<%@ Language=JavaScript %> حمزة الحسن كلنا أكراد عند الغضب: الساحات العامة تخلق هوية مشتركة

 

 

كلنا أكراد عند الغضب:

 

الساحات العامة تخلق هوية مشتركة

 

  

حمزة الحسن

 

يخطئ من يتصور ان الشعب الكردي آخر شعوب المنطقة يثور على سلطاته الفاسدة لأن هذا الشعب العريق بعماله وفلاحيه وعتاليه ومثقفيه كان من الشعوب السباقة نحو الحرية والعدالة الاجتماعية رغم ان ثوراته تصادر دائما من قبل نخبة قبلية أمية مسلحة بالمال والعشيرة والصوامع والحلفاء الاجانب الذين يستعملون قياداته كبنادق للايجار ترمي في الوقت المناسب بعد صفقة أو تسوية مع النظم الحاكمة.

 

من سمع خطاب البارزاني الأخير في مواجهة الاحتجاجات الشعبية وكلامه عن الحفاظ على المكاسب ـ العائلية؟ ـ وقطع دابر المؤامرة، وعن العدو المتربص، لأن الشعب الكردي يعشق هذه الطغمة وهذا الشقاء وهذه اللصوصية، يتذكر خطابات الزعماء العرب في ظروف مشابهة كما لو ان هؤلاء الزعماء يعيدون استنساخ خطاب المؤامرة والعدو كما هو وبلا تطوير بما ينسجم مع روح العصر ومواجهة الاجيال الجديدة بخطاب مستهلك  ربما نفع  مع الآباء والأجداد في ظروف مغايرة تماما.

 

العدو الحقيقي للشعب الكردي اليوم هو هذه السلطة الفاسدة القابضة على المال والحكم والناس والمعرقل الوحيد للمضي نحو المستقبل، والمؤامرة الحقيقية الوحيدة هي من هذه القوى اللاجمة والمعرقلة في بناء مجتمع حداثي مدني ديمقراطي يليق بهذا الشعب الكريم والمكافح الذي نفخر بالعيش المشترك معه جغرافيا وتاريخا وثقافة ومدرسة في النضال التحرري النظيف.

 

لم يعرف عن الثورة الكردية طوال تاريخها الارهاب والجريمة والتفجير في الساحات العامة، واذا حصلت جرائم دنيئة مثل قتل الاسرى والسجناء والغدر الوحشي، فالجاني دائما هو القيادات السياسية التي حاولت وتحاول وصم الثورة الكردية بما لا يليق وصورتها المضيئة والراقية والمشرفة، ومن يقتل العزل في الأسر والسجون، يقتل شعبه في الشوارع كما شاهد العالم في السليمانية هذه الايام.

 

منذ أكثر من عشر سنوات، وقبل الاحتلال، كنا قد حذرنا القيادات الكردية لضرورة الانعطاف بالمجتمع الكردي نحو المؤسساتية والبناء الديمقراطي، وذكرنا مقولة فرانز فانون قبل ولادة الفاشية والنازية بسنوات من أن" القوميات الفتية والوليدة ما لم تنعطف، حالاً، نحو المؤسسات والديمقراطية،في ساعة نصرها، فإنها ستتجه، حتماً، نحو الفاشية" ولكن قصر نظر وحماقة وجهل وأمية هذه القيادات كبست الشعب الكردي في نفق العدو القادم والوشيك والمتربص لإدامة الخوف وتغذيته ومشاغلته عن الحقوق الجوهرية ودوام النهب وهيمنة نخبة العرق النقي، وهو سلوك سلطوي معروف في نظم الحكم الفاسدة.

 

إن فكرة الدم ـ العرق ـ الأرض ـ السلاح ـ العدو، التي ينفخ بها المأجور والأمي البارزاني الغرض منها خنق الهوية القومية في أضيق حيز ومنع الانتشار والتجديد والحداثة لأن هذه الفكرة العنصرية والغبية تخدم فكرة أخرى وهي ـ سلطة الأب ـ  القائد ـ الرمز ـ القرين بفكرة الدم والعرق، وبهذه العقلية يجري تفتيت النسيج القومي الكردي من خلال الحبس و" التعويم" الذي يعني تكرار المآسي والأمجاد والوقائع الحربية بشكل ممجوج للهروب من مطالب الناس الحالية واستمرار النهب، ويؤدي التعويم الى السأم والملل واعاقة بناء حداثة حقيقية لأن الحداثة والقبيلة أمران متناقضان، كما عشنا أنظمة قومية عروبية حين دمرت شعارات كثيرة عبر سياسة التكرار الفج.

 

الاكراد يطرقون اليوم أبواب هذه السلطة المختارة والمنتقاة حسب لاهوت الأغوات والسلالات والعصابات البدائية والمتخلفة عن نهج عصابات الأزمنة الحديثة، ومع ان الغضب ظاهرة انسانية عامة وشعور طبيعي يعكس صدمة وخيبة أمل من واقع مؤلم، لكن الغضب يساوي بين الشعوب ويخلق هوية جديدة متعالية على العرق والمكان والانتماء الضيق، ويمحو الاعراق، والاختلافات، وكما يقول مايك كرانغ في "الجغرافية الثقافية:"  في جمهور يشاهد الأحداث تُخلق هوية مشتركة" كجمهور كرة القدم وحفلات الموسيقى والاحتفالات العامة في الفضاء العمومي كالساحات المفتوحة، فكيف اذا كان هذا الجمهور المتعدد الاعراق والانتماءات والهويات ينزل الى الشوارع لصنع الحرية بلا ولاءات قومية أو دينية مسبقة غير الاهداف المشتركة؟ ان الثورات الشعبية تخلق روابط جديدة وهويات وانتماءات جديدة تتعالى على الهويات والولاءات التقليدية، والتمرد على الظلم محفز حقيقي نحو هوية مشتركة مثل دافع الانقاذ من سفينة على وشك الغرق حين تصبح فكرة الانقاذ هي الأصل والهوية، أو في غرف السجناء والأسرى حيث حين تحل فكرة التعاون والتضامن والاخوة والمحنة محل الروابط والاختلافات وتخلق هوية مشتركة، وباختصار ان الاحتجاجات الشعبية العادلة في الساحات العامة تنسج روابط هويات جديدة قائمة على الخلاص والحرية.

 

 لذلك يمكن القول بكل طمأنينة إننا جميعا أكراد عند الغضب، وهم عرب وتركمان وصابئة وغيرهم في ساحات الحرية والثورة والأمل، لأن الهوية الوطنية الجديدة ليست معطى ثابتاً ومنقوشا في الحجر، فهذا النوع من الهوية غير قابل للحياة: الهوية الحقيقية هي استمرارية وبناء وحذف وتبادل وخلق متواصل.

 

hamzaalhassan@hotmail.no

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org               مقالة للكاتب والروائي العراقي حمزة الحسن

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا