<%@ Language=JavaScript %> جورج حداد كوريا الشمالية: العقدة العصيـّة في المنشار الاميركي
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                           

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

  

 

 

كوريا الشمالية: العقدة العصيـّة في المنشار الاميركي

 

صبايا كوريا الشمالية: حلوين... مثل خناجر جزين!!!

جورج حداد*

 

قبل فشلها المدوي في فيتنام في اواسط السبعينات من القرن الماضي، كانت الولايات المتحدة الاميركية قد تلقت اول صفعة كبرى ضد سياستها الخارجية العدوانية القائمة على رغبة الهيمنة المطلقة على العالم. وقد حدثت تلك الصفعة في شبه الجزيرة الكورية، وتمثلت في هزيمتها، مع حلفائها، وعجزها عن كسر شوكة التحالف الكوري الشمالي ـ الصيني ـ الروسي، واضطرارها للتخلي عن مخطط تصفية الجمهورية الكورية الدمقراطية الشعبية (كوريا الشمالية).

وفي الاسابيع الاخيرة، وكي تحفظ القيادة الاميركية ماء وجهها القذر امام حلفائها الستراتيجيين في كوريا الجنوبية وتايوان واليابان واسرائيل وسنيورات لبنان، وعلى غرار المناورات الاميركية ـ الاسرائيلية في الحقبة الاخيرة، تحرك الاسطول السابع الاميركي الشهير لاجراء مناورات مع كوريا الجنوبية في البحر الاصفر. ويبدو ان سفينة او اكثر مشاركة في المناورات خرقت خط الحدود البحرية بين الكوريتين، فانبرت المدفعية الكورية الشمالية فورا وقصفت بشدة احدى الجزر التي تقع رسميا من الحدود البحرية الكورية الجنوبية واوقعت فيها دمارا كبيرا وعددا من القتلى العسكريين والمدنيين، وهددت القيادة العسكرية الكورية الشمالية بأنها ستواصل هجماتها، اذا واصلت كوريا الجنوبية خرق الحدود البحرية.

وقامت كوريا الجنوبية بدفن موتاها، بكل مراسم التكريم المناسبة، واعلنت القيادة العسكرية الكورية الجنوبية انها ستنتقم للجنود القتلى.

والان يقف الجيشان الكوري الشمالي والكوري الجنوبي (ومعه القوات الاميركية والاسطول السابع الاميركي) على اهبة الاستعداد للمواجهة. ويحبس "العالم" انفاسه لانه يعلم ان كوريا الشمالية لا تمزح، ولا تسكت، ولا تكتفي بالجعجعة الكلامية كانظمة جامعة الدول العربية!!!

الصواريخ جاهزة للانطلاق في كل الاتجاهات

 

ان ما يجري، وما قد يجري او لا يجري على الساحة الكورية، لا يرتبط طبعا الا ظاهريا بأي حدث راهن او طارئ اتخذ او قد يتخذ كذريعة لتفجير الوضع في هذه الجبهة الجاهزة للتفجير، والموروثة من عهد "الحرب الباردة". ولا يمكن فهم ما يجري على الساحة الكورية الا في سياق فهم خصوصية موقع ودور كوريا الشمالية في اللعبة الجيوبوليتكية العامة في هذه البقعة الاستثنائية على الخريطة الدولية. وهذا ما نحاول مقاربته فيما يلي:

ـ1ـ تقسيم كوريا: اتسمت القيادة الرأسمالية الامبريالية الاميركية (الانغلو ـ ساكسونية/اليهودية ـ الصهيونية) بطابع مركنتيلي برغماتي انتهازي مميز، يقوم على دفع الاخرين كي يحرقوا اصابعهم في النار وتقوم هي بتناول الكستناء المشوي. وقد بدا ذلك واضحا في تأخر الولايات المتحدة الاميركية في الاشتراك في الحربين العالميتين. وفي الحرب العالمية الثانية اخرت القيادة الاميركية فتح الجبهة الثانية (الغربية) لما بعد تغير مجرى الحرب تماما ضد الهتلريين. وبعد تحطيم الجيش الهتلري ودخول الجيش الاحمر الى برلين واستسلام المانيا الهتلرية، كانت اليابان الموالية للفاشية لا تزال تحتفظ بقوات ضخمة في منشوريا وكوريا. فطلب ترومان من ستالين اعلان الحرب على اليابان وتحطيم تلك القوات، بدلا من الاميركان، وهاجم الجيش الاحمر القوات اليابانية في منشوريا ودحرها وتعقبها باتجاه كوريا من الشمال، وحينذاك نزل الجيش الاميركي بسهولة في القسم الجنوبي من كوريا، والتقى الجيشان الروسي والاميركي عند خط العرض 38 في وسط كوريا، واصبح هذا الخط لاحقا الحدود السياسية بين الجمهوريتين الكوريتين الشمالية ("الشيوعية") والجنوبية (الموالية للغرب). وكانت كوريا الشمالية تطمح لاعادة توحيد بلادها وشعبها، ولا تزال "الوحدة الوطنية" هي الهدف والمحور الرئيسي لكل السياسة الداخلية والخارجية، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعسكرية، لكوريا الشمالية. بينما يجعل الاميركيون كوريا الجنوبية مطية لاحتلال كامل الاراضي الكورية والوصول الى حدود الصين وتطويقها، واغلاق فتحة الحدود "الخطيرة" الضيقة (18 كلم) في اقصى شرق كوريا بين روسيا وكوريا الشمالية. وهاتان النزعتان المتضاربتان هما السبب الاقليمي المحوري للتوتر الدائم بين الكوريتين.     

 

ـ2ـ منذ تموز 1953، تاريخ توقيع اتفاق وقف اطلاق النار في الحرب الكورية التي دامت 3 سنوات (حزيران 1950 ـ تموز 1953)، تقف كوريا الشمالية، التي لا يزيد عدد سكانها حاليا عن 24 مليون نسمة، عقبة كأداء وشوكة في حلق الامبريالية الاميركية.

وفي السنوات الاخيرة، حينما شنت الولايات المتحدة حربها الظالمة على الشعبين الافغاني والعراقي، واحتلت ولا زالت البلدين ، بحجة "مكافحة الارهاب" و"منع انتشار اسلحة الدمار الشامل"، وهددت ولا تزال بمهاجمة ايران، بالحجج ذاتها، انبرت كوريا الشمالية لتتحدى الولايات المتحدة الاميركية وكل من يقف الى جانبها، ولتعلن عن عزمها تطوير برنامجها النووي الخاص رغما عن اميركا والحلف الاطلسي وهيئة الطاقة الدولية، ورغما عن جميع شياطين العالم التي يمكن ان تقف الى جانب "الشيطان الاكبر" اميركا. ولم تكتف كوريا الشمالية بذلك، بل واعلنت ايضا عن السير في تطوير برامجها الصاروخية وانتاج وتجربة الصواريخ بعيدة المدى، التي تطال كل المواقع الاطلسية والاميركية العسكرية والستراتيجية في العالم، ووضع تلك الصواريخ في الخدمة الفورية.

 

تعبئة ملايينية شاملة... فوق الارض!!! فماذا تحتها؟؟؟

 

وتستمر حالة الحرب بين الجزئين الشمالي والجنوبي من شبه الجزيرة الكورية منذ ستة عقود. فبعد ان وضعت الحرب اوزارها وتم توقيع اتفاقية الهدنة في تموز 1953، لم يجر الى الان انهاء حالة الحرب وتوقيع اتفاقية سلام بين البلدين، بل جرى فقط توقيع وثائق وقف اطلاق نار مؤقت وتشكيل المنطقة منزوعة السلاح بين الشمال والجنوب. وفي 26 ايار 2009، اعلنت كوريا الشمالية الانسحاب من جانب واحد من الهدنة.

وهكذا تشكلت "مؤقتا" الحدود المعترف بها دوليا في ما بين الجمهورية الكورية الدمقراطية الشعبية (الشمالية) وجمهورية كوريا الجنوبية. بحكم القانون، وباستثناء الصراع العربي ـ الاسرائيلي، فإن هذه الحرب غير المنتهية هي الاطول في التاريخ العالمي المعاصر. والان في نهاية العام 2010 يقف شطرا شبه الجزيرة الكورية على اهبة الاستعداد للقتال. وقد اسرعت سفينة القيادة للاسطول السابع الاميركي ـ حاملة الطائرات النووية "جورج واشنطن" ـ بالاقتراب من منطقة التوتر، كما اسرعت الدوائر الرسمية في الصين باعلان دعمها لكوريا الشمالية.

ولا يجوز لاحد التقليل من اهمية خطورة الوضع الحربي في شبه الجزيرة الكورية. فكوريا الشمالية تمتلك رابع اكبر جيش في العالم، من حيث الحجم، اذ هو يعد مليونا و210 آلاف جندي. وبما في حوزته من المدفعية والدبابات والطائرات والصواريخ، وإن قديمة الطراز، يمثل الجيش الكوري الشمالي قوة حربية مؤثرة. وبالمقابل فإن كوريا الجنوبية تمتلك جيشا مؤلفا من 522000 جندي، وهو السادس من حيث الحجم في العالم، وفي حوزته تكنولوجيا حربية اكثر حداثة، اميركية بصورة خاصة. وعلينا ان نضيف الى ذلك وجود قاعدة حربية بحرية اميركية تعدادها اكثر من 28500 فرد من القوات المسلحة، بالاضافة الى الاسطول الاميركي السابع وبحوزته الصواريخ المجنحة و"الذكية" ذات الحمولات النووية.

ولهذا السبب فإن اي انفجار للحرب من جديد بين الكوريتين سيكون له انعكاسات سلبية جدية ليس فقط على الامن في منطقة آسيا وحسب، بل وفي كل انحاء العالم. ويرجح كثير من المراقبين الا يحصل ذلك بسبب تشابك المصالح الجيوبوليتيكية لكل من اميركا، الصين، روسيا واليابان.

مظاهرات كورية جنوبية ضد كوريا الشمالية

 

ـ3ـ ولكن لماذا تحولت هذه الرقعة الصغيرة نسبيا (اكثر بقليل من 220 الف كلم مربعا) الى برميل بارود خاص في ذلك الاقليم؟ ان الجواب على هذا السؤال يقتضينا العودة قليلا الى الوراء في صفحات التاريخ:

ونقتطف مقطعا من رسالة دونها في نهاية سنة 1950 اندريو سالمون مراسل السي ان ان في سيؤول: "وفيما كان الجنود الاميركيون يتناولون العشاء الاحتفالي بمناسبة يوم الشكر، تم اعلامهم بأنهم سيعودون قريبا الى بيوتهم، بعد ان ينجزوا الهجوم الاخير المرتقب. ولكن في الواقع كان ذلك عشية حدوث أكبر حصار في التاريخ المعاصر (وهو يقصد حصارا تعرض له الجيش الاميركي ذاته). فعلى بعد حوالى 35 كلم الى الشمال كان 380000 من جنود الاعداء المتخفين بمهارة منبطحين في حالة ترقب. وفي الايام التالية كان على الجيش الاميركي ان يتحمل اكبر هزيمة له في النصف الاول من القرن العشرين. فقد تم القضاء على فوجين اميركيين في الممر المسمى كونوري. كما قضي على فوج آخر بالقرب من البحيرة المتجمدة تشوسين. ميدان المعركة كان في كوريا الشمالية. اما العدو فكان: الجيش الشعبي الصيني...". ونستنتج من ذلك انه بعد تدخل اميركا الى جانب كوريا الجنوبية، تدخلت الصين الشعبية الى جانب كوريا الشمالية.

ومن الضروري ان نورد هنا السؤال التالي: ماذا كانت تفعل الجيوش الاميركية والصينية  في هذا النزاع الاقليمي؟

والجواب هو بسيط في الظاهر: ان الولايات المتحدة الاميركية ـ وتحت علم الامم المتحدة ـ كانت تساعد "اصدقاءها" في الجنوب؛ اما الصين فكانت، لاعتبارات السياسية والستراتيجية العليا، تساعد رفاقها المخلصين في الشمال.

ـ4ـ ولكن ذلك كان الجانب المنظور وحسب. اذ انه كان يوجد ايضا لاعب كبير آخر، متستر، في الحرب الكورية، وهو الاتحاد السوفياتي، الذي كان حتى الامس القريب حليفا للولايات المتحدة الاميركية في المعركة التاريخية ضد المانيا الفاشية واليابان خلال الحرب العالمية الثانية. فبعد سنوات معدودة من نهاية الحرب العالمية الثانية كان الاصدقاء والحلفاء قد تحولوا الى اعداء وخصوم، وذلك بالاخص في الحقل العسكري الاكثر تقدما، ونعني به الحرب الجوية. فلاول مرة في التاريخ الحربي للعالم بدأت تدور معارك جوية يومية بين الطائرات النفاثة للاتحاد السوفياتي والطائرات الاميركية: طائرات ميغ ـ 15 الروسية (التي كانت تعتبر الاكثر تطورا حينذاك) والطائرات الاميركية ف ـ 26 "سييبر". وفي خلال 3 سنوات وقعت 1790 معركة جوية، خسرت فيها الولايات المتحدة 1106 طائرات، بما فيها 69 قاذفة "ب ـ 29" التي كانت تسمى "القلاع الطائرة". وخسر الروس (حسب المعطيات السوفياتية) 315 طائرة. وامام الطائرات المطاردة النفاثة من طراز ميغ كانت القاذفات الاميركية ذات المراوح تبدو اشبه شيء بقافلة مستعمرين من الغرب الاميركي المتوحش. وكان الطيارون السوفيات يسمونها بسخرية "السرايات المشتعلة"، وهو التشبيه المستوحى من منظر هذه الآلات الضخمة وهي تسقط مشتعلة نحو الارض. وهناك مفارقة اخرى: بموجب امر شخصي (طبعا: سري) من ستالين فإن الاسطول الجوي لكوريا الشمالية حينذاك وضع تحت الأمرة الشخصية لبطل الاتحاد السوفياتي ثلاث مرات، الاوكراني ايفان كوجيدوب، الذي سبق له ان اسقط 62 طائرة المانية خلال الحرب العالمية الثانية. وكان ممنوعا عليه قطعيا ان يشارك شخصيا في معارك جوية، لانه كان من شأن ذلك ان يشكل فضيحة كبيرة بين موسكو وواشنطن فيما لو اسقطت طائرته وكشف امره. وطوال السنوات الثلاث من الحرب في كوريا كان كوجيدوب، كغيره من الطيارين السوفيات، يقوم بمهماته بسرية تامة، بدون بدلة رسمية، بدون وثائق شخصية وبدون شارات مميزة. وحتى زوجته لم تكن تعلم اين يوجد. ومع ذلك فإن بعض الباحثين الروس يؤكدون ان هذا البطل الجوي المجرب قد قام بخرق المنع، وشارك ليلا في بعض المعارك الجوية، واسقط شخصيا عدة طائرات "سييبر" (من المؤكد ان الاغراء بأن يطير بطائرة نفاثة من طراز جديد كان كبيرا).

ـ5ـ ومع ذلك يبقى السؤال: ولماذا كل هذا الاهتمام الكبير بكوريا؟

هذا ما تجيب عليه الجغرافيا الكورية. "ان كوريا كانت على الدوام تمثل نصلا موجها ضد روسيا، وطريقا للهجوم والتغلغل فيما بين اليابان والصين" ـ كما يؤكد كيم بيون ـ كي، الخبير في جامعة سيؤول. و"لهذا السبب كانت الصين دائما ذات اهتمام كبير بشبه الجزيرة الكورية".

والتاريخ يؤكد هذا الرأي. فالحكام المونغوليون للصين في القرن الثالث عشر صدوا هجومين لليابان من ناحية كوريا. وخلال القرن السادس عشر بدأت اليابان عملية غزو للصين في عهد أسرة مين من خلال كوريا ايضا. وقد جرى القسم الاكبر من احداث الحرب اليابانية ـ الصينية (1894 ـ 1895) على الاراضي الكورية. وقد استخدمت اليابان كوريا كمجمع عسكري لاجل الاستيلاء على منشوريا سنة 1931. ومن منشوريا قامت اليابان بمهاجمة الصين بعد ست سنوات. وفي الحساب الاخير فإن الحرب بين الشمال والجنوب في كوريا قد ساقت القوات الاميركية الى حدود الصين خلال سنة 1950. وفي الوضع المعقد للعبة الجيوبوليتيكية في اسيا، فإن كوريا تتحول الى نقطة مهمة، وورقة رابحة يرغب فيها الجميع.

والان فإن الاوراق هي مرتبة من جديد: فالولايات المتحدة الاميركية حلت كلاعب اقليمي رئيسي مزاحم للصين في اسيا.

وفي الوقت ذاته، حدثت تغييرات عالمية تمثلت في سقوط "الشيوعية" الاوروبية، ونهاية الحرب الباردة، والتقارب بين اميركا والصين، ونهوض الصين كقوة اقتصادية متفوقة؛ ولكن كل هذه التغيرات لا تؤشر ان بكين الرسمية قد غيرت موقفها من النظام "الشيوعي" المعزول في شمال شبه الجزيرة الكورية، اذ بعد ان حطمت الصين قوات الامم المتحدة التي كانت تقودها اميركا في شتاء 1950 "فانها لا تريد ان تخسر كوريا الشمالية بوصفها منطقة عازلة، تقع مباشرة في جوار دولة حليفة للولايات المتحدة، وهي كوريا الجنوبية"، كما يؤكد عالم السياسة كيم فون ـ هو من جامعة هانكوك في كوريا الجنوبية. "وآخر شيء ترغب الصين في رؤيته هو قيام نظام دمقراطي من طراز اميركي في كوريا الشمالية"، يضيف قائلا النائب سون سون يونغ من سيؤول. ـ "فحتى لو استخدمت سياسة الابواب المفتوحة تجاه اسواقها، فإن الصين تريد من كوريا الشمالية ان تتبع الخط السياسي لبكين... ومع انه على الموضة الان ان ينظر الى الصين من خلال النظارات المكبرة للاقتصاد، فإن الجيوبوليتيكا وليس الاقتصاد، هي التي تكمن في اساس استمرار الدعم الصيني لبيونغ يانغ". فالموقع الستراتيجي لشبه الجزيرة الكورية لم يتبدل منذ آلاف السنين. "فاليوم تطوق الولايات المتحدة الصين بحلفائها وانصارها في افغانستان، الهند، كوريا الجنوبية، اليابان وتايوان، وهذا بالاضافة الى الاسطول السابع الاميركي الضخم في المحيط الهادئ"، يقول البروفسور كيم. "وفي الـ10 ـ 15 سنة القادمة ستواصل الصين مسيرتها كقوة صاعدة، وهي تعمل حسابا واضحا حول المشكلات المتأتية عن التطويق القائم".

وفي هذا السياق فان كوريا الشمالية، بالاضافة الى وضعها الستراتيجي بوصفها عتبة نحو الصين، فهي تمثل صوتا نادرا، داعما للدور التاريخي للصين في قلب آسيا.

ـ6ـ وبالنسبة لكوريا الجنوبية فإن اكثر ما يثير قلقها ان الصين هي في الوقت نفسه موظف الرساميل الاكبر والمساعد الاقتصادي الاكبر لكوريا الشمالية. وهذا ما يدفع بعض النواب في سيؤول الى الحديث عن السيطرة الاكبر التي تمارسها الصين على بيونغ يانغ، وحتى الى الحديث عن "الاستعمار الاقتصادي".

"ان اهتمام الصين بشبه الجزيرة يصبح اكثر قوة، والطريقة التي يمكن بواسطتها للصين ان تقوي وضعها الستراتيجي، ليس من الالزامي ان تكون عسكرية؛ فهي يمكن ان تكون اقتصادية" ـ كما يقول النائب سون. "فاذا كان الصينيون يسيطرون على الاقتصاد، فهم يمكنهم ان يسيطروا على السياسة وعلى الستراتيجية، ولهذا فهم يقدمون المنح باستمرار لكوريا الشمالية". والخوف من السيطرة التامة للنفوذ الاقتصادي الصيني يدفع سيؤول ـ وبالرغم من المنازعات العسكرية الراهنة ـ لان لا تقوم باغلاق المجمع الصناعي كيسون، حيث يعمل 40000 عامل كوري شمالي في اكثر من 100 مصنع تعود ادارتها للجنوب. فاذا ما فعلت ذلك تفقد كوريا الجنوبية العلاقة الاقتصادية المهمة الوحيدة بينها وبين اقتصاد كوريا الشمالية...

ان الطبقة الرأسمالية الكومبرادورية الحاكمة في كوريا الجنوبية معروفة بفسادها الكبير وكوسموبوليتيتها (لاوطنيتها) الاكبر وحرصها الشديد على مصالحها الطبقية الضيقة. ومن خلال هذه المصالح فهي ترتعد تماما من "عدوانية" كوريا الشمالية، ولكنها في الوقت نفسه تفضل وجود نظام "شيوعي" معزول في الشمال، على ان تمتد تجربة "الانفتاح الرأسمالي" للصين الحالية، الى كوريا الشمالية. لانه اذا تحولت كوريا الشمالية الى نسخة ثانية عن هونغ كونغ، او شانغهاي، فإن "الكرافاتات" الانيقة لـ"البرجوازية الحمراء" اي الرأسماليين الصينيين الجدد ستتحول الى حبال مشانق للكومبرادوريين التافهين في كوريا الجنوبية الذين سيخسرون كل شيء بما في ذلك دعم اميركا التي تفضل التقارب مع العملاق الصيني على القزم الكوري الجنوبي.

ـ7ـ ويحظى الموقف الصيني الحالي من التوتر العسكري المتفاقم بشدة في شبه الجزيرة الكورية، باهتمام كثيف من المعلقين الدوليين.

ويؤكد البروفسور كيم من جامعة سيؤول انه "فيما اذا لجأت الصين الى ممارسة ضغط شديد على كوريا الشمالية، فإنها يمكن ان تقع في ايدي روسيا، او ان تحسن علاقاتها مع اليابان وربما مع الولايات المتحدة الاميركية". والان في وقت يقوم فيه الاسطول السابع بالتجول في البحر الاصفر وينفذ مناورات مشتركة مع بعض دول المنطقة، فإن بكين تعمد اكثر فأكثر الى توطيد تحالفها "المعمد بالدم" مع كوريا الشمالية. ومن الواضح ان اي نزاع مسلح على حدود الصين يمثل بالنسبة لها تهديدا لامنها السياسي. وعلى المدى الطويل فإن الصين لا ترغب ابدا ان يكون لها حدود مباشرة مع حليف مكشوف للولايات المتحدة الاميركية.

ومن وجهة نظر معينة، فإن وجود كوريا الشمالية، كخط دفاعي ـ هجومي للصين، يلبي في الوقت ذاته "حاجة داخلية" صينية. فالثورة الصينية، وحرب التحرير ضد الاحتلال الياباني، والحرب الكورية في منتصف القرن الماضي، قد كبدت الشعب الصيني عامة والحزب الشيوعي الصيني والجيش الشعبي الصيني خاصة، ملايين وملايين الشهداء وما لا يوصف من التضحيات. ومن الخطأ الاعتقاد ان الاتجاهات الخيانية الرأسمالية الجديدة، ومنها اتجاه الانفتاح والتعاون مع اميركا (العدو الاكبر للشعب الصيني)، تشق طريقها بسهولة في الصين. فالجناح الثوري والقومي والوطني والشعبي لا يزال يمتلك قواعد شعبية هائلة في الصين، خصوصا بين الفقراء والمدقعين الذين هم الغالبية العظمى من الشعب الصيني، وبالاخص في صفوف قواعد الحزب الشيوعي الصيني والجيش الشعبي الصيني. ويمكن القول ان الصين تقف على شفير حرب اهلية هائلة. ولاجل تجنب الانفجار الداخلي تشير الدلائل ان هناك نوعا من التفاهم الضمني بين الجناحين: "البرجوازي الاحمر" المؤيد للرأسمالية، والجناح الشعبي الثوري (الحزبي ـ الجيشي) في الصين. ويقوم هذا التفاهم على اطلاق يد "البرجوازية الحمراء" في مناطق الانفتاح الرأسمالي المتفق عليها، كهونغ كونغ وشانغهاي، من جهة، ومن جهة ثانية: اطلاق يد الجيش الشعبي الصيني في بقية المناطق وخصوصا في المنطقة "الحليفة" التي تقف بوجه العدو الاميركي، ونعني بها كوريا الشمالية. وهذا يعني على ارض الواقع انه مثلما ان كوريا الجنوبية هي قاعدة اميركية؛ فإن كوريا الشمالية هي قاعدة صينية.

ـ8ـ بعد ان وجدت روسيا امنها الداخلي عن طريق خط "رأسمالية الدولة" و"القومية المعتدلة" الذي يمثله بوتين، اخذت تركز جهودها على تأمين امنها القومي، الستراتيجي عامة والعسكري خاصة. وفي هذا السياق تدرك القيادة الروسية تماما الخطر المتأتي عليها من الحشود العسكرية البحرية والجوية والبرية الاميركية واليابانية وغيرها في المحيط الهادئ وبحر اليابان الخ. وفي السياق ذاته فإن كوريا الشمالية (التي تدين بتحررها من الاستعمار الياباني الى الجيش الروسي في 1945، وتدين بمنع سقوطها تحت الجزمة الاميركية الى المساعدة الروسية في حرب 1950 ـ 1953)، وبصرف النظر عن طبيعة نظامها السياسي، يمكن ان تشكل بالنسبة لروسيا خطا اماميا دفاعيا ـ هجوميا قويا، ويعتمد عليه بشدة، في حال المواجهة الساخنة مع اميركا والاطلسي والمعسكر الغربي، كما في حال الرغبة في توجيه "رسائل قوية" الى الغرب، لا ترغب روسيا في الافصاح عنها مباشرة. ومن وجهة النظر هذه يعتقد الكثير من المراقبين ان كل مشكلة البرنامج النووي الكوري الشمالي لم تكن سوى سيناريو روسي سري (وبالاتفاق الضمني او المباشر مع الجيش الشعبي الصيني، بموافقة او بدون موافقة بكين الرسمية) لتمرير الاسلحة النووية والصواريخ عابرة القارات الى كوريا الشمالية ووضع اميركا واليابان والاطلسي، مرة اولى واخيرة، امام تحدي الامر الواقع.

استعدادات للقتال في كل الظروف

 

ـ9ـ في ظروف "مريحة" اخرى يمكن مناقشة طبيعة النظام الكوري الشمالي، والمقارنة والمفاضلة بين "الشيوعية" و"الاشتراكية" والرأسمالية والامبريالية الخ الخ. ولكن ما يمكن قوله في هذه الظروف العصيبة ان كوريا الشمالية هي بلد مستعمر سابقا، فقير جدا ومحاصر ومهدد بالاستعمار، رفض شعبه وقيادته ان يكون قاعدة للامبريالية الاميركية مقابل ان يتلقى بعض فتات النهب الامبريالي للعالم، وحافظ بالدم والتضحيات الجسام على استقلاله الوطني وكرامته الانسانية. ومهما قيل في طبيعة النظام والقيادة في كوريا الشمالية، فإن من حسنات تلك القيادة، وخلافا لجميع الانظمة العربية مثلا، انها لا تخدع شعبها. وقد اختارت القيادة الكورية الشمالية نظاما يمكن تسميته بتحفظ "الشيوعية الحربية". وهذه القيادة لا تعد شعبها بالرفاهية وبجنة "الاشتراكية" او جنة "الشيوعية"، بل هي تدعوه وتجنده لتكريس كل جهده وطاقاته لمواجهة خطر الاحتلال والاستعمار والاذلال والعبودية على يد العدوين التقليديين لكوريا: اميركا واليابان. والشعب الكوري الشمالي كله، شيبه قبل شبابه، ونساؤه قبل رجاله، هو تحت السلاح لمواجهة الاعداء الواقفين على الابواب. وفي حال تعرضت كوريا الشمالية لاي عدوان، فإن هذا الشعب الفقير والصغير، وبمعاونة اصدقائه ورفاقه الصينيين والروس وغيرهم، سيفجر لا اقليم الشرق الاقصى فقط، بل والعالم كله ايضا. وقد هددت القيادة الكورية الشمالية بكل صراحة انه في حال اندلاع الحرب فإنها لن تقتصر على كوريا، بل ان القيادة الكورية الشمالية (نفهم: وحلفاءها) ستضرب الاعداء اينما وجدوا. اي ان الجزيرة اليابانية ستترحم على قنبلتي هيروشيما وناكازاكي، وبحارة وطياري الاسطول السابع سيصبحون طعاما لقروش المحيط، ونيويورك وغيرها من المدن المليونية الاميركية سيسحقها عصف القنابل النووية كما تسحق الريح بيوت العنكبوت، واسرائيل ستحقق اخيرا "وعدها اليهوهي" وتقيم "دولة يهودية" خالصة في جهنم.

والواقع انه لا احد يمكن له ان يؤكد ماذا تخبئ تحتها من مفاجآت "القشرة الارضية" الكورية الشمالية. ولكن من المؤكد تماما ان النظام الكوري الشمالي لا يشبه بشيء اي نظام عربي، وهو ـ رغم "بوذيته" و"الحاده" ـ يطبق تماما الآية القرآنية الكريمة "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة!".   

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

* كاتب لبناني مستقل

 

في نهاية شهر تشرين الاول الماضي اجرى زعيم كوريا الشمالية

كيم تشن ايل محادثات مع بعثة عسكرية صينية. ولكن واشنطن

عبرت عن رغبتها في ان تلعب بكين دورا ملحوظا في الدبلوماسية

الاقليمية بفضل علاقاتها "الفريدة" مع بيونغ يانغ.

 

  

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany