%@ Language=JavaScript %>
|
لا للأحتلال لا للخصخصة لا للفيدرالية لا للعولمة والتبعية |
|||
---|---|---|---|---|
صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين |
||||
للمراسلة webmaster@saotaliassar.org |
الصهيونية: الحقيقة بكاملها
(الجزء الثاني)
بروفسور إسرائيل شاحاك
أشرف على الترجمة من العبرية إلى العربية وتحريرها)
(2 كانون ثاني 1975، نشرة داخلية لبست للبيع—دوسية مطبوعة على الآلة الكاتبة)
مراجعة وتدقيق وتحرير
خليل نخلة (2012)
ماذا كانت أهداف الصهيونية عام 1937
(يقول دافيد بن غوريون تحت عنوان: “إتجاهاتنا السياسية” تقرير كامل عن المجلس العالمي لعمال صهيون، 1937. المجلس المذكور إجتمع لكي يبحث مشروع التقسيم الذي قدمته لجنة بيل البريطانية. وقد نشر تقرير المجلس بصورة كتاب أخذنا منه جميع الإقتباسات.)
كنا قد إعتدنا حتى الآن أن نرى في المواثيق الدولية قيودا تكبل مساعينا وتحد من قدرتنا على الحركة. أما اليوم فها نحن نسمع عل لسان اللجنة الملكية الخاصة وعدا يقطع لأبناء الشعب اليهودي بأسره بإقامة دولة يهودية مستقلة له، في أرض إسرائيل …
وإن كان البيان لم يتطرق إلى تحديد تخوم البلاد، فلأن ذلك صعبا للغاية نظرا للتقلبات المتعاقبة والتغيرات العديدة التي طرأ ت على هذه الحدود على مر الزمن … وليس ثمة شك في أن البلاد تشمل أيضا شرقي الأردن برمته، بما في ذلك المنطقة الواقعة شمال اليرموك، والتي لم تلحق بالقسم الذي أعطي لعبد الله لينشأ فيه إمارته، بسبب خضوعها للإنتداب الفرنسي …
إن الدولة اليهودية المعروضة علينا، بالحدود الحالية، لا يمكن أبدا أن تكون الحل المنشود لمسألة اليهود، ولهدف الصهيونية الذي سعت إليه طويلا، حتى ولو أجريت على هذه الحدود بعض التصحيحات الممكنة واللازمة لصالحنا … إلا أنه يمكن قبولها بوصفها المرحلة الأولى والأساسية، التي تنطلق منها تتمة مراحل تحقيق الوطن الصهيوني الأكبر، وذلك عن طريق بناء قوة يهودية جبارة فيها، وبأقصر وقت ممكن، ثم إحتلال باقي مناطق مطامحنا التاريخية كلها …
إن اللجنة نفسها لم تتجاهل صغر المساحة التي تعرضها هي علينا لإقامة الدولة اليهودية فيها، غير أنه عن طريق ترحيل السكان العرب من اليلاد، بالحسنى أو بالإكراه، يمكن توسيع رقعة الإستيطان اليهودي في المستقبل …
واللجنة لا تقترح سلب العرب، بل ترحيلهم إلى الدول العربية، وتوطينهم فيها، وأظن أنه لا داعي لأن أشرح الفارق العميق والجوهري بين السلب من جهة وبين الترحيل. ونحن حتى الآن قد إعتمدنا كليا على ترحيل السكان من مكان إلى آخر، وفي مناطق قليلة فقط لم نحتاج إلى ترحيل السكان الأصليين، كي نغرس مكانهم مستوطنين يهود …
إن إحدى المزايا الهامة التي أراها في خطة اللجنة هي وضع الحد الشمالي لنا بجوار لبنان. فبالاضافة إلى الأهمية التاريخية والعملية لجبال لبنان، وأثرها على الصحة العامة عندنا، فإن تجاورنا مع لبنان يوفر لنا سندا سياسيا عظيما، ولبنان هو الحليف الطبيعي لدولة إسرائيل البهودية، لأن الشعب النصراني فيه تشابه في المصير مع الشعب اليهودي في إسرائيل، فارق وحيد هو عدم إمكانية التزايد لنصارى لبنان، عن طريق تدفق الهجرة من الخارج …
ما الذي سيحدث بعد خمسة عشر عاما مثلا، حينما تصل قدرة الدولة الصغيرة التي يفرضونها علينا، على إستيعاب المزيد من السكان إلى درجة “الإشباع”. وما هو الجواب الذي سنجابه به آنذاك جماهير بني إسرائيل التي ستتدفق مهاجرة إلى البلاد حينما لا يبقى في هذه البلاد متسع لمزيد من الناس.
إن ما سيؤول إليه وضع البلاد بعد الخمسة عشر عاما المذكورة، مرهون بالأحداث التي ستقع خلال السنوات الخمسة عشر هذه. وكما أنني لا أرى الدولة اليهودية المعروضة علينا كحل نهائي لمسألة بني إسرائيل، وأنني لا أتظر إلى حدود التقسيم أيضا على أنها الحدود النهائية لأرض إسرائيل …
وسأختم حديثي بببضعة كلمات عن مهمة المؤتمر: نحب أن يعلن المؤتمر على مسامع الشعب اليهودي عن حدود أرض إسرائيل الكاملة بكل بقاعها، الطبيعية والتاريخية …
مما لا ريب فيه أن وحدة أرجاء البلاد وإئتلاف أقاليمها، هما من الناحية النفسية، العامل الأكثر تأثيرا في قلب الأمة اليهودية ومشاريع أبنائها. فأرض إسرائيل تحيا في روح الشعب اليهودي منذ مئات السنين على أنها وحدة واحدة متكاملة … وكل التقلبات التي مرت على البلاد، وتعاقب الفانحين والمحتلين، والموجات السياسية، وإلحاقها بنبعية الدول الأجنبية، ثم وتقطيع أوصالها إلى أقاليم سياسية متصلة … كل ذلك لم يغير شيئا من مشاعر الشعب اليهودي نحوهم، وبقيت في صميم روح الأمة اليهودية على طول المدى والوطن، الذي تهفو إليه القلوب …
وبقيت البلاد طيلة العهد التركي الذي دام أربعمائة عاما كاملة الأجزاء، كولاية من ولايات الإمبراطورية العثمانية. ولما جاء الإحتلال البريطاني تقطعت أوصالها إلى أربعة أجزاء ممزقة هي:
·القطاع الشمالي من أرض إسرائيل الغربية، من حدود الإنتداب الشمالية إلى الليطاني، وهو تابع الآن لدولة لبنان.
·القطاع الشمالي من أرض إسرائيل الشرقية، ويشمل الحوران والجولان والباشان، وهو تابع الآن لدولة سوريا.
·شرق الأردن ويمتد من البرموك شمالا وحتى حدود الحجاز جنوبا، وهو تحت حكم الأمير عبد الله يعد أن خضع فترة من الزمن للإنتداب البريطاني.
·منطقة الإنتداب البريطاني من أرض إسرائيل الغربية، وهو القطاع الوحيد الذي تسري عليه بنود الوطن القومي لليهود، تحت ظل الإنتداب البريطاني. (وهناك سيناء أيضا، والتي هي الآن بأيدي المصريين)، عندما يسألنا معارضو الدولة: ماذا مع الأراضي الواقعة خارج نطاق الدولة، ينسون أنه يمكن أن نوجه إليهم سؤلا مفاده: ماذا مع الأراضي الواقعة خارج نطاق الإنتداب—إنتداب الوطن القومي. لا يشمل أجزاء أرض إسرائيل الكاملة برمتها. فهل نتخلى عن حقنا في النوطن في كل أرجاء أرض إسرائيل، بما فيه ما يقع حارج نطاق الإنتداب؟
(يقول إليعازر كفلن، أول وزير للمالية في إسرائيل)
لن أتطرق هنا إلى مسألة ‘ترحيل‘ العرب، لكنه ليس منطقيا أن شبه هذا الأمر بطرد اليهود من ألمانيا أو غيرها من الدول … إذ أننا لا نتكلم عن طرد، بل عن ترحيل العرب من الدولة العبرية، إلى دول عربية، فيها أبناء الشعب العربي. كما أننا نسعى لأن نؤمن لهم فيها ظروفا معيشية، ليست أسوأ بكثير من الظروف التي عاشوا فيها هنا. ويا ليت مثل ذلك كان يتوافر لجماعات اليهود لدى خروجها …
إذا قسنا على تجربة اليونان، فإن تكاليف ترحيل المزارعين ستبلغ بين 9 إلى 13 مليون ليرة …
(يقول آ.بنكوبر، من زعماء حركة الكيبوتسات)
بخصوص الترحيل القسري، أقول بصفتي عضو مستوطنة رامات هاكوفيش، بأنه سيسرني جدا لو أمكن التخلص من مجاورة سكان قرى المسكي والطيرة وقلقيلية … ولكن هل ثمة أمل في أن يقبل العرب على الرحيل بمحض إختيارهم؟ وأية حسابات سياسية كانت أو إقتصادية أو قومية تدعو هؤلاء العرب إلى التخلي عن أراضيهم الخصبة الصالحة للزراعة في الدولة اليهودية، والإنتقال إلى شرق الأردن القاحل الفقير؟
إن تبادل الجاليات الذي جرى بين تركيا واليونان، لا يصلح لأن يكون مثالا يقاس عليه عندنا. فكلا الجاليتين وقتذاك علمتا حق العلم، أنه لا مناص من الرحيل، وإلا إغتصبت منها البلاد والأملاك. ولذلك ‘وافقوا‘ على الرحيل …
(يقول ش. لفيا، من مؤسسي مستوطنة نهلال)
ها إن اللجنة الملكية تخيرنا بين أحد أمرين:
أولا: أن تنشط الهجرة وننجز كل ما نريد إنجازه في البلاد، من خلال إستبقاء الإنتداب.
ثانيا: أن نحصل على إستقلال معترف به، في حيز ضئيل من اليلاد.
وبما أننا نرفض الإختيار الأول، لأنه أبغض علينا من الضياع بذاته، لا يبقى أمامنا إلا الخيار الثاني، وهو إقامة دولة في القسم الصغير من اليلاد، مع الإحتفاظ بحقنا في شن حرب للإستيلاء على بقية أجزاء اليلاد. ومن حقنا أيضا أن نطالب بكل بقعة خالية ضمن حدود البلاد، أو في جوارها، وأن نحارب لتحقيق ذلك، وتكريسه لسكنى الناجين من فظاعة المنفى من أبناء شعبنا …
وأنا لا أقول هنا إنطلاقا من شذبي الشديد وإستيائي من التقسيم بحد ذاته، بل من إقتناعي بأنه علينا أن نكافح ونطالب بكل بقية أرض خالية من السكان في الدول المجاورة، وذلك لأن هذه المساحة الموجودة تحت تصرفنا الآن، لا تكفي لإستيعاب شعب تعداد سكانه سبعة عشر مليون نسمة … (أما بما يتعلق بمنطقتي القدس والمثلث المحصورتين بين اليرموك والأردن، فإن فصلهما عن المنطقة اليهودية هو بمثابة إقتلاع عضو من جسم حي) …
إن مطالبتنا العرب بمغادرة البلاد وإخلائها لنا، يعود إلى كونهم قادرين على التوجه إلى عدة أماكن والسكنى فيها داخل بلاد العرب. أما نحن فلبس لنا موطئ قدم في العالم كله، نستطيع أن نحط فيه رحالنا ونستقر سوى هذه البلاد …
وبرغم كون طلبنا هذا عادل جدا وأخلاقي تماما، إلا أنه غير صالح لأن نطرحه على مائدة السياسة الدولية، على أنه طلب واقعي في الوضع الراهن. ولذلك لا مناص من أن نرضخ للتقسيم …
والآن، ومن خلال تغيير الأوضاع السياسية في المنطقة، وهنالك فرصة لأن نعاود مطالبتنا بشرقي الأردن، أو قل بالغور الكائن على ضفتي الأردن، بدعوى أن المساحة التي في حوزيتنا لا تكفي إحتياجاتنا، في حين تكثر في غور الأردن المناطق الخالية من السكان. ولكننا يجب أن نفعل ذلك من غير أن نضع شرق الأردن كشرط أولي لقبول التقسيم، بل أن نبدأ بالمطالبة به، أثناء وبعد التقسيم …
(يقول ي. إيدلسون—صديق حميم لغولدا مئير)
إن الصورة التي سيصير إليها مستقبل الإستيطان في البلاد بعد التقسيم، ستجر بن غوريون إلى محاولة ‘إجلاء العرب‘ من جديد.
ولكنها ستكون محاولة فاشلة لا جدوى منها، لأن القائمين بها يقيسون على تجربة اليونان وتركيا، متناسين أن اليونانيين قرروا في حينه الرحيل ‘بمحض إرادتهم‘، مع أن عدد السكان اليونانيين الذين غادروا تركيا، يفوق بأضعاف مضاعفة، عدد الأتراك الذين تركوا اليونان. ولكن ذلك حدث فقط بعد أن تمكنت تركيا بقوتها العسكرية من سحق جيش اليونان، وبعد أن إتضح لليونانيين جليا أنه من الخير لهم أن يخرجوا ‘بالحسنى‘ وإلا فنهايتهم في آسيا الضغرى ستكون مرة. أي أنهم تحت تهديد التصفية الجسدية، فقد وافقوا على الخروج.
أما العرب فلن يوافقوا على الجلاء، لأنهم يعلمون أننا لن نجرأ على مس شعرة واحدة من شعرات رأسهم، وأنه لا يمكننا أن نلحق بهم الأذى، لأن كل العالم سيقوم ضدنا، ولأن لنا رهائن في أيديهم داخل الدول العربية.
ولأي شيئ سيرغب العرب في التخلي عن الأرض الخصبة والبيئة المعتدلة، وإمكانيات التسويق القريب والمربح، هنا، ويرضوا بالرحيل إلى ديار مقفرة، ويعيشون فيها حياة قلقة، للمعاناة والحسرة. أضف إلى أن الفلاح عادة مرتبط بأرضه وعميق الجذور فيها، بحيث لا يراها كشئ عابر في حياته، ولا تستطيع أية قوة أن تدفعه إلى تركها.
(يقول أ. ميرلنج—من مؤسسي حزب مبام ووزير في الحكومة الإسرائيلية الأولى)
إن ‘إجلاء السكان‘ هو أحد الأحلام الساحرة التي تراودني، لأنني لا أنفي حقنا الأدبي الكامل في السعي إلى تبادل السكان، ولا أرى في ذلك أي خلل أخلاقي بتاتا. بل، وعلى العكس تماما، فأنا أرى في ذلك تطلعا مشروعا إلى إرساء دعائم حياة قومية صحيحة، قد تغدو في نظام كوني جديد، إحدى الأحلام الإنسانية العظمى.
كما أنني أرى من الواقعي والممكن أن نتوصل في يوم من الأيام إلى إتفاق مع بعض الدول العربية التي تتواجد فيها جاليات يهودية، كالعراق مثلا، بتبادل السكان معها. وإن كان هذا يبدو حلما بعيد المنال، فهو بالإضافة إلى ذلك، مصلحة حيوية لنا، سنسعى إلى تحقيقها بإستمرار …
(يقول أ. لولو—رئيس قسم الطوائف الشرقية في الهستدروت آنذاك)
بخصوص مسألة الترحيل المشؤومة أقول: أولا، ‘لا تبالغ في عدلك‘. وثانيا، وبما أنه يتواجد في البلدان العربية–العراق وسورية والسعودية واليمن– ما يقارب المائة ألف يهودي، فعلينا أن نسعى—بموافقة المسؤولين طبعا—إلى إجراء تبادل السكان معهم، وأن ندفع للعرب المهاجرين من إسرائيل ثمن أملاكهم، كي يقتنوا بها قطعة أرض في العراق ويستقرون فيها.
ولا بأس أن ننفذ هذا الترحيل بالإكراه أيضا، فكل المهمات الأخلاقية تفرض فرضا، ولا سيما ونحن مقتنعون بعدالة قضيتنا. ثم إذا نحن نبذنا حقنا في إجلائهم، فسيترتب علينا—والحال—أن تستنكر كل ما قمنا به حتى الآن، فعلى حساب من يرسخ إسنيطاننا أقدامه في غور بيسان، ومن الشارون إلى جبال إفرايم!!
وأقول لمن يزعمون أن في الإجلاء نوع من الإستفزاز السياسي، أنه ليس فيه أي إستفزاز، بل فيه تخطيط عادل ومعقول، أخلاقي وإنساني بكل معانيه …
(تقول غولدا مئير)
ومسألة الترحيل عن طريق الإغتصاب، يمكننا أن نفسرها هي أيضا في أسلوب مغاير لما يفعله بن غوريون. إذ هل يمكننا أن نعتقد، ولو للحظة واحدة، أن بريطانيا التي لنا معها تجربة طويلة مرة، ستقدم على إغضاب العرب وتحدي الرأي العام الإسلامي كله، كي تسدي لنا أية أعمال تخدم مصالحنا !!!
لقد حبذت دائما أن نجلي العرب عن هذه البلاد، بكل ضمير مرتاح، ولكن كيف السبيل إلى ذلك؟
ثم تعالوا نسأل جماهير الأمة اليهودية، هل توافق على أن تحل أزمة مليون ونصف المليون يهودي فقط، وإسكانهم في الوطن خلال عشر سنوات، ثم أن يغلقوا الباب بوجه بقية إخوانهم، بسبب ضيق المكان وعدم القدرة على تغيير الحدود.
في حالة كهذه لا بد من الحرب لأنه بالحرب وحدها يمكن تغيير الحدود، ولكن من يستطيع أن يضمن لنا أن تلك الحرب ستغير الحدود لصالحنا.
(يقول حاييم غرينبرغ—زعيم الإشتراكيين الصهيونيين في أمريكا)
فنذكر دائما، وإن كنا قدحرمنا من شرقي الأردن، بموجب مشروع أعوام 1922-1923، ثم عاد هذا الحرمان وترسخ من جديد من خلال مشروع التقسيم، إلا أننا لن نتخلى عن الأردن أبدا، مهما طالت فترة تحفزنا أو قصرت.
وقبل التقسيم كان لشرقي الأردن وضعه الخاص من نوعه، فلا هو محمية بكل ما تعنيه الكلمة، ولا هو دولة مستقلة. أما الآن وبعد التقسيم فسيغدو مع شطر كبير من أرض إسرائيل الغربية، دولة عربية مستقلة، لا تربطه بالبلاد أية صلة كانت …
(يقول أ. طرطكوبر—محاضر في علم الإجتماع وزعيم الإشتراكيين الصهيونيين في بولندا)
لقد كثر الكلام حول مسألة الترحيل، وإتسعت شقة الخلاف في الحوار القائم بصددها، مما أدى إلى تأزم الأوضاع وإزدباد تعقيدها. ولو نظرنا إلى المسألة من الناحية السياسية والأخلاقية—بدون أن ننتطرق هنا إلى وجهات النظر المتضاربة، بالنفي أو بالإيجاب—لتوصلنا إلى سؤال مفاده: هل ألقينا بالنا إلى الصلة بين مسألة إجلاء العرب اليوم، وبين مسألة إستيطان اليهود في دول الشرق الأدنى. أم أننا لا ترى الخطر الماثل في أن يلجأ العرب إلى حذو حذونا في مبدأ الدولة القومية النقية الخالية من الأقليات، ومن ثم أن يقوموا بطرد اليهود وحرماننا من موطئ قدم في الدول العربية المجاورة. أو ليس هذا الثمن باهظا مقابل التخلص من بضع عشرات الألوف من العرب لدينا (ونحن طبعا لن نتمكن من التخلص منهم جميعا) … (التأكيد في الأصل).
(يقول ب. لوكر—رئيس إدارة الوكالة اليهودية بعد عام 1948، وصديق حميم لبن غوريون)
بنى بن غوريون نظريته على ركيزتين أساسيتين هما: الإستقلال وترحيل العرب، إذ يستخلص من تصريحات بن غوريون أن ترحيل العرب ضرورة لا بد منها، في حالة تقسيم البلاد …
وأنا لا أريد أن أتعرض هنا للناحية الأخلاقية، لأنني مقتنع بأنه لو أمنت قسائم أرض مناسبة للمرحلين، فلن يصيبهم أي مكروه من جراء الترحيل، ولكنني لا أريد أن أتساءل عن إمكانية إقتلاع عشرات الآلاف من الأسر الفلاحية دفعة واحدة، ضد إرادتهم، ثم إعادة غرسهم من جديد في الدول العربية، حتى لو وافقت تلك الدول على ذلك.
فهذا سيؤدي إلى بغضاء مستحكمة وإحتكاكات عدائية، بين الأقلية العربية المتبقية في البلاد وبين اليهود، ثم بين إسرائيل وبين جاراتها العربيات، بالرغم من كل الإتفاقيات التي قد تعقد بيننا وبينهم.
ودولة صغيرة كدولتنا، لا ينبغي أن تسمح لنفسها أن تصل إلى وضع كهذا، بأي حال من الأحوال …
(يقول أ. هملين –زعيم صهيوني)
يعرب الزملاء هنا عن رأيهم بأن الحدود التي ستعين ستغدو نهائية ومستديمة. ولكن كيف يمكن التنبؤ يما يحدث خلال وبعد خمسة عشر عاما مثلا، ومن ذا الذي يقرر أنه بغير إستعمال القوة لا يمكن تغيير الحدود. ألا نرى في تاريخ أمريكا أن إستعمال المال والبيع والشراء أمكن إبتياع ولايات بأكملها، ومساحات شاسعة من الأرض، فهنالك حقيقة تقول بأنه عندما تتواجد دولة مكتظة بالسكان، وبحاجة إلى توسيع رقعتها، بجانب دولة خفيفة السكان وبحاجة إلى مبالغ من المال كي تنعش تطورها، فلا بد أن تتوسع الأولى في إتجاه الثانية.
وأعتقد أن توسيع حدودنا بواسطة إستعمال سلطان الذهب ممكن، إلى جانب ما نتمتع به من قدرة عملية، وعلى إستغلال الروابط الإقتصادية. إذ أننا عندما نقوى إقتصادنا وماليا، تنفتح أمامنا إمكانيات توسيع حدودنا، وزيادة رقعة بلادنا، على حساب الإستيطان العربي المحيط بنا، بالوسائل السلمية …
(يقول أ. رايس—زعيم صهيوني)
إن الحدود المعينة بموجب قرار التقسيم، ليست حدودا مقدسة … لأن الكثافة السكانية السائدة في حصتنا من اليلاد تصل إلى القمة في حين تنتشر إلى الطرف الثاني من الحدود مناطق شاسعة تكاد تكون خالية من السكان منذ الآف السنين. وليس من موجب الآن أن تبقى كذلك أبد الدهر. لأن إجتياح حدود دولة مأهولة بالسكان، هو عدوان وإستعمار فعلا، أما إجتياح بقعة مقفرة موحشة، تقع بمحاذاة بلد يكاد يتفجر من كثرة السكان، ويعاني سكانه من أزمات عمل خانقة، بسبب ضيق المساحة، فليس بمثابة إعتداء على حدود مقدسة، ولا هو من قبيل حب التوسع. فلماذا لا نهب إذن، وفي الحال، ونوسع حدودنا؟ وهل ننتظر أن يدعونا العرب إلى ذلك، أم ننتظر حتى يوافقون على ذلك، وهل يوافقون أصلا على كل وجودنا في إسرائيل؟ إننا حتى الآن سرنا بما نراه لنا من حقوق أخلاقية وأدبية، ونفذنا برامجنا في إسرائيل، بغض النظر عن قبول العرب أو رفضهم…
(يقول كتسي نلسون—يعتبر أهم منظر للحركة الصهيونية الإشتراكية. وسميت مؤسسة بيرل بالقرب من كفار سابا، التي تستعمل لإجتماعات حزب العمل والهستدروت، على إسمه)
لقد أثار موضوع ترحيل العرب لدينا جدالا حامي الوطيس: هل هو شرعي وجائز أم لا. وأنا مرتاح الضمير تماما إلى شرعية الترحيل، لأن ألف عدو في خارج البيت أهون من عدو واحد داخله. ثم إن هذا الترحيل لا يعود بالخسران على أحد، سواء عندنا أو عندهم، لأنه، في نهاية المطاف، عبارة عن عملية إصلاح سياسي إستيطاني يخدم مصلحة الجانبين. وقد تنبأت منذ أمد طويل أن هذا الحل هو أفضل الحلول التي يمكن أن تقترح لهذه المشكلة، ولقد إزداد إقتناعي بهذا الحل، بعد المناوشات الأخيرة التي حصلت، لا سيما ونحن نعلم بأن هذا الترحيل لا بد من إجرائه في يوم من الأيام. ولكن الأمر الذي ما كان يخطر لي ببال، في أي شكل من الأشكال، هو أن يجري هذا الترحيل من إسرائيل إلى مناطق نابلس والخليل وجنين، لأنني آمنت ولا زلت مؤمنا بوجوب رحيلهم إلى شمال سورية والعراق.
(يقول ي. طبنكين—من مؤسسي الهستدروت في عام 1921، وزعيم حزب أحدوت هاعافودا، الذي هو الآن كتلة داخل حزب العمل، ومعلم جاليلي ويغئال ألون)
إن معرفة التجانس الطبيعي بين أقسام بلادنا، والروابط التي تربطها مع بعضها البعض، كان دائما جوهر حركتنا. وقد نشر بن غوريون بعد الحرب العالمية الأولى ثلاث مقالات مطورة، عن التخوم الطبيعية للبلاد وهي البحر من الغرب والجبال من الشمال ثم الصحراء من الشرق والجنوب. وهي تفصل البلاد من البلدان المحيطة بها بفواصل طبيعية. وبما أن الأتهار لا تعتبر من نوع الحدود الطبيعية، فإن الأردن لا يفصل بين ضفتيه، بل يوحد بينهما ويربطهما برباط وثيق العرى، لأنه يجعلهما تعتمدان عليه بالتساوي. فهل نعتبر الأردن حدا فاصلا؟ ثم أليس بوسعنا أن ننتقل إلى ضفته الشرقية بقفزة واحدة؟ أم أننا يمكن أن نسمي أنفسنا دولة طالما الأردن بغير حوزتنا، ولا سلطة لنا عليها؟
لقد كان فصل شرقي الأردن عن كيان البلاد حدثا مشؤوما في تاريخ الإستيطان. وقد أعلن أرلوزوروف آنذاك: فليفتح شرقي الأردن بوجه الإستيطان اليهودي، ولتحفظ أسعار الأراضي فيه، كي تحل أزمة الأراضي غربي النهر، لدى العرب واليهود على حد سواء …
إن تقطيع أوصال البلاد الذي وقع في سنوات 1922-1923 كان بمثابة طعنة من الخلف في ظهر الحركة الصهيونية وأهدافها الإستيطانية الحيوية. إذ أدى ذلك إلى حشر الإستيطان اليهودي في مناطق البساتين والحقول، مما أدى إلى تصعيد حدة النزاع بيننا وبين السكان العرب فيها، ومن ثم وقوع الإحتكاكات والإصطدامات الدموية بيننا وبينهم. أي أن عملية الفصل هذه كانت خطة مرسومة بغية خلخلة الركائز التي تبني للبيت القومي الثالث للشعب اليهودي في هذه الديار.
أرض إسرائيل متجانسة في تخومها الطبيعية، وفي شعبها، وفي تكافئها الإقتصادي، كما تربطها شبكة مواصلات واحدة، ويوحدنا نهر الأردن كمصدر لإنماء الزراعة وتطويرها، وفي البلاد أحراش متشابهة، وصحراء واحدة تعزلها وتضمن أمنها، ثم لها شاطئ ممتد يربطها بالعالم الخارجي.
ووضع فواصل وحدود بين إسرائيل الغربية والشرقية، ثم الأمر الأدهى، ضمن أجزاء الشطر الغربي منها الذي يقع غربي الأردن، كل ذلك مع إستمرار وضع التقسيم، يشل طاقتها الإستيعابية، ويخنق إقتصادها، ويشوش تجانس أعراقها، ويخل بمصالحها السياسية والدفاعية. …
هذه هي المرة الأولى في تاريخ هذه الديار، التي يصبح معظمها دولة عبرية مستقلة، فحتى الآن كانت البلاد تنال إستقلالها في الفترات التي يحكم فيها اليهود فقط. فنحن كنا نوحدها ونجعلها دولة ذات سيادة،ونوفق بين أرجائها ونربطها ببعضها، وذلك لأن هذه البلاد هي وطننا كشعب، ومن هنا تأتي التسمية التاريخية لها: أرض إسرائيل. بينما لم تكن هذه الديار في يوم من الأيام مركزا قوميا للعرب، ولا مقتبلا يتجهون نحوه .
ولا ينبغي أن نرى مشروع التفسيم، الوجه الواحد منه الذي يتمثل بظهور الدولة العبرية على مسرح الأحداث، بل وأن ننتبه إلى الجانب الثاني، أي إلى بلورة الوجود العربي الفلسطيني، على صورة كيان مستقل بمحاذاة إسرائيل، وذلك من خلال إقامة دولة عربية ذات سيادة، ولها شخصيتها الذاتية، على صعيد السياسة الدولية، والتي لا تعتبر جزءا تابعا لجنوبي سورية أو لغربي العراق، أو لشمالي جزيرة العرب، بل كدولة عربية في أجزاء من أرض إسرائيل التاريخية، التي أقر العالم بأسره أنها لنا، وإعترف بحقوقنا التاريخية والشرعية عليها، ليس بسبب تواجدنا التاريخي فوقها فحسب، بل ونظرا إلى وجوب سد الإحتياجات القومية الحيوية للشعب اليهودي، وحاجة العالم إلى حل المسألة اليهودية عن طريق إيجاد إستيطان يهودي على أرض إسرائيل. إن ظهور الدولة العربية التي لا تتلاءم مع إمكانيات الفلسطينيين السكنية على أرض إسرائيل، بحكم إعتراف عالمي ومصادقة قانونية دولية، ليس مجرد سلطة تمنح لهم على شعبهم، بل هي سيطرة على شطر حيوي من بلادنا.
(يقول أ. هرتسفلد__خبير في شراء الأراضي والإستيطان اليهودي)
يرى بن غوريون أن إجلاء السكان العرب عامل حيوي وهام، ولكن هذا هراء فارغ لا ينبغي الإطالة فيه. فبعد الإستيلاء على غور حيفر، أعطوا للعرب تل شعك في بيسان، ولكنه مازال مقفرا إلى يومنا هذا.
اليوم يجب محو الترحيل من حسابنا. ففي مناطق عكا وصفد والمطلة يقوم إستيطان عربي مزدحم بالسكان، وهم لن يغادروا ديارهم، لأن كل من كان في مكانهم لا يقدم على ذلك أيضا …
وخلاصة القول إن وضعنا في دولة إسرائيل يمنعنا من التوصل إلى إتفاق ما مع العرب، ولذلك فإن الإيمان بالعدل والسلام لا جدوى فيه، وليس أمامنا غير طريق واحد نسلكه: أن نبني قوتنا العسكرية الضاربة على وجه السرعة، ثم إكراه العرب على الخضوع لإرادتنا بالقوة.
<<الصهيونية: الحقيقة بكاملها (الجزء الثالث)
عن صحيفة كنعان
تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم
الصفحة الرئيسية | [2] [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا
جميع الحقوق محفوظة © 2009 صوت اليسار العراقي
الصفحة الرئيسية | [2] [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا |
|
---|