%@ Language=JavaScript %>
|
لا للأحتلال |
|
---|
الصفحة الرئيسية | [2] [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا |
|
---|
الإنتفاضة والثورة
د. وسام جواد
جسدت ملحمة انتفاضة الشعب المصري قدرة القوى الوطنية على هزيمة الأنظمة القمعية, بوحدة الهدف ودوي أصوات الحناجر, وكلمات المثقف والشاعر, وبسالة الشباب الثائر, وقدرته على صنع المآثر. ورغم الاجماع الوطني والقومي والدولي التقدمي على أهمية الانتفاضة الشعبية ودورها في التغيير, إلا ان ثمة ما يدعو الى التريث في تقييم ما حصل في مصر, وما قد يحصل في بعض الدول العربية.
لقد ذهب البعض بعيدا بتصوراته غير الدقيقة, معتبرا أن انتفاضة الشعوب في بعض الأقطار العربية, تؤثر على ما يجري في مصر, التي يتوجب توجيه الإهتمام والأنظار اليها, وليس الى ما يحدث في هذه الدول . ويُذكر هذا التفكير الخاطئ بذاك "المُنظر ",الذي اعتبر المقاومة الأفغانية واللبنانية والفلسطينية "ثانوية", وان المقاومه العراقية "رئيسية", وأن ما تنقله وسائل الإعلام عن المقاومة العربية والاسلامية يهدف الى صرف الأنظار عن المقاومة العراقية !
وقد كتب الأستاذ عوني القلمجي :
" يمكن القول ودون تردد بان الثورة التي قام بها شعب مصر العملاق هي الثورة الاعظم، ليس في تاريخ مصر والامة العربية فحسب، وانما في تاريخ البشرية قاطبة، كونها ضاهت جميع الثورات العظام التي لم تزل شعوب العالم تتغنى بها وتتحدث عنها باستمرار، ونقصد هنا الثورة الفرنسية والثورة البلشفية في روسيا القيصرية.."
إن المبالغة في تقييم انتفاضة الشعب المصري المجيدة, واعتبارها "أعظم ثورة في تاريخ البشرية", والمقارنة غير الموفقة بينها وبين الثورتين الفرنسية والبلشفية, قد تنسجم مع العواطف الجياشة, لكنها لا تتلائم مع موضوعية التقييم في السياسة .
وحاول الكاتب دعم رأيه بأمثلة, أخفق في جعلها دليلا على صحة تصوراته "..ففي فرنسا لم يكن الملك لويس السادس عشر، الذي قامت في عهده الثورة الفرنسية، يمتلك من ادوات القمع والقهر ضد الثوار مثل ما امتلكه نظام حسني مبارك، لا من حيث العدة من جيش وشرطة ومخبرين واجهزة أمن واستخبارات ومباحث ، ولا من حيث الاسلحة المتنوعة، مثل الدبابات وناقلات الاشخاص المدرعة، ولا من حيث انواع العتاد المتعدد الاغراض، ولا حتى ابسطها، مثل الغازات السامة او المسيلة للدموع، ولا بلطجية كالذين شاهدناهم في ميدان التحرير."
إن لكل ثورة مكانها وزمانها وظروف الإعداد لها. واذا ما مر على الثورة الفرنسية قرابة 222 عاما, فإن من البديهي ان يكون السلاح معتمدا على درجة التطور التكنولوجي وقتذاك. وليس من الصواب مقارنة ما كان يملكه النظام الفرنسي من سلاح وإعلام, قبل وأثناء الثورة, مع ما يملكه النظام المصري في الوقت الحاضر. علما بأن سلاح الجيش الفرنسي والشرطة كان مواكبا لتطور تلك المرحلة,التي لعب نجاح الثورة الفرنسية فيها دورا تاريخيا في انتقال البشرية من مرحلة الإقطاعية الى مرحلة أكثر تطورا,علميا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا ( مرحلة البرجوازية ).
ولا بد من التذكير هنا, بما حققته الثورة الفرنسية :
- مرت الثورة الفرنسية خلال سنوات حكمها بعدة مراحل, بدأتها بإلغاء النظام الإقطاعي , ووضع دستور البلاد, واصدار بيان حقوق الإنسان, وإعدام الملك, وتوسطتها حملة تصفيات لقادة الثورة على يد روبسبير, وانتهت بتحالف الطبقة الجديدة ( البرجوازية ) مع الجيش لإنهاء حكم الثورة بانقلاب عسكري, لمع فيه نجم الضابط والدكتاتور لاحقا, نابليون بونابرت.
- اسقطت الثورة الفرنسية النظام الملكي وعوضته بالنظام الجمهوري.
- إقرت الثورة لأول مرة, فصل السلطات القضائية والتشريعية والتنفيذية, وفصل الدين عن الدولة.
- أحدثت الثورة نقلة نوعية في وسائل الإنتاج, والغت امتيازات رجال الدين والنبلاء والإقطاع, وأحدثت انقلابا جذريا في علاقات وحياة المجتمع الفرنسي . لذا, فهي تُعَد بحق, إحدى أهم الثورات في العالم .
ان عدم الأخذ بأهمية ما أحدثته الثورة الفرنسية, والمعلومات غير الوافية والكافية عن تفاصيل الظروف, التي سبقت ثورة اكتوبر, يجعل المقارنة بين نتائج الانتفاضة المصرية وتفضيلها على انجازات الثورة الفرنسية والروسية, أمرا تغلب عليه العواطف, لا المنطق والمعرفة.
" اما الثورة البلشفية فان ظروف انتصارها كان اسهل من سابقتها، فالقيصر ونظامه لم يكن حاله افضل من حال سابقه الملك الفرنسي، فالنظام القيصري كان قبل اندلاع الثورة البلشفية قد خرج، هو الاخر، مهزوما من الحرب مع اليابان في عام 1905، ثم خروجه للتو من الحرب العالمية الاولى مهزوما ايضا، بل ومحطما قبل ان تضع تلك الحرب اوزارها، الامر الذي ادى الى تدهور أوضاع النظام القيصري الداخلية، واشتداد ازمته في مختلف نواحي الحياة، واتساع حالة الجوع في صفوف الفلاحين الذي شكلوا حينها 85% من سكان روسيا القيصرية جراء سيطرة فئة قليلة من كبار الملاك الامر الذي زاد من بؤسهم الى درجة مخيفة، في حين كان عمال المصانع يشتغلون لمدة 13 ساعة في اليوم الواحد، ووصل الامر حدا لان تفقد السلطة المركزية كل مقومات استمرارية وجودها، بل ان السلطة ذاتها، رغم ضعفها، قد وقعت بالكامل بيد زوجة القيصر وعشيقها الراهب راسبوتين."
أكمل الفارق الزمني بين الثورة الفرنسية والبلشفي ( 128 عاما ) فوارق أخرى بين المجتمعين الفرنسي والروسي . فعلى الرغم التغييرات الكبيرة في الأنظمة السياسية والإقتصادية والاجتماعية للدول الأوروبية, وإحتدام التناقضات والصراع بين البرجوازية والطبقة العاملة, إلا ان عجلة تقدم النظام القيصري ظلت تسير ببطأ شديد, مما حفز النخبة المتأثرة بالثورة الفرنسية, وأفكار عباقرة السياسة والاقتصاد ككارل ماركس وفريدريك انجلس,على توسيع نشاط الطليعة الثورية بقيادة فلاديمير ايليتش لينين بين العمال والفلاحين والجيش والإعداد الناجح للثورة الشعبية, التي وصف الكاتب جون ريد تفاصيلها بدقة في كتاب " عشرة أيام هزت العالم".
وضعت الثورة الفرنسية بداية مرحلة جديدة في تاريخ البشرية ( البرجوازية ), ووضعت ثورة اكتوبر بداية مرحلة جديدة أيضا (الإشتراكية), وقد لعبت الثورتان دورا كبيرا في التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في فرنسا وروسيا والعالم أجمع .
إنتفاضة الشعب المصري :
كان لكل من الثورتين الفرنسية والروسية قادة ثوريون ومفكرون مبدعون, وثق بهم الشعب, وسار معهم لتحقيق أهداف أبعد بكثير من تغيير الملك أو الإمبراطور. أما الإنتفاضة المصرية, فعلى الرغم من كونها الأجرأ والأكبر والأكثر ضبطا في تاريخ الإنتفاضات العربية, إلا أنها لم ترق الى مستوى الثورة بالمعنى السياسي وليس الحرفي للأسباب التالية :
- غياب القيادات السياسية والدينية, والتحاق بعض الشخصيات السياسية الانتهازية والمشبوهة كعمرو موسى والبرادعي, وبعض الإخوان المسلمين ورجال الدين كالقرضاوي, بعد التأكد من اتساع حجم واستمرار الإنتفاضة الشعبية.
- تنفيذ الشرطة لأوامر النظام حتى لحظة الانسحاب بقرار منه, بعد جريمة اطلاق النار على المتظاهرين .
- عدم أخذ قادة الجيش زمام المبادرة طوال فترة الإنتفاضة, مما يدل على غياب التنسيق مع القوات المسلحة,التي التزمت جانب الحياد, دون ان يتجرأ أحد من القادة العسكريين على اعلان انتقاله الى صفوف الجماهير .
- عدم محاكمة فرعون مصر على جرائمة وخيانته لقضايا الشعب والأمة.
- بقاء أزلام وقادة النظام في السلطة. ومعلوم ان الثورات لا تتسامح مع القتلة والجلادين, ولا تتهاون مع الخونة والمجرمين, ولا تهادن زمر التخاذل والمترددين , ولا تفتح أبوابها لدخول المتربصين .
- الإعلان عن عدم المس بالاتفاقيات والمعاهدات الدولية, وهو ما فسر برسائل تطمين للعدو الصهيوني عن بقاء معاهدة العار ( كمب ديفيد ) واستمرار العلاقات القائمة معه, وتدفق الغاز اليه بثلث سعر السوق العالمي .
- عدم تحقيق مطالب الشعب بالغاء حالة الطوارئ, واطلاق سراح المعتقلين السياسيين, والإكتفاء ببعض الإجراءات الشكلية لتهدئة الخواطر .
الخلاصة :
لا يزال الأمل كبيرا في يقظة أهل الكنانة الأبرار, ونجاحهم في تحويل الانتفاضة المجيدة الى ثورة شعبية, قبل ان يتمكن المشبوهون والانتهازيون وأعوان النظام الباقون في مناصبهم ومراكزهم من الالتفاف على ما تحقق من مكاسب, بفضل وحدة إرادة الشعب المصري الأبي .
تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم
الصفحة الرئيسية | [2] [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا
جميع الحقوق محفوظة © 2009 صوت اليسار العراقي