<%@ Language=JavaScript %> صباح علي الشاهر الثورات الظافرة لا تساوم
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                         

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

 

الثورات الظافرة لا تساوم

 

 

صباح علي الشاهر

 

لا تقارن الثورات  بالإنقلابات أو الإحتلالات أو المؤامرات. لأمر ما خفي أو مُعلن يتم تقزيم الثورة عندما يعقد البعض مقارنة بينها وبين إحتلال مثلاً، أو بينها وبين ردة سوداء، أو مؤامرة حيكت خيوطها من قبل قوى ظلامية.

لا تقارن الثورة إلا بثورة، ولا يقارن الإحتلال إلا بإحتلال. أن تقارن الثورة بإحتلال فإنك تهين الثورة، وأن تقارن الإحتلال بثورة فإنك ترفع من شأن الإحتلال وتزكيه.

لقد أصابت ثورة الكرامة التونسية النظام العربي بما يشبه إنعدام الوزن. إنتقل إنعدام الوزن هذا إلى الإعلام التابع الذي من شدة إرتباكه لم يجد أمامه من موقف سوى موقف الصمت عما يجري، ثم بعد ذلك موقف الحياد المُرائي، ثم موقف التخبط المدروس، الذي كان هدفه إبعاد إنشوطة الثورة عن كل الرقاب التي تستحق هذه الإنشوطة، ونقل تأثير هذه الثورة إلى كل الساحات بإستثناء الساحات التي ستؤثر فيها حتماً وبداهة، بحكم تشابه الأرضية والمعطيات والأسباب، والتي تستوجب تشابه النتائج، وإن على نحو مختلف ، فالثورات لا تتكرر لكن تأثيرها يمتد ويتسع في البيئات المشابهة آجلاً أم عاجلاً ، والقضية في النهاية قضية وقت ليس إلا .

بدأت ثورة الياسمين بداية بسيطة، لكنها بالغة الدلالة. ربما لم ينتبه البعض في الوهلة الأولى إلى أن جسد بوعزيزي الملتهب تحدياً للقهر، ومن أجل رغيف الكرامة، سيتجاوز الشأن المطلبي .

كل الإنتفاضات والثورات تبدأ هكذا. مطلب محدد بوضوح وصرامه يتعلق بشأن حياتي، يتحوّل فيما بعد إلى مطالب، في الأغلب الأعم لا تتعدى الشأن المعيشي الحياتي، وإلى هذا المدى تجري الأمور في إطار ردة الفعل التي قد تتسع عمقاً، لكنها تظل في إطار الهبة الجماهيرية، أو الإنتفاضة على وضع مُحدد، ومن أجل تحقيق مطالب مُحددة، ولهذا لم يبتعد عن الصواب أولئك الذين سموا انتفاضة الشعب التونسي في بداية الأمر بإنتفاضة الخبز. 

بوعزيزي لم يحرق نفسه لأنه لم يحصل على عمل وهو المُتخرج من الجامعه، ولم يترفع عن بيع الخضار في عربة، ولم يقم بفعله الفريد هذا لأنه لم يستطع بيع بضاعته، ولا حتى بعد منعه من مزاولة عمله هذا، وكان من الممكن أن تجري الأمور على نحو آخر، ربما تكرر مرات عديده، بإن يعود بوعزيزي إلى بيته دون أن يحصل على قوت يومه، ليس هذا فقط ، بل حتى أن يخسر رأسماله البسيط، كل هذه السيناريوهات كانت ممكنة، لا بل هي متحققه دائماً وعلى إمتداد الأرض التونسية، ورغم كون الجوع كافر، ورغم صواب مقولة ( قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق) لكن بوعزيزي لم يحرق نفسه لهذه الأسباب فقط .

لقد تعرض بوعزيزي للإهانة والتحقير والصفع ممن يمثل السلطة، التي كانت السبب في حرمانه من التعيين وفق شهادته، وفي تحصيل قوت يومه من عرق جبينه، ولم يكن بمقدرره رد إعتباره، فعندما يكون خصمك في بلد كتونس بن علي ممثل السلطة، مهما صغر هذا الممثل، فليس أمامك والحالة هذه إلا لحس كرامتك وكبريائك. 

لقد جسدت الحالة قمة الإستلاب بالنسبة للشاب بوعزيزي، الذي تبين فيما بعد أن نفس الحالة يعاني منها ملايين التونسين الذين أصبح كل منهم بوعزيزي.

عندما تصل الأمور في بلد ما مرحلة الإستلاب الكامل، فإن الإنتفاضات والهبات الجماهيرية تصبح عبثاً لا طائل وراءه، أنها تمنح المستبدين القابضين على السلطة إمكانية تجديد  نظامهم شكلياُ، بتقديم بعض التنازلات التي لا تغير من الأمر شيئاً، وربما تجعل المستبد الأول أو الثاني، أو غيره من المستبدين، قادة لمرحلة جديدة سيزعمون زوراً إنها مرحلة التغيير.

عندما تصل الهبات الجماهيرية والإنتفاضات إلى هذه المرحلة ، وتقترف هذا الخطأ المميت فإنها تكتب بيدها شهادة وفاتها، لذا يتحتم الإنتقال من المطاليب الحياتية، المعيشية والإقتصادية تحديداً إلى المطالب السياسية، التي كلما أرتفع سقفها، إرتفعت الثورة في منحاها التغييري الجوهري.

عندما طالبت ثورة الياسمين ليس بإقالة بن علي فقط، وإنما كل المسؤولين، وإسقاط النظام برمته، وحل الحزب الحاكم، والإقتصاص من الذين أجرموا بحق الشعب، والذين أذلوه وسرقوه، وباعوا الوطن، تكون قد أشرت لكونها ثوره شعبية بحق، وليست هبة جماهيرية أو إنتفاضة محدودة الهدف .

ما حدث في تونس ثورة، هي الثورة الأولى الشعبية في الوطن العربي . لقد شهد عالمنا العربي إنتفاضات مُجهضة، وهبات جماهيرية مُحبطة، وإنقلابات تحولت إلى ثورات كثورتي يوليو ( تموز ) في مصر والعراق، لكنه لم يشهد ثورة شعبية تنطلق من الشارع، وتمتد في أرجاء الوطن بكامله، ثم تخلق قيادتها في أتون المواجهات وفي خضم الصراع ، وتطور شعاراتها، وترفع من سقف أهدافها بتطور الثورة وحركتها، وبمواجهة تراجع السلطة وإهتزاز جبروتها، ثم إنتهاء سطوتها، وتهاوي أسطورتها، لتبدأ أسطورة الشارع، الشارع الذي يقول فيسمع قوله، ويُقرر فينفذ قراراه .

لقد حاولت بعض الأحزاب الهامشية والشكلية إستثمار زخم الثورة، وسارعت منذ الأيام الأولى للقبول بالفتات الذي عرضه عليها ممثلو النظام السابق الذين ظهروا في الواجهة ، وحسب البعض أن الثورة إنتهت، لكن الشارع التونسي بيّن للجميع أنه يدرك حقيقة وأبعاد اللعبة، لذا واصل هجومه الظافر بلا هواده ولا كلل.

قادة الأحزاب الشكلية، والنخب السياسية قد يساومون، لكن الثورة لا تساوم، لن تكون ثورة إذا ساومت، وإذا إرتضت بالحلول الوسط . الترقيعات والحلول الوسط مقتل أي ثورة ، وعلى ثورة الكرامة في تونس أن لا تقع في هذا الفخ.

المطلوب : حكومة إنقاذ وطني، تتشكل من القوى الوطنية التي وقفت بوجه نظام الطاغية، توقف العمل بالدستور الحالي، وتُبطل قوانين بن علي وحزبه، و تجري إنتخابات حرة وشفافة، ثم تسلم حكم البلد لحكومة منتخبة  تكون أولى مهمامها إعادت الحقوق لمن أستلب حقه ، وإسترجاع أموال الشعب المنهوبة ، ومحاسبة الطغاة ، كي يكونوا عبرة لمن يعتبر.

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا