<%@ Language=JavaScript %> حمزة الحسن ما بعد البلطجية

 

 

ما بعد البلطجية

 حمزة الحسن

في الوقت الذي تناقش فيه نخب الثقافة والفكر ومراكز الابحاث والعلوم في العالم قضية موت الحداثة وموت ما بعد الحداثة، ننشغل نحن في هذه الفترة الحرجة بقضايا النصب والاحتيال والبلطجية والخ.

على مر العصور كانت فرق الشطار والصعاليك والفتوة والشقاوات تشارك بصورة ايجابية في الثورات والتمردات الشعبية وتقطع الطرق على قوافل الاغنياء وتساهم في الانتفاضات الوطنية ضد المحتلين كما هي ظاهرة الشقاوات في التاريخ العراقي الحديث بل ان بعض هؤلاء أعدم بسبب تلك المواقف.

 لكن في الدولة العربية الحديثة المشوهة، انحطت ليس فقط اخلاق السياسيين والحاكمين وتغولهم، وجرفت معها كل مقومات الحياة السوية في الفكر والمجتمع والثقافة والاقتصاد، بل تدهورت ايضا اخلاق هؤلاء البلطجية الذين هم بشكل ما ضحية من ضحايا هذه الديكتاتوريات العاتية المتوحشة.

وفي الوقت الذي يناقش فيه العالم ومراكز ابحاثه قضايا فكرية وفلسفية حيوية تصنع تاريخا جديدا مثل ما بعد الماركسية وما بعد الدارونية وما بعد الفرويدية وما بعد الحداثة وما بعد الثورة الالكترونية والخ، نناقش نحن قضايا مثل ما بعد البلطجية وما بعد اللصوصية وما بعد السرسرية مع الافتراض اننا انتهينا من هذه المراحل ونظم الحكم المتخلفة لكي نناقش ما بعدها.

 جموع البلطجية وهي تهجم على المتظاهرين في ميدان التحرير في القاهرة هم المظهر الاكثر بساطة ووضوحا والاقل خطورة من ظاهرة البلطجية المتغلغلة في صميم البنية السياسية العربية خارج المؤسسة الحاكمة وداخلها، اذ هناك البلطجة السياسية والمالية والثقافية والحزبية والاعلامية والاقتصادية، وهذه المدارس السلوكية والعقلية هي المنتج الأول للبلطجة الاخلاقية في شكلها العلني والمعروف بل يمكن القول ان تدهور اخلاق البلطجية في الشوارع هو نتاج منطقي لتدهور البنى الحاكمة ومؤسساتها السياسية والاعلامية والأمنية، وهو كذلك نتيجة من نتائج موت العقل المضاد للسلطة وفشله في بناء مساحات من الحرية والاختلاف والمعرفة خارج منطقة الخصومة مع النظام الحاكم ومفاهيمه وجهازه المعرفي المصاب.

البلطجية لا يأتون الى الشوارع من الفراغ، بل من الرحم والحاضنة والمناخ والبيئة والذهنية المتواطئة بل المنتجة، وفي سيكولوجيا البلطجية هناك تقليد سلوكي واخلاقي وعقلي معروف هو ان هؤلاء الحثالات المفرزة سياسيا واقتصاديا وثقافيا هم أكثر الناس معرفة بطبيعة النظم الحاكمة لتعاملهم الطويل مع مؤسساتها في السر وفي العلن، وهؤلاء هم أكثر الناس، على بساطة مظهرهم، معرفة بزيف الشعارات السياسية والقانونية والاخلاقية ومراكز الحكم وشخصيات النظام وغير النظام لأن مفهوم النظام لا يعني السلطة الحاكمة بل يعني البنى الداخلية المجهرية المنتجة للسلطة في كل اشكالها. 

نحن اذن امام مهمة غريبة تفرضها طبيعة هذه النظم الفاسدة ودخولها مرحلة التفسخ والانهيار وهذه المهمة تتجلى ليس في انقاذ انفسنا من البلطجية في شكلهم السائد والمعروف فحسب بل انقاذ هؤلاء من النظام المنتج وهو لا يتوقف عند السلطة الحاكمة بل يتعداها الى أسس التقاليد السياسية والاجتماعية، وأيضا انقاذ البلطجية من أنفسهم  لكي ننتقل الى حالة مختلفة تسمى حسب قاموسنا المنحرف وغير السوي مرحلة ما بعد البلطجية.

 

www.alaazal.com

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org               مقالة للكاتب والروائي العراقي حمزة الحسن

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا