<%@ Language=JavaScript %> حمزة الحسن التصدع القادم: "دفع المجتمع نحو الفاشية"

 

 

التصدع القادم:

 

"دفع المجتمع نحو الفاشية"

 

 

حمزة الحسن

 

في كتابه(الانهيار أو:التصدع العظيم) يعرب المفكر الامريكي الجنسية الياباني الاصل فوكوياما عن قلقه على مصير الجنس البشري من ان تلتهمه العقول الالكترونية ويصبح عبدا للآلة ويفقد سيادته على مصيره وعقله، كما ان له نبوءة سابقة تخص حكومات المستقبل التي توقع ان تكون حكومات نساء بعد قرون من الهيمنة الذكورية على العالم وفرض التصور الرجالي على الحياة حتى ان  سيمون دي بوفوار رفضت صورة العالم القائمة واعتبرتها حكاية ذكورية وان هذا العالم يجب ان يروى من زوايا كثيرة.

لكن نبوءات فرانسيس فوكوياما( لسنا بصدد تقييم هذا المفكر المتبريل الاشكالي) خارج التاريخ العراقي لان هذا التاريخ نفسه يجري في الاتجاه المضاد للزمن ولا غرابة في ان يقوم ساعاتي عراقي في الشهر الماضي باختراع ساعة تمشي عقاربها عكس اتجاه الزمن لأن الزمن العراقي فوق الازمنة وخارج التاريخ لأنه زمن اجتراري استهلاكي استعادي مبرمج على الدوران والانطلاق من صفر راسخ وكذلك قضاياه الكبرى لم تحل حتى اليوم وكذلك وقائع تاريخه المفصلية كالخلافة والسقيفة والشورى والحكم والشراكة والدين والدولة والحرية والقانون والفرد والديمقراطية، عكس التاريخ البشري حين حلت شعوب العالم معضلات التاريخ واستقرت برامجها اليوم وحواراتها وخلافتها حول التنمية والبنى التحتية وحقوق الامومة والطفولة والطرق والمجاري والنفايات بل ان  الفلسفة الغربية لم تعد كما في السابق مشغولة  بالقضايا الكبرى المصيرية كالحياة والموت واصل الكون وما بعد الموت ودور الانسان على الارض بل دخلت النفايات كفرع من فروع الفلسفة وصارت تهتم بهذا المكون الحيوي اضافة الى الاعلان والدواء وشركات الطيران والازياء وكل ما هو أرضي وبشري ومتاح.

العراقي على مر العصور يحتاج الى التصالح مع ثلاثة أزمنة من أجل فنجان قهوة مريح أو نومة هانئة أو جلسة هادئة في مقهى: يحتاج الى ان يتصالح مع الماضي غير المفحوص والمختلف عليه بل المتصارع حوله، بالسلاح احيانا، ويحتاج الى التصالح مع حاضره المشوش والمضطرب لكي يتموقع في لحظته الراهنة، ويحتاج عكس كثير من الشعوب الى فهم مستقبله المجهول والمربك والغامض، وهذه احدى الاسباب التي تجعل العراقي لا يحتفظ في جيبه بدفتر مواعيد أو جدول لقاءات وعمل لأنه لا يعرف ماذا سيحدث في الربع ساعة القادم، في حين يستطيع مواطن في بلد مستقر أن يضرب لك موعدا بالدقيقة واليوم والسنة لأن كثيرا من الدول لم تعد تنام وتصحو على  الاقدار البشرية العاصفة والمزلزلة التي تقلب الكيان وتعصف بالانسان وأسرته، ولهذا يؤكد الادب الروائي الاسكندنافي، مثلا، على قضايا الحب والعزلة والشيخوخة والطبيعة والسفر والصداقة والفردية والعولمة والثلج بعد زوال الاقدام الشبحية التي تسحق الناس، نياماً. 

بما ان قطيعة فكرية عضوية مع الماضي وحتى الماضي القريب لم تحدث، فإن الدائرة التكرارية تعمل وتعيد انتاج الوقائع والمشكلات نفسها ولكن في كل مرة بتغيير الشكل والقناع والاطار والحجة: على سبيل المثال تقع هذه الايام حوادث قتل للنساء ـ آخرها في ديالى ـ بذريعة ان الاب قتل ابنته لأنها في تنظيم القاعدة. لا يمكن عند التدقيق في هذه الفرية الملفقة تصديق خطوة الاب الاسطورية في مواجهة تنظيم من هذا النوع بمفرده ولكنها الفرية القديمة في زمن النظام السابق حين كان الاب يقدم على قتل الابن( وقد حدث ذلك) بحجة محاولة الهروب من الحرب أو كراهية الرئيس في حين تكون الاسباب الحقيقية في مكان آخر، والامر حدث مع زوجات ومع اطفال مع الآباء في وشايات معروفة كانت تلقى التكريم على الرغم من معرفة السلطة الدوافع الحقيقية لأنها أرادت صنع المجتمع المتربص حتى داخل غرف النوم: المجتمع الخائف والمذعور وفي النهاية المستسلم الذي سينفجر عند الاحتلال بالصورة المعروفة.

 

نحذر من الانسياق وراء حوادث قتل النساء القادمة بناء على هذه المزاعم وهي كثيرة في الطريق لكي لا تستعمل ذريعة مذابح لاسباب عاطفية صافية كما في مجزرة "حلبجة النسائية الكبرى" المنسية حين تجاوز عدد ضحايا النساء خلال سنوات الاحتلال الى أكثر من ثلاثين الف ضحية كردية تُرغم بعضهن على الانتحار حرقاً في طقس وحشي علني، في مجتمع يدفع به قادته الى الارتباك والفوضى العامة لغياب المنهج والرؤية والطريق وتدمير القيم التقليدية بسرعة ركضاً خلف حداثة مشوهة بسبب عقدة الشعور بالدونية المكبوتة تتناقض مع مجتمع تقليدي حرفي زراعي محافظ وأبوي يحتاج الى عقلانية في العبور من مرحلة تحول ومنعطف.

القوميات الوليدة المنتصرة مالم تنعطف،حالاً، بتعبير فرانز فانون، نحو العمل المؤسساتي والديمقراطية، ستنعطف نحو الفاشية، حتماً، كنزوع انتقامي معتق، وهناك من يدفع بالمجتمع الكردي خاصة في هذا الاتجاه وبأقصى سرعة، والمخاوف نفسها تصح على المجتمع العراقي عامة سواء من داخل بنيته السياسية والاجتماعية أو تحت ضغط القوى الفاشية والعنصرية التي تفرض عليه، في ساعات عصيبة، تحديات سياسية حادة في لحظة صعبة من التاريخ.

فوكوياما متخلف في توقعاته العراقية لأن قلقه من سيطرة العقول الآلية على مصير الانسان وتحويله من سيد الى عبد متحقق في العراق منذ قرون وحتى اليوم قبل أن يغادر فوكوياما القماط ويتعلم القراءة والكتابة ومسح البراز بنفسه، واذا كانت خشية هذا المفكر من البرمجة والآلية والنمط والتكرار والعادة والنسق الثابت، فإن هذه العناصر متوفرة وقائمة وراسخة في العقول السياسية المتخلفة المؤسسة على التكرار والاجترار والحكاية نفسها والغزل على النول نفسه والواقعة نفسها واستعادة حرفية متخيلة للتاريخ وتحويله الى تاريخ حكائي رغبوي عقائدي خارج علم التاريخ.

أما نبوءة فوكوياما الاخرى عن حكومات نساء في المستقبل، فهي الاخرى لا تنطبق على الزمن العراقي، بل هي بدائية ومتخلفة أيضا، لأن علامات الذكورة والانوثة ليست بايولوجية فحسب لكنها مواقف، وليست الأعضاء التناسلية، مثلا، علامة ذكورة مستقلة عن وعي وشجاعة ومروءة ووطنية وذكاء وحساسية وذوق الزعيم السياسي، والضجة الحالية حول غياب النساء من التشكيلة الوزارية مستعجلة وغير مبررة وسطحية لأن الحكومات العراقية منذ عشرينيات القرن الماضي هي بالضبط حكومات "نسوان".

hamzaalhassan@hotmail.no

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org               مقالة للكاتب والروائي العراقي حمزة الحسن

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | إتصل بنا