<%@ Language=JavaScript %> ماجد السامرائي كي لا نحرث في البحر
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

 

كي لا نحرث في البحر

 

 

ماجد السامرائي

 

هل حقيقة أننا، نحن العرب، «نعيش اليوم في مجتمعات مغلوبة»، كما رآنا «منصور عبد السلام» بطل رواية عبد الرحمن منيف «الأشجار.. واغتيال مرزوق»؟ وهل نحن، كما أضاف، «نخرج من عصر الى عصر من دون أن نترك أثراً في العصر القديم (بل ذكرى، في أحسن الحالات) ولا نحمل شيئاً الى العصر الجديد سوى رغبتنا، المكبوتة أو المنحسرة، باعادة ترميم إرادتنا كأمة»؟ وهل هذه الكلمات التي قالها بطل الرواية هذا، وهو يرى أن كل شيء في هذا الوطن العربي قد فسد و«تفتتت خلاياه، وتعفّن»، تجعل الأمر ـ كما تصوّره ـ «لم يعد اصلاحه ممكناً أبداً»؟ وهل أمامنا من سبيل آخر غير السبيل الذي رآه، وهو تدميره، تدمير هذا الوطن أنظمة ومؤسسات حكم، مؤملاً بميلاد عالم جديد «يقوم على أنقاضه... لعل بشراً من نوع جديد يأتون من صلب عالم آخر كي يطهروا هذه الأرض التي تعلوها الآن طبقة سميكة من القذارة والتفاهة» ـ ويعني بها الطبقة الحاكمة في الأنظمة القائمة؟

أسئلة أثيرت بالأمس القريب، وتثار اليوم فتثير اليوم أسئلة أخرى، ومنها السؤال عما إذا كان في مقدورنا، نحن المثقفين العرب، وإن كنا مغلوبين ونعيش في مجتمعات هي الاخرى مغلوبة، أن نبني اليوم، بل من جديد، ثقافة ثورية حقيقية، كانت أجيالنا السابقة قد أسست لها، لا لنواجه بها الثقافة الاستعمارية المندفعة، وبقوة، بروح الهيمنة على الآخر، وحسب.. ولا لنجعل منها رداً على/ وتحدياً لثقافة مغلوبة أصلاً، من سلفية تقليدية متراجعة أمام أبسط مفهومات التقدم والحياة الجديدة، الى ليبرالية عتيقة الروح والجوهر.. فقط... وإنما لتكون «ثقافة بناء» يستأنف بها انساننا العربي مشروعه الحضاري الجديد، من بعد كل ما حاصره من خراب، أو نال منه من دمار.. فنعيد بها / ومن خلالها ثقة الانسان العربي بنفسه، وبكونه أثمن راس مال (بعد أن تخلى أصحاب هذه النظرية عنه) ثقافة تجسد واقعاً واضحاً وحياً ليقظة الوعي العربي الجمعي؟.

أسئلة تُعيدنا الى صلب المشكلة: فالقضية التي تواجه هذه الثقافة، بما لها من بناء فكري، ليست في «الثقافة التقليدية» وما تشيع من «تحجّر عقلي»، ولا في نزعات سلفية استنفدت أطروحاتها، البالية أصلاً.. وإنما هي في القوى التي كنا، الى وقت قريب، أو لا نزال، نعدها «جديدة». فبعض من كانوا، الى ذلك الأمس، يرفعون شعارات التيار القومي التقدمي تحولوا بين عشية وضحاها الى أحد اثنين: فأما سلفي منغمر في التقليد، أو «وكيلاً» لأنظمة الغرب التي كان بالأمس يصفها بالاستعمارية.

وغير بعيد عنه، إن لم يكن قد سبقه بأشواط، كثير من حملة الفكر التقدمي، بينهم غير قليل ممن كانوا يقولون بولادتهم من صلب الفكر الماركسي، ومنهم من كان «يتمركس» على ماركس نفسه.. فإذا بهم «يتحولون» اليوم، جمعاً وأفراداً الى الليبرالية، ويتبنون الفكر الليبرالي حتى بأطروحاته الجديدة.. منكرين على انفسهم، قبل سواهم، مفهومات كانوا يتبنونها، من قبيل «الصراع الطبقي»، مستبدلين «مصطلحاتهم الأولى» (كالامبريالية وما يتفرع عنها من صفات ملازمة يجري التحريض على مقاومتها...) بأخرى مرحبة بالنظام العالي الجديد، ومتغاضية عن كونه من أسقط المنظومة الاشتراكية في منابتها الأولى، جاعلاً من أرضها ـ بعد أن غيّر ما عليها من علاقات وأفكار ـ مقبرة تاريخية لتلك الأفكار والرؤى الحالمة.

وإذا كان هذا هو ما أربك الخطاب الفكري والثقافي التقدمي في ربع القرن الأخير على وجه التحديد، فإن الأمر الخطير الذي نتج عن ذلك هو «تبادل المواقع» في مفهومات هذا الخطاب، ما جعل الثقافة التقدمية وخطابها يواجهان مأزقاً تاريخياً حاداً، لنجد الوجود التاريخي العربي يواجه بالعولمة، والخصوصية الثقافية القومــية تعيش حالة إلغاء بحكم «الانتماء الكوني»، والهوية العربية، أو الوطنية تواجه التفتيت الذي من شأنه أن يعدم كل ما لها من وجود تاريخي.. كما تداعت مفهومات الاشتراكية لتحل محلها قيم الاستهلاك، واقتصاد السوق، ونظام الخصخصة، والشركات عابرة الجنسيات... الى القول بنهاية الايديولوجيا.. فالعالم لم يعد كما كان، في نظر هؤلاء «المتحولين»، وإنما هو اليوم عالم الخيارات المفتوحة أمام الانسان والشعوب على السواء ـ ولايهم هنا قول القائل، كما قالت الكاتبة نادين غاردامير، بأن العولمة التي ينتجها عالم اليوم هي عولمة للفقر وللحرمان الثقافي والأمية.. وليست عولمة السعى لتحقيق التماسك الاجتماعي والتكافل، والتعاون الدولي في سبيل الخير الانساني العالم.. إنها اليوم، كما ستكون غداً على نحو أكثر افتراساً، أداة فعـالة في أيدي من يعملون على ترسيخ هيمنة من يهيمنون على «بقية العالم»، بحسب مصطلحاتهم.

قد نواجَه بالاعتراض من قِبـل بعض المعترضين الذين يرون أن الثقافة التي وسمناها بالهيمنة على الآخر ـ ونقول بشذوذها المعرفي والمفهوماتي ـ هي «ثقافة غد العالم»، لاعالم الغد، وأن علينا أن نتعاطى معها بروح إيجابية بديل التشنج والتمترس داخل حصون مفهوماتنا التي يجدونها تاريخية بالية (مثل الأصالة، والكيان التاريخي، والخصوصية الحضارية...) الأمر الذي يعني «تعطيل المواجهة»، إن لم نقل الاستسلام للمنطق السائد ـ أعني المنطق العــولمي المتكــوكب أمــيركياً، والذي يجد من «الدعاة الوطنيين» ما يساعده على التوغل أكثر في مفاصل الحياة والتفكير.

ولكن، في المقابل نسأل: هل عملنا، أمام هذا «المدّ الامبراطوري»، على تكوين وعي جديد يمكن أن يمد انسـاننا برؤية شامــلة تاخــذ في الاعتبار تحديات الحاضر والمستقبل، وبرؤية تاريخية جديدة؟ وهل بادرنا الى العمل، بديل الوقوف منتظرين، وقد استبدت بواقعنا قوى وإرادات غريبة على ثقافته وحضارته، وبالتالي على انسانه. والسؤال الأهم هو: من أين نبدأ؟

لعلها الأسئلة التي كان بطل «الأشجار.. واغتيال مرزوق» سيطرحها، لو عاد اليوم، على قوى «الثورات العربية الجديدة» التي عليها أن تواجه مثل هذه التساؤلات بايجاد الوسائل واقتراح الأساليب، وليس كما أضاعتنا وأضاعت نفسها منظمات مثل «المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم» التابعة للجامعة العربية يوم أمضت سنوات وسنوات في صرف اموال طائلة لوضع استراتيجيات وخطط شاملة للثقافة العربية، وجدت فيها المؤسسات والأفراد «وزناً زائداً» على المسموح به لضخامتها ورقاً وتعداد صفحات، فألقت بها خارج مكاتبها، وليس خارج اهتمامها وحده، تخلصاً من عبئها.. وزناً قبل أن تكون أفكاراً.

وهل ستستطيع هذه الثورات أن تعيد الاعتبار للفكر التقدمي العامل والفاعل بعد أن مسخته «فئات كانت ثورية»، أو محسوبة عليه، ولم تجد حرجاً، لا مع نفسها ولا مع التاريخ، أن تأتي في ركاب المحتل الأميركي فتكون «نِعْمَ العون»، له وليس للبلد الذي احتلّ، ويجد هو فيها «نِعْمَ ما اختار» بفعل ما قدّمت له، على أرض العراق تحديداً، من خدمات جُلّى.. ليس لها أن تنكرها أو تتنصل منها، وليس له أن ينساها؟

 

السفير 25/7/2011

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا