<%@ Language=JavaScript %> صباح علي الشاهر المراجعة أمر لا يقبل التأجيل
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                         

 
 

 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

 

المراجعة أمر لا يقبل التأجيل

 

 صباح علي الشاهر

 

لا شيء أفضل مما كان، لاشيء أفضل مما هو كائن، لا شيء أفضل مما سيكون.. لاءات ثلاث لأفضل شيء، في أزمنة مختلفة .

الذين يقصرون الأفضل على الزمن الماضي الجميل الذي مضى، يستغفلون ذاكرة الناس التي مازالت طرية، أما الذين يقصرون الأفضل على الزمن الحالي فهم من أكثر الناس كذباً ونفاقاً، فإذ كان بعض الناس لا يتذكر بؤس الماضي، لأنه لم يكتو بنياره، لأسباب عدّه، منها أنه كان يعيش على تخوم هذا الماضي، ولا نقول على هوامشه، أو أنه كان من تلك القلة المنتفعة منه ، أو أنه لم يبلغ في ذلك الزمن المرحلة العمرية التي تجعله يحس بهول ما كان يجري، لكن وعيه تشكل تحت ثقل هذا الزمن الكالح ( الحاضر)، الذي أعطاه ألف سبب وسبب للتطلع إلى أزمنة سابقة أو غابرة، متوهماً أن الأفضل والأجمل والأمجد هو ما كان، وليس ما هو كائن، أو حتى ما سيكون. وأي كانت الأسباب، فإن هؤلاء الذين يتوهمون أن الأفضل كان في الماضي، هم قلة ، أمتهنت وتمتهن التهويل والتدجيل والتزييف، إلا أن هذا لا يعني أن الذين يقولون بأفضلية ما هو كائن هم أغلبية، فهؤلاء هم أقل القليل، لأن ما يشخص أمام الجميع، في كل يوم، وفي كل ساعة، يدحض بما لا يدع مجالاً للشك كل دعواهم، ويبطل وعلى نحو بات مزاعمهم، ويفند تبريراتهم، فالعالم كله ينقل بشاعة الكائن ( الحاضر) ليس في العراق فقط ، وإنما على إمتداد هذه الأمة المَنكوبة، المَنهوبة، المُستلبة .

الأغلبية التي لا تخطئها العين، هم أولئك الذين يرون آفات وعيوب الماضي، التي لولاها لما آل بنا الحال إلى ما نحن عليه الآن، ومن بعض هذه الأغلبية أولئك الذين أكتووا بنار الماضي ، أولئك الذين صُملت آذانهم، أو قطعّت ألسنتهم، أو وشمت جباهم، أو الذين فقدوا قريباً أو حبيباً أو صديقاً، أو أمتهنت آدميتهم في أقبية الأنظمة التي كانت تتغنى بالإنسان وكرامته، أو شردوا جراء الجور والبطش في أصقاع الدنيا باحثين عن الخبز والأمان، او من الذين حرموا من كل ما أبيح في الدنيا الواسعة للناس لكنه حرم عليهم، كي يبقو خارج الزمن، يتوهمون بإنهم ما زالوا يعيشيون مرحلة الألهه أو أنصاف الألهة، التي تحتكر الصواب ، وتمنح الموت والحياة كما تشاء، وورثة أولئك الذين ظُلموا على مدى نصف قرن، سواء أبناء وأقارب أولئك الذين سُحلوا في الشوارع تنفيذاً للمطلب العظيم في إشراك حزب في الحكم بمنحه وزارة،  أو الذين عُلقوا على أعواد المشانق تلبيية لمشيئة ورغبة الحاكم بأمر الله، أو ألئك الذين تساقطوا في الشوارع والأزقة برصاص الخصوم غيلة وغدراً، أو برصاص الرفاق أو الزملاء أو الأخوة لأنهم فارقوا الحزب أو الجماعة ، وتمردوا على القيادة!

الماضي الجميل هو الذي أبدل الولاء للوطن بالولاء للحزب و القائد، وهو الذي لم يكتف بتقسيم الناس إلى مناضلين وغير مناضلين، حزبيين وغير حزبين، وإنما أوجد بدعة التربية الخاصة، بعيداً عن الأسرة والمدرسة والمجتمع، فتبجحوا هراءاً ( هكذا علمنا الحزب، أو هكذا ربانا الحزب ) ، وزعموا أنهم حملة الأخلاق الشيوعية أو البعثية أو القومية، ولا أدري لماذا لم تظهر بعد الأخلاق الليبرالية !

عندما تبحث عن هذه الأخلاق التي يزعمون يكون بحثك عبثاً، ومضيعة للوقت،لأن الأخلاق ليست نتاج تنظيم أو مجموعة محددة من الناس، هؤلاء يمكن أن يخلقوا قواعد لتنظم عملهم ، تماماً مثلما تضع المافيات قواعد ها الصارمة ، حيث لا يربط هذه القواعد أي رابط بالإخلاق ، وربما تكون على الضد منها أحياناً.

  الأخلاق الحزبية الموهومة لم تمنع الحزب ولا أفراده من الظلم والكذب والبطش والغدر والخيانة، والتزلف والنفاق، والرشوة واستغلال المنصب، والثراء غير المشروع، وبين الحزبيين من كل صنف ونوع، الوطني والعميل، الشجاع والجبان، المخلص والخائن، المبدئي والأنتهازي، الصادق والمنافق، المُستعد للتضحية من أجل المباديء بكل شيء، والمُستعد لبيع هذه المباديء والقيم والأوطان بأتفه الأثمان، والغريب هنا أن الحزبي الجيد ليس هو من يتقيَد بالأخلاق الإفتراضية الموهومة، وإنما هو ذلك الفرد ( المواطن الجيد) الذي يتقيد بالأخلاق العامة للمجتمع، فيتسم عمله بالإستقامة والشرف والنبل، والوفاء والأمانة ، والصدق والشجاعة والإقدام، والإستعداد  للتضحية .

عجباً من هذا البعض الذي مازال لحد الآن يردد هذا الهراء، ترى لو كانت كل هذه الملايين الشيوعية والبعثية والقومية تتمتع بكل هذا النبل الذي تعكسه أدبيات هذه القوى، وإذا كانت كل هذه الملايين تتمثل هذه التربية التي يزعمون، وتتخلق بهذا الخلق الذي يدعون، فكيف يفسرون  كل ذلك الركام الهائل من الجرائم والبشاعات، والهزائم التي منينا بها، وصولا إلى كارثة اليوم ، التي ليس كمثلها كارثة .

مشكلة الماضي الجوهرية التي لابد من تشخيصها، تتمثل في كون الأحزاب التي هي تنظيمات لنخب متطوعة لخدمة برنامج يمثل تصور هذه المجموعة في كيفية خدمة الشعب والوطن . أي أن الحزب والتنظيم في المحصلة النهائية أداة ووسيلة لخدمة الشعب والوطن، وأم المشاكل وأبوها أن هذا التنظيم يتحول فيما بعد من وسيلة إلى غاية، من أداة لخدمة الشعب إلى وطن يُخدم، ويتحول أعضاؤه إلى أشخاص فوق الشعب، لهم تربيتهم الخاصة وأخلاقهم الخاصة، ويصبح قادته فوق القانون وفوق النقد، من  حقهم من دونما أي نقاش قيادة هذا الشعب.

الماضي إنطوى ولن يعود بأية حال من الأحوال. لن يبقى لنا منه سوى العبر والتجارب، وهذا المتبقي هو الذي سيجعله تأريخاً حقيقياً، لا تلك التهويمات والأساطير التي يبثها البعض الذي يريد تأبيد الخسائر، فيحول التأريخ من عبر إلى أساطير، ويجعلنا نتوه في دوامة الخرافة .

من أجل المستقبل الذي لا نريد  أن يكون شبيهاً بالماضي، ولا بالحاضر. من أجل زمن الناس ، كل الناس ، لا زمن الحزب والقائد أو القيادة . زمن تسود فيه تربية واحدة ، وأخلاق واحدة ، هي بالأول والأخر تربية وأخلاق وطنية ، ومن أجل زماننا ، لا زمان غيرنا فلنبدأ بالخطوة الأولى التي عنوانها ( المراجعة أمر لا يقبل التأجيل ).

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا