتابات نشرها حينها مفندا ما اورده نقاده. فكتب قائلا : (3)

 

" لم يكن باستطاعة البلاشفة الاحتفاظ بالسلطة شهرين ونصف الشهر لا سنتين ونصف السنة لو لم يسد في الحزب البولشفي نظام طاعة صارم وحديدي حقا ، ولو لم يحظى بأتم التأييد والوفاء من الطبقة العاملة بمجملها وبكل ما في تلك الطبقة من عنصر مفكر وشريف ومتفان ومتنفذ وقادرعلى قيادة الفئات الأقل وعيا وثقافة. ان ديكتاتورية البروليتاريا هي عبارة عن حرب ضروس تخوضها الطبقة الجديدة ضد عدو يفوقها بأسا ، ضد البرجوازية التي تضاعفت مقاومتها عشرة أضعاف لسبب اسقاطها ( وفي بلد واحد فقط ) ."

علي الأسدي \ يتبع في الجزء الرابع

 

نشأة اليسار ...

في الحركة الشيوعية المحلية والعالمية

(1)

 

نشأة اليسار ...

في الحركة الشيوعية المحلية والعالمية...

( 2)

 

 

نشأة اليسار ...

في الحركة الشيوعية المحلية والعالمية

(3)

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا