<%@ Language=JavaScript %> صباح علي الشاهر ثورة الياسمين البوعزيزية التونسية
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                         

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

 

ثورة الياسمين البوعزيزية التونسية

 

صباح علي الشاهر

 

في زياراتي المختلفة لتونس كنت أعاني من قدرتي على سماع ما يهمس به المثقفون . وسواء كنت في مقهى تعوّد المثقفون واليساريون منهم تحديداً إرتيادها، أو في شارع عريض أو زقاق، كان الهمس هو سيد الحديث. حالة لم أرها لدى الأخوة (المثقفون التوانسه) خارج تونس، حيث كان صوتهم بالغ الدلالة والوضوح .

لا تخطيء العين الباصرة ملاحظة أن تونس التي كانت تضحك ظاهرياً، هي تونس التي كانت تبكي وتنتحب داخلياً .

ليس فقط تلك الصور كبيرة الحجم للقائد الضرورة، والتي بثت في كل مكان هي من يعلمك بأن البلد يُحكم من طاغية، (وأنا ممن يزعمون أن التعبير الأكثر وضوحاً وجلاء على وجود طاغية في بلد، هو إنتشار صوره العملاقة في الشوارع وعلى جدران البنايات، وإقامة نصب له في الساحات العامة وهو ما زال حياً )، وإنما حرص الناس على إبلاغك بألف وسيلة ووسيلة أن السيد الرئيس يحب شعبه، وأنه إذ حدث أمر غير طبيعي فإن السبب تلك الشلة من المنافقين الذين كانوا يحيطون به  حفظه الله ورعاه !.

من المؤكد أن هذه حجة ليست هزيلة فقط وإنما سخيفة وبالغة السخف، فالطغاة في كل مكان يجبرون ضحاياهم على إيجاد المبررات والأعذار لجزاريهم.

أن يتنازل الضحية عن حقه لا في مقاضاة ظالمه، وإنما حتى في تسميته أو الإشارة إليه ، .ان ينصّب نفسه وهو الضحية محاميا ومُدافعا عن الجلاد، فتلك ذروة التراجيديا العربية السوداء  في زمن الأقزام الطغاة الذين أبتلينا بهم .

ربما يُعطى العذر للإنسان البسيط المُحاصر بالجوع والرعب وإنعدام الحيلة، ولكن ماعذر تلك النخب التي إمتهنت رذيلة التغزل بالطغاة. لقد قرأت قبل فترة قصيرة لقلم كنت أحب كلاماً لا يقوله كاتب حر، وإنما يسطره كاتب أجير في التبخير بتجربة بن علي الديمقراطية والإنسانية ، ضعوا ألف خط تحت الديمقراطية والإنسانية.

لقد زرت تونس مرات عديدة، إلتقيت بالمثقفين، وتسكعت بالإزقة الخلفية، فلم أجد أمامي سوى إستبدادا لا يريد المُستبد إخفاءه إمعانا في الرعب، وجوعاً مستشرياً يكاد يجعل الناس يكفرون بكل شيء، لكنني بالمقابل وجدت مُتخمين أبيح لهم نهب تونس كلها، واغلب هؤلاء لم يكونوا توانسة، لقد باع بن علي تونس للأجانب والأقارب والمعارف بحجة الخصخصة، وأشهد أن هؤلاء كانوا يتمتعون بكل شيء، والحياة بالنسبة لهم كانت نعيماً، فهل كان صديقي الكاتب يتحدث عن هؤلاء الناس، عن أولئك الذين لم يبقوا للتوانسة شيئاً، إن كان يتحدث عن هؤلاء فقد صدق.

لو كانت تونس كما يصورها إعلام بن علي، والإعلام المشايع له، فإن لحم بوعزيزي المحروق بناره، سوف لن تُشم رائحته أبعد من حدود الشارع الذي أحرق نفسه فيه، لكن لهب جسد بوعزيزي المحروق عم تونس كلها، من أقصاها لإقصاها، مما يؤكد وبما لا يدع مجالاً لشك أي شكّاك أو نبّاز، إن التوانسة  كلهم كانوا بوعزيزي. لقد تنادى المظلومون والمسحوقون، والمحقّرون، على إمتداد أرض تونس الخضراء، فأصبحت صرخة بوعزيزي صرخة كل محروم ومضطهد وجائع وصاحب حق مغدور أو مُستلب.

ثورة الياسمين البوعزيزية التونسية ستؤرخ لعهد عربي جديد. لقد أنهت مرحلة ذل الشارع العربي . لم يعد بإمكان المستخفين الإستخفاف بهذا الشارع الذي طالما إحتقروه ، وأهانوه، وقللوا من شأنه، متجاهلين من دونما حق تضحيات هذا الشارع، الذي يمثل بحق الإنسان العربي، والذي كان وما زال البارومتر الذي يشير بصدق لآمال وطموحات هذه الأمة.

العرب ليس هم الأنظمة، ولا الحكام، العرب هم الشارع العربي، وما يقوله الشارع العربي هو بالتحديد ما يقوله العرب، لا ما  يقوله وزير خارجية القطر العربي الفلاني والعلاني .

قال الشارع العربي التونسي قولته ففر الطاغية مذعوراً . على الحكام العرب إستخلاص العبرة إن كان بمكنتهم إستخلاص العبر، وإلا سيكون مصيرهم مصير بن علي، وسيذهبون غير مأسوف عليهم .

تواطأ ما يُسمى بالعالم الحر على دعم أشد الأنظمة تخلفاً وبطشاً، وأكثر الحكام قمعاً ، ومدهم بالخبراء الذين تفننوا في إستعمال أشد الوسائل إجراماً وفاعلية في إخصاء الناس، وصمت عن جرائمهم وهو الذي كان وما يزال يتغنى بحقوق الإنسان، ولم يكن في مسعاه هذا متناقضاً مع نفسه بل كان متوافقاً تمام التوافق . لقد أراد أن تكون الأنظمة  و الحكام بمواجهة الشارع، فتحقق له ما أراد، لأنه يعرف تماماً أنه إذا كان بإمكانه أن يحتوي الحكام العرب، واحداً بعد آخر، فإنه لا يستطيع إحتواء الشارع العربي، لذا أوكل هذه المهمة للحكام (المُخُلقين) الذين تكرّست مهمتهم في تهميش المواطن العربي، وإذلاله، وفسح المجال رحباً أمام المخططات المشبوهه كي تتحقق على الأرض العربية، وبغياب الأرادة العربية .

ثورة الياسمين البوعزيزية تضع حداً لهذه الحالة، وتؤرخ لولادة عصر الإرادة الشعبية التي لا تغلب، وهي ليست كثورات أوربا الشرقية، الإرجوانية أو البرتقالية، ولا كربيع هذه العاصمة أو تلك، فتلك الثورات من حيث الجوهر حصيلة مخططات إستخباراتية كانت تفعل فعلها على نار هادئة لمدى عقود، مستغلة الجمود والشيخوخة التي طبعت بطابعها تلك الأنظمة الآيلة للسقوط، وهي تعبر عن مرحلة صعود أمريكا تحديداً، وسعيها للإستفراد بالعالم .

ثورة الياسمين البوعزيزية نموذج آخر. يأتي على الضد تماماً من مشيئة أمريكا والغرب، إنها نتاج تونسي صرف، شعبي بامتياز، حتى من دون أن يكون تحت قيادة أي تنظيم، بسبب من كون الطاغية قد قضى على كل إمكانية لأي تنظيم في قيادة الشارع، لكن الشارع قاد نفسه، وقلب الطاولة على الطغاة، إنه أول إنتصار للشارع العربي، وأول هزيمة يلحقها هذا الشارع بنظام عربي فاسد ومجرم.

نعم .. بدء عصر جديد .. عصر الشارع العربي الذي يقول ويفعل، والذي على القابعين فوق الكراسي الإستماع له جيداً .

شارعنا العربي يثور أيضاً، ولكن ثورته ليست بلون مستورد أو مصطنع، وإنما هي بلون ورائحة الياسمين، بلون ورائحة ازهارنا التي هي نبت أرضنا الطيبة .

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا