<%@ Language=JavaScript %> ليث الحمداني الانتفاضات العظيمة في تونس ومصر والنخب العربية المرتبطة بالانظمة
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                      مقالة للكاتب ليث الحمداني                 

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

الانتفاضات العظيمة في تونس ومصر والنخب العربية المرتبطة بالانظمة !!

 

 

ليث الحمداني *

   طرحت الانتفاضات الشعبية التاريخية للشعبين التونسي والمصري مسالة غياب الأحزاب السياسية التقليدية والنخب الفكرية عن الشارع، أو دخولهم متأخرين بعد أن أشعلت جماهير الشباب والكادحين جذوة الانتفاضة ضد الدكتاتورية والفساد .... وهو غياب أجده موضوعيا كنتيجة طبيعية لازدواجية النخب السياسية والفكرية العربية، وأغلبها تقود أو تؤيد هذه الأحزاب التي تعاني منها ساحات النضال منذ عدة عقود.

   هذه الازدواجية التي يمكن أن نقول إنها سبب أساسي من أسباب أزمتنا لأنها أفقدت نخبنا  وأحزابها مصداقيتها أمام شعوبها. أذكر جيدا أننا كنا في العراق إبان حقبة الحكم الدكتاتوري نتألم ونحن نرى نخباً عربية يسارية وقومية وإسلامية (تتغنى) ببطولات القائد الرمز، في حين كان هذا القائد يصادر حرياتنا ويحتكر وحزبه السلطة دون منافس. كان هناك إخوان مسلمون سوريون على سبيل المثال لاجئين في العراق، وكان هناك قوميون عرب فلسطينيون وأمثالهم من دول المغرب العربي وشمال افريقيا، وحتى يساريون من التجمع المصري، هولاء كانوا حاضرين دائماً لنقد أنظمة بلدانهم من بغداد وكأنها قلعة من قلاع الحرية، رغم أن بعض أنظمة بلدانهم كانت أقل وطأة في عنفها وتعاملها مع أبناء شعبها من نظام القائد الرمز. كان هولاء يعلمون جيداً أن هناك شيوعيين وقوميين وإسلاميين في سجون صدام حسين، ولكنهم كانوا لا يعيرون لذلك اهتماماً حين يطالبون بالحرية وحقوق الإنسان في بلدانهم.كان هناك سياسيا أردنيا يكيل المديح للنظام الدكتاتوري في وقت كنا نتمنى نحن نصف الحرية والحقوق الممنوحة له في بلده. وفي أواسط التسعينات كتبت فيه مقالا ساخرا طالبته فيه بأن نتبادل الحكام نحن وذلك السياسي الإسلامي الذي يسمي نفسه كاتبا، وكان يرى في الدكتاتورية الصدامية مثله الأعلى!! فاتهمنى بالعمالة للإمبريالية!!

في الثمانينات كانت النخب اليسارية والقومية تهرول باتجاه ليبيا، وكان العقيد القذافي (كريماً) معهم بالأموال الليبية، وكانوا يصمتون تماما عن سجونه ومعتقلاته وعن حقوق الإنسان الليبي المنتهكة في ظل نظامه الدكتاتوري.

   وأذكر في أواسط الثمانينات أنني كنت موفداً من وزارة الصناعة العراقية إلى ليبيا، والتقيت في معرض طرابلس الدولي بوفد الحركة الوطنية اللبنانية، وكان الوفد يضم رموزاً من الحزب الاشتراكي والحزب السوري القومي والشيوعيين والبعث السوري. وروى لي صديق كان ضمن الوفد نكتة كانوا يتداولونها ليلة مقابلة العقيد. قال إن أحد أعضاء الوفد قال: إذا سألنا الأخ العقيد عن القضية سأقول له أعطنا مفتاح الخزينة وخذ القضية! صحيح إنها نكتة سمجة، وأنا لا أهدف منها هنا التقليل من دور الحركة الوطنية اللبنانية في تلك المرحلة، ولكن لإعطاء صورة عن طبيعة العلاقة بين النخب والأنظمة. في تلك المرحلة كنت متابعاً جيداً للصحافة اللبنانية بمختلف اتجاهاتها ولا أذكر أن صحيفة واحدة من الصحف الوطنية أو القومية أشارت مرة بسطور قليلة للانتهاكات الليبية لحقوق الإنسان وكأن ليبيا جمهورية أفلاطون الفاضلة .

   منذ اسابيع كنت اقرأ على سبيل المثال مقالة لمفكر وكاتب لبناني يتحدث فيها عن الأوضاع في العراق أشار فيها (وهذا من حقه) إلى ما أسماه حكم الأقلية السنية إبان النظام السابق. الكاتب نفسه هو أحد المقربين من نظام الرئيس السوري بشار الأسد ومن المدافعين عن نظامه، لكنه لا يرى (كمفكر) أن هناك حكماً للأقلية العلوية في سوريا تنحصر رؤيته بالعراق فقط. وبعد سقوط النظام قبل ذلك وفي أواسط السبعينات كان الكاتب أول من التقى بصدام حسين وأفرد له صفحات في مجلة الصياد اللبنانية. كان صدام يومها في الخطوط الخلفية للحزب فقدمه بعنوان صارخ ما زلت أذكره (حوار مع صدام التكريتي صانع التغيير في العراق). متجاوزا كل الرموز التاريخية في الحزب وعلى رأسها عبدالخالق السامرائي الذي ذبحه النظام البعثي فيما بعد.

  هذا الواقع المر لمسناه ونحن خارج العراق في التسعينات. كان هناك شيوعيون وماركسيون استقروا في دمشق يهاجمون نظام صدام حسين، ولكنهم يمتدحون نظام حافظ الأسد دون أن يفكروا برفاق لهم أكلت زنازين الأسد الأب أجسادهم. ومرة قلت لأحدهم، وهو كاتب مرموق، ماذا ستقولون لرياض الترك ورفاقه إذا ما التقيتموهم في يوم ما! وكان الجواب الصمت، واحياناً محاولة تبرير غير مقنعة. هؤلاء أنفسهم كتبوا حين عادوا إلى العراق بعد الاحتلال مقالات عن السجون والمقابر الجماعية في العراق، (وهذا من حقهم ايضاً)، ولكنهم أغفلوا على الدوام أي ذكر للسجون السورية أو لمقبرة حماة الجماعية، وهم يعرفون عنها الكثير.

      قبل شهور قرأت دراسة لمفكر يساري لبناني يكيل المديح لحزب الله والمقاومة (وهذا من حقه) ولكنه حين سئل بعد أسابيع في إحدى الفضائيات عن رأيه بحركة الاعتراضات في إيران ضد نتائج الانتخابات، أجاب بأن ما يجري في إيران شأن داخلي ونحن يهمنا الدعم الإيراني للمقاومة. وكأن النضال من أجل الحريات والحقوق في لبنان يختلف عنه في إيران أو السعودية أو أي مكان آخر ... كأن قضية حقوق الانسان تتجزأ حسب الظروف والعلاقات. قبل شهور اتصل بي مثقف لبناني صديق، وبعد أن أعرب عن إعجابه بمطبوع أشرف عليه شخصياً، وقال بأنه يتابعه على النت، فاجأني بالقول بأنه مستاء من مقالات الكاتب صباح الموسوي التي تتناول قضية الأحواز. وحين سألته لماذا؟ أجابني بأن إيران دولة معادية لسياسات الولايات المتحدة، وليس من المصلحة إثارة المشكلات لها. وحين قلت له مستغرباً من منطقه إن صباح الموسوي يطرح قضية شعبه وهذا من حقه، أجابني بما هو اسوأ: ألا ترى أن معركة الدفاع عن المقاومة في لبنان أهم من الأحواز؟ قلت له: لا أجد أي وجه للمقارنة، فابن الأحواز عنده قضية يدافع عنها وأنا عندي قضية أدافع عنها وأنت من حقك أن تدافع عن قضيتك، ونحن جميعا يجب أن ندافع عن جميع القضايا العادلة في وقت واحد.

سأتناول حرية الدين والعقيدة كمثال فقط على ازدواجية المواقف. نحن نقرأ الكثير من المقالات التي تدافع عن حقوق الشيعة بممارسة عقائدهم في السعودية، وهي حقوق نتفق عليها جميعا’ ولكننا نرى بوضوح أن النخب التي تكتب دفاعا عنها تتجاهل تماما  في مواقف أخرى مماثلة، حقوق أقليات دينية في إيران كالسنة والصابئة هي أقليات محرومة من حقوقها ايضا. إن المثقف، أي مثقف، يريد المحافظة على مصداقيته يجب أن ينظر إلى جميع القضايا بمنظار واحد أيا كانت هذه القضايا ما دامت تندرج تحت بند الحريات وحقوق الانسان.

   أنا هنا لا أعمم، فقد كانت في العراق في نهاية السبعينات نخب سياسية وفكرية سودانية ومصرية، وخاصة من الماركسيين، رفضوا أن يصبحوا أدوات في يد النظام العراقي فتركوا العراق رغم ظروفهم الصعبة وعاشوا في مهاجر أخرى. الآن تغيرت الحالة ولكن النخب لم تتغير، ويمكن أن نحلل ما جرى من انتفاضات عظيمة في تونس ومصر، وقيادة الشباب لهذه الانتفاضات بأنها احتجاج مباشر على تلك النخب التي سارعت لركوب الموجة وامتداح تلك الأحداث العظيمة من مواقعها القديمة نفسها. هذه النخب التي تشيد اليوم بالأحداث، بعضها غير اتجاه قبلته من بغداد صدام حسين إلى إيران أحمدي نجاد فأصابه العمى عما جرى ويجري في إيران من انتهاكات لحقوق الانسان، والحجة جاهزة لدى هؤلاء (معاداة إيران للإمبريالية)، وكأن معاداة الإمبرالية (.....)!! تتطلب من النخب أن تغمض عيونها عن الانتهاكات والسجون والمعتقلات. هناك نخب قومية صمتت طويلاً عن انتهاكات حقوق الانسان والفساد في اليمن بتبرير يقول إن وحدة اليمن مستهدفه، ونخب فلسطينية تمتدح أنظمة دكتاتورية كإيران وسوريا وتتغاضى عن  انتهاكات حقوق الانسان والحريات بذريعة دعم النظامين لبعض فصائل المقاومة الفلسطينية. وانعكس ذلك على السياسات المحلية. فالنخب الموالية لفتح في فلسطين تقدم السلطة وكأنها واحة للديمقراطية، والنخب الموالية لحماس تجعل من سياساتها امتدادا لحكم الصحابة، في حين تنتهك القوتان الكثير من الحقوق السياسية لمواطني السلطة وغزة، والأمثلة كثيرة على هذه الانتهاكات وطبعا فأن النخب العربية الموالية لهذا الطرف او ذاك لاترى سوى الصورة المشرقة لسياساته. أليس في ذلك ازدواجية تعيشها هذه النخب جعلت العلاقة بين السلطة والنخبة علاقة مصلحة لا علاقة تكافؤ فكري؟

الآن هناك نخب تدبج المقالات في صحافة السعودية في الخارج أو تلقي التنظيرات عبر قنوات الجزيرة أو العربية دفاعا عن الحريات وضد الفساد، ولكنها تصمت صمت القبور عن الفساد وانتهاك الحريات في الدول الممولة لها .

   أنا لا أعيب على سياسي يميني يدافع مستميتاً عن السياسات القذرة للولايات المتحدة، لأن هذا موقفه واضح منذ البدء. ربط مصيره بسياسات معادية لطموحات شعبه، ولكن أن أدعي أنا هنا بأنني مدافع عن حقوق الإنسان والحريات الديمقراطية في هذا البلد أو ذاك، وأصمت إزاء انتهاكات هذه الحريات في السعودية أو ايران أو مصر أو السودان أو سوريا أو ليبيا أو إيران أو أي مكان آخر في العالم تربطني به مصلحة عمل أو إقامة أو تمويل أو أي شئ آخر.

    إن غياب النخب التاريخية عن قيادة الحدثين التاريخيين الكبيرين في تونس ومصر هو تأكيد على أن هذه النخب فقدت دورها في حياة الشعوب العربية. وهذا يبشر بولادة نخب جديدة من شارع الانتفاضة،  نخب غير مدجنة، تدافع عن حقوقها ولاتستهين بحقوق الآخرين وهو ما نراهن عليه لمستقبل الأجيال والأوطان في العالم العربي.

تحية لشباب ميدان التحرير وهم يعلمون جيلنا معنى أن تكون ثائرا من أجل قضيتك دون أن يضعك احد على (قضبان سكة حديد) توصلك لموالاة الانظمة القمعية او الحركات الشمولية التي تحمل زورا رايات الثورة او الممانعة ..... وليصمت كل اللذين يحاولون سرقة الثورة وتجيير منجزاتها للانظمة القمعية والحركات الشمولية  فهؤلاء والدكتاتور مبارك وجهان لعملة واحدة  

 

*رئيس تحرير جريدة (البلاد) كندا

www.albilad.net

* لم أتطرق إلى الأسماء لأن الهدف هو تناول ظاهرة سادت حياتنا السياسية  وماتحدثت عنه نماذج فقط   

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا