<%@ Language=JavaScript %>  الحزب الشيوعي اللبناني  الأوضاع العربية واللبنانية بين الثورات والثورات المضادة والتدخل الامبريالي
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

الأوضاع العربية واللبنانية

 

بين الثورات والثورات المضادة والتدخل الامبريالي

 

لجنة العلاقات الخارجية

للحزب الشيوعي اللبناني 

 

 

تميز الوضع السياسي في العالم العربي، في نهاية النصف الأول من العام 2011، باستمرار الانتفاضات الشعبية والثورات، خاصة في تونس ومصر، بالترافق مع تجذر المطالب التي طرحتها هذه الانتفاضات التي تتسع رقعتها باستمرار، بالانتقال من شعار "اسقاط النظام" الى وضع برامج للتغيير تنطلق من تغيير الدساتير، أولا، لتطال السياسات الاجتماعية والاقتصادية كلها.

في المقابل من ذلك اتسعت الهجمة المضادة للثورات التي تشنها بقايا الأنظمة البرجوازية والديكتاتوريات المتهاوية التي اعتمدت في حركتها الحالية على ما تضمنه خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما، في 19 أيار-مايو الماضي، من مواقف أتت لتؤكد ما جاء في افتتاحية الخطاب بأن البلدان العربية، على رغم أنها "تقع على مسافات بعيدة عن شواطئنا، فاننا نعلم أن مصيرنا نحن يرتبط بهذه المنطقة، ان بقوى الاقتصاد والأمن أم بالتاريخ والعقيدة"... ولا ننس كذلك ما اتخذته قمة "الدول الثماني الكبرى" من اجراءات مالية لدعم قوى الثورات المضادة في عدد من البلدان العربية (ومنها مصر بالتحديد)، اضافة الى الاجراءات العسكرية والأمنية التي ينفذها حلف شمال الأطلسي اما مباشرة (كما في ليبيا) أم بواسطة بعض القوى العسكرية العربية، وبالتحديد قوات "درع الجزيرة" التي لا تزال تحتل البحرين. ناهيك عن التهديدات السعودية والأميركية والأوروبية التي تطلق تارة ضد تشكيل المجلس الانتقالي في اليمن (الذي تسعى المعارضة اليمنية له) أو تلك التي تسمع في بعض العواصم الأوروبية ابان "مؤتمرات التضامن" مع سوريا، والتي تستفيد في تحركها من اصرار النظام السوري على الحلول الأمنية بديلا عن تسريع عملية الاصلاح ... الخ.

ولعل الأخطر من كل هذا وذاك هو الاجراءات التي انطلقت منذ بضعة أشهر بناء على التوجه الجديد الذي وضعه حلف شمال الأطلسي والقاضي بنقل مركز قيادته الى قاعدة أزمير التركية، بما يؤشر الى أن السياسة المقبلة للحلف تتجه باتجاه تحويل تركيا الى نقطة الانطلاق الأساسية في تنفيذ الدور الجديد الذي حدده لنفسه في منطقة الشرق الأوسط والذي يتخذ بعدين تريدهما الولايات المتحدة بالحاح:

●البعد الأول ويكمن في استكمال تقسيم العراق، أو الانتهاء منه، عبر الضغط الذي بدأ لاعلان منطقة الأنبار "اقليما مستقلا". وهو أمر طرحه الرئيس الأميركي باراك أوباما مع الوفد الرسمي العراقي وعبر عنه رئيس مجلس النواب العراقي أسامة النجيفي، بعيد الزيارة، بالقول ان "هناك احباطا سنيا في العراق، واذا لم يعالج سريعا، فقد يفكر السنة بالانفصال، او على الاقل تأسيس اقليم".، مضيفا "ان سنة العراق يشعرون بالتهميش وبانهم مواطنون من الدرجة الثانية".

●البعد الثاني ويكمن في السيطرة على سوريا (بالاستفادة من التحرك المسلح أو المذهبي لبعض المعارضة وكذلك من القمع الذي تمارسه السلطات في مواجهة كل التحركات المطالبة بالاصلاح ووضعها كلها في سلة واحدة بالاستناد الى نظرية "المؤامرة")، وكذلك على لبنان (خاصة من خلال الاتهامات التي صدرت عن المحكمة الدولية حول جريمة اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري). كما يكمن في استعادة زمام الأمور في مصر لما لها من تأثير على الأوضاع العربية العامة، من جهة، وقبل حلول شهر ايلول المقبل، الموعد المحدد مبدئيا لاعلان الدولة الفلسطينية، من جهة أخرى، بما بسهل تنفيذ عملية الضغط باتجاه مقايضة الموافقة على وجود دولة فلسطينية - مسخ، بموافقة العرب والفلسطينيين في مقدمتهم، على الاعتراف باسرائيل كدولة يهودية، أو "دولة اليهود في العالم"، بما يتضمن ذلك من انشاء دولة دينية عنصرية يمكن للمسؤولين عنها أن يمارسوا طرد من تبقى من فلسطينيين من ديارهم، عدا عن اعطاء دولة اسرائيل العنصرية حق التحدث باسم كل اليهود في العالم، بغض النظر عن انتماءاتهم الوطنية، وصولا الى تمثيلهم وتمثيل مصالحهم...

ان هذه الاجراءات، اذا ما أضيف اليها استمرار الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في اتجاه تأجيج الصراعات المذهبية والعرقية، وخاصة في منطقة الخليج العربي، تؤشر الى ما كان الحزب الشيوعي اللبناني قد حذر منه، منذ ما قبل مؤتمره العاشر، حول أن المراد من "مشروع الشرق الأوسط"، "الكبير" أولا ومن ثم "الموسع" و"الجديد"، هو الانتهاء من مفاعيل معاهدة سايكس-بيكو للانطلاق باتجاه تقسيم جديد للعالم العربي وما يختزنه من ثروات باشراف كامل للولايات المتحدة وبما يخدم، أولا، مصالحها في آسيا وأفريقيا ومن ثم مصالح الرأسمالية العالمية عموما. بكل الأحوال، لا بد من لفت النظر في هذا المجال الى استعادة القوى الامبريالية لتسميات سياسية سابقة تعود الى عهود الاستعمار البائدة وتنفي الوجود العربي، كتعريف المغرب العربي ب"شمال أفريقيا" والمشرق العربي ب"الشرق الأوسط".

سيتوقف التعميم السياسي هذا عند المتغيرات الأساسية في انتفاضات العالم العربي، اضافة الى الأوضاع العامة للبلدان العربية ولبنان، من خلال القاء الضوء على النقاط التالية:

1- التطورات في مجال القضية الفلسطينية، بالاستناد الى:

- محتوى خطابي باراك أوباما وبنيامين نتنياهو والتحركات الأميركية والاسرائيلية.

- الأهداف المتوخاة من المرحلة الجديدة من المفاوضات، وبالتحديد تلك المتعلقة باعلان دولة فلسطين وبحق العودة.

2- المشاريع الأميركية الجديدة في المغرب العربي باتجاه أفريقيا والدور الموكل للاتحاد الأوروبي .

3 - الوضع المصري المستجد.

4- تطورات الوضع في سوريا.

5- الوضع اللبناني:

6 - تفاقم الأزمة السياسية الداخلية وانعكاساتها على الوضعين الاقتصادي والاجتماعي.

- آفاق الحل

أولا - القضية الفلسطينية بين مطرقة "الدولة اليهودية" وسندان الوضع الاقليمي

شكل الخطاب السياسي الذي ألقاه باراك أوباما في 19 أيار- مايو الماضي منعطفا خطيرا في مجال الموقف الأميركي من القضية الفلسطينية، وان تكن بعض الاتجاهات الواردة ضمنه ليست جديدة بل تعود الى الموقف الذي كان قد أعلنه الرئيس الأميركي قبل عامين في جامعة القاهرة مكملا بذلك الخطة التي رسمتها ادارة جورج بوش الابن.

فأوباما، المتسلح بانتصاره "الساحق" على بن لادن وبتوقيت هذا الانتصارمع اطلاق الحملة الانتخابية لدورة رئاسية ثانية، حدد أهداف الامبريالية التي يمثل مجموعة مصالحها كالآتي: "مكافحة الارهاب ووقف انتشار الأسلحة النووية وضمان حرية التجارة والذود عن أمن اسرائيل".

هذه الأولويات، التي يمليها حرف الأنظار عن فشل كل الحلول التي وضعت لمعالجة الأزمة المالية والاقتصادية للرأسمالية، تعني أن ادارة الولايات المتحدة قد قررت توسيع دائرة وجودها في الشرق الأوسط وتطوير مشاركتها العلنية والمباشرة، اذا لزم الأمر، في الحروب العدوانية المقبلة التي تحضرلها الحكومة الصهيونية. يضاف الى ما تقدم تراجع أوباما عن مطالبة اسرائيل بوقف التعديات الاستيطانية وعن بعض الانتقادات التي وجهها لها. أكثر من ذلك، أعاد الاعلان عن استمرار دعم ادارته لحكام اسرائيل في سعيها لتنفيذ ما أسماه "الحلم (الصهيوني) بدولة يهودية" حدودها اوسع بكثير من تلك التي كانت في العام 1967، كونها ستقوم على أساس "تبادل متفق عليه في الأراضي"، مما يعني أن تنازلات جديدة ستطلب من القيادة الفلسطينية أو هي قد حصلت فعلا وانتهى الأمر. ولا بد، أخيرا، من لفت النظر الى أن أولى نتائج الخطاب كانت استعادة منطق المفاوضات الثنائية الاسرائيلية-الفلسطينية، بعيدا عن أي دور للجنة الرباعية أو للامم المتحدة.

وتتكامل هذه المواقف الجديدة مع ما طرحه رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو غداة خطاب أوباما أمام الكونغرس الأميركي، والذي يمكن تلخيصه بالتالي:

-ان أرض فلسطين هي أرض يهودية وكل ما يقال غير ذلك تشويه للتاريخ. أما قيام الدولة الفلسطينية فيعتبر "تخلي عن بعض من وطننا التاريخي" من أجل "قيادة الشعب اليهودي الى السلام". اذا، اسرائيل هي موطن للشعب اليهودي.

-ان السلام الذي يبحث عنه الاسرائيليون مبني على أن "لا يكون هناك فلسطينيين في اسرائيل، حيث يجب ان يعيشوا في بلدهم" .

- أدراج مناطق "ضواحي القدس وتل أبيب الكبرى" في الحدود النهائية لاسرائيل.

- رفض الانسحاب من القدس التي "تبقى العاصمة الموحدة لدولة اسرائيل".

-من أجل الحفاظ على أمن اسرائيل، يجب أن تكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح تماما وأن تبقي اسرائيل على حضور عسكري طويل الأمد على طول نهر الأردن بحجة منع تهريب الأسلحة الى الداخل الفلسطيني.

- رفض أي حل من خلال الأمم المتحدة والاصرار على المفاوضات الثنائية المباشرة.

- رفض الميثاق الفلسطيني-الفلسطيني.

هذا التطابق شبه الكامل بين الموقفين المعروضين يؤكد أن الوجهة المطروحة هي لتصفية القضية الفلسطينية سياسيا وماديا. فما تريده اسرائيل والولايات المتحدة من وراء هذه الشروط يتلخص بالضغط، اولا على الأمم المتحدة لمنعها من الموافقة على اعلان دولة فلسطين، وتاليا على السلطة الفلسطينية للتراجع عن الميثاق، على أن يرفق هذا وذاك بتنازل سياسي يسهل لحكومة نتنياهو القيام بعملية "ترانسفير" كامل لمن تبقى من الشعب الفلسطيني من أراضي 1948، ويؤمن لها وضع اليد على القدس، ويعطيها الحق بالتواجد على حدود الدولة الفلسطينية المقترحة، وبمنع على الدولة الفلسطينية "المسخ" تنفيذ حق عودة اللاجئين الى وطنهم ... كل ذلك بينما تستمر في سياستها المعهودة بدءا بمصادرة الأراضي بهدف توسيع رقعة الاستيطان داخل الأراضي المحتلة عام 1967 ووصولا الى تشديد الحصار ومتابعة عمليات الاعتقال والاغتيال والتنكيل.

وتستفيد اسرائيل ومعها الولايات المتحدة، في سعيهما لعرقلة طرح مسألة الدولة الفلسطينية في أيلول المقبل من مجموعة عوامل فلسطينية داخلية وعوامل أخرى خارجية نذكر منها:

- عدم وجود سلطة تنفيذية حتى الآن، على الرغم من المصالحة بين حماس وفتح ومن الاتفاق الذي تم اثرها بين مختلف الفصائل الفلسطينية.

- محاولة فتح وحماس العودة الى الثنائية في اتخاذ القرارات الهامة، ومنها بالتحديد محاولتهما تجاوز المجلس التشريعي وحتى منظمة التحرير عبر اتفاقهما على أن الحكومة العتيدة (في حال تأليفها) يمكن أن تقسم اليمين أمام الرئيس فقط دون الحاجة الى دعوة السلطة التشريعية للانعقاد.

- ضبابية موقف القيادة العسكرية المصرية، خاصة بعد استعادة الصلة بين رئيسها المشير حسين طنطاوي وايهود باراك وتأكيد الأول على استمرار مصر في تنفيذ اتفاقية كمب دايفيد وفي تأييد متابعة بناء الجدار الأمني الاسرائيلي.

- صدور تصريح خجول عن مكتب الأمين العام للجامعة العربية حول المواقف الاسرائيلية الجديدة، في وقت لا يزال فيه الموقف الرسمي العربي يقف عند مبادرة الملك عبدااله في التوصل الى "السلام".

من هنا، تتأكد أكثر فأكثر أهمية التركيز على الموقف الفلسطيني المقاوم والداعي الى الغاء الثنائيات واستبدالها بالتشديد على وحدة الصف ضمن اطار منظمة التحرير، وكذلك على الوحدة السياسية والقانونية للضفة الغربية وقطاع غزة، وذلك من أجل فرض الاعلان عن الدولة الفلسطينية الديمقراطية وعاصمتها القدس. وهذا يتطلب الاسراع في وضع روزنامة تبدأ بتحديد تاريخ الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وفقا لمضامين القانون الأساسي، ووضع برنامج اقتصادي واجتماعي يوقف الهدر والفساد ويعزز الصمود الشعبي...

ثانيا- المشاريع الأميركية الجديدة في المغرب العربي باتجاه فريقيا كلها

منذ فترة قصيرة، أعلن رسميا عن انقسام السودان الى جمهوريتين بناء على المساعي التي قامت بها الولايات المتحدة منذ سنوات عدة، بالاعتماد الى تأجيج الصراعات القبلية والدينية بين الشمال والجنوب وبالاستناد الى السياسات القمعية التي كان نظام البشير، وقبله نظام النميري، يمارسانها في مواجهة مطالب الجنوب. هذا الاعلان، وان كان منتظرا بعد الاستفتاء المنظم أوائل هذا العام، يؤشر لانطلاق مرحلة خطرة، ليس فقط بالنسبة للسودان بل كذلك بالنسبة لأفريقيا ككل، خاصة وأن التدخل الأطلسي المباشر في ليبيا وتسليح جماعات من المعارضة الليبية (بالاستفادة، هنا أيضا، من الجرائم التي ارتكبها نظام القذافي ضد الشعب الليبي) لا بد وأن يسفرا عن تمزيق ليبيا الى مناطق وقبائل وصولا الى امتداد الصراع القبلي خارج ليبيا، ليس فقط الى الدول القريبة (تشاد مثلا) بل وكذلك الى قلب القارة الأفريقية المهددة هي أيضا بحروب تفتيتية تضاف الى الفر والمجاعة التي يعاني منها الملايين من أبنائها...

فالولايات المتحدة الأميركية كانت قد وضعت لأفريقيا مشروعا مشابها لمشروع "الشرق الأوسط الجديد". يستند هذا المشروع الى مرحلة أولى تكمن في "بلقنة" المنطقة المسماة شمال أفريقيا، بدءا بليبيا ومصر والسودان وبالاستفادة من عدم الاستقرار المستمر في تشاد، كمقدمة لتفتيت أفريقيا كلها. وتدعم هذه الخطة قوة عسكرية ضخمة هي "أفريكوم" (القيادة العسكرية للولايات المتحدة في أفريقيا) التي تقوم اليوم بأنشطة عسكرية في 53 دولة أفريقية.

في بداية العام الحالي، حدد قائد هذه القوة وليم وارد الأهداف الأساسية بالقول أنها تكمن في "مقارعة الارهاب في أفريقيا والعمل على استقرار الوضع فيها، خاصة في الصومال والسودان وغينيا وكل مواقع عدم الاستقرار في القارة الأفريقية". وأضاف أن عمل قيادته يرتكز الى مسألتين أساسيتين: تدريب قوات عسكرية، انطلاقا من القواعد المتواجدة في الجزائر ومالي، من جهة، وتامين الامكانيات الضرورية لعدد من الدول للدفاع عن النفس...

واذا كان قائد "أفريكوم" قد شدد أن الولايات المتحدة ستبقي مقرها الرئيس في شتوتغارت (المانيا) ولن تذهب الى حيث هي غير مدعوة، الا أن المعروف أن واشنطن لا تأبه اجمالا لعدم وجود دعوة للتدخل، خاصة وأنها تريد تطوير وجودها المباشر في أفريقيا وتشديد قبضتها عليها. وفي هذا المضمار لم تعد قاعدة جيبوتي كافية لتأمين وحماية المصالح الأميركية المتسعة أبدا في كل القارة الأفريقية، ان آنيا، في مواجهة الاستثمارات الصينية، أم، خاصة، على المدى الاستراتيجي وكل ما هو متعلق بمسائل الماء والغذاء التي ستكون لها الأولوية خلال السنوات العشرين المقبلة.

من هنا يتم السعي لافشال الثورة التونسية، حيث تجري محاولات امبريالية واضحة تهدف الى الاستفادة من المعارك الدائرة في ليبيا لتوسيع مناطق التواجد الأميركي والأوروبي على الحدود الليبية-التونسية بحجة تقديم الدعم الانساني للمهجرين الليبيين... علما أن المعركة تزداد حدة وشراسة بين قوى الثورة التونسية وقوى الثورة المضادة المدعومة أميركيا وأوروبيا على وقع التحضيرات الجارية لانتخاب المجلس التأسيسي. ومن هنا أيضا تفهم التحضيرات لاعادة تحريك بعض الأوضاع في الصحراء الغربية على وقع النزاع المغربي-الجزائري، خاصة وأن هذه المنطقة تضم حوضا هائلا من المياه الجوفية يزيد طوله على 500 كلم (يمتد من رأس بوجدور الى امليلي) بالاضافة الى وجود أغنى حوض سمكي طبيعي والى المواد الأولية التالية: النفط والغاز والحديد والتيتانيوم والفاناديوم... الخ.

هذا ما دلت عليه بوضوح الخطة الجديدة التي أقرتها قمة الحلف الأطلسي في لشبونة. وهذا ما يدل عليه يوميا تطور الصراع الليبي-الليبي حيث الولايات المتحدة ومعها الاتحاد الأوروبي يعملان على تأجيجه دون تمكين أي من طرفيه من الحسم السريع بما يؤسس لقيام دويلتين، على الأقل، على الأراضي الليبية. وهذا التقسيم الجديد، بعد تقسيم السودان الذي لم تنته فصوله بعد (اذ يحكى عن التحضير لدويلة دارفور)، سيشكل حسب الخطة المرسومة بداية كرة الثلج التي ستجتاح القارة السوداء وتعيد اقتسامها ما بين الدول الامبريالية، مع التأكيد على ابقاء الولايات المتحدة على حصة الأسد لها.

 

ثالثا- الوضع المصري المستجد

انطلاقا من المشروع المعد للقضية الفلسطينية ومن الخطة الأميركية لشمال القارة الأفريقية، وكذلك انطلاقا من أن الولايات المتحدة قد انتهت من استيعاب عنصر المفاجأة الذي شكلته ثورة 25 ينانير 2011، يمكن تقييم ما يجري اليوم في مصر من محاولات تقوم بها البرجوازية لاسترجاع نظامها في مواجهة التحركات الشعبية لحماية الثورة.

لقد سبق لنا، في بدايات الانتفاضات، أن نبهنا من المحاولات الأميركية - الرجعية العربية الهادفة الى التضحية برمز النظام المصري (حسني مبارك) للابقاء على هذا النظام. كما أشرنا أيضا، في حينه، الى المحاولات الامبريالية المحمومة لاعطاء وجه للتغيير مشابه لوجه النظام التركي: معادلة الجيش والقوى الدينية المسماة ب"المعتدلة". وهي معادلة تمظهرت مصريا بالجمع بين القيادة العسكرية المؤقتة (التي تحاول تجاوز الصفة الأخيرة للتحول الى قيادة دائمة ذات شرعية) والاخوان المسلمين الذين حاولوا، دون نجاح كبير، الظهور بمظهر من يدافع عن شعارات ثورة 25 يناير في الحرية والعدل والمساواة، كونها شعارات موجودة، بحسب هؤلاء، في أساس الشريعة الاسلامية.

ويمكن القول أن محاولات القيادة العسكرية المؤقتة لوضع اليد على السلطة أضافة اللى القرارات والتدابير التي اتخذتها الحكومة التي يرأسها عصام شرف قد أسست للانتفاضة الثانية التي انطلقت، هذه الايام في مصر. فهذه القيادة وتلك الحكومة حاولتا الالتفاف على الانجازات التي حققها الشعب المصري من خلال اللجوء الى استفتاء غير محضر له لتعديل الدستور باتجاه الابقاء على ما كانت عليه صلاحيات رئيس الجمهورية وتشديد ربط الدين بالدولة وتجريم التحركات الشعبية، وبالتحديد التظاهر، وتحديد قانون للأحزاب يسهل اعادة الحزب الوطني الى مواقع السلطة... الخ. كل ذلك بدل ايجاد دستور جديد يؤسس لنشوء جمهورية ديمقراطية في مصر.

ان ما يجري اليوم في مصر من قمع للتحركات الشعبية ومن عودة "البلطجية" الى واجهة الأحداث ومن اتفاقات عسكرية وأمنية جديدة ومتجددة مع الولايات المتحدة، دون أن ننسى التطمينات الموجهة باتجاه اسرائيل، نضعه تحت عنوانين أساسيين: بداية الفرز الحقيقي بين قوى الثورة ومن حاول ركوب موجتها، وانطلاق المواجهة بين هذه القوى وقوى الثورة المضادة. ولعل الانشقاقات التي بدأت تظهر للعيان داخل قوى انتقلت من مواقع الثورة الى مواقع دعم الثورة المضادة (بعض الاخوان المسلمين وكذلك بعض القوى العلمانية) خير دليل على أن الأشهر المقبلة ستشهد صراعا حادا لن تكون الولايات المتحدة واسرائيل بعيدتان عنه، ان في سبيل تثبيت تحالف القيادة العسكرية مع بقايا سلطة مبارك وبعض الاخوان المسلمين أم في سبيل تحديد الدور المصري في الصراع الذي يلوح في الأفق حول اعلان اسرائيل "دولة يهودية"، من جهة، واستثمار النفط والغاز العربي المكتشف في البحر المتوسط، من جهة أخرى.

على هذه الأسس، نجد في برنامج النقاط السبع الذي وضعته قوى الثورة في مصر برنامجا واقعيا وواعيا لمهمات المرحلة الثانية التي حدد الهدف منها بالوصول الى تشكيل حكومة وطنية تستمد شرعيتها من شرعية الثورة. من هذه النقاط، وبالاضافة الى المجال السياسي، نتوقف عند السادسة والسابعة. تقول المادة السادسة: "اعداد مشروع موازنة جديد ينص على رفع الحد الأدنى للأجور الى 1200 جنيه، وتحديد حد أقصى لا يزيد عن 15 ضعفا من الحد الأدنى، وربط الأجور بالأسعار". أما المادة السابعة فتركز على "ضرورة التطهير الفوري لمجلس الوزراء وكل مؤسسات الدولة، وعلى رأسها الاعلام والبنوك، ومنع قيادات الحزب الوطني من المشاركة في الحياة السياسية لدورتين متتاليتين".

 

رابعا- تطورات الوضع في سوريا

أما بالنسبة للوضع السوري، فلا يزال يعيش على وقع المعالجات الأمنية والعسكرية لانهاء التحركات الشعبية، من جهة، والتدخل الخارجي (وبالتحديد الأميركي والفرنسي والتركي)، من جهة أخرى. هذا التدخل الذي يعود الى موقع سوريا الاستراتيجي بالنسبة لتمكين الولايات المتحدة من السيطرة على طريقين رئيسيين للطاقة : الأول المتجه من منطقة بحر قزوين وتركيا باتجاه اسرائيل والبحر الأحمر؛ والثاني من العراق باتجاه البحر المتوسط. هذا عدا عن الأهمية التي يرتديها اكتشاف حقل الغاز في البحر ما بين سوريا ولبنان وقبرص وتأثير ذلك على تركيا (بالارتباط مع الموقع الذي تحتله في شمال جزيرة قبرص) وكذلك على اسرائيل التي تسعى، ومعها بعض الشركات الأميركية، الى سرقة الغاز اللبناني تحديدا، عبر ترسيم الحدود البحرية مع لبنان بما يتوافق ومصالحها وخلافا للقانون الدولي. يضاف الى كل ذلك الانزعاج الأميركي من استمرار التنسيق بين سوريا وايران، من جهة، وروسيا ، من جهة أخرى، وكذلك تزايد الوجود العسكري الروسي داخل سوريا (عبر المواقع العسكرية الجديدة التي حصلت عليها روسيا الاتحادية).

وتجدر الاشارة الى أن المواقف السياسية للنظام السوري لم تأخذ هذه الوقائع بعين الاعتبار للتوصل الى حلول تحصن الداخل السوري أمام تلك المخاطر وتعطي للشعب السوري حقوقا كان النظام قد اعترف بها منذ العام 2005 ، حسبما جاء على لسان رئيس الجمهورية السورية نفسه. فأتت التطورات والمعالجات الأمنية لها خلال الأسابيع الماضية لتزيد المخاطر على وحدة الشعب. مما دفع بالمعارضة الديمقراطية الوطنية الى التحرك لمنع الانزلاق نحو الانقسام الداخلي (والمذهبي بالتحديد) والى مطالبة الحكم باتخاذ مواقف واضحة من مسألة التغيير السياسي والاقتصادي المطلوب تنفيذه والذي بدأت معالمه تبهت بفعل التصريحات المتناقضة الصادرة عن الدوائر الحاكمة، خاصة بالنسبة لتعديل الدستور، وبالتحديد المادة الثامنة منه (التي تؤكد على حصرية القيادة السياسية لحزب البعث).

بالمقابل، أتى قرار الحكومة السورية بالاعتراف بالدولة الفلسطينية "على حدود العام 1967" ليزيد من المخاوف، الموجودة أصلا، حول استسهال بل وتفضيل تقديم بعض التنازلات حيث لا يجب والى من لا يجب في محاولة للتخفيف من الضغط الخارجي المحيط.

واذا كانت اجتماعات اللقاء التشاوري، التي تمت بمشاركة جزء قليل من المعارضة الداخلية اضافة الى مكونات الجبهة الوطنية التقدمية، قد سجلت بعض التقدم في تحديد أولوية التحضير للمؤتمر الوطني للحوار، الا أن بيانها الختامي لم يسهم في توضيح خطوط المستقبل.

صحيح أن عددا من المشاركين في اللقاء التشاوري قد أصروا على تعديل مشروع البيان المعد وتجاوزه باتجاه بيان آخر حدد النوجهات والأولويات، بدءا "بصياغة دستور عصري وجديد للبلاد يضمن التعددية السياسية والعدالة الاجتماعية وسيادة القانون والحقوق الأساسية للانسان" ووصولا الى رفض أي تدخل خارجي، " وعلى رأسه ما يدعى بمبدا التدخل الانساني"... هذا اضافة الى البند المتعلق بكون المعارضة جزءا لا يتجزأ من النسيج الوطني السوري والى ايلاء الاهتمام بجيل الشباب والاستماع الى صوته ومتطلباته... الا أنه لا بد من التوقف عند العمومية التي اتسم بها هذا البيان لجهتين:

- الأولى، وتتعلق بما يجب ان يعدل في الدستور، اذ لا يكفي القول بتشكيل لجنة قانونية لمراجعة مواده كلها واقتراح التعديلات اللازمة عليها، على أهمية ذلك، بينما لم تتم الاشارة لا الى المادة الثامنة التي هي أساس كل تعديل أو، على الأقل، الى قيام نظام برلماني تمثيلي بديلا للنظام الرئاسي المتبع حاليا.

- أما الثانية فتتعلق بالمهل التي كان العديدون ينتظرون اعلانها ضمن روزنامة واضحة، وان يكن قد أعلن عن لجنة كلفت باعداد ثلاثة مشاريع قوانين، هي قانون الأحزاب وقانون الانتخاب وقانون الاعلام. وان تكن هذه المشاريع قد بدأت بالصدور تباعا، الا أنها تبقى هشة اذا لم يعدل الدستور بالاتجاه الصحيح.

ان المطلوب اليوم هو، أولا وأساسا، تعديل الدستور (والغاء المادة الثامنة منه) بالتزامن مع صدور القوانين المتعلقة بالحياة العامة، كون الدستور يشكل الأساس في تثبيت التغيير الذي يسهل بدوره استعادة السلم الأهلي المنشود. كما لا بد من التأكيد على المطالب المحقة للمعارضة الديمقراطية، بدءا بمطلب الخروج من الحلول الأمنية والنطلاق في الاصلاح ووصولا الى العمل على محاسبة المسؤولين عن المجازر التي ارتكبت بحق المواطنين وضد القوى الأمنية، والتي وقع ضحيتها مئات الشهداء من مدنيين وعسكريين، بما يقطع دابر الفتنة المذهبية التي تلوح في الأفق ويحصن الجبهة الداخلية المعادية للتدخل الامبريالي ويضع سوريا في الموقع الذي يجب أن تحتله في مواجهة مشروع "الشرق الأوسط الجديد" الذي تسعى مرحلته الحالية الى تصفية القضية الفلسطينية، كما أشرنا سابقا.

خامسا –الوضع اللبناني في ضوء المستجدات العربية والصراع على السلطة

هذه الأوضاع العربية، ومنها بالتحديد الوضع السوري، اضافة الى الدور الذي يلعبه التدخل الأميركي-الاسرائيلي خصوصا، قد أعادت لبنان الى عين العاصفة مجددا. فالولايات المتحدة تريد استعادة الورقة اللبنانية بالكامل لتحويلها باتجاهات عديدة تخدم مصالحها الآنية والمستقبلية.

- الاتجاه الأول: دفع لبنان الى الانخراط في المفاوضات مع اسرائيل، بما يعني ذلك البحث في سلاح المقاومة، 0والموافقة على مشروع توطين الفلسطيننين (كما كان قد وضع في العام 1993)... وصولا الى انهاء حالة الصراع مع العدو الصهيوني وتطبيع العلاقات اللبنانية-الاسرائيلية.

- الاتجاه الثاني: الضغط على سوريا للتوجه باتجاه المفاوضات المباشرة مع اسرائيل، عدا عن التوافق حول العراق وحول مسألة النفط والطاقة، ان الآتية من بحر قزوين أم تلك التي تنتظر الاستثمار في شرق المتوسط.

- الاتجاه الثالث: تأمين اعلان اسرائيل "دولة يهودية" والاعتراف بهذا الاعلان وبتلك الدولة، بما يمكن لذلك أن يعني من انفجارات عدوانية قد تقوم بها اسرائيل، بدعم من واشنطن، ومنها بالتحديد العدوان على لبنان بحجة "سلاح المقاومة" وكون القرار1701 يسهل لها توجيه ضربات الى لبنان تحت عنوان "الدفاع عن النفس".

الهدف من كل ذلك ليس سوى اعادة تشكيل الوضع الجيو-سياسي في المنطقة، أي تمرير المرحلة الثالثة من مشروع "الشرق الأوسط الجديد" أو ما يسميه البعض "معاهدة سايكس-بيكو جديدة".

أما اختيار لبنان فيعود الى سهولة تفجيره على أسس مذهبية وطائفية، موجودة أساسا في تكوين نظامه، بالاستفادة من مسألتين آنيتين هما صدور القرار الظني للمحكمة الدولية الناظرة في جريمة اغتيال الرئيس الأسبق للحكومة رفيق الحريري (وتوجه أصابع الاتهام الى عدد من كوادر حزب الله) وكيفية ترسيم الحدود البحرية للبنان، أي تحديد حقل الغاز العائد له والذي يجذب شركات كبرى أميركية ومتعددة الجنسية، كون القيمة الفعلية للغاز اللبناني تقدر بمئات مليارات الدولارات وكون الشركات الأميركية تحاول وضع اليد على كل المنطقة، امتدادا من شاطئ غزة ووصولا الى تركيا وقبرص.

واذا كانت الأشهر الستة الأولى من العام الحالي قد تميزت بالفراغ السياسي الذي نتج عن استقالة حكومة سعد الحريري والصراع الذي دار على المحاصصة داخل الحكومة الجديدة التي شكلها نجيب ميقاتي عبر تحالف جديد بين أطراف البرجوازية المتواجدة أساسا في تكتل "الثامن من أذار"، الا أن الحال لا تبدو أفضل اليوم بعد الاعلان عن التشكيلة التي ولدت بالتزامن مع صدور القرار الظني للمحكمة الدولية.

فالحكومة الميقاتية، كما حكومات "تكتل 14 أذار"، تضم عددا لا يستهان به من ممثلي الطغمة المالية الذين أسهموا سابقا في وضع السياسات المالية والاقتصادية التي أدت الى افقار الأغلبية الساحقة من اللبنانيين لمصلحة حفنة قليلة لا تتعدى 3 بالمئة والى رفع الدين العام الى أكثر من 65 مليار دولار؛ وهو مستوى تحول معه أكثر من نصف اللبنانيين الى ما دون خط الفقر وارتفعت معه نسبة الفقراء المدقعين، أي الذين يعيشون بما يقارب 60 دولارا في الشهر، من 8 % الى 13 %. وأغلبيتهم من أهل الريف نتيجة انهيار موقع الزراعة ودورها في الناتج الوطني.

من هنا ننطلق في نقاشنا للبيان الوزاري الذي لم يأت بجديد، بل كان في بعض جوانبه صورة طبق الأصل عن بيان الحكومة السابقة، ان من حيث الضبابية التي اكتنفت الموقف من الاصلاح، ومن قانون الانتخاب بالتحديد، أم من حيث خلوه من المواضيع الاجتماعية عموما، بدءا بتغاضيه عن التعهد بتعديل القوانين المتعلقة بالتمييز ضد المرأة ووصولا الى اغفال البحث بمطلب تصحيح الأجور المجمدة منذ مدة طويلة (1996). ولا ننس كذلك الاشارة الى خلو البيان من أي موقف حول كيفية معالجة أزمة الضمان الاجتماعي أو دعم التعليم الرسمي أو كيفية التخفيف من البطالة بين الشباب أم، أخيرا، ماذا تعني الحكومة باعادة توزيع العبء الضريبي...

أما بالنسبة للوضع الاقتصادي، فلم يخرج البيان الوزاري عن السياسات التي انتهجتها البرجوازية منذ بداية تسعينيات القرن الماضي، والتي سسبت للبنان زمة خانقة آخذة في التفاقم بفعل الأزمة الرأسمالية العامة والتطورات العربية والأفريقية. وتظهر بعض المؤشرات المهمة التي صدرت خلال النصف الاول للعام ٢٠١١، خطورة هذا الوضع، خاصة في المواضيع التالية:

أ –المال العام والسياسة النقدية والقطاع المصرفي

لا يزال مصرف لبنان يمتصّ السيولة الفائضة في القطاع المصرفي بوتيرة دورية وبفوائد مرتفعة، ما أدّى (بحسب الاحصاءات الحديثة المتوفرة نهاية الشهر المنصرم) إلى ارتفاع ودائع المصارف التجارية لدى مصرف لبنان بقيمة 1058 مليار ليرة، فيما بلغت محفظة شهادات الإيداع التي يصدرها الى 25973 مليار ليرة، مما يعني المزيد من الفوائد لاصحاب المصارف وكبار المودعين على حساب الخدمات الاساسية للمواطنين من مياه وكهرباء وضمان التي نحرم منها بسبب خدمة الدين العام.

في الواقع، هناك 63982 مليار ليرة من الميزانية المجمّعة للمصارف يحملها مصرف لبنان تحت بند "ودائع المصارف التجارية لدى مصرف لبنان". تبلغ نسبة الفائدة على هذه الودائع بالليرة 2.92% وبالدولار 3.29%. أما كلفة هذه المبالغ فهي مرتفعة جداً وتتجاوز 500 مليون دولار، لأن الفوائد العالمية تكاد توازي صفراً.

بالاضافة لذلك، اصدر مصرف لبنان شهادات إيداع لامتصاص السيولة الفائضة لدى المصارف، وبحسب جمعية مصارف لبنان، فإن الفائدة التي يدفعها مصرف لبنان على المبالغ الموظّفة في شهادات الإيداع أعلى من تلك المدفوعة على سندات الخزينة، وهذا يفسّر إحجام المصارف عن زيادة قيمة اكتتاباتها في سندات الخزينة وتفضيلها شهادات الإيداع. فالفائدة المثقلة على سندات الخزينة بالليرة بلغت في نهاية نيسان 2011 نحو 7.50%، فيما بلغت الفائدة المثقلة على شهادات مصرف لبنان 9.24%، أي بزيادة 1.74%. أي أن كلفة هذه الزيادة محتسبة على كامل محفظة شهادات الإيداع البالغة 25973 مليار ليرة، تصبح 452 مليار ليرة.

لقد وصلت الموجودات/المطلوبات المصرفية الى 122.5 مليار دولار في نهاية آذار الماضي، أي إلى 4 اضعاف حجم الناتج المحلي، وموّلت هذه الموجودات مديونية عامّة تبلغ فعلياً أكثر من 65 مليار دولار في نهاية عام 2010، كما موّلت إنفاقاً عامّاً تجاوز 130 مليار دولار في العقد ونصف العقد الماضيين. والخلل طبعاً لا يقتصر على هيئة او مؤسسة واحدة، حيث تشير افادات لجنة المال والموازنة عن "جرائم مالية" متمثلة بمستشارين من خارج الملاك الشرعي يتحكّمون بكل شيء ويتسلّطون على الموظّفين ويديرون الوزراء ويلغون قرارات المدير العام ويقومون بكل الاعمال الحسّاسة بلا اي رقابة ولا يخضع لأي قانون او نظام؛ وممارسات تشمل هبات لا تسجّل ، وسلفات لا تُرد.

ب - السياسات الاقتصاديّة ضدّ الاقتصاد المنتج

استمرت السياسات المالية والاقتصادية المتمثلة بتهميش قطاع الصناعة والزراعة بالرغم من قدة هذين القطاعين على جلب الاشتثمارات (ولكن ليس للارباح الخيلية لقطاع المصارف) وخلق فرص العمل.

● ففي قطاع الصناعة، تشير احصاءات إدارة المؤسسة العامة لتشجيع الاستثمارات في لبنان «إيدال» ان الصناعة لم تحز، منذ عام 2003 حتى اليوم، سوى على 17 في المئة من مجموع عدد المشاريع التي ساندتها هذه المؤسسة؛ وكانت حصتها 12 في المئة من مجموع قيمة الاستثمارات. لكن الصناعة في لبنان تعاني من عدة معضلات بحسب القطاعات الصناعية المختافة، ولعل المشترك بينها عو تقاعص الحكومات المتعاقبة عن دعم أكلاف الطاقة، وخصوصاً دعم مادتي المازوت والفيول للمصانع.

● أما القطاع الزراعي، فغالباً ما يصور كقطاع اقتصادي ثانوي في لبنان، وغالباً ما يُتَّهَم المدافعون عن القطاع بأنهم يضخّمون حجمه. ولكن هذا تصوير مشوه اذ يصل حجم الإنتاج النباتي في لبنان إلى نحو مليار دولار والإنتاج الحيواني إلى 500 مليون دولار. أما بالنسبة إلى حجم العمالة، فيجري التشكيك دائماً بالعدد؛ إلا أن الإحصاء الزراعي يشير إلى أن عدد الملكيات الزراعية تقارب 200 ألف ملكية، وهناك 40 ألفاً يضمنون أراضي زراعية، وعدد العمال اللبنانيين الدائمين بين 20 و25 ألفاً، وبالتالي يعتاش من القطاع نحو 260 ألف عائلة.

ت – زعماء الطوائف يخططون لنهب ثروات الشعب اللبناني في البحر بعد افقاره وتهميشه على اليابسة

يوجد نحو 122 تريليون قدما مكعبا من الغا،ز حسبما حددت شركة "نوبل"، موجودة بين الحدود البحرية اللبنانية والقبرصية. وقد أشارت العديد من الدراسات والمسوحات إلى وجود حقل كبير للغاز في المياه اللبنانية. ولكن الفضيحة الجديدة التي تكمن في المماطلة في إقرار قانون النفط ومراسيمه التطبيقية تعرقل استخراجه: فمنذ عام 2007، لا تزال اتفاقية ترسيم الحدود البحرية الاقتصادية بين لبنان وقبرص ممنوعة من الانتقال من مجلس الوزراء إلى مجلس النواب. والفضيحة الاخرى هي ان لبنان أخطأ في ترسيم الحدود الاقتصادية البحرية الخالصة بينه وبين قبرص، بما سمح لإسرائيل النفاذ عبر هذا الخطأ بسرعة، فوقّعت اتفاقية مع قبرص تقضم فيها نحو 5 كيلومترات من الحقوق اللبنانية.

ث - ملف الخلوي والكهرباء ومحاولات خصخصتهما

يبدو انه هناك محاولات جديدة لخصخصة قطاعي الكهرباء والخليوي. فمن أصل 4.8 مليارات دولار، وهي كلفة الخطّة التي تمتدّ حتّى 2015، لم يتم تأمين سوى 1.2 مليار دولار تمثّل الحاجات المباشرة حاليا. وفي الوقت الذي يحكى فيه عن أن دور الدولة اللبنانية في تأمين الاستثمارات اللازمة لهذا القطاع الحيويً لا تتجاوز 31.2%، ترتفع حصة القطاع الخاص الى 51.1% ونسبة التمويل الخارجي 20.8%.

ج - الاحتكارات والفساد

لا زال اللبنانيين يعانون من مشاكل الغش والغذاء الفاسد والدواء المزور والأرباح الفاحشة والضرائب غير المباشرة، والخدمات السيئة. فعلى سبيل المثال دخلت شحنة من القمح الاميركي بحجم 25 ألف طن الى مرفأ بيروت، وبعد فحصها تبين وجود السوس في الشحنة. لكن كالعادة لن تتم محاسبة احد. وما زلنا حتى اليوم لا نطبق من قانون حماية المستهلك إلا زيادة عدد المراقبين في وزارة الاقتصاد. فالمجلس الوطني لحماية المستهلك، الذي أنشيء منذ نحو 5 سنوات ، اجتمع مرتين، كانت الثانية منذ نحو 3 سنوات.

كل هذا وغيره الكثير مما لم يشر اليه التقرير الحالي يعيدانا الى طرح مسألة الحراك الوطني في مواجهة تلك السياسات الرجعية التي تعمق التبعية للرأسمالية العالمية، سياسيا واقتصاديا، بدل التفكير في الخلاص من السبب الرئيس للأزمة المتواجد في النظام الطائفي الذي ضرب الوحدة الوطنية، عبر تعميق الانقسامات المذهبية والطائفية الى درجة باتت تهدد ليس فقط وحدة الوطن وتماسكه، بل وجوده بالأساس.

ان المرحلة الجديدة في الحراك الوطني الهادف الى اسقاط النظام الطائفي في لبنان ترتدي أهمية كبيرة، ان من حيث أولوية شعاراتها التي تتمحور حول فرض قانون جديد للانتخاب وقانون مدني للأحوال لشخصية، أم من حيث القوى ذات المصلحة في التغيير والتي ستتأطر في هذه المعركة، وفي مقدمتها الحركة النقابية والجماهيرية التقدمية.

ان التحضير لمؤتمر وطني شامل، يضم كل القوى السياسية والاجتماعية ذات المصلحة في التغيير الديمقراطي، هو الحل الوحيد لتأطير القوى في مواجهة العدوان الجديد الذي يحضر ضد لبنان ومقاومته. فالجمع بين عاملي التحرير والتغيير يشكل الأساس الصلب الوحيد لاعادة بناء الوطن على أسس ثابتة لا تهتز لا بفعل المؤامرات الامبريالية ولا كذلك بناء على أجندات من يستفيدون من الشرذمة الطائفية والمذهبية لفرض وصايتهم على وطننا.

 

تموز 2011

 

لجنة العلاقات الخارجية

للحزب الشيوعي اللبناني 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا