ثالثاً: التطور الزراعي في تركيا
إن الغاية من كتابة هذا الجزء من الدراسة، هو لإطلاع القارئ العراقي على مدى
التطور الزراعي الذي وصلت إليه الزراعة في تركيا خلال العقدين السابقين، وطريقة
إدارة المياه فيها لتقليل الضياعات والهدر في المياه، والعوائد الاقتصادية
المتأتية من ذلك، بالإضافة إلى العوائد الاجتماعية من تقليل البطالة وزيادة
الاستقرار والتطور العلمي والاجتماعي والخدمي والسياحي نتيجة هذا التطور،
بالإضافة إلى ذكر الخطط المقبلة للتوسع في هذا القطاع، ومدى تأثير ذلك على
العراق.
(1) الأراضي الزراعية
تبلغ الأراضي المزروعة، (الديمية والمروية)، في تركيا حوالي (28) مليون هكتار
(112 مليون دونم)، منها (26) مليون هكتار يمكن أن تصنف كأراض زراعية صالحة
للإرواء حسب تقديرات المكتب الأميركي لاستصلاح الأراضي "USDA
– Reclamation Bureau Method".
ولو أخذنا بنظر الاعتبار إمكان تواجد المياه، فإن الأراضي الصالحة للإرواء
تتقلص إلى (12.5) مليون هكتار، (طبعاً بافتراض أن تركيا تستطيع أخذ ما تشاء من
مياه دجلة والفرات). ولكن الظروف الاقتصادية التركية لم تساعد في إكمال مشاريع
الري، (ويحتمل أيضاً استجابة الحكومة التركية الحالية للضغوط السياسية لسوريا
والعراق، ومحاولة الحصول على مكاسب اقتصادية لقاء سد جزء من حاجة القطرين
للمياه)، ويحتمل أيضاً أن القرار الصادر من الأمم المتحدة في سنة 1997 حول
المياه الدولية لغير أغراض الملاحة - والذي سنتحدث عنه لاحقاً ـ كان له الأثر
في تفكير تركيا مرتين قبل الاستمرار بتنفيذ مشاريعها كاملة. لذا فإن التخمينات
الرسمية التركية تقدر الأراضي الزراعية الممكن إروائها في الوقت الحاضر بـ
(8.5) مليون هكتار، منها 93% تسقى بمياه سطحية و7% بمياه جوفية.
لقد كانت مساحة الأراضي المروية في سنة 1965، حوالي (1.6) مليون هكتار، منها
فقط، (0.5) مليون هكتار مشاريع حكومية متطورة، والباقي طورت بطريقة بدائية من
قبل الفلاحين. ولكن في سنة 1994، قفز مجمل الأراضي الزراعية الإروائية إلى
(4.2) مليون هكتار، منها (3.1) مليون هكتار من خلال المشاريع الحكومية، (أي كل
التطوير بأكمله تم من خلال المشاريع الحكومية). في سنة 2006 وصل مجمل الأراضي
الزراعية الإروائية إلى (4.97) مليون هكتار، منها (3.97) مليون هكتار أراض
حكومية طورت من خلال مشاريع إرواء متكاملة.
(2) مشاريع الإرواء
إن أنظمة الإرواء التي نفذت من خلال المشاريع الحكومية اعتمدت أنواع مختلفة من
القنوات والأنابيب الإسمنتية والحديدية، 45% منها استخدمت قنوات شبه منحرفة
trapezoidal،
و48% منها في قنوات إهليليجية (بيضوية)
ellipsoidal
مفتوحة ومنصوبة فوق الأرض، وفي 7% منها أنابيب كونكريتية أو حديدية.
في سنة 2006، كان 92% من الأراضي المروية تسقى بالمياه السطحية (بضمنها
التنقيط)، و6% تستعمل المرشّات
sprinklers،
علماً أن نسبة استعمال المرشّات ترتفع في مناطق مرمرة إلى (62%)، وأدرنة
Edirna
(14%)، والقيصرية (11%). أما في منطقة البحر المتوسط، وحوالي منطقة أدنه
Adana،
فإن 48% من السقي يتم من خلال التنقيط.
لقد شيدت الحكومة التركية، ضمن مشاريع الري، ما يزيد طوله عن (21) ألف كيلومتر
من قنوات البزل والتصريف، منها (5133) كم قنوات رئيسية، و(6500) كم قنوات
ثانوية، والباقي قنوات فرعية. وبنفس الوقت نفذت شبكة طرق تزيد عن (38) ألف
كيلومتر لتسهيل الوصول إلى الأراضي الزراعية ونقل المنتجات والمحاصيل.
إن الأراضي التي استصلحتها وإدارتها الدولة، يتم نقلها تدريجياً إلى الفلاحين
لإدارتها، ولكن ما تم ملاحظته، وكمثال أن في سنة 2002، لم يكن بالإمكان إرواء
ما يقارب من (604) ألف هكتار من الأراضي " المستصلحة " المنقولة من الدولة إلى
الفلاحين، وذلك لعدة أسباب، منها عدم توفر المياه أو عجز المشروع عن العمل
لأسباب فنية. لقد ارتفع هذا الرقم بعد سنوات إلى (678) ألف هكتار، ووصل في سنة
2006 إلى (650) ألف هكتار. علماً أن جميع المدن والمساحات الخضراء والحدائق
العامة يتم سقيها، والتي هي اعتيادياً تحت سيطرة الدولة الكاملة. إن هذا الأمر
يدل على أن لا تزال توجد هناك مشاكل فنية واقتصادية وعدم توفر مياه كافية، أو
أن عملية نقل إدارة قسم من الأراضي المستصلحة إلى المزارعين قد تمت رغم عدم
استكمال المشروع، كما وأن قسماً من الفلاحين لم يكن جاهزاً أو مدرباً أو مهتماً
لإدارة مثل هذه المشاريع. إن الواقع كان قد بيّن أن، في سنة 2002، تم إرواء
(4.2) مليون هكتار (أي ما يمثل 86%) من الأراضي التي من المفروض أن تكون جاهزة
للإرواء)، وأن هذه النسبة اختلفت بين عام وآخر، والمعدل العام حوالي كان حوالي
65% مما يبين على وجود مشاكل حقيقية، وتقول الحكومة أنها تعمل على حلها.
(3) دور الإرواء في الإنتاج الزراعي
من الطبيعي أن تختلف إنتاجية الغلة من منطقة إلى أخرى، ولكن ما تمت ملاحظته أن
القيمة المضافة التي تأتي من الأراضي المروية تكون بصورة عامة حوالي (2.6) مرة
أكثر من الأرض المطرية/الديمية، وذلك في العديد من الغلاّت ، كما وأن الأراضي
الزراعية المجهزة للإرواء تمثل أقل من 20% من الأراضي المزروعة، ولكنها تعطي
أكثر من 34% من مجمل الحاصل الزراعي، ولهذا تتجه الحكومة التركية بصورة مستمرة
إلى توسيع الرقعة الزراعية المروية.
لقد اختلفت المحاصيل التي تم زراعتها في الأراضي المروية، ففي سنة 2004 مثلاً،
فإن الأراضي المروية التي تمت زراعتها فعلاً كانت (4.2) مليون هكتار، منها 40%
لزراعة القطن والذرة وزهرة الشمس. ولقد زرع (1.6) مليون هكتار، أي 38% من
الأراضي المروية بمنتجات مهمة أخرى مثل الحنطة والشعير والخضروات والعلف
والبنجر السكري والبطاطا. إن معدل إنتاجية الحبوب (الحنطة والشعير) في الأراضي
المروية كانت (4.3) طن/الهكتار، مقابل (2.3) طن/الهكتار في الأراضي الديمية.
إن الإنتاجية في الأراضي المروية كانت بصورة عامة عالية، وكأمثلة فإن إنتاجية
الهكتار (أي طن/الهكتار)، كانت كما يلي للمحاصيل المبينة أدناه:
البنجر السكري (43)، البطاطا (26.8)، البقوليات (4.5)، القطن (3.8)، زهرة الشمس
(1.6)، الذرة (5.5) طن/الهكتار.
إن المحاصيل المزروعة في الأراضي الديمية شملت الحنطة والشعير، وأشجار الزيتون
واللوز والجوز والفستق والبندق والكستناء، وكذلك الخضروات الشتوية. وأن 42.5%
من مجمل المحاصيل الديمية هي الحنطة والشعير.
(4) بعض المؤشرات الاقتصادية
إن كلفة تطوير مشاريع الإرواء تتراوح في الوقت الحاضر بين (7000) دولار/الهكتار
للمشاريع الصغيرة، (أقل من 1000 هكتار)، والتي تمثل 56% من الأراضي، إلى (15)
ألف دولار/الهكتار الكبيرة، (أكثر من 1000 هكتار)، بضمنها المضخات. أما الكلف
التشغيلية، فلقد كانت بين (100)دولار/الهكتار للمشاريع الصغيرة، و(60)
دولار/الهكتار للمشاريع الكبيرة.
يجب أن نوضح بأن بعد الانحسار الاقتصادي الذي حدث في 2001 وشمل تركيا، ازدادت
الأسعار فيها بحوالي (5 ـ 10) مرات، مما أدى إلى ارتفاع حاد بكلف الإرواء، مع
قيام الحكومة بإبقاء سعر الماء المباع إلى المزارعين والمزارع الحكومية بدون
تغيير لأسباب سياسية. إذ عند تطوير الري في أواسط التسعينيات، فإن كلف التطوير
كانت (750) دولار/الهكتار للمشاريع الصغيرة، و(3000) دولار/الهكتار للمشاريع
الكبيرة، (مقارنة بالكلف المبينة أعلاه لسنة 2006 والبالغة بين 7000 ـ 15 ألف
دولار/الهكتار).
إن الماء، المتوفر من مشاريع الري التي نفذت تقريباً بالكامل من قبل الحكومة،
يباع إل المستهلكين وبأسعار مختلفة اعتماداً على نوع المحصول وعلى الأرض
الزراعية.
ولقد كانت معدلات كلفة المياه للمشاريع الكبيرة خلال سنوات 2001ـ 2005 حوالي
(83) دولار/الهكتار.
لقد حصّل الاقتصاد التركي في سنة 2004، على حوالي (20.9) مليار دولار كقيمة
للمحاصيل الزراعية، وبنفس السنة كانت كلفة الإدامة والتشغيل حوالي (416) مليون
دولار (عدا كلفة الماء)، كما خصص ما يقارب 10% من العائد لأغراض التجديد
والتحديث. كانت كلفة الماء التي تم تحصيلها في تلك السنة (406.7) مليون دولار،
علماً أن هناك صعوبات في تجميع المبالغ المستخدمة للمياه، إذ أن معدل المبالغ
المجمعة بين سنوات (1989ـ1994) كان فقط 38% من المبالغ المستحقة، وارتفعت
النسبة في سنة 1997 إلى 97%، والآن حوالي 87%.
ورغم أن الزراعة هي أحد العوامل الرئيسة في تقليل البطالة، ولكن سكان المدن في
تزايد، وأن القوى العاملة في القطاع الزراعي، (وهو القطاع الاقتصادي النشط)،
في تناقص، إذ أن العمالة في هذا القطاع كانت حوالي 64% من مجمل العمالة في سنة
1970، وتناقصت إلى حوالي 40% في الوقت الحاضر، منها حوالي 64% من النساء. في
الوقت نفسه فإن مشاريع الري تعتبر من أهم العوامل في "عدم" نزوح العمالة من
الريف إلى المدينة، وكمثال على ذلك، وعند ما تصل المساحة المروية إلى (6.5)
مليون هكتار، فإن ذلك سيوفر فرص عمل جديدة لحوالي (2) مليون عاطل عن العمل
موجودين في حالياً في الريف. كذلك فإن مشاريع الري الحديثة تزيد من الدخل
الزراعي، إذ أن الدخل الزراعي في الأراضي غير المروية من مشاريع الري تعادل
(400) دولار/الهكتار، بينما وصلت في أراضي مشاريع الري الحديثة إلى (2000)
دولار/الهكتار.
(5) خطط مشاريع الري إلى سنة 2030
تفترض الخطط التركية أن بحلول سنة 2030، سيكون مجمل مساحة الأراضي الزراعية
المروية ضمن مشاريع الإرواء حوالي (8.5) مليون هكتار، وأن الماء اللازم سنوياً
لإروائها (71.5)كم3. وأن هذه الخطط تفترض أن حصة ماء السقي للهكتار ستقلل إلى
65% مما عليه الآن، وذلك بتشجيع وإدخال وتطوير طرق ري تستهلك مياه أقل، مع
إدارة للمياه أكفأ مما هي عليه الآن.
لقد افترضت الخطط أن عدد نفوس تركيا سوف يصل ي عام 2030 إلى (90) مليون نسمة.
ولذا سيصل استهلاك المياه السنوي للأغراض المدنية إلى (25.3)كم3 من الماء، منها
(5)كم3 للأغراض السياحية. كما افترضت أن التطور الصناعي سيكون بحدود 4% سنوياً،
لذا فإن الماء المطلوب سنوياً للصناعة سيكون بحدود (13.2)كم3. وبهذا فإن مجمل
الماء المطلوب لجميع الأغراض في سنة 2030 سيكون (110)كم3/السنة، وهو رقم عال إذ
سيصل إلى ما يقارب (1220)م3/الفرد/السنة لجميع الأغراض الزراعية والصناعية
والمدنية.
إن المخطط التركي أدرك الرقم العالي لاستهلاك المياه في سنة 2030، لذا أكد على
طرق الإرواء التي تستهلك مياه قليلة، كذلك على ضرورة إنشاء وحدات معالجة المياه
للأغراض المدنية أو الصناعية، وذلك في كل معمل ومدينة وقرية، مع إيصال الماء
إلى جميع القرى التركية.
ب- إيران
ذكر "تقرير عام عن الموارد المائية / الواقع والآفاق" (الفقرة 3ب من هذه
الدراسة)، أن 12% من مياه دجلة وروافده تأتي من إيران، ولم يحدد نسب حصة إيران
في كل روافد. كما ونجد أن التقرير يتحدث عن الأنهر المشتركة مع إيران، والتي
تتضمن (24) نهراً وجدولاً، ولكن لا يتحدث عن نهر الكرخه (الذي يصب في الجانب
الإيراني من هور الحويزة)، أو كارون الذي يصب في شط العرب (والخليج العربي)،
ولا عن الجداول الصغيرة، وإنما يتحدث فقط عن المصادر الأساسية وهي الروافد
الرئيسية، الزاب الكبير والزاب الصغير باعتبارهما مصدران لمياه دجلة وروافده،
(حيث لا تغير في الإيراد كما جاء في التقرير)، وكذلك يتحدث عن نهر ديالى حيث
هناك جريان أقل بكمية قدرها (0.36)كم3/السنة (أي 360 مليون متر مكعب/السنة) عن
المعدلات السابقة. بنفس الوقت تحدث التقرير عن سدود على نهر الوند، ونهر سيروان
(حيث يتوقع أن يسبب ذلك تقليل الماء عن سد دربندخان)، وذكر أيضاً أنه لا تتوفر
لديه معلومات كافية عن مشاريع الري في الجانب الإيراني بما يتعلق بالمياه
الحدودية. على أية حال سنناقش موضوع الخلافات المائية مع تركيا وإيران في الفصل
القادم.
ولقد شرح كتاب الدكتور سليمان عبد الله إسماعيل موضوع نسبة الحصص المائية
الآتية من الأراضي الإيرانية إلى الروافد العراقية. فذكر أن نسبة صغيرة من
الزاب الكبير تأتي من الجبال الإيرانية (لم يستطع تحديدها)، ولكن ذكر أن
35.4% من إيراد الزاب الصغير يأتي من إيران، كما وأن هذا النهر يشكل
حدود مشتركة مع إيران بطول (32) كم. أما ما يتعلق بنهر ديالى فإن 57% من
موارده المائية تأتي من إيران، وهو أيضاً يشكل جزءاً من الحدود العراقية
الإيرانية وبطول (25) كم. وفيما يتعلق بالروافد والجداول العراقية الحدودية
الصغيرة جداً والتي تصب موسمياً في دجلة، بصورة مباشرة أو غير مباشرة،
فتبلغ تصاريفها السنوية بين (2 ـ 18) م3/الثانية، (أي بين 63 ـ 560) مليون متر
مكعب/السنة.
سنتحدث عن نهر كارون في فقرة خاصة أدناه، وهو موضوع مهم جداً.
وفيما يتعلق بنهر الكرخة الذي يصب في هور الحويزة، وبالنتيجة يصب في شط
العرب ويساعد في تحلية شط العرب، فإن تأثيره كبير، ولكنه أحد الأنهر الموجودة
بالكامل في إيران ويصب في الجانب الإيراني من الحويزة الذي يمثل فقط 15 ـ 20%
من مساحة هور الحويزة. لقد قام الجانب العراقي، أثناء الحرب مع إيران في
الثمانينات بتجفيف غالبية الهور، وفي أوائل التسعينيات ثم قطع ماء دجلة عن
الهور، وتشيد سدوداً داخل الهور، وحسب المعلومات المتوفرة عن الجانب الإيراني
فإنه قام بعمل مشابه أيضاً في جانبه من الهور. إن ما قام به الجانب العراقي
أفاد بالنتيجة المخططات الإيرانية كثيراً، وكما سنرى السبب في ذلك.
لقد تقلص الجانب العراقي من هور الحويزة إلى مساحة صغيرة شبه جافة لا تتجاوز
(700) كم2 على إثر قيام النظام السابق بالتجفيف وقطع المياه. ولقد قام أهالي
المنطقة في 2003 بكسر السدود التي تمنع مياه دجلة من الوصول إلى الهور، وتم
إعادة الحياة في سنة 2004 إلى ما يقارب من 900كم2 من الحويزة، ولكن وعندما أريد
التوسع في إحياء هذا الهور ظهرت مشكلة شحة المياه من الجانب العراقي، وانقطاع
شبه كامل للمياه من الجانب الإيراني.
لقد شيد الجانب الإيراني على نهر الكرخه في هذه الفترة ما يسمى "سد الكرخه"،
فلقد تم البدء به في سنة 1992 وتم افتتاحه في سنة 2001، وكان بكلفة (700) مليون
دولار، علماً أن فكرة إنشاء هذا السد قديمة تعود إلى الخمسينيات من القرن
الماضي. إن السد من النوع الركامي (الصخري/الترابي)، بطول (3030)م، وبارتفاع
(203)م، (127م من فوق الأساس)، قاعدته بعرض (1100)م، وقمته بعرض (12)م. وشيدت
معه محطة كهرومائية بسعة (400) ميكاوات. الطاقة الخزنية للسد (5.9)كم3، وهو
مصمم لإرواء (320) ألف هكتار، وهو رقم عال ويحتاج إلى كمية مياه عالية، ويعمل
السد أيضاً على التخلص من الفيضانات في المناطق التي تقع في مجرى نهر الكرخه
بعد موقع السد. إن هذا يعني من الناحية العملية عدم وصول أية كمية من المياه
إلى هور الحويزة، وإن وصلت فستكون كميات قليلة جداً لا تساعد في إحياء الهور
وتحلية مياه شط العرب.
أدناه سأتحدث باقتضاب عن الوضع المائي في إيران، وكذلك حول مشاريع نهر كارون،
وذلك لاطلاع القارئ حول ما يجب أن يتوقعه في المستقبل القريب والمتوسط للمياه
"المشتركة" مع إيران!!.
أولاً: الوضع والتطور الزراعي في إيران
(1) الجغرافية والمناخ والسكان
تبلغ مساحة إيران (1.75) مليون كم2، أي (175) مليون هكتار، منها 52% جبال
وصحارى، وقسم من الجبال يتجاوز ارتفاعها (2000) متراً عن سطح الأرض، والتي تحيط
القطر. وتقع الهضبة الوسطى، و(الداخلية)، بين سلاسل الجبال، وتغطي حوالي 50% من
مساحة إيران، وقسم من هذه الهضبة مغطاة بمستنقعات مالحة والقسم الآخر يمثل
الصحراء الرملية والحجرية، مع وجود مساحات صالحة للزراعة في سهول الجبال
المحيطة.
تقدر المساحات الممكن زراعتها بحوالي (51) مليون هكتار، أي 29% من المساحة
الكلية لإيران، علماً أن مجمل الأراضي المزروعة في سنة 2005 لم تزد عن (18.1)
مليون هكتار، منها (16.5) مليون هكتار محاصيل موسمية و(1.6) مليون هكتار محاصيل
دائمية (أشجار فواكه وفستق وما شابه ذلك).
إن مناخ إيران متناقض جداً، وذلك بسبب اختلاف الظروف الجغرافية، وطبيعة الأرض.
فالصيف حار جداً، وفي المناطق الداخلية قد تصل درجات الحرارة إلى أعلى درجة
حرارة مسجلة على الأرض، وبالتأكيد فلقد سجلت المناطق الداخلية الإيرانية درجات
حرارة أعلى من (55) درجة مئوية، وفعلاً فإن الرقم القياسي لأعلى درجة حرارة على
الأرض مسجل في صحراء دشت الإيرانية الشرقية، وبدرجة (57) درجة مئوية. أما في
الشتاء ونظراً لارتفاع معظم الأراضي الإيرانية، فلقد سجلت في إيران درجات حرارة
(-30) درجة مئوية في المنطقة الشمالية، أما (-20) درجة مئوية فهي أمر اعتيادي
في مناطق مختلفة من إيران.
إن معدل سقوط الأمطار يختلف من (50) ملم في الصحراء إلى (2275) ملم في السنة،
وذلك في مناطق بحر قزوين حيث يمكن اعتماد الزراعة الديمية، والمعدل العام لسقوط
الأمطار هو (252) ملم، والتبخر عال جداً، إذ يتبخر سنوياً 71% من مجمل الأمطار
(أي 179 ملم) مباشرة. إن ما يقارب من 90% من مساحة إيران تعتبر ضمن المناطق
الجافة وشبه الجافة
Arid, Semi-Arid.
ةإن 50% من المطر يسقط في فصل الشتاء، 23% في كل من فصلي الخريف والربيع، و4%
في فصل الصيف.
تعتبر إيران من الدول "شبه الفقيرة" بالمياه، ومناطقها الوسطى "فقيرة" بالمياه
بحيث تنقل المياه حالياً مئات الكيلومترات إلى مناطق أصفهان ويزد وكرمان، وذلك
من المناطق الغربية، وكما سنوضح ذلك عند التحدث عن نهر كارون.
كان عدد نفوس إيران في سنة 2008، ما يقارب (72) مليون نسمة، مع زيادة سكانية
قدرها 3.7% (في فترة 1980ـ1990)، وانخفضت نسبة الزيادة السكانية انخفاضاً حاداً
في سنوات (2000ـ2005)، حيث وصلت 0.9% فقط، وتتوقع بعض الدراسات الإيرانية أن
يصل عدد نفوس إيران إلى (100) مليون نسمة في سنة (2020)، بعد أن كان (30) مليون
نسمة في سنة 1970. بلغت نسبة سكنة الريف في سنة 2005 إلى 32% والباقي سكنة
المدن، أي انعكست هذه النسب في خمسة عقود، إذ أن نسبة سكنة المدن كانت في سنة
1955، حوالي 31% والباقي سكنة الريف. هنالك اختلاف كبير في التوزيع السكاني، إذ
أن المعدل العام لإيران هو (40 شخص/كم2)، بينما في منطقة طهران التي تعتبر أكبر
منطقة مزدحمة بالسكان يصل التوزيع السكاني إلى (400 شخص/كم2)، وينخفض إلى (10
شخص/كم2) في المناطق الشرقية. إن المناطق المزدحمة بالسكان بعد طهران، هي مناطق
بحر قزوين في الشمال، وبالتحديد محافظة كيلان حيث يصل المعدل إلى (150
شخص/كم2).
بلغت نسبة السكان الذين يحصلون على ماء شرب صحي ومأمون في سنة 2006، حوالي 99%
من سكنة المدن و86% من سكنة الريف.
(2) الاقتصاد والزراعة
بلغ مجمل الإنتاج الداخلي
GDP Gross Domestic Product
لإيران في سنة 2007 ما يعادل (270.9) مليار دولار، منها 9% من الزراعة
والمنتجات الحيوانية، بينما كانت هذه النسبة تعادل 23% في سنة 1992، وجزء من
هذا الانحدار في نسبة الدخل الزراعي تعود إلى زيادة أسعار النفط، ولكن بنفس
الوقت توجد مشكلة كبيرة في هذا القطاع أدت إلى تدهوره.
بلغ عدد نفوس العاملين في القطاع الزراعي (6.7) مليون شخص، 56% من الذكور و44%
من الإناث، مقارنة بعدد نفوس العاملين في القطاع الاقتصادي عموماً البالغ
(27.6) مليون نسمة، منهم 70% من الذكور و30% من الإناث.
وتتم الزراعة بصورة عامة في وحدات زراعية صغيرة، فبالرغم من زيادة الوحدات، بين
سنتي 1960 و1993، من (1.8) إلى (2.8) مليون وحدة، ولكن معدل مساحة الوحدة نقص
من أكثر من (6) هكتار إلى أقل من (5.5) هكتار. وتدار 5% من الأراضي المزروعة من
قبل شركات تعاونية تستخدم طرق حديثة، ومعدل مساحة الشركة التعاونية يبلغ حوالي
(40) هكتار. كما وأن (14%) من الأراضي المزروعة تدار من قبل الشركات الزراعية
التجارية، ومعظم هذه الشركات موجود في خوزستان.
(3) مصادر المياه واستعمالاتها، ومشاريع الري
تبلغ مجمل المياه المتجددة حوالي (137.5)كم3/السنة منها (9)كم3/السنة تأتي من
خارج إيران. من المياه المتجددة الداخلية، أي (128.5)كم3/السنة، تقدر المياه
السطحية (97.3)كم3/السنة، والمياه الجوفية (49.3)كم3/السنة، وهناك ما يعادل
(18.1)كم3 مياه متسربة من المياه السطحية إلى المياه الجوفية أو العكس.
تستلم إيران ما يعادل (6.7)كم3/السنة من المياه من أفغانستان، من نهر هلمند،
وكذلك تستلم (4.6)كم3/السنة من نهر أراك الحدودي مع أذربيجان (نصفها من
أذربيجان). علماً وقبل حكم طالبان، كان هناك اتفاق مع الحكومة الأفغانية بأن
تدخل مياه نهر هلمند إلى إيران بكمية لا تقل عن (27)م3/الثانية، أي (850) مليون
م3/السنة، ولكن أوقفت الحكومة الأفغانية هذا الاتفاق أثناء حكم طالبان
(1995ـ2001)، حيث تم إيقاف جريان النهر إلى إيران بالمرة، وأحدث هذا الأمر
مشكلة كبيرة في محافظتي بلوشستان وسستان!!!. هذا وأن نهر هلمند
Hilmond
يعتبر أكبر نهر في أفغانستان ويبلغ طوله (1150)كم، ينبع من أفغانستان وينتهي في
أهوار ومستنقعات سستان.
هناك العديد من الأنهار "الكبيرة" في إيران، ولكن النهر الوحيد الذي يمكن
الملاحة فيه هو نهر كارون، أما الأنهر أو الجداول الأخرى فهي غير منتظمة وسريعة
الجريان وتمر من خلال الجبال والمناطق الوعرة جداً، وتتخللها منخفضات شديدة
الانحدار. إن الجداول التي تجري في الهضبة الوسطى تنتهي إلى المستنقعات المالحة
في الشرق، كما أن جميع هذه الجداول موسمية وتختلف كمية المياه فيها من سنة إلى
أخرى. ففي الوقت الذي قد تسبب هذه الجداول فيضانات مدمرة في الربيع، فإنها
تختفي في الصيف أو تنخفض كميات المياه فيها كثيراً.
إن الكثير من مياه الأمطار يحفظ في الطبيعة تحت الأرض، ويتم الحصول عليه من
خلال الينابيع والآبار والقنوات التي تشيد تحت الأرض من قبل الإيرانيين. كما
تلعب السدود دوراً كبيراً في الحفاظ على الماء الثمين، وكانت هناك خطط مستمرة
لزيادتها. في سنة 2006، إذ كان يوجد قيد التشغيل في إيران (94) سداً كبيراً
بسعة خزنية كلية قدرها (31.6)كم3، وكذلك (85) سد بسعة خزنية كلية قدرها (10)كم3
تحت الإنشاء، وذلك لخزن الماء، وتوليد الكهرباء، أو إعادة تحويل الماء إلى جهات
أخرى، والتغلب على الفيضانات ولأغراض سياحية.
في سنة 2001، كانت توجد (39) وحدة رئيسية عاملة لمعالجة مياه النفايات المدنية،
وبسعة (712) ألف م3/اليوم، (تسد احتياجات 3.8 مليون نسمة)، كما كان هناك (79)
وحدة أخرى وبسعة (1.92) مليون م3/اليوم تحت الإنشاء، ولقد تم الانتهاء منها.
كما كان أيضاً تحت الدراسة وحدات أخرى لمعالجة (1.59) مليون م3/اليوم، على أن
يتم إكمالها في سنة 2010.
وللمساعدة في حل مشكلة ماء الشرب، فلقد كانت في سنة 2002 عدداً من وحدات
التحلية
desalination units
بطاقة إجمالية قدرها (591) ألف م3/اليوم (أي 216 مليون م3/السنة)، و بلغ إنتاج
هذه الوحدات (200) مليون م3 فقط وذلك في سنة 2004.
إن كميات المياه المسحوبة فعلاً في سنة 2004 بلغت (93.3)كم3، منها (40)كم3 من
المياه السطحية، و(53.1)كم3 من المياه الجوفية، (0.2)كم3 من مياه التحلية. إن
هذا السحب العالي من المياه الجوفية أدى إلى استنزافها (غير قابلة للتجديد)،
بمقدار يقارب من (3.8)كم3/السنة. لقد كان معظم "الاستغلال الزائد" لمصادر
المياه في الحوض المركزي (وسط إيران)، والتي لا يوجد فيه من المياه السطحية
إلاّ القليل. علماً أن مجمل السحب من مصادر المياه السطحية والجوفية سوية لم
يتجاوز الـ 66% من المياه المتجددة الفعلية، ولكن لم تكن هناك سدود كافية لخزن
كامل المياه السطحية المتجددة.
إن المياه المستخدمة للزراعة تمثل الاستهلاك الأكبر جداً للمياه، وتقدر بحوالي
(86)كم3، (أي 92% من الاستهلاك الكلي للمياه)، وذلك في سنة 2004، وهذه النسبة
من استعمال المياه للزراعة بقيت كما هي منذ سنة 1993. أما المستهلك للأغراض
المدنية فلقد كان فقط (6.2)كم3، ولأغراض الصناعة فقط (1.1)كم (وهذا يمثل صافي
الاستهلاك غير المسترجع). طبعاً هذا الوضع غير منطقي نتيجة التوسعات في الصناعة
وفي الاستخدامات المدنية للمياه، لذا يتوقع أن تقل نسبة المياه المستخدمة
للزراعة، وتزداد نسبتها في الصناعة والاستخدامات المدنية.
تقدر إمكانية الزراعة، وعلى ضوء توفر المياه، بمساحة قدرها (15) مليون هكتار،
وعلى شرط إدارة المياه بطريقة صحيحة، والخزن الكامل للمياه المتوفرة لاستعمالها
في المواسم الزراعية.
ولقد بلغ مجمل الأراضي الجاهزة للزراعة المروية، وكما في سنة 2003، (8.13)
مليون هكتار، مقارنة بمساحة (7.26) مليون هكتار كما في سنة 1992. إن 62% من هذه
الأراضي يسقى بالمياه الجوفية.
لا تزال الزراعة متأخرة في إيران، إذ أن السقي سيحاً هو السائد فيها ويبلغ
حوالي 91.4% من الأراضي المروية (بضمنها ما يستخدم المضخات التي تصنع بالكامل
محلياً). أما المرشّات
sprinklers،
فتغطي فقط 5.2% من الأراضي المروية، والتنقيط الذي يغطي فقط 3.5% من هذه
الأراضي. إن ما يسمى بالسقي المضغوط،
pressurized irrigation،
والذي يشمل أنظمة المرشّات والتنقيط (أو السقي المقنن
micro irrigation)،
ويعتبر من التكنولوجيات الحديثة (حيث سنتحدث عنها لاحقاً)، والتي ارتفع
استعمالها في العالم خلال العشرين سنة الماضية إلى ما يتجاوز 650%، بينما ازداد
استعمالها في إيران خلال العقد الماضي بنسبة 200% فقط، رغم ندرة المياه وفوائد
هذه التكنولوجيات، فهي تساعد في زيادة الإنتاجية، وتقليل الأسمدة والمبيدات
الزراعية، وتحسن كبير في استهلاك المياه وكفاءة استعمالها، ويمكن استخدامها في
الأراضي الصعبة مثل الأراضي الرملية، أو في المنحدرات. هناك معوقات في استعمال
هذه الطرق، وذلك في كون المياه رديئة (زيادة في الأملاح)، فإنها تسبب في انسداد
فتحات التنقيط وزيادة الأملاح في التربة، مما يضطر إلى الإدامة المستمرة
للمعدات، وبضرورة تحسين نوعية التربة.
تبلغ كفاءة استخدام مياه السقي، بالطريقة الاعتيادية، في إيران 32% فقط، وتعمل
الحكومة الإيرانية على رفعها خلال العقد القادم إلى 45%، بينما كفاءة استخدام
الماء في المرشات يبلغ (75 ـ 79%)، وفي التنقيط يصل إلى 90%، ولهذا فإن صناعة
معداتها تتطور بسرعة في إيران من قبل القطاع الخاص، وذلك بتصنيع المضخات
والمرشات وأنابيب وفتحات معدات التنقيط، ونصبها والإشراف على تشغيلها، بحيث لا
توجد حاجة إلى استيراد أي جزء منها.
إن غالبية السدود التي تم تشييدها في سبعينيات القرن الماضي، تضمنت مشاريع
إرواء تتضمن قنوات كونكريتية وأنابيب، أولية وثانوية لتغطي أراض مروية تقدر
مساحتها (1.56) مليون هكتار، والتي تسمى "أنظمة حديثة"، أما باقي مساحات
الإرواء فيتم العمل فيها من خلال قنوات تقليدية فتحت من قبل المزارعين والتي
يضطرون في كثير من الأحيان إلى إعادة فتحها وإدامتها.
من الجدير بالذكر فإن 98.5% من الأراضي الزراعية مملوكة من قبل المزارعين،
بضمنها الأراضي الديمية والموجودة في المناطق غنية الأمطار مثل الشمال الغربي
من إيران وفي الغرب من بحر قزوين في الشمال.
لقد جاء 89% من المنتجات الزراعية، في الخمس سنوات الماضية، من الأرض المروية.
وفي سنة 2003 بلغت الأراضي المروية (8.59) مليون هكتار، حيث زرعت غالبيتها
بالحنطة، (والتي تمثل 31% من محصولات الأرض المروية)، و10% علف، و7.5% فول
سوداني، 7% رز، و6.5% خضروات. كذلك كانت الحنطة المحصول الأساسي في الأراضي
الديمية. إن معدل إنتاج الحنطة في الأراضي المروية بلغت (2.78) طن/الهكتار، وفي
الأراضي الديمية (0.95) طن/الهكتار.
بلغ معدل كلفة تطوير الإرواء السطحي للمشاريع الحكومية ما يعادل (7500)
دولار/الهكتار، وكلفة المرشات مع النصب في الحقل (1700) دولار/الهكتار، وكلفة
التنقيط (500) دولار/الهكتار.
وتدعم الحكومة الإيرانية بشكل كبير سعر الماء الذي يصل إلى المزارعين، إذ أن
سعر الماء الواصل ـ كما في سنة 2003- كان يتراوح بين (0.2 ـ 0.8) دولار/1000م3،
بينما وصلت كلفة المياه الجوفية ما بين (5 ـ 9) دولار/1000م3، والمياه السطحية
في المشاريع الجديدة ما بين (3 ـ 5) دولار/1000م3، وتقول غالبية الدراسات
الإيرانية أن هذا الدعم الكبير هو من الأسباب الرئيسية في رداءة كفاءة الري
وهدر المياه ي إيران.
إن البزل في إيران ليس في التوسع الذي عليه الري، ولكن معظم المشاريع الجديدة
تتضمن بزلاً سطحياً
surface drainage،
والذي يغطي حوالي (1.5) مليون هكتار، أما البزل تحت السطح
sub - surface drainage،
فتقدر مساحة شمولها لحوالي (170 ـ 180) ألف هكتار، نصفها في خوزستان. ونظراً
لنوعية المياه غير الجيدة، وملوحة الأرض الزراعية في كثير منها، فهذا يعني
ضرورة وجود طرق غسل وبزل بدائية في العديد من الأراضي الأخرى.
(4) مستقبل المياه في إيران
اهتمت الخطط الزراعية الخمسية الإيرانية (2000 ـ 2005)، و(2005 ـ 2010)،
بالتركيز على الاقتصاد في استهلاك المياه في الزراعة وزيادة كفاءة إدارة
المياه، وضرورة توجيه قسم من المياه إلى القطاعات الاقتصادية الأخرى. وإذا أخذ
بنظر الاعتبار أن الحاجة في سنة 2025 للمياه في الزراعة ستزداد 65% عن حاجة سنة
2000 وذلك باعتبار وجود نفس الظروف التكنولوجية الزراعية والإروائية الحالية،
وهذا أمر يستحيل تحقيقه عند النظر إلى إمكانيات المياه الحالية في إيران، ولذا
ليس أمام إيران إلاّ الذهاب إلى الطرق الحديثة في الري والزراعة وإدارة المياه
وإلى محاولة الحصول على مياه أكثر، سواء بتحلية المياه أو بناء سدود أكثر، ليس
فقط على نهر كارون أو الكرخه أو سيروان أو ديالى، وإنما بناء سدود على الزاب
الصغير كما يحصل حالياً!!. وكما سنتحدث عنها في الفصل (7) المقبل. إن حاجة
القطاعات الاقتصادية الأخرى، (أي الحاجات المدنية والصناعية وتربية الأسماك . .
وغيرها)، أيضاً في تزايد مستمر بين القطاعات المختلفة تفوق نسبة الزيادة فيها
نسبة الزيادة في القطاع الزراعي، ولذا يتوقع أن يكون هناك صراع أو سباق بين
القطاعات المختلفة على الماء داخل إيران نفسها، ما لم تتخذ الإجراءات اللازمة
في تحسين إدارة المياه، ولكن هذا التحسن، وكما يظهر، لم يتم بشكل محسوس لحد
الآن!، وما يؤكد ذلك هو ما موجود من مقالات ودراسات كثيرة منشورة من أخصائيين
إيرانيين تؤكد على وجوب إصلاح إدارة الري.
من الأمور التي من المخطط العمل لإيجاد الحلول لها، وتأخذ أحد الأولويات
الأساسية في سرعة المعالجة، هي الملوحة في التربة الإيرانية، إذ أن (15.5)
مليون هكتار، (حوالي 9.4% من مجمل مساحة إيران)، هي أراض شديدة الملوحة، كما
وأن (7.3) مليون هكتار أخرى لها تأثيرات ملحية تؤدي إلى رداءة كفاءة الزراعة
والري. إن الغسل والبزل الذين تما ضمن المشاريع الزراعية الحديثة أثبتا نجاحهما
في معالجة هذه الأراضي، ولكن بنفس الوقت إن هذا النجاح يعني زيادة في استهلاك
المياه وتلويث المياه أو الأراضي التي سترمى فيها مياه البزل.
ولقد حددت الخطط كذلك أن تقليل نسبة المياه المستخدمة بالزراعة من 92% إلى 87%،
لحاجة الاستخدامات الأخرى خلال فترة الخطط الخمسية المذكورة، ولكن وكما لاحظنا
سابقاً أن هناك حاجة إضافية أصلاً، للمياه المطلوبة للزراعة على مدى الـ (15)
سنة القادمة قدرها 65%، لهذا لا يوجد بديل سوى زيادة الكفاءة وتقليل الهدر في
مياه الزراعة وبناء السدود التي ستكون بالتأكيد على حساب المياه الواردة إلى
العراق!. إن إنتاجية الماء للمحاصيل يجب مضاعفتها من 0.7كغم/م3 (حوالي 1430م3
ماء لكل طن من المحاصيل)، كما هو عليه الحال في الوقت الحاضر، إلى 1.4كغم/م3
(أي 715 م3 لكل طن من المحاصيل)، خلال العشر سنوات القادمة.
تريد الخطط الحكومية توسيع الأرض المروية بحوالي (1.76) مليون هكتار جديدة خلال
(15) سنة القادمة، وبنفس الوقت تريد زيادة نسبة المياه السطحية في المياه
المستهلكة من 43% إلى 55%، بسبب استنفاد المياه الجوفية والسحب الاستنزافي
منها. هذه الخطط تزيد من مخاوفنا تجاه شحة المياه الواردة إلى العراق من إيران
واحتمال تفاقمها!!.
ثانياً: مشاريع نهر كارون
لقد أفردت لنهر كارون فقرة خاصة، لما لهذا النهر من أهمية لإيران بالدرجة
الأولى، وللعراق أيضاً، رغم أن العراق لم يستفد منه مباشرة في الزراعة، ولكن
كان دائماً عنصراً مهماً في تحلية شط العرب. وكما أوضحنا سابقاً، فإن الدراسات
العراقية الجادة التي تمت في السبعينيات لم تأخذ بنظر الاعتبار ـ إلاّ بحدود
ضيقة جداًـ أهمية نهر كارون في تحلية شط العرب، ولكن في السنوات الأخيرة ظهرت
الأهمية القصوى لهذا النهر في ديمومة الحياة النباتية والحيوانية لمنطقة
البصرة. في الصفحات التالية سنرى هل من الممكن لهذا النهر أن يؤدي في الوقت
الحاضر للعراق ما كان يؤديه له سابقاً؟.
(1) المقدمة:
إن نهر كارون يعتبر أهم الأنهر الإيرانية طراً، وتجري فيه أعلى كمية مياه
موجودة في الجهة الغربية من إيران، ويأخذ أهمية كبرى في تطوير المحافظات
الغربية والجنوبية الغربية منها، وكذلك في تزويد المياه إلى المناطق الجافة
وشبه الجافة في المنطقة الوسطى من إيران. إن السحب الزائد عن إمكانية النهر
over-withdrawal،
وإرجاع مياه البزل والمياه غير المعالجة إليه، جعلته في السنوات الأخيرة جعلت
الكارون من أكثر الأنهار تلوثاً في إيران، بالإضافة إلى أن قلة المياه المطلقة
منه إلى البحر وتلوثها سبب مشاكل بيئية عالية، تشابه ما يحدث في شط العرب في
الوقت الحاضر، وكما سنوضح ذلك.
ينبع نهر كارون من جبال زغاروس، وينتهي إلى فرعين أحدهما إلى شط العرب، ولقد
كان سابقاً يمثل الفرع الأكبر، والفرع الآخر الصغير "بهمنشير" ينتهي بالخليج
العربي مباشرة، والذي أصبح الفرع الرئيسي في السنوات العشر الماضية، بعد أن كان
جدولاً صغيراً. لنهر كارون روافد عديدة في مقدمتها، وأهمها نهر "ديز". يقدر حوض
نهر كارون بحوالي (66930)كم2، منها (52630)كم2، (أي حوالي 78.6%)، في مناطق
جبلية، و(14300)كم2 في أراضي عشبية مفتوحة. يبلغ مجمل حوض النهر في خوزستان
(21600)كم3، منها 75% أراض مفتوحة.
يبلغ طول النهر حوالي حوالي (1360)كم، علماً أن بعض المصادر تضع أرقاماً أقل
لطول النهر باستبعاد أطوال الروافد. ويبلغ طول كارون في خوزستان حوالي (900)كم،
وبمعدل جريان 450م3/الثانية، (أي 14.2كم3/السنة)، في مدينة الأهواز في الجنوب
الغربي من إيران، ويعتبر المصدر الرئيسي للمياه لمحافظة خوزستان، ذات النفوس
التي تقدر بحوالي (4.5) مليون نسمة.
لو أخذنا التقديرات المختلفة للمياه العذبة السطحية والجوفية في إيران والتي
تتراوح بين (100 ـ 130)كم3/السنة، نجد أن مجمل مياه كارون والبالغة
(20ـ25)كم3/السنة، تزيد عن 6/1 مجمل المياه العذبة الإيرانية، ويمثل 30% من
مجمل المياه السطحية الممكنة لإيران، ويغذي 70% من حاجة الحياة لنفوس قدرها (2)
مليون نسمة في خوزستان، ويروي أيضاً 70% (أي 9كم3) من حاجة المياه الزراعية،
و90% (أي 1كم3) من حاجة المياه الصناعية ي هذه المحافظة.
(2) السدود على نهر كارون وروافده
لقد تم، ومنذ 1960، تشييد عددٍ من السدود الكبيرة لخزن الماء، ومن سدود أخرى
لتحويل المياه عن المجرى الطبيعي لها، وكذلك عددٍ من المحطات الكهرومائية. كما
وإن هناك، تحت الإنشاء والتصميم، سدوداً أخرى على الروافد الرئيسية ومنها نهر
ديز
Dez.
فلقد صمم (11) سد كبير على الروافد العليا الرئيسية لنهر كارون، بضمنها (5) تم
إكمالها أو تحت الإنشاء. ففي سنة 1977 تم إنشاء ثاني أضخم سد في إيران، وهو سد
كارون/1، بارتفاع (200)م وبطاقة خزنية قدرها (2.9)كم3، وهو واحد من سبعة سدود
تم إنشاؤها أو هي تحت الإنشاء على نهر كارون. إضافة لذلك تم في سنة 2005 إكمال
سد كارون/3 الكونكريتي، وهو بارتفاع (205)م وبطاقة خزنية قدرها (2.75)كم3.
لقد تم تشييد أول خزان ضخم على نهر ديز في سنة 1962، (وهو سد ديز الكونكريتي)،
بارتفاع قدره (203)م وبطاقة خزنية قدرها (3)كم3. علماً أن سعة المحطة
الكهرومائية على سد ديز تبلغ (620) ميكاوات، وعلى كارون/1، بسعة (1000)
ميكاوات.
هذا وهناك (3) سدود كبيرة سيتم تشييدها على نهر ديز خلال العقد القادم،
بالإضافة إلى (5) مشاريع سدود مخطط لها. كل هذه المشاريع سيكون لها تأثير بيئي
سيء على مياه نهر كارون، سواء في مجراه في أعالي النهر، أو بالأخص في مجراه في
أسفل النهر، والشيء المهم أيضاً سوف لا يكون هناك مياه فائضة لطرحها في شط
العرب، ناهيك عن كون هذه المياه ـ إن طرحت ـ ستكون ذات نوعية رديئة جداً. علما
تم في اواسط كانون اول / 2009 اطلاق كميات كبيرة من المياه الجيدة - غير
المالحة - الى شط العرب ، ليس بسبب المساعدة في تحسين ملوحته ! ، و لكن بسبب
هطول الامطار بغزارة في حوض كارون في ايران في هذه الفترة ، مما ادى الى
فيضانات في بعض المناطق و اضطرار الجانب الايراني الى اطلاق هذه المياه الى نهر
كارون ، و هذا الامر يعتبر من الامور الوقتية جدا و لا يحل اية مشكلة .
(3) نقل مياه كارون إلى وسط إيران
كما ذكرنا سابقاً بأن هناك نقصاً شديداً في المناطق الشرقية والوسطى من إيران،
ولحل هذه المشكلة، فإن الحكومة الإيرانية رأت أن الحل الوحيد أمامها، رغم
ارتفاع التكاليف، هو نقل المياه من سدود أعالي نهر كارون إلى محافظتي أصفهان
ويزد في وسط إيران، باستخدام الأنابيب ولمسافات تصل إلى أكثر من (1000)كم، ولقد
تم إكمال هذا المشروع وتشغيله في سنة 2000.
وينقل الماء حالياً من أعالي الكارون إلى أصفهان (بمسافة تزيد عن 520كم)،
ويستمر نفس الأنبوب من أصفهان ليغذي يزد (بمسافة أخرى تصل حوالي 500كم). كذلك
هناك أنبوب منفصل يغذي كرمان مباشرة من أعالي كارون وبمسافة تصل إلى حوالي
(750)كم، وكما يوجد أنبوب ثالث يغذي مدينة قم (بمسافة تزيد عن 350كم). إضافة
لذلك فإن الماء ينقل إلى مدن محلات، وكاشان ورفسنجان.
ولقد أثارت مشاريع نقل مياه كارون، إلى المناطق الجافة وشبه الجافة في إيران،
قلقاً عميقاً وجدياً لسكان محافظة خوزستان، إضافة إلى تأويل البعض من أن اتخاذ
مثل هذا الإجراء لم يكن فقط جزءاً من حل مشكلة المياه في إيران، وإنما جزء من
عدم معاملة المناطق العربية في إيران بعدالة وبمساواة مع المناطق الفارسية. إن
هذا الإجراء أدى إلى انتقادات من عدد الخبراء والمختصين الإيرانيين/الفرس
أنفسهم، وللأسباب التي سنذكرها أدناه، إذ كانت النتيجة وخيمة على نهر كارون
نفسه إذ إن نقل المياه إلى وسط إيران ولهذه المسافات الطويلة قد يكون حلاً
جيداً للمناطق العطشى في وسط إيران، ولكن كان من المفروض إجراء دراسة بيئية
عميقة لما قد يحدث للنهر قبل اتخاذ القرار الذي ظهرت الآن بوادره السيئة، والتي
ستزداد سوءاً في حالة عدم تدارك الأمر، واتخاذ الإجراءات لتحسين الوضع البيئي
وحالة المياه في النهر؟.
(4) التأثيرات في نوعية مياه كارون
إن التطور الزراعي والصناعي، والزيادة في عدد سكان الحوض في خوزستان نتيجة هذا
التطور أدى إلى نتائج سلبية جداً في نوعية مياه كارون وزيادة نسبة تلوثه.
لقد ازدادت الأرض الزراعية المروية لحوض النهر من (100) إلى (700) ألف هكتار
خلال السنوات العشر بين (1997 ـ 2006)، ولا تزال الخطط تطمح إلى توسع أكبر لهذه
الأراضي. من أهم محاصيل خوزستان من هذه الأراضي قصب السكر والحنطة، وما تبع ذلك
من توسع كبير في الصناعة في هذه المحافظة، مثل صناعة السكر، والورق،
والبتروكيمياويات، وصناعة الحديد، إذ أن حوالي 90% من هذه الصناعات موجودة على
حوض النهر. هذه الحالة أدت إلى زيادة مطردة في عدد النفوس، وبالنتيجة زادت
المخلفات المائية، من الزراعة والصناعة والأغراض المدنية، والتي تطرح اعتيادياً
في النهر، وبدون معالجة مرضية مما يؤدي إلى تلوث عال في مياه النهر.
حسب الإحصائيات المتوفرة، فإن ما يتم رميه إلى النهر يقارب من (1.5)كم3 من مياه
البزل وغسل الأراضي الزراعية، ويلقى أيضاً حوالي (200) مليون متر مكعب من
المياه الصناعية، و(150) مليون م3 من مياه المجاري والأغراض المدنية، أي أن
بنسب 55% من الزراعة، و19% من الصناعة، و29% من الأغراض المدنية من الماء
المرمي إلى النهر.
إضافة لذلك فإن السحب العالي للماء من النهر، أدى إلى نتائج سلبية عديدة، منها
زيادة نسبة التلوث في المناطق الجنوبية من النهر، حيث أن سرعة جريان قد قلت
كثيراً نتيجة السحب العالي في شمال النهر وروافده، وهذا الأمر أدى بدوره إلى
تبدل الطبيعة في المنطقة التي يصب فيها النهر في الخليج، لذا يجب تعديل سرعة
وكمية جريان المياه، (أي عدم سحب كميات كبيرة منه). إضافة لذلك فإن تقليل
الجريان أدى إلى تلوث جنوب النهر من قبل مياه الخليج المالحة أثناء المد، وكما
يحدث حالياً في شط العرب. لتجنب هذا الأمر فإن الحد الأدنى لكمية المياه التي
تصب في الخليج العربي يجب أن لا يقل عن (131)م3/الثانية، وهذا يعادل
(4.1)كم3/السنة وعلى شرط استمرار الجريان بكمية 131م3/الثانية، إذ في حالة
تقليل الجريان عن هذه الكمية التي تصب في الخليج، فإن مياه الخليج ستصل إلى
الأرض الزراعية الغنية، حيث بساتين النخيل، وستتلف هذه البساتين والأراضي
الزراعية الأخرى. إن الرقم (131)م3/الثانية هو ليس معدل للجريان، وإنما الحد
الأدنى لهذا الجريان، ولهذا فإن الكمية السنوية من مياه كارون التي تصب في
الخليج ستكون أكثر من (4.1)كم3. إضافة لأعلاه فإن سرعة الجريان الواطئة تتسبب
في زيادة الترسبات النهرية في المناطق السفلى من النهر.
قد يسأل أحد لماذا إذاً قامت إيران بتحويل جريان القسم الأعظم من النهر إلى
جدول بهمنشبر (بعد أن وسعته)، ليصب في الخليج العربي، بدلاً من أن يبقى الحال
على ما كان عليه سابقاً ليصب في شط العرب؟. إن السبب واضح وهو إحياء الأراضي
الممتدة من منطقة مصب كارون في شط العرب إلى منطقة مصبه الرئيسي الحالي شرق مصب
شط العرب في الخليج. ونتيجة ذلك وللأسباب التي ذكرناها فإن المناطق الإيرانية
قد تلاقي نفس مصير منطقة البصرة.
إن أكثر من (2.5) مليون م3/السنة، و(1.6) مليار دولار كانت قد صرفت على تطوير
حقول قصب السكر في خوزستان، كذلك توجد هناك مزارع عديدة للأسماك وبمساحة (25)
ألف هكتار، بالإضافة إلى ذلك يوجد (4) مليون هكتار من الأراضي المروية، ومئات
المزارع الصغيرة والكبيرة التي تستخدم أكثر من (5000) مضخة على النهر. كل هذه
الأمور تشير إلى أن سحب الماء من أعالي النهر ونقله إلى مناطق أخرى يعد أمراً
غير مقبول فنياً، إذ لا يمكن إتلاف هذه الثروة النباتية/الحيوانية الهائلة بسبب
سوء إدارة المياه، وأن هذا الوضع يحتاج إلى تعديل.
لقد أظهرت فترة الجفاف الطبيعي التي حدثت في سنة 1998ـ1999، وسنة 2008 بأن
تحويل مليار م3 من المياه (أي 1 كم3) من الروافد العليا لنهر كارون إلى أواسط
إيران، قد أدى إلى نتائج سيئة في الأقسام الجنوبية من النهر، وإلى تدهور في
الزراعة وصحة البشر، الأمر الذي يستدعي أن تتم إدارة النهر بصورة كفوءة وبتقليل
السحب منه، وتشييد وحدات لمعالجة المياه، وذلك لجميع مياه الصناعة والمياه
الناجمة عن الفعاليات. أما مسألة توفير مياه فائضة من كارون إلى العراق فأمر
يصعب حدوثه ـ كما أعتقد ـ ، ولكن التعاون في إيجاد حل هندسي مائي يمنع صعود
مياه الخليج إلى شط العرب أو كارون، فأمر أعتقد أن من الواجب اتخاذه من قبل
المختصين في إيران والعراق، أو أخذ المساعدة من الجهات الهندسية المختصة في
العالم!!!.
عودة الى الفهرست >>