<%@ Language=JavaScript %>
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 


الميديا والديمقراطية‏..‏ صراع وآفاق جديدة

 


 ابراهيم فتحى


يؤلف كثير من الباحثين في العالم وفي مصر الكتب ويدبجون المقالات يثبتون فيها أن وسائط الإعلام أي الميديا من صحف ومجلات وأفلام ودور نشر وقنوات تليفزيون وإذاعة وجهات إنتاج وتوزيع الموسيقي والأغاني تفشل في تقديم ذلك النوع من الإعلام الذي تحتاجه الجماهير الديمقراطية لكي تفهم واقعها المحلي وتفهم العالم. ويبين هؤلاء الباحثون أنه علي النقيض من الصورة المفضلة للميديا عن نفسها باعتبارها الساعية العنيدة وراء الحقيقة والمدافعة عن الحرية والعدالة فإنها في ممارساتها الفعلية تدافع عن جداول أعمال سياسية للمجموعات ذوات الامتيازات التي تسيطر علي المجتمع المحلي والدولة وكذلك النظام العالمي.
والصورة عن الواقع المحلي والعالمي لا تنفجر في أذهان الجمهور في أثناء تجل مفرد, بل تتراكم يوما بعد يوم في شذرات متكررة عن المشهد العالمي والمحلي تنتجها الميديا, لأن رؤية العالم الواقعي دينامية تراكمية قد تكون ذاتية التصحيح إن قدمت الوقائع تقديما سليما في ترتيب حدوثها وأهميتها النسبية وحقيقة المنتفعين بها. أما ما يحدث غالبا من تغييب معلومات حقيقية في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي مثلا- أو تقديم معلومات في غير سياقها ووزنها الفعلي فإن الصور الزائفة المتلقاة يكون من الصعب تصحيحها. بالإضافة إلي ذلك فإن الميديا هي المجال الفعلي لصناعة الثقافة في جميع البلدان. وتلك الصناعة لا تقوم بإبداع الأعمال الثقافية بل تقدم طلبا فعالا عليها ثم تنقلها من المبدعين إلي التوزيع السلعي بالجملة لجمهور واسع, عاملة علي فرض أنواع مطلوبة من الاستجابات للأحداث وقواعد السلوك والمعايير الجاهزة للقيم بالإضافة إلي التلقين النفسي والفكري.
وقد أنفق الأمريكيون في عام 1983 علي سبيل المثال 800 مليار دولار شهريا علي منتجات الميديا. كما كان هناك 263 مليار دولار ينفقها المعلنون شهريا, وتلك الإعلانات أداة مهمة للإنفاق علي الميديا والتأثير فيها. وهذا التأثير يدفع الميديا أحيانا إلي تقديم إعلام ملون مطبوخ في عروض تأسر الحواس يري بعض منتقديها أن أفكارها هي خردة تمت زخرفتها عن طرق معينة للحياة يقدمها ويلح عليها نجوم السياسة والسينما والفكر والوعظ الديني. وبذلك يمكن أن تكون الميديا آلة تهدف إلي حشو الرءوس بالصيغ الجاهزة التي تفكر بالنيابة عن الفرد فهي كليشيهات توجه الذهن وتحيزات عمومية تقدم باعتبارها الآراء المجمع عليها من جانب هؤلاء النجوم لتأكيد التكيف والانصياع للأوضاع السائدة. ولدي الميديا كوادر محترفة من مصممي الموضات الفكرية وطهاة المطبخ السياسي المقر رسميا, يعملون علي حرف أي نقد أو احتجاج إلي قنوات مأمونة ويؤكدون أن الأغلبية تختار ما يسميه المنتقدون قيودها من المسلمات الرائجة بكل حرية وترفل سعيدة فيها. وهؤلاء الطهاة يحددون نطاق المسموح به ويسمون النقد الفاتر السقيم نقدا بناء والمعارضة المدجنة معارضة موضوعية. ويقال بكثير من الصواب إن الميديا تحاول عموما بدرجات متفاوتة من النجاح والفشل أن تجعل عددا من الناخبين مبرمجين يؤدون أدوارا مرسومة. والميديا بإغراقها في الإلهاء والتسلية والترفيه والجاذبية قد تكون سلطة سياسية وثقافية ليست مسئولة أمام أحد ولا تهتم إلا برواجها واتساع جمهورها واصطياد الإعلانات.
كان عدد شركات الميديا الكبيرة في الولايات المتحدة في 1983 خمسين شركة تغطي أمريكا كلها ويفضل ملاكها البرامج التي يمكن استعمالها في كل مكان من العالم. وقد انخفض في السنوات الأخيرة عدد الشركات المسيطرة إلي عشر وهي الآن خمس فقط. ونكون بذلك أمام ميديا غنية وديمقراطية فقيرة. وهذه المؤسسات أو اتحادات الشركات الخمس هي تايم وارنر أكبر جهاز إعلامي في العالم وشركة والت ديزني وشركة مردوخ للإعلام وفياكوم وبرتلسمان. ولعل الأزمة التي يشهدها إعلام مردوخ في بريطانيا حاليا وتمتد عبر المحيط لتصل إلي الولايات المتحدة دليل علي مأزق المجتمعات الديمقراطية حين تسمح بالتوسع السرطاني والاحتكار السافر لوسائط الإعلام. وينشر ميردوخ صحفا إثارية مثل السن وتم ايقافها حافلة بالصور العارية كما يمتلك الشركة التي تنشر أكبر عدد من نسخ الكتاب المقدس. ولكن الآثار السلبية للميديا علي الديمقراطية ليست صورتها الكاملة, فهي بالإضافة إلي ذلك تخلق إمكان التعدد والتنوع. وقد لقي تطويع الميديا في مصر مقاومة من إعلاميين وفنانين وكتاب, بل إن الميديا وصناعة الثقافة في اهتمامها بالرواج استخدمتا هؤلاء المناهضين في بعض الأحيان. ففي السينما كان عندنا أفلام مستقلة ومخرجون ذوو ابتكارات جديدة. ولدينا كتاب الدراما الطليعيون وشهدت الصحافة كتابات كانت ممهدة ومناصرة للثورة. فالميديا ليست مطلقة التأثير وتلقي اتجاهاتها السلبية مقاومة من كثير من الإعلاميين وصناع الثقافة. إن انتزاع الديمقراطية يمكن الجماهير من ممارسة دور المحاسب لا المتلقي والمتأثر الخانع. ونستطيع أن نشهد ذلك علي سبيل المثال- في المشاركة التفاعلية لقراء الصحف علي الإنترنت في مصر وفي العالم.

 
الاهرام 26/7/2011

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا