<%@ Language=JavaScript %>
 

دور الشركاء الصغار:

 

الدمج أو التضليل أو التصفية

 

 

 حمزة الحسن

ضرب الاتحاد العام للادباء والكتاب تأخر طويلا عن موعده الحقيقي ربما بفعل مناورات رئيس الاتحاد حقاً أم باطلاً أو بسبب اولويات الصراع السياسي والاتجاهات الرئيسة في المعركة ولكنه كان موضوعا منذ سنوات على قائمة التصفية الامريكية وهذا ما لم يستطع ان يفهمه الاتحاد الذي قرر خوض المعركة الاخيرة في خانق ضيق تنعدم فيه الحجة والمناورة والمساحة والقضية، وكنا خلال كل تلك السنوات، عن ادراك عميق لطبيعة المرحلة، على مضض، وبدون الاندفاع الغاضب والمشروع، قد الغينا الانتقادات المشروعة للاتحاد في انتظار لحظة وعي مشرقة وموقف استباقي واضح من الاتحاد قبل اجراءات تصفيته النهائية ولكن لا حياة لمن تنادي.

 

من يريد ان يشمت بنهاية هذا الاتحاد يستطيع ذلك، ولكننا لا نجد الوقت وقت شماتة ـ وأمامنا اوقات طويلة قادمة لاشياء وحوادث كثيرة في الطريق ـ بل هو وقت مراجعة والمراجعة لا تعني التراجع والنظر الى الوراء لان هذا النظر منهِك للمستعجلين ولكنها تعني النظر الى الأمام: ماذا سيحدث بعد تفكيك وحل الاتحاد العام للادباء والكتاب العراقيين؟ ضرب النقابات؟ نقابة الصحفيين؟ الصيادلة؟ الاطباء؟ وغيرهم من اصحاب الرؤوس الحارة؟ لكن من هم اصحاب الرؤوس الحارة؟

 

 

كان من المتوقع قبل الاحتلال وبعده تدمير هذه المؤسسة الادبية والثقافية والفكرية وكانت على جدول البنى المطلوب تدميرها بل قتل اصحاب الرؤوس الحارة فيها(جسديا واخلاقيا) الذين يرفضون" التطويع" ويرفضون" الاندماج" ويرفضون الاحتلال وبناه السياسية ولكنها " نجت" حتى اليوم بالصمت والمراوغة والمهادنة، وحين شعرت هذه بالاسترخاء وزوال الخطر، تذكرتْ بداهات منسية كالاستقلال الوطني والكرامة الوطنية والسلطة والثروة والحرية والمصير وكل ما هو معروف عن دور كتاب وادباء في لحظة منعطف لذلك جاء قرار التصفية بانتقاء شعارات تنم عن دهاء ودقة في التخطيط: تهاوى الاتحاد باسرع من المتوقع، والمرتجى، والمأمول. وكما استطاعت رئاسة الاتحاد ان تؤجل ذلك كل تلك السنوات وتحوله الى هيكل فارغ من كل محتوى، لكنها، عن وخز ضمير او بهجة أو اطمئنان، أطاحت به في الشهور الاخيرة حين صدرت عن الاتحاد مواقف حادة تمس بعض القوى الحاكمة وظروف البلد ومخاطر الانحراف وموضوع الثروة والحريات الفردية والعامة.

 

هذا التصرف من الاتحاد ليس تصرف مؤسسة ادبية في لحظة منعطف بل هو تصرف حزب سياسي عقائدي يساوم ويبيع ويشتري ويؤجل ويهادن ويختار بنفسه لحظة المواجهة ولحظة التراجع، وعقلية من هذا النوع وجدت نفسها بلا ناصر ولا معين وبلا وسط جماهيري حاضن وداعم لأنها أفرغت نفسها من محتواها ودورها القيادي واختزلت وجودها في مطلب اقل ما يقال عنه انه مخجل كالخمر، ولا نستبعد ان يكون خلف هذه المواقف قوى سياسية معروفة في قيادة الناس والجمهور المنتمي الى هذا النوع من المهالك بسبب عقلية المراوغة والتحاشي التي تؤجل ولا تلغي المواجهة وتراهن على تحسن الاحوال والنوايا.

 

هذا الاتحاد نجا من التصفية المبكرة بسبب المراوغة والتسويف ـ وهو درس لغيره ـ ويمنعنا الاحترام التقليدي  والظرف من قول اشياء كثيرة، واذا ظل على قيد الحياة كل تلك السنوات، فليس لدوره القيادي المرجعي الثقافي بل لانعدام هذا الدور حين تم حشره في مشرب كما تم من قبل حشر الذين من قبله في مشهد خمر ورقص: يذكر جيلي الخائب كيف ان آخر مشهد للحزب الشيوعي العراقي وهو يحتفل بعيد ميلاده الاخير في الجبهة الوطنية كان حفلة غناء مرتبة شارك فيها الفنان جعفر حسن اواخر السبعينات وكانت قناني البيرة امام الحضورـ الموضوعة عمداً في نقل تلفزيوني ـ وفي الوقت نفسه كانت قناني البيرة تلعب دورا قذراً في السجون العراقية في اللحظة نفسها وتنتهك حرمات والخ.

 

كنا قبل الحرب قد كتبنا بالتفصيل عن (وثيقة التوجهات السرية الأمريكية) وهي خطة العمل الاستراتيجية على المدى الطويل منذ عام 1992 وحتى اليوم والمكونة من 46 صفحة والتي  تحدد بوضوح تام خطة عمل ما يسمى معالم النظام العالمي الجديد وتنص الوثيقة بتلخيص مركز على1: توجيه اصابع الاتهام والتجريم للمنافسين المحتملين وتستعمل بصورة خاصة ورقتي حقوق الانسان وأسلحة الدمار الشامل 2 : رفض العمل الجماعي الدولي والشروع باعمال خارج نطاق الامم المتحدة3 :تفكيك الاتحاد السوفيتي قلل من الاخطار لكن هناك خشية من عودة الوطنية الروسية 4: التواجد المستمر في اوروبا ومنع ظهور ترتيبات أمنية خاصة بها 5 : البقاء في آسيا ومنع  ظهور قوة اقليمية مهيمنة فيها 6: في حال اسقاط انظمة غير موالية أو غير متحكم فيها أو احداث تغييرات وقائية في انظمة دكتاتورية غير مسيطر عليها، يجب القبول في بعض الحالات بفترة انتقالية تستمر فيها بعض عناصر النظام القمعي القديم بالتواجد مع  عناصر السلطة الجديدة ومن خلال ممثلي النخب ( التركيز على النخب وديمقراطية النخبة المحدودة في الهيئات القيادية الحاكمة  فحسب في نوع من الترفيه وعزلها عن الجمهور العام) 7: في حال حصول اضطرابات ـ تعرقل هذا العمل ـ من قبل حركات شعبية، فإنه يمكن السيطرة على هذه الحركات إما: بدمج قسم واسع منها ضمن آليات من التغيير الديمقراطي المحدود، أو اضعاف تأثير القوى الثورية او الاكثر تطرفا داخل هذه الحركات عن طريق استهدافها بشكل مدروس بوسائل العنف المباشر او التضليل والقمع المباشر وغير المباشر الذي تمارسه القوة الثالثة ـ المخابرات ـ بالتنسيق مع شركاء ووكلاء محليين صغار وبواسطة الاعمال القذرة 8 : اقامة آليات دستورية ومؤسساتية تقصر ممارسة الديمقراطية على "النخبة الوطنية الحاكمة" ويجري اضعاف تاثير المنظمات والحركات الشعبية والنقابية والمثقفين اصحاب الرؤوس الحارة واليسار والقوى الوطنية الخ.

 

تمت ممارسة هذه البنود الاخيرة وغيرها حرفيا بعد التغيير (الوقائي في نظام غير متحكم فيه) وقامت  المخابرات  الدولية بتصفية المئات من العلماء والخبراء والاعلاميين والاطباء وغيرهم، في حين قام (الشركاء الصغار) بالجزء الاخر من هذه المهمات القذرة التي نصت عليها الوثيقة صراحة وهو:( التضليل) التعبير الملطف لحملات التشهير والدعاية المضادة والكذب وخلط الاوراق وبصورة خاصة الاستهداف الشخصي وليس السياسي أو الثقافي بأساليب منحطة وسوقية في مجتمع تقليدي يفضل مفاهيم عامة اخلاقية على العلم والحقيقة والحداثة والبحث والسؤال. انجز هؤلاء الصغار المهمة بشهادة الجميع وعلى مرآى من الجميع في وسائل اعلام محلية طوال سنوات الاحتلال ثم، مثل أي مأجور ومرتزق، قَلَبَ هؤلاء العملة على وجهها الآخر حين سقط مشروع الاحتلال في الوحل كما لو ان هذا الشعب بلا ذاكرة.

 

علق الكاتب الامريكي الشهير وليام روبنسون على هذه الوثيقة في فصلية "العمل السري" الامريكية في خريف 1994 وفي الصفحة 40 قائلا:( إن شكل التدخل السياسي الجديد هو أكثر تعقيدا من أشكال التدخل الامريكية او الاستعمارية السابقة) لأن هذه هي الالية الوحيدة للتحكم بالواقع الاجتماعي في ضمان مجتمع السوق ـ أي الرأسمالية ـ يلعب فيه الشركاء الصغار الدور العلني أمام مجتمع شديد الحساسية ازاء المحتل، والذين تم تحويل بعضهم من سياسيين وعقائديين وثوريين الى عقاريين وملاك ومصرفيين بالاشراف والتوجيه والتلميح وغض الطرف، في أكبر عملية افساد لنخبة سياسية متعمدة في التاريخ وبزمن قياسي: اذا كان النظام السابق قد "حلّل" استعمال قناني البيرة في السجون من الأسفل للدخول في اسرار الذات المغلقة، فإن النظام الجديد قد "حرّم" استعمالها من الأعلى، رغم ان العراقي صار من الصعب عليه اليوم التمييز بين ما هو أعلى وما هو أسفل لأن ما يقوله من الجهتين لا معنى له ولا قيمة.

 

ـ للمزيد يمكن العودة الى كتاب( نادي القتلة) للمفكر الالماني مايكل أوبرسكالسكي وفيه تفاصيل دقيقة عن هذه الوثيقة وغيرها وهو مؤلف كتاب معروف:" الموساد ذراع داوود الطويلة".

 hamzaalhassan@hotmail.no

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

    للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org           مقالة للكاتب والروائي العراقي حمزة الحسن       

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | إتصل بنا