<%@ Language=JavaScript %>  د‏.‏ محمد السعيد إدريس ما أشبه الليلة بالبارحة
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 


ما أشبه الليلة بالبارحة

 


 د‏.‏ محمد السعيد إدريس


منذ أسابيع ثلاثة مضت‏,‏ وبالتحديد في يوم ‏20‏ يوليو الماضي‏,‏ بدأت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب الأمريكي دراسة مشروع قانون يحجب المساعدات الأمريكية عن دول تصل إلي السلطة فيها منظمات مناوئة للولايات المتحدة‏,‏ ومن بين ما أثير من توضيحات لخلفيات.هذا المشروع كان قول رئيسة اللجنة النائبة عن الحزب الجمهوري ايلينا روس ليتينين إن مشروع القانون يفرض شروطا علي المساعدات الأمريكية الممنوحة إلي مصر ولبنان واليمن والسلطة الفلسطينية.
وأضافت: في حال أمسكت حماس أو حزب الله أو غيرهما من المنظمات الإرهابية الأجنبية أو متشددون عنيفون مواقع سياسية في حكوماتهم لن يحصلوا علي مساعدات أمريكية. وفي المقابل حرصت تلك النائبة الجمهورية رئيسة اللجنة علي أن تؤكد وتشدد علي أن مشروع ذلك القانون الخاص بشروط منح المساعدات الأمريكية ينص علي استمرار تقديم المساعدات الأمنية الأمريكية إلي إسرائيل.
اللافت هنا, أن تجديد الحديث الأمريكي عن ربط المساعدات لمصر وغيرها من الدول العربية بتلك الشروط استبق أي حوار وطني مصري حول معالم نظام الحكم الجديد, أو معالم الدستور الجديد الذي سينص علي شكل الدولة وخصوصيات السياسة والحكم في العهد الجديد, ما يعني أن الأمريكيين مهتمون بالتدخل في صياغة معالم هذا العهد الجديد.
فالسؤال الذي يشغل الأمريكيين الآن هو: كيف يمكن الإبقاء علي مصر, بعد سقوط نظام مبارك, حليفا يعتمد عليه في المنطقة؟, عبر عن هذا المعني كل من اندرس راسموسن الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) والكسندر فيرشو مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية لشئون الأمن الدولي أثناء زيارتهما لإسرائيل وحضور مؤتمر هرتزيليا قبيل سقوط نظام مبارك بيومين (9 فبراير2011). اندرس راسموسن عبر عن هذا المعني بقوله إن مصر يجب أن تبقي قوة معتدلة داعمة للسلام والاستقرار في المنطقة أما الكسندر فيرشو فكان أكثر وضوحا عندما قال إن إسرائيل والدول العربية لديهما اهتمام مشترك باحتواء إيران ذات قدرات نووية وتأكيده أن بلاده ستعمل علي أن تحترم مصر السلام مع إسرائيل.
ما أشبه الليلة بالبارحة, فما يحدث الآن من حرص أمريكي علي احتواء الثورة المصرية والحيلولة دون قيام نظام سياسي جديد في مصر لا يخضع للهيمنة الأمريكية, وتوظيف المعونات الأمريكية لفرض ما تريده واشنطن من مصر يكاد يكون صورة طبق الأصل من تجربتين سابقتين مع مصر: الأولي في منتصف عقد الستينيات من القرن الماضي مع جمال عبد الناصر والثانية في أوائل عقد السبعينيات مع أنور السادات.
التجربة مع جمال عبد الناصر كانت صدامية استخدمت فيها إدارة الرئيس ليندون جونسون سلاح المعونات وبالذات المعونات الغذائية, وخاصة القمح, لإجبار مصر علي الانصياع لمطالبها, وعندما لم تستجب كان العدوان العسكري في يونيو 1967 هو الرد المباشر للقضاء علي النظام كله وإسقاطه.
كانت أبرز تلك السياسات الصدامية المصرية التي لم ترض عنها الإدارة الأمريكية تشمل أولا: الخطر الذي تحس به إسرائيل من جراء إنشاء القيادة العربية الموحدة نتيجة لقرارات مؤتمر القمة العربية في يناير 1964 وسبتمبر من العام نفسه, وما تلا إنشاء تلك القيادة من صفقات سلاح أدت إلي تعزيز القدرات العربية. وثانيا, أن مصر تبذل جهودا كبيرة في مجال صناعة الأسلحة غير التقليدية خاصة الصواريخ. وثالثا, اتجاه مصر لبناء قدرات نووية مصرية ورفض مصر التفتيش الأمريكي علي هذه المنشآت. ورابعا, التدخل المصري في اليمن والدعم المصري للثورة في عدن, وأخيرا المساعدات التي تقدمها مصر للثورات الوطنية في العالم.
لقد كانت تجربة واشنطن لكسر إرادة مصر بحجب معونات القمح مريرة بالنسبة للمصريين, وكان عدوان يونيو 1967 والدور الأمريكي فيه كان الأشد مرارة, لكن الصمود المصري البطولي من الشعب والجيش بعد النكسة كان التجربة الأسوأ للأمريكيين مع مصر: فالشعب رفض الهزيمة منذ اللحظات الأولي وخرج يطالب بالحرب ابتداء من ليلة التاسع من يونيو 1967 وبعدها بدأت حرب الاستنزاف المجيدة التي هيأت الجيش المصري للعبور في حرب أكتوبر 1973
لذلك كان طبيعيا أن يحاول الأمريكيون, بعد وفاة جمال عبد الناصر في 28 سبتمبر 1970, التدخل في مجريات توجيه السياسة والحكم في مصر, وجاءت المحاولة مبكرة في مايو 1971 في الزيارة التي قام بها وكيل وزارة الخارجية الأمريكية جوزيف سيسكو والتقي خلالها مع الرئيس السادات في حديقة منزله بالجيزة وكان الهدف هو محاولة الحصول علي إجابة لسؤال واحد هو: إلي أي مدي يمكن أن يقبل رئيس مصر الجديد أن يتحول عن طريق جمال عبد الناصر؟
وكانت الإجابة صادمة وهي: مائة في المائة (!!)
وبدأت التجربة الجديدة التي امتدت طوال عهدي أنور السادات وحسني مبارك, تجربة الخضوع المصري للهيمنة الأمريكية وتوجيه السياسة الخارجية المصرية لخدمة الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط وأهدافها وفي مقدمتها هدف حماية إسرائيل عبر التأثير في إدارة السياسة والحكم والاقتصاد داخل مصر.
تعددت الأدوات والأساليب لكن المعونات كانت أهم تلك الأدوات, معونات للدولة بالشروط وبالطريقة الأمريكية المعتادة لترويض الحكومات علي إدمان تلك المعونات واستحالة التخلي عنها, ومن ثم القبول بكل شروطها, ومعونات للقوي السياسية والاجتماعية بهدف إيجاد طبقة اجتماعية سياسية تابعة قادرة علي التغلغل في مؤسسات الإعلام ثم إلي البرلمان, فالحكومة ومنهما إلي السيطرة علي الدولة كلها, وهذا ما حدث فعلا, حيث سيطرت هذه الطبقة علي السلطة والثروة معا, وانحرفت بالدولة كلها. الآن يحاولون تكرار التجربة مبكرا مع مصر ثورة25 يناير وبالأدوات ذاتها, المعونات ورجال الأعمال, والإعلام, والجديد هو ما أنجزوه من جماعات موالية تأسست تحت شعار دعم ثقافة الديمقراطية ودعم ثقافة السلام. استطاعت أن تنحرف بالولاء الوطني من خلال ذلك الربط الزائف بين هاتين الثقافتين, لكن الثورة التي أسقطت نظام مبارك لن تسمح للتجربة أن تتكرر وأن تعود مصر ذخرا لإسرائيل وحجر الأساس في الاستراتيجية الأمريكية بالمنطقة, ولكنها ستكون, بإذن الله ثم إرادة الشعب, مصر العزة والكرامة

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا