<%@ Language=JavaScript %> فياض موزان للأرهاب وجه واحد
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

للأرهاب وجه واحد

 

 

فياض موزان

 

اي عقل مريض هذا الذي يقطع الراس ويضعها فوق صدر الضحية ,, وينتشي برؤيتها أوياخذ بيد ولد يافع يشـــــد عليها ليدربها على حز رأس انسان أويفجر نفسه في سوق شعبية او مطعم شعبي حتى انه لايعرف هويات من فيــه .أكانوا .اطفالا..شيوخا..نساء" أم رجالا اشخاص تبلد وتجمد العقل فيهم وتحددعند هذ الفهم ليجد قتل اخيه الانســان سعادة غامرة ومفتاحا للجنة وقد احاط بهؤلاء نفر كثر يهيئون لهؤلاء ولانفسهم الدعم اللوجستي تدفعهم مصالـــــــح ومأرب مختلفة اخرى ظاهرها محاربة الكفر والكافرين والانتصار للدين وباطنها جني المكاسب السياسية والارباح المادية يسوقون تارة ذوي العقول المقفلة الى نحورهم وتارة اخرى يستخدمون ادواتهم المتمرسة بالخطف وتعذيب النفس البشرية لتنفيذ مهام هي دون مهام (قطعان العقلية الانتحارية)

قوى الشر لم هذا التعذيب  والقتل للانسان؟!!! هذا المخلوق العظيم التكوين والصيرورة و منتهى التعقيد والدقة في الخلق ،هذا الانسان الذي "خلق في احسن تقويم" والذي خلقه الله منذ نشأ الخليقة قبل الاف الملايين من السنين في القياس الحالي للوقت والزمن .. اهكذا تنتهي حياته رخيصة ليس لها معنى بعد كل هذا الجهد العظيم في خلقه؟.. الايكفيكم ان تنهوا حياته وتزهقوها !! لم الامعان في تعذيبه روحيا وجسديا ويا ويلكم من خالقه ..لقد غضب عليكم وزاد من سخطه لما تفعلوه بخليقته هذه ،                                                                                        كان يقلقني هذا التفكير كثيرا واقف حائرا عند تفسير هذا السلوك المرضي .. ايقيّض للبشر ان يعذب ويقتل اخيـــه الانسان .

عدت بالذاكرة الى تلك الايام قبل ما ينيّف عن الاربعين عاما ووقفت عند تلك النزعة الشريرة والمتلذذة  بتعذيــــب الانسان والممعنة في السادية وشهوة الانتقام حاملة على اكتافها الافكار والنظريات الانسانية الجميلة وما حملتـــــه الاديان السماوية من عطف ورحمة ورفق بالكائنات جميعا , ما خطب هولاء الناس الذين حملواهذه الافكـــــــــــار  

والمبادىء كي يطبقوها بصورة معكوسة ومغايرة لجوهرها ، انهم ذات الاشخاص ذوو الشهية المفتوحة لعـذابـــات الانسان ، متى ينتهي هذا الفعل المفرط بالانانية والنرجسية الممعنة بالتلذذبعذابات الاخرين وتتلاشى للابد ومن غير رجعة ليصبح هذا الانسان مليئا بالود والمحبة والحنان والرقة والمشاعر الانسانية المرهفة متى يعالج نفسه ويقوّمها    

بهذه الاسس التي زرعها الله في اعماقه .. اتساءل هل يحتاج لمدة تساوي الوقت الذي قضاه الله في صنع مخلوقاته بالقياس الزمني المعاصر كي يصلح نفسه، لست ادري !!!!!!!

 ,

لقد كنت ضحية الفئة الثانية المرضى واللاهثون وراء المكاسب  والمحجبة نواياهم بستارة الدين  وها هي حكايتي معهم رغم انها تجربة خاصة الا انها تعكس حالة شاعت في المجتمع العراقي تقودها عناصر مسلحة على شكـــــل عصابات , تعالوا معي لنقرأها سوية ولنشاهد فصلا بسيطا من فصول الارهاب ويقرأها معنا المدافعون عن حقوق الانسان من خلال نشرها وثيقة تدين الارهاب وازهاق النفس البشرية والتلذذ بتعذيبها وقد حرمت قتلهاجميع الاديان السماوية والحركات والمنظمات الانسانية ولتتضاعف وتتصاعد النقمة عليهم وعلى افعالهم الدنيئة الخسيسة وتفتح الطريق لتحتشد الالاف من الناس منادية بالخلاص ولترميهم وفكرهم المريض الى مزبلة التاريخ غير ماسوف عليهم.

 

 

 

محنتي مع عصابات الخطف والارهاب

 

الساعة قاربت الواحدة ظهرا يوم الاول من آذار /2005 .. المكان مكتبي في عرصات الهندية ..بغداد .. المكتب هو بيت تتقدمه حديقة كبيرة يمتد فيه مرآب على طول 15 مترا يصل بابه الخارجي الحديدي بالباب الداخلي للمكتــــب ويسع لوقوف عدد من السيارات ، كان ولديّ علي وعامر قد غادرا المكتب بسيارتهم التي كانت تشغل حيزا فـــــي المرآب الى جامعتهم ، يتكون المكتب من غرفة استقبال (استعلامات) كبيرة تؤدي الى الغرفة الرئيسية  التي هـــي مكتبي ورواق يؤدي الى غرفتين اخريين للموظفين وهناك باب جانبي  بين مكتبي والمدخل الرئيسي, كان معي في الغرفة حينها شريكي جمال وضيف اخر’ وكان يشغل غرفة الاستعلامات موظف وصادف ان كان ولدي احمد ابن الخامسة عشرة يجلس في غرفة الاستقبال ايضا وقد جاء لتوه من مدرسته التي تبعد عن المكتب 50مترا , احمد ولد في الكويت في 25/11/1990 وقت احتلال الكويت من قبل القوات العراقية  ولد في مستشفى كويتي واشرف علــى ولادته طبيب كويتي ومنح شهادة ميلاد تحمل اسم الجمهورية العراقية محافظة الكويت ما زلت احتفظ بها كنت يوم ولادته موقوفا في الكويت (التي عشت فيها من عام 1970الى عام 1990) من قبل السلطات العراقية "جهاز الامن الاقتصادي" بدعوى الشروع بشراء ادوية بيطرية ممنوعة التداول !! مما اعتبر سببا في اعتقالي لمدة عشرة ايام .

 

دخل على المكتب وبشكل خاطف ومفاجىء ثمانية اشخاص مسلحين وكان الاثنان الذين تقد ما اليّ  لهجة المتكلــــــم منهما كانت لهجة غربي العراق وهو يقول "هل يوجد اجنبي بينكم ؟ هل يتكلم احدكم الاجنبية؟ اجبته بالنفي ..ان هذه الشركة عراقية ونحن عراقيون ولا يوجد بيننا اي اجنبي وكان شريكي جمال والضيف معي في الغرفة وادخلوا الينا موظف الاستعلامات وبقي ولدي احمد في غرفة الاستعلامات والموظفين الاخرين في غرفهم واجلسوا الثلاثــــــة ارضا  قالوا من صاحب الشركة .. قلت لهم انا صاحب الشركة ولم اشر الى شريكي خوفا عليه فأن اعتقل سيقتلوه حتما سيما وانه مسيحي الديانة واخوه صاحب معمل عرق العصرية اكبر معمل كحول في بغداد ومن اثرياء بغداد وهم اصلا من قرية "القوش" شمال العراق ومن اصول فلاحية ومعروفين بعنادهم اظف الى ذلك انه كان يحــــب اخاه حبا" جما" ، تقدم احدهم وضربني على مؤخرة عنقي بالبندقية اسقطني ارضا وشد وثاقي بعد ان ربط يدي الى الخلف بواسطة حبل كان معهم وساقوني عبر غرفة الاستقبال الى خارج المكتب وكنت قبلها احاول الهــــرب مـــن الباب الجانبي المؤدي الى المدخل الرئيسي من غرفتي الا انه وجه سلاحه نحوي مهددا بأطلاق النار علي .

 

شاهدت ولدي احمد كان وجهه الى الحائط ويداه مرفوعتان الى الاعلى واضعا اياهما على الحائط ولما سمع الحركة حاول الالتفات نحوي ليراني وصرخ به احدهم در وجهك حيثما كنت والا افرغت المسدس برأسك .. فما كان منه الا ان ادار وجهه ناحية الحائط وعلمت بعد اطلاق سراحي انهم سألوه اثناء دخولهم المكتب ..عن شخصه قال انه فراش المكتب ولم  يذكر لهم انه ولدي وكانت منه التفاتة ذكية .

 

اخرجت من المكتب وكانوا هم قد ادخلوا سيارتهم الى آخر المرآب وقد اداروا مقدمتها صوب المدخل الرئيــسي ومؤخرتها الى باب المكتب كي يسهل عليهم ادخالي في صندوقها الخلفي حملوني ووضعوني فيه واغلقوه وكانت سيارة اخرى تعترض طريق الباب الخارجي وتحول دون دخول اي سيارة تروم دخول المرآب من زائرينا او من معارفنا ، تمت العملية بسرعة فائقة وخاطفة ومن قبل اناس محترفين عمل الاختطاف .. جمعوا الموظفيــــــــن والمراجعين الاخرين وادخلوهم الحمام واغلقوه عليهم وهددوهم بعدم فتحه والا سيقتلوا – هذا ما علمته مؤخرا- وغادروا المكتب الى جهة مجهولة,اسرعت السيارة وانا في صندوقها مقيد اليدين واستمرت في المسير ردها من الزمن توقفت اثنائها واستبدل طاقمها وكنت طيلة فترة وجودي في صندوق السيارة وطيلة الطريق  اسمـع تلاوة للقرآن من خلال مكبرات الصوت في مؤخرة السيارة وليوهموني بأنهم من الجماعات الاسلامية او ما يسمــــون "بالمجاهدين" ، وصلت السيارة الى بيت ولجته وكنت اشعر ان السيارة قد ارتقت مرتفعا قليلا ، غطوا السيـــارة بغطاء ، شعرت بأختناق وضيق في التنفس مما حدى بي ان افك وثاقي وانتزع بطانة الصندوق القماشية علّ اجد ثقبا او فتحة اتنفس منها وفعلا وجدت ثقبا من خلال قفل الصندوق وضعت انفي عليه اشم قليلا من الهواء وابعدت عني شبح الاختناق بقيت على هذه الحال حتى المساء كنت اسمع خلالها صفارات انذار سيارات الشرطة واسمــع اذانا قريبا يصدر عن مسجد لايبعد كثيرا عن مكان احتجازي . فتح احدهم صندوق السيارة وكان ملثما وسألني ما اسمك .. ما عائلتك ..اجبته على اسئلته اغلق الصندوق وغادر.. وبعده بساعة جاء اثنان ملثمان ايضا ..قالوا  لماذا فككت وثاقك ؟ اجبتهم .. لقد اختنقت ولم يكن امامي غير ذلك .. عنفوني .. شدوا وثاق ارجلي ويديّ ووضعـــــــوا شريطا لاصقا على عينيّ وفمي اغلقوا الصندوق وخرجت السيارة ..توجهت الى مكان آخر سارت بحدود الساعة وهي تلف وتدور مرة على شارع سويّ مسفلت واخرى على ارض وعرة الى ان وصلوا الى دار ادخلوا السيارة اليها حملوني الى داخل الدار شممت رائحة البخور وكأنك تلج احد المقامات الدينية وضعوني على فراش علـــى الارض تلمسته كان بساطا صوفيا بقيت بحدود العشرة دقائق  على هذه الحال .. جائني اثنان كانت لهجتهم ايضا مثل لهجة الخاطفين وبدأوا بطرح الاسئلة عليّ وكان احدهم يحاول التكلم بلهجة الجنوب لكنهـــا بالنسبة لي كانت واضحة

وظاهر عليها صفة الانتحال ...... سألوني عن اسمي ، اسماء اولادي , زوجتي , تحصيلي الدراســـي تحصيــــل الاولاد الدراسي .. ابنتي في اي مدرسة وما هو زيها  وكم عمرها ؟.. وتوالت الاسئلة .. انت متهم بالعمل مــــــع "المجــاهديـن " وامدادهم بالمال انت ساعدت بتفجير سيــارة محمد باقر الحكيم في النجـــف .. ما رايك" بالمتعة " اجبتهم اني بعيد عن                                                                

كل ما طرحتموه ولا افهم ما تعنية "المتعة" فانا رجل حنفي على مذهب الامام ابو حنيفة النعمان , اجاب احدهما " "جابوية نادي سيد حيدر يحقق وياه هيئته ما يريد يعترف " كنت ادرك تماما تصنعه التكلم باللهجة الجنوبية ومــــا يرمون اليه.. تركوني على ما انا عليه حتى صباح اليوم الثاني .. جائني شخصان وحملاني الى الخارج ووضعاني في صندوق السيارة مجددا .. سارت السيارة وهي تجتاز طرقا مختلفة وبسرعة فائقة حتى ان رأسي تجرحت مـــن شدة الارتطام بجدران الصندوق ، مرة كأننا نقطع سكة حديد للقطار ومرة نسير عبر طريق وعرة واخرى مستوية مسفلته .. مشينا لاكثر من ساعة دخلنا مكانا فتحت فيه بوابة حديدية كبيرة عرفتها  من خلال صريرها، فتحـــــــــوا صندوق السيارة اخرجوني منه وطرحوني على ارض كونكريتية جاء احدهم ,فك وثاقي ونزع الشريط اللاصق من على  عينيّ وفمي وجاء بربطة شدها على عينيّ وحبل ربط به يديّ وارجلي بطريقة استطيع التحرك معها واتناول الطعام وحذرني من نزع  العصبة من على عيني ّ وقال لي انت هنا تنسى اسمك واختر لك رقما نناديك به حتى وان ناديناك بأسمك الحقيقي فلا ترد علينا او تجيبنا اخترت رقم (99) وهو احد اسماء الله الحسنى وكنت الى هذا الوقت معتقدا انهم من "المجاهدين" كما كانوا يطلقون على انفسهم ونسبوها علنا لانفسهم في هذا المكان .

قادوني بيدهم ، فتحت طاقة حديدية انزلوني الى سلم حديدي فيه ما يقارب العشرة درجات يؤدي الى نفق تحــــت الارض والى باب اخرى لا استطيع رفع رأسي للاعلى لانه يرتطم بسقفها .. قادوني الى داخل هذه الغرفة وطلب مني النوم بالمكان الذي حدده لي ..انه لايتجاوز ال50سنتمترا عرضا والمترين طولا استطيع فقط التقلب فيه على ظهري وعلى جنبيّ واستلقي على ظهري وارشدني الى مكان جلوسي عندما يحين وقت الطعام "استدر بزاوية 90 درجة وتقهقر الى الخلف حتى تتكأ على الحائط وعندما ننزل اليكم تبقى بالموضع الذي انت عليه ولا تغيره .. لاتتكلم مع الاخرين او تفتح عينيك فهناك كاميرات واجهزة مراقبة  تراقبكم وان وجدناك تتكلم مع احد فيكــــــــون مصيريكما الذبح وقطع رأسيكما .تر كني وغلق الباب الاول  من وراءه وذهب الى الاعلى ليغلق الباب الثاني بقيت لمدة تجاوزت الساعة رفعت  العصبة عن عينيّ في محاولة مني لاستطلاع المكان، كانت الغرفة مظلمة وبقيــــت لحضات حتى اعتادت عيني على العتمة فيها وبدأت اميّز الاشياء الا انها كانت تبدو لي ظلالا الغرفة لاتتعــــــدى المترين والنصف عرضا والاربعة امتار طولا  يتدلى من السقف سريرين حديديين مربوطين بسلاسل  الى السقف يرقد فيهما شخصان والى يميني يوجد شخص آخر رجلاه نحوي ورأسه الى الجهة المعاكسة والى يساري ستارة من القماش تفصل بيني وبين شخص آخر  يرقد بنفس اتجاه الشخص الاخر اما في الجهة المقابلة فهناك اربعة اشخاص اتجاه ارجلهم نحو ر أسي  ورؤسهم الى الجهة الثانية من الحائط كان عددنا تسعة اشخاص , وهناك فتحة بالحائط مثبت عليها مروحة هوائية تدفع الهواء الى داخل الغرفة ويشع من خلال شقوقها بعض الضوء ليضفي لمسة ضوء على الاشياء التي لايمكنك تمييزها بوضوح .

كان الوقت صباحا عندما جيء بي الى هذا المكان .. فتحت الباب ودخل شخصان يجلبان الفطور لنا وهو عبارة عن قطعة خبز"صمونة" وفي داخلها بيضة مسلوقة وكان هذا فطورنا طيلة الوقت الذي قضيته في هذا المكان ، وقبل ان يوزعوا الفطور علينا كانوا يخرجوننا الى المرحاض لقضاء حاجتنا ويقودوننا كالعميان معصوبي الاعين ليجلسونا عليه مع قليل من الماء وبعد عودتنا الى الاسفل نغسل ايدينا قبل تناولنا الطعام ، يتركونا بعدها ويغلقوا الباب علينـا وقد تركوا وعاء" "جليكان" لغرض التبول طيلة النهار والليل  مع قنينة ماء للشرب والى اليوم الثاني ، وكانــــــــوا يأتونا بوجبتين من الاكل ظهرا ومساء وفي احيان كثيرة  يحرمونا وجبة العشاء ، كنت اراقب المعتقلين وكـــــــــان معظمهم يصلي ويكثر الدعاء الا شخصا واحدا وهو الذي كان على يساري خلف الستارة ، بدأت اراقبه كان ضعيف

 البنية متوسط القامة شعره طويل يمارس الرياضة ولساعات عديدة تمتد احيانا لساعتين او اكثر اعتقدت انه لم يكــن عراقيا او عربيا وهويمارس الرياضة كي يحافظ على لياقته البدنية قلت بالتأكيد اما ان يكون امريكيا او اوربيــا عند الصباح وعندما نغسل ايدينا كنت اشم رائحة معجون الاسنان تنبعث من ناحيته فقد كانوا يميزونه عنــا حيث كنــــــا نغسل افواهنا بالصابون والماء .. مرة احصيت له 2540 حركة رياضية دون توقف .

بعد عشرة ايام جائني احدهم واخذني الى الطبقة العليا حيث غرفة التحقيق والتعذيب ، قيد يداي الى الخلف وربـــط شريط لاصق على عينيّ وعلقت من ارجـلي الى الاعلـى وبدأوا ينهالــون علي بالضرب من كـــل صوب بــعصي بلاستيكية ويلسعون جسمي برعدات كهربائية من جهاز او عصا كهربائية وكان جسمي يختض لها بعنف شديـــد .. اخبرنا عن عملك مع الامريكان؟(رغم اني لم يكن لي عمل مباشر مع الامريكان انما مع الشركات العراقية ومــــع المؤسسات الحكومية) هل المكتب ملك لك ام بالايجار؟ كم رصيد حسابك في البنك؟ بدأ الضرب يشتد والاســئلـــة تنهال عليّ خبرنا كم عقد ابرمت مع الامريكان؟ ان اخرجناك كم تدفع لنا ؟ ... قلت ان اخرجتموني وتركتمونـــــي اعمل تحت حمايتكم اعطيكم مليوني دينار – اي ما يعادل 1500 دولار شهريا ضحك "الحجي" الذي يقود التحقيق معي وقهقه عاليا .. ما رأيك ان اعطيتك انا "شدة" شهريا اي عشرة الاف دولار  قلت له يظهر انكم اغنياء كفايــة لتمنحني مثل هذا المبلغ فأنهال علي الضرب وبشكل اعنف يرافقه مزيد من الرعد الكهربائي .  " الحجي " هـــــو الاسم الذي كانوا ينادون به قائد التحقيق .     

 

طلبوا مني ان اغني لهم !! قلت كيف اغني وانا بهذه الحال ؟ لا اقدر على ذلك .. وبدأوا بالضرب مرة اخـــــرى ويصروا على ان اغني فلم يكن امامي الا ان اغني عسى ان يوقفوا الضرب .. غنيت دمدمة لهم .. وعندها عادوا الى ضربي وهم يرددون " ما تستحي على شيبتك تغني !!!" طيب احكي لنا نكته .. استمر الضرب والتعذيـــــب ورأسي متدلية تكاد تلامس الارض حتى امسى الطعام ينزل من معدتي عبرفمي الى الارض .. لم اعد اشعر بالالم فقد تخدرت المناطق التي كانوا يضربوني عليها , وبعد ثلاث ساعات او اكثر انزلوني ارضا وفكوا وثاقي وابقـــوا اللاصق على رأسي وعينيّ وجائني اثنان منهم وحملوني بينهما وركضوا بي ليتوقفوا فجأة ويوقفوني على ارجلــي ويطلبوا مني ان ادعك باطن قدمي واحركهما على الارض بحركات مساجية ، كان الغرض من ذلك اعادة جريــان الدم في عروق ارجلي فقد كانت قدماي كالحجر لا احس او اشعر بهما عند ملامستهما الارض فقد ماتت الاعصاب فيهما حتى ان الطبقة العليا من الاقدام بقيت لمدة ثمانية اشهر لا احس بها رغم عمليات المساج والرياضة التــــــــي مارستها بعد اطلاق سراحي والاشراف الطبي , اعادوا ربط يديّ ورجليّ الى الوضع الذي قيدوني فيه عند وصولي هذا المكان وقالوا أمامك اربعة عشر نوعا آخر من التعذيب فالاحسن لك ان تعترف , كان عملهم احترافيا وتأكـدت من خلال طريقة التحقيق والتعذيب والمعاملة انهم كانوا من اجهزة الامن او المخابرات الصدامية . كــــان احـــــــد الحراس يراعيني  لكبر سني وكأن الله هداه لذلك كنت لا اشتهي الطعام فكان يجبرني عليه .. احضر لي مرة مرهما كي ادهن قدميّ المتورمتين والمتشققتين من جراء شد الحبل والضرب .

 

كنت اراقب الاخرين .. اراقب شكل الغرفة اظافة الى الكهرباء التي كانت تأتي متقطعة ..وكانت هناك مولدة كهرباء تعمل حالما تنطفيء كهرباء الدولة . كنت اسمع اصوات الطائرات السمتية والحربية الامريكية فوقنا، امطرت الدنيا واستمر المطر لثلاثة ايام دون انقطاع مما سبب بأنقطاع   الكهرباء وعطل المولد الكهربائي فتعطلت على اثرهــــا دافعة الهواء وامسى الجو خانقا لايطاق وبدأ تنفسنا يضيق بسبب ان الغرفة كانت تحت الارض اظافة الى انهــــــــا محكمة الغلق وكأنها براد لحفظ الاطعمة .. اضطروا لفتح الابواب كي يدخل منها الهواء الينا وفي حينها كنت اراقب المكان واتفحصه بعد ان ارفع العصبة عن عيني كان هناك سلما حديديا يوصل الى الغرفة وفي نهاية السلم نفــــــــق صناعي من هيكل حديدي مغلف بالموكيت ليخدعونا بأنه نفق حقيقي وهو متحرك متى ما قاموا بأخراجنا صباحــــا يعدوه ويوصلوه بين الباب السفلي والسلم ، سقف الغرفة كان من حمالات حديدية ملقى عليها صفائح حديدية مغطاة بطبقة من الكونكريت .

 

كانت الستارة التي بيني وبين الشخص الاخر تتحرك بطريقة تسهل عليهم مرورهم الينا لانها كانت تفصلنـــا عــــن الباب والجزء القريب منه والذي كان مستلقيا فيه  هذا الشخص .. كانوا يحاولون امتحاني ان كنت ازيح الستـــــارة واتحدث الى هذا الشخص فيضعون علامات مميزة ان حركتها او اجتزتها فهي الدليل باني تجاوزت الى المنطقــــة التي ينام فيها .. كنت حذرا جدا ولخبرتي السابقة معهم من خلال السجون التي تعرضت لها منذ الفترة المبكرة مـــن عمري عندما كنت امارس العمل السياسي كنت احاول ان لا اعطيهم دليلا معينا ،

الشخص الذي كان على يميني والذي يحمل الرقم (6) كنت اراقبه حيث كان يكثر من الصلاة ليلا ونهاراو يكثر من الدعاء  ويبكي اكثر الاحيان .. كان خائفا ومرعوبا وكأنه يعلم ان مصيره هو الموت المحتوم  يقوم احيانا يتبـــــول بالوعاء "الجليكان" الذي تركوه لنا لهذا الغرض وبعد انتهائه من التبول يقترب من الحائط ويمسح عضوه به وكأنه يتطهر من النجاسة كي يمارس طقوس الصلاة والدعاء كنت اراقب حركات وسكنات الاخرين الذين كانوا يخافون ان ينزعوا ربطات اعينهم ,

 

احدهم والذي كان ينام في الجهة المقابلة لي تعرفت عليه عندما نقلنا الى السجن الاخر بعد شهر في هذا السجن اسمه احمد العبيدي .. كان يعمل بلبنان وقد عانى  كثيرا هناك دخله بعد رحلة عذاب طويلة نقلته من بغداد الى دهوك فــي شمال العراق وعمل عاملا في مطعم الى ان وفر له مبلغا استطاع دفعه الى المهربين كي يوصلوه الى لبنان وبعد ان وصل هناك لم يكن معه غير عشرين  دولارا حتى انه كان يفتش في حاويات قمامة المطاعم كي يجد له لقمة يقتــات بها وبعد فترة ليست بالقصيرة وجد له عملا في احدى الاسواق المركزية حيث امضى هناك اربعة سنوات تحسنــت اوضاعة المادية فيها الا انه كان مخالفا لقانون الاقامة ولسوء حظه صادفه حاجز للدرك اللبناني ليلقيه في سـجــــــن رومية في بيروت بقي فيه لمدة ثمانية شهور سّفر بعدها الى العراق ابان فترة الاحتلال الامريكي , كانت له حكايات كثيرة هناك اظافة لما تقدم سردها لي  في المعتقل الاخــــــــر الذي نقلونا اليه بعد شهر من وجودنـــا في المعتقـــــل الاول سآتي  للحديث عنها لاحقا ، كان مربوط بقيد حديدي "كلبجة" واصابه اسهال  حاد وصار يتألم ويصرخ ويدق على الباب وليس هناك من يسمعه او يرد عليه مما اضطره ان يتغوط في ملابسه وعندما جاؤا في اليوم التــــالـــــي اخرجوه ليغتسل وينظف ملابسه فقد عبأت رائحته الغرفة.                                                                               

 

بعد عشرة ايام اخرى اي بعد عشرين يوما من اعتقالي نودي علي واخذوني الى غرفة التحقيق وبدون سؤال علقت من ارجلي .. قالوا احكي لنا عن عملك فأنت لم تعترف بالمرة السابقة شرحت لهم عن عملي وعن الشـركـــا ت او الجهات الحكومية التي كنت اتعامل معها والعمل الاخير الذي نفذته مع وزارة الصناعة يظهر انهم ااقتنعوا بحديثي ومطابقته مع ما ادليت به في المرة السابقة  فقد وجدوه مطابقا لا اختلاف فيه ومنه تولدت لديهم القناعة بصدق ما    

ما اقول ومن خلال التقصي الذي قاموا به عني وعن عملي كانت لديهم معلومـات كافية عن عــملـــي مع وزارة الصناعة وعن الاشخاص الذين اتعامل معهم فيها مما يدلل ان لديهم اشخاص في الوزارة المذكورة يمدوهــــــــم بالمعلومات حيث انهم في نفس اليوم الذي خطفوني فيه  كنت قد قبضت شيكا من الوزارة واودعته في حسابي في البنك وعندما عدت من البنك الساعة الثانية عشر كانوا في الساعة الواحدة من اليوم نفسه قد داهموا المكتب وبعــد خروجي علمت ان الشخص الذي كان قد حصل لنا على المناقصة هو "العلاس" اي المخبر.  انزلوني وقــال لـــي "الحجي" ان اهلك أقامواعليك الدنيا وأقعدوها, سنسجل لك شريطا .. لمن تريد ان تسجله وتبعثه .. قلت لعائــلــتــي صمت لبرهة وقال سنملي عليك الرسالة التي سنسجلها لك عندما اضربك على كتفك الايمن تبدأ بالحديث ان اخطأت اضربك على رأسك فتتوقف عن الكلام ثم نعيد الكرة ثانية " اذكر اسمك الكامل واطلب منهم ان لايتصلوا بالشرطة العراقية او بالقوات الامريكيية وان شخصا اسمه رعد سيأتيكم ومعه شروط عليكم قبولها بالكامل وانك قد انتهـــــى التحقيق معك واعترفت عن جميع اعمالك واشغالك وكل ممتلكاتك .. وطلب ان امزج الحديث بالبكاء اثناء التسجيل .. قلت له لا اقدر على ذلك وكان يخامرني شعور ان الشريط ان وصل عائلتي بهذه الطريقة فسوف يكـــــدرهــــم ويجعلهم اكثر ضعفا امام المساومة التي يمليها عليهم الخاطفـــون .. قال نحن نعرف كيف نجعلك تبكي !! ضربني بالعصا الكهرباية  .. خرجت مني صرخة مكتومة تنم عن الم  انما لم ابكي .. بعد انتهاء عملية التسجيل اعادوني الى الغرفة تحت الارض ، بقيت عشرة ايام اخرى ويكون قد مر على اختطافي شهرا كاملا .. لم يتم خلالــهـا التحدث نهائيا مع اي من المعتقلين حيث كان الكل خائفا من التهديدات التي يرددها الخاطفون من ذبح وسلخ على ايـــــدي "المجاهدين" المعروفون بعدم ترددهم في قطع الرؤوس كما يشيرون ، كل هذه المدة المنصرمة كنت خلالها مقيد اليدين معصوب العينين .

 

بعد انقضاء الشهر جائني الحارس الذي اسلفت عنه بمداراتي والاهتمام بأكلي ومعالجتي- وكنت اميزه من خــــلال صوته- ..ربت على ظهري وقال "يالله انهض " شعرت من خلال طريقته بالتعامل في اخراجي الى الطابق العلوي  كأن هناك نية لاطلاق سراحي خصوصا وانهم قبل يومين البسوني قميصا غير الذي كنت ارتديه ..تسلقــت السّلـم الحديدي بعد اجتياز النفق المزيف وعند الوصول الى الاعلى طرحت ارضا وقاموا بتغيير وثاقي حيث ربطـــــت رجليّ الى بعضهما بأحكام وربطت يديّ الى الخلف وبأحكام ايضا وتم الصاق شريط على عيني وعلى فمي وفـي الوقت ذاته شعرت انهم جاؤا بشخص اخر من تحت وعملوا معه نفس الاجراءات الا ان يديه كانتا مربـوطتــــــان ب"كلبجه" سمعت ذلك من خلال حديثهم معه رفعونا عن الارض واودعونا صندوق السيارة ادخلوه الصندوق قبلي وانا بعده .. سارت السيارة بنا وكانت تتوقف بين الفينة والاخرى ويفتح غطاء الصندوق ويطل علينا احدهم ليتأكـــد من وجودنا كانت حركة السيارة بطيئة وتسير على ارض زراعية وعرة كانت سببا في مشيتها الهوينا .. وبعد مـــا يقارب النصف ساعة وصلنا الى مكان يبدوا انه مزرعة ، ميّزتها من خلال صرير بابها الحديدي ,ولجت السيــارة المكان ..توقفت .. رمونا انا وصاحبي ارضا .. كانت الارض وعرة رطبة بعد قليل جاء شخصان حملوني بأيديهــم الى مكان اخر ورموني على ارض صلبة ملساء .. وبعد لحضات  رمو عليّ بكلب صغير  ثم بطة ..اسمع نباح كلب واصوات الدجاج بقيت  مرميا على هذه الحال  لمدة تقارب النصف ساعة جائني بعدها  احدهم فك وثاقي ونـــــزع الشريط اللاصق من على عينيّ وفمي وابدله بقطعة قماش شد بها عينيّ وربط رجليّ ويديّ بطريقة استطيع التحرك معها واستعمال يديي في الاكل والشرب .. قال انهض بلغة عسكريـة واضحـة نهضت ومشيت قليلا طلب منــــــي الارتقاء الى دكة بعدها دفعني  واذا بي اسقط من هوة الى الارض على رأسي وكأني سقطت في حفرة ..اقتادنــــي ثانية وادخلني قبوا ضيقا كتفاي تكاد تلامس جدرانه من الجانيبن واستطعت التحرك وقوفا فقد كان السقف مرتفعــا قليلا ...اجلسني وقال تنام هنا، كانت الارض مفروشة بقطعة من النايلون الشفاف وعليها بطانية ووسادة قد تركــت فيها أثرا رؤوس نامت عليها  قبلي  .. كنت انام اخر هذا القبو وكان صاحبي الذي جلبوه معي ينام في اثري .. قـال الحارس لي وبلهجة آمرية جافة " انهض وامسك الحائط بيدك وسر معي بهذا الاتجاه " حتى وصنا النهاية الاخرى للقبو.. .. كانت هناك علبة صفيح "تنكة" قال هنا تتغوط وتتبول .. هذا هو مرحاضكم واعطى لكل واحد منا رغيـف خبز وموزتين اثنتين وقنينة ماء للشرب وترك قنينة جنب" التنكة" وغادرنا وبقينا داخل القبو لانكلم بعضنا وكــــأن الخوف من السجن السابق قد خيم علينا وترك  بصمته فينا .. مر وقت طويل رفعت العصبة عن عيني لم ارى شيئا فقد كان ظلاما دامسا لاترى فيه حتى اصبع يدك  ليس هناك من شباك او فتحة هواء سوى بعض  الشقوق فـــــــــي الحائط .. التي هي اساسا فتحات بين الطابوق لم تملأ بالسمنت  .. لانسمع سوى اصوات البط والدجاج ونباح الكلاب ونقيق  الضفادع وصياح الديك الذي كنا نعرف منه ان الوقت فجرا وان الصباح ات وعندما يهجع الدجاج الى اقنانه فهو المساء وان الغروب قد خيم.  

مريوم لم نسمع فيه او نشعر بوجود بشر في هذا المكان وفي  المساء تحدثت مع صاحبي همسا بعد ان طلبت منه ان يقرب رأسه مني .

بعد يومين جائنا الحارس وناولنا اربعة ارغفة خبز واربعة تفاحات وقنينة ماء لكل واحد منا ،  لم يتحدث معنا كثيرا طلبت منه دواء لمعدتي فكنت اشكو من قرحة فيها ، رمى الاشياء علينا غادرنا بعد ان اغلق الباب من خلفه لــــــم نتحرك او نتحدث لاكثر من ساعة خوفا من ان يوهمنا بخروجه و هو لم يزل داخل القبو وبعده لم نسمع صوتـــــا

لاحد .. قربت رأسي من رأس صاحبي همست في اذنه بصوت منخفض ، من انت ؟ وما قضيتك ؟ حدثني عنك ؟ " لقد خطفوني من الشارع " قالها بنبرة متعثرة وصوت يكاد ان لايسمع .. كانوا اربعةاشخاص "ضربوني علـــــــى  

مؤخرة رأسي بالمسدس وسال الدم على وجهي وقميصي قاومتهم فأني امتلك من القوة ما تجعلني استطيع الـفـــرار منهم الا ان احدهم وضع  مسدسه  بين اضلعي وشعرت حينها انه جاد بقتلي مما اضطرني للاستسلام لهم ، وفــــي التحقيق اتهموني اني اعمل مع الامريكان (التهمة ذاتها ) وقد شاهدوني ذاهب الى مطار بغداد "حيث كنت وقتها قد سافرت الى الامارات العربية كي اجد عملا ولما فشلت عدت ادراجي الى" بغداد" كانوا يعتقدون انه غني واحواله المادية جيدة جدا حيث انه يمتلك متجرا كبيرا في لبنان ويظهر انه كان يتحدث بذلك في مجالســه الخاصة وتــــرك انطباعا لديهم انه غني وكانوا يساومونه في التحقيق على مبلغ كبير من المـــال وهو الذي لايملك حتى خمسمائــــة دولار في بيته وكما ذكرت سابقا كيف كان يعيش في لبنان .

 

امسينا نعرف انهم يعطوننا قدرا من الخبز والتفاح بعدد الايام التي سيغيبونها  فلكل يوم خبزة واحدة وتفاحة واحدة وبعد اربعة ايام عادوا وهم يحملون لنا اربعة تفاحات واربعة ارغفة خبز  وقنينة ماء واحدة لكل منا وهذا كان يعني انهم سيغيبون عنا اربعة ايام ، وفي اليوم ذاته جاؤا بأثنين آخرين اتوا بهم من نفس المكان الذي كنا فيه قبل انتقالنا لهذا المكان كما عرفنا لاحقا ، افهمناهم كيف تسير الامور هنا ، كانوا في البداية خائفين من التحدث معنا حتى وان كان همسا ..الاقرب الينا "ياسر" بدأنا في التحدث معه وبصوت منخفض واثناء ساعات الليل المتأخرة "ابوعمر" وهو الشخص الثاني يحمل شهادة الدكتوراه في الهندسة المدنية من امريكا ومقاول كبير في بغداد اما الاقرب فكان طالبا في المرحلة الاخيرة في كلية الهندسة اقتيد هو ووالده الى المعتقل السابق وبقي والده هناك وجىء به هو الينا وكانا الاثنان قد اختطفا من بيتهما في العامرية بعد ان ضربوا الاب على رأسه بكعب البندقية اما "ابــو عمر" فـقــد اختطفوه من امام مكتبه في حي العامرية .

 

مرت الايام ونحن على هذه الحال وانا اقص عليهم قصصا واسمعهم شعرا فقد كانوا في منتهى الخوف والفـــــــزع واليأس حتى يصل بهم الحال احيانا الى التفكير بالانتحار ، وبينما كنت اتحدث مع احمد وياسر واذا بي افاجأ مـــــن ياسر ليقول لي " الست انت ابا علي .. عرفتك من صوتك انا ياسر ابن عمار العبيدي صديقك لقد اعتقلوني انا وابي من البيت بعد ان اخرجونا منه عنوة وضربوا والدي على رأسه وقد نقلوني الى هنا بعد ان اكملوا التحقيق معنـــــا وتركوه في المعتقل السابق الذي كنا فيه جميعا يطلبون فدية مقدارها مليون دولار ومن المحتمل ان يطلقو سراحـي كي اجمع لهم المبلغ من اهلي وعشيرتي وقد كان عمار العبيدي يصدر جريدة دورية تهاجم الارهاب والارهابييــن ونظام صدام السابق حتى انهم كانوا بالتحقيق يسالونه عن مصادر تمويل جريدته  وحسب معلوماتي السابقة انه كان يجهز قاعدة البغدادي باحتياجاتها كمقاول وهو من سكان "جبة"المنطقة القريبة للقاعدة حيث كان والــده من شيوخ المنطقة, مر علينا ثلاثة اسابيع ونحن في هذا القبو لانسمع غير اصوات الطيور والحيوانات وأطلالـــة علينـــا في الاوقات التي ينفذ فيها الاكل والشرب لدينا .

 

أسمع هديل حمامة  خارج القبو ويشنف  اذنيّ صوت  (اروى) الرخيم ويمسح اهدابي جمال عينيــــــها وتأسرني رقتها وحبها للشعر والغناء واتذكر ابياتا من قصيدة لاأبي فراس الحمداني في سجنه لدى الروم  وهو يردد:  

 

                          اقول وقد ناحت بقربي حمامـــة          ايا جارتا هل تشعرين  بحالي  

                     معاذ الهوى ما كنت طارقة نوى          ولا خطرت منك الهموم ببالي                             

                         ايضحك مأسور وتبكي طليقــــة           ويحزن . ......   ويندب سالية                                                                                                                                                     

                     

                                                                      

 

وقد علمت بعد ان اطلق سراحي كم كانت معاناتها وهي تنام بفراشي وتتوسد وسادتي و دموعها تبلل مخدتي  و لا تمتلك غير الدموع لتواسيها في حزنها وقلقها وخوفها على مصير ابيها المجهول.

 

 

في الاسبوع الرابع جاؤوا بشخص خامس يكنّى "ابو علي " لهجته بغدادية ، كانوا اختطفوه من سيارته عندما اوقفوها على جسر الصرافية "الجسر الحديدي" وانتزعوه منها وتركوا فيها ولديه الاول كان عمره اربع سنوات والثاني ثلاث سنوات ، قال "صار لي مدة اسبوع وضعوني في بيت كبير يكاد يكون قصرا فخما ويطعموني فيه احسن الطعـــــــــام 

ويناقشوني في امور الدين كانت معاملتهم لي جيدة الا انهم كانوا يسمعوني اشرطة كاسيت بأسم المجاهدين فيهـــــــــــا تحريض على القتل .... انا لي ثلاثة اخوات متزوجات من سنّة وانا شيعي" كان يتحدث بلا خوف او وجل ويعلـــــــــو

صوته اثناء الحديث ، يصلي ويردد ادعية .. رفع ربطة "البلاستر" التي كانت تغطي عينيه وكانت تضايقه .. ممــــــا حدى بهم الى ضربه واهانته لما رأوه قد رفعها .

في الاسبوع الرابع من الشهر الثاني لاختطافي عاودتني القرحةوزاد الم معدتي  وبدأت استفرغ واراجع كل ما فيها من اكل وسوائل بعد ان غيرت مكاني وانتقلت بالقرب من علبة الصفيح"التنكة" او المرحاض بالمعنى الآخر ،كانت مليئة بالبراز والبول والاستفراغ فصار يطفح السائل ويفيض وينسكب على فراشي وملابسي .. كـــــــان التنفس ضيقــــــا والعرق يتصبب منا لحرارة الطقس في الداخل ..لااقدر على النوم .. اقرّب انفي من شقوق الحائط علّ استطيــــــــــع 

استنشاق بعض الهواء .. صاح احمد من مكانه "لقد حفرت التراب بأصبعي وثقبت خرما ما بين الارض والجـــــــدار وعملت منه فتحة جائتني منها نسمة هواء تعالوا اليّ .. كل واحد منكم له بضع دقائق يستنشق فيها الهواء بعد ان ينبطح على الارض و يضع انفه على الشق .. استمر الاستفراغ معي دون توقف ، نفذ الماء مني و فرغت القنينة اليتيمــــــــة الوحيــــدة التي معي منذ ستة ايام، تشقق لساني وشفتيّ ، فرغت قناني الاخرين ونفذ معنا الاكل والمـــــــــاء فقد كانت وجبتهم الاخيرة تتكـون من ستة ارغفة خبز وستة تفاحات .. وكنا متأكدين انهم سيغيبون عنــــــا ستة ايــام كما عودونا .. شارفت على الموت فقد وهن جسمي لااستطيع الوقوف على ارجلي فأسقط ارضا ويرتطم رأسي بالجــدار فيتجرح .                               "ابوعلي" الذي كان آخر المخطوفين معنا استلقى على الارض وخف نبضه ، امتنع عن الكلام والحركة ، صرنا فـــي اليوم السادس وهو اليوم الاخير بموجب حساباتنا من خلال طريقة تعاملهم الانفة الذكر .. قلت لهم" تعالــوا ياأخــــوان نحن ميتون ومنتهون لامحالة ان لم يأتوا اليوم  دعونا نفكر بطريقة نهرب بها من هنا .. نفتح جدارا ، نخلع بابا .. بأي وسيلة كانت  المهم ان نخرج من هذا المكان .. ان كانوا موجودين خارجا وقاموا بقتلنا فنحن اصلا  في عداد الاموات وبخلافه نتمكن من الهرب فنحن قريبون من الطريق العامة فقد كنا نسمع هدير اصوات الدبابات الامريكية ونسمـــــع ازيز الطائرات المدنية يمر من فوقنا .. اتفقنا ان نحاول الهرب ليلا وفي وقت متأخر كي نصل فجرا الى مكـــــان بعيد عن هذا المعتقل  ونستطيع  ان ننتقل منه الى مكان آخر .. وان اتوا حسب تقديرنا لموعد قدومهم  وشعرتــــــــم بوطأة اقدامهم او اصواتهم . اعلموني فقط ان كنتم تخافون من مناداتهم انا اناديهم .. بعد قليل قالوا سمعناهم فوق .. زحفــــت الى الباب الحديدية وتعالى صوتي بالصراخ والضرب العنيف على الباب واذا بهم يأتون الينا وهم يستشيطــون غضبا .." من كان يطرق الباب ؟ من هو؟" فتحوا الباب ووجدوني قبالتهم قالوا ما بك ياحاج؟ ولم الصراخ" قلت لهم" اننــــا بشر ولسنا بهائم حتى البهائم لاتعامل هكذا ان كنتم تريدون موتنا فلا عليكم الا ان تخسروا اطلاقات رخيصــــة مـــــن مسدساتكم .. وان كنتم لا تريدون ذلك فعلى الاقل وفروا لنا ماء" ،الاكل نصبر عليه انما الماء فلا .. وليكن بعلمكم اني بعد اربع وعشرين ساعة ان لم اتناول ماء فسافارق الحياة فأن جسمي قد فقد كل السوائل وبات ناشفا لاسائل فيـــــــــه  وبالقرب مني هذا الرجل الذي خف نبضه وقد يكون قد فارق الحياة وان لم تستطيعوا فعل شىء او تتخذوا قـــــــــرارا بأنفسكم انتم فيمكنكم ابلاغ "الحجي" مسؤلهم، قولوا له ان رقم (99) - الذي هو رقمي – يقول هذا الكلام .. اغلقـــــوا الباب وبعد عشر دقائق او اكثر بقليل جاؤا الينا وفتحوا الباب وسحبونا الى خارج القبو صبوا الماء علىّ واسقوني مـاء ، ناولني احدهم علبة عصير ، تركونا نستنشق الهواء وحملوا الشخص المسجّى "ابوعلي" الى الخارج وقد ارتطمــت بي يده المتدلية اثناء مروره من جانبي وخلته ميتا، اسمعهم يقولون "اعمل مساجا لصدره اعمل لــــــه تنفسا صناعيا " وبعد ما يقارب                                                  

الساعة من الوقت نقلونا الى قن كبير للدجاج كانت ارضه رطبه مليئة ببرازالدجـــاج ,فكوا وثاقي والاخرين ، استلقيت على الارض كان الهواء منعشا والارض باردة يبدوا اننا قريبون من النهر ، شعرت وكاني  في فندق فئة خمسة نجوم ، نمت بلا وعي ولم اشعرالا بعد ان فيقوني و انزلونا مجددا الى القبو فقد نشفوا ارضه من المـــاء وغيروا الفراش فيه ووضعوا مروحة تدفع الهواء الى الداخل اعادونا الى اماكننا السابقة وقد وضعوا الى جانبي  كيسا مليئا بالتفاح والكيك والخبز وعصير البرتقال واربعة قناني ماء واوصوا ياسر عمار ان يعتني بي ويساعدني بالوصول  الى المرحاض   " علبة الصفيح  " لاني كنت لا اقدر على التوازن واترنح يمينا وشمالا فيرتطم راسي بالجدران  ويتجرح .

 

صباحا فتحت الباب وصاح مناد "فياض" بالاسم وهي لم تحصل سابقا لانهم ينادوننا بالرقم وليس بالاسم فقد كـــــــان الاخير ممنوع التداول به .. قالوا اخرج اجبتهم لا اقدر على النهوض والخروج بمفردي فلياتي احد لمساعدتي خوفـــا من الترنح  جاء احدهم ساعدني على الخروج الى خارج القبو اتكأني على الحائط وقـــال لي اخلـــع ملابسك وانــزع عصبة عينيــــــك شرط ان لاتقتح عينيك او تحاول النظر صب المـــاء علـــى رأسي وجسمي غسلت راسي ووجهي ناولني ملابس جـــديـدة  

  ارتديتها وكانت عبارة عن بدلة رياضة "تراكسوت " ونعل وقبعة وصار يقودني في المكان مشيا ذهابا وايابا ولاكثر من ثلاثين مرة كي استطيع التوازن اثناء سيري قال لي " سنطلق سراحك تأتي معي الى السيارة وتجلس الـــــــى  

جانبي وعينيك مغلقتان عندما نصل مكانا معينا اطلب منك النزول والترجل عن السيارة تفتح بابهــــــــا وتسير خمس خطوات وتقف وتعد للمرة الخمسين نكون نحن قد تجاوزنا ك وعندها تفتح عينيك ودس في جيبي مبلغا من النقود قال تستأجر به سيارة تقلك و لاتذهب الى بيتكم مباشرة انما تذهب الى بيت احد اقربائك  او اصدقائك وتبيت عندهم ليلـــــة تغادرهم بعدها الى بيتكم , نخن الان في"الفلوجة" رددها مرتين سنعبر النهر ونتوجــــه الى بغـــــــداد وان صادف و اعترضتنا دورية امريكية او دورية شرطة افتح عينك وقل لهم انك مريض وذاهب الى بغداد للعلاج .. سألني هل لك

لدينا أغراض قلت ساعتي، حذائي، تلفوني النقال ،بدلتي ، ومبلغ  من النقود قال عليك ان تعذرنا و توهبنا هذه الاشياء فلا نستطيع اعادتها اليك  ولاتدعو علينا بالسوء ، وصار يحدثني عن "ابوعلي" الشخص الذي مات قال " لقد قتلنا هذا الشخص الذي كان معكم فهو من تنظيمات "بدر" كنت ادرك اللعبة فقد كان يريد ان يعرف هل اعلم بموته ام لا قلت له انا لم اكن بوضع يؤهلني لسماع اي شىء او تمييزه فلم اكن واعيا لما يدور حولي فقد كنت غير واع و غارق في البول ولاادرك ما يدور حوالي سكت ولم يثر هذا الموضوع ثانية .. قال هل سمعت من اصبح رئيسا للجمهورية  .. لم اجبه  قـــــــــال "آخرها يكون رئيس جهوريتنا كردي" لقد اصبح جلال الطالباني رئيسا للعراق .طلبت منه شربة ماء بارد .. توقـــــف بالسيارة قليلا واتاني بعلبة كولا باردة ناولني اياها واعطاني علكة لم افتح عيني بل ابقيتها مغلقة لاني كنت اعلم جـــيدا متى ما فتحتها فأنهم لايتوانون عن قتلي بأعتباري كشفت وجوههم وشخوصهم . لقد كانت لحيتي طويلة وامسى وزني لايتجاوز الاربعين كيلوغراما ووجهي قد اسّود من فعل الضعف والاستفراغ .. فعلا وصل الى المكـــان المعين والذي كان قد حدده مسبقا طلب مني الترجل من السيارة, سرت خمسة خطوات توقفت لم اعد للخمسين كما طلب مني انمــــا بعد لحضات فتحت عيني واذا بالدنيا سوداء مظلمة بقي الحال معي لحضات انكشفت لدي الدنيا وصرت ارى النــــاس انما لااستطيع تمييز وتحديد معالم وجوههم قمت بالسير قليلا رواحا ومجيئا بمحاذاة الشارع  واذا بشخص يقود جرارا زراعيا لاادري هل هو بادرني القول ام انا سألته ام هو واحد منهم .. لقد كنت بحالة يرثى لها من الضعف والوهــــــن وعدم التركيز .. قال لي من هنا الطريق الى خان ضاري ذهب وبقيت اوميء للسيارات المارة الى ان توقفت سيـــارة اجرة كان فيها راكبين اظافة الى سائقها سالته .." خان ضاري" .. هزّ راسه ايجابا ، ركبت السيارة ،دفعت له الاجرة اوصلني الى الخان .. غادرت السيارة واذا بشخص ينادي "علاوي الحلة" كانت محطة سيارات فان, ركبت السيــارة  جلست في مؤخرتها اعتمر القبعة ،لحيتي طويلة، انتعل نعلا ،ارتدي بدلة رياضية"تراكسوت"  وكأني خارج لتوي من المستشفى ,سارت بنا السيارة ، اوصلتنا الى "علاوي الحلة" وانزلتنا بالقرب من جامع "البنية" صرت افتش عــــــــن سيارة اجرة قديمة عليها الخطوط الحمراء والبيضاء فقد كانت هناك ظاهرة التاكسي الجديدوهي سيارات تحمل النمرة الخصوصي وعلى سقفها وضعت لوحة "التاكسي " وكنت خائفا ان تكون مثل هذه السيارات عائدة لعصابات الخطف وجدت احداها وطلبت منه ايصالي الى "زيونة" وهي منطقة سكناي وفيها بيتي ولم التزم بما طلبوه مني أن اذهب الى بيت احد الاصدقاء اوالاقارب ، طال الطريق بنا فالطرقات معظمها مغلقة ،حاولنا التوجه وعبور  جسر الصرافية لان جسر الخلاني مزدحم كذلك جسر الباب الشرقي وتبين ان الاخيــــر ايضا كان مغلقا من شدة الازدحام اتجه بنا يمينا نحو منطقة الكرخ واستمرت الطريق بنا لاكثر من ساعتين بالــوقـــت الذي تأخذ نصف ساعة في الايام الاعتيادية وصلت الى البيت وقفت السيارة امام البوابة الخارجية لبيتنا ،ترجلت مـــن سيارةالاجرة افرغت له ما بجيبي من نقــــــــود وصادف وصول ولدي "علي" الى باب البيت في الوقت نفسه وقـــــد اركن سيارته خارجا وترجل من سيارته وذهبت انا بأتجاهه .. لم يعرفني لاول وهلة .. من هذا الرجل الغريب الــــذي يــــــروم دخــــول البيــــــت ولـــــــو لــــــــم اترجـــــل مـــــن سيــــــــارة الاجـــــــرة لخــــــالنــــــي   

شحادا يطلب المساعدة .. توجهت نحوه وقلت له انا ابوك يا "علي" ، حاول ان يصرخ منعته .. ضمني اليه بقــــــــوة حملني بين يديه لخفة وزني ، دخلنا البيت ، زوجتي كانت تغسل المرآب لم تعرفني قال لها "علي " انه ابي ياامي هبوا الي من داخل الدار .. ولدي "عامر" صار يبكي ويقول انه ليس ابي انتم تكذبون عليّ .. ابنتي "اروى" هربت الـــــى الجيران غير مصدقة ما تراه .." احمد " تعلق برقبتي وصار يقبل يديّ وعيناه اغرورقتا بالدموع .. اولاد العم وابنائهم هرعوا جميعا من داخل الدار حيث كانوا متواجدين وهم كثر لحراسة الاهل ومواساتهم .. حملني" مشرق" ابن اخــــي  

الضخم الجثة والذي كان مرابطا خلال الشهرين في البيت يشاطر الاهل مأساتهم حملني كالعصفور بين يديه وادخلني الدار ، كيف اخفف من الوطأة عليهم هززت لهم وسطي ورقصت بحركة علّها تخفف من الحال التي هم عليها .. قلت خذوني للحمام وازيلوا عني رائحة البول والاستفراغ والطين العالق في خياشمي واذناي بقيت على هذا الحال ثلاثـــة ايام طبيب يشرف علي ومعاونه يبقى الوقت كله الى جانبي ، علقوا لي مغذيا كي استرد وضعي الصحي .. كــل مـــن كان يزورني وتقع عيناه عليّ لايصدق انه "أنا"الذي تركه منذ شهرين .. لا ..انه شخص آخر ، طلبت منهم نقلي الــى المستشفى ليومين او لثلاثة كي اعمل الفحوصات اللازمة وآخذ العلاج المطلوب هناك خصوصا اني كنت لــــــم ازل استفرغ بين الحين والآخر وفعلا تم نقلي الى مستشفى السعدون الاهلي  بقيت فيه ثلاثة ايام كنت بعدها اكثر استقرارا صحيا .

 

الجانب الآخر من القصة فهمته من اهلي .. لم يتصل بهم احد الا بعد شهر على اختطافي كانوا يجوبون المستشفيــــات يفتشون بين الجثث عني في ثلاجات الطب العدلي يحاولون الاتصال ببعض العصابات عن طريق "العلاسة" وهم ادلة ومخبري العصابات ومجساتهم للوصول الى الاشخاص الذين يريدون اختطافهم علهم يجدوني ، يحملون صورتــــــي  

معهم للاستدلال علي ،


كان يوما من تلك الايام السود حيث ذهب ولدي " علي" وأحد ابناء عمه للطب العدلي لرؤية الجثث الملقاة في ثلاجاته حيث اعتادوا يوميا على زيارته لمعرفة الجثث التي تحتويها هذه الثلاجات والوقوف على جثتي ان وجدت ، دخل ابــن عمه حيث تردد"علي" بالدخول وعاد اليه ليخبره "ان عمي داخل الثلاجة ، فالجثة تحمل نفس الرأس الصلعاء رغـــــم التشوه الحاصل في الوجه ،نفس بدلته" سقط "عليّ" ارضا انتحى الرصيف لم يستطع حراكا ،خارت  قواه  حملـــــــه

ابن عمه الى داخل السيارة غسل له وجهه حاولا العودة الى البيت رفض علي العودة وطلب من ابن عمه ان يعـــــــود  به  الى الثلاجة ليرى الجثة بأم عينه وليتأكد من ذلك بنفسه فكثير من الجثث يأتون بها مجهولة الهوية ، قـــــال "عدت ودخلت الثلاجة التي كانت تنبعث منها رائحة الموت اشار ابن عمي الى الجثة ..الوجه لاأستطيع تشخيصه للتشــــــــوه البادي عليه ، الجسم نفسه ، والبدلة الزرقاء التي كان يرتديها ابي يوم خطفه هي نفس البدلة وذهبت للتأكد من رجليــــه فأصابع ارجل والدي فيها تشوه خلقي حيث يركب الاصبع الرابع على الاصبع الثالث في كلتا القدمين وهي ذات الــقدم عند" عامر واحمد " وكانت اصابع ارجل الجثة سليمة مما جعلني اتأكد انها لم تكن لوالدي حينهـــــــا تنفست الصعداء وحمدت الله وقد كانت الجثة لاحد المغدورين الابرياء والمجهولي الهوية .

ذكرت ان الخاطفين مرّ شهر ولم يتصلوا بأهلي بداوا الاتصال بهم في مطلع الشهر الثاني من اختطـــافي وصـــــاروا يساوموهم على مبلغ من المال بدأوا بنصف مليون دولار وكان التفاوض يجري عبر التلفون وكانوا يتحدثوا مع ابني "علي" ومرة مع زوجتي مرات يخبروهم انهم قتلوني ورموني بالمكان الفلاني ويمكنكم الذهاب لالتقاط جثته كانـــوا  يرعبوهم من خلال التلفون ويلعبون بأعصابهم ، كان التفاوض مستمرا الى ان وصلوا معهم لمبلغ معين استلمــــــوه بطريقة معينة وفي مكان محدد بدقة وكان هذا قبل يومين من اطلاق سراحي .

كان دايلوك الحديث بينهم وبين عائلتي يمتد احيانا وكله تهديد ووعيد وينعتون "علي" بالكذب فيقول له المتحدث "لاتكن كذابا مثل ابيك " كل هذه الاساليب كان الغرض منها اللعب بأعصابهم ولمساومتهم وهم بأقصى حالات الضعف والخوف فكانوا يرددوا كثيرا امامهم انهم قتلوني ورموا جثتي للكلاب ويقطعوا الاتصال بهم لفترة حتى شدوا اعصابهم ورعبوهم. كانت العشيرة ارسلت بحدود الثلاثين مسلحا من ابناء العم كانوا يرابطون في البيت خوفا من مداهمة العصابة للعائلة .

 

اثناء التحقيق قال" الحجي " سنخطف ولدك "علي"  ونأتي به الى هنا لغرض تجنيده "مجاهدا" انتحاريا ضد الامريكان قلت ان كنتم "مجاهدين" حقا فللمجاهد  اعداد نفسي وذهني  وبيئة مهيئة قبل العمل  وهو غير مستعد لذلك  فلماذا تأتون به؟ قال اننا سوف لن نعلمه بأنه ذاهب لمهمة انتحارية انما نرسله للمكان المعين وعند وصوله الهــــدف  نفجر سيارته عن بعد بواسطة "الرموت"  قلت ها انذا أمامكم يمكنكم فعل ذلك معي دون الحاجة الى مجيء ولـــدي,

قال "ها.. تخاف عليه من الموت من اجل قضية جهادية " اجبت  بالتأكيد أخاف عليه .  

كنت قد ذكرت ان شخصا كانت تفصلني عنه ستارة من القماش حيث كان الى شمالي ويحمل الرقم (5) وكنت اعتقد انه من الجنسية الامريكية او الاوربية وكنت اشم رائحة معجون الاسنان تنبعث من ناحيته عند الصباح واحيانا كانت تنبعث منه رائحة عطر نسائي بعد ان يكمل تمارينه الرياضية وكأنه يستعملها ليغطي رائحة العرق المنبعثة من جسمه 

 

انتقلنا الى المكان الاخر والذي اسميته "القبو" ولفت انتباهي احمد العبيدي الى ان الشخص الذي كان قرب الباب خلف الستارة كان امرأة وليس رجلا ، فقال اتذكر عندما كان احد السجانين ينادي  الشخص الذي في الطابق الاعلى "هيء الابريق وكان يعني هيئوا الحمام !! لانهابالتأكيد لاتستطيع استعمال  "الجليكان" الوعاء المخصص لتبول المختطفين،

الم تكن تشتم رائحة العطر النسائي ؟ قلت بلى .. قال انها أمرأة وليست رجلا وعند اطلاق سراحي وبعد أكثر مـــــــن شهرين شاهدت على احدى القنوات الفضائية الصحفية الفرنسية المخطوفة في العراق وقد استقبلت استقبالا حافلا في مطار شارل ديكول بباريس وصرّحت للصحافيين انها كانت والمترجم الذي كان يرافقها في مكان الاختطاف وكانا يحملان الرقمين(5و6)  فهي تحمل الرقم (5) وكانت خلف الستارة  والمترجم يحمل الرقم(6) و كان علـــــى يميني والذي كان يكثر من الصلاة والدعاء ،  وعلمت انهم دفعوا فدية كبيرة جدا مقابل اطلاق سراحيهما  وشاهدت مشاهد  مصورة للمترجم على نفس الفضائية وهو يزور عائلته وكيف كانت تستقبله العائلة  ، وقد سهلت الحكومة الفرنسية له السفر الى فرنسا هو وعائلته .

 

"أبوعمر" المقاول والمهندس والحاصل على شهادة الدكتوراه بالهندسة من امريكا كانوا قد اعتقلوه هو الآخر من مكتبه في العامرية  ، لم يعذبوه حسبما افاد وقدوجهت له تهمة التعامل مع الامريكان .. قال : لهم انه لم يعمل مـــع الامريكان بعد  الفتوى الي اصدرها "علماء اهل السنة" بتحريم التعامل مع الامريكان .. انما حضر اجتماعا واحدا معهم قبل الفتوى ، عمره قد تجاوز الستين عاما ، هادئا رصينا ولديه جملة امراض يعاني منها كثيرا وعندما كـــان

يخاطب المخطوفين الاخرين في المكان الاخير للخطف يناديهم بعبارة "وليدي" ، علمت من عائلة صديقة لناتسكـن حيهم انه اطلق سراحه وترك العراق مباشرة بعد ذلك . 

 

"عمار ابو ياسر" هو ابن احد شيوخ عشيرة العبيد في قرية "جبّه " القريبة من مدينة"حديثة " غربي العراق ومجاورة لقاعدة "البغدادي" الكبيرة والتي أصبح يشغلها الامريكان بعدما اظافوا اليها منشئات جديدة ، كان يعمل مهندسا فــــــي وزارة الري وخبيرا في السدود ايام حكم صدام حسين وأمسى مقاولا"بعد الاحتلال /2003 وسقوط نظام صدام حسين يجهز القاعدة المذكورة بأحتياجاتها من المواد او المعدات ، ويصدر في الوقت نفسه جريدة دورية بأســــــم "البغدادي" يحررها بنفسه ويذكر اسمه الصريح عليها كمسئول لتحريرها  يتكلم فيها عن الديمقراطية ويهاجــــــــــم الارهـــــاب والارهابيين من على صفحاتها ، كان شيوعيا سابقا هو واخيه وترك العمل السياسي منذ مطلع السبعينات .  

في غرفة التحقيق وبعد انتهاء  المرحلة الاولى من التحقيق معي وكنت لم ازل معلقا من عرقوبي الى السقف قامـــوا بحشوا اذنيّ قطنا وراحو يختبرون مدى سمعي، اثنائها جىء بشخص  وصاروا يطرحون الاسئلة عليه من يموّل جريدتك ؟ من هو الشخص الذي يتصل بك ؟ اعطنا اسمه ؟ والا ستموت تحت التعذيب وبين الفترة والاخرى يشدوه وكأنهم يربطوه الى شىء ما وضيقون عليه تدريجيا فيزداد المه ويظهر انه انصاع لهم بقوله :ارتكوني وحينها لم اكن اعرف ان هذا الشخص هو عمار فقد اعتقدت حينها انه احد اصحاب او محرري احد الصحف العراقية ، تأكدت انه عمار العبيدي صديقي بعد ان كلمني ابنه ياسر عند انتقالنا الى"القبو" من مكان الخطف الذي سبقه  .. لا اعلم اين هم الان ولم اسمع عن اطلاق سراحهم كذلك الحال مع احمد العبيدي ، بالتأكيد سيأتي الوقت الذي اعرف به مصيرهم وما آلوا اليه .

 

منذ الوهلة الاولى لأختطافي كنت قد وضعت نصب عيني اني ذاهب للموت واعتبرته مصيرا قدريا لي .. كنت اعيش صراعا في داخلي.. كيف اقضي الوقت ؟ مادام النوم يكاد يكون معدوما ولا يتحدث معك احد نهائيا  طيلة فترة الشهرالاول من الخطف بأستثناء الخاطفين الذين يكلموك فترة جلب وجبات الطعام والتي غالبا ما يطبقون الصمت ولا يتحدثون فيها الا بكلمة خذ   او  هات ..." أيمان" عميق كان يعشعش في دماغي وروحي وكان يكبر كلما استعدت ذكره وكأنه نور شفيف يفتح طاقة من الامل وحب الحياة , شريط طويل يمتد عبر حقبة حلوة من حياتي ذكراها عزيزة علي ... أم ترى ان هناك تداعيات ونسيان ولا حتى دعاء .. أشك في ذلك فلي مع الايمان هذا تواجد وتناغم وتداخل وتمازج يصل حد الذوبان فلا أكاد أميز بينه وبيني,..   بماذا افكر ؟ ان مت كيف يكون مصير عائلتي؟ بماذا يفكرون هم الان ؟ هل انا في عداد الاموات بالنسبة لهم !! وهل ما زال يراودهم الامل في بقائي حيا ؟

                                                              

 

..اولادي علي، عامر ،اروى ، احمد  ماهي الافكار التي تتنازعهم ..زوجتي  رفيقة العمر الطويل .. هذه المرأة المرهفة الحس ذات الشفافية العاطفية العالية ..كيف حالها الان ؟ هل ما تملكه من حس عاطفي متقد يجعلها طريحة الفراش .. أم تراها كما عرفتها عند الاحداث الجلل صلبة قوية العود ، تمتص ردة الفعل ومن ثم تنطلق شامخة صامدة تصارع الحدث والزمن .. وكان اعتقادي الاخير فيها بمكانه بعد رؤيتها اثر اطلاق سراحي . 

 

اروى ابنتي التي تربطني بها علاقة فكرية وعاطفية حميمة ..ما هي مشاعرها ، كيف ستواحه الظرف الذي تمر به؟  فقد كانت في الصف السادس العلمي  ولديها امتحان وزاري هل يضعف خطفي من عزيمتها ويمنعها من مواصلة الدرس والامتحان ؟ الا انها كانت شجاعة  ولها قدرة تحمل عالية رغم دموعها التي كانت تطلقها ، هكذا علمتها الشجاعة ومجابهة الشدائد ،ونجحت فعلا رغم كل هذه الصعوبات .

 

"أحمد" كيف كان وضعه ، نفسيته ، حالته.. بعد ان رآني وتركني مقيد اليدين عندما اخذوني خارج المكتب ووجهه الى الحائط ولما استدار ليراني وفاجئه احد الخاطفين شاهرا مسدسه بوجهه مهددا باطلاق النار عليه وهو ابن الخامسة عشرة ..وكم كان قد اثر فيه هذا المشهد ؟ 

 

"علي" الذي كان لصيقا بي ويلازمني في عملي ويشاطرني افكاري ويختلف معي فيها بعض الاحيان، هذا الانسان الذي يمتاز احيانا بحدة الطبع والانفعال الحاد الذي لايستطيع اخفائه ، واالطيبة التي تنبعث من اعماقه كنت اعوّل عليه امالا" في مسك زمام امور العائلة من بعدي ورعاية اخوانه وامه كنت أهيئه لهذا الدور .. كيف يشعر الان هل هو قد قام فعلا بهذا الدور في فترة غيابي ولما خرجت من الخطف وجدته قد ازداد صلابة وخبرة وشعور عال بالمسئولية ويظهر ان هذه التجربة قد نفعته كثيرا رغم قساوتها وصعوبتها والجرح العميق الذي تركته.

"عامر " هذا الاشقر ذو العينين الخضراوين كنت احمل همه الكبير بسبب طيبته التي تصل حد "الخبل" والتي توقعه بمشاكل ومطبات لا يستطيع تجاوزها وعبورها الا بسماعدة احد وكنت اسمعه كلاما واهدده عندما كان يتعثر بالدراسة "اني سأرسله للخدمة في الجيش جنديا يجابه الحياة الصعبة فيها " وما اصعبها من خدمة . الا اني احبه كثيرا بسبب حالته هذه واظل دائم التفكير فيه وفي مستقبله .  

 

اصدقائي المقربون دكتور عباس الحنون ذو القلب الناصع البياض والذي تبعدني عنه الاف الاميال هل عرف بحالي وما وقع الحادثة عليه , شركائي في العمل كيف هم الان هل تخلوا عن عائلتي ام يواسونها ويمدون  يد العون لها. اخي الذي بيني وبينه جفوة هل نسيها وعاود العائلة...

"علي وعامر" لما عادوا من جامعتهم الى المكتب ليصحبوني الى البيت وليجدوا اباهم قد خطفته عصابة واخذته الى جهة مجهولة وكيف كانت حالتهم في حينها ، كانت كل هذه الافكار تنتابني وتراودني ..احاول ابعادها عني كي لا اضعف امام عصابة الخطف ..افكر بطريقة اخرى .. استعيد اشعارا كنت قد حفظتها، كتبا او روايات قرأتها ،ابني افكارا في مخيلتي واتشعب في ادق تفصيلاتها ، احاول ان اجد مواضيع شتى ..افصّلها ..وأجزّئها ..وان اكون حالما سابحا في الخيال كي اقتل الوقت والتمس لي فيها عزاءا وسببا للخلاص واحاول اقناع نفسي بحتمية تحقيقها

 

فياض  موزان   

 

إقرأ للكاتب أيضا

 

حي البتّاوين في بغداد

 

 

يهود العراق

 

 

 

 

  

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا