<%@ Language=JavaScript %> عماد مسعد محمد السبع الثورة واليسار في مصر
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

الثورة واليسار في مصر

 

 

عماد مسعد محمد السبع

مصر - القاهرة

 

من تناقضات المشهد الثورى المصرى أنه بينما ترفع وتردد الجماهير مفردات الأجندة اليسارية الداعية لمجتمع العدالة والتغيير الشامل والتنمية المستقلة والإنحياز للكادحيين والفقراء فى الميادين العامة وقلب ميدان التحرير - فأن حزب وتنظيم اليسار الثوري يظل غائباً عن هذه الساحات وعن الحضور المؤثر فى هذه اللحظة الثورية الفارقة.

الثابت أن اليسار – كأفراد وتنظيمات حلقية صغيرة – كان قطباً رئيسياً شارك فى الحراك السياسى والفكرى والجماهيرى الإحتجاجى قبل ال25 من يناير، كما ساهم بأدوار لا يمكن جحدها أو أنكارها فى المناخ الداعى للتغيير والثورة ضد مبارك.

ولكن، أين حزب اليسار القوى والمنظم والفاعل على الساحة المصرية ؟.

تقودنا الإجابة على التساؤل لتأمل واقع حزب (التجمع الوطنى التقدمى الوحدى) الذى أسسته طليعة يسارية مصرية فى أبريل 1976 عند تدشين التجربة الحزبية التعددية فى عهد السادات وحتى الآن. فعلى مدار أكثر من ثلاثة عقود تصدر هذا الحزب الساحة السياسية المصرية باعتباره تنظيماً شرعياً لليسار حيث تبنى برنامجاً اشتراكياً تحت مسمى (مجتمع المشاركة الشعبية) يميل لأفكار (يسار الوسط) ويخاطب ظهير اجتماعى عريض من العمال والفلاحيين والحرفيين والمنتجين الصغار والرأسمالية الوسطى المنتجة.

ثمة حاجة لتحليل النخبة التى تسلمت قيادة هذا الحزب عقب انتخابات مؤتمره العام السادس بالعام 2008 حتى سقوط مبارك واستظهار مواقعها الطبقية، وهل نشطت لتعبئة الجماهير خلف برنامجها ودفعت نحو تطوير أدائها السياسى والتنظيمى والحزبى من عدمه.

من البين أن نتائج هذا المؤتمر أسفرت عن سيطرة "جماعة تنتمى للشرائح الوسطى والعليا" على المناصب الكبرى بالمستويات القيادية المركزية، وفى الوقت نفسه وبمقادير حاسمة على تنظيم وادارة العمل الحزبى بلجان الحزب القاعدية فى محافظات مصر المختلفة.

ويكشف التحديد الإجرائى لهذه النخبة التى تحملت مسئولية الشأن التنظيمى داخل هذا الحزب عن وجود قسمين أساسيين:

الأول: عناصر "بيروقراط واداريين تابعين لجهاز الدولة وإعلاميين متخصصين واكاديمين" سيطروا على عضوية "اللجنة والأمانة المركزية" الكائنة بالعاصمة.

ويتكون القسم الثانى: من جناح للبرجوازية الصغيرة التقليدية يضم أصحاب مشاريع خاصة وحرفيين ومنتجين صغار سيطروا على لجان الحزب الفرعية بمحافظات مصر، ونشطوا كروافد داعمة للقسم الاول، مع تتبنى مواقف أكثر راديكالية ازاء بعض القضايا السياسية.

فضلاً عن صعود جناح للبرجوازية التجارية داخل الحزب حقق اختراقاً ملموساً صوب منصب الأمين العام للحزب (السيد عبد العال) وأمانة العاصمة وبما حقق لهم سيطرة على بعض أهم مفردات الشأن المالى  والإدارى  بالحزب.

تسكين الشرائح الوسطى بالمناصب القيادية المؤثرة فى هذا الحزب كان عمدياً وبهدف استمرار السياسات والتوجهات التى كرسها رئيس الحزب (د. رفعت السعيد) واعادة أنتاج سيطرة تياره على عصب الإدارية اليومية والسياسية للحزب.

ومن هنا فأن حراك بعض القيادات العمالية والفلاحية صوب عضوية المكتب السياسى بالتجمع لم يدفع نحو تغيير حقيقى فى بنية القيادة حيث ظلت آليات الحصر والتنفيذ الحزبى والتوجيه الإعلامى (أى شئون / الخزينة والمطبعة) بقبضة هذه الشرائح الوسطى.

الإنحراف عن التوجهات الإيديولوجية والطبقية لهذا الحزب جاء نتاجاً لسلوك وهيمنة عقلية هذه الفئة على مشهده السياسى والتنظيمى، وما بدا من انحسار لنفوذ و شعبية اليسار يعود للطابع التوفيقى والإنتقائى لتلك القيادة التى سعت دوماً لتحرير صفقات وانتهاز فرص مرحلية ضئيلة ووقتية مع نظام الحكم.

فقد جحدت هذه الفئة الرؤية الخاصة بطبقية جهاز الدولة المصرية وحتمية الصراع مع تحالفه السلطوى، وأكدت منهجية العمل داخله ووجوب تحويله على سند من أنها جزء من النظام والشرعية القائمة. كما لم تسعى لجذب القوى الإجتماعية الرئيسية صاحبة المصلحة فى تنفيذ برنامج الحزب من العمال والفلاحين، ولم تنشط حتى داخل أقسام من البرجوازية المصرية الصغيرة التى تمتلك وعياً متقدماً بالأزمة والسياسية الإجتماعية وتأخذ فى تحييدها واستقطابها.

ومن هنا ناصب الحزب الحركة المصرية للتغيير (كفاية) الخصومة عبر محطات متعددة، كما أهان (د. رفعت السعيد) فى تصريحات صحفية الحركات الشبابية ونشطاء الإنترنت وأعتبرهم "مجرد عيال لسعة لا تعرف معطيات الواقع السياسى  والإجتماعى المصرى" !.

فى حين حظيت عناصر من بين الفئة الحاكمة (على سبيل المثال / د. على الدين هلال) ومن الإحتكارات الرأسمالية المتحالفة معها (نجيب سيويرس) بحظوات متزايدة من جانب تلك القيادة ومثل أحتفال الحزب السنوي بذكرى تأسيسه مناسبة موسمية لتأكيد رضاء السلطة ورموزها الثقافية والفنية عن مواقف الحزب.

ولذلك هجرت الفعاليات الإشتراكية العمل تحت راية التجمع حيث لم تدفع قيادته لتجذير المنهج اليسارى كفكر وممارسة، ولم تدعم الإرتقاء بأساس وحدته السياسية وأطاره المرجعى كصيغة تجمع التيار (الماركسى والقومى العروبى والدينى المستنير) ضمن نواة يسارية واحدة تواجه اليمين الحاكم والإسلام السياسى الرجعى.

ومن ناحية الأداء السياسى غاب وعيها عن فهم تضاريس و متغيرات الخريطة السياسية فى عهد مبارك حيث التزمت الحرص على عدم المساس بمؤسسة الرئاسة المصرية وعدم تحميل مبارك أية مسئولية عن فساد نظامه واعتبار هذا حصاداً لوزاراته المتعاقبة ومسئوليينه التنفيذيين.

هذا الحزب تقاعد عن تسمية مرشح منافس لمبارك فى انتخابات الرئاسة المصرية، ثم عاد ودفع (بخالد محى الدين) فى الإنتخابات التشريعية للمنافسة على مقعد دائرة (كفر شكر) لينال خسارة مريرة أمام مرشح جماعة الإخوان المسلمين، ثم تلى ذلك العصف بكافة رموز التجمع البرلمانية وفاز بمقعدين يتيمين فى مجلس الشعب المصرى.

والواضح أن هذه القيادة اليسارية لم تستنسخ الأدوات الخاصة بمواجهة اليمين السياسى والدينى على الصعيد السياسى والجماهيرى، حيث تجاهلت مخططات الحكم الساعية لحصار وتحجيم النفوذ اليسارى، ولم تفهم فحوى الرسالة الواضحة بأن هناك تنسيق مستمر وقاعدة تحالف بين النظام وتيار الإسلام السياسى برافديه الإخوانى والسلفى.
وبدلاً من أن يباشر الحزب الدفاع والذود عن المبدأ الإشتراكى أعلن بيان صادر عن مكتبه السياسى فى 10 يبنير 2007 موافقته على ألغاء البنود التى تتحدث عن الإشتراكية بالدستور المصرى وبرر ذلك بأن يترك للأجيال القادمة حرية تقرير شكل نظامها السياسى والإجتماعى، وأنه ليس من حق أية قوة سياسية فرض مرجعيتها فى الدستور!.

ومما لا شك فيه أن ارتياحاً ساد سلطة الحكم تجاه تلك السياسات والتوجهات حيث أستأنس النظام مخالب الحزب اليساري الحاضر شرعياً فى الساحة، وألتزمت قياداته الخطوط الحمراء فى نقد مؤسسة الرئاسة، وادخرت صمتاً ازاء مشروع توريث مصر لجمال مبارك.

انحسار وتراجع الثقل اليسار دالة فى الممارسات السياسية لهذا الحزب الذى أساء للنضال اليسارى التاريخى وعجز عن بناء نفسه كقوة جماهيرية تعبر عن طموح وآمال القاسم الأعظم من سواد الشعب المصرى. ومن المفيد الإشارة هنا إلى أن الرموز اليسارية الفكرية المصرية تقاعدت عن نقد الأطروحات النظرية التى اعتمدها (د. رفعت السعيد) والتى أوصلت حزب اليسار لهذه الحالة من التدهور والتراجع (أيديولوجيا / الإحتكام للواقع والأسقف المنخفضة و التداخل المتناقض).

قد يكون (خالد محى الدين) أحد ثوار و شرفاء حركة يوليو 1952، وقد يكون (رفعت السعيد) أكاديمياً ومؤرخاً عتيداً للحركة الشيوعية المصرية، ولكن أيا منهما لم يسهم فى تجذير الخط اليسارى لحزب التجمع ودعم تمدده وانتشاره شعبياً و جماهيرياً.

ومنذ ثورة 25 يناير تضرب الإنشقاقات حزب التجمع حيث أنفرط عقد تيار التغيير المضاد لتوجهات (د. رفعت السعيد) وأسس لنفسه حزباً بديلاً تحت مسمى (التحالف الشعبى الإشتراكى)، بينما أنخرط التيار الرفعاتى فى صراع داخلي بهدف ضمان السيطرة على زمام القرار والتنظيم الحزبى فى مرحلة ما بعد مبارك.

ولكن، وفق الحساب السياسى يظل حزب التجمع بيتاً لليسار وحاضنة رئيسية لفعالياته المنظمة، واذا تمكنت القيادات العمالية والفلاحية وجيل الشباب من استعادة المواقع القيادية مركزياً ولجان المحافظات والسيطرة على القرار السياسى والتنظيمى، فسوف يسترد اليسار جانباً مؤثراً من مصداقيته وحضوره، ويسهم فى أنصاف الجماهير وإنجاز مطالبها المشروعة والعادلة، قبل أن تخطتف الثورة فى هذه اللحظة التاريخية الفارقة من حياة السياسية والمجتمع المصرى.

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا